مؤامرة إسرائيلية أخطر من القنبلة النووية
الجدل حول "قناة البحرين" يطفو على السطح مجددا مع ظهور تحذيرات من مغبة إسراع إسرائيل في تنفيذ المشروع الذي يربط بين البحرين الأحمر والميت وما قد يجلبه من كوارث بيئية على بعض الدول العربية وخاصة الأردن ومصر والضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة.
فرغم أن المخاوف كانت تقتصر في البداية على احتمال أن يكون هدف هذا المشروع الصهيوني بالأساس هو إيجاد قناة بديلة تضرب قناة السويس وتستأثر بالنقل البحري في منطقة تعتبر ملتقى لقارات العالم ، إلا أن الجديد أن له أيضا مخاطر بيئية قد تعرض المنطقة لزلازل مدمرة لا حصر لها ، بالإضافة إلى أنه يشكل خطراً كبيرا على التربة وقد يؤدي إلى تلوث طبقة المياه الجوفية عن طريق تسرب مياه البحر إليها.
وما يضاعف القلق أن التحذيرات السابقة جاءت على لسان خبراء بيئة إسرائيليين ، فقد جاء في تقرير نشرته شبكة "سي إن إن" الإخبارية الأمريكية في 9 يوليو / تموز أن منظمات بيئية وجهت تحذيرات شديدة اللهجة إلى الحكومة الإسرائيلية من عواقب البدء في الأعمال التنفيذية لمشروع "قناة البحرين" قبل انتهاء دراسات الجدوى البيئية، التي يقوم البنك الدولي بإجرائها حالياً، مشددة على أن هذا المشروع قد يجر مزيداً من الزلازل المدمرة على المنطقة.
كما حذرت المنظمات ذاتها من أن المشروع، الذي يربط بين البحرين الأحمر والميت، ويجري تنفيذه بالتنسيق بين الحكومتين الإسرائيلية والأردنية والسلطة الوطنية الفلسطينية، قد يؤدي إلى تأثيرات سلبية على النشاط السياحي في منطقة البحر الميت، بالإضافة إلى التسبب بحدوث تغييرات إيكولوجية على النظام البيئي بالمنطقة.
وقالت ميرا إيدلستاين، من جمعية "أصدقاء الأرض في الشرق الأوسط"، وهي منظمة غير حكومية تضم مجموعة من نشطاء البيئة الأردنيين والفلسطينيين والإسرائيليين، إن الشروع في مشروع تجريبي قبل انتهاء دراسة الجدوى أمر غير مقبول على الإطلاق ، موضحة أنه لابد من القيام بالمزيد من الأبحاث المعمقة في هذا الخصوص .
وفي السياق ذاته ، قال عضو البرلمان الإسرائيلي نيتزان هورويتز، رئيس "لجنة إنقاذ البحر الميت" :" ندعو حكومة إسرائيل لوقف الأعمال في قناة البحر الأحمر - الميت، حتى الانتهاء من دراسة الجدوى، وبحث الآثار المحتملة، الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، كما ندعو إلى المزيد من البحث عن حلول بديلة لإنقاذ البحر الميت".
كما أكد الخبير البيئي الإسرائيلي إيلي راز من مركز "وادي عربة والبحر الميت للعلوم" أن مدة دراسة الجدوى الخاصة بالمشروع التي يجريها البنك الدولي ومن المقرر أن تنتهي في العام 2011، هى مدة قصيرة ، محذرا من أن الضخ الهائل من حافة خليج العقبة الضيقة قد يغير النظام البيئي في المنطقة.
وأضاف أن مسار خط الأنابيب، الذي سيربط بين البحرين الأحمر والميت، يمر عبر منطقة تتميز بنشاطها الزلزالي ، كما أنه قد يشكل خطراً على التربة، وقد يؤدي إلى تلوث طبقة المياه الجوفية عن طريق تسرب مياه البحر إليها ، مشيرا إلى أن هناك دراسات عديدة تؤكد أن خلط مياه البحر الأحمر بمياه البحر الميت، قد يكون له أيضاً آثار سلبية على القطاعين الصناعي والسياحي في المنطقة.
وخلص راز إلى القول :" إن منسوب مياه البحر الميت، الذي يعد نظاماً إيكولوجياً فريداً، ويعد مصدراً غنياً بالأملاح المعدنية، قد يتعرض للانخفاض بمعدل متر واحد كل عام، حيث تشير الدراسات البيئية إلى أنه فقد بالفعل حوالي ثلث حجمه خلال الثلاثين عاماً الماضية ، كما تشير تلك الدراسات إلى أن عمليات استخراج الأملاح المعدنية، إضافة إلى الجفاف، وتلوث مياه نهر الأردن، المصدر الرئيسي الذي يزوده بالمياه، كلها عوامل أدت إلى انخفاض منسوب المياه في البحر الميت".
التحذيرات السابقة التي تحمل خطورة بالغة وخرجت من داخل إسرائيل ذاتها جاءت بعد أن أعلنت الحكومة الإسرائيلية مؤخراً عن بدء العمل في المشروع، الذي يتضمن مد خط أنابيب بطول 180 كيلومتراً، من البحر الأحمر إلى البحر الميت.
كما جاءت بعد إعلان وزير التعاون الإقليمي الإسرائيلي سيلفان شالوم في 28 يونيو/ حزيران الماضي عن "مشروع نموذجي" لضخ حوالي 200 مليون متر مكعب من المياه من البحر الأحمر، يتم تحويل 100 مليون متر مكعب منها إلى البحر الميت، بينما يتم استخدام الـ100 مليون المتبقية بمحطات لتحلية المياه ، مشيرا إلى أن هذه القنوات ستمكن من ضخ نحو 1.8 مليار متر مكعب من المياه سنوياً من البحر الأحمر، على أن يتم تحلية 800 مليون متر مكعب منها، لتوفير مياه الشرب لسكان إسرائيل والأردن ومناطق السلطة الفلسطينية، في حين سيتم ضخ مليار متر مكعب سنوياً في البحر الميت، الذي بدأت مياهه تجف بسرعة في العقود الأخيرة.
وأخيرا ، فقد جاءت التحذيرات السابقة بعد أن كشفت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية في 28 يونيو/ حزيران الماضي أنه تم الاتفاق بين إسرائيل والأردن والبنك الدولي على تنفيذ مشروع قناة البحرين التي تضخ مياه البحر الأحمر إلى البحر الميت.
وأضافت أن وزير التعاون الإقليمي الإسرائيلي سلفان شالوم اتفق مع رئيس البنك الدولي روبرت زوليك على مد أنبوب بين البحرين يتم من خلاله ضخ 200 مليون متر مكعب من المياه سنوياً تتم تحلية نصفها ثم توزع بين إسرائيل والأردن والسلطة الفلسطينية.
وأشارت الصحيفة الإسرائيلية إلى أن شالوم كان اجتمع في وقت سابق مع مسئول أردني لوضع اللمسات النهائية للمشروع ، مشيرة إلى أن البنك الدولي يساهم في تمويل المشروع بمليار وخمسمائة مليون دولار في المرحلة الأولى علماً بأن تكلفته الإجمالية تقارب 15 مليار دولار.
فكرة المشروع
وتعود فكرة إنشاء قناة البحرين إلى بدايات القرن التاسع عشر حين طرحها تيودر هيرتزل مؤسس الحركة الصهيونية الذي تحمس لها وعرضها في كتابه "أرض الميعاد" الصادر عام 1902م.
وكانت البداية العلنية لتلك الفكرة خلال مؤتمر قمة الأرض للتنمية المستدامة والذي عقد منذ سنوات في جوهانسبرج بجنوب إفريقيا ، حيث تقدم وزير المياه الأردني بمشروع أردني إسرائيلي لربط البحر الميت بالأحمر إنقاذًا للأول من الجفاف.
ومنذ ذلك الحين ، بذل الأردن جهودًا كبيرة لإقناع كافة الأطراف لاسيما العربية منها، بأهمية المشروع وفوائده على المدى البعيد والقريب ، ويقول الأردن إن مشروع قناة البحرين سوف يوفر حوالي850 مليون متر مكعب من المياه العذبة المحلاة، تبلغ حصة الأردن منها حوالي 570 مليون متر مكعب، في حين سيتم توزيع 380 مليون متر مكعب على إسرائيل والسلطة الوطنية الفلسطينية.
ووفقا لمصادر حكومية أردنية ، فإن تنفيذ مشروع "قناة البحرين" بين البحر الاحمر والبحر الميت من شأنه أن يحمي البحر الميت من خطر "موت" حقيقي ، حيث أن مد أنبوب مغلق من البحر الأحمر سينقذ البحر الميت بعد تدني مستوى سطحه بمعدل 90 سم سنويا ، كما سيساعد على تأمين مياه الشرب للعاصمة عمان التي تواجه الحكومة صعوبة في تأمينها سنوياً بسبب انحسار معدلات سقوط الأمطار ، كما أن هناك سببا جوهريا آخر من وجهة نظر الأردن وهو أن هذا المشروع سيحميه من الابتزاز الإسرائيلي عن طريق تغذية العاصمة عمان بمياه الشرب من دون الحاجة إلى المياه من بحيرة طبريا التي تتزود بها المملكة حاليا بموجب اتفاقية وادي عربة.
المراحل الثلاث
ويقوم المشروع الذي سيستغرق تنفيذه من 6 إلى 10 سنوات على ثلاث مراحل ، الأولى هى مد أنبوب أو أنابيب لنقل المياه من عمق البحر الأحمر إلى البحر الميت لجلب حوالي 1900 مليون متر مكعب من المياه لتعويض المياه المفقودة الرافدة للبحر وبكلفة تصل إلى حوالي 710 ملايين دينار لإنقاذ البحر الميت .
وبالنسبة للمرحلة الثانية ، فإنه عبر استغلال قوة ضغط الماء وضخها إلى ارتفاع 125 مترا فوق سطح البحر الأحمر عبر أنابيب لتجرى مسافة 180 كيلومترا انخفاضا إلى ناقص 400 متر وهو موقع البحر الميت، يمكن توليد طاقة عند نزول المياه واستغلالها فى تحلية الماء للشرب علما أن الضغط يوفر فرزا للمياه المحلاة.
وتتضمن المرحلة الثالثة نقل المياه المحلاة من جنوب البحر الميت إلى المدن فى الأردن وفلسطين وإسرائيل ستحدد كلفتها بعد وضع مسار الخطوط الناقلة ومحطات الضخ.
مؤيد ومعارض
وتباينت التفسيرات حول جدوى المشروع السابق ، فهناك من يرى أن مشروع قناة البحرين يأتي في إطار استراتيجية طويلة المدى لتأمين احتياجات إسرائيل من المياه والطاقة الكهربائية، خاصة عقب حرب 1973 ونجاح العرب في استخدام سلاح النفط في المعركة مع الإسرائيليين ، كما يرى المتحمسون لتنفيذ المشروع أنه سيقدم للأردن العديد من الفوائد أهمها تزويده بالمياه العذبة وتخليصه من مشاكل الكهرباء.
وفي المقابل ، يرى آخرون أن إسرائيل تهدف من وراء تنفيذ مشروع البحر الميت كمرحلة أولى إلى استكمال مشروع قناة بديلة تضرب قناة السويس ، بالإضافة إلى أن قناة البحرين هو مخطط خبيث لإعادة إحياء مشروع قناة "البحر المتوسط ـ البحر الميت" الذي دفن عام 1973 وأن إسرائيل ستقوم في النهاية بمد أنبوب من البحر المتوسط إلى البحر الميت لتحقيق حلمها في إيجاد قناة تربط بين البحر الأحمر والبحر المتوسط وتكون بديلة لقناة السويس .
ويحذر خبراء البيئة في العالم العربي أيضا من تغير طبيعة البحر الميت كلية من حيث خواص مياهه الفيزيائية وتركيبها الكيميائي ومكوناتها البيولوجية وهو ما سيترتب عليه فقد البحر الميت لهويته البيئية المميزة.
كما أن تخفيف ملوحة البحر الميت سوف يؤدي كذلك إلى تداخل المياه العذبة الجوفية مع المياه المالحة لاسيما في المناطق المتاخمة للبحر الميت، وكذلك في زيادة معدلات البحر في المنطقة ، وهو ما سيترتب عليه حدوث أضرار وتداعيات اجتماعية وبيئية غير مأمونة العواقب.
كما قد يتسبب ارتفاع مستوى المياه بالبحر في غمر مساحة عريضة من الأراضي الزراعية بالمنطقة وهو ما سيعرضها للتدهور وفقدان غطائها النباتي ، كذلك هناك مخاوف من تضرر بيئة البحر الأحمر هي الأخرى من عملية نقل المياه ، حيث من المحتمل أن يتعرض الميزان المائي بينه وبين المحيط الهندي للاختلال.
قناة السويس
ويبقى التساؤل الجوهري " ما هو حجم المخاطر بالنسبة لقناة السويس؟" ، هنا تباينت الآراء داخل مصر ، فقد حذرت لجنة الشئون العربية والعلاقات الخارجية في مجلس الشورى المصري في 24 ديسمبر الماضي من خطورة المشروع الإسرائيلي لحفر قناة بين البحرين الأحمر والميت على النواحي البيئية والجيولوجية في منطقة الشرق الأوسط.
وطالبت اللجنة البرلمانية بأخذ رأي وزارات الخارجية والسياحة والبيئة في تلك القضية لاسيما مع ما يتردد حول احتمال تأثير استخدام القناة المزمع إنشاؤها على قناة السويس.
وحاول رئيس اللجنة السفير محمد بسيوني التقليل من تداعياتها الاقتصادية على قناة السويس ، قائلا إن بعض أجزاء قناة البحرين ستكون من خلال أنابيب كما ستجري في مناطق وعرة للغاية، مشيرا إلى أن إسرائيل لا ترغب فيها كطريق بحري ولكنها ترغب في الاستفادة من فارق المنسوب بين البحرين "400 متر تقريبا" لتتمكن من توليد الكهرباء وتحلية المياه ورفع منسوب البحر الميت.
وانتهى إلى التأكيد على أن القناة لا تشكل أي خطر على الأمن القومي المصري أو على قناة السويس، معتبراً أن التأثير الوحيد سيكون بيئياً وسياحياً فقط.
وفي السياق ذاته ، قلل الخبير الاستراتيجي المصري اللواء طلعت مسلم من خطورة هذه القناة على مستقبل قناة السويس، مؤكدا أنها لا تؤثر على قناة السويس إلا تأثيرًا محدودًا، لأن المسافة التي ستقطعها باخرة في قناة السويس تقل بكثير عن المسافة التي تقطعها في قناة البحرين.
ومن جانبه ، رفض الدكتور جمال زهران رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة قناة السويس الآراء السابقة ، موضحا أن القناة الجديدة التي ستبدأ مرحلتها الأولى من البحر الأحمر إلى البحر الميت وتمتد لاحقًا إلى البحر المتوسط سوف تضعف من قناة السويس وتقلل من إيراداتها ، كما يعتبر هذا المشروع من أهم الأخطار الإستراتيجية التي تواجه الأمة العربية في صراعها مع إسرائيل ، حيث يلحق هذا المشروع الكثير من الضرر بالأراضي العربية في فلسطين والأردن بعد غمرها بالمياه.
ويتفق كثيرون مع ما ذهب إليه زهران لأنه من غير المعقول أن إسرائيل تسعى لإنقاذ البحر الميت والأردن أو تنفق الملايين لمجرد زيادة حصتها من المياه الصالحة للشرب ، فالموضوع له أبعاد خفية أخطر مما هو ظاهر على السطح بل وقد تكون أخطر من الترسانة النووية التي تمتلكها إسرائيل.
الجدل حول "قناة البحرين" يطفو على السطح مجددا مع ظهور تحذيرات من مغبة إسراع إسرائيل في تنفيذ المشروع الذي يربط بين البحرين الأحمر والميت وما قد يجلبه من كوارث بيئية على بعض الدول العربية وخاصة الأردن ومصر والضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة.
فرغم أن المخاوف كانت تقتصر في البداية على احتمال أن يكون هدف هذا المشروع الصهيوني بالأساس هو إيجاد قناة بديلة تضرب قناة السويس وتستأثر بالنقل البحري في منطقة تعتبر ملتقى لقارات العالم ، إلا أن الجديد أن له أيضا مخاطر بيئية قد تعرض المنطقة لزلازل مدمرة لا حصر لها ، بالإضافة إلى أنه يشكل خطراً كبيرا على التربة وقد يؤدي إلى تلوث طبقة المياه الجوفية عن طريق تسرب مياه البحر إليها.
وما يضاعف القلق أن التحذيرات السابقة جاءت على لسان خبراء بيئة إسرائيليين ، فقد جاء في تقرير نشرته شبكة "سي إن إن" الإخبارية الأمريكية في 9 يوليو / تموز أن منظمات بيئية وجهت تحذيرات شديدة اللهجة إلى الحكومة الإسرائيلية من عواقب البدء في الأعمال التنفيذية لمشروع "قناة البحرين" قبل انتهاء دراسات الجدوى البيئية، التي يقوم البنك الدولي بإجرائها حالياً، مشددة على أن هذا المشروع قد يجر مزيداً من الزلازل المدمرة على المنطقة.
كما حذرت المنظمات ذاتها من أن المشروع، الذي يربط بين البحرين الأحمر والميت، ويجري تنفيذه بالتنسيق بين الحكومتين الإسرائيلية والأردنية والسلطة الوطنية الفلسطينية، قد يؤدي إلى تأثيرات سلبية على النشاط السياحي في منطقة البحر الميت، بالإضافة إلى التسبب بحدوث تغييرات إيكولوجية على النظام البيئي بالمنطقة.
وقالت ميرا إيدلستاين، من جمعية "أصدقاء الأرض في الشرق الأوسط"، وهي منظمة غير حكومية تضم مجموعة من نشطاء البيئة الأردنيين والفلسطينيين والإسرائيليين، إن الشروع في مشروع تجريبي قبل انتهاء دراسة الجدوى أمر غير مقبول على الإطلاق ، موضحة أنه لابد من القيام بالمزيد من الأبحاث المعمقة في هذا الخصوص .
وفي السياق ذاته ، قال عضو البرلمان الإسرائيلي نيتزان هورويتز، رئيس "لجنة إنقاذ البحر الميت" :" ندعو حكومة إسرائيل لوقف الأعمال في قناة البحر الأحمر - الميت، حتى الانتهاء من دراسة الجدوى، وبحث الآثار المحتملة، الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، كما ندعو إلى المزيد من البحث عن حلول بديلة لإنقاذ البحر الميت".
كما أكد الخبير البيئي الإسرائيلي إيلي راز من مركز "وادي عربة والبحر الميت للعلوم" أن مدة دراسة الجدوى الخاصة بالمشروع التي يجريها البنك الدولي ومن المقرر أن تنتهي في العام 2011، هى مدة قصيرة ، محذرا من أن الضخ الهائل من حافة خليج العقبة الضيقة قد يغير النظام البيئي في المنطقة.
وأضاف أن مسار خط الأنابيب، الذي سيربط بين البحرين الأحمر والميت، يمر عبر منطقة تتميز بنشاطها الزلزالي ، كما أنه قد يشكل خطراً على التربة، وقد يؤدي إلى تلوث طبقة المياه الجوفية عن طريق تسرب مياه البحر إليها ، مشيرا إلى أن هناك دراسات عديدة تؤكد أن خلط مياه البحر الأحمر بمياه البحر الميت، قد يكون له أيضاً آثار سلبية على القطاعين الصناعي والسياحي في المنطقة.
وخلص راز إلى القول :" إن منسوب مياه البحر الميت، الذي يعد نظاماً إيكولوجياً فريداً، ويعد مصدراً غنياً بالأملاح المعدنية، قد يتعرض للانخفاض بمعدل متر واحد كل عام، حيث تشير الدراسات البيئية إلى أنه فقد بالفعل حوالي ثلث حجمه خلال الثلاثين عاماً الماضية ، كما تشير تلك الدراسات إلى أن عمليات استخراج الأملاح المعدنية، إضافة إلى الجفاف، وتلوث مياه نهر الأردن، المصدر الرئيسي الذي يزوده بالمياه، كلها عوامل أدت إلى انخفاض منسوب المياه في البحر الميت".
التحذيرات السابقة التي تحمل خطورة بالغة وخرجت من داخل إسرائيل ذاتها جاءت بعد أن أعلنت الحكومة الإسرائيلية مؤخراً عن بدء العمل في المشروع، الذي يتضمن مد خط أنابيب بطول 180 كيلومتراً، من البحر الأحمر إلى البحر الميت.
كما جاءت بعد إعلان وزير التعاون الإقليمي الإسرائيلي سيلفان شالوم في 28 يونيو/ حزيران الماضي عن "مشروع نموذجي" لضخ حوالي 200 مليون متر مكعب من المياه من البحر الأحمر، يتم تحويل 100 مليون متر مكعب منها إلى البحر الميت، بينما يتم استخدام الـ100 مليون المتبقية بمحطات لتحلية المياه ، مشيرا إلى أن هذه القنوات ستمكن من ضخ نحو 1.8 مليار متر مكعب من المياه سنوياً من البحر الأحمر، على أن يتم تحلية 800 مليون متر مكعب منها، لتوفير مياه الشرب لسكان إسرائيل والأردن ومناطق السلطة الفلسطينية، في حين سيتم ضخ مليار متر مكعب سنوياً في البحر الميت، الذي بدأت مياهه تجف بسرعة في العقود الأخيرة.
وأخيرا ، فقد جاءت التحذيرات السابقة بعد أن كشفت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية في 28 يونيو/ حزيران الماضي أنه تم الاتفاق بين إسرائيل والأردن والبنك الدولي على تنفيذ مشروع قناة البحرين التي تضخ مياه البحر الأحمر إلى البحر الميت.
وأضافت أن وزير التعاون الإقليمي الإسرائيلي سلفان شالوم اتفق مع رئيس البنك الدولي روبرت زوليك على مد أنبوب بين البحرين يتم من خلاله ضخ 200 مليون متر مكعب من المياه سنوياً تتم تحلية نصفها ثم توزع بين إسرائيل والأردن والسلطة الفلسطينية.
وأشارت الصحيفة الإسرائيلية إلى أن شالوم كان اجتمع في وقت سابق مع مسئول أردني لوضع اللمسات النهائية للمشروع ، مشيرة إلى أن البنك الدولي يساهم في تمويل المشروع بمليار وخمسمائة مليون دولار في المرحلة الأولى علماً بأن تكلفته الإجمالية تقارب 15 مليار دولار.
فكرة المشروع
وتعود فكرة إنشاء قناة البحرين إلى بدايات القرن التاسع عشر حين طرحها تيودر هيرتزل مؤسس الحركة الصهيونية الذي تحمس لها وعرضها في كتابه "أرض الميعاد" الصادر عام 1902م.
وكانت البداية العلنية لتلك الفكرة خلال مؤتمر قمة الأرض للتنمية المستدامة والذي عقد منذ سنوات في جوهانسبرج بجنوب إفريقيا ، حيث تقدم وزير المياه الأردني بمشروع أردني إسرائيلي لربط البحر الميت بالأحمر إنقاذًا للأول من الجفاف.
ومنذ ذلك الحين ، بذل الأردن جهودًا كبيرة لإقناع كافة الأطراف لاسيما العربية منها، بأهمية المشروع وفوائده على المدى البعيد والقريب ، ويقول الأردن إن مشروع قناة البحرين سوف يوفر حوالي850 مليون متر مكعب من المياه العذبة المحلاة، تبلغ حصة الأردن منها حوالي 570 مليون متر مكعب، في حين سيتم توزيع 380 مليون متر مكعب على إسرائيل والسلطة الوطنية الفلسطينية.
ووفقا لمصادر حكومية أردنية ، فإن تنفيذ مشروع "قناة البحرين" بين البحر الاحمر والبحر الميت من شأنه أن يحمي البحر الميت من خطر "موت" حقيقي ، حيث أن مد أنبوب مغلق من البحر الأحمر سينقذ البحر الميت بعد تدني مستوى سطحه بمعدل 90 سم سنويا ، كما سيساعد على تأمين مياه الشرب للعاصمة عمان التي تواجه الحكومة صعوبة في تأمينها سنوياً بسبب انحسار معدلات سقوط الأمطار ، كما أن هناك سببا جوهريا آخر من وجهة نظر الأردن وهو أن هذا المشروع سيحميه من الابتزاز الإسرائيلي عن طريق تغذية العاصمة عمان بمياه الشرب من دون الحاجة إلى المياه من بحيرة طبريا التي تتزود بها المملكة حاليا بموجب اتفاقية وادي عربة.
المراحل الثلاث
ويقوم المشروع الذي سيستغرق تنفيذه من 6 إلى 10 سنوات على ثلاث مراحل ، الأولى هى مد أنبوب أو أنابيب لنقل المياه من عمق البحر الأحمر إلى البحر الميت لجلب حوالي 1900 مليون متر مكعب من المياه لتعويض المياه المفقودة الرافدة للبحر وبكلفة تصل إلى حوالي 710 ملايين دينار لإنقاذ البحر الميت .
وبالنسبة للمرحلة الثانية ، فإنه عبر استغلال قوة ضغط الماء وضخها إلى ارتفاع 125 مترا فوق سطح البحر الأحمر عبر أنابيب لتجرى مسافة 180 كيلومترا انخفاضا إلى ناقص 400 متر وهو موقع البحر الميت، يمكن توليد طاقة عند نزول المياه واستغلالها فى تحلية الماء للشرب علما أن الضغط يوفر فرزا للمياه المحلاة.
وتتضمن المرحلة الثالثة نقل المياه المحلاة من جنوب البحر الميت إلى المدن فى الأردن وفلسطين وإسرائيل ستحدد كلفتها بعد وضع مسار الخطوط الناقلة ومحطات الضخ.
مؤيد ومعارض
وتباينت التفسيرات حول جدوى المشروع السابق ، فهناك من يرى أن مشروع قناة البحرين يأتي في إطار استراتيجية طويلة المدى لتأمين احتياجات إسرائيل من المياه والطاقة الكهربائية، خاصة عقب حرب 1973 ونجاح العرب في استخدام سلاح النفط في المعركة مع الإسرائيليين ، كما يرى المتحمسون لتنفيذ المشروع أنه سيقدم للأردن العديد من الفوائد أهمها تزويده بالمياه العذبة وتخليصه من مشاكل الكهرباء.
وفي المقابل ، يرى آخرون أن إسرائيل تهدف من وراء تنفيذ مشروع البحر الميت كمرحلة أولى إلى استكمال مشروع قناة بديلة تضرب قناة السويس ، بالإضافة إلى أن قناة البحرين هو مخطط خبيث لإعادة إحياء مشروع قناة "البحر المتوسط ـ البحر الميت" الذي دفن عام 1973 وأن إسرائيل ستقوم في النهاية بمد أنبوب من البحر المتوسط إلى البحر الميت لتحقيق حلمها في إيجاد قناة تربط بين البحر الأحمر والبحر المتوسط وتكون بديلة لقناة السويس .
ويحذر خبراء البيئة في العالم العربي أيضا من تغير طبيعة البحر الميت كلية من حيث خواص مياهه الفيزيائية وتركيبها الكيميائي ومكوناتها البيولوجية وهو ما سيترتب عليه فقد البحر الميت لهويته البيئية المميزة.
كما أن تخفيف ملوحة البحر الميت سوف يؤدي كذلك إلى تداخل المياه العذبة الجوفية مع المياه المالحة لاسيما في المناطق المتاخمة للبحر الميت، وكذلك في زيادة معدلات البحر في المنطقة ، وهو ما سيترتب عليه حدوث أضرار وتداعيات اجتماعية وبيئية غير مأمونة العواقب.
كما قد يتسبب ارتفاع مستوى المياه بالبحر في غمر مساحة عريضة من الأراضي الزراعية بالمنطقة وهو ما سيعرضها للتدهور وفقدان غطائها النباتي ، كذلك هناك مخاوف من تضرر بيئة البحر الأحمر هي الأخرى من عملية نقل المياه ، حيث من المحتمل أن يتعرض الميزان المائي بينه وبين المحيط الهندي للاختلال.
قناة السويس
ويبقى التساؤل الجوهري " ما هو حجم المخاطر بالنسبة لقناة السويس؟" ، هنا تباينت الآراء داخل مصر ، فقد حذرت لجنة الشئون العربية والعلاقات الخارجية في مجلس الشورى المصري في 24 ديسمبر الماضي من خطورة المشروع الإسرائيلي لحفر قناة بين البحرين الأحمر والميت على النواحي البيئية والجيولوجية في منطقة الشرق الأوسط.
وطالبت اللجنة البرلمانية بأخذ رأي وزارات الخارجية والسياحة والبيئة في تلك القضية لاسيما مع ما يتردد حول احتمال تأثير استخدام القناة المزمع إنشاؤها على قناة السويس.
وحاول رئيس اللجنة السفير محمد بسيوني التقليل من تداعياتها الاقتصادية على قناة السويس ، قائلا إن بعض أجزاء قناة البحرين ستكون من خلال أنابيب كما ستجري في مناطق وعرة للغاية، مشيرا إلى أن إسرائيل لا ترغب فيها كطريق بحري ولكنها ترغب في الاستفادة من فارق المنسوب بين البحرين "400 متر تقريبا" لتتمكن من توليد الكهرباء وتحلية المياه ورفع منسوب البحر الميت.
وانتهى إلى التأكيد على أن القناة لا تشكل أي خطر على الأمن القومي المصري أو على قناة السويس، معتبراً أن التأثير الوحيد سيكون بيئياً وسياحياً فقط.
وفي السياق ذاته ، قلل الخبير الاستراتيجي المصري اللواء طلعت مسلم من خطورة هذه القناة على مستقبل قناة السويس، مؤكدا أنها لا تؤثر على قناة السويس إلا تأثيرًا محدودًا، لأن المسافة التي ستقطعها باخرة في قناة السويس تقل بكثير عن المسافة التي تقطعها في قناة البحرين.
ومن جانبه ، رفض الدكتور جمال زهران رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة قناة السويس الآراء السابقة ، موضحا أن القناة الجديدة التي ستبدأ مرحلتها الأولى من البحر الأحمر إلى البحر الميت وتمتد لاحقًا إلى البحر المتوسط سوف تضعف من قناة السويس وتقلل من إيراداتها ، كما يعتبر هذا المشروع من أهم الأخطار الإستراتيجية التي تواجه الأمة العربية في صراعها مع إسرائيل ، حيث يلحق هذا المشروع الكثير من الضرر بالأراضي العربية في فلسطين والأردن بعد غمرها بالمياه.
ويتفق كثيرون مع ما ذهب إليه زهران لأنه من غير المعقول أن إسرائيل تسعى لإنقاذ البحر الميت والأردن أو تنفق الملايين لمجرد زيادة حصتها من المياه الصالحة للشرب ، فالموضوع له أبعاد خفية أخطر مما هو ظاهر على السطح بل وقد تكون أخطر من الترسانة النووية التي تمتلكها إسرائيل.