لماذا سميت الجزائر بالمحروسة
الجزائر من الدول العربية التي لها تاريخ طويل من الكفاح والنضال، وربما يعرف الكثيرين منا الكفاح الجزائري الطويل ضد المستعمرين الفرنسيين حتى استقلال الجزائر ولماذا سميت الجزائر ببلد المليون شهيد ، لكن الكثيرين لا يعرفون لماذا سميت الجزائر بالمحروسة، وفي الواقع فإن أهلها يسمونها المحروسة من الله، وذلك لأن الثورة الجزائرية لم تكن الحرب الوحيدة التي خاضها شعب الجزائر لأنه في أكتوبر من عام 1541م، وبعد أن رسا أكبر أسطول بحري أسباني على شواطيء الجزائر وطوق مدنها وأوشك على احتلالها تدخلت عناية المولى عز وجل فهبت الرياح العاتية واستمرت الأمطار الغزيرة في الهطول لمدة 60 ساعة متواصلة وهذا تسبب في هزيمة الجيش الإسباني وخسارة نصف أفراده تقريبًا بعد تدمير معظم سفنهم.صراع الجزائر مع أسبانيا في البحر المتوسط
كان البحر الأبيض المتوسط منذ قديم الزمان ذو مكانة استيراتيجية هامة وقد قامت على ضفافه العديد من حضارات العالم القديم، ومع حلول القرن السادس عشر كانت الدولة العثمانية قد بدأت في التوسع داخل أوروبا وآسيا، لكنها لم تكن قد توسعت كثيرًا في البحر المتوسط.لكن منطقة البحر الأبيض المتوسط كانت محلًا للنزاع بين الإمبراطورية العثمانية المسلمة والدول المسيحية في أوروبا وعلى رأسهم الإمبراطور الروماني في إيطاليا وإسبانيا والتي كانت قد استولت على بلاد الأندلس بالكامل وقامت بقتل وتعذيب المسلمين وحتى من فر منهم نحو منطقة المغرب العربي ظلت إسبانيا ترسل خلفهم حملات لمحاولة قتلهم حتى لا يفكروا في العودة إلى بلادهم مرة أخرى، وأيضًا كانت تطمع بتوسيع الإمبراطورية المسيحية ، لذلك قامت إسبانيا في عام 1505م باحتلال المرسى الكبير وحولت المساجد فيها إلى كنائس، ثم احتلت وهران في عام 1509م ثم بجاية عام 1510م وطرابلس في نفس العام وعلى إثر تلك الانتصارات هنأ ملوك العالم المسيحي إسبانيا بتلك الانتصارات وخاصة ملوك صقلية ودوق البندقية، وبالطبع لم يكن هدف إسبانيا مطاردة المسلمين فقط، لكنها كانت تطمع أيضًا في استغلال الموارد الاقتصادية لتلك البلاد وخاصة أن جميع تلك المدن كانت موانئ هامة على البحر المتوسط من ناحية الغرب.
أما عن الدولة العثمانية فمع وصول السلطان سليم للحكم توجه نحو فتح المشرق الإسلامي وأيضًا قام بالاستيلاء على جزيرة رودس الواقعة بالبحر المتوسط وطرد منها منظمة القديس يوحنا والتي تعتبر من بقايا الحروب الصليبية على الشرق ، وبذلك أصبح الجانب الشرقي من حوض البحر المتوسط تابعًا بالكامل للدولة العثمانية رغم وقوع مدينة البندقية عليه.
في نفس الوقت الذي اعتقدت أسبانيا أنها قد ثبتت أقدامها بالمغرب العربي، ظهر على الساحة الإخوة برباروس وعلى رأسهم خير الدين بارباروسا والملقب بأمير البحار والذي تولى القيادة بعد استشهاد أخيه عروج، وقد نجحوا في تحرير كثير من المسلمين الذين اضطهدهم وعذبهم الأسبان، وواجهوا الأساطيل الأوروبية على طوال سواحل المغرب العربي.
لكن بعد استشهاد عروج تمرد عليه بعض القبائل في الجزائر والتي كانت تسمى بالمغرب الأوسط ، وأصبح الخطر الإسباني الذي يواجهه أشد ضراوة وكان أسطوله أقل قوة وتجهيز من الأساطيل الإسبانية.
وجد بارباروسا بعد أن ناقش أعيان الجزائر ومفتى المدينة أن يبقى في الجزائر ويستعين بالدولة العثمانية المسلمة للتصدي للأسبان فأرسل عام 1519م رسالة للسلطان العثماني سليم الأول، وهو نفس العام تقريبًا الذي انتخب فيه شارلكان إمبراطور للدولة الرومانية المقدسة والحامي الأول للعالم المسيحي.
وافق السلطان العثماني على إمداد خير الدين بالعتاد والرجال وبعث أسطول به ألفين من الانكشارية وتطوع معهم أربعة آلاف فرد وتم منحهم جميعًا امتيازات الانكشارية.
أصبح خيرالدين بارباروسا منذ ذلك الحين حاكمًا لدولة الجزائر واستطاع صد الحملة الإسبانية التي قادها هيجو دي مونكاد على الجزائر عام 1519م ودمر حوالي 26 سفينة إسبانية من أصل 40 سفينة شاركت في الهجوم وآسر وقتل منهم عدد كبير ويقال أن الرياح وعواصف هوجاء قد هبت على المنطقة وساهمت في تدمير الأسطول الإسباني.
كان الأسبان قد بنوا قلعة في الجزائر تسمى قلعة البنيون وحصنوها بالمدافع ليستخدموها في معاركهم، فقرر خيرالدين بارباروسا الاستيلاء على تلك القلعة وطرد الأسبان من الجزائر، وكانت حامية القلعة في ذلك الوقت حوالي 150 جندي بقيادة دون مارتن دي فيرغاس، فأرسل إليه خير الدين يطلب منه العودة لبلاده وترك القلعة، لكنه رفض فقصف بارباروسا القلعة بالمدافع وردت حامية القلعة بقصف المنازل، لكن خير الدين استمر في قصفهم وأنزل رجاله لمهاجمة القلعة وفي النهاية استولى عليها وآسر كل من تبقى داخلها ، فأثار ذلك سخط الأسبان خاصة بعد أن هدم بارباروسا القلعة وشيد مكانها رصيف بحري وميناء.
قرر شارلكان في عام 1530م إرسال حملة أخرى لمهاجمة الجزائر والانتقام وكان قائد تلك الحملة هو أندري دوريا والذي كان في السابق يخدم الملك الفرنسي فرانسوا الأول، وقد اختار الأسبان مدينة شرشال لإنزال حملتهم لأنها قريبة من جزر البليارو لأن عدد كبير من الأندلسيين الفارين قد استقروا بها وشاركوا في الحملات ضد الأسبان.
وفي البداية دخل الإسبان شرشال دون مقاومة تذكر وبدئوا في نهب المدينة، وعندما لاحظ الجزائريون الفوضى التي عمت الجيش الإسباني بدأوا في رد الهجوم فقصفوهم بالمدفعية وانقضوا على الجنود ومعهم مجموعة من الأندلسيين فقتل من الأسبان ألف وأربعمائة جندي.
بعد هذا النصر تم تعيين خير الدين بارباروسا قائدًا لأساطيل الدولة العثمانية وقد استطاع مهاجمة بعض الجزر الإسبانية والاستيلاء عليها، فقرر شارلكان الاستيلاء على تونس ليسيطر عليها كميناء هام على البحر المتوسط وفي سنة 1535م استولى عليها بالفعل، وقرر بعدها الاستيلاء على الجزائر أيضًا لأنها كانت أخطر قاعدة لمهاجمة إسبانيا في البحر وخاصة بعد أن أصبحت تابعة للدولة العثمانية التي ساهمت في تحرير عدد كبير من الأندلسيين المسلمين الذين تعرضوا شتى أنواع العذاب تحت الحكم الأسباني.
معركة الجزائر 1541م
اجتمع شارلكان مع الإمبراطور الروماني وقام بعمل تحالف مع عدة دول مسيحية وقرر شن أكبر هجوم للاستيلاء على الجزائر وشمل تحالف شارلكان كلًا من أسبانيا وألمانيا وإيطاليا وقد أرسل البابا بولس الثاني حفيده للمشاركة في الحملة وأرسلت مالطا مائة وأربعين فارس صليبي للمشاركة في الحملة ، ويرجح أن العدد الإجمالي للمشاركين في تلك الحملة تسعون ألف وتشير مصادر أخرى إلى أن عددهم كان 36 ألف ، وقام شارلكان بنفسه بقيادة تلك الحملة.وقد وصلت أخبار الحملة إلى الجزائر فقام حسن آغا الذي خلف خيرالدين في قيادة الجزائر بتجهيز جيش وأمر أسوار حول المدينة وعزز تحصيناتها ورمم الذي تهدم منها، ونصب الأبراج والمدافع على أبواب المدينة، وكان عدد الجنود الذي جمعه حسن آغا هو خمسة آلاف جندي وهو عدد قليل جدًا مقارنة بحجم جيش التحالف الإسباني، فكان حسن آغا يذكر جنوده بقول الله تعالى “كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بأمر الله”.
وقد وصف البعض شكل الأسطول الإسباني بأنه بناء كبير اخذ وجه الماء، وقد بدأ حسن آغا في إرسال مجموعات لقتال الأسبان بعد أن طوقوا المدن الجزائرية ،وفي ليلة 24 أكتوبر بدأت الأمطار تهطل وازدادت غزارة مع قدوم الليل وصاحبتها رياح شمالية، واشتدت الأمواج وأصبح الأسطول الأسباني في وضعية حرجة.
وكان الجنود قد غادروا السفن دون أخذ أي مؤؤنة معهم ولم يكن لديهم أماكن ليحتموا بها من الأمطار أو البرد أو الصواعق، ولم يستطيعوا أن يلقوا قذيفة واحدة، فانتهز الجيش الجزائري الفرصة وانقض عليهم يوم 25 أكتوبر، وانتهى الهجوم بخسارة الجيش وترجح الأقوال مقتل أكثر من أربعة آلاف فرد من الجيش الإسباني واستشهاد مائتين من الجزائريين، وتحطم من الأسطول الإسباني أكثر من 150 سفينة، وأسر منهم أعداد كبيرة