من الغريب أن نسمع بعض العرب يطالبون بأن يدافع العرب في مواقفهم عن إيران ضد الهجمات والضغوط الغربية التي تتعرض لها، وأن يصل ذلك إلى حد المطالبة بوصف برنامجها النووي بالشجاع وأنّه في النهاية قوّة للعرب وليس ضدّهم كما يعتقد قصّار النظر (على حد قولهم)، وذلك في الوقت الذي سمح فيه العرب للقوات الأمريكيّة باستباحة حرمة العراق وأرضه وشعبه وتاريخه، وفتحوا مطاراتهم ومعسكراتهم وقواعدهم للهجوم عليه.
وغريب أن يريدنا البعض أن نصف أسلحة الدمار الشامل الإيرانية "بالشجاعة" في حين أنّهم اعتبروا أسلحة العراق وبالاً على الجميع، والتي بسببها تمّ تدمير العراق وتجريده من قوّته وقوّة العرب الاستراتيجيّة في مواجهة إسرائيل.
وأهم من اعتقد أنّ السلاح النووي الإيراني سيكون في صالح العرب، بل هو أخطر من السلاح النووي الإسرائيلي، فعلى الرغم من امتلاك الأخيرة له إلا أنّها هزمت في ال73 ولم تستطع استخدامه ضدّ العرب، في حين يتجاهلون الأطماع الإيرانية في المنطقة منذ 1300 سنة! ولذلك فأكثر ما يمكن أن نفعله هو أن نبقى على حياد تجاه إيران في هذه الضجّة الإعلامية، ولكن إذا أردنا أن نحسن استغلال الفرص والتوقيت المناسب فيجب على العرب ألاّ يتردّدوا باتباع نفس الأسلوب الإيراني تجاه قضايانا والقائم على الابتزاز والمصلحة، فهل نسيتم تعاون الإيرانيين مع الأمريكيين في أفغانستان لضمان مصالحهم؟! (ذكر علي أكبر هاشمي رفسنجاني قوله في يوم 8 فبراير من العام الفائت في خطبته بجامعة طهران : إنّ القوات الإيرانية قاتلت طالبان، وساهمت في دحرها، وأنّه لو لم تُساعد قوّاتهم في قتال طالبان لغرق الأمريكيون في المستنقع الأفغاني!)
هل نسيتم انحياز إيران لمصالحها في الحرب على العراق على الرغم من حيادها المعلن؟! محمد علي أبطحي (نائب الرئيس الإيراني للشؤون القانونية والبرلمانية) أدلى بتصريح في الإمارات في ختام أعمال مؤتمر الخليج وتحديات المستقبل الذي ينظمه مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية سنوياً بإمارة أبو ظبي مساء الثلاثاء 15/1/2004م قال فيه: إن بلاده 'قدمت الكثير من العون للأمريكيين في حربهم ضد أفغانستان والعراق ، ومؤكداً أنه لولا التعاون الإيراني لما سقطت كابول وبغداد بهذه السهولة!!.
إن امتلاك إيران للسلاح النووي يعد أكبر تهديد للأمن القومي العرب –إنْ بقي شيء منه- فإيران ترى نفسها الأحق بقيادة المنطقة في وجه العرب والأتراك (في الخليج العربي والقوقاز)، وإيران لا تزال تحتل أراض عربية شأنها شأن الأمريكيين والإسرائيليين، وكون الأولويات تفرض على العرب التأكيد على المساعي السلمية في حل المسألة إلاّ أنّ إيران تأبى دائماً الحلول السلمية والوساطات والمفاوضات.
و في الحقيقة استوقفني خبر نقل عن صحيفة جمهوري إسلامي الإيرانية عن مقالها الافتتاحي في عدد 7-3-2004م جاء فيه أن الإمارات كانت جزءاً من الأراضي الإيرانية فيما مضى ، وذكرت الصحيفة هذه الادعاءات في سياق انتقادها لمطالب الإمارات استرجاع جزر طنب الثلاثة التي احتلتها إيران قبل سنوات ، وطرحها لهذه القضية علي جدول أعمال اتحاد البرلمانات العربية في دمشق ووزراء خارجية الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي في الرياض .. واتهمت الصحيفة دولة الإمارات بتنفيذ رغبات القوى المهيمنة في العالم لإثارة التوتر في المنطقة ، وطالبت حكامها بأخذ العبر والدروس من صدام حسين الذي كان يطالب أيضاً بدوره بتحرير الجزر الثلاث ، كما هاجمت الصحيفة أيضاً بعض قادة الدول العربية، ووصفتهم بـالزعماء العرب الرجعيين ، وادعت أنهم " لم يدركوا بأن عهد الكلام الفاضي، ومنح الجباية للقوى الشيطانية في العالم العربي قد ولىّ.
هذا وتصرّ إيران على استعمال القوّة في مواجهة أي عقبة تحصل في علاقاتها مع العرب فقد رفضت إيران في 6/12/2004م عرضاً قدمه (الرئيس الإماراتي الجديد) الشيخ خليفة بن زايد آل سلطان باللجوء إلى الحوار أو التحكيم الدولي لحل النزاع بين البلدين حول جزر طنب الصغرى وطنب الكبرى وأبو موسى قرب مضيق هرمز، وقال (المتحدث باسم الخارجية الإيرانية) حميد رضا آصفي: "سبق وقلنا: إن هذه الجزر تابعة، وستبقي مستقبلاً للسيادة الإيرانية دون أدني شك". كما قامت إيران بمنع توزيع مجلة "ناشينال جيوغرافيك" العلمية في الأسواق الإيرانية، وصادرت جميع النسخ التابعة لها، ومنعت صحافييها وكوادرها من دخول إيران في نوفمبر الفائت، وذلك لأنّ المجلّة أضافت اسم "الخليج العربي" إلى جانب "الخليج الفارسي"!!!
هذا و لا أريد أن أذكّر أنّ إيران هدّدت بأنّها ستقاطع دورة الألعاب دورة الألعاب الآسيوية المقررة عام 2006م في الدوحة عاصمة قطر إذا استخدم المنظمون كلمة "الخليج العربي" بدلاً من "الخليج الفارسي"، حسب ما ذكر التلفزيون الرسمي الإيراني، ونقل التلفزيون عن (نائب الرئيس الإيراني، ورئيس المنظمة الإيرانية للتربية البدنية) محسن مير علي زاده قوله "إذا زوروا الاسم التاريخي للخليج الفارسي خلال الألعاب الآسيوية عام 2006م ستقاطع إيران بالتأكيد هذه الألعاب".
وأكد أن "كلمة الخليج العربي استخدمت بدلاً من الخليج الفارسي" في كتيبات أعدها المسؤولون الرياضيون في قطر، وأكدت السلطات الإيرانية أكثر من مرة في الأسابيع الماضية أن استخدام كلمة "الخليج العربي" هو "مؤامرة من إعداد الصهاينة".
والجدير بالذكر أن التساهل العربي مع إيران والسكوت عن الحقوق المهدرة والمغتصبة من قبلها هو الذي دفع طهران إلى هذا الاستقواء، فإذا كان هذا حال طهران الحالية، فماذا سيكون حالها عندما تمتلك السلاح النووي؟؟؟ كفانا مجاملة ومهزلة، وقد أصبحنا لقمة سائغة للقريب والغريب فحتى الوسائل الدبلوماسية لن تنفع مع الجانب الإيراني كما رأيتم (وإن كنت من الذين يؤمنون بالوسائل الدبلوماسية) كفانا مجاملات على حساب الأمّة، ويجب أن ننتبه وننبّه ونشير إلى خطر الزحف الإيراني الذي يجتاح دولنا العربية اقتصادياً واجتماعياً ومذهبياً، وتحت مسمّيات وإشارات مختلفة وتحت شعارات زائفة حول الإسلام وحوار الحضارات، وهذا الكلام الذي لا يقدّم ولا يؤخّر، والذي يستهدف التنازل عن حقوقنا والانصياع فيما يرفض الطرف الآخر حتى كلمة "الخليج العربي" فكم من مرّة شارك العرب في دورات إيرانية رياضية وغير رياضية دون الاعتراض على "الخليج الفارسي" ؟؟ كم ؟
في النهاية نطمئن الخائفين على إيران من أنّ أمريكا لن تقصف إيران، وذلك لأنّ مصالحهم أكبر بكثير من اختلافاتهم، وما التهديد والتهويل إلا لابتزاز إيران لتقديم المزيد من التنازلات كما هي عادة أمريكا في الحصول على مبتغاها.