ظهر وقتها شعار “يسقط كل من خان … عسكر فلول إخوان” .. لو تفتكره ولو اني حاسك كنت صغير ساعتها
او مش مهتم قوى بالسياسة وقتها ودى كانت نوعية الكتابات وقتها كان أغلبها بتتمحور حولين الفكرة دى
ينطوي هذا الشعار ابتداءً على وهم أن العسكر أو الإخوان كانوا ذات يوم منحازين فعلاً لقضية الثورة، وفجأة خانوا رفاقهم الثوار وباعوا الثورة لأعدائها. ومن ثم فنحن ضدهم ﻷنهم خونة. الشعار مضمونه هو يسقط لأنه خان، أي أنه كان ابتداءً رفيقاً ثم انقلب وخان.
الواقع طبعاً غير ذلك، لم يكن جنرالات المجلس العسكري رفاق ميدان ذات يوم، نزلوا من أول لحظة لحماية وإنقاذ النظام والسيطرة على اندفاعات الثورة واحتوائها وليس لضمان انتصارها، حتى لو اضطرهم ذلك إلى بعض التنازلات والمناورات المحدودة، وبعض الأعمال المسرحية؛ التحية العسكرية للشهداء ومقابلة بعض الرموز، العسكريون جزء عضوي من النظام ولهم أوسع المصالح المشتركة معه، في الواقع هم متسقون جداً مع أنفسهم ومع مصالحهم ومصالح نظامهم، لم يخونوا سوى الوهم في أدمغة من تصورهم غير ذلك.
الإخوان تصدق عليهم نفس الملاحظة مع فروق بسيطة، أنهم من النظام لكنهم ليسوا جزءً من السلطة، كانت قضيتهم إفساح مساحة مشاركة في السلطة لهم ليرعوا أيضاً مصالحهم من أعلى.
ومن ثم ضغطوا على النظام بقدرٍ محدد، بهدف إجباره على إشراكهم معه في السلطة، ونسقوا أيضاً مع النظام في حدود تلك الضغوط – أو المعارضة المحسوبة – لم يخوضوا في أي وقت معركة بهدف تحقيق إصلاحات، ولم يدخلوا قبل 2011 في معارك حقيقية مع النظام، وتعايش الطرفان دون أزمات واضعين أمر حدود الاستبعاد والمشاركة تحت السيطرة من كليهما، وللإخوان أيضاً أوسع المصالح المشتركة في بقاء النظام واستقراره – قبل 2011 – فهم مستثمرون كبار في القطاع المالي والعقاري والخدمي والتجاري، وفى التعليم والصحة .. الخ. إن مصالحهم المادية كانت مرتبطة عضوياً باستقرار هذا النظام، دعموه، نسقوا معه، حافظوا عليه. ولم يعادوه فعلاً في أي لحظة، كانوا مؤيدين للتوريث، رافضين أي مواجهة مع مبارك، باحثين فحسب عن مساحة مشاركة أكبر، وفوق كل ذلك لم تكن كلمة ثورة واردة أبداً في قاموسهم أو أدبياتهم.
اندلعت الثورة في سياق لحظة ضغط من الإخوان بسبب لعب النظام ضدهم بسفور في الانتخابات البرلمانية، كانوا شديدي الحرص على عدم المشاركة في أحداث يناير، إلا أن تصاعد الأحداث، وتوعد النظام لهم وتحميلهم المسئولية، أجبرهم على النزول حيث صار تنظيمهم وأموالهم وأرواحهم مهددة إن لم يسقط مبارك، نزل الإخوان فعلا، ومنذ الساعات الأولي سعوا للتنسيق أيضاً مع النظام، هكذا اجتمع بهم رئيس جهاز المخابرات – عمر سليمان – ليتفقوا على إدارة الأزمة معاً، وعلى نصيب الإخوان لقاء خدماتهم، وباتفاقات انسحبوا من الميدان فور تنحى – أو عزل – مبارك، وفوراً ركبوا قطار الثورة المضادة بسفور في كل ما تلى ذلك.
هل خانوا؟ هل كانوا رفاق نضال ثورة فعلاً؟ هل كان هدفهم في أي لحظة أن تنتصر الثورة؟
لا لم يخونوا، لم يكونوا ثوريين في أي لحظة، لا أمس ولا الآن، لم يخونوا سوى الأوهام عنهم في أدمغة البعض.
الفلول هم رجال سلطة مبارك، وهو تعبير فضفاض جداً، لكن ببساطة هم حرس الدولة القديم في السلطة وخارجها، شبكة مصالح رأس المال القريبة من دوائر الحكم بأوسع معانيها، أعداء الثورة بكل الصور المفترضة قبل وأثناء وبعد وإلى الآن. إنهم – بمعنى ما وإلى حد ما – النظام وليس الثورة، فهل يخون النظام الثورة عليه بوقوفه ضدها؟! إن الخيانة هي أن ينحازوا فعلاً للثورة وهم جزء من النظام، فلم يكن لهم أي اتصال أو تعاطف أو خطوط مشتركة مع الثورة حتى يقال أنهم خانوها أصلاً، هنا ننتقل من الوهم إلى الهلاوس الذهنية. أو أنه ببساطة إيقاع وجرس الشعار أتى كلياً على حساب مصداقية ودلالة المضمون، وهو كثيراً ما يحدث في مجرى الأحداث العفوية، لكن أن يستمر إلى الآن، وينقش على رايات قوى مؤدلجة ومنظمة بدرجة أو أخرى، هذا هو المثير للدهشة
المشكلة الأخيرة هي إن كان الأطراف الثلاثة متسقين ومخلصين لموقعهم الاجتماعي ونظامهم، كما تبدى، فلماذا يستمر الشعار إلى الآن؟
هذا الشعار لا يسبب إزعاجاً لليبراليين، أو الإسلاميين خارج الإخوان؛ حازمون أو أحرار أو مصر القوية، أو حتى قطاعات من البورجوازية المصرية المنزعجة من حكم العسكر وبالطبع لا ترغب في الإخوان. ومن ثم هو شعار يسمح بتعبئة عناصر متناقضة عديدة حتى إشعار آخر، وهو فضلا عن كونه شعار في الأصل مبنى على توهمات وفرضيات غير صحيحة، هو أيضاً شعار لا يمس النظام البورجوازي ولا يهدده في شيء، إنه يتحدث ببساطة عن “خونة” وليس عن “نظام”. ولدى النظام دائماً بدائل في ظل ضعف الحركة الجماهيرية وتردى وعيها، ومن ثم هذا الشعار يمكن – بفوضاه وأوهامه تلك – أن يمثل طوق نجاة جديد للنظام في لحظات الأزمة، فهو ليس شعار مضاد للرأسمالية مثلاً، وليس شعاراً مضاد لدولتها ونظامها السياسي والاجتماعي.
نحن إذا نرفض تسويق هذا الوهم عن الإخوان أو العسكر؛ أنهم خانوا الثورة، وطبعاً تلك الهلاوس عن الفلول.
نحن في حاجة إلى شعار آخر يكون منبثقاً من صراعات الواقع من جهة، لا يحتمل توظيفه من قبل العدو من جهة أخرى، شأن أغلب الشعارات التي رفعت حتى الآن – بما في ذلك عيش حرية كرامة عدالة اجتماعية – واضح في دلالته على رفض النظام وليس أحد أو بعض تمثيلاته. وقد يكون أمراً جيداً إن يتفق على استخدامه – كمظلة عامة للدعاية والتعبئة – أغلب عناصر وقوى اليسار الراديكالي، مع استقلالهم في الحركة وفى تحديد التكتيكات المناسبة