هو السلطان والملك التتاري بركة خان بن جوجي بن جنكيز خان زعيم القبيلة الذهبية أو مغول الشمال وقد كان جده 'جنكيز خان' قد قسم أملاك المغول بين أولاده الأربعة جوجي وأوغطاي وتولوي وجغطاي وكان جوجي أكبرهم وكان من نصبيه بلاد الروس والبلغار والقوقاز وما يمكن ضمه من غرب المعمورة 'شرقي أوروبا وغربي سيبيريا' وأوصى لجوجي بأن يخلفه في الخانية العظمى ولكن جوجي وافته المنية مثل أبيه 'جنكيز خان' فاختير أوغطاي خاناً أعظماً للتتار , وكان جوجي قد خلف ورائه سبعة أولاد هم أوردا , باتو , شوبان , بركة 'صاحبنا' , جمتامي , بركجار , توقايتمر' فلما مات جوجي ورث ملكه ولده الأكبر باتو وكان للإسلام بالغ الأثر في نفوس أبناء جوجي والسبب وراء ذلك أن أباهم جوجي قد تزوج الأميرة 'رسالة بنت خوارزم شاه' التي وقعت في الأسر وهي أخت السلطان جلال الدين آخر سلاطين الخوارزمية فكان لتلك الأميرة فضلاً على أبناء جوجي وإن لم يسلم منهم سوى بركة خان إلا أن باتو واخوته كانوا عطوفين على المسلمين , أما بركة خان فقد اعتنق الإسلام على يد أحد العلماء من مدينة بخارى وذلك في سنة 650هـ ومن يومها تحول هذا التتاري الوثني إلى جندي من جنود الإسلام شديد الحب للإسلام وأهله وبايع الخليفة المستعصم في بغداد وقام بإنشاء مدينة سراي 'مدينة سراتوف في روسيا الآن' لتكون عاصمة لمغول الشام وبنى فيها المساجد والجوامع وجعلها أكبر مدن العالم وقتها وفاقت كل بلاد العالم في السعة التحضر والعمران .
كان مما يميز بركة خان عندما أسلم أنه كان في منتهى الغيرة على الدين وأهله فعندما زين هولاكو ابن عمه للخان الأعظم مانغو الهجوم على بغداد والسيطرة على بلاد المسلمين رب مانغو بذلك وكان ذلك في حياة باتو أخي بركة الأكبر وزعيم القبيلة الذهبية فما أن وصل الخبر لبركة خان حتى التهبت مشاعره وألح على أخيه باتو في منع الهجوم على المسلمين واقتنع باتو بذلك وأجبر هولاكو على التوقف عن زحفه على بلاد المسلمين وذلك حتى وفاة باتو سنة 650هـ وخلفه ولده حرتق الذي لم يعش طويلاً حتى مات وخلفه عمه بركة خان الذي أصبح زعيماً لمغول الشمال أو القبيلة الذهبية وفي تلك الأثناء بدأ هولاكو الانسياح الوحشي لبلاد المسلمين ولم يتمكن بركة خان من إيقافه ذلك لأن جنوده كان معظمهم على وثنية جنكيز خان التي تحرم مخالفة الخان الأعظم وهو الذي أمر بالهجوم على بلاد المسلمين لذلك فلم يستطع بركة أن يفعل شيئاً عندما اكتسحت قوات التتار بغداد وأسقطت الخلافة مما جعل بركة خان شديد العداوة لكل التتار الوثنيين عموماً ولابن عمه هولاكو خصوصاً .
كان مما يميز بركة هي عقيدة الولاء والبراء الصحيحة النقية عنده ضرب بها الأمثال في كيفية تطبيقها لعل أن يتعلم منه حكام المسلمين اليوم , فلقد راسل بركة خان الظاهر بيبرس سلطان المماليك واتفقا على قتال هولاكو وجنوده حتى يخرجاه من بلاد المسلمين كلها وكتب لها قائلاً : 'قد علمت محبتي للإسلام وعلمت ما فعل هولاكو بالمسلمين فاركب أنت من ناحية حتى آتيه أنا من ناحية حتى نهزمه أو نخرجه من البلاد وأعطيك جميع ما كان بيده من البلاد ' الله أكبر ما أروعك يا بركة خان ولاء وبراء مع تجرد وإخلاص وعدم طمع في الدنيا هكذا يكون الرجال .
عمل بركة خان بذكاء من أجل استدراج هولاكو للقتال حتى يطيع جنود بركة قائدهم بركة في قتال إخوانهم التتار الآخرين في جيش هولاكو فاختلق الذرائع من أجل ذلك فطالب بركة هولاكو بأعمال تبريز ومراغة اللذان يدخلان ضمن حدود القبيلة الذهبية واعتبر تعدي جنود هولاكو عليها تعد عليه ثم طالب هولاكو بثلث الغنائم كما هو متعارف عليه في عهد باتو وألح في الطلب فاستشاط هولاكو غضباً خاصة بعد أن جاءه خبر هزيمة جنوده في عين جالوت سنة 658هـ فأعد هولاكو الجيوش وقرر الهجوم على جيوش بركة ولكن بركة استطاع أن يحقق انتصاراً هائلاً على جيوش هولاكو في سنة 661هـ .
كان بركة خان يتميز بفهمه الصحيح للعمل لدين الله وفهمه لطبيعة العداوة مع غير المسلمين لذلك فلقد عمل على إضعاف دولة المغول الوثنية وتفتيت كلمتها حتى يستطيع السيطرة عليها وإدخالها في الإسلام فاستغل خروج الخان الأعظم مانغو لقتال بعض الخارجين ومعه أخاه قبلاي وكان ترك أخاه أرتق بوكا مكانه لحين عودته فاستغل بركة وفاة مانغو لإثارة الفتن بين قبلاي وأخيه أرتق بوكا وبالفعل حدث بين الأخوين على منصب الخانية العظمى من عام 658هـ حتى سنة 661هـ واضطر أخوهما هولاكو لترك بلاد الشام والعودة إلى قرة قورم عاصمة التتار لإنهاء الخلافات بينهما مع جعل هولاكو شديد الحقد والبغض والعداوة لبركة خان .
استطاع بركة خان أن يقنع كثيراً من جنود التتار في الشام بترك جيوش هولاكو والانضمام لجيوش بيبرس وإعلان إسلامهم فاشتد غيظ هولاكو وحقد حتى طفح ذلك على عقله فأصيب بمرض الصرع الذي قتله .
ظل بركة خان طوال حياته في نصح ودعوة واتباع للإسلام وجهاد للكافرين من أبناء جلدته الوثنيين ودفاع عن الإسلام وأهله حتى مات رحمه الله وبل بالمغفرة ثراه وهو ذاهب لقتال أباقا بن هولاكو سنة 665هـ وقد ترك وراءه سجلاً عظيماً في العمل للدين والفهم للإسلام حتى أن السلطان الظاهر بيبرس سمى ولده الأكبر بركة خان حباً في شخصية هذا الرجل العظيم .