في أواخر الستينيات من القرن الماضي لفت نظر الجزائريين خبر غريب سمعوه و هو حضور الجنرال أوفقير “جزّار المغرب” إلى الجزائر، لتمثيل المغرب في تشييع جنازة لا يعرفون صاحبها، ولتعزية أهله. صاحب هذه الجنازة شخص يسمى محمد معمري، الذي قدّروا أنه ليس كأحد من الناس، وإلا لما شهد أوفقير جنازته ممثلا لسيده.. كنت أعلم أن فرنسا اختارت بعض الجزائريين لتستعين بهم ليكونوا لها في المغرب الأقصى، عندما تحتله اعوانا ومديرين…
ومن الجزائريين الذين اختارتهم، ووضعتهم في القصر الملكي، ثلاثة أشخاص هم محمد معمري، وأبو العباس أحمد التجاني، وقدور ابن غبريط.. وقد “ستر” الله ـ عز وجل ـ الأوّلين (معمري والتجاني) فلم يجر اسماهما بالسّوء على ألسنة الناس؛ وأما الثالث (ابن غبريط)
فهو ـ إذا ـ أبو عبد الله محمد بن محمد بن علي بن محمد بن معمر الزواوي، أصله من توريرت ميمون، من قبيلة بني يني في جرجرة، ولاية تيزي وزو.. ولد في 6 جانفي 1885، ولما بلغ السادسة من عمره توفّى الله والده فرعته عائلته، وأدخلته المدرسة الفرنسية، وتعلم مبادئ اللغة العربية والعلوم الشرعية.
في 1903 أدخل “المدرسة” في مدينة الجزائر، فتتلمذ على كبار أساتذتها، وأخذ عنهم مختلف الفنون والعلوم، وممن تتلمذ عنهم علي العمّالي ـ نسبة إلى بلدة عمّال القريبة من الأخضرية، شرق مدينة الجزائر ـ ومحمد ابن شنب، وعبد الحليم ابن سماية، ومحمد السعيد ابن زكري، وعبد القادر المجاوي.. وتعلم الأدب الفرنسي، والحقوق، حتى تخرج في 1908، وهي السنة التي ذهب فيها إلى الرباط (؟) ومن المعلوم أن الجزائريين كانوا آنذاك يعيشون تحت وطأة الإرهاب الفرنسي المتمثل في قانون “الأنديجينا”، الذي يمنع الجزائريين من التنقل داخل الجزائر، فما بالك بالتنقل إلى غيرها من البلدان إلاّ.. وإلاّ تديّر محمد معمري الرباط ـ 1908 ـ وأسس (!) بها مدرسة (عربية فرنسية)، وأشرف عليها إلى 1912، وهي السنة التي بسطت فرنسا يدها على المغرب الأقصى…
وفي هذه السنة أيضا عينته فرنسا، أو أمرت بتعيينه، ترجمانا بالإدارة المكلفة بحفظ الأوراق بالصدارة العظمى، ومكلفا بما يمكن تسميته “العلاقة” بين السفارة الفرنسية والصدارة العظمى، أي رئاسة الوزراء.
حاز معمري ثقة من بيدهم أمور المغرب، فعهدوا إليه في 1915 ـ إضافة إلى ما سلف ـ بتعليم أبناء السلطان يوسف، الذي أتاه اليقين في 1927، وممن تتلمذوا عنه محمد الخامس والحسن الثاني.. خلف محمد الخامس أباه،
”فاختار” معمري لرئاسة ديوانه، وكلفه بأمور الأسرة الملكية والقصور، مع النيابة عن مدير التشريفات والأوسمة.. ليُعين في 1950 وزيرا لمصالح القصور والتشريفات، إضافة إلى نيابة وزير الأوسمة..
وعندما نشب الخلاف بين السلطان ومحمد الخامس والسلطات الفرنسية الباغية، لوقوف محمد الخامس مع شعبه وحركته الوطنية، عزلت فرنسا وعملاؤها (الجلاوي، وعبد الحي الكتاني، وابن عرفة) محمد الخامس، فطلب محمد معمري من المسؤولين إعفاءه من الوظيف، وعاد إلى مسقط رأسه ليمكث حولين كاملين، إلى أن أُكرهت فرنسا على إعادة محمد الخامس الذي قدّر لمعمري نبل موقفه فاستصحبه معه إلى المغرب، وأعاده إلى منصبه..
ترك معمري أعمالا منها “حسن التصنيف في مبادئ التصريف”، و”تحفة الحذاق في تهذيب الأخلاق”، و”بيان الحقيقة في المسألة المغربية”، و”نبراس الإسلام”، وهي قصيدة من 365 بيت، مع ترجمتها إلى اللسان الفرنسي، و”حسن الوفاء…” وهو ديوان شعري يضم 5000 بيت، يشيد فيه بـ “مآثر ملوك العرش العلوي”.. من 1915 إلى 1964.. . ومما قاله محمد معمري وأراه أكثر انطباقا على زمننا هذا وعلى حكامنا:
عمّ الحواضر ظلمة وجهالة
وفشا التعدي من قويّ يرتدي
لاالعقل يرشد لانتهاج هداية
ودهى البوادي فتنة تتوسع
برد الغواية للرذائل يفزع
لا الدين ينهى المفسدين ويقمع
ومن الجزائريين الذين اختارتهم، ووضعتهم في القصر الملكي، ثلاثة أشخاص هم محمد معمري، وأبو العباس أحمد التجاني، وقدور ابن غبريط.. وقد “ستر” الله ـ عز وجل ـ الأوّلين (معمري والتجاني) فلم يجر اسماهما بالسّوء على ألسنة الناس؛ وأما الثالث (ابن غبريط)
فهو ـ إذا ـ أبو عبد الله محمد بن محمد بن علي بن محمد بن معمر الزواوي، أصله من توريرت ميمون، من قبيلة بني يني في جرجرة، ولاية تيزي وزو.. ولد في 6 جانفي 1885، ولما بلغ السادسة من عمره توفّى الله والده فرعته عائلته، وأدخلته المدرسة الفرنسية، وتعلم مبادئ اللغة العربية والعلوم الشرعية.
في 1903 أدخل “المدرسة” في مدينة الجزائر، فتتلمذ على كبار أساتذتها، وأخذ عنهم مختلف الفنون والعلوم، وممن تتلمذ عنهم علي العمّالي ـ نسبة إلى بلدة عمّال القريبة من الأخضرية، شرق مدينة الجزائر ـ ومحمد ابن شنب، وعبد الحليم ابن سماية، ومحمد السعيد ابن زكري، وعبد القادر المجاوي.. وتعلم الأدب الفرنسي، والحقوق، حتى تخرج في 1908، وهي السنة التي ذهب فيها إلى الرباط (؟) ومن المعلوم أن الجزائريين كانوا آنذاك يعيشون تحت وطأة الإرهاب الفرنسي المتمثل في قانون “الأنديجينا”، الذي يمنع الجزائريين من التنقل داخل الجزائر، فما بالك بالتنقل إلى غيرها من البلدان إلاّ.. وإلاّ تديّر محمد معمري الرباط ـ 1908 ـ وأسس (!) بها مدرسة (عربية فرنسية)، وأشرف عليها إلى 1912، وهي السنة التي بسطت فرنسا يدها على المغرب الأقصى…
وفي هذه السنة أيضا عينته فرنسا، أو أمرت بتعيينه، ترجمانا بالإدارة المكلفة بحفظ الأوراق بالصدارة العظمى، ومكلفا بما يمكن تسميته “العلاقة” بين السفارة الفرنسية والصدارة العظمى، أي رئاسة الوزراء.
حاز معمري ثقة من بيدهم أمور المغرب، فعهدوا إليه في 1915 ـ إضافة إلى ما سلف ـ بتعليم أبناء السلطان يوسف، الذي أتاه اليقين في 1927، وممن تتلمذوا عنه محمد الخامس والحسن الثاني.. خلف محمد الخامس أباه،
”فاختار” معمري لرئاسة ديوانه، وكلفه بأمور الأسرة الملكية والقصور، مع النيابة عن مدير التشريفات والأوسمة.. ليُعين في 1950 وزيرا لمصالح القصور والتشريفات، إضافة إلى نيابة وزير الأوسمة..
وعندما نشب الخلاف بين السلطان ومحمد الخامس والسلطات الفرنسية الباغية، لوقوف محمد الخامس مع شعبه وحركته الوطنية، عزلت فرنسا وعملاؤها (الجلاوي، وعبد الحي الكتاني، وابن عرفة) محمد الخامس، فطلب محمد معمري من المسؤولين إعفاءه من الوظيف، وعاد إلى مسقط رأسه ليمكث حولين كاملين، إلى أن أُكرهت فرنسا على إعادة محمد الخامس الذي قدّر لمعمري نبل موقفه فاستصحبه معه إلى المغرب، وأعاده إلى منصبه..
ترك معمري أعمالا منها “حسن التصنيف في مبادئ التصريف”، و”تحفة الحذاق في تهذيب الأخلاق”، و”بيان الحقيقة في المسألة المغربية”، و”نبراس الإسلام”، وهي قصيدة من 365 بيت، مع ترجمتها إلى اللسان الفرنسي، و”حسن الوفاء…” وهو ديوان شعري يضم 5000 بيت، يشيد فيه بـ “مآثر ملوك العرش العلوي”.. من 1915 إلى 1964.. . ومما قاله محمد معمري وأراه أكثر انطباقا على زمننا هذا وعلى حكامنا:
عمّ الحواضر ظلمة وجهالة
وفشا التعدي من قويّ يرتدي
لاالعقل يرشد لانتهاج هداية
ودهى البوادي فتنة تتوسع
برد الغواية للرذائل يفزع
لا الدين ينهى المفسدين ويقمع