مع إعلان الرئيس الأميركي جو بايدن، أمس الثلاثاء، عزمه تزويد أوكرانيا «أنظمة صاروخية أكثر تطوّراً وذخائر، ما يتيح لجيشها أن يصيب بدقّة أكثر، أهدافاً أساسية في ميدان المعركة» الدائرة بين ضد الجيش الروسي، ثارت تكهنات حول نوعية الأنظمة الصاروخية التي تحدّث عنها. فيما رجح مسؤول كبير في البيت الأبيض أن يكون الأمر متعلقا براجمات صواريخ من طراز «هيمارس».
لكن أي طراز تحديدا ستحصل عليه أوكرانيا؟ هل هو «إم 270» أم «إم 142»؟ وأي تداعيات لهذا القرار سيكون على مسار الحرب في أوكرانيا؟
يحتاج النظامان الأميركيان الصاروخيان المذكوران أعلاه، لتشغيل أي منهما، إلى طاقم يتألف من ثلاثة أفراد فقط ويستخدم كلاهما نفس الذخيرة الصاروخية من عيار 227 مليمترا، ولا يحتاج كلاهما إلى مركز لتوجيه النيران خلال تنفيذ مهامهما القتالية.
ثمة إصدار واحد من النظام «إم 142» (هيمارس) تم تطويره منتصف تسعينيات القرن الماضي ولم تشمله أي تعديلات منذ ذلك الوقت، ويُرمز إليه بالإصدار «إم 142 إيه 0» وهو محمول فوق شاسيه شاحنة ثقيلة.
أما النظام «إم 270»، المحمول فوق شاسيه عربة مشتقة من المدرعة برادلي والذي دخل الخدمة في ثمانينيات القرن الماضي، فيشتمل على ثلاثة إصدارات تضمنت تحسينات جرت على مدى 40 سنة وحملت الرموز «إم 270 إيه 0» و«إم 270 إيه 1» و«إم 270 إيه 2». ويمكن تمييز النسخة الأحدث من خلال هوائي نظام تحديد المواقع العالمي (جي بي إس) الأشبه بالزعنفة والمثبت فوق سطح حاوية إطلاق الصواريخ.
يمكن للإصدار «إم 270 إيه 0» إطلاق سلسلة الصواريخ طراز «إم 26» و«إم 39» الحربية، وكذلك صواريخ التدريب طراز «إم 28». وحسب بيانات الجيش الأميركي، تنحصر حيازة هذا الإصدار في القوات المسلحة الأميركية. أما الإصدار «إم 270 إيه 1» فيمكنه إطلاق كل أنواع الصواريخ الموجودة في الخدمة حاليا باستثناء الصاروخ المستقبلي «PrSM» الذي تعمل شركة «لوكهيد مارتن» المُصنعة للنظام على تطويره حاليا.
وتعمل «لوكهيد مارتن»، حاليا، على ورشة عمرة وإصلاح وترقية شاملة لـ160 وحدة من الإصدار «إم 270 إيه 0» موجودة داخل مخازن الجيش الأميركي. وتتضمن أعمال الترقية؛ استبدال المحركات القديمة بأخرى حديثة، وتثبيت أجهزة نقل حركة جديدة، وتركيب نظم تذخير أسرع لحاويات الإطلاق، وإدماج نظام متطور لإدارة النيران. فور انتهاء هذه التحديثات سيحمل الإصدار الذي تم ترقيته الرمز «إم 270 إيه 2».
فور الانتهاء من ترقية الوحدات الـ160، ستنضم إلى كتائب المدفعية العشر العاملة حاليا لدى الجيش الأميركي ووحدات الحرس الوطني الأميركية، والتي تستخدم جميعها حاليا الإصدار «إم 270 إيه 1». ومع الانتهاء من تسليم هذه الوحدات ستبدأ «لوكهيد مارتن» في ترقية 225 وحدة من الإصدار «إم 270 إيه 1» الموجودة حاليا في الخدمة، إلى الإصدار الأحدث.
ويخطط الجيش الأميركي لزيادة وحداته الصاروخية من الإصدار «إم 270 إيه 2» بمجرد انتهاء شركة لوكهيد من عمليات ترقية الإصدارين الأقدمين. ويعني هذا، أن بإمكان أوكرانيا حاليا الحصول على الإصدارين «إم 270 إيه 1» و«إم 142»، لأن الإصدار «إم 270 إيه 0» لا يمكنه إطلاق صواريخ «GMLRS» الموجهة بواسطة نظام تحديد المواقع العالمي والمتوفرة في مستودعات الجيش الأميركي. كما أن واشنطن لن تغامر في إرسال الإصدار الأحدث «إم 270 إيه 2» الذي يمثل ذروة التكنولوجيا العسكرية الأميركية إلى أوكرانيا، خوفا من وقوع أسراره في أيدي الروس.
أما النظام «إم 142»، فقد أنتج منه أكثر من 540 وحدة، من بينها 450 وحدة يمتلكها الجيش والبحرية الأميركيان. وحسب المحللين العسكريين يمكن للولايات المتحدة منح أوكرانيا أكثر من 100 وحدة من النظامين «إم 270 إيه 1» و«إم 142».
يكمن الفارق الرئيس بين النظامين في احتواء «إم 142» على حاضنة صاروخية واحدة تضم 6 أنابيب لإطلاق الصواريخ من نوع «إم 31» من عيار 227 مليمترا، ما يحدُّ من خيارات قائد الوحدة المدفعية.
بالمقابل يضم النظام «إم 270 إيه 1» حاضنتين صاروخيتين تضمان سوية 12 أنبوبا، ما يمنح قائد وحدة المدفعية خيار إطلاق صواريخ «إم 31» من إحداهما، وإطلاق صواريخ «إم 30 إيه 1»، ضمن رشقة صاروخية واحدة متزامنة. وللدلالة على خطورة هذا النظام يكفي أن نعلم أن رشقة واحدة من 12 صاروخا يمكنها نثر 23184 قنيبلة صغيرة فوق مساحة محددة تنتشر فوقها وحدات العدو بدقة لا تتجاوز الثلاثة أمتار.
ويمكن لكلا النظامين الأميركيين إطلاق رشقات صاروخية أسرع بكثير من أي نظام روسي مماثل. فعلى سبيل المثال يستغرق الأمر أكثر من 20 دقيقة لإعادة تذخير حاويات نظام «أوراغان» الصاروخية الروسي، وأكثر من 40 دقيقة لإعادة تذخير حاويات نظام «سميريتش» الصاروخي الروسي.
بالمقابل يمكن إعادة تذخير النظامين «إم 270 إيه 1» و»إم 142» خلال خمس دقائق فقط.
هذا من ناحية. من ناحية أخرى، يتعين على رجال المدفعية الروس قياس وتحديد مواقع العدو المراد تدميرها عبر استخدام خرائطهم القديمة غير المحدثة، ومُعاينة قياسات راجماتهم بصريًا، ما يتيح لهم إطلاق رشقة صاروخية واحدة بالساعة في أفضل الأحوال.
بالمقابل يحتاج النظامان «إم 270 إيه 1» و«إم 142» إلى دقيقة واحدة للتوقف وتحديد المواقع وإطلاق الصواريخ حسب التسلسل التالي: تحدد طائرة من دون طيار هدفا، فترسل إحداثياته إلى منصة الإطلاق، يُدمج المدفعي الإحداثيات ضمن نظام إدارة النيران قبل أن يطلق صواريخه ويتحرك.
وفق هذا السيناريو يمكن للنظامين إطلاق ما بين 5 و6 رشقات صاروخية في الساعة. ولا يقتصر الأمر على سرعة النظامين «إم 270 إيه 1» و«إم 142» في إعادة التذخير والدقة بشكل أكبر من نظيراتها الروسية، بل إن صواريخهما أبعد مدى. إذ يبلغ مدى صواريخ GMLRS أكثر من مائة كيلومتر.
لكن كيف يمكن لهذين النظامين إلحاق الكثير من الأذى بالروس؟
دعونا ننظر، على سبيل المثال، إلى جبهة خيرسون. يمكننا في هذه الخريطة مشاهدة الدائرة الصفراء التي تحدد النطاق الجغرافي الذي يمكن لصاروخ «إم 31» تغطيته.
لا يمكن لصواريخ النظامين إصابة كل موقع روسي تقريبا في إقليم خيرسون فحسب، بل يمكنه أيضا إصابة نقاط اختناق خطوط إمداد جيش موسكو: جسر أنتونوفسكي بالقرب من خيرسون، وسد كاخوفكا بالقرب من نوفا كاخوفكا. وما ينطبق على خيرسون ينطبق على منطقة خاركيف.
أما بخصوص قدرة الجيش الروسي على تدمير وحدات النظامين بواسطة بطارياته المدفعية المضادة، فيقول الخبراء إن النظامين يطلقان صواريخهما بسرعة كبيرة بحيث أن أي قذائف مضادة روسية ستسقط في مكان الإطلاق بعد وقت طويل من تحرك وحدات النظامين. إذ لا يتعين على طاقم وحدة «إم 142» حتى الخروج من مركبتهم لإعادة تذخير حاوياتهم.
الخطر الوحيد على الطاقم هو مباغتتهم من قبل الطائرات من دون طيار. لذلك يحتاج مشغلو كلا النظامين إلى دفاع جوي قريب مرافق.
من المؤكد أن النظامين «إم 270 إيه 1» و«إم 142» سيغيران من ديناميكيات الحرب في أوكرانيا. إذ سيكون بمقدور القوات الأوكرانية إلحاق مزيد من الخسائر لدى كل هجوم للجيش الروسي، وإلحاق مزيد من المعاناة في نظام إمداده داخل عمق الجبهة، وهي أمور ستزيد من دون شك جراحات النمر السيبيري.