في البداية، أحيّيك وأشكرك على الكلام الجميل والمتّزن. أقول لك بكلّ صراحة إنّ الحضارة والرقيّ ما زالا حاضرَين في لبنان، لكنّ صوت الباطل غالباً ما يعلو على صوت الحقّ. وما أعنيه بذلك هو أنّ ما نشاهده على الشّاشات ومواقع التّواصل الاجتماعي يمثّل شريحةً محدودة من المجتمع اللّبناني (وأقولها عن تجربة)، لكنّ الأمر بلغَ حدّاً غير مقبول لدرجة أنّني أصبحتُ أتجنّب زيارة مناطق معيّنة في بلدي لمجرّد أنّ أشخاصاً معيّنين يقطنونها.كلامك جميل وفعلا لبنان لا يستحق ما يعيشه الان. الشعب اللبناني الذي لازلت اتذكره عام ٧٥ رغم اني كنت طفل وقتها ليس هو الشعب الذي أراه الان. الحضارة و المدنية و الرقي في التعامل لا اعلم أين تلاشت. الزعران الذين نراهم بالشوارع و الكلام السوقي الذي تنقله لنا برامج التواصل و اخبار الاجرام تجعلني اتسأل أين ذهب ذاك الشعب؟ كان الله في عون شرفاء لبنان. ونصيحة لكل شامت اتق الله ترا الدنيا دوارة. ما حصل للبنان قد يصل إليك في يوم من الايام ودوام الحال من المحال.
اسأل الله العظيم ان يرينا في زبالة إيران عجائب قدرته و ان ينزل عليهم سخطه عاجل غير آجل
بالاستناد إلى تجربتي الشخصيّة في المنطقة التي أتحدّر منها وأقيم فيها، يمكن القول إنّ 80% من أفراد المجتمع على الأقلّ يرفضون هذا المنطق الأعوَج والكلام السّوقي ومحاولات استهداف الدّول الخليجيّة (سواءً بالتّصاريح أو بالمخدّرات أو بالصّواريخ)، بل وأضيف أنّ جزءاً كبيراً من الشّعب اللّبناني يعارض الإدلاء بتصاريح من أيّ نوع حول المسائل والقضايا الّتي لا تعنينا كلبنانيّين (مثل تصريح وزير الخارجيّة السّابق جورج قرداحي على سبيل المثال لا الحصر)، ويعي أنّه على المسؤولين اللّبنانيّين أن يركّزوا على بيتهم الزّجاجي (المنهار) قبل أن يرشقوا بيوت الآخرين بالحجارة. لكنّ المشكلة تكمن برأيي في استعداد الحزب ومؤيّديه ومن يدور في مداره لرفع الصّوت وإطلاق التصاريح والمواقف اليوميّة تجاه دول الخليج على وجه الخصوص لغاياتٍ نعرفها جميعاً؛ فعزل لبنان عن المجموعة الخليجيّة بشكلٍ خاصّ يشكّل مرحلةً أساسيّة في مخطّط ابتلاعه من قبل إيران. لكنّ الأمر المشجّع برأيي هو أنّ اللّبنانيّين يرفضون التبعيّة لإيران حتّى لو كان البديل الموت جوعاً، وقد شاهدتُ ذلك بأمّ العين في الصّيف الماضي، حين رفضَ سكّان منطقتي (ومناطق أخرى) شراء المازوت الإيراني بأبخس الأسعار، وآثروا الانتظار ليومٍ ويومين أمام محطّات البترول ليتمكّنوا من تعبئة كميّات محدودة من الوقود والمازوت.
باختصار، يبقى الأمل موجوداً رغم الوضع المأساوي، لكنّ لبنان بحاجة لخضّة لكي يعود إلى سابق عهده، وأعتقد أنّ هذه الخضّة ستأتي إمّا على شكل تدخّل دولي أو على شكل اشتباكات مسلّحة واسعة النّطاق يتبعها مؤتمر تأسيسي جديد ونظام اللامركزيّة الموسّعة أو التّقسيم الكامل حتّى (وهو ما نتمنّاه)، على أمل أن يشكّل ذلك مقدّمةً لاستقلالٍ فعليّ عن شريحة لا تُعطي الأولويّة للبنان ومصالحه كدولة، ويساعدنا على العودة - ولو تدريجياً - إلى موقعنا السّابق كمهد الحضارة والرقيّ والجمال، ووجهة رئيسيّة للسيّاح، ولا سيّما السيّاح الخليجيّين، لنعود ونقول لكم "حيّاكم في لبنان" و "عين غطا وعين فراش."