هسبريس - مصطفى شاكري
بعد محطة الغابون، يرتقب أن يحلّ الملك محمد السادس بدولة السنغال، في خضمّ التوتر السياسي الذي تعرفه غرب إفريقيا جراء رفض الرأي العام الإفريقي للسياسات الفرنسية بالمنطقة، نظرا إلى استمرار باريس في التعامل مع “العواصم السمراء” بالعقلية الاستعمارية القديمة رغم تغير موازين القوى.
وأجل الملك محمد السادس زيارته الرسمية إلى داكار التي كانت مبرمجة مساء أمس الأربعاء بسبب نزلة برد تعرض لها، وفق بيان صادر عن وزارة القصور الملكية والتشريفات والأوسمة، وهو ما أكدته أيضا قصاصة إخبارية لوكالة الأنباء السنغالية.
وتكتسي زيارة الملك محمد السادس إلى كل من الغابون والسنغال دلالة خاصة في هذه الظرفية العالمية، على اعتبار أن منطقة غرب ووسط إفريقيا تشهد تجاذبا دوليا بين القوى الكبرى لبسط نفوذها السياسي، مقابل تراجع شعبية “قصر الإليزيه” لدى المجتمعات الإقليمية، بما يشمل الغابون والسنغال والمغرب.
تبعاً لذلك، فإن استمرار المملكة في تقديم المساعدات الغذائية لهذه المنطقة الجيو-استراتيجية، خاصة ما يتعلق بالأسمدة الموجهة للفلاحين، يعكس الاهتمام المغربي بالأمن الغذائي في القارة التي تعاني من تبعات الجائحة وتداعيات الأزمة الأوكرانية-الروسية.
وفي الوقت الذي تركز فيه باريس على تقوية حضورها الأمني بالقارة، تواصل الرباط خطواتها العملياتية لتدعيم حضورها الاقتصادي والاجتماعي بالمنطقة، ما جعل المملكة محل ترحيب إفريقي من لدن جميع الأطراف التي باتت مدركة أهمية التحالف مع المغرب لمواجهة التحديات الدولية.
وأبرز الحسن الناصري، سفير المملكة المغربية لدى جمهورية السنغال، أن “زيارة العمل والصداقة التي يقوم بها الملك محمد السادس إلى السنغال هي التاسعة من نوعها، مما يعكس العلاقة الفريدة والمتميزة بين البلدين”، لافتا إلى أن “الزيارة الحالية تكتسي أهمية خاصة لأنها ستسهم في الدفع قدما بالتعاون البيني في جميع المجالات”.
وقال المسؤول الدبلوماسي ذاته، في حوار أجرته معه وكالة الأنباء السنغالية، إن “الزيارة ستكون فرصة لرسم خارطة طريق جديدة، وتطوير السياسات المتصلة بالتحديات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية في إطار نهج تعاوني موحد”، مبرزا أن “السنغال توجد على رأس أولويات المغرب”.
وبعدما تحدث سفير الرباط لدى دكار عن الروابط الروحية والثقافية والاقتصادية التي تجمع البلدين، شدد على أن “الملك محمدا السادس يعطي للقارة الإفريقية مكانة بارزة في أولوياته منذ توليه العرش”، موردا أن “النهوض بأوضاع القارة يقتضي تضافر جهود الأفارقة بشكل مشترك”.
وبالنسبة إلى أحمد صلحي، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة ابن طفيل في القنيطرة، فإن “الزيارة الرسمية إلى السنغال تعيد تنشيط الدبلوماسية الملكية باتجاه القارة الإفريقية، بعد توقف اضطراري مرده إلى تداعيات الجائحة، لكن ذلك لم يوقف النشاط الدبلوماسي المغربي تجاه إفريقيا، وهو ما جسدته مبادرات ملكية عدة لدعم بلدان القارة”.
وأوضح صلحي، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “الزيارة تحمل رسائل ملكية من العمق الإفريقي، تفيد بأن المغرب ما يزال محافظا على مبادئه العامة التي تكرس التعاون جنوب-جنوب”، مبرزا أن “الزيارات همت الدول الصديقة التي تجمعها علاقات أخوية وتاريخية مع المغرب، وستكون ربما بداية زيارات أخرى لعدة دول بالمنطقة”.
وتابع شارحا بأن “المغرب عمد إلى إعادة إحياء التعاون الإفريقي عبر تنشيط العلاقات الثنائية في مجالات وقطاعات جديدة”، معتبرا أن “السنغال هي الشريك الأول للمغرب بإفريقيا في جميع القطاعات، إلى جانب الروابط الأخوية والروحية والتاريخية بين الشعبين”.
واستطرد بأن “الزيارة الملكية إلى السنغال لها بعد آخر يتعلق بإعادة إحياء العلاقات الجماعية مع البلدان الإفريقية، وهو ما يجسده التصريح الأخير للسفير المغربي في داكار عن السعي الثنائي لإعادة رسم خرائط التعاون والانسجام لمواجهة التحديات المشتركة”.
وخلص الباحث الجامعي إلى أن “المغرب وفي لتوجهاته الخارجية بالقارة الإفريقية التي تشهد تنافسا محموما بين القوى الكبرى والصاعدة لترتيب علاقاتها مع بلدان المنطقة، لا سيما غرب ووسط إفريقيا، وهو ما تعكسه الزيارات المتوالية لقادة دول أجنبية عدة إلى القارة”.