قال محافظ البنك المركزي، حسن عبد الله، أمس، إن البنك بصدد إطلاق مؤشر جديد لقياس أداء الجنيه المصري أمام سلة من العملات الدولية، للابتعاد عن قياس قوة الجنيه أمام الدولار فقط.
وخلال الجلسة التي ترأسها ضمن المؤتمر الاقتصادي، أضاف عبد الله أن الولايات المتحدة ليست شريك مصر التجاري الرئيسي، لذلك فليس من المفهوم «التركيز» على قيمة الجنيه أمام الدولار فقط، مشيرًا إلى أن «المركزي» يرغب في تغيير تلك الثقافة وقياس أداء العملة المحلية مقابل العديد من العملات الأجنبية.
ويأتي الإعلان عن الآلية الجديدة بعد نحو سبعة أشهر من انخفاض مستمر في قيمة الجنيه أمام الدولار، بنسبة تزيد على 25%، بينما ارتفع مؤخرًا أمام عملات أخرى مثل اليورو والجنيه الإسترليني والليرة التركية. «لكن الناس لا يرون كل ذلك» بحسب عبد الله.
وجاء انخفاض الجنيه المصري أمام الدولار نتيجة لاشتراطات صندوق النقد الدولي الذي تتفاوض معه مصر، منذ بداية العام تقريبًا، للحصول على قرض لم يُعلن بعد عن قيمته، إذ طالب الصندوق مصر بانتهاج سعر صرف أكثر مرونة.
المحلل المالي هشام حمدي قال لـ«مدى مصر» إنه يتوقع أن يشمل المؤشر سلة من العملات الأجنبية، خاصة تلك التي شهد الجنيه المصري تحسنًا أمامها، مؤكدًا في الوقت نفسه أن المؤشر سيكون رقم نظري لتسهيل حساب التدفقات النقدية وقوة العملة المصرية، بدلًا عن قياسها أمام الدولار فقط، وهو ما سيكون أكثر تعبيرًا عن مدى قوة العملة المحلية.
«المؤشر سيعمل كمرجعية يُمكن للمتعاملين على الجنيه من خلالها رؤية القوة الحقيقية له وتقلباته السعرية، بدلًا من الاقتصار على الدولار الذي يشهد في الوقت الحالي ارتفاعًا كبيرًا أمام أغلب العملات العالمية، ما قد يُعطي انطباعًا خاطئًا عن قوة العملة المحلية».
من جانبه، قال الباحث الاقتصادي محمد رمضان إن مصر درست ربط الجنيه بسلة العملات مُسبقًا في الثمانينيات، ثم في بداية الألفينيات، خاصة مع أزمات الديون الخارجية.
لكن المشكلة وقتها هي نفسها التي سيواجهها «المركزي» هذه المرة، بحسب رمضان، الذي أوضح أن نظام سعر الصرف الثابت المعتمد على ربط العملة الوطنية بسلة عملات شديد الصعوبة في التطبيق، ويتطلب هيكل اقتصادي يختلف عن الهيكل الاقتصادي الحالي الذي يعاني من مشكلة ضخمة في الصادرات، ففي حالة إقرار الربط، سيحتاج النظام الاقتصادي المصري لتدخل مستمر من «المركزي» من خلال شراء وبيع الجنيه في السوق، كما يتطلب قدر من التشديد النقدي في طباعة الأموال للسيطرة على جزء من التضخم، وأخيرًا تدخلات شديدة الدقة للحفاظ على العملة بقيمة عادلة توازن بين تشجيع التبادل التجاري، وبين المحافظة على استقرار القطاعات المحلية.
وأكد رمضان أن ربط العملات المحلية بالدولار هو واقع حتمي، لكونه العملة المهيمنة في التجارة الدولية، حتى بالنسبة للدول غير المُصدرة للبترول، أو تلك التي ليست الولايات المتحدة شريكها التجاري الأهم.
بالإضافة إلى المؤشر الجديد، أعلن عبد الله انتهاء «المركزي» من الاستعداد لتقديم مشتقات مالية في صورة عقود آجلة لمساعدة المستثمرين في التحوط ضد تقلبات سعر الصرف.
كانت وكالة بلومبرج الأمريكية كشفت، منتصف أكتوبر الجاري، عن خطة «المركزي» لتقديم مشتقات مالية تُعرف باسم العقود الآجلة غير القابلة للتسليم، أو عقود NDF، والتي تسمح للشركات والمستثمرين لأول مرة بالمراهنة على التقلبات في العملة المصرية أو التحوط ضدها، بهدف بناء سوق محلية أكثر شفافية.
ومن شأن تنفيذ الخطة أن يوفر للشركات المحلية وسيلة للحماية من التقلبات الأكبر في الجنيه إذا تبنت مصر سعر صرف أكثر مرونة.
العقود الآجلة غير القابلة للتسليم، NDFs، هي اتفاقيات بين طرفين لشراء أو بيع عملة بسعر محدد مسبقًا في المستقبل ولكن دون تبادل العملة بالفعل. عند الاستحقاق، يتم تقديم صافي الأرباح أو الخسائر عن طريق حساب الفرق بين سعر NDF المتفق عليه وسعر السوق في ذلك الوقت.
يشرح حمدي أن تلك العقود ستخدم الاستثمارات الواردة من الخارج بشكل خاص، إذ ستُمكن المستثمرين في الخارج من التحوط أمام تقلبات العملة المحلية بشكل أفضل، ما قد يساهم في زيادة التدفقات الدولارية من الخارج.
«لو مستثمر كان جه مصر في مارس اللي فات علشان مشروع جديد، كان هيحول الدولار بـ 15 جنيه. لكن لو قرر النهارده إنه يخرج، هيخرج بسعر دولار 19.70، دا معناه إنه خسر 26% من قيمة استثماراته، بغض النظر عن المشروع. فلو كان جه يستثمر 10 دولار، قيمة استثماراته وقتها كانت 156 جنيه، لكن نفس القيمة دي دلوقتي هتبقى حوالي 7 أو 8 دولار، فهيبقى خسران»
هذا الاختلاف في القيمة هو نفسه السبب الرئيسي لعزوف المستثمرين عن الدخول للسوق المصري، بحسب حمدي، الذي أكد أن خلال مقابلاته مع العديد من المستثمرين الأجانب أشادوا ببعض التحسن في بيئة الاستثمار، لكنهم ظلوا متخوفين من خسارة قيمة استثماراتهم بسبب تقلبات سعر العملة.
وأضاف حمدي أن المشتقات المالية تمنع حدوث ذلك، إذ تتيح للمستثمر تحويل استثماراته بالدولار إلى الجنيه، والاتفاق مع البنوك، على سبيل المثال، على سعر مُحدد لاسترجاع قيمة الدولار.
«مثلًا ممكن ييجي النهارده والدولار بـ 19.70، ويقول للبنك إنه هيرجع الدولار تاني كمان سنة بـ22 جنيه. بعد نهاية العقد، هيروح للبنك علشان يدفع أو يستلم الفرق في القيمة دي على حسب أداء العملة. فلو الدولار فعلًا وصل 22 جنيه، البنك هيدفع للمستثمر 2.3 جنيه لكل دولار في العقد. فلو المستثمر وقتها خرج من السوق، هيبقى حافظ على قيمة استثماره الأصلي، واسترجعها كاملة.
لكن لو الدولار بقى بـ19 جنيه، ساعتها المستثمر هو اللي هيدفع للبنك 70 قرش لكل دولار. لكن، في نفس الوقت، هيكون المستثمر استفاد بالفعل من إن قيمة استثماراته الأصلية ارتفعت».