سيطرة روما على العالم الهلنستي والبحر المتوسط الشرقي

القيصر الروماني. 

خـــــبراء المنتـــــدى
إنضم
14 يونيو 2009
المشاركات
7,650
التفاعل
20,683 83 2
الدولة
Algeria
في خلال ربع القرن الذي اعقب معركة زاما احرزت روما في شرق البحر المتوسط مكانة تعادل المكانة الذي احرزتها في غرب هذا البحر بانتصارها على قرطاجة خلال الحربين البونيتين الاولى والثانية , ويرجع تدخل روما في شرق البحر المتوسط وبسط سيطرتها عليه الى الاوضاع السياسية التي كانت قائمة في العالم الهلنستي عند نهاية القرن 3 قبل الميلاد مما يقتضينا ان نستعرض في ايجاز احوال اهم الدول والقوى الهلنستية انذاك وهي مصر البطلمية وسوريا السلوقية ومقدونيا .


الاوضاع في شرق البحر المتوسط عقب انتصار روما في الحرب البونية الثانية :

1- دولة البطالمة Ptolemaïkḕ basileía :


كان الهدف الاساسي للبطالمة الثلاثة الاوائل هو بناء دولة غنية وقوية ومن اجل ذالك وضعوا نصب اعينهم امرين : احدهما حكم مصر حكما مطلقا تسانده جيوشهم الاغريقية ووضع ايديهم على كل موارد البلاد وارغام المصريين على استغلالها الى اقصى حد ممكن لصالح حكامهم الاغريق وكذالك على اداء سلسلة طويلة من الضرائب , فلا عجب ان قلوب المصريين نبضت حقدا وكراهية واخذو يتطلعون الى الفرصة التي تتيح لهم تقويض دعائم الحكم المقدوني الجائر واسقاط سلالة البطالمة .
اما الامر الاخر الذي سعى اليه حكام البطالمة الاوائل فهو بناء امبراطورية بحرية قوية تضمن لهم اولا الاتصال الوثيق بالعالم الاغريقي وبحر ايجة وكان عندئذ مصدر الافكار والرجال ورؤوس الاموال , و ثانيا تكفل لهم تامين حاجيات مصر من الموارد الطبيعية التي تفتقرها اليها مثل الاخشاب والمعادن ومن ناحية اخرى تزيد ثرواتهم عن طريق السيطرة على التجارة البحرية والاستيلاء على ثاني اهم المنافذ والطرق الرئيسية للتجارة الدولية قديما وهو طريق التجارة بين البحر الاحمر و الهند والشرق الاقصى .
وقد بلغت امبراطوية البطالمة اقصى اتساعها في عهد بطليموس الثالث إيرغيتيس 246-221 ق م وكانت تشمل انذاك الى جانب مصر كل من كيرينايكي Cyrenaica برقة الحالية و قبرص وفينيقيا وجنوب سوريا "' سوريا الجوفاء " Cœle-Syria وعددا من الاقاليم المطلة على شواطى اسيا الصغرى الجنوبية والغربية وكذالك شاطىء تراقيا حتى مارونيا جنوب شرق البلقان ,فضلا عن عدد من الجزر في بحر ايجة ..


وبعد النشاط الذي ابداه بطليموس الثالث في مستهل حكمه ,جنح الى السلم وترك جيشه واسطوله البحري يسقطان في التراخي والضعف الى حد انه عندما توفي في عام 221 قبل الميلاد لم تعد مصر قوة بحرية يخشى بائسها ,وعندما ارتقى عرش مصر بطليموس الرابع Philopator وكان شابا عابثا غير مبالي بشؤون الدولة , راى الملك السلوقي في سوريا انطيوخوس الثالث الفرصة سانحة له للاسيتلاء على سوريا الجوفاء وعندما لاحت بوادر الازمة لم يكفي لبناء جيش قادر على مواجهة الخطر القادم من سوريا اولائك الاغريق المقيمين بمصر او المستاجرين من خارجها ,ما اظطر حكام مصر المقدونيين الى الاعتماد لاول مرة في جيوشهم على العناصر الوطنية المصرية , فجند 20 الف مصري شكلوا قلب الجيش البطلمي ودربوا على اساليب وتكتيكات القتال المقدونية واليونانية,وحين التقى الجيشان السوري والمصري في موقعة رفح عام 217 ق م , وانهزم احد اجنحة الجيش المصري المكون من الاغريق ,حسم المصريين المعركة باكتساح قلب الجيش السلوقي المكون من المقدونيين والاغريق , منذ ان عاد المصريين منتصرين في معركة رفح ادركوا قيمتهم العسكرية ونفثوا روح الثورة ضد الحكم المقدوني في مصر ..
وتعتبر واقعة رفح حدا فاصلا في تاريخ دولة البطالمة بين عهدين مختلفين : العهد الذي بلغت فيه دولة البطالمة اقصى اتساعها واوج قوتها , والعهد الذي اضمحلت فيه هذه الدولة فتزعزع سلطانها في الداخل وفقدت املاكها في الخارج وانتهى الامر بافول نجمها وزاول استقلالها , ويرجع هذا الاضمحلال الى سببين رئيسين احدهما داخلي والاخر خارجي :
اما السبب الداخلي فهو ضعف السلطة المركزية واختلال نظام الحكم ويعزى ذالك الى ثلاث عوامل رئيسية وهي :
1 - ان الدور الذي قام به المصريين في واقعة رفح اعاد اليهم الثقة بنفس فلم يعودو يتهيبون الوقوف في وجه حكومة الاسكندرية ثائرين على ماكنوا يلقونه من صنوف الضغط والاستبداد , وقد تعددت هذه الثورات منذ عام 216 ق م الى حد انها اضعفت قوة البطالمة وشلت ايديهم على الدفاع على ممتلكاتهم في الخارج .
2 - منذ وفاة بطليموس الثالث الى عرش مصر الى ملوك كانوا اما ضعافا او صبية فالت مقاليد الحكم الى عصبة من الاوصياء والوزارء الاغريق الذين عجزوا عن الارتقاء الى مستوى الاحداث وسعوا الى خدمة مصالحهم الشخصية وبقائهم في السلطة على حساب مصلحة الدولة فكان ذاكك خير مشجع لذوي الاطماع من الحلفاء او الاعداء على حد سواء للانقضاض على ممتلكات مصر الخارجية بل على مصر نفسها .
3 - ظهور روح التنافس واستحكام النزاع بين افراد اسرة البطالمة منذ عهد بطليموس السادس 180 - 145 ق م ذالك النزاع الذي عمد الرومان الى تغذيته واستغلاله وساعدهم على تغلغل نفوذهم بدولة البطالمة و توجيه سياستها والتحكم بها.
اما السبب الخارجي فهو انه حين بدات عوامل الاضمحلال تدب في دولة البطالمة كانت تعتلى مسرح السياسة الدولية ثلاث قوى طموحة وهي الامبراطورية السلوقية في عهد انطيوخوس الثالث والدولة المقدونية في عهد فليب الخامس والجمهورية الرومانية .


15183(2).png



2 - دولة السلوقيين Basileía tōn Seleukidōn :


وقد كانت دولة السلوقيين او سوريا على حد تعبير الرومان اضخم الممالك الهلنستية من حيث الاتساع وعدد السكان والدولة التي ورثت الجزء الاكبر من امبراطورية الاسكندر الكبير, الى انها كانت تاتي بعد البطالمة من حيث الثراء وكانت سابقا سلوقية دجلة على انقاض بابل القديمة هي النواة التي نشات منها هذه الدولة منذ اقتسام قادة الاسكندر لامبراطوريته بعد حرب الخلفاء (Diadochi) , وبفضل جهود مؤسسها الاول سلوقس الاول (نيكاتور) احد قادة الاسكندر امتدت حدودها شرقا حتى وصلت البنجاب والسند وغربا حيث شملت معظم اسيا الصغراى وشمال سوريا لتكون على صلة بالعالم الاغريقي , ومن اجل ذالك نقل السلوقيين عاصمتهم الى انطاكية التي اسسوها على نهر العاصي وكافحوا سيطرة البطالمة على سوريا الجوفاء وعلى شواطى اسيا الصغرى , لان تسليمهم بذالك كان يحرمهم موارد ضخمة وانشاء اسطول كبير والاحتفاظ به في تلك الاصقاع,بل كان يتيح للبطالمة ان يسدوا في وجوههم الاتصال ببحر ايجة والعالم اليوناني فتصبح دولتهم ممكلة شرقية بحتا منعزلة تماما عن عالم الاغريق ..
بيد ان ضخامة الامبراطورية السلوقية كان ايضا مكمن ضعفها بسبب الشاسعة التي كانت تفصل بين مقر السلطة المركزية وبين الولايات وكذالك بسبب تباين العناصر والشعوب المتعددة التي كانت هذه الامبراطورية المترامية الاطراف تضمها , وفضلا عن ذالك فان سلطة السلوقين كانت تستند على المرتزقة والنزلاء الاغريق وكذالك على المدن الاغريقية التي انشاها الاسكندر والملوك السلوقين في اسيا , غير ان هذه المدن التي كانت عبارة عن واحات اغريقية وسط القارة الاسيوية الشاسعة لم تفلح الى حد محسوس في نشر الثقافة الاغريقية وربط اجزاء هذه الامبراطورية بعضها البعض في اطار حضاري وسياسي اغريقي واحد , ولم يكن من شان اخضاع هؤلاء الاهالي الى حكم اجنبي وثقافة دخيلة انه كسب عطفهم وولائهم , بل على العكس من ذالك انه اثار حفيظتهم والرغبة في الثورة على الحكم اليوناني , ولم يضعف الامبراطورية السلوقية الثورات المتكررة التي وقعت في الولايات الشرقية فحسب , بل ايضا داء النزاع الاسري الذي ابتليت به اسرة السلوقيين مبكرا ..
وقد كانت النتيجة الطبيعية لهذين العاملين انه اصاب الامبراطوية السلوقية تفكك شديد حوالي عام 220 ق م ولكن انيطوخوس الثالث تمكن بكفايته ونشاطه من انقاذ الامبراطورية ,ذالك انه بعد هزيمة رفح لم يركن الى حياة المسالمة بل نشط في القضاء على القوى الهدامة في امبراطوريته ,فتحالف مع اتالوس ملك برغامون وحارب ابن عمه اخايوس السلوقي 216-215 ق م الى ان تخلص منه نهائيا واسترد معظم الممتلكات السورية في اسيا الصغرى , في عام 212 ق م يمم انطيوخوس وجهه شطر اسيا وولاياته الشرقية , وبضفل حمل مظفرة قارنها العالم الهلنستي بحملة الاسكندر الكبير , قضى على الثورات في فارس وميديا وباكتريا وبارثيا ووصلت فتوحاته الى غاية البنجاب وجبال الهندكوش فاظهر قوته امام ولاته الاسيوين واعادة وحد الامبراطورية على اساس متين ,فاكتسب بذالك مكانة رفيعة في دولته والعالم الهلنستي , ومنذ عودته اتخذ لقب الملك الاكبر مثل ملوك الفرس الاخمنيين قديما ,وكان الاغريق يدعونه بانطيوخوس الاكبر Antiochos Megas , ومنذ ذالك الوقت اخذ انطيوخوس يتاهب للثائر لهزيمته في واقعة رفح 217 ق م واسترداد سوريا الجوفاء وباقي ممتلكاته في اسيا الصغرى وتراقيا عندما يحين الوقت المناسب


diadokhoi195nbc.jpg



3 - دولة الانتغونيين في مقدونيا Macedonia :


وقد كانت مملكة مقدونيا اصغر الدول الهلنستية الثلاث من حيث الثروة واتساع المساحة والسكان , بيد انها كانت تمتاز عن الدول الاخرى من حيث الترابط مع العالم الاغريقي و التقاليد العسكرية والروح المعنوية وولاء المواطنين لحكامهم القوميين ,فقد حرص هؤلاء الملوك على الحفاظ على التقاليد والنظم العسكرية التي وضعها فيليب الثاني وعمل ابنه الاسكندر الاكبر على تنميتها ,ولما كان الشعب المقدوني لم يفقد طابعه العسكري فانه كان في وسعه بناء جيش على درجة عالية من الاحترافية والكفاية وان كان صغيرا .



وقد كافحت مقدونيا كذالك سيطرة البطالمة على بحر ايجة واستطاعت في عام 245 ق م من احراز سيادة جزئية على هذا البحر بانتصارها على الاسطول البطلمي وسيطرتها على عصبة جزر كيكلادس cyclades , ومنذ اواخر عهد فيليب الثاني وبداية عهد الاسكندر كانت مقدونيا تدعي لنفسها حقوقا على شبه جزيرة البلقان ولكنها بعد وفاة الاسكندر لم تسيطر الى على تساليا والجزء الشرقي من بلاد الاغريق حتى برزخ كورنثة , فقد وقف حائلا دون سيطرة مقدونيا على بلاد اليونان الوسطى والجنوبية مقاومة عصبتي ايتوليا Koinon tōn Aitōlōn واخايا Koinon ton Achaion واسبرطة , وكان البطالمة يمدونهما بالمساعدة للحيلولة دون اتساع قوة مقدونيا ونفوذها .
بيد ان المنافسة الشديدة بين الدول الاغريقية افضت الى انحياز عصبة اخايا الى جانب مقدونيا وعندما انزلت مقدونيا هزيمة ساحقة باسبرطة عام 222 ق م كونت من اغلب بلاد الاغريق الوسطى والبلوبونيز عصبة بزعامتها ,وقد ورث فيليب الخامس هذه الاوضاع السياسية وحاغظ عليها بفضل انتصاره في الحرب المقدونية الاولى 212- 206 قبل الميلاد على الايتوليين برغم من تحالف برغامون وروما معهم ..
واذا كان فيليب قد خرج من صراعه مع الايتوليين وبرغامون وروما اكثر قوة واطماعا منه في اي وقت مضى فانه كان يدرك ان يتعذر عليه مكافحة روما بنجاح دون اسطول وموارد كافية ,وان بلاد الاغريق افقر من ان تمده بهذه الاحتياجات الضرورية , وانها لن تهب لنصرته بعد ان سلبها حريتها ,وازاء ذالك راى فيليب ان فرصته الوحيدة لتحقيق اغراضه كانت في الوصول الى الشرق وفي اعادة بناء الاسطول الذي اكسب مقدونيا سيادة جزئية على بحر ايجة عند منتصف القرن الثالث قبل الميلاد ولما كانت الجزر ومدن اسيا الصغرى التابعة للبطالمة لا تزال غنية او اغنى على الاقل من بلاد الاغريق ذاتها , فان الاستيلاء عليها كان يوفر له الموارد والوسائل اللازمة لبناء قوة بحرية كبيرة , ولكن اهداف فيليب كانت تتعارض من ناحية مع اهداف قوتي رودوس وبرغامون اللتان كانت تطمعان ايضا للسيطرة على بحر ايجة , ومن ناحية اخرى مع اهداف انطيوخوس الثالث الذي كان على وشك الانتهاء من دعم بناء امبراطوريته استعداد للانقضاض على امبراطورية البطالمة , وكان سقوط هذه الامبراطورية محط امال فيليب بشرط الى تقع في قبضة انطيوخوس الثالث .
ولكي يحقق فيليب مشاريعه التوسعية في بحر ايجة ,عقد الصلح مع الرومان عام 205 ق م والذي انهى الحرب المقدونية الاولى ,ولما لم يكن لديه ما يلزمه من الاموال والسفن لتنفيذ هذه المشاريع وكان عليه ان يقضي على قوة رودوس البحرية وممتلكتها في بحر ايجة باي وسيلة ممكنة , فانه لجاء الى وسيلة تعلمها من الالييرين وهي استخدام القراصنة في تحطيم قوة العدو وسلبه موارده , وقد نجح قراصنته في السطو على من الجزر والمدن الاسيوية وبذلوا جهدا كبيرا في تخريب موارد رودوس البحرية , وفي القوت نفسه عام 205-204 ق م اثار حربا عنيفة بين كريت ورودوس , وهكذا تمكن فيليب بفضل القراصنة من ان ينزل الى بحر ايجة اسطولا كان ندا لاساطيل رودوس وبرغامون .


28825a0dda5c75c6dfa3033372d68804.jpg



ويتبين من خلال هذا العرض الموجز ثلاث امور وهي :


اولا - انه عند نهاية القرن الثالث ق م كان الاضمحلال قد بداء يدب الى احد الدول الثلاث العظمى في شرق البحر المتوسط ,وانه اذا كانت الدولتان الاخريتان في ذروة قوتهما فانه من الناحية كانت لهما اطماع تنافسية متضاربة ومن ناحية اخرى فان كلتا الدولتان كانتا لهما اعداء في الداخل والخارج يتربصون بهم .
ثانيا - انه كانت توجد في العالم الهلنستي الى جانب هذه الدول العظمى الثلاث قوى اخرى على قدر كبير من الاهمية وهي مملكة برغامون في اسيا الصغرى وجزيرة رودوس , وعصبة ايتوليا شمالي خليج كورنثة , وعصبة اخايا جنوب هذا الخليج .
ثالثا - انه كانت لهذه القوى خاصة برغامون ورودوس اهداف جيوسياسية تتعارض واطماع انطيوخوس الثالث وفيليب الخامس مثل ما كانت اطماع انطيوخوس تتعارض مع اطماع فيليب , فقد كان الهدف الرئيسي لكل من هذين العاهلين الفوز باكبر قسط ممكن من امبراطورية البطالمة وهي التي سيطرت امدا طويلا على سياسات العالم الهلنستي واقتصادياته .
ومجمل القول انه حين خرجت روما مظفرة من حربها مع قرطاجة ,كانت دول العالم الهلنستي في شغل عنها بتحقيق اهداف متلاطمة لم يكن من شان الاندفاع والسعي نحو تحقيقها من طرف هذه الدول المتناحرة الا تمهيدا لسبيل روما في بسط سيطرتها على شرق البحر المتوسط والعالم الهلنستي على ما نحو سنرى لاحقا ...
 
احداث خطيرة في شرق البحر المتوسط عام 203 ق م - 201 ق م :


في 28 نوفمبر عام 203 ق م عندما اذيع نباء وفاة الملك بطليموس الرابع وزوجته Arsinoe III , ال عرش مصر الى ابنهما الصبي بطليموس الخامس Epiphanes Eucharistos الذي كان في الخامسة من عمره فتولى الوصاية على عرش مصر الوصي الحاكم Agathocles , اتخذ Agathocles عددًا من الإجراءات والترتيبات لترسيخ النظام الجديد. تم دفع أجر شهرين للجنود في الإسكندرية لضمان تايديهم , وتم إرسال الأرستقراطيين الاغريق البارزين إلى الخارج - لتأمين الاعتراف بوصاية Agathocles على عرش مصر من القوى الأجنبية الهلنستية الاهم ولقطع الطريق ومنع الأرستقراطيين المعارضين من تحدي Agathocles في الداخل بدعم من القوى الهلنستية, دخل النظام الجديد في مصر في مفاوضات مع ملك سوريا فارسل بيلوبس، حاكم قبرص المصري إلى أنطيوخوس الثالث ملك سوريا لتاكيد على الاستمرار في احترام معاهدة السلام المبرمة مع بطليموس الرابع في نهاية الحرب السورية الرابعة , و في نفس الوقت تم إرسال سفارة اخرى إلى فيليب الخامس المقدوني لمحاولة ترتيب تحالف ضد أنطيوخوس الثالث والزواج بين بطليموس الخامس وإحدى بنات فيليب الخامس , وتزامنا مع ذالك ايضا تم إرسال سفارة من مدينة ميغالوبوليس إلى روما ، على الأرجح للحصول على دعم ضد أنيوخوس الثالث, في النهاية كانت هذه المهمات والسفارات كلها فاشلة. خلال العام التالي ، استولى أنطيوخوس الثالث على الأراضي البطلمية في كاريا ، بما في ذلك مدينة أميزون ، وبحلول أواخر عام 203 قبل الميلاد ، عقد هو وفيليب الخامس اتفاقًا سريًا لتقسيم الأراضي البطلمية فيما بينهم. كانت الحرب مع أنطيوخوس الثالث متوقعة - أرسل أغاثوكليس أيضًا سفارة تحت قيادة Scopas الايتولي لتوظيف مرتزقة في اليونان استعدادًا للصراع ، على الرغم من أن بوليبيوس يدعي أن هدفه الحقيقي هو استبدال القوات البطلمية النظامية بمرتزقة موالين له, لكن في عام 202 ق م اطاحت ثورة الاسكندرية التي اثارها الاغريق والمصريين على حد سواء بنظام Agathocles , وتعاقب على وصاية عرش مصر بعده سلسلة من الاوصياء الحكام الذين ثبتت بنهاية عدم كفاءتهم ودخلت مملكة البطالمة تقريبا في الفوضى وناشد كل من الاطراف المتحاربة في مصر عون القوى الهلنستية الخارجية لتثبيت دعائم سلطته .


وازاء الاوضاع المتردية في مصر كان انطيوخوس الثالث وفيليب الخامس قد عقد العزم على استغلال ضعف الحكومة المصرية الفاسدة واتفاقا على اقتسام ممتلكات مصر الخارجية , ولما كانت المفاوضات سرية بين الطرفين فانه لم تعرف على وجه الدقة تفاصيل وشروط المعاهدة التي عقدت بينهما , وان كنا نرجح ان الاتفاق لم يشمل مصر بحد ذاتها بل اقتصر على ممتلكاتها الخارجية فقط وحدد مجالات الاهتمام لكل طرف في المعاهدة , بحيث ياخذ كل منهما اقرب الممتلكات المصرية الى مملكته , فياخذ فيليب ماتبقى لمصر من جزر الكيكلاديس وممتلكاتها في تراقيا وهلليسبونت وليسمياخا على ساحل البلقان الشرقي وكاريا وساموس على الساحل الغربي لاسيا الصغرى ومن المحتمل ايضا كيرينايكي على الساحل الليبي الشرقي , في حين ياخذ انطيوخوس منطقة سوريا الجوفاء وفينيقيا وماتبقى لمصر من ممتلكات اسيا الصغرى في كليكيا وايونيا وليقيا ومدينة افسس وتلميسوس .


ويبدو ان كلا من انطيوخوس وفيليب كان يطمعان في نهاية الى ضم عرش مصر لنفسه ,ولكن الظروف اظطرتهما الى ان يقنعا باقتسام ممتلكات البطالمة الخارجية الى حين , ذالك ان خوف انطيوخوس من فيليب منعه عندئذ من كشف القناع عن اطماعه الحقيقية , واظطره كارها الى النزول عن اقاليم تراقيا واقاليم اسيا الصغرى لمقدونيا كان يعتبرها من حق الامبراطورية السلوقية من عهد جده الاكبر سلوقس الاول ,ولذالك لم يكن مخلصا في الاتفاق الذي عقده مع فيليب , وقد كان فيليب يدرك ذالك ويخشي ازدياد اتساع الامبراطورية السلوقية وقد اصبحت ثانيتا شديدة الباس ولعل اخشى ما كان فيليب يخشاه هو الى يقنع انطيوخوس بجوف سوريا ويستولي على مصر كلها , ولكنه كان يرى من الضرورة الاتفاق مع انطيوخوس مؤقتا ليدعم مركزه في بحر ايجة وسواحل اسيا الصغرى قبل الاشتباك مع قوات انطيوخوس , ولذالك قبل عروض انطيوخوس وعقد معه تلك المعاهد المخزية على حد تعبير بوليبوس , لانه في الوقت الذي كان يتفق سرا مع انطيوخوس على اقتسام ممتلكات مصر كان يحسن في نفس الوقت وفادة البعثة المصرية ويوهمما باستعداده للدفاع عن ممتلكاتها والظهور في ثوب المدافع عن مصر والوصي عليها .
ومن المحتمل ان تكون تلك المعاهدة قد عقدت في شتاء عام 203 - 202 ق م وفي ربيع عام 202 ق م , بداء فيليب وانطيوخوس تنفيذ اغراضهما دون اي محاولة تبرير لاعتدائتهما , فغزا انطيوخوس جوف سوريا واستولى على غزة وفلسطين بعد مقاومة عنيفة ,حيث انشق حاكم سوريا البطلمي وانظم الى انطيوخوس , قاد الجنرال البطلمي سكوباس عملية إعادة احتلال ناجحة لفلسطين في شتاء 201-200 ق م ، لكن أنطيوخوس الثالث غزاها مرة أخرى عام 200 قبل الميلاد وهزمه بشكل حاسم في معركة بانيوم وركز الحكم السلوقي في سوريا الجوفاء التي لن تعود بعد ذالك للبطالمة .

اما فيليب وفي غضون ذالك فانه تنفيذا لسياسة التظاهر بالدفاع عن مصر لم يقوم بتعرض للمتلكات البطالمة في البلقان او اسيا الصغرى , وبدلا من ذالك انقض على عدة مدن مستقلة تقع بين الهللسبونت والبوسفور , فاخضع ليسيمياخا lysimachia وخلقدونية chalcedon وقيوس ceos وقد كانت مدنا حليفة لعصبة ايتوليا , واستولى كذالك على جزيرة تاسوس في طريق عودته الى مقدونيا .


وقد اثار غضب العالم الاغريقي اعتداء فيليب على عدة مدن مسالمة بخاصة الفضائع التي ارتكبها في قيوس وتاسوس , واستشاط انطيوخوس غضبا لقيام فيليب بمخالفه المعاهدة والقيام بتلك الفتوحات وبخاصة استيلائه على ليسمياخا والتي كان السلوقين يدعون حقوقا عليها , وكذالك نقمت ايتوليا على فيليب لاستيلائه على حليفاتها , واخيرا وليس اخرا اهاجت تصرفات فيليب قوة رودوس البحرية ورات في استيلائه على المضائق البحرية خطر يهدد تجارتها , فاعتبرته عدوا لها واخذت تستعد لمحاربته .
وفي ربيع العام التالي لعام 201 ق م استاتف فيليب نشاطه في بحر ايجة وعلى شواطى اسيا الصغرى , اذ استولى عندئذ على عدد من الجزر المستقلة كانت ساموس بينها , وفرض سيادته على تيوس teos و حاصر خيوس chios مما افزع رودوس وبرغامون التي كان لملكها أتالوس الأول ايضا مصالح اقتصادية في المنطقة ,ما ادى في نهاية المطاف الى تحالف قوتي رودوس وبرغامون برغم انهما كانتا ايضا الى ذالك الحين عدوتين - وصممتا على تحدي التوسع المقدوني في بحر ايجة , وعند خيوس التقتا الاساطيل المتحالفة لرودوس وبرغامون مع الاسطول المقدوني في معركة لم تكون حاسمة, وبعد اشهر التقى الاسطول المقدوني باسطول رودوس عند لادي lade والحق به هزيمة اضطرته الى الانسحاب جنوب بحر ايجة تاركا الساحة لفيليب للاستيلاء على ميليتوس melitus على الساحل الجنوبي الغربي لاسيا الصغرى , واذا ترك فيليب اسطوله يهاجم الجزر التابعة لرودوس , انقض هو على برغامون نفسها املا في مفاجئتها والاستيلاء عليها . لكنه رد على اعقابه واكتفى بتدمير أراضي أتاليد وتدمير المعابد خارج أسوار برغامون , وانصرف بعدها الى كاريا على الساحل الجنوبي لاسيا الصغرى حيث استولى على عدة مدن لم تكن ممتلكات مصر من بينها , وعندما اراد في شتاء عام 200-201 ق م العودة الى مقدونيا حاصرت برغامون و رودوس قواته البرية والبحرية في بارجيليا ، مما أجبره على قضاء الشتاء مع جيشه في بلد يقدم القليل جدًا من المؤن , ولكنه استطاع فك الحصار في ربيع عام 200 ق م عائدا الى مقدونيا.


و في وقت سابق ايضا من عام 201 قبل الميلاد ، تدهورت علاقات أثينا مع فيليب فجأة, بسبب مناوشات حدث في معبد ديميتر خلال موسم الاحتفالات بألغاز Eleusinian في اثينا راحى ضحيتها مواطنون اركانيون حلفاء لمقدونيا , رداً على ذلك ، شنت رابطة أكارنانيان koinon tōn Akarnanōn الموالية لمقدونيا غارة على أتيكا ، بمساعدة القوات المقدونية التي تلقتها من فيليب الخامس ، اثر ذالك وصل الملك أتالوس الأول ملك برغامون إلى أثينا مع سفراء روديان وأقنع الأثينيين ، الذين حافظوا على حيادهم الصارم مع مقدونيا منذ نهاية حرب Chremonidean ، بإعلان الحرب على مقدونيا, أبحر أتالوس ، وجلب معظم جزر سيكلاديك إلى جانبه وأرسل السفارات إلى الرابطة الايتولية على أمل إشراكهم في الحرب أيضًا. ردًا على إعلان الحرب الأثيني عليه ، أرسل فيليب قوة قوامها 2000 مشاة و 200 من سلاح الفرسان تحت قيادة فيلوكليس لغزو أتيكا ووضع مدينة أثينا تحت الحصار.


في هذه المرحلة ، على الرغم من أن رودس وبيرغامون بدوا أن لهم اليد العليا ضد مقدونيا بتحالفهم مع الرابطة الايتولية واثينا ، الى انهم ما زالوا يخشون فيليب كثيرًا لدرجة أنهم قرروا في نهاية الامر الى ارسال نداءً استغاثة إلى القوة الصاعدة لروما ، التي كانت قد خرجت للتو منتصرة من الحرب البونيقية الثانية ضد قرطاج. كان الرومان قد خاضوا سابقًا الحرب المقدونية الأولى ضد فيليب الخامس على إيليريا ، والتي انتهت باتفاقية سلام فينيقية في عام 205 قبل الميلاد. يمكن القول أنه خلال هذه المرحلة القليل جدًا من تصرفات فيليب الأخيرة في تراقيا وآسيا الصغرى كانت تعنى باهتمام الجمهورية الرومانية بشكل مباشر لذا أصدر مجلس الشيوخ في بداء الامر مرسومًا داعمًا وأُرسل ماركوس فاليريوس لافينوس على راس بعثة دبلوماسية للتحقيق في مزاعم كل من رودوس وبرغامون بشان اعتداءت الملك المقدوني كما سنرى لاحقا.
 
الحرب المقدونية الثانية de bello Macedonico عامي 200 - 197 قبل الميلاد :


انه لمن العسير القول بانه قبل عام 201 ق م كانت لروما سياسة محددة تجاه شرق البحر المتوسط , حقا انه نشات بينها وبين البطالمة علاقات ودية منذ تبادلت المجاملات الدبلوماسية مع بطليموس الثاني عام 273 ق م , لكنه لم يترتب على ذالك نتائج سياسة اكثر من وقوف مصر على الحياد في خلال الصراع بين روما وقرطاج والاستمرار في تصدير الحبوب والقمح لروما , وقد راينا كيف انه في الثلث الاخير من القرن 3 قبل الميلاد اصطدمت روما مع اليريا ثم مقدونيا بسبب اعتداءت القراصنة الاليرين على ايطاليا وتحالف فيليب الخامس مع هانيبال , مما افضى الى الحرب المقدونية الاولى ونشر حماية روما على منطقة صغيرة من شاطى الشرقي للبحر الادرياتكي وانشائها علاقات دبلوماسية مع بعض الدول الاغريقية , بيد ان نشاط روما عبر الادرياتكي كان محدودا غير متواصل ولم تمله سياسة توسعية عدوانية طويلة الاجل وانا املته تصرفات كل من اليريا ومقدونيا ضد روما .


ولم تلبث روما ان عقدت الصلح مع مقدونيا عام 205 ق م وكل هذا يوحي بان روما والتي كانت منهمكة في محاربة قرطاج حتى عام 202 ق م , لم تحفل او لم يكن في وسعها ان تحفل بالاحداث الجارية في شرق البحر المتوسط الى ان اجتذب انظارها نداءات دولة البطالمة وبرغامون ورودوس .

ومن الجائز انه عندما تدخلت روما في منطقة شرق البحر المتوسط اول مرة لم تمل سياستها اول الامر اية رغبة في بسط نطاق سيطرتها وامبراطوريتها بضم تلك الاقاليم البعيدة , وانما املى سياستها في الشرق القلق الذي اثارته السياسة التوسعية في نفوس الساسة الرومان و التي كان يتبعها كل من فيليب الخامس وانطيوخوس الثالث في الوقت الذي خرجت فيه روما للتو منتصرة لكن منهكة القوى من حروب ضروس كادت تزيل كيان الدولة الرومانية .

فقد ساورت الرومان المخاوف مما قد يقدم عليه فيليب الخامس وانطيوخوس بعد الفراغ من توسعهما في شرق البحر المتوسط , ولا سيما بعد انتشار خبر اتفاقهما على اقتسام ممتلكات مصر والذي اتضح خلال الحرب البونية الثانية انها مصدر هام للقمح الذي تحتاجه روما , فماذا لو استولى فيليب او انطيوخوس على مصر وقطع امدادات القمح على غوغاء روما في اي حرب ضدها .
لقد غزا هانيبال ايطاليا , فلماذا لا يقدم فيليب حليف هانيبال سابقا وانطيوخوس حليف فيليب على تكرار ذالك ؟
الم يعتزم الاسكندر الاكبر على ضم الغرب الى امبراطوريته ودولته العالمية ؟

الم ينضم بيرهوس ملك ابيروس الى المدن الاغريقية في جنوب ايطاليا في حربها ضد روما فاثبت بذالك ان يوجد في الشرق وبلاد الاغريق جيوش و رجال قادرون على ان يوحدوا ضد روما كل الذين يضيقون ذرعا بسيادتها على ايطاليا , فماذا لو اعاد فيليب توحيد بلاد الاغريق تحت التاج المقدوني وطلبوا بممتلكات الاغريق في صقلية وجنوب ايطاليا الغني بثروات والقمح.
والى جانب ذالك كله فان قرطاجة خرجت من الحرب البونية منهزمة ولكنه لم يقضى عليها قضاء مبرما وكانت دون شك تتوق للثار لهزيمتها فهل كان من المستبعد ان يجدد فيليب تحالفه معها ضد روما او يسعى انطيوخوس الى ذالك .

لقد كانت هذه الافكار هي التي تدور بخلد الساسة الرومان والتي يتم مناقشتها في مجلش الشيوخ الروماني والحياة العامة الرومانية ,وكانوا وضلوا لقرون لا يؤمنون جانب الدول الهلنستية فقد كانت لها تقاليد حربية جليلة الشأن , وكانت موطن اعظم الاختراعات في فنون القتال والنظم الحربية , والواقع ان الرومان لم يتخلصوا اطلاقا من هذه المخاوف , ذالك انهم حتى بعد الانتصارات الساحقة التي حققوها ضد فيليب وانطيوخوس وبرسيوس , كانوا لايزالون يخشون مقدونيا وسوريا ويدخلون في اعتبارتهم بان لا يسمحوا بصعود اي قوة في الشرق تعادل مكانة هذه الدول , لذا سنراهم بعد قرن ونصف من التخلص من مقدونيا وسوريا يشنون حربا استباقية مدمرة على كل من ميثرادتس ملك البونت وتيغران ملك ارمينيا من اجل نفس المخاوف , ويكفي ان نقرا اشعار هوراتيوس لندرك الارتياح العظيم الذي استشعره الرومان عندما انتصروا على كليوباترة في اكتيوم والقضاء على اخرى الدول الهلنستية , ونحس مدى القلق الشديد الذي كان يساورهم من البارثين خلفاء دولة السلوقيين في اسيا.

وازاء ذالك فأن الباعث الحقيقي على تدخل روما في سياسات دول حوض البحر المتوسط الشرقي واشتباكها مع انطيوخوس الثالث وفيليب الخامس في الحرب المقدونية الثانية و الحرب السورية املته سياسة روما الاستباقية في تامين نفسها ,وتقليم اضافر القوى الكبرى في العالم الهلنستي وجعل بلاد الاغريق ودويلتها درعا واقيا يحميها من اي خطر ياتيها من الشرق الهلنستي .
كان طبيعيا اذن ان ينتهز مجلس الشيوخ الروماني الفرصة , عقب النصر الروماني في زاما , ليشتبك مع فيليب قبل ان يقوي نفسه وقبل ان يفرع انطيوخوس من حربه ضد مصر ويتحالف الاثنان سويا وربما مع قرطاج ضد روما .
ذالك ان الفرصة كانت سانحة بحيث ان فيليب تحمل خسائر كبيرة في حربه مع برغامون ورودوس , وان انطيوخوس كان منهمكا في حربه مع مصر , وانه كان يؤيد روما ماديا واخلاقيا جانب كبير من الراي العام الاغريقي , وبخاصة في رودوس وبرغامون , وازاء هذه الاعتبارات كان يجب العمل فورا , فقرر مجلس الشيوخ الروماني اعلان الحرب على مقدونيا بحجة اعتدائها دون مبرر على رودوس وبرغامون حليفتا روما , رغم انه لا رودوس ولا برغامون كانت فعلا عندها حليفتا لروما اضافة الى ان رودوس وبرغامون هم من تحالف ضد فيليب وباشره الاعمال العدائية .


بداية الحرب :

في 15 مارس 200 قبل الميلاد ، تولى القناصل الجدد ، Publius Sulpicius Galba و Gaius Aurelius Cotta منصبهما في روما, و في ضوء التقارير الواردة من بعثة مجلس الشيوخ بقيادة ماركوس فاليريوس لافينوس Laevinus الى اليونان وتقارير أخرى من Pergamon و Rhodes و Athena ، تم تخصيص مهمة التعامل مع الاضطرابات في مقدونيا إلى القنصل Sulpicius Galba , والذي دعا إلى اجتماع الجمعية المئوية Comitia centuriata والتي شكلت الغرفة التشريعة والتمثيلية الثانية في الدستور الجمهوري الروماني والذي كان لها وحدها فقط الصلاحيات القانونية لاستصدار قرارات اعلان الحرب وايقافها ، الى ان الجمعية المئوية صوتت بالاجماع تقريبا على قرار رفض الحرب مع مقدونيا بسبب حالة الانهاك العام الذي كان يعيشه الشعب الروماني والاقتصاد الروماني بعد نهاية الحرب البونية الثانية .
وعندما رفضت الجمعية المئوية اول الامر اعلان الحرب على فيليب شكل مجلس الشيوخ الروماني بعثة دبلوماسية جديدة الى الشرق كانت مهتمها ظاهريا التوفيق بين انطيوخوس الثالث وبطليموس الخامس ملك مصر , واما غرضها الحقيقي فانه كان التاكيد على دعم روما للدول الاغريقية في حربهم ضد فيليب وحثهم على مواصلة القتال , وتسليم فيليب انذار روما الاخير والنهائي والوقوف على نوايا انطيوخوس الحقيقية وضمان حياده في النزاع القادم بين مقدونيا وروما .


وفي ربيع عام 200 ق م وصل السفراء الرومان الى بلاد الاغريق , وافلحوا في اثارة عدد كبير من المدن الاغريقية ضده وكسبها الى التحالف المناهض لمقدونيا , وابلغوا احد قواد فيليب انذار روما الاخير , وكان هذا الانذار يتضمن عدم محاربة اية مدينة اغريقية ودفع تعويضات كافية لبرغامون , وعندما علم فيليب الانذار لم يابه برد عليه , وانما سارع الى اتخاذ الخطوات اللازمة لمحاربة روما , فقد كان لا يزال اضعف من ان ينازلها في البحر ,كما ان مقدونيا كانت مكشوفة من الناحية الشرقية ناحية برغامون ورودوس , لذالك اراد تامين هذه الجبهة وفي الوقت نفسه المحافظة على خطوط اتصالاته عبر تراقيا والهللسبونت مع اسيا الصغرى حيث ترك قوات لحماية فتوحاته في كاريا , ومن ثم فانه قرر الاستيلاء على شاطى تراقيا والضفة الشرقية للهلسبونت وبيزنطة لمنع انزال لجيوش برغامون ناحية الشرق وكان هذا الساحل لايزال ملكا الى مصر , وعندما اظهرت اثينا استيائها من تصرفات فيبليب باعلان الحرب عليه , ارسل قوة خربت مقاطة اتيكا الاثينية , ومضى هو نفسه فاستولى على شاطى تراقيا وشبه جزيرة خيرسون تراقيا Chersonesus Thracica وعبر الهللسبونت وحاصر ابيدوس , وقبيل سقوط هذه المدينة قدمت اليه بعثة رومانية جديدة كانت في طريقها الى سوريا , لتقدم الى فيليب انذار جديدا , ذالك انه عندما علم مجلس الشيوخ الروماني بتغاضي فيليب النظر عن انذاره الاول وباعتدائه على تراقيا واتيكا , تمكن من اقناع الجمعية المئوية بضرورة اعلان الحرب على مقدونيا والى فعليهم ان يتوقعوا بقيام فيليب بغزو ايطاليا اذا هم لم يسبقوه بغزو مقدونيا فاصدرت الجمعية المئوية قرارها باعلان الحرب على فيليب , وقد تضمن مشروع قانون اعلان الحرب الجديد Lex Sulpicia de bello Macedonico قانون Sulpicia المتعلق بالحرب المقدونية , الى جانب المطلبين الواردين في الانذارين الاولين وهما دفع التعويض الى برغامون وعدم التعرض والهجوم على اي دولة يونانية, تضمن مطلبين اخرين وهما دفع تعويضات لرودوس وعدم المساس بالممتلكات المصرية وعندما كلفت البعثة الرومانية وكانت عندئذ في رودوس في طريقها لانطيوخوس - بابلاغ الانذار الى فيليب شخصيا اسندت هذه المهمة الى احد اعضائها وهو Marcus Aemilius Lepidus وقدر رفض فيليب اللانذار واحتج على أنه لم ينتهك أيًا من شروط صلح فينيقية الذي انهى الحرب المقدونية الاولى عام 205 ق م .

وبعد تسليم الانذار النهائي الى فيليب , او بعبارة اخرى بعد اعلان الحرب عليه , كان على السفراء الرومان القيام بادق جانب من مهمتهم , وهو زيارة انطيوخوس الثالث ملك سوريا ,وقد التقوا به حين كان يحاصر صيدا في اثناء قيامم باستكمال فتح جوف سوريا , ولم يكن الهدف من البعثة الدبلوماسية الرومانية الى انطيوخوس كما اشرنا سابقا الى الوقوف على نواياه الحقيقة اتجاه مجريات الصراع القائم بين روما ومقدونيا وضمان حياده وعدم تدخله الى جانب فيليب في هذا الصراع , وتحقيقا لهذا الهدف كان عليهم ان يكسبوا ود انطيوخوس ويضمنوا انهماكه في حربه ضد مصر وفي مشاغل اخرى فلا يجد فرصة للانظمام الى فيليب, وعليه فقد اعربت البعثة الدبلوماسية لانطيوخوس عن حسن نوايا مجلس الشيوخ اتجاه سوريا وملكها وسعيهم لاقامه علاقة دبلوماسية ودية بين الدولتان وتقديرهم لمشروعية اهدافه ومطالبه , وان روما تضمن لانطيوخوس حرية العمل كما يشاء , ولعل انطيوخوس قد ابدى للسفراء الرومان ارتياحه انشاء علاقات دبلوماسية مع الجمهورية الرومانية لكنه لم يعدهم بشيء فيما يتعلق بمسالة الحياد مفضلا اتخاذ موقف مبهم غامض لادراكه ان هذا الموقف كان يضمن له اكثر من وعود السفراء بحرية العمل كما يشاء .

وهكذا بعد ان امنت روما جبهتها الداخلية وكسبت الرأي العام الروماني باستصدار قرار اعلان الحرب على مقدونيا , وضمنت تحالف وتاييد اهم القوى اليونانية لها في حربها على مقدونيا ووقفت على موقف وقدرات ونوايا انطيوخوس من هذا الصراع , اخذت تجهز العدة اواخر عام 200 ق م لنقل الحرب الى مقدونيا وانزال جيوشها على سواحل الادرياتيكي كما سنرى لاحقا ..
 
مجريات الحرب المقدونية الثانية :

في عام 200 ق م أرسل الأثينيون ، الذين حاصرتهم القوات المقدونية ، نداء استغاثة إلى القوة الرومانية في كورسيرا. فتم إرسال قوة رومانية بقيادة Gaius Claudius Centho مع 20 سفينة و 1000 رجل لمساعدتهم. انسحب فيلوكليس Philokles وقواته من أتيكا إلى قاعدتهم في كورينثة ، استجباتا لطلب من الخالقسين قاد كلوديوس غارة مفاجئة على مدينة خالقيس Chalcis في يوبوا ، أحد معاقل المقدونيين الحصينة الرئيسية و المعروفة باسم "اغلال اليونان" وألحق أضرارًا جسيمة وخسائر فادحة بها ,هرع فيليب إلى خالقيس بقوة قوامها 5000 رجل و 300 من الفرسان حيث اكتشف أن كلاوديوس قد انسحب بالفعل ، فسرع نحو أثينا ، حيث هزم القوات الأثينية وقوات برغامون التي كانت تساند الأثنيين في معركة خارج بوابة Dipylon ونزل في Cynosarges, بعد إشعال النار في المقدسات والمقابر خارج أسوار المدينة ، غادر فيليب إلى كورنثة, من هناك ، نزل فيليب في Argos حيث كان اعضاء رابطة اخايا Achaean يعقدون اجتماعًا ، والذي حاول فيليب أن يجلبهم إلى جانبه مقابل دعمهم في صراعهم المستمر مع Nabis طاغية اسبرطة , انضم فيليب إلى قوة قوامها 2000 رجل جلبها الجنرال فيلوكليس ، وقام بسلسلة من ثلاث هجمات فاشلة على إليوسيس وبيرايوس وأثينا ودمر أراضي أثينا, ثم دمر المقدسات في جميع أنحاء أتيكا وانسحب إلى بيوتيا. كان الضرر الذي لحق بالمقدسات في أتيكا شديدًا ومثل نهاية دائمة لاستخدامها, قضى فيليب بقية الشتاء في التحضير للهجوم الروماني حيث أرسل ابنه برسيوس بقوة لمنع الرومان والدردانيين من التقدم فوق جبال سار إلى شمال مقدونيا, قام فيليب بتدمير المستوطنات في جزر سبوراد في بيباريثوس وسكياثوس لمنع الأعداء من استخدامها كقواعد بحرية , في حين تم تجميع الجيش المقدوني في ديميترياس بعيدا عن القوات الرومانية التي بدات بنزول في اليريا .


خلال هذا الوقت نزل جيش روماني الى اليريا بقيادة القنصل Publius Sulpicius Galba ، و أنشأ قاعدة ثابتة على نهر Seman في Illyria. تم إرسال قوة بقيادة Lucius Apustius للإغارة على الحدود الغربية لمقدونيا ، والاستيلاء على عدد من المدن أو تدميرها ، بما في ذلك مدن Antipatrea و Codrion, بعد هذه الحملة ، تلقى Sulpicius ولاء القبائل البربرية المتاخمة لمقدونيا الإيليريين ، و Dardanians ، و القبائل اليونانية Athamanes في ابيروس , لكن تركزت الجهود الدبلوماسية الاهم للاطراف المتصارعة في هذه اللحظة على كسب ولاء الرابطة الايتولية ، والتي بدت تميل إلى دعم الرومان لكنها ظلت محايدة في هذه المرحلة من الحرب, في ربيع عام 199 قبل الميلاد ، قاد Sulpicius قواته شرقًا عبر أراضي Dassaretii ، وهي قبيلة إيليرية احتلت المنطقة المتاخمة لمقدونيا الغربية, فجمع فيليب 20000 من المشاة الفلانجيست الثقال و 4000 من سلاح الفرسان ، بما في ذالك القوات التي كانت في تتمركز مع ابنه برسيوس في الشمال ، وسار غربًا ,حتى نزل على تل بالقرب من Athacus الذي كانت تطل على معسكر Sulpicius, بعد سلسلة من المناوشات غير الحاسمة بين الرومان والمقدونيين ، وردت أنباء على ان الرومان ارسلوا الدردانيين لغزو شمال مقدونيا حيث كان فيليب قد سبق وسحب قواته المتمركزة هناك لمواجهة Sulpicius ، فانسحب المقدونيون سراً في الليل. عندما أدرك ما حدث ، انطلق Sulpicius في مطاردة فيليب عبر Pelagonia ، ووجد قوات Philip تسد عليه الممر إلى Eordaea , هاجم Sulpicius القوات المقدونية واجبرها على فتح الممر الى Eordaea التي دمرها ، ثم اتجهو نحو Elimeia إلى الجنوب ، ثم اتبعو وادي نهر Haliacmon حتى Orestis ، حيث غزا كل من Celetrum و Pelion ثم عاد إلى قاعدته, قام فيليب في غضون ذالك بتقسيم قوته ، فأرسل فرقة من جيشه شمالًا للتعامل مع الغزو الدرداني ورده ، وهو ما فعلته ، بينما كان هو نفسه يتجه جنوباً .


في نفس الوقت الذي انطلقت فيه هذه الحملة البرية ، غادر الأسطول الروماني تحت قيادة لوسيوس أبوستيوس ميناء كورسيرا في ابيروس على البحر الايوني ، وقام بالاتفاف حول رأس Malea ، والتقى مع الملك أتالوس ملك بيرغامون بالقرب من هيرميون Hermion حيث شن الأسطول المشترك هجومًا على القاعدة العسكرية المقدونية في جزيرة أندروس واستولوا عليها لصالح بيرغامون, انضم إلى الأسطول سفن أخرى من رودوس وتوجهت شمالًا إلى شبه جزيرة خالكيديكي Chalkidike حيث كان الهجوم على كاساندريا فاشلاً تمامًا, يعدها انسحبت الاساطيل المتحالفة إلى شمال Euboea ، حيث حاصروا ودخلوا Oreus ، قاعدة بحرية مقدونية رئيسية أخرى , بحلول الخريف واقتراب موسم الإبحار من نهايته ، تفرقت وحدات الأسطول عائدة إلى موانيها الأصلية , مع تقدم الحملات الرومانية برا وبحر ضد مقدونيا ، قرر Damocritus ، القائد العسكري strategos للرابطة الايتولية ، أن الوقت قد حان للانضمام إلى الحرب الى الجانب الروماني , جنبا إلى جنب مع الملك أميناندر ملك قبائل Athamanes ، قاد غزوا على مغنيسيا وبيرهابيا ، ثم استمر في تدمير تيساليا. هناك ، ظهر فيليب فجأة وهزم قوتهم تمامًا, ثم أمضى بعض الوقت في محاصرة مدينة Thaumaci الايتولية ، لكنه انسحب بعد ذالك مع اقتراب فصل الشتاء حيث أمضى الشتاء في تدريب جيشه والانخراط في الدبلوماسية ، ولا سيما مع الرابطة الاخائية التي كانت لا تزال على الحياد .


في روما ، تولى القناصل الجدد مهامهم في 15 مارس عام 199 قبل الميلاد ، وخصصت قيادة الحرب في مقدونيا الى القنصل بوبليوس فيليوس تابولوس Publius Villius Tappulus , الذي ابحر من الأدرياتيكي إلى كورسيرا ، و حل مكان Sulpicius Galba في قيادة الجيش ,عند وصوله ، واجه Villius تمردًا من قبل 2000 جندي ، من قدامى المحاربين veteranus في الحرب البونيقية الثانية الذين كانوا يرغبون في التسريح فقام بحل هذا المشكل، من خلال إحالة مخاوفهم وانشغالتهم إلى مجلس الشيوخ ، لكنه اضاع الكثير من الوقت لمتابعة الحملة, في غضون التاخر الروماني سار فيليب غربًا وعسكر على جانبي نهر Aoös حيث مر عبر واد ضيق ,فسار فيليوس Villius لمقابلته ، لكنه كان لا يزال يفكر في ما يجب فعله عندما علم أن خليفته ، تيتوس كوينتيوس فلامينينوس Titus Quinctius Flamininus قد تم انتخابه قنصلا لعام 198 قبل الميلاد وانه في طريق إلى كورسيرا لتولي القيادة مكانه , في آسيا الصغرى ، تم غزو بيرغامون من قبل الملك السلوقي أنطيوخوس الثالث, نتيجة لذلك ، لم يكن أتالوس ملك برغامون قادرًا على المساعدة في الحرب البحرية في بحر إيجه حتى أجبرت بعثة السفارة الرومانية أنطيوخوس على الانسحاب من اراضي بيرغامون .

عندما تولى القناصل الجدد مهامهم في 15 مارس 198 ، أمر مجلس الشيوخ بتجنيد 8000 من المشاة الجدد و 800 من سلاح الفرسان للحرب, تم تخصيص قيادة الحرب في مقدونيا لتيتوس كوينتيوس فلامينينوس و الذي بدعم من عشيرة Fabii السيناتورية القوية و العريقة انتخب لمنصب القنصلية لعام 198 قبل الميلاد ولم يكن قد بلغ الثلاثين بعد في حين ينص الدستور الروماني على ان الحد الادني لتولي القنصلية هو 42 سنة ، وكان من انصار التيار philhellene اي محبي الهلنستية , تأخر فلامينينوس بسبب الأمور الدينية لبعض الوقت ، لكنه قام بعد ذلك بتجنيد القوات الجديدة ، وعبر البحر الأدرياتيكي ، وسرح قدماء جيش فيليوس Villius الذي شاركوا في الحرب البونية الثانية , ثم نزل الجيش لمدة 40 يوما في وادي أووس Aous ، حيث دعى فلامينينوس لمؤتمر سلام ، شارك فيه فيليب بنفسه , أعلن فلامينينوس شروط السلام الجديدة للرومان, حتى هذه اللحظة ، كان الرومان قد أمروا فيليب بالتوقف عن مهاجمة المدن اليونانية, لكن الان طلب فلامينينوس ان يقدم فيليب تعويضات لجميع المدن اليونانية التي أضر بها وسحب جميع حامياته من المدن خارج مقدونيا ، بما في ذلك تيساليا ، التي كانت جزءًا من المملكة المقدونية باستمرار منذ عام 353 قبل الميلاد , خرج فيليب من الاجتماع بغضب وقرر فلامينينوس الهجوم ,في معركة Aous اللاحقة ، انتصر فلامينينوس على الرغم من الميزة التي أعطتها التضاريس للجيش المقدوني ، عندما سمح ممر عبر الجبال بإرسال قوة رومانية لمهاجمة المقدونيين من الخلف, انهارت القوات المقدونية وهربت ، تمكن فيليب من جمع الناجين والتراجع إلى تيساليا, هناك دمر مدينة تريكا لمنعها من الوقوع في أيدي الرومان وانسحب إلى تيمبي, بعد الانتصار الروماني ، قاد الأيتوليون هجومًا سريعًا عبر آينيس وفي دولوبيا ، بينما هاجم الملك أميناندر جومفي وأحتلها ، في الركن الجنوبي الغربي من ثيساليا و في هذه الأثناء ، دخل فلامينينوس إبيروس ، الذي انضمت الآن إلى الجانب الروماني, ثم دخل تيساليا, و لم يواجه الجيش الروماني مقاومة كبيرة في البداية ، لكنه اظطر للقيام بحصار مطول على أتراكس Atrax , في النهاية ، أُجبر على التخلي عن هذا الحصار والتقدم جنوبًا إلى Phocis من أجل تأمين خطوط إمداده وأماكن إقامته لفصل الشتاء عن طريق الاستيلاء على أنتيسيرا Anticyra. ثم حاصر واحتل إيلاتيا Elateia .

أثناء هذه الحملة ، أبحر الأسطول الروماني إلى أثينا ,حيث التقى مع أساطيل برغامون ورودوس بالقرب من Euboea, تم الاستيلاء على Eretria بعد قتال عنيف واستسلمت Carystus ، مما يعني أن جزيرة Euboea بأكملها اصبحت الآن تحت السيطرة الرومانية. سافر الأسطول الروماني عائدًا الان حول أتيكا إلى كنشري Cenchreae ووضع كورينثة تحت الحصار , من هناك ، أرسل فلامينينوس وأتالوس والروديسين والأثينيون سفراء إلى الرابطة الآخية لضمها الى الحرب على الجانب الروماني , عقدت الرابطة اجتماعًا في Sicyon لتقرر كيفية الرد ، والذي كان مثيرًا للجدل للغاية بين اعضائها , فمن ناحية ، كان الأخيون لا يزالون في حالة حرب مع اسبرطة وكانوا متحالفين مع مقدونيا ، ولكن من ناحية أخرى ، كان Strategos الجديد أريستينوس Aristaenus مؤيدًا لرومان و قد وعده الرومان بإعطاءه مدينة كورنثة لتدمج ضمن العصبة الاخائية ,غادر الاجتماع ممثلو Argos و Megalopolis و Dyme ، والتي كانت جميعها تربطها علاقات قوية مع فيليب , في حين صوّت باقي أعضاء المجلس للانضمام إلى التحالف المناهض لمقدونيا , انضم جيش الرابطة الاخائية إلى القوات الأخرى التي تحاصر كورنثة ، ولكن بعد قتال شرس كان لا بد من التخلي عن الحصار عندما وصل 1500 من التعزيزات المقدونية بقيادة القائد المقدوني فيلوكليس من بويوتيا, ومن كورنثة ، تمت دعوة فيلوكليس للسيطرة على أرغوس من قبل المؤيدين للمقدونيين في المدينة ، وهو ما فعله دون قتال .


خلال شتاء 198/197 قبل الميلاد ، أعلن فيليب عن استعداده لصنع السلام. التقى الطرفان في نيقية Nicaea في لوكريس في نوفمبر 198 - أبحر فيليب من ديمترياس ، للقاء فلامينينوس , لإطالة أمد الإجراءات والمفاوضات ، أصر فلامينينوس على أن جميع حلفائه يجب أن يكونوا حاضرين في المفاوضات, ثم كرر مطالبه بأن يسحب فيليب كل حامياته من اليونان وإليريا وآسيا الصغرى,فلامينيوس كان يدرك ان فيليب لم يكن مستعدًا للذهاب إلى هذا الحد لذا تم إقناعه بإرسال سفارة إلى روما لتفاوض المباشر مع مجلس الشيوخ الروماني , عندما وصلت هذه السفارة إلى روما ، طالب مجلس الشيوخ فيليب بتسليم "قيود اليونان" ديمترياس و خالقيس وكورنثة ، لكن مبعوثي فيليب اجابوا بأنه ليس لديهم الصلاحيات او الاذن بالموافقة على ذلك ، لذا استمرت الحرب, وفقًا لبوليبيوس وبلوتارخ المؤرخان الرومانيين ، فان فيليب قد رغب فعلا في السلام عندما ارسل وفد المفاوضات الى روما , لكن تم التلاعب بهذه المفاوضات من قبل فلامينينوس وداعميه من بعض السيناتورات الرومان وعلى راسهم عشيرة Fabii الذي كان احد اعضائها وهو Marcus Fabius Buteo يتولى انذاك منصب principes senatus اي رئاسة مجلس الشيوخ الروماني - جاءت مبادرات فيليب بسلام متزامنتا تمامًا مع فترة إجراء الانتخابات القنصلية في روما لعام 197 قبل الميلاد , و كان فلامينينوس حريصًا على الحصول على الفضل في إنهاء الحرب في مقدونيا ، لكنه لم يعرف بعد ما إذا كانت قيادته للحرب سيتم تمديدها بمنحه السلطة البروقنصلية Imperium proconsulare لاستكمال مهامه بعد انتهاء فترة ولايته القنصلية , ام ان قيادة الحرب ستسحب منه ويتم اسنادها الى احد القنصلين المنتخبين لتلك السنة , لذا قرر فلامينيوس ان يمد في المفاوضات ويماطل ,حتى يعلم نتائج الانتخابات في روما وما اسفرت عنه قرارت مجلس الشيوخ , فاذا قرر المجلس سحب قيادة الحرب في مقدونيا منه كان فلامينيوس ينوي عقد اتفاق سلام سريع مع فيليب عندها ، ولذلك فقد أمد المفاوضات , إلى أنه ما ان علم أن قيادته في مقدونيا قد تم تمديدها حتى جعل أصدقاءه في روما يفسدون الاجتماع والمفاوضات في مجلس الشيوخ ويطرحون نفس الشروط السلام التي رفضها فيليب سابقا , بمجرد أن أصبح امر استمرار الحرب واضحا ، حتى حاول فيليب تحرير القدر الاكبر من قواته من خلال التخلي وتسليم مدينة أرغوس إلى نابيس طاغية اسبرطة ، لكن نابيس قام بعد ذلك بثورة في المدينة ونظم مؤتمراً سلام مع فلامينينوس وأتالوس والأخائيين في ميسينا ، حيث وافق على وقف مهاجمة الرابطة الاخائية وإمداد القوات للرومانية التي كانت متجهة لملاقة الجيش المقدوني في معركة Cynoscephalae كينوس-كيفلاي = رؤوس الكلاب كما سنرى لاحقا

حملة Sulpicius في مقدونيا العليا

1920px-Map_of_Sulpicius'_Macedonian_Campaign.svg.png


حملة Sulpicius و Flamininus في مقدونيا


Second_Roman–Macedonian_War_label_hu(1).png


الاطراف المتحاربة في الحرب المقدونية الثانية ومناطق نفوذها

rome_antique_carte_macedoine.jpg
 

بعد معركة رفح وانتصار المصررين على الجيش السلوقى و حدوث ثورة
قامت اسرة وطنية فى الجنوب بحكم مصر منافسة فى ذلك اسرة البطالمة ولكن تحالف الكوشيين اعداء مصر التقليديين مع البطالمة ومساندة كهنة امون للاسرة البطلمية قضى على هذة الاسرة
ومن هذا التاريخ اعتمدت سياسة عدم تجنيد المصريين لانهم جنود جيدين و لكنهم ثائرون
و استمر هذا الامر لمدة الف عام حتى ظهور الجيش المصرى الحديث فى عصر صلاح الدين
و بعد المماليك و هم من صنع هذة الانتصارات العظيمة
و اقام شرعية هؤلاء الحكام

وانتهاء بعصر محمد على العظيم رحمة الله و اسكنة جناتة
 
معركة Cynoscephalae عام 197 ق م :

خلال الفترة المتبقية من فصل الشتاء ، حشد فيليب كل القوى العاملة في مملكته حيث بلغ عدد القوات التي تما حشدها حوالي 18000 رجل من مشاة الفلانجيست الثقال phalanx أضاف إلى 4000 جندي من مشاة peltastes الخفاف من تراقيا وإليريا ، و حوالي 5000 من المرتزقة والحلفاء الاليرين و التراقين يقاتلون كقوات المشاة ، thureophoroi ، أو على الطراز الهلنستي مع الحراب, اضافة الى 2000 جتدي من سلاح الفرسان المقدوني والتسالي , تم تجميع كل هذه القوات في ديون, لكن اذا كان لروما ميزة واحدة على مقدونيا فهي قدرتها المنقطعة النظير على اعادة تجنيد القوات بفضل نظامها العسكري للتجنيد, و من المهم ملاحظة ذلك أنه في نفس العام الذي اعقب هزيمة Cannae ، وهي معركة فقدت فيها روما 16 فيلقا كاملا .استطاع مارسيليوس صد هجومين قرطاجيين على نولا , وقام سكيبيو بهزيمة صدربعل شقيق حنبعل في معركة درتوسا Dertosa في العام التالي, لذا يمكنك هزيمة الرومان لكن لايمكنك هزيمة نظمهم ، لم يكن لدى فيليب مثل هذه الميزة, كانت مقدونيا في حالة شبه حرب مستمرة منذ عهد الإسكندر الاكبر ، واستمر الحال كذالك في عهد خلفائه مما قلل بشكل مطرد المساحة المتاحة للتجنيد ، بينما كلف المزيد من الأرواح , بحلول وقت الحرب المقدونية الثانية ، كان فيليب يواجه ازمة بشرية حقيقية . يخبرنا ليفي أن فيليب سن احكاما جديدة لتجنيد في سجلات diagramma، حيث قام بتجنيد الفتيان وكبار السن, في حين أن هذا الاجراء كان من شأنه أن يمنحه القوات التي هو بأمس الحاجة إليها ، إلا أنه من الواضح أيضًا أن هذا الاجراء خفض كثيرا من المستوى القتالي لكتائب phalanx بضم عناصر عديمة الخبرة ، الذين من المحتمل أن يشعر الكثير منهم بالرعب عند اكتشافهم فجأة أنفسهم في ساحة المعركة. وبغض النظر عن مخاوف الجودة ، تمكن فيليب من وضع حوالي 16000 من الكتائب الفلانجيست في الميدان. شكلت هذه الألوية الأربعة جوهر جيشه ، وكانوا كذلك مدعومين بـ 2000 فلانجيست من كتائب الحرس الملكي النخبوي basilike agēma , في حين تم إرسال التعزيزات إلى فلامينينوس من إيطاليا ، قوامها 6000 جندي مشاة و 300 من سلاح فرسان و 3000 من مشاة البحرية Marinus , ضمت قوات فلامينينوس حوالي 25500 رجل ، اي 4 فيالق بمجموع 18000 جندي من المشاة الثقال ، و 4400 جندي من مشاة Velites الخفاف ، و 2500 من سلاح فرسان و 20 فيل حرب، بما فيهم جنودًا من القوات المتحالفة ، ورماة السهام المرتزقة من جزيرة كريت. في بداية الربيع ، ذهب فلامينينوس وأتالوس إلى طيبة Thebes لضم اتحاد مدن Boeotia إلى التحالف. استطع فلامينينوس ادخال 2000 جندي من جنوده خلسة إلى المدينة ، فلم يكن أمام جمعية الاتحاد خيار سوى الانضمام إلى التحالف الروماني, في المجلس ، أصيب الملك أتالوس فجأة بجلطة دماغية أثناء إلقاء خطاب وأصيب بالشلل في جانب واحد, في النهاية تم إجلاؤه إلى بيرغامون ، حيث توفي في وقت لاحق من ذلك العام.

اعطت معركة Cynoscephalae نظرة اكثر من واقعية على كيفية عمل الفيالق و كتائب manipulus الرومانية خلال القرن الثالث والثاني قبل الميلاد , خلال الظروف الاقل مثالية , وقدمت اختبارا حقيقيا للفعالية القتالية والاداء ليس وفق ماصممت عليه الفيالق الرومانية ودربت عليه فقط, بل اختبار لادائها عندما يتم وضعها تحت ضغط غير متوقع .

الحقيقة هي أن أياً من الجانبين لم يرغب في القتال ولم يكونوا مستعدين له , كلاهما كان يفضلان أرضية مختلفة للمعركة ، في وقت اختيارهم لارض المعركة ، تآمرت الظروف المناخية لتحقيق غير ذالك , خلال المسيرة كانت هناك عاصفة ممطرة غزيرة , وكان فلامينينوس ، يتقدم بجيشه ، على أمل اعتراض فيليب في Pherae ، وهي بلدة في جنوب شرق ثيساليا ، حيث كان فيليب يبحث عن الطعام, ضع في اعتبارك أن إطعام جيش قديم لم يكن عملاً عاديًا,بشكل عام يعتقد أن فيليب كان لديه أكثر من 25000 رجل معه في Cynoscephalae ، وهذا لا يحسب الخيول وحيوانات القطيع . جيش في مسيرة سيحتاج إلى آلاف الأطنان من الطعام كل يوم ، معظمها لا يمكن أن يكون حملوا معهم, أخبرنا المؤرخ الروماني بوليبيوس أن فيليب لم يجد علفًا جيدًا في Pherae ، ولذا انطلق إلى Scotussa ، حيث بدا محصول الذرة كما لو أنه قد يزوده بـ إمدادات غذائية جيدة. فلامينينوس بطريقة ما "توقع نيته" وسار لاعتراضه في Scotussa .

الحظ العاثر ، أو التدخل الإلهي إذا كنت تريد أن تفكر مثل شخص من العالم القديم ، انهى بكلا الجيشين بسيرعلى جانبي سلسلة طويلة من التلال المعروفة ، على الأرجح بسبب شكلها ، باسم "رؤوس الكلاب" ( Cynoscephalae), عسكر كلا الجيشين ، فيليب في ميلابيوم Melabium في إقليم Scotussa ، وفلامينينوس في معبد آلهة الماء ثيتيس Thetis في فرسالوس Pharsalus ، المعروف اليوم باسم فرسالا, لم تساعد العاصفة التي هبت في تلك الليلة على رؤية بعضهما ، تاركة الأرض مبللة وإخفاء للمشهد بأكمله في الضباب السميك لدرجة أنه كان من الصعب ، على حد تعبير بوليبيوس ، "رؤية حتى أولئك الذين كانوا قريبين جدًا". انطلق فيليب في ذلك الصباح ، لكن السير على الأرض المكسورة والضباب الكثيف جعل من المستحيل معرفة ما إذا كان يسير في الاتجاه الصحيح ، أرسل فيليب وحدات المناوشات peltastes إلى أعلى خط القمم للحصول على منظر للأرض من على أرض مرتفعة, كان لدى فلامينينوس فكرة مماثلة ، وأرسل عشرة أسراب من سلاح الفرسان turma و 1000 من وحدات المناوشات (Velites ) لنفس الهدف - ليصعدوا إلى التلال ومشاهدة ما يمكنهم رؤيته, كان التلال أعلى نقطة في ساحة المعركة ، لذلك كان من المنطقي أن يتجه الطرفان الاستطلاعيان إلى نفس المكان, ولم يمض وقت طويل حتى اصطدم الطرفان ببعضهما البعض, يمكنك تخيل الصدمة ، حيث تجمدت كلتا المجموعتين ، في انتظار أن تسجل أجسادهم ما كانت تراه أعينهم ، ثم بدأت الرماح في الطيران وترددت الصيحات من أعلى التلال مع بداية المعركة.

على التلال ، أرسل كل من المقدونيين والرومان على الفور عدة رسل إلى معسكراتهم متوسلين ارسال التعزيزات. أرسل فلامينينوس كتيبتا من الايتوليين ، 2000 من مشاة و 500 من سلاح فرسان, وفيما يبدو أنهم وصلوا أولاً وأرجحوا كفة المناوشات لصالح الرومان ، الذين بدأوا في طرد كشافة المقدونيين ,الذي لجاؤو الى أعلى نقطة في التلال التي يمكن أن يجدوها ، وأرسلوا رسولا آخر لفيليب والجيش الرئيسي ، يحذروه من انهم في ورطة اذ لم يتم ارسال التعزيزات , لم يكون فيليب سعيدًا بهذا الأمر ,فمنذ هزيمة Aous و فلامينينوس يفوز بقلوب وعقول الكثير من اليونان ، ولم يكون فيبليب ليتقبل هزيمة اخرى, لكن الأسوأ من ذلك ، أن التضاريس الجبلية والمكسورة في Cynoscephalae لم تكن تلك الأرض الواضحة و المسطحة التي تفضل تشكيلات كتائب phalanx الانتشار فوقها والعمل عليها , الكثير من تلك الكتائب ، بالمناسبة ، كانت تبحث عن الطعام تحت قيادة جنرال فيليب نيكانور (الملقب بـ "الفيل") ، وستسغرق وقتا للعودة إلى المعسكر والاستعداد للمعركة, ولكن ، على الرغم من كل أخطائه ، لم يكن فيليب سيتخلى عن فريقه الاستطلاعي إلى العدو ، وهكذا ، كما يخبرنا بوليبيوس ، أرسل قائد سلاح الفرسان مع جميع مرتزقته ، باستثناء التراقيين ، لمساعدتهم, مع هذه التعزيزات ، تأرجحت المعركة على قمة التلال ، وتما طرد الرومان تقريبا إلى معسكرهم تقريبًا. كان الضباب قد بدأ في الارتفاع الآن ، وربما كانت الجيوش الموجودة أسفل التلال قد بدأت تدرك الان أن هذا كان أكثر من مجرد لقاء صدفة بين فريقين استطلاعيين , وإلا فمن أين جاءت كل هذه التعزيزات؟

ينسب بوليبيوس الفضل إلى سلاح الفرسان الأيتولي في منع حدوث هزيمة كاملة على الجانب الروماني. فبينما كان فرسان تيساليا معروفين بتكتيكات الصدمة برماحهم الطويلة , فان فرسان ايتولية برعوا في تنفيذ تكتيكات المناوش ، ورمي الرمح ، ثم الانعطاف والالتفاف على العدو. لم تكن هذه التكتيكات جديدة ، وقد اشتهرت من قبل مع الفرسان النوميديون الخفيفون الذين خدموا تحت قيادة حنبعل خلال الحرب البونيقية الثانية ,لكن حتى مع قيام الأيتوليين بمنعهم من كارثة مطلقة ، كان الرومان لا يزالون يدفعون من التلال والى أسفل المنحدر , كان لدى فلامينينوس الآن رؤية واضحة للقتال على منحدر التل ، ويمكنه أن يرى تأثير ذلك على قواته ، حيث يشاهد أصدقائه ورفاقه وهم يخوضون معركة خاسرة على منحدر هو في صالح العدو, من المهم أن نتذكر أن الروح المعنوية كانت كل شيء بالنسبة للجيش القديم ، لأنها كانت حجر الأساس الذي يقوم عليه التماسك , القوات التي كانت واثقة وشجاعة ستكون أقل عرضة للتقهقر إلى الوراء ، أو أن تندفع وراء دروع رفاقها ، أو القيام بما هو أسوأ من ذلك ، كالركض والهروب من المعركة , قد لا يكون التخوف من التأثير السلبي على الروح المعنوية لجيشه نتيجة مشاهدتهم فريقهم الاستكشافي يتراجع أسفل التل هو العامل الوحيد في قرار فلامينينوس التالي ، بل غالبا كان هو العامل الرئيسي في اتخاذ قرار التالي .

أمر فلامينينوس جيشه بأكمله بالتشكل بترتيب المعركة acies formatio في اسفل التلال , لقد خاطب قواته ، وكانت لهجة الخطاب دليلًا إضافيًا على أنه كان قلقًا بشأن معنوياتهم. وذكَّرهم قائلاً: "لقد حاربتم هؤلاء الرجال من قبل ، وقمتم بضربهم من قبل". "هؤلاء نفس الرجال الذين قاتلتمهم في Aous ، لقد تغلبتم عليهم هناك على الرغم من التضاريس ، فلماذا يختلف الامر هناك عن هنا ، حيث هنا الأرض أفضل بكثير؟ أنا واثق من أن هذا سينتهي بسرعة ، ويجب أن يكون كذلك ".

و بينما كان قادة المئة الرومان centuriones يجهزون قواتهم بالخارج ويشروفون على تشكيلات المعركة ، أرسل قائد سلاح الفرسان المقدوني المنتصر رسول بعد رسول إلى فيليب ، وأخبره أن هناك فوزًا في متناول اليد ، وأنه بحاجة إلى مشاركة جميع القوات "العدو يهرب!" قال ، "لا يمكنهم الوقوف في وجهنا. لا تفوت فرصتك! اضرب الآن!

وهكذا أصدر فيليب أيضًا أمرًا للجيش بأكمله بالانتشار في المعركة , كما سنرى لاحقا
 
التعديل الأخير:
عودة الى المعسكر الروماني حيث أمر فلامينينوس الأفيال بالخروج والتمركز على جناحه الأيمن ، وتقدم هو فقط مع جناحه الايسر ، الذي بدأ صعود التل لمساعدة الكشافة المنسحبين, برؤية الجسد الرئيسي للجيش الروماني يتحرك لمساعدتهم ، أوقف الكشافة انسحابهم واستداروا لمواجهة العدو, في الوقت نفسه ، كان فيليب يتقدم أيضًا بقواته والتي كان في مقدمتها الحرس الملكي basilike agēma , و الجناح الأيمن من كتائب الفلانكس , كان الجناح الايسر لا يزال في الخارج يبحث عن الطعام, حيث ترك فيليب تعليماته لنيكانور لإحضار بقية القوات في أقرب وقت , لم يكن يريد أن يفوت فرصته في هزيمة الرومان بانتظار بقية جيشه , وفقًا لما كان يسمعه من الرسل ، ربما لن يحتاجهم على أي حال ، لأن الرومان كانوا في حالة انسحاب كامل وكل ما كان عليه فعله هو التخلص منهم .

وعودة مرة اخرى الى احوال الطقس يوم المعركة وسننتهي الى صدفة اخرى غريبة في المعركة ,فان كلا القائدين ، جاهلين بوجود الآخر ، كانا يسيران لإغاثة قواتهم الاستطلاعية بنصف قواتهما فقط , كان الضباب عند هذه النقطة قد بدا بالاختفاء ، لكن ما تبقى منه من شأنه أن يجعل الجنود يسيرون صعودًا كما لو كان يسيرون خلال الدخان ، وقادرون بشكل خافت فقط سماع المناوشات القتالية أمامهم, كان للضباب تأثير صدى غريب. إنه يحبس الصوت ويعيده ، بحيث يشعر السائر عبره وكأنك تحت الماء , صراخ وصراع الفولاذ والبرونز كان سيخمد ، وكذلك أوامر الضباط والإيقاعات من حولهم , ربما لم ير الرومان الجناح الأيمن لفيليب قط وهو يصعد التلال التي تسبقهم بفارق كبير .

لا نعرف لماذا وصل فيليب إلى قمة التل أولاً, هذا على الأرجح لأن الرومان قد تم دفعهم سابقا إلى أسفل المنحدر المعاكس ، بالقرب من معسكرهم ، وكانوا حتى الآن يقاتلون في طريقهم إلى الخلف ، وهي عملية ستكون أبطأ بكثير من قوات فيليب ، الذين كانوا يسيرون ببساطة صعودًا دون معارضة , نحن نعلم أن فيليب احتل قمة التلال أولاً ، ويجب أن يكون قد تعرض لصدمة رهيبة عندما نظر أخيرًا إلى أسفل المنحدر وأدرك أنه لم يكن يواجه مجموعة استكشافية أو مجموعة بحث عن الطعام ، ولكن الجناح الأيسر بأكمله للجيش الروماني.

عرف فيليب أن جيشه قد ارتبك الآن, إذ استمر الرومان في التقدم أعلى التل ، فسيتعين عليه خوض المعركة ، وبنصف جيشه فقط, لكن كان لديه سبب ليكون متفائلاً بحذر, على الرغم من أنه أُجبر على خوض معركة لم يكن يريدها ، إلا أنها كانت تقريبًا بأفضل الشروط الممكنة, كانت قواته على قمة التلال ، وعلى الرغم من أنها لم تكن أرضًا مثالية لكتيبة الفالانكس ، لك من المؤكد أن ميزة الحصول على المرتفعات اولا ستمنحهم الافضلية على الرومان , لم يكن لدى فيليب فرصة حتى لإصدار أوامر لقواته بشكل صحيح قبل أن يتدفق مرتزقته ، الذين تعرضوا للهزيمة الآن من قبل الرومان المعززين بقدوم جيشهم الرئيسي .

أعاد فيليب تنظيم هذه القوات المتقهقرة على جناحه الأيمن ، وأصدر الأمر للكتائب القاعدية للفالانكس syntagma المتراصة بفتح تشكيلاتها , ثم امر بدمج تلك الوحدات المتراجعة ضمن كتائب الفلانكس ثم امر الكتائب من جديد بالانغلاق والعود الى التشكيل ,ادى هذا الاجراء تقريبا الى إنشاء كتيبة فالانكس جديدة بضعف العدد و العمق الذي سبق , فكر في مدى تعقيد هذا,فتح تشكيل الفلانكس باكمله الذي يحتوي 256 رجل مدرع بشكل شبه كامل ضمن تشكيل مربع , 16 جندي طول على 16 جندي عرض مع مسافة 3 اقدام فقط بين كل جندي , يفتح ثم يعيد ترتيب التشكيل ثم يغلق ,و كل هذا تما على قمة التلال مرتدين درعًا كاملاً في وسط معركة ويشارك فيها آلاف الجنود, كانت فرصة الارتباك واضطراب التشكيل في لحظة حرجة من المعركة كبيرة جدا ، ولكن حقيقتا أن مرونة قواته في اعادة التشكيل والتموضع تشير إلى مستوى عالي من الانضباط والتدريب على الرغم من التوسع الأخير في تغيير معايير التجنيد خلال الفترة التي سبقت المعركة.


Phalanx3.jpg


لكن لماذا قد يتحمل فيليب هكذا مخاطرة؟ هناك سببان جيدان. أولاً ، كان لتشكيل الفلانكس الأعمق تأثير أكبر وقوة دفع وشحن اكبر اثناء الهجوم ، كلما زاد عمق التشكيل ، زاد عدد الرجال الذين يدفعون للأمام ، وزادت صدمة التأثير وزاد الزخم إلى الأمام , ثانيًا ، كان فيليب قد تلقى للتو مجموعة كبيرة من الجنود الهاربين في صفوفه ، حيث دفع الهجوم الروماني المضاد مرتزقته إلى أعلى التل , ربما كان هؤلاء الرجال يرتجفون وخائفون ، وربما كانت معنوياتهم المنخفضة ستصيب الجنود الآخرين , عادة ما ترتب كتائب الفلانكس وحداتها الأضعف ، او رجالها المبتدئين وحديثي التجنيد ، في وسط الكتيية, كانت الفكرة هو أن الرتب الخلفية المخضرمة والأكثر شجاعة ستمنحهم الشجاعة ، وستكون بمثابة تذكير دائم بأنه لا يوجد مكان للركض حرفيًا. إذا أصيبوا بالذعر وهربوا ، فلن ينجحوا إلا في الركض قدمًا قبل أن يصطدموا برفقاهم المخضرميم وراءهم ، لكن في النهاية مهما كان السبب ، فقد أنجز فيليب هذه المناورة في الوقت المناسب ، لأن الرومان أخذوا بالمثل ترتيب قواتهم وكانوا يتقدمون الآن إلى المهمة,أمر فيليب كتائب بخفض رماحهم الطويلة sarissa والاندفاع إلى أسفل التل لمقابلتهم .

لقد كان تاثير الهجوم المقدوني ، بكل المقاييس ، بمثابة دوي الرعد , سارعت قوات فيليب ، المدرعة بشدة ، إلى أسفل التل بتشكيل متقارب ، وهم يصرخون صرخات الحرب, ركض الرومان لمقابلتهم ، ورفعوا ترانيمهم ، واشتبكوا بالرماح و السيوف ضد الدروع , كان من ضمن قواعد الاشتباك الرومانية أن يلقي جنود الفيلق رماحهم Pilum من حوالي 50 قدمًا قبل الالتحام ، لكن في هذه الحالة التي كانوا يقذفون فيها صعودًا ، كان مدى الرمي اقل بكثير , دوت اصوات الرماح في السماء و اخترقت اعمدة ال sarissa الحديدية والخوذات واللحم والعظام ، كانت الصرخات ستبدأ بعد ذلك ، صراخ ضباط المقدونيين لإغلاق الخطوط الامامية ، للحفاظ على التشكيل بأي ثمن.


e7f1f8fd2fa639bfc016376b563d4221.jpg


أريد أن أتوقف هنا لأتحدث عن نقطة تعتبر متجذرة في المجتمع الأكاديمي ، ولكن أعتقد أنه لا يزال يتعين مناقشتها, يخبرنا ليفي المؤرخ الروماني أن الانتغونيين ّّ السلالة المقدونية الحاكمة ّّ أسقطوا حرابهم وقاتلوا بالسيوف في هذه المرحلة من المعركة. وهو يدعي أن فيليب "أمر الرماة والكتائب المقدونية بوضع حرابهم جانباً ، التي كان طولها عائقاً ، والبداء بالاشتباك بالسيوف." لكن يقول بوليبيوس وبلوتارخ المؤرخان الرومانيين إن الكتيبة المقدونية خفضت حرابها واستخدمتها ولم تلقي حرابها ، ويعتقد كل عالم حديث تقريبًا أن ليفي إما خطأ خطاءا واضحا ، أو اخطئ في ترجمة مصادرة ، ربما بوليبيوس كان محقا ، لكنني أعتقد أن بيان ليفي يحمل تفسيرا اكثر واقعية لما حدث .

تخيل هجوما في منحدر على قمة التلال حيث بدأت كتيبة أنتيجونيد حملتها, إنه منحدر لطيف إلى حد ما ، لكنه ليس لطيفًا لدرجة أنك ستكون في عجلة من أمرك للمشي فيه , هل سبق لك أن حاولت الجري على تلة شديدة الانحدار دون أن تسقط على وجهك؟ يتطلب الأمر بعض العمل حتى عندما ترتدي شورتًا وقميصًا. عليك أن تقوم بتصويب جسمك ، وضبط مركز الجاذبية. جربها الآن في درع من الكتان وخوذة برونزية ، مرتديًا أوشحة برونزية ، وتحمل درعًا , أضف الآن رمحًا بطول 16 إلى 21 قدمًا لهذه الفوضى , يمكنك الحصول على الصورة ببساطة إن تسمية هذا المهمة "تحديًا" سيكون تبسيطا للواقع , يمكنك أن تتخيل أن بعض الحراب sarissa ستصطدم بالأرض بينما يحاول أصحابها السيطرة عليها ، وماذا عن التأثير؟ اعتمادًا على السرعة ، هل ستنكسر الحراب؟ والأسوأ من ذلك ، المنحدر مغطى بالعشب الطويل ، الذي قد يكون مبللًا من الضباب ، مما يجعل موضع القدم غير مؤكد بالنسبة للقوات التي تتجه نحو منحدر, غالبا أرادت الخطوط الأمامية للكتائب المقدونية التوقف والوقوف والقتال في أقصى مدى يسمح به الرمح ، بعيدًا تمامًا عن سيوف الرومان القصيرة القاتلة, لكن لا أستطيع أن أتخيل أن أكون قادرًا على التوقف تحت كل هذا العتاد في سباق ميت ، مع وجود 32 رجل من الرجال المدججين بالسلاح خلفك, من المحتمل أن أولئك الموجودين في الخلف لم يتمكنوا حتى من رؤية الخط الأمامي ، ناهيك عن التحقق من زخمهم الأمامي لمنحهم مساحة كافية للتقدم والدفع بحرابهم للامام .

عندما تفكر في كل هذا ، فإن بيان ليفي يكون منطقيًا أكثر , لكن مع هذا هناك نقطتان أخريان يجب مراعاتهما والتي قد تدعم التأكيد الحديث بأن ليفي أخطأت في ترجمة بوليبيوس: الأولى هي أن "زخم الهجوم " كان في الحقيقة مجرد عملية ركض , ليس لدينا طريقة لمعرفة مدى سرعة تحرك القوات عند "الهجوم" ، لكن غالبا أنهم تحركوا في مشية سريعة جدًا بفارق صغير عن الجري ، اي كانوا ايضا بطيئون بما يكفي للتأكد من بقاء التشكيل معًا ، ولتجنب التعثر أو الانزلاق , واختلال توازن رماحهم , والثاني هو الترجمة اللاتينية نفسها يمكن قراءة الترجمة اللاتينية لي ليفي على أنها تعني أن فيليب أمر فقط الكتائب التي كانت تواجه مشكلة في التعامل مع حرابها بإسقاطها. هذا فارق بسيط ، لكنه يغير المضمون كليا ، لأنه يعني أن فيليب رأى أن الرومان كانوا قريبين منه ، وكان يحاول الحصول على زخم مضاد الآن ، بأي أسلحة يمكن تجهيزها, الصورة الواقعية التي يمكن تركيبها هي الان الكتيبة قامت بخفض حرابها ، مع قيام عدد قليل من المجندين في الخطوط الامامية وقوات peltasts بإسقاط حرابهم في محاولة للدخول في القتال بشكل أسرع ببعض الأسلحة المتوفرة لهم .

كان الرومان شجعانًا ومنضبطين ومجهزين بشكل جيد , لكنهم ايضا كانوا يتعرضون لضغط هجومي قادم من اعلى التلة من كتائب فلانكس مزدوجة العمق مكتملة التكوين, مع 3 أقدام فقط لكل رجل ، لم يكن بوسع كتائب الفلانكس ان تشتبك مباشرتا مع الخط الروماني الاول ,لكن زخم دفع الرومان إلى الاسفل ، ساعدها كثيرا شدة انحدار المرتفع , قاتل الرومان بترتيب أكثر مرونة ، كما يقول بوليبيوس ، حوالي ضعف مساحة التحرك لكل جندي روماني مما التي توفرت للجنود المقدونين, هذا يعني أن الخط الأول hastati الذي اصطدم برؤوس الرماح المقدونية مباشرتا، كان لديه مجال ومساحة أكبر بكثير للتحرك نحو الخلف وامتصاص ضغط الكتائب المقدونية ,وذالك قبل دفعهم للوراء والاصطدام بدرع الرجل الموجود خلفهم , هذا من شأنه أن يخلق زخمًا عكسيا للخطوط الرومانية على منحدر ساعد العدو بالفعل .

ومع هذا ، فليس من المستغرب أن يبدأ الجناح الايسر الروماني في الانكماش والتراجع, اشتبك المشاة الخفيفون على الأجنحة ومن المحتمل أن الفرسان بحثوا عن فرص للهجوم واستغلال الثغرات في الخطوط الامامية ، أو المساعدة في الأجنحة ، لكن الصراع الحقيقي كان بين الفيلق والفلانكس في المركز ، وحتى الآن ، أثبتت الأرض المرتفعة أنها حاسمة بالنسبة لتفوق الحراب الطويلة للكتائب.


nXzARf46U5hnZQWb8GYj_QJVHuqSXqojISu6hJfm4sc.jpg


لو استدار فيليب ونظر إلى أعلى التل في هذه اللحظة ، لكان أكثر تفاؤلا, هناك ، كان سيشاهد رأس عمود للكتائب التابعة لنيكانور ، تسير فوق قمة التلال للانضمام إلى ملكها,في هذه اللحظة كان فلامينينوس يقود قواته من الخلف , يمكن للمرء أن يتخيل رد فعل فلامينينوس وهو يسمع قادة المائة وهم يصرخون على القوات للحفاظ على مواقعهم والتشبث بالارض، ومواصلة الدفع ضد العدو ، تلك الصرخات التي تصبح أكثر يأسًا مع تلاشي قوة الرجال ، وتتوقف في النهاية عندما تجد اسنان الحراب المقدونية الرومان وتسكتهم إلى الأبد, كان يسار فلامينينوس ينهار ، وعندما رأى زخم الكتائب الذي لا يمكن إيقافه ، كان يعلم أنه لا يوجد شيء يمكنه فعله .

لكن كان لا يزال للرومان جناح ايمن , يصف بوليبيوس القنصل وهو يركب حصانه ويركض بعيدًا إلى الجناح الآخر ، الذي لا يزال متاهبا وينتظر الأوامر, هناك عدة طرق لعرض هذا, يمكن أن ترى فلامينينوس على أنه جبان ، تاركًا جناحه لمصيره ، أو يمكنك رؤيته على أنه عمل تكتيكي من قائد ماهر ، يتحول الى قيادة حشد القوة الوحيدة في الميدان التي كان بامكانها أن تنقذهم من الهزيمة .

احتوى اليمين الروماني ،كما قلنا سابقا على فيلة الحرب الرومانية ، مرتبة ضمن حواجز أمام المشاة, ما إن وصل فلامينينوس ، حتى نظر إلى أعلى التل لتقييم موقع العدو, وكان يشعر بسعادة غامرة, لقد شاهد نيكانور ، يسير مستعجلًا لمساعدة سيده ، كان الآن يندفع بسرعة فوق خط القمم ، مع كتائب لا تزال تسير في عمود طويل وضيق غير متشكل في ترتيب المعركة وغير جاهز لدخولها , والأسوأ من ذلك ، أن هؤلاء الرجال قد اندفعوا مسرعين فوق قمة التلال وفجأة انصدموا من مشهد المعركة الفوضوية التي كانت تدور تحتهم, ربما كانوا قد تعبوا من الاندفاع ، وربما قد نسوا بعضًا من معداتهم ، لأنهم كانوا للتو في مهمة البحث عن الطعام وربما لم يكن لديهم الوقت اللازم للتجهز و للاستعداد بشكل صحيح قبل الإسراع لمواجهة العدو, كان خط القمم أرضًا غير مستوية ومنحدرة, في حين أن هذا كان في صالح الجناح الأيمن لفيليب عندما كان يتقدم بزخم هجومي ، فمن المؤكد أنه لم يكن التضاريس المثالية لنقل كتيبة من عمود السير إلى ترتيب معركة المناسب, كما يخبرنا بوليبيوس أن نيكانور كان لديه "الجزء الأكبر من القوة" ، فمن الممكن أن يكون مع فيليب أقل من 8000 رجل ، أو 50 بالمائة ، من الكتائب. ربما كان لواء واحد من حوالي 4096 رجلًا ، أو بعض الوحدات الجزئية الأخرى. ربما كان نيكانور يسير مع أكثر من 8000 رجل ، مما جعل الاحداث بعد ذلك ضربة أكبر للمقدونيين , ولكن حتى لو كان لدى نيكانور نصف الكتائب ، فإن مجرد إيصال الأوامر إلى هذا العدد الكبير من الرجال ، ناهيك عن جلبهم لارض المعركة ، كان انجازا قياسيا , لكن كان سيستغرق وقتًا لتشكلهم ضمن ترتيب المعركة , فلامينينوس كان مصمما على عدم السماح لهم بذلك كما سنرى لاحقا .
 
maxresdefault.jpg


عندما تمشي في ساحة المعركة في Cynoscephalae ، ضمن أخدود التصريف الطويل الذي كانت ستسير فيه قوة نيكانور , ستلاحظ إنها ارض شديدة الانحدار ، وتضاريسها مكسورة ، وليس من السهل التنقل فيها ، خاصةً تحت عبىء الأسلحة والدروع الثقيلة, إنها أرضية سيئة لأي وحدة عسكرية تحاول البقاء في التشكيل ، وهي سيئة بشكل خاص للتشكيلات الجامدة مثل الكتائب الهلنستية, أثناء التنزه في هذه التضاريس ، ستتنفس سريعًا إلى حد ما ، وأنت في حالة جيدة وفقًا للمعايير الحديثة ، على الأقل, أثناء صعود المنحدر , لكن الأمر يصبح مثيرا بشكل مضاعف عندما تفكر في Flamininus وهو يشق الطريق صعودًا ، والأفيال تقود المقدمة ، ولا شك في أنها تعمل على سحب كتلتها الضخمة إلى أعلى المنحدر ، ويكافح المشاة من أجل مواكبة ذلك, تحولت المعركة إلى سباق بين الطرفين , فإذا تمكن فلامينينوس من ضرب عمود نيكانور غير المنظم قبل أن يتمكن فيليب من كسر الجناح الأيسر الروماني وهزيمته ، فيمكنه أن يقود قواته ويساعد يساره المتعثر , مع رؤية واضحة في الاعلى لقوات نيكانور ، ورؤية واضحة للمعركة الضارية بين اليسار الروماني واليمين المقدوني ، كان Flamininus يدرك ذلك بالتأكيد .

في إحدى اللحظات ، كان اليمين الروماني يقف على أهبة الاستعداد خلف أفيالهم ، وفي اللحظة التالية جاء فلامينينوس ، وهو يركض ويصرخ عليهم بالركض, وركضوا فعلا, تخيل نيكانور وهو يتوقف عندما رأى الأفيال تتقدم ، و يصرخ على قادته syntagmatarch ليضعوا الرجال في ترتيب المعركة قبل فوات الاوان ، والقوات تتدافع للامتثال ، مدركين أن الوقت قد فات بالفعل ، وأن الرومان كانوا يأتون بسرعة كبيرة.

ينفصل أخدودي الصرف في ساحة المعركة عن طريق سلسلة منخفضة أخرى ، لذلك تطور القتال على اليمين واليسار بشكل منفصل عن الاخر ، و بعيدًا عن رؤية بعضهما البعض , ومع ذلك ، كانت المعارك القديمة صاخبة و عالية الضجيج ، وسيكون مستبعدا إن فيليب لم يسمع ما يجري على يساره, غالبا أنه سمع الصراخ ، وأدرك المشكلة التي كان يعاني منها يساره, كان سيتجه إلى ضباطه بعد ذلك ، ويصرخ عليهم ليضغطوا بشدة ، لكسر اليسار الروماني بأسرع ما يمكن ، مع العلم أنها كانت فرصتهم الوحيدة للفوز , الرومان ، بدورهم ، كانوا سيكافحون لثبات باماكنهم ، وتحمل الوزن الهائل من البرونز والحديد الملقى عليهم ، فقط لتثبيت كتائب الفلانكس المقدونية في مكانها لفترة كافية من الزمن للسماح لفلامينينوس بدحر نيكانور و الجناح الايسر المقدوني ثم القدوم لمساعدتهم , وهذا هو بالضبط ما حدث بعدها , على الجناح الايمن الروماني , اندفعت الفيلة الرومانية نحو قوات نيكانور وخلفها رجال الفليق , ابتداء الاشتباك بطريقة الرومانية المعتادة , القاء دفعتين من الرماح pilum , ثم الالتحام المباشر بسيوف القصيرة gladius , كان تأثير رمي البيلوم هو تعطيل تشكيل العدو والتسبب في ظهور الفجوات في صفوفه وحرمانه من التشكل في ترتيب المعركة ,كانت كتائب الفلانكس عبارة عن تشكيل يتعلق بكتلة المجموعة وتماسكها, تما بناء تشكيل الفلانكس وفق مفهوم الترتيب المائل oblique phalanx المصمم لإجبار الأعداء على الاشتباك مع الجنود في أقصى الطرف الأيمن مع الرماح الطويلة والكثيفة sarissa لدرجة أنه كان من المستحيل اختراقها او الالتفاف عليها , لكن ما لم يتم نشر هذا الترتيب بشكل صحيح في ارض المعركة ، كانت الفلانكس مجرد حشد من الأفراد بحراب عملاقة ، بحيث يمكن تجنب حرابها بسهولة والالتفاف عليها من الخلف و اليمين , كان من الممكن أن تتاح للكتائب المقدونية فرصة لايقاف زخم الهجوم الروماني لو تشكلت في ترتيب المعركة الصحيح ، ولكن كما كانت ، غير منظمة ومرتبكة ، لم تكن لديها فرصة لذالك ، في غضون لحظات ، كانت قوات نيكانور بأكملها ، كل الجناح المقدوني الأيسر ، في حالة هزيمة كاملة , تتفق جميع المصادر على أن جنود نيكانور إما لم يكلفوا أنفسهم عناء القتال ، أو قاموا بمقاومة ضعيفة بحيث لم تحدث مقاوتهم أي فرق ,ربما حاول عدد قليل منهم الوقوف والقتال ، لكن معظمهم كانوا قد أسقطوا حرابهم وركضوا للنجاة بحياتهم ,والقلة الذين وقفوا على أرضهم كانوا سيُحاصرون ويُقتلون .

لكن حتى مع هذا التطور الكبير في سير المعركة ، كان من الممكن أن تتأرجح المعركة في كلتا الحالتين ، فلقد هزم فلامينوس نيكانور ، لكن كان بإمكان جنود اليسار المقدوني الهاربة أن يتجمعوا وينضموا إلى المعركة من جديد, في هذه الأثناء ، على اليسار الروماني ، كانت الأمور تبدو أسوأ بكثير ، حيث دفعتهم الكتائب المقدونية إلى معسكرهم ، مهددة باختراق الصفوف الرومانية باكملها , إذا دفع فيليب اليسار الروماني الى الهزيمة ، فيمكنه حينئذٍ أن يحول يمينه المنتصر ويواجه يمين فلامينينوس على التلال ، بشرط أن يتمكن من منع قواته من ملاحقة الجنود الفارين أو من محاولة نهب المعسكر الروماني .

في النهاية تقرر مصير المعركة على يد تربيون عسكري روماني tribuni militum غالبا برتبة Tribunus rufulus , ضاع اسم الرجل في التاريخ ، كما هو أصله , لكنه رأى فرصة واستغلها ، لذا تم الاعتراف به لهذا العمل البطولي, بما انه كان تربيون عسكري ، فمن المحتمل أنه كان أصغر سنًا ، ربما في العشرينات من عمره ، وربما من عائلة سيناتورية او من طبقة الفرسان equites , أنه مهما كان ، فقد تم الاعتراف به على أفعاله ، حيث أنه مذكور في المصادر ، وإذا كانوا يكتبون عنه ، فهذا يعني أنه يتم تذكره, نحن نعلم أن مناورته الرائعة ضمنت انتصار الرومان.

في لحظة حاسمة من مطاردة قوات نيكانور المنهزمة والمشتتة , تمكن هذا التربيون الذي ضاع اسمه في التاريخ من ايقاف هجوم 20 وحدة مناورة Manipulus (وحدة تكتيكية قاعدية في الفيلق الروماني خلال العهد الجمهوري الاوسط تتكون من 120 جندي ) ، والذين كانوا يطاردون قوات نيكانور خارج الميدان, لم يكن ايقاف القوات المنتصرة من مطاردة القوات المنهزمة بالامر السهل في العصور القديمة, نظرًا لأن اكثر الغنائم التي كانت تجنيها القوات المنتصرة كانت إلى حد كبير من خلال نهب قتلى الأعداء في المعركة ، لذا فإن قطع المطاردة يعني المخاطرة بضياع أي فرصة للنهب والاغتنام , لذا ، بغض النظر عمن كان هذا التربيون ، فانه المؤكد انه كان لديه من الجاذبية الشخصية والاحترام الامر الكافي لايقاف ما يقارب من 2400 جندي للاستماع إليه ، والتخلي عن مصالحهم المالية من أجل كسب المعركة.
ربما كانت هاته الوحدات المناورة Manipulus في الغالب ، أو على الأقل اغلبها ، من وحدات المناورة لل triarii او Manipulus Triariorum المكونة من المشاة الثقال الاكثر تجهيزا في فيالق العصر الجمهوري الاوسط , أولاً ، لأن وحدات Manipulus Triariorum كانت تتمركزا دائما في الصف الخلفي في ترتيب الفيلق الروماني كقوات احتياط ، وبالتالي فهي في أفضل وضع للقيام بالمناورة التي سنذكرها لاحقا , ثانيًا ، لأن triarii كانوا دائما هم أقدم الجنود وأكثرهم تمرسا ، فمن المرجح أن يتمتعوا بالانضباط الجيد ويفهمون أهمية الفوز بالمعركة قبل النهب ,ثالثًا ، خلال العهد الجمهوري الاوسط اي ما قبل الاصلاح العسكري المارياني وقيام الجيش الاحترافي في روما القديمة ,استندت الخدمة في الفيلق وتقسيم الوحدات , جزئيًا إلى مستوى الثروة للمواطنين , حيث كان المواطنون - الجنود يلتحقون بالوحدات القتالية حسب مستوى ثرواتهم , وكان سلاح الفرسان الروماني equites فقط من يملك أموالًا أكثر من triarii ، مما جعلهم أكثر مقاومة لإغراء النهب من غيرهم من وحدات princeps و Hastati .

فصل هذا التربيون الذي لم يذكر اسمه , هذه الوحدات العشرين عن بقية اليمين الروماني , ودفعهم إلى اليسار عبر التلال المتداخلة ، لمهاجمة الجناح الايمن المقدوني من الخلف والوسط ,تم محاصرة اليمين المقدوني تمامًا مع اليسار الروماني ووضعه بين فكي كماشة ، حتى لو كان المقدونيين مدركين للخطر ، فانه لم يكون هناك أي شيء يمكنهم فعله, تقاتل الكتائب المقدونية في اتجاه واحد - للأمام مباشرة - لذا لم تتمكن من إعادة وضع نفسها وتشكيلها لمواجهة هذا الهجوم الجديد القادم من الخلف والاجنحة , فإذا استداروا لمواجهة هذا التهديد الجديد ، فسيتم حينها تقطيعهم إلى أشلاء من قبل قوات الجناح الايسر الروماني التي كانت تواجه مقدمتهم سابقا , وهكذا أغلق هذا التربيون باب الحصار ، وضرب وحداته العشرين مؤخرة المقدونيين , فجأة ، وجدت القوة المنتصرة لفيليب نفسها محاصرة بين القوات الرومانية الجديدة خلفها ، والشراسة المتجددة لقوات اليسار الروماني ، الذي قاتلو بشراسة عند رؤية رفاقهم وهم يأتون لإنقاذهم, حارب فيليب بيأسًا ليجمع رجاله معًا ، لكن في النهاية بدأ جنوده المذعورون بإلقاء أسلحتهم والهرب ، وأدرك أن الأمر ميؤوس منه ,رفع المقدونيون رماح الساريسا كعلامة على الاستسلام ، لكن إما أن الرومان لم يفهموا هذه الإشارة أو أنهم تجاهلوها. كان هناك ذعر كامل في صفوف المقدونيين, الآن هم محاطون بجناحي الفيلق الروماني ، عانوا من خسائر فادحة وفروا.


مابعد المعركة :

لا يمكن اعتبار Cynoscephalae معركة "نموذجية " ، حيث يختار القادة المكان والوقت المناسبين للمعركة ، وتكون المنافسة حينها "عادلة", لقد كانت Cynoscephalae حادثة عرضية بشكل كامل ، حيث لم يرغب أي من القادة بتلك الأرض أو التوقيت أو الظروف , على هذا النحو ، كانت مخاطرة لا تصدق لكلا الجيشين ، ويمكنك أن ترى مدى قربهما من تحقيق نفس النتيجة طوال مراحل المعركة , لكن بغض النظر عن الاحداث وعندما نفكر في أيهما "أفضل" , فان نصر Cynoscephalae يعتبر فوزًا آخر لتكتيكات الفيلق الروماني Legio romanus على تكتيكات الكتائب المقدونية والهلنستية Makedonikí fálanx , حتى عندما التقى الطرفان في ظل ظروف أقل من مثالية ، و فوجئ كلا القائدين ، وعانى كلاهما من الانتكاسات ، وكان لدى كلاهما لحظات بدا فيها النصر مضمونًا ..

كان لهزيمة الانتجونيين النتائج المعتادة للمعارك القديمة ، وهي مطاردة لا هوادة فيها من قبل العدو والتي تسببت في خسائر أكثر بكثير مما عانى منها أثناء القتال الفعلي. نجا فيليب ، وظهر مرة أخرى في الاحداث اللاحقة ، أولاً ، بشكل مفاجئ نوعًا ما ، كصديق لروما ثم كعدو مرة أخرى. في النهاية ، تخبرنا المصادر أن حوالي 8000 من المقدونيين قُتلوا وأُسر 5000 آخرين ، ربما ليتم بيعهم كعبيد, خسر الرومان 700 رجل فقط ، معظمهم من جنود الجناح الايسر الروماني الذي امسكوا وثبتوا حراب المقدونيين في مكانها حتى تما تنفيذ الهجوم الخلفي, هناك سرد مثير للاهتمام لمعاملة القوات المهزومة ، حيث قامت بعض الكتائب الأنتيجونية برفع حرابهم بشكل مستقيم ، وهو ما كان مؤشرًا على الاستسلام , ليس من الواضح ما إذا كان الرومان قد قتلوهم لأنهم أساءوا فهم الإيماءة ، أو انهم اشتعلوا بنيران الشهوة للقتل و الانتقام , لدرجة أنهم لم يتمكنوا من كبح جماح أنفسهم ، بوليبيوس المؤرخ الروماني ، على الأقل ، يبرىء فلامينينوس عن فعل الذبح هذا ، ويلقي باللوم على جنوده المتحمسين, و ربما يكون في النهاية على حق في القيام بذلك , خاض الرومان ، في هذه المرحلة وسابقا ، معارك متعددة ضد الكتائب الهلنستية ، أكثر من كافية للتعرف على رموز استسلامهم , من المحتمل أن يكون الجنود قد اشتعلوا بمزيج من الغضب والبهجة بالانتصار ، أو تجاهلوا الإيماءة حتى يتمكنوا بسهولة اكبر من تجريد القتلى المقدونيين من ممتلكاتهم , لكن في نهاية المعركة ذهب الرومان إلى نهب معسكر الانتجونيين ، فقط ليجدوا أن حلفائهم الأيتوليين قد سبقوهم وأخذوا تقريبًا أي شيء لم يكن مقيدًا .

في النهاية تم فرض شروط سلام مذلة على فيليب ، مما سيكون له تداعيات خطيرة في السنوات القادمة , أُجبر فيليب على إخلاء كل اليونان والتخلي عن الأراضي التي كان يسيطر عليها في آسيا الصغرى وتراقيا, كان عليه أن يدفع تعويض الحرب (المشار إليه باسم tributum ) ، والتخلص من أسطوله البحري, والأسوأ من ذلك ، أنه أُجبر على أن يصبح حليفًا رومانيًا ، في وضع التبعية كملك عميل ، والذي لا بد أنه أثار غضب الرجل الفخور , وهذه لم تكون اخر الإهانات - في الاخير كان عليه أن يتخلى عن ابنه ديمتريوس ، ويرسله إلى روما كرهينة , ما سيكون له تداعيات بعيدة المدى على سلالة أنتيجونين وسيؤدي جزئيًا إلى معركة بيدنا العظيمة ، وهو صدام حاسم اخر بين الفيلق والفلانكس سيقع بعد 30 عاما من معركة Cynoscephalae , سيؤدي إلى هلاك سلالة أنتيجونيد ونهايتها ، ويضمن الهيمنة الرومانية على العالم الهلنستي كما سنرى لاحقا .


خرائط تكتيكية توضح المراحل المختلفة للمعركة

cyno-flamininus-line.jpg
cyno-opening-formations.jpg
cyno-turn-of-battle.jpg




17Cynoscephalae1Phase-01.jpg
18Cynoscephalae2Phase-01.jpg
19Cynoscephalae3Phase-01.jpg
20Cynoscephalae4Phase-01.jpg
21Cynoscephalae5Phase-01.jpg
 
عودة
أعلى