الغرب يلفظ أنفاسه الأخيرة

إنضم
6 فبراير 2022
المشاركات
8,756
التفاعل
8,851 47 1
الدولة
Saudi Arabia
الغرب يلفظ أنفاسه الأخيرة

بقلم تييري ميسان

كان سيرجي لافروف معتاداً على تشبيه الغرب بحيوانٍ مُفترسٍ جريح. بالنسبة لِلافروف، لا يجب أن يثير أحداً غضبه لكي لا يُصاب بنوبة جنون ويُفجّر نفسه بالجميع. الغرب لا يرى الأمور بهذه الطريقة: واشنطن ولندن تقودان حملة ضد موسكو وبكين. الأنغلوساكسون يصرخون وأصبحوا جاهزين لفعل أيّ شيء. ولكن ماذا بإمكانهم أن يفعلوا اليوم؟


كان من المفترض أن تكون قمّتا بافاريا (مجموعة الدول السبع) ومدريد (الناتو) مناسبتين للإعلان عن معاقبة الغرب للكرملين بسبب "العملية العسكرية الخاصة في اوكرانيا". ولكن، إذا كان الغربيون قد حاولوا إبراز صورة جبهة مُتحدة، فإنّ الحقيقة تشهد على انفصالهم عن الواقع، فقدانهم لجمهورهم حول العالم، وانتهاء هيمنتهم.

بينما يقنع الغربيون أنفسهم بأن اللعبة تنحصر بأوكرانيا، العالم بأسره يراهم في وجه "مصيدة ثقيديديس" [1]. هل ستبقى العلاقات الدولية متمحورة حولهم أم ستصبح متعدّدة الأقطاب؟ هل ستتحرّر الشعوب الخاضعة لهم وتنال سيادتها؟ هل سيكون التخلّي عن منطق الهيمنة العالمية وبحث كلّ لاعب عن نموّه ممكناً؟

فيما يتعلّق ب"العملية العسكرية الخاصة" الروسية في اوكرانيا، لقد رسم الغرب سرديّةً خياليةً تتجاهل التجاوزات التي ارتكبوها منذ انهيار الإتحاد السوفياتي. تناسى الغرب توقيعه على ميثاق الأمن الاوروبي (المعروف أيضاً بِاسم إعلان اسطنبول ضمن إطار منظمة الأمن والتعاون الأوروبية) ومخالفته إيّاه عبر ضمّ جميع دول حلف وارسو السابقة تقريباً وبعض الدول المنبثقة عن انهيار الإتحاد السوفياتي إلى الناتو. تماماً مثلما نسي طريقة تغييره للحكومة الاوكرانية في ٢٠٠٤ والإنقلاب الذي أوصل عبره البنديريين إلى الحكم في ٢٠١٤. بذلك، مع محيهم لذنوبهم، يتّهم الغربيون روسيا بجميع أنواع الجرائم، ويرفضون إعادة النظر في أفعالهم، مُعتبرين أنّهم في ذلك الوقت كانوا قد تمكّنوا من فرض وجهة نظرهم وإنهاء الحديث. بالنسبة للغرب، انتصاراتهم هي من تصنع القانون الواجب التطبيق.

لكي يحموا أوهامهم الّتي اختلقوها من التبديد، قام الغربيون بإسكات وسائل الإعلام الروسية في بلادهم. يمكن لهم أن يتظاهروا بكونهم "ديموقراطيين"، ولكنّ الحقيقة هي أنّ إسكات المخالفين بالنسبة للغرب أسهل عليه من الكذب.

بذلك، يقنع الغربيون أنفسهم دون تناقضٍ بأنّهم وحدهم أصحاب الحقّ في محاكمة ومعاقبة روسيا لما فعلته في اوكرانيا.عبر حملهم لبعض الدول الصغيرة على قول ما يريدونه، تمكّن الغربيون من التّحصّل على نصٍّ من الجمعية العامة للأمم المتّحدة، ظاهره يعتبرهم على صواب. الآن باتوا يحلمون بتفكيك روسيا كما فعلوا بيوغوسلافيا وحاولوا أن يفعلوا بالعراق، ليبيا، سوريا، واليمن (إستراتيجية رامسفلد/سيبروسكي).



للوصول إلى ذلك، بدأ الغرب بعملية عزل روسيا عن منظومة التمويل والتجارة العالمية، عبر حجبها عن نظامَي سويفت ولويْدز، ممّا يمنعها من الشراء، البيع، والتأمين على تحويل بضائعها. كان الغرب يعتقد أنّ ذلك سيدمّر اقتصاد روسيا. في ٢٧ حزيران ٢٠٢٢، لم تتمكّن هذه الأخيرة من إيفاء دينٍ بقيمة ١٠٠ مليون دولار، وأعلنت وكالة موديز أنّ روسيا متأخّرةً عن إيفاء ديونها [2].

ولكنّ النتيجة المرجوّة لم تحصل: الجميع يعلم أنّ خزائن روسيا مليئة بالذهب والعملات الخارجية. الكرملين أوفى الدّين، ولكنّه لم يتمكّن من تحويله إلى الغرب بسبب العقوبات الغربية. بذلك، وضع الكرملين المبلغ المطلوب في حسابٍ مُجمّدٍ حيث ينتظر دائنيه.

في هذا الوقت، بدأ الكرملين (الذي لم يعد الغربيون يسدّدون ثمن ما يشترونه منه) بتحويل بضائعه، خصوصاً موارد الطاقة، إلى زبائن جُدُد، خصوصاً الصين. وبما أنّ المعاملات غير قابلة للإيفاء بالدولار، أصبحت عملات أخرى تحلّ مكانه. نتيجة ذلك هي أن الدولارات التي كان الزبائن يتداولونها بين بعض أصبحت تعود إلى الولايات المتّحدة وتتكدّس فيها. هذا الإتّجاه ليس جديداً، ولكنّ العقوبات الغربية قد عجّلت مفاعيله بشكلٍ هائل. أدّى تدفّق الدولارات الكبير وتكديسها في الولايات المتّحدة إلى ارتفاعٍ هائلٍ في الأسعار. الخزينة الأمريكية تفعل كلّ ما بوسعها لتكبيد منطقة اليورو أكبر حجمٍ ممكنٍ من الوِزر: في جميع بلاد غرب اوروبا، الأسعار ترتفع بسرعة كبيرة.

البنك المركزي الأوروبي لم يُؤسَّسَ ليبحث عن النّموّ الإقتصادي، بل أنّ هدفه الأساسي هو إدارة التضخّم داخل الإتّحاد. وبما أنّه يعي عدم قدرته على كبح ارتفاع الأسعار الفجائي، يحاول البنك استخدامه لتسديد ديونه. إذاً، الدول العضوة في الإتحاد مدعوة إلى تعويض تقلُّص قدرات "مواطنيهم" الشرائية عبر تخفيض الضرائب وزيادة المساعدات. ولكنّ الأمر تحوّل إلى دوّامة سيّئة: عبر مساعدتها لمواطنيها، تربط الدول المعنية يديها وقدميها بالبنك المركزي الأوروبي وبالديون الأمريكية، وتزيد فقرها فقراً.

لا يوجد حلّ لهذا التضخّم: هذه أول مرّة يضطّر فيها الغرب إلى تحمّل وزر الدولارات التي طبعتها واشنطن دون اكتراثٍ عبر السّنين، وارتفاع الأسعار في الغرب هو ثمن الإنفاق الإمبريالي طيلة الأعوام الثلاثين السابقة. اليوم واليوم فقط يدفع الغرب ثمن حروبه على يوغوسلافيا، أفغانتسان، العراق، ليبيا، سوريا، واليمن.

حتّى الآن كانت الولايات المتحدة تقتل كلّ من يهدّد هيمنة الدولار. صدّام حسين رفض هذه الهيمنة فشُنِق، و نُهب محتوى البنك المركزي العراقي. معمّر القذّافي كان يحضّر لإنشاء عملةً أفريقيةً واحدة: تمّ تعذيبه، قتله، ونهب البنك المركزي اللّيبي. إختفت المبالغ الهائلة التي كانت هذه الدول المنتجة للنفط قد كدّستها، دون أن يبقى لها أثر. لم نرى غير الجنود الأمركيين وَ هم يوضّبون عشرات المليارات من الدولارات في أكياس المهملات الكبيرة. عبر عزل روسيا عن حقل التّبادُلات المُسعّرة بالدولار، لقد سبّبت واشنطن بنفسها ما كانت تخشاه طويلاً: الدولار لم يعد العملة المرجعية الدّولية.

بقيّة دول العالم ليست عمياء، بل فهمت جيّداً ماذا يحدث، وهرعت إلى منتدى سانت-بيترسبورغ الإقتصادي، ثمّ حاولت أن تتسجّل في قمّة البريكس الإفتراضية. تذكّرت هذه الدول -بعد تأخّر- أنّ روسيا قد أطلقت "الشراكة الأوراسيوية الموسّعة" عام ٢٠١٦ وأنّ وزير خارجيتها سيرجي لافروف كان قد أعلن عن المشروع رسمياً في الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول ٢٠١٨ [3]. خلال ٤ سنوات، تمّ بناء عددٍ كبيرٍ من الطرقات والسّكك الحديدية بهدف وصل روسيا بشبكات "طرق الحرير الجديدة"، البرّيّة والبحرية ، الّتي بنتها الصين. في بضعة أشهر، تمّ تحويل اتّجاه البضائع بنجاح.

أدّى تدفّق الدولارات إلى موطنها وتحويل البضائع إلى ارتفاعٍ إضافيٍ في أسعار موارد الطاقة. بما أنّ روسيا في طليعة الدول المصدّرة لهذه الموارد، تزايدت صادراتها بشكلٍ كبير، والرّوبل في أحسن أحواله. للتصدّي إلى ذلك، وضعت مجموعة الدول السبع سقفاً لأسعار الغاز والنفط الروسي، وأمرت "المجتمع الدولي" بِألّا يدفعوا ثمناً أغلى.

ولكنّ روسيا بطبيعة الحال لن تسمح للغرب بأن يحدّد لها ثمن منتجاتها. كلّ من لا يريد أن يدفع بحسب سعر السوق لن يقدر على شراء الموارد، ولا أحد يريد أن يحرم نفسه لكي يُرضي الغرب.

تحاول مجموعة الدول السبع، على الصعيد الفكري على الأقلّ، أن تكرّس هيمنتها [4].... ولكن دون جدوى: الرياح تغيّرت. لقد انتهت ٤ قرونٍ من الهيمنة الغربية.

بدافعٍ من اليأس، تعهّدت مجموعة الدول السّبع بإيجاد حلٍّ للأزمة الغذائية العالمية التي سبّبتها سياستها. جميع الدول المعنية تعلم قيمة تعهّدات هذه المجموعة، فهي ما زالت لم ترى شيئاً من مشاريع الإنماء الأفريقية الكبيرة وبقيّة التعهّدات والوعود الوهمية. الجميع يعلم أنّ الغرب غير قادرٍ على إنتاج السّماد المصنوع من الأزوت وأنّه يمنع روسيا من بيع هذا المنتج. جميع مساعدات المجموعة المذكورة ليست أكثر من ضمّاداتٍ تهدف إلى إسكات الدول المتأذّية لكي لا تطعن بمبادئ التبادل الحرّ المقدّسة.


المقدّسة.

كانت قمّة مدريد استعراض وِحدة وقوّة، ولكنّ الدّول العضوة لم تُدعى إلّا لتوقّع على ما قرّرتاه واشنطن ولندن عنهنَّ. لم تكن وحدتهم إلّاً مظهراً من مظاهر علاقة الإستعباد الّتي بدأ الكثيرون يحلمون بالتّحرّر منها.

الخيار الوحيد الممكن في معركة إنقاذ الهيمنة الغربية هو الحرب. يجب أن يتمكّن الناتو من تدمير روسيا عسكرياً مثلما تمكّنت روما قديماً من تدمير قرطاجة... ولكن هنا أيضاً فات الأوان: روسيا تمتلك اليوم أسلحةً تفوق نظيراتها الغربية تطوّراً بأشواط، وأكملت تجربتها العملية منذ عام ٢٠١٤ في سوريا. يمكن لروسيا في أيّ لحظة أن تسحق أعداءها. عام ٢٠١٨، استعرض الرّئيس بوتين أمام البرلمانيّين الرّوس التّقدّم المُرعب الّذي أحرزته البلاد فيما يخصّ ترسانتها العسكرية [5].

كانت قمّة مدريد عبارةً عن دعاية ناجحة [6].، ولكنّها كانت أيضاً العشاء الأخير. أعلنت الدول الإثنين والثلاثون وحدتها بيأس من يخشى اقتراب الموت. كما لو أنّ شيئاً لم يحصل، تبنّى الناتو استراتيجيةً للهيمنة على العالم خلال الأعوام العشرة القادمة، مُعتبراً أنّ "نموّ" الصين يشكّل موضوعاً يهمّه بشدّة [7].. بذلك، يعترف الناتو أنّ هدفه ليس تحقيق الأمن، بل حكم العالم. باشر الناتو إذاً عملية دمج السويد وفنلندا وخطّط للإقتراب من حدود الصين، بدايةً عبر انضمامٍ ممكنٍ لليابان إلى صفوف الحلف.

المشكلة الوحيدة، الّتي تمّ ضبطها بسرعة، كانت لتكون الضغوطات التركية على فنلندا والسويد لحملهما على الإنقلاب على حزب العمّال الكردستاني [8]. لم يكن بوسع الولايات المتحدة أن تقول لا، فتخلّت عن حلفائها من المرتزقة الأكراد في سوريا، وقياديّيهم في بلاد الغُربة.

قرّر الناتو أن يضاعف حجم قوّات التّدخّل السريع، من ٤٠ ألف إلى ٣٠٠ ألف، أي ٧.٥ أضعافها، وأن ينشرها على حدود روسيا. بفعلته هذه، خالف الناتو توقيع دوله على ميثاق الأمن في أوروبا، عبر تهديد روسيا مباشرةً. هذه الأخيرة غير قادرة على تأمين حدودها الشاسعة، ولا يمكن لها أن تضمن أمنها إلّا عبر السّهر على منع تمركز وانتشار قواعد أجنبية على حدودها (لأنّ ذلك يمنع استراتيجية الأرض المحروقة). من الآن، ينشر البنتاغون خرائطاً للمستقبل، أي مرحلة ما بعد انهيار روسيا الّذي يرجو تحقيقه.

كانت إجابة سفير روسيا السابق إلى الناتو ومدير روسكوسموس الحالي دميتري روغوزين هي نشر إحداثيات مراكز اتّخاذ القرار التابعة للناتو، بما فيها قاعة قمّة مدريد، على قناة تلغرام التابعة له [9]. تملك روسيا صواريخاً فرط صوتية (هايبرصوتية)، غير قابلة للإعتراض حاليا، وقادرة على توصيل قنبلة ذرّية خلال دقائقٍ معدودةٍ إلى مقرّ الناتو (بروكسل) والبنتاغون وواشنطن. لكي يفهم الجميع، وضّح سيرجي لافروف، في إشارةٍ إلى الستراوسيين، أنّ القرارات الحربية في الغرب لا يُصدرها العسكريون، بل وزارة الخارجية الأمريكية. هي الّتي ستكون أول الأهداف.

السؤال هو إذاً: هل سيخاطر الغرب بكلّ شيء؟ هل سيخاطرون بحربٍ عالميةٍ ثالثةٍ، بالرّغم من كونهم سيخسرونها، لكي لا يموتوا وحدهم؟

تييري ميسان
 
الكاتب واضح له ميول اشتراكية.. مقاربه للواقع فيها تطرف واضح ضد الكتله الغربية
 
أسأل الله أن يجعل حربا شاملة بين الروس والأوروبيين والأمريكان مع الصينيين
 
1659911134318.png
 
الغرب في طريقهم للنهاية المريرة واول طريقهم الانحلال الاخلاقي وتدمير الاسر بالشذوذ وتشريعة
 
الكاتب واضح له ميول اشتراكية.. مقاربه للواقع فيها تطرف واضح ضد الكتله الغربية
قرات المقال لا يوجد كلمة واحدة اتت بمصطلح اشتراكي او شيوعي فكيف عرفت ان الكاتب لديه ميول اشتراكية
 
سنة الحياة. لكل بداية نهاية.
و اعتقد ان المستقبل لمنطقة الشام و العراق و مصر و ايران

ممكن توضحلنا كيف راح يكون المستقبل للمناطق اللي ذكرتها ؟
بناءاً على اي معطيات قلت ان المستقبل لهم؟
 
عودة
أعلى