جورج واشنطن(قائد أمريكي)
(1732- 1799)
يعتبر جورج واشنطن، قائد الجيش الأمريكي القاري، وأول رئيس للولايات المتحدة الأمريكية، هو أبرز القادة العسكريين تأثيرا ونفوذا علي مر التاريخ0 ولو كان تحديد وترتيب القائمة التي تضم أبرز مئة قائد عسكري يركز فقط علي ضم القادة الذين خاضوا معارك كبيرة أو العباقرة الاستراتجيين العسكريين، فربما احتل جورج واشنطن ذيل القائمة، هذا إذا كان أسمه سيضمن أصلا0 ولكن نظرا لكون هذه الدراسة تختص بالقادة العسكريين"المؤثرين"، ففي هذا الإطار، يتصدر جورج واشنطن القائمة0
قام جورج واشنطن، كقائد للجيش القاري، بقيادة مجموعة من الجنود الأمريكيين الذين وصفهم بأنهم(كانوا شبه جوعي أحيانا، وانهم كانوا في أسمال باليةدائما، ولم تكن لهم رواتب، كما كانوا يتعرضون في بعض الأوقات إلي كل أشكال المحن التي تستطيع الطبيعة البشرية أن تحتملها)0 وقد تمكن جورج واشنطن من ان يقود هذا الجيش الرث، وأن يستغل قدراته السياسية الفذة لكسب رضي القادة السياسيين والحصول علي دعم الدول الأخرى، ليلحق الهزيمة بأحد أبرز الجيوش علي مستوي العالم محققا بذلك الاستقلال للولايات المتحدة الامريكية0
ولد جورج واشنطن لأسرة تشتغل بالزراعة، في يوم 22 شباط/ فبراير 1732، بمقاطعة ويستمورلاند في ولاية فرجينيا0 وقد عمل علي تثقيف نفسه بالقراءة المركزة لعلوم الرياضيات والمساحة، مما أهله وهو في سن السادسة عشرة للانضمام إلي بعثة مساحة أرسلت إلي غربي فرجينيا0 وفي سنة 1749 عين جورج واشنطن ليكون مسؤولا عن دائرة مسح الأراضي في مقاطعة كالبير0
جاءت أول تجربة عسكرية مباشرة لجورج واشنطن عند تعيينه برتبة رائد في المليشيا التابعة لمستعمرة فرجينيا0 وفي عام 1754 قاد واشنطن حملة صغيرة إلي وادي نهر أوهايو بتكليف من حاكم فرجينيا ليطلب انسحاب الفرنسيين من الأراضي التي تطالب بريطانيا بالسيادة عليها0 وخاض واشنطن أول تجربة قتالية له حين هاجم الفرنسيون سريته، وأجبروها علي الاستسلام والعودة إلي شرقي فرجينيا0
استقال جورج واشنطن بعد ذلك من الخدمة العسكرية، ولكنه عاد لينضم من جديد إلي قوات المليشيا التابعة لمستعمرة فرجينيا عام 1755 برتبة مقدم، ليعمل كضابط معاون للجنرال البريطاني إدوارد برادوك، وعاد واشنطن إلي وادي أهايو مره أخري، وكان ضمن رتل بريطاني تعرض لكمين فجائي نصبه الفرنسيون وحلفاؤهم الهنود0 وقد قتل الجنرال برادوك في ذلك الكمين، وتولي جورج واشنطن قيادة الرتل بعد ذلك خلال انسحابه وقاد من تبقي منه علي نجاة، ومكافأة له علي ذلك الأداء، تمت ترقيته إلي رتبة عقيد0 وحين تم الإعلان رسميا في أيار/ مايو 1756 عن الحرب التي أطلق عليها حرب السنوات السبع بين إنجلترا وفرنسا، تولي جورج واشنطن قيادة الدفاعات والتحصينات في جبهة فرجينيا الغربية0
حاول جورج واشنطن الانضمام إلي الجيش النظامي البريطاني، ولكنه-- بعد أن قوبل طلبه بالرفض-- عاد إلي مقاطعة ماونت فيرنون الجبلية عند انتهاء الحرب0 وفي عام 1658 انتخب واشنطن لعضوية المجلس الأدنى في الهيئة التشريعية لمستعمرة فرجينيا0 وظل في ذلك الموقع لمدة سبع عشرة سنة0 وخلال تلك الفترة عارض جورج واشنطن علنا القمع البريطاني المتزايد للمستعمرات الأمريكية ، كما عارض الازدياد المتصاعد للضرائب المفروضة علي شتي مناحي الحياة وعلي نشاط التجاري تحديدا0
وفي عام 1774 جاء جورج واشنطن ممثلا لموطنه مستعمرة فرجينيا في اجتماع الكونجرس القومي، الذي ضم جميع المستعمرات التي تشكلت منها الولايات المتحدة الأمريكية فيما بعد0 وبعد وقت قصير من بداية الحرب الثورية الأمريكية في عام 1775 بالمعارك التي دارت في ليكسنجتون وكونكورد، ظهر واشنطن أمام الكونجرس القومي بزيه العسكري الخاص بقوات المليشيا ليعرض تطوعه للخدمة0 وقد اتخذ الكونجرس قرارا بالإجماع مصدقا بتشكيل جيش قومي، وعين جورج واشنطن قائدا عاما له0 وجاء ذلك التعيين نظرا لمهارات واشنطن الدبلوماسية التي تفوق مؤهلاته العسكرية0 وبعد أن شهدت المستعمرات الأمريكية انقسامات حادة وعدائية بين الجنوب والشمال، برز جورج واشنطن ليكون القائد الوحيد القادر علي توحيد الأمريكيين لمواجهة واحد من أقوي الجيوش علي مستوي العالم0
باشر جورج واشنطن قيادة الجيش القومي الذي تكون من قوات المليشيا في المستعمرات المختلفة وذلك بحصار بوسطن في شهر تموز/ يوليو 1775 ، وقام بتنظيم قواته علي الفور وتعامل مع الموالين، وحاول تكوين قوة بحرية واستغل معرفته بالميزات التي توفرها المظاهر الطبيعية علي سطح الأرض مستغلا خبرته السابقة كمتخصص في المساحة، ليحتل مرتفعات دور تشستر غي المحروسة، ثم قام بتسليح القوات الموجودة علي المرتفعات بالمدافع التي استولي عليها في فورت تايكونديروجا، وقصف القوات البريطانية التي تحتل بوسطن ليجبرها علي إخلاء المدينة والانسحاب منها بحرا في آذار/ مارس 1776 0
وبعد أن توقع جورج واشنطن بوعيه وحكمته أن يستهدف البريطانيون مدينة نيويورك لاستخدامها كقاعدة انطلاق لتجزئة المستعمرات علي امتداد نهر هدسون، اتجه ليصل إلي مدينة نيويورك قبل وقت كاف ليجهز الدفاعات والتحصينات الازمة0 ولكنه اضطر إلي انسحاب بعد فشل جنوده الذين كانوا اقل عددا وتدريبا، في عدة معارك مع الجيش النظامي البريطاني خلال شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 1776 0
ومع اكتمال انسحاب واشنطن إلي بنسلفانيا كان تعداد جيشه الذي انهار معنويا لا يتعدي ثلاثة آلاف جندي0 أما القوات البريطانية التي يبلغ تعدادها أربعة وثلاثين ألف جندي فقد بدت وكأنها تنتظر اللحظة التي تنقض فيها لتقضي علي الثوار الأمريكيين خلال فصل الربيع0 وفي ليلة عيد الميلاد عام1776، شن جورج واشنطن أشهر وأكبر عمل هجومي، وذلك بعبور نهر ديلاوير الممتلئ بالثلوج ليشتبك مع حامية مكونة من المرتزقة البريطانيين والألمان في ترينتون0 وقد تمكن الثوار بعد خسائر قليلة من أسر 900 جندي من العدو، وفي 2 كانون الثاني/ يناير ألحقوا الهزيمة بوحدة بريطانية صغيرة أخري في برينستون0
لم تحقق أي من المعركتين نصرا حاسما، ولكنهما كانا أول إنجاز للثوار منذ معركة بوسطن0 فقد أصبح التجنيد أيسر مما كان، كما ارتفعت المعنوية في داخل الجيش، والأهم من ذلك كله أن سلسلة الهزائم قد توقفت، وعلي الرغم من ذلك، كان جورج واشنطن مدركا لصعوبة إمكانية تغلبه علي الجيش البريطاني المتفوق في قتال مفتوح0 كما أدرك أيضا أنه ليس مضطرا إلي فعل ذلك، فالوقت مازال في صالحه0 فكلما طال أمد الحرب، كان ممكنا تنهك نفقاتها كاهل البريطانيين، وان عدوا اكثر قوة سيدخل في حرب ضدهم0
وكان اقتناع جورج واشنطن أنه مادام لديه جيش، له حضور في الميدان، وبغض النظر عما كان منتصرا أو مهزوما، فإن الولايات المتحدة الأمريكية التي أعلن عن مولدها حديثا قد أصبحت حقيقة 0 ففي عام 1777 بذل واشنطن جهدا نمطيا عاديا للدفاع عن العاصمة في فيلادلفيا وأرسل جزءا من جيشه إلي شمالي ولاية نيويورك ليوقف الغزو البريطاني لها من كندا0 وعلي الرغم من انه لم يشارك في مع معركة ساراتوجا، فقد انتصر الثوار فيها علي البريطانيين بفضل اختيار واشنطن لأفضل مرؤوسيه من القادة واستعداده لتخويلهم الصلاحيات اللازمة للتصرف والتعامل مع المواقف، ثم الإمكانيات التي وفرها لهم لتحقيق النصر0
لقد كان جورج واشنطن يتقبل الدعم من أي مصدر خلال فترة معسكره الذي امتد طوال شتاء(1777—1778)في منطقة فالي فورج0 فقد قام المندوبون الأمريكيون في أوربا باستقطاب القادة ذوي الخبرة لينضموا إلي مساعدة واشنطن، ومن هؤلاء البارون فون ستوبن من بروسيا، والذي أفاد بخبرته الجيش الأمريكي في النواحي التدربية0
بحلول عام 1778، لم يتمكن أي من طرفين من تجميع القوة الكافية في الشمال لتحقيق النصر، ولذا فقد تحرك البريطانيون ضد المستعمرات الجنوبية0 وبدلا من مطاردة تلك القوات، اختار جورج واشنطن المحافظة علي وجودة حول مستعمرة نيويورك التي يحتلها البريطانيون0 وظل واشنطن علي ثقة بأن مجرد وجود جيشه هناك، يمثل إجراء كافيا بحد ذاته0 ومع ذلك أرسل واشنطن واحدا من أكفأ قادته وهو ناثانئيل جرين إلي الجنوب0
أعلنت فرنسا، خلال صيف1778، الحرب علي بريطانيا وبدأت بتقديم الدعم للثوار الأمريكيين0 وفي تلك الأثناء، تمسك واشنطن بالصمود وحافظ علي الوضع في الشمال، بينما خاض جرين سلسلة من المعارك في كارولينا0
وبعد سنتين، تمكن جرين من إجبار البريطانيين علي الانسحاب إلي شبه الجزيرة يوركتاون في فرجينيا0 وبعد ان ترك مفرزة صغيرة لتصد القوة البريطانية القادمة من الشمال، تحرك جورج واشنطن بعد ذلك نحو الجنوب0 وبدعم وفرته قوة من الجيش الفرنسي قوامها سبعة آلاف جندي مع أسطول بحري مكون من 36 سفينة حربية بواجهة الساحل لتمنع وصل تعزيزات البريطانية وتحول دون محاولات الانسحاب و الإخلاء، تحرك واشنطن لينفذ هجومه علي جبهة يوركتاون0 وفي 19 تشرين الأول/ أكتوبر 1781 استسلمت القوات البريطانية أمام جورج واشنطن0
كان الانتصار الذي تحقق في معركة يوركتاون، هو الانتصار الحاسم الوحيد الذي حققه جورج واشنطن للثورة ولكنه كان كافيا تماما0 فعلي الرغم من أن الحرب لو تنته رسميا حتى عام 1783، فقد انتهت الثورة الأمريكية عمليا بمعركة يوركتاون0 وبعد أن تحول جورج واشنطن إلي بطل قومي، وذاع صيته علي المستوي العالمي، أصبح أول رئيس للولايات المتحدة الأمريكية في شباط/فبراير1789، ودام حكم واشنطن لفترتين رئاسيتين، أشرف خلالهما علي تكوين أجهزة حكم ديمقراطية وشهدت فترته بداية عملها، كما وضع العديد من الإجراءات والتقاليد ظلت سائدة إلي يومنا هذا0 وبعد أن رفض الترشيح لفترة رئاسية ثالثة، تقاعد ليستقر بمقاطعة ماونت فيرنون، التي توفي فيها يوم 14 كانون الأول/ ديسمبر1799 وعمره سبعة وستون سنة0
وبينما تقوم شهرة جورج واشنطن التي نعرفها اليوم علي دوره كرئيس أكثر من تاريخه كقائد عسكري، فقد كان بالفعل قائدا عسكريا بارعا؛ إذ تمكن – في آن واحد – من المحافظة علي جيشه في الميدان في مواجهة قوة متفوقة للغاية، والمحافظة علي رضي الكونجرس المنقسم داخليا وعلي قبول الشعب له، بينما تمكن في ذات الوقت من استقطاب الدعم العسكري من دول أخري0
علي الرغم من تمكن قادة عسكريين آخرين، مثل نابليون الأول، والإسكندر الأكبر، وجنكيز خان من تحقيق إنجازات عسكرية أكثر من جورج واشنطن في ميدان المعركة، فأنهم لو يخلفوا ذلك الإرث من التأثير الذي يعادل ماتركه واشنطن، ودون جهوده في ذلك ما كان للجيش الأمريكي القومي أن يتشكل، ودون ذلك الجيش ما كان يمكن للولايات المتحدة الأمريكية أن تكون0 وكانت المستعمرات الأمريكية ستبقي جزءا من الإمبراطورية البريطانية لتواجه مصيرا يائسا مشابها لما انتهت إليه المستعمرات الأخري0 كما أن جورج واشنطن هو الذي وضع وأسس المعايير التي قامت عليها الولايات المتحدة الأمريكية التي تعتبر حتى اليوم أطول الديمقراطيات عمرا؛ وهي الدولة الأقوى والأكثر نفوذا0 لقد حقق جورج واشنطن الكثير الذي يؤهله لحمل اللقب التشريفي"أبو بلاده"0
http://www.majalsuae.com/vb/showthread.php?t=11272
(1732- 1799)
يعتبر جورج واشنطن، قائد الجيش الأمريكي القاري، وأول رئيس للولايات المتحدة الأمريكية، هو أبرز القادة العسكريين تأثيرا ونفوذا علي مر التاريخ0 ولو كان تحديد وترتيب القائمة التي تضم أبرز مئة قائد عسكري يركز فقط علي ضم القادة الذين خاضوا معارك كبيرة أو العباقرة الاستراتجيين العسكريين، فربما احتل جورج واشنطن ذيل القائمة، هذا إذا كان أسمه سيضمن أصلا0 ولكن نظرا لكون هذه الدراسة تختص بالقادة العسكريين"المؤثرين"، ففي هذا الإطار، يتصدر جورج واشنطن القائمة0
قام جورج واشنطن، كقائد للجيش القاري، بقيادة مجموعة من الجنود الأمريكيين الذين وصفهم بأنهم(كانوا شبه جوعي أحيانا، وانهم كانوا في أسمال باليةدائما، ولم تكن لهم رواتب، كما كانوا يتعرضون في بعض الأوقات إلي كل أشكال المحن التي تستطيع الطبيعة البشرية أن تحتملها)0 وقد تمكن جورج واشنطن من ان يقود هذا الجيش الرث، وأن يستغل قدراته السياسية الفذة لكسب رضي القادة السياسيين والحصول علي دعم الدول الأخرى، ليلحق الهزيمة بأحد أبرز الجيوش علي مستوي العالم محققا بذلك الاستقلال للولايات المتحدة الامريكية0
ولد جورج واشنطن لأسرة تشتغل بالزراعة، في يوم 22 شباط/ فبراير 1732، بمقاطعة ويستمورلاند في ولاية فرجينيا0 وقد عمل علي تثقيف نفسه بالقراءة المركزة لعلوم الرياضيات والمساحة، مما أهله وهو في سن السادسة عشرة للانضمام إلي بعثة مساحة أرسلت إلي غربي فرجينيا0 وفي سنة 1749 عين جورج واشنطن ليكون مسؤولا عن دائرة مسح الأراضي في مقاطعة كالبير0
جاءت أول تجربة عسكرية مباشرة لجورج واشنطن عند تعيينه برتبة رائد في المليشيا التابعة لمستعمرة فرجينيا0 وفي عام 1754 قاد واشنطن حملة صغيرة إلي وادي نهر أوهايو بتكليف من حاكم فرجينيا ليطلب انسحاب الفرنسيين من الأراضي التي تطالب بريطانيا بالسيادة عليها0 وخاض واشنطن أول تجربة قتالية له حين هاجم الفرنسيون سريته، وأجبروها علي الاستسلام والعودة إلي شرقي فرجينيا0
استقال جورج واشنطن بعد ذلك من الخدمة العسكرية، ولكنه عاد لينضم من جديد إلي قوات المليشيا التابعة لمستعمرة فرجينيا عام 1755 برتبة مقدم، ليعمل كضابط معاون للجنرال البريطاني إدوارد برادوك، وعاد واشنطن إلي وادي أهايو مره أخري، وكان ضمن رتل بريطاني تعرض لكمين فجائي نصبه الفرنسيون وحلفاؤهم الهنود0 وقد قتل الجنرال برادوك في ذلك الكمين، وتولي جورج واشنطن قيادة الرتل بعد ذلك خلال انسحابه وقاد من تبقي منه علي نجاة، ومكافأة له علي ذلك الأداء، تمت ترقيته إلي رتبة عقيد0 وحين تم الإعلان رسميا في أيار/ مايو 1756 عن الحرب التي أطلق عليها حرب السنوات السبع بين إنجلترا وفرنسا، تولي جورج واشنطن قيادة الدفاعات والتحصينات في جبهة فرجينيا الغربية0
حاول جورج واشنطن الانضمام إلي الجيش النظامي البريطاني، ولكنه-- بعد أن قوبل طلبه بالرفض-- عاد إلي مقاطعة ماونت فيرنون الجبلية عند انتهاء الحرب0 وفي عام 1658 انتخب واشنطن لعضوية المجلس الأدنى في الهيئة التشريعية لمستعمرة فرجينيا0 وظل في ذلك الموقع لمدة سبع عشرة سنة0 وخلال تلك الفترة عارض جورج واشنطن علنا القمع البريطاني المتزايد للمستعمرات الأمريكية ، كما عارض الازدياد المتصاعد للضرائب المفروضة علي شتي مناحي الحياة وعلي نشاط التجاري تحديدا0
وفي عام 1774 جاء جورج واشنطن ممثلا لموطنه مستعمرة فرجينيا في اجتماع الكونجرس القومي، الذي ضم جميع المستعمرات التي تشكلت منها الولايات المتحدة الأمريكية فيما بعد0 وبعد وقت قصير من بداية الحرب الثورية الأمريكية في عام 1775 بالمعارك التي دارت في ليكسنجتون وكونكورد، ظهر واشنطن أمام الكونجرس القومي بزيه العسكري الخاص بقوات المليشيا ليعرض تطوعه للخدمة0 وقد اتخذ الكونجرس قرارا بالإجماع مصدقا بتشكيل جيش قومي، وعين جورج واشنطن قائدا عاما له0 وجاء ذلك التعيين نظرا لمهارات واشنطن الدبلوماسية التي تفوق مؤهلاته العسكرية0 وبعد أن شهدت المستعمرات الأمريكية انقسامات حادة وعدائية بين الجنوب والشمال، برز جورج واشنطن ليكون القائد الوحيد القادر علي توحيد الأمريكيين لمواجهة واحد من أقوي الجيوش علي مستوي العالم0
باشر جورج واشنطن قيادة الجيش القومي الذي تكون من قوات المليشيا في المستعمرات المختلفة وذلك بحصار بوسطن في شهر تموز/ يوليو 1775 ، وقام بتنظيم قواته علي الفور وتعامل مع الموالين، وحاول تكوين قوة بحرية واستغل معرفته بالميزات التي توفرها المظاهر الطبيعية علي سطح الأرض مستغلا خبرته السابقة كمتخصص في المساحة، ليحتل مرتفعات دور تشستر غي المحروسة، ثم قام بتسليح القوات الموجودة علي المرتفعات بالمدافع التي استولي عليها في فورت تايكونديروجا، وقصف القوات البريطانية التي تحتل بوسطن ليجبرها علي إخلاء المدينة والانسحاب منها بحرا في آذار/ مارس 1776 0
وبعد أن توقع جورج واشنطن بوعيه وحكمته أن يستهدف البريطانيون مدينة نيويورك لاستخدامها كقاعدة انطلاق لتجزئة المستعمرات علي امتداد نهر هدسون، اتجه ليصل إلي مدينة نيويورك قبل وقت كاف ليجهز الدفاعات والتحصينات الازمة0 ولكنه اضطر إلي انسحاب بعد فشل جنوده الذين كانوا اقل عددا وتدريبا، في عدة معارك مع الجيش النظامي البريطاني خلال شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 1776 0
ومع اكتمال انسحاب واشنطن إلي بنسلفانيا كان تعداد جيشه الذي انهار معنويا لا يتعدي ثلاثة آلاف جندي0 أما القوات البريطانية التي يبلغ تعدادها أربعة وثلاثين ألف جندي فقد بدت وكأنها تنتظر اللحظة التي تنقض فيها لتقضي علي الثوار الأمريكيين خلال فصل الربيع0 وفي ليلة عيد الميلاد عام1776، شن جورج واشنطن أشهر وأكبر عمل هجومي، وذلك بعبور نهر ديلاوير الممتلئ بالثلوج ليشتبك مع حامية مكونة من المرتزقة البريطانيين والألمان في ترينتون0 وقد تمكن الثوار بعد خسائر قليلة من أسر 900 جندي من العدو، وفي 2 كانون الثاني/ يناير ألحقوا الهزيمة بوحدة بريطانية صغيرة أخري في برينستون0
لم تحقق أي من المعركتين نصرا حاسما، ولكنهما كانا أول إنجاز للثوار منذ معركة بوسطن0 فقد أصبح التجنيد أيسر مما كان، كما ارتفعت المعنوية في داخل الجيش، والأهم من ذلك كله أن سلسلة الهزائم قد توقفت، وعلي الرغم من ذلك، كان جورج واشنطن مدركا لصعوبة إمكانية تغلبه علي الجيش البريطاني المتفوق في قتال مفتوح0 كما أدرك أيضا أنه ليس مضطرا إلي فعل ذلك، فالوقت مازال في صالحه0 فكلما طال أمد الحرب، كان ممكنا تنهك نفقاتها كاهل البريطانيين، وان عدوا اكثر قوة سيدخل في حرب ضدهم0
وكان اقتناع جورج واشنطن أنه مادام لديه جيش، له حضور في الميدان، وبغض النظر عما كان منتصرا أو مهزوما، فإن الولايات المتحدة الأمريكية التي أعلن عن مولدها حديثا قد أصبحت حقيقة 0 ففي عام 1777 بذل واشنطن جهدا نمطيا عاديا للدفاع عن العاصمة في فيلادلفيا وأرسل جزءا من جيشه إلي شمالي ولاية نيويورك ليوقف الغزو البريطاني لها من كندا0 وعلي الرغم من انه لم يشارك في مع معركة ساراتوجا، فقد انتصر الثوار فيها علي البريطانيين بفضل اختيار واشنطن لأفضل مرؤوسيه من القادة واستعداده لتخويلهم الصلاحيات اللازمة للتصرف والتعامل مع المواقف، ثم الإمكانيات التي وفرها لهم لتحقيق النصر0
لقد كان جورج واشنطن يتقبل الدعم من أي مصدر خلال فترة معسكره الذي امتد طوال شتاء(1777—1778)في منطقة فالي فورج0 فقد قام المندوبون الأمريكيون في أوربا باستقطاب القادة ذوي الخبرة لينضموا إلي مساعدة واشنطن، ومن هؤلاء البارون فون ستوبن من بروسيا، والذي أفاد بخبرته الجيش الأمريكي في النواحي التدربية0
بحلول عام 1778، لم يتمكن أي من طرفين من تجميع القوة الكافية في الشمال لتحقيق النصر، ولذا فقد تحرك البريطانيون ضد المستعمرات الجنوبية0 وبدلا من مطاردة تلك القوات، اختار جورج واشنطن المحافظة علي وجودة حول مستعمرة نيويورك التي يحتلها البريطانيون0 وظل واشنطن علي ثقة بأن مجرد وجود جيشه هناك، يمثل إجراء كافيا بحد ذاته0 ومع ذلك أرسل واشنطن واحدا من أكفأ قادته وهو ناثانئيل جرين إلي الجنوب0
أعلنت فرنسا، خلال صيف1778، الحرب علي بريطانيا وبدأت بتقديم الدعم للثوار الأمريكيين0 وفي تلك الأثناء، تمسك واشنطن بالصمود وحافظ علي الوضع في الشمال، بينما خاض جرين سلسلة من المعارك في كارولينا0
وبعد سنتين، تمكن جرين من إجبار البريطانيين علي الانسحاب إلي شبه الجزيرة يوركتاون في فرجينيا0 وبعد ان ترك مفرزة صغيرة لتصد القوة البريطانية القادمة من الشمال، تحرك جورج واشنطن بعد ذلك نحو الجنوب0 وبدعم وفرته قوة من الجيش الفرنسي قوامها سبعة آلاف جندي مع أسطول بحري مكون من 36 سفينة حربية بواجهة الساحل لتمنع وصل تعزيزات البريطانية وتحول دون محاولات الانسحاب و الإخلاء، تحرك واشنطن لينفذ هجومه علي جبهة يوركتاون0 وفي 19 تشرين الأول/ أكتوبر 1781 استسلمت القوات البريطانية أمام جورج واشنطن0
كان الانتصار الذي تحقق في معركة يوركتاون، هو الانتصار الحاسم الوحيد الذي حققه جورج واشنطن للثورة ولكنه كان كافيا تماما0 فعلي الرغم من أن الحرب لو تنته رسميا حتى عام 1783، فقد انتهت الثورة الأمريكية عمليا بمعركة يوركتاون0 وبعد أن تحول جورج واشنطن إلي بطل قومي، وذاع صيته علي المستوي العالمي، أصبح أول رئيس للولايات المتحدة الأمريكية في شباط/فبراير1789، ودام حكم واشنطن لفترتين رئاسيتين، أشرف خلالهما علي تكوين أجهزة حكم ديمقراطية وشهدت فترته بداية عملها، كما وضع العديد من الإجراءات والتقاليد ظلت سائدة إلي يومنا هذا0 وبعد أن رفض الترشيح لفترة رئاسية ثالثة، تقاعد ليستقر بمقاطعة ماونت فيرنون، التي توفي فيها يوم 14 كانون الأول/ ديسمبر1799 وعمره سبعة وستون سنة0
وبينما تقوم شهرة جورج واشنطن التي نعرفها اليوم علي دوره كرئيس أكثر من تاريخه كقائد عسكري، فقد كان بالفعل قائدا عسكريا بارعا؛ إذ تمكن – في آن واحد – من المحافظة علي جيشه في الميدان في مواجهة قوة متفوقة للغاية، والمحافظة علي رضي الكونجرس المنقسم داخليا وعلي قبول الشعب له، بينما تمكن في ذات الوقت من استقطاب الدعم العسكري من دول أخري0
علي الرغم من تمكن قادة عسكريين آخرين، مثل نابليون الأول، والإسكندر الأكبر، وجنكيز خان من تحقيق إنجازات عسكرية أكثر من جورج واشنطن في ميدان المعركة، فأنهم لو يخلفوا ذلك الإرث من التأثير الذي يعادل ماتركه واشنطن، ودون جهوده في ذلك ما كان للجيش الأمريكي القومي أن يتشكل، ودون ذلك الجيش ما كان يمكن للولايات المتحدة الأمريكية أن تكون0 وكانت المستعمرات الأمريكية ستبقي جزءا من الإمبراطورية البريطانية لتواجه مصيرا يائسا مشابها لما انتهت إليه المستعمرات الأخري0 كما أن جورج واشنطن هو الذي وضع وأسس المعايير التي قامت عليها الولايات المتحدة الأمريكية التي تعتبر حتى اليوم أطول الديمقراطيات عمرا؛ وهي الدولة الأقوى والأكثر نفوذا0 لقد حقق جورج واشنطن الكثير الذي يؤهله لحمل اللقب التشريفي"أبو بلاده"0
http://www.majalsuae.com/vb/showthread.php?t=11272