- جدوى صناعة الصواريخ في السعودية
جدوى صناعة الصواريخ في السعودية
أ.د. محمد العسيري
| الاثنين 25 أبريل 2022
*أستاذ وباحث في الهندسة الإلكترونية والأنظمة الدفاعية
عند التفكير في الريادة والسيادة بين الدول لا بد أن نفكر في مكامن القوة من جميع النواحي التي من أهمها امتلاك القوة في عصرنا الحاضر، وتشمل نواحي متعددة، لعل أهمها القوى الاقتصادية والدفاعية، وتحقيق الاكتفاء الذاتي، وعدم الاعتماد على مصادر خارجية. لهذا نرى رؤية مملكتنا العظيمة 2030 أولت الاهتمام بهذا الجانب من خلال خططها وبرامجها التي تركز على تنويع مصادر الدخل، والعمل على زيادة الإنتاج المحلي بنسبة لا تقل عن 50 في المائة من إنفاقها الدفاعي، على سبيل المثال، خصوصا أننا نعد من ضمن أضخم الميزانيات الدفاعية على مستوى العالم. ولعل العمل على زيادة المحتوى المحلي من المنتجات والخدمات والابتكارات النوعية سواء العسكرية والدفاعية منها أو المدنية، من خلال مراحل توطينها وتصنيعها وتطويرها محليا، أصبح مطلبا وهدفا استراتيجيا ومن الألويات المهمة، كي نستطيع أن نحقق من خلاله أهداف وتطلعات القيادة في اعتلاء القوة والتقدم بين الأمم. ولعلي اليوم أتطرق إلى توطين مسار مهم جدا من أنواع التقنيات النوعية، بل يعد أهم المجالات الابتكارية والبحثية، وذلك من خلال العمل على تصنيعها محليا بهوية وطنية وسواعد سعودية، ألا وهي صناعة تقنية الصواريخ. وهنا لن أخوض في تعريفها ومبدأ عملها وأهميتها واستخداماتها، حيث سبق أن تحدثت عن ذلك في مقال تعريفي سابق، لكني سأستعرض بعض الشركات الكبرى في هذا المضمار، وقيمة الاستثمار السوقية في هذا المجال الواسع، وكيفية العمل على توحيد الجهود لتطوير وتوطين هذه التقنية وتحقيق الاكتفاء الذاتي والاستثمار في ذلك وتحقيق المنافسة العالمية من خلال طرح مسار نوعي جديد.
عموما، سوق الصواريخ وأنظمة الدفاع الصاروخي مقسمة حسب المدى، حيث تشمل المدى القصير، والمتوسط، والبعيد، والعابر للقارات، وتشتمل على أنظمة الدفاع الصاروخي، والصواريخ المضادة للطائرات والسفن والدبابات وغيرها، وعندما أتحدث عن الصواريخ، فإنني أعني المنظومة الدفاعية المتكاملة، برية وبحرية وجوية ودفاع جوي. وكون كثير من الدول المتقدمة بشركاتها ومراكز أبحاثها الحكومية منها والخاصة، تعمل بالتعاون لتطوير صواريخ متقدمة تقنيا وأنظمة دفاعية متطورة ومبتكرة، مثل الصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، وتلك المتكاملة مع منظومة الذكاء الاصطناعي في أنظمتها التي تحدثت عنها سابقا، ومن المتوقع أن يؤدي ذلك إلى تسريع نمو هذه السوق في الأعوام المقبلة بشكل كبير. وتشير التقديرات والتوقعات الأخيرة إلى أن حجم سوق تقنيات الصواريخ في الولايات المتحدة - على سبيل المثال - كونها من أوائل الدول المتقدمة في هذا المجال، في نمو مستمر بنسبة لا تقل عن 8 في المائة بحلول عام 2030، وهناك عديد من الشركات الأمريكية التي تعد أقوى الشركات لتصنيع وتطوير هذا النوع من الابتكارات، منها - على سبيل المثال - شركة ريثيون تكنولوجي Raytheon Technologies، وشركة لوكهيد مارتن Lockheed Martin Corporation، وشركة بوينج Boeing Company، وشركة جنرال ديناميك General Dynamics Corporation، شركة نورثروب جرومان Northrop Grumman Corporation وغيرها، وتعمل دول في منطقة آسيا والمحيط الهادئ على تطوير وتصنيع مثل هذه التقنيات، وتنافس في هذا السباق أيضا وبقوة، مثل الصين التي تعد من أقوى الدول في تصنيع هذه التقنية وتعمل على تطوير صواريخ تفوق سرعتها سرعة الصوت، وتعد أكبر سوق للصواريخ وأنظمتها في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، ما يعزز قدرتها الاقتصادية والدفاعية معا. وتعد شركة الصين لعلوم وصناعة الطيران China Aerospace Science and Industry Corporation: CASIC التي أسست عام 1956، أكبر الشركات المملوكة للدولة في البحث والتطوير والتصنيع لأنظمة الصواريخ وتشتهر بتصنيع أنظمة الصواريخ المختلفة، كأنظمة صواريخ كروز والصواريخ التي تعمل بالوقود الصلب، ومن الدول أيضا الهند، أصبح لديها برنامج متكامل لتطوير الصواريخ الموجهة Integrated Guided Missile Development Program: IGMDP، ونجحت في تطوير سلسلة من أنظمة الصواريخ الاستراتيجية المتنوعة، وتعد شركة Bharat Dynamics Ltd: BDL، من الشركات المصنعة لأنظمة الصواريخ وأسست عام 1970، وتعد ثالث أكبر شركات الدفاع في الهند. وتشير التقارير المعلنة أيضا إلى أن تسجل سوق الصواريخ في منطقة آسيا والمحيط الهادئ معدل نمو سنوي، تفوق نسبته 14 في المائة خلال فترة الأعوام العشرة المقبلة. ولا تزال روسيا من القوى العظمى في مجال الصواريخ بجميع أنواعها، وتشكل قوتها الصاروخية عنصرا مهما في استراتيجيتها الدفاعية، ولديها عديد من البرامج التطويرية في هذا المجال. وتعد شركة Almaz-Antey، إحدى الشركات المملوكة للحكومة في صناعة الأسلحة، وكانت نتيجة لاندماج وتوحيد لبعض الشركات العسكرية الوطنية، وهي من أكبر الشركات الدفاعية في العالم، وبلغ متوسط مبيعاتها أكثر من تسعة مليارات دولار خلال الفترة الماضية، وهي الشركة المصنعة لنظام الصواريخ S-400 الروسي، وهو نظام أرض-جو طويل المدى. وهناك أيضا الجانب الأوروبي ويمثله شركة MBDA- Missile systems، التي تكونت إثر اندماج لبعض شركات أنظمة الصواريخ الرئيسة في فرنسا وإيطاليا والمملكة المتحدة، كما استحوذت على شركة الصواريخ الألمانية LFK-system GmbH، التابعة لشركة أيرباص حاليا EADS، كل هذه التحالفات عززت من مكانتها كمجموعة رائدة عالميا في صناعة الصواريخ، وأصبحت تمتلك نحو 16 في المائة من سوق الصواريخ العالمية من حيث الطلبات.
ولا شك أن طموحنا في مملكتنا الغالية سقفه عنان السماء، في المنافسة للوصول إلى الريادة ضمن الأهداف المرصودة في تحقيق مستهدفات الرؤية المباركة. لذا، فإن تعزيز القدرات التصنيعية عموما والدفاعية خصوصا وتوطينها من خلال القدرات الوطنية ومراكز الأبحاث والهيئات المعنية والشركات المحلية والتحالفات الدولية مع الدول المتقدمة سيحقق ذلك، وجميل أننا نرى الآن بعضا من ذلك بدأ يتحقق، فقد تم أخيرا عقد تعاون بين الهيئة العامة للصناعات العسكرية GAMI مع شركة لوكهيد مارتن لتوطين منظومة خاصة بالدفاع الجوي الصاروخي، كما نتطلع إلى إيجاد شراكات مع دول أخرى. لذلك أقترح أن يتم توجيه المراكز البحثية الوطنية سواء الموجودة في الهيئات أو الجامعات أو الشركات الوطنية إلى الاهتمام والعمل على توحيد تطوير وتصنيع مثل هذه التقنيات من خلال تحديد مهام محددة لكل فريق بحثي، ما يوجد التكامل والتسريع في الحصول على نتائج ملموسة، وذلك يتطلب وجود مظلة عامة لوضع ورسم الاستراتيجية التعليمية والبحثية والتصنيعية ابتداء من المستويات التعليمية ومراكز البحث والرصد حتى خطوط الإنتاج، ولا شك أن ذلك يتطلب جهودا متكاملة من جميع الهيئات ذات العلاقة والعمل بشكل متواز مع جميع الكيانات المعنية لتحقيق الأهداف المرجوة في زمن قياسي وكفاءة عالية وتجاوز الازدواجية. ولعل هذا الدور من الأنسب أن تقوم به وتشرف عليه الهيئة العامة للتطوير الدفاعي، حيث تتكامل وتتضافر الجهود والأبحاث والخبرات تحت منظومة واحدة قادرة على تحقيق مستهدفات التطوير الدفاعي والاستثماري والاقتصادي.
عند التفكير في الريادة والسيادة بين الدول لا بد أن نفكر في مكامن القوة من جميع النواحي التي من أهمها امتلاك القوة في عصرنا الحاضر، وتشمل نواحي متعددة، لعل أهمها القوى الاقتصادية والدفاعية، وتحقيق الاكتفاء الذاتي، وعدم الاعتماد على مصادر خارجية. لهذا نرى رؤية مملكتنا العظيمة 2030 أولت الاهتمام...
www.aleqt.com