الابتكار وصناعة الصواريخ وتطورها النوعي

إنضم
6 فبراير 2022
المشاركات
8,754
التفاعل
8,857 47 1
الدولة
Saudi Arabia
  • الابتكار وصناعة الصواريخ وتطورها النوعي
Author

الابتكار وصناعة الصواريخ وتطورها النوعي​

أ.د. محمد العسيري
| الاثنين 28 مارس 2022
*أستاذ وباحث في الهندسة الإلكترونية والأنظمة الدفاعية


امتلاك التقنيات المتقدمة بأنواعها المختلفة وفي مجالاتها المتعددة، بلا شك يعد امتلاكا للقوة والريادة في الوقت نفسه، وأعني هنا بالامتلاك القدرة على تصنيع هذه الابتكارات والتقنيات بقدرات محلية، إضافة إلى ضرورة توافر القدرات والخبرات ذات المؤهلات العلمية والعملية القادرة ولديها من الإمكانات والمهارات، اللازمة للتطوير وإيجاد المنافسة. وتطرقت سابقا لعديد من هذه التقنيات المتقدمة والابتكارات النوعية التي لعبت وتلعب دورا بارزا وكبيرا في التأثير، وعموما سواء كان ذلك في النواحي الاقتصادية أو الاجتماعية أو الدفاعية. وهنا لا بد من إضافة تقنية مهمة ولها أثر دفاعي بارز ومؤثر، وهي من التقنيات التكنولوجية المتطورة، وامتلاكها، وتعد مصدرا للقوة التي سنلمس أثرها في معظم المجالات. لذا سيكون مقالنا اليوم مقالا تعريفيا بهذه التقنية المهمة، ودورها ضمن الابتكارات والتقنيات الأخرى في تطوير المجالات الدفاعية المختلفة. هذه التقنية، هي تقنية الصواريخ، وسنتحدث عن نشأتها وبعض من أسهموا في تطويرها ومبدأ عملها، وسنذكر بعض أنواعها واستخداماتها المتعددة، ودورها وأثرها في المنظومة التطويرية الدفاعية. عرفت الصواريخ منذ فترة طويلة في الأعمال العسكرية وأثناء الحروب وبمسميات مختلفة، إلا أن الصواريخ الحديثة بدأ الاهتمام بتطويرها بشكل كبير أثناء الحرب العالمية الثانية، حيث كانت للألمان إسهامات كبيرة وأدوار مشهودة في هذا المجال. وبعد نهاية الحرب العالمية الثانية، تسابق كل من روسيا - الاتحاد السوفياتي سابقا - والولايات المتحدة على استقطاب العلماء الألمان، ممن لهم إسهامات واضحة خلال تلك الفترة، ومن هؤلاء العلماء المختصين المهندس الألماني فيرنر براون Werner Braun، الذي كانت له إسهامات كبيرة في تطوير الصواريخ، خصوصا بعد انتقاله إلى الولايات المتحدة ليحمل جنسيتها بعد ذلك، وأسهم هو وفريقه في تطوير كثير من المنظومات الصاروخية فيها، وعين رئيسا لمركز تطوير الصواريخ في الإدارة الوطنية للملاحة الجوية والفضاء National Aeronautics and Space Administration: NASA، وتم وصفه بأنه أبو التقنية الصاروخية فيها. وفي الاتحاد السوفياتي آنذاك كان للمهندس سيرجي كوروليف Sergei Korolev، دور بارز في التخطيط الاستراتيجي لبرنامج الصواريخ الروسي، فهو من شارك في تأسيس منظمة موسكو للصواريخ Moscow rocketry organization في ذلك الوقت، وهو من صمم الصاروخ المجنح، وما زال أثره واضحا من خلال تصاميمه التي ما زالت تستخدم إلى وقتنا الحاضر، وكذلك العالم الفيزيائي، روبرت جودارد Robert Goddard أمريكي الجنسية، الذي نجح هو وفريق عمله في بناء أول نوع من أنواع الصواريخ التي تعمل بالوقود السائل، وهو أول من وضع الحلول العملية والتصميمية لها وطرق تصنيعها.
وفكرة عمل الصاروخ البدائية، يمكن وصفها بأنها عبارة عن هيكل أنبوبي مخروطي الشكل، به صهريج أو خزان كمصدر للطاقة، وفتحة أسفل هذا الهيكل، ويرتكز مبدأ عمل الصاروخ على مصدر الطاقة سواء كان مادة كيميائية أو نووية أو غازية، حيث يتم احتراق هذه المواد، ما يسبب تكون غاز مضغوط كقوة دافعة بالاتجاه المعاكس لاتجاه الصاروخ، وبالتالي يتم إطلاقه لمسافات مختلفة وفق الحسابات التي تم عملها التي تعتمد على قوانيين الحركة المعروفة، إلا أن هذه الصواريخ تطورت لمراحل متعددة وأصبحت أكثر تقدما وانتقلت من العمليات التقليدية إلى الاستراتيجية، وأقصد بالتقليدية: الصواريخ ذات المدى البسيط، والاستراتيجية ذات النطاق الكبير، وأصبحت لها أنظمة وآليات خاصة بالاستهداف والتوجيه والطيران والتحكم والإطلاق والحمولة، وتعتمد على دوائر إلكترونية أكثر تعقيدا. فعلى سبيل المثال، أصبحت للصواريخ أنظمة توجيه تعتمد على الحساسات - المستشعرات - الإلكترونية Sensors، كالصواريخ الدفاعية التي منها ما يسمى الصواريخ الحرارية، وتعتمد في أنظمتها على الحساسات الإلكترونية المتقدمة وتعمل على الأشعة تحت الحمراء، وبطريقة متكاملة، حيث يتم عند التقاط الهدف من النظام الحساس، إشعار نظام التوجيه ليقوم نظام التحكم بإعادة الصاروخ وتوجيهه للمسار المطلوب، وقد تكون هذه العملية ذاتية بالصاروخ نفسه أو من خلال محطة القيادة والسيطرة Command and Control Station الأرضية.
والحقيقة أن للصواريخ أنواعا واستخدامات متعددة، منها العسكرية، كونها تعد مصدرا للقوة والهيبة وجزءا أساسيا لأي قوات سواء كانت برية أو بحرية أو جوية أو دفاعا جويا، وتختلف أغراضها في ذلك أيضا، سواء كانت دفاعية أو استكشافية أو مراقبة أو تجسسا، ومنها ما يستخدم في أغراض بحثية بحتة، كتلك التي يتم إرسالها للفضاء الخارجي للأبحاث العلمية والاكتشاف. وتختلف أنواع هذه الصواريخ بحسب المواد المستخدمة لإنتاج قوة الدفع اللازمة لعملها، فمنها تلك التي تستخدم المواد الكيميائية - الصلبة، السائلة، الغازية، والمختلطة -، ومنها الذرية النووية، ومنها التي تستخدم الطاقة الكهربائية، إلا أن تصنيفها الدفاعي وتحديد قدرتها وأهميتها يعتمد إما على نوعها، أو وضعية إطلاقها، أو مداها، أو أنظمة توجيهها، أو طريقة دفعها، أو حمولتها، فإذا أردنا تصنيفها - على سبيل المثال - بالاعتماد على النوع، فهناك صواريخ كروز Cruise Missile التي منها ما تفوق سرعتها سرعة الصوت، والنوع الآخر الصواريخ الباليستية Ballistic Missile، ومنها ما هو عابر للقارات.
وكون هذا العصر هو عصر التقدم التكنولوجي، ولأهمية مثل هذا النوع من الابتكارات التكنولوجية النوعية أصبح امتلاكها ميدانا للسباق والتحدي بين كثير من الدول، لما لذلك من أثر وبعد أمني واقتصادي ريادي وقوة دفاعية، ولذا أصبحت هذه الدول تنافس بعضها بعضا في امتلاك أفضل المنظومات لتكنولوجيا الصواريخ المتطورة بأنواعها واستخداماتها المختلفة، ومن هذه الدول روسيا التي تمتلك حسب الإحصائيات المعلنة أكبر ترسانة صواريخ على مستوى العالم، وتليها الولايات المتحدة، والصين، وفرنسا، والمملكة المتحدة - بريطانيا -، وباكستان، وكوريا الشمالية، والهند، وألمانيا، واليابان، وغيرها. وأصبح هناك عديد من الشركات تتنافس أيضا في تطوير هذه الصواريخ بإدخال منظومات وتقنيات نوعية فيها، ومن ذلك إنشاء صواريخ بذكاء اصطناعي، أي: تعتمد على تقنية الذكاء الاصطناعي، ومن المتوقع أن تنمو سوق الصواريخ في ظل ذلك لتصل إلى أكثر من 32 مليار دولار عام 2026، أي: بمعدل نمو سنوي يصل إلى 5 في المائة، وفي ظل زيادة الإنفاق الدفاعي لكون كثير من الدول تستثمر في الدفاع لحماية أراضيها وممتلكاتها، وفق النتائج التي أعلنها معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام The Stockholm International Peace Research Institute: SIPRI، في هذا الجانب.
وعملت القيادة الحكيمة لدخول هذا التنافس الكبير من خلال الخطط الاستراتيجية لذلك، وجعلت موضوع توطين الصناعات الدفاعية جزءا من منظومة الخطة الوطنية للتحول الاقتصادي، ورؤية المملكة 2030، التي تهدف إلى رفع التصنيع المحلي إلى نسبة 50 في المائة، وأسست لذلك الهيئات، مثل: الهيئة العامة للصناعات الدفاعية، والهيئة العامة للتطوير الدفاعي، والشركة السعودية للصناعات العسكرية، وعديدا من مراكز الأبحاث الوطنية، ولعل عمل هذه الهيئات والمراكز البحثية والشركات تحت مظلة واحدة، سيكون له أثر واضح في توحيد الجهد والوقت والتكلفة، كما أشرت إلى ذلك في مقال سابق تحت عنوان «تطوير استراتيجية الابتكار وريادة الأعمال»، وأرى أن هذا الدور من الافضل أن تقوم به وتشرف عليه الهيئة العامة للتطوير الدفاعي، إضافة إلى قيامها بالدور التكاملي لاستكمال حلقة البحث والتطوير والابتكار، وهو دور اكتمال نجاح المنظومة بالتصنيع، من خلال دورها العملي في الإشراف على الشركات التصنيعية، واعتمادها في ذلك على مستوى الجاهزية التقنية Technology Readiness Level: TRL، وهذا سيكون محور حديثنا في المقالات المقبلة.

 
عودة
أعلى