لا يسعني سوى أن أتكلّم على الوضع اللّبناني نظراً لاختلافه عن أوضاع الدّول الأخرى التي تطرّقتَ إليها، وأهل مكّة أدرى بشعابها.الله يبعد عنكم الحرب الأهلية و أهوالها
أنا مؤمن بضرورة تحريك المياه الراكدة لأن الوضع في لبنان آخذ بالانحدار المتواصل الذي لا قاع له
ولكن فكرة الحرب الأهلية بحد ذاتها بأنها الوسيلة الوحيدة لتحريك المياه الراكدة مخيفة و كما أشرت حتى الحزب يخشاها
ربما فكرة التقسيم تصبح شيئا فشيئا هي الأكثر منطقية و هي الحل لمشاكل الدول المنهارة و الفاشلة أمثال لبنان و سوريا و اليمن و غيرهم
وقد يبدو التقسيم أنه أسهل و أسرع الطرق لانهاء المعاناة و المشاكل و الحروب
ولكن حتى عملية التقسيم هذه لا يوجد ضمانة لها خاصة و أنها ستكون ملعب للمنافسة بين الدول الكبرى الداعمة لكل طرف و ما أكثرهم
و للأسف لو نظرنا على المنطقة حاليا نظرة سريعة في حال تقسيمها وانا هنا أقصد سوريا و لبنان تحديداً فحتى الكانتونات الصغيرة التي ستكون ناتجة عن هذا التقسيم لن تحظى بفرصة كبيرة للبقاء و ستضطر بشكل أو بآخر للاندماج و الانصهار مع الدول القريبة الأكبر منها و بالتالي اندثارها تماماً
التقسيم برأيي هو الحلّ الأفضل على الإطلاق؛ فالأسباب الّتي أدّت إلى اندلاع الحرب الأهليّة ما زالت حاضرةً بقوّة - بل برزَت إلى الواجهة اليوم بعد أن تبيّن للجميع أنّ حزب الله بشكلٍ خاصّ لم يستفد من دروس الحرب الأهليّة وعادَ للتّلويح بلغة السّلاح والقوّة والاستقواء على الآخرين، وأضف إلى ذلك الفارق الكبير الذي تحدّثتُ عنه يوم أمس على المستوى السّياسي والاجتماعي والثّقافي على وجه الخصوص. فنحن نجد أنفسنا اليوم كلبنانيّين نتشارك الوطن ذاته مع أشخاص (وأقولها بكلّ احترام لهم ولميولهم) لا يضعون الوطن في مقدّمة أولويّاتهم، ويُقدّمون عليه الطّائفة، وإيران، واليمن، وسوريا، والتبعيّة للنّظام الإيراني، وتجارة المخدّرات والسّلاح، إلخ... حتّى في الأزمة الاقتصاديّة الأخيرة، بينما سعينا كلبنانيّين وكمغتربين على وجه الخصوص لمساعدة إخواننا في لبنان بجميع السّبل الممكنة، كانت أولويّة هؤلاء تكمن في سحب كميّات الوقود المحدودة المتوافرة في السّوق اللّبناني وبيعها في السّوق السّوداء، بالإضافة إلى احتكار الأدوية والمواد الغذائيّة الضروريّة (كحليب الأطفال على سبيل المثال لا الحصر) بغية تحقيق مكاسب ماديّة. الشّرخ الاجتماعي والثقافي كبير ويزداد اتّساعاً يوماً بعد يوم، وآخر الدّواء الكيّ.
وأقول بكلّ صراحة أنّ لا مشكلة لديّ في التّقسيم؛ فنحن نريد دولةً يحكمها القانون والمؤسّسات وتقيم أفضل العلاقات مع الدّول الصّديقة، وعلى رأسها دوَل الخليج التي لطالما وقفَت إلى جانبنا (وهذا واقع وليس "تبييض وجّ" كما يزعم البعض)، وليأخذوا المناطق التي يشكّلون الأغلبيّة السّاحقة فيها ويخوضوا الحرب تلو الأخرى علّهم يشبعون قتلاً ودماراً. إذا كان مقدّراً للبنان أن يستعيد مكانته كسويسرا الشّرق، فلن يتحقّق ذلك مع هذه الشّريحة من المجتمع اللّبناني، ولا بدّ من الانفصال.