إنها الدولة المدججة بالسلاح على الطرف الآخر من بحر العرب. إنها الهند.
تملك الهند اليوم ثاني أكبر جيش في آسيا بعد الصين. ويبلغ عدد أفراد القوات المسلحة الهندية مليوناً وأربعمائة ألف شخص. وتشير التقديرات الدولية إلى أن الهند كان لديها 133 رأساً نووياً في العام 2000، وإن مفاعلاتها قادرة من حيث المبدأ على إنتاج سبعة رؤوس نووية سنوياً.وبحسب هذه التقديرات، فإن نيودلهي تمتلك اليوم نحو 200 قنبلة نووية.
وتعتزم الهند شراء أسلحة ومعدات عسكرية جديدة تبلغ قيمتها نحو 30 مليار دولار، خلال الفترة من 2007 إلى 2011. والمناقصة الأهم المطروحة حالياً من قبل الهند هي تلك المتعلقة بشراء 120 مقاتلة متوسطة المدى لسلاح الجو الهندي. وتتنافس على هذه المناقصة شركات«بوينغ (بالمقاتلة F/A - 18 Super Hornet) وLokheed Martin (بالمقاتلة F-16) وEADS (بالمقاتلةEurofighter Typhoon ) وشركة «SAAB» السويدية (بالمقاتلة Gripen)، وشركة ميغ الروسية بالمقاتلة ( Mig - 30)، إضافة إلى مقاتلات (Rafale) الفرنسية.وتمثل هذه المناقصة في حقيقتها مسابقة بين منتجي الطائرات الحربية في العالم. وسيحصل الفائز فيها على مردود ايجابي في الأسواق الأخرى. وتستخدم القوات الجوية الهندية نحو مائة مقاتلة من طراز «ميغ - 29»، كما تملك 135 مقاتلة من طراز «ميغ - 27».
وفي الإطار ذاته، وقعت السلطات الهندية في كانون الثاني يناير من هذا العام عقداً مع شركة «بوينغ» الأميركية لشراء 8 طائرات من طراز (P-81) بقيمة مليارين ومائة مليون دولار. وسوف تحل هذه الطائرات محل 8 طائرات «تو - 142 م» سوفياتية قديمة مضادة للغواصات تتسلح بها القوات البحرية الهندية. وكانت قد شاركت في هذه المناقصة، التي طرحت في العام 2005، شركات بوينغ ولوكهيد مارتن الأميركيتين، ومؤسسة «إيليوشين» الروسية، وشركات عالمية أخرى. كذلك، وقعت الهند أوائل العام الماضي عقداً بقيمة 96 مليون دولار شراء 6 طائرات نقل عسكري أمريكية «C- 130J Super Hercules » لقواتها الخاصة. وقد أثارت هذه التطورات مخاوف كثيرة في روسيا، مصدّر السلاح التقليدي لنيودلهي.
وتستأثر الهند باهتمام أميركي كبير منذ تسعينيات القرن الماضي، وهي قد بدت شديدة الحضور في الحسابات الجيوستراتيجية الأميركية في مرحلة ما بعد الحرب الباردة، ولم يكن ذلك نتاجاً لتحول في الوظيفة الجيوبوليتيكية للهند، بل إفراز لتحولات جيوستراتيجية كونية أفادت منها الهند، من دون أن تكون طرفاً في صياغتها. وهذا تحديداً على النقيض مما حدث بالنسبة لباكستان. ومن جهة أخرى، استمر النزاع الهندي مع كل من باكستان والصين مرتبطاً بمسار التفاعلات على مستوى قمة النظام الدولي. وباتت الصين منذ العام 1998 فاقدة لخاصية التفوق الاستراتيجي على الهند، حيث بدا هناك توازناً للردع، على الرغم من كونه ردعاً غير مستقر.
ويثير التقارب الهندي الأميركي مخاوف كل من الصين وباكستان، فضلاً عن روسيا، التي تخشى أن تفقد تميّزها كحليف تقليدي للهند.
ويبدو الرهان الروسي معقوداً بصفة أساسية على إبقاء نيودلهي الزبون الأول للصادرات العسكرية الروسية، ولمشاريع التصنيع الحربي المشترك، خاصة وان الأميركيين قد يدخلون إلى الهند من باب الطاقة النووية المدنية، بصفة أساسية، وإن أحداً لا يستطيع احتكار هذا القطاع في بلاد تخطط لإقامة أربعين محطة كهروذرية.
وتبقى آفاق الرهان الروسي في الهند عالية جداً، على الرغم مما يبدو اليوم من تكاثف للحضور الغربي، الأميركي والأوروبي. إن الأسلحة الروسية تشكل ما بين 50% و80% من مجموع أسلحة الجيش الهندي. وكانت القيمة الإجمالية للعقود الدفاعية الموقعة بين البلدين، حتى مطلع العام 2007، تساوي تسعة مليارات دولار. وتحصد روسيا سنوياً من تصدير الأسلحة إلى الهند نحو 40 بالمائة من مجموع عائداتها المتأتية من الصادرات العسكرية. وكانت روسيا في زمن الاتحاد السوفياتي تزود الهند بأسلحة لم يحصل عليها حتى حلفاؤها في حلف وارسو. والمثال الأبرز على ذلك المقاتلات القاذفة من طراز «ميغ-27م». كذلك، كانت الهند أول دولة تستأجر غواصة روسية تعمل بالطاقة النووية (1988 - 1991). كما قام مصنعو الطائرات الروس بتصنيع طائرة حربية خصيصاً للهند، هي المقاتلة «سو-30 م ك إي». كما قامت روسيا بتصنيع المروحيات «كا-31» وأصناف من الصواريخ بطلب خاص من الهند. وقد أحرزت نيودلهي اليوم ما يمكن اعتباره بحذر تفوقاً عسكرياً نوعياً على الصين.
وقد اتفقت روسيا والهند في العام 2008على تمديد فترة برنامج التعاون العسكري بينهما لمدة عشر سنوات، ليستمر بذلك مفعوله حتى العام 2020. ولعل أبرز مشروع للتعاون الدفاعي بين روسيا والهند في الوقت الراهن، هو ذلك المتعلق بصنع طائرة تنتمي إلى الجيل الخامس من المقاتلات. وتعتبر شركة( Hindustan Aeronautics Limited) الشريك الهندي مع موسكو في هذا المشروع. وسوف يكون النموذج الهندي من هذه المقاتلة بمقعدين، بينما سيكتفي النموذج الروسي بمقعد واحد. ومن المقرر أن تكون المقاتلة المنتظرة قادرة على مهاجمة عدة أهداف في آن واحد، وأن تتمتع بتقنية (Stealth) لتصبح عصية على الرادارات. وقد جرى الإعلان خلال زيارة الرئيس الروسي، ديمتري ميدفيديف، الأخيرة للهند عن نية البلدين توقيع عقد تصميم وصناعة هذه المقاتلة في العام 2009. وكانت الحكومتان الروسية والهندية قد وقعتا في تشرين الأول أكتوبر 2007 الاتفاقية الأساسية الخاصة بالتصنيع المشترك لهذه المقاتلة، وقد نصت الاتفاقية على مبدأ المناصفة في التمويل والمساهمة المشتركة في الأعمال الهندسية.
وفي إطار المشاريع الدفاعية أيضاً، سوف تتحوّل الهند لإنتاج مقاتلات روسية من طراز «سو-30 م ك إي» خلال العام 2009. وقد اشترت نيودلهي 40 مقاتلة من هذا الطراز، بينما سمحت موسكو بتصنيع 140 مقاتلة أخرى. كذلك، يعمل البلدان حالياً على تصميم صاروخ (BrahMos-2)، الذي يمثل النسخة الثانية من صاروخ (BrahMos)، والذي تفوق سرعته سرعة الصوت خمس مرات، مما يجعله عصيّاً على أنظمة الدفاع الجوي المتوفرة حالياً. وعلى مستوى صفقات الأسلحة، جرى الاتفاق في كانون الأول ديسمبر الماضي على تزويد الهند بثمانين مروحية نقل عسكرية من طراز «مي - 17». وتعتزم شركة «ميغ»، من جهة ثانية، تحديث أكثر من 60 طائرة مقاتلة من طراز «ميغ-29 وب» لسلاح الجو الهندي في غضون السنوات الأربع القادمة، وذلك وفق عقد تبلغ قيمته مليار دولار.
وعلى صعيد ثالث، وقعت الدولتان، في أواخر العام 2007، عقداً قيمته مليار ومائتان وأربعون مليون دولار لتصدير 347 دبابة من طراز «ت - 90 س» للجيش الهندي. وتعتزم الهند تسليح جيشها ب - 1657 دبابة من هذا الطراز. وسوف تحل هذه الدبابات محل مثيلاتها من طرازي «ت - 55» و«ت-72».
وعلى صعيد التسلّح البحري، وقع البلدان في كانون الثاني يناير 2004 اتفاقية تنص على تمويل الأعمال الختامية لبناء غواصة نووية من مشروع 971 «تسوكا - ب» («القرش» حسب تصنيف الناتو)، وتأجيرها للبحرية الهندية لفترة عشر سنوات، مع حق الاقتناء. وتتيح تجربة تشغيل الغواصة النووية للبحارة الهنود فرصة اكتساب الخبرة الضرورية لاستخدام غواصاتهم الذرية السرية الثلاث، التي يجري بناؤها في الترسانات الهندية.
ومن المقرر، في صفقة هي الأهم على صعيد التسلّح البحري الهندي، أن تسلم روسيا حاملة الطائرات «الأميرال غورشكوف» إلى الهند في نهاية العام 2012. ويتم تطوير هذا الطراد حالياً في مصنع «سيفماش»، الواقع في مدينة سيفيرودفينسك الروسية. وينص العقد بين شركة «روس أوبورون أكسبورت» والقوات البحرية الهندية على تصليح وتطوير الطراد، وتجهيزه بأنظمة تسليح حديثة، ومجموعة طائرات محمولة. وسوف يُطلق على هذا الطراد عند الانتهاء من انجازه اسم «فيكراماديتيا»، بدلاً من «الأميرال غورشكوف». وقد وافقت الهند على دفع مبلغ إضافي، قدره ملياران ومائتا مليون دولار، لروسيا من أجل استكمال إجراءات تطوير وتحديث حاملة الطائرات «فيكراماديتيا»، التي جرى التعاقد عليها منذ العام 2004. وقد أصر الجانب الهندي في البداية على عدم إعادة تقييم المشروع، إلا أنه وافق في نهاية المطاف، بعدما تحدث الروس عن إمكانية الاحتفاظ بحاملة الطائرات وعدم بيعها. وتبلغ تكلفة التحديث 60 إلى 70% من ثمن حاملة طائرات جديدة من هذا النوع. والذي يُقدر بين ثلاثة إلى أربعة مليارات دولار.
وفي السياق ذاته، ستبدأ روسيا بتصدير أربع مقاتلات من طراز «ميغ-29 ك»، المهيأة للانطلاق من السفن إلى الهند في ربيع العام 2009، على أن يتم تصدير 12 مقاتلة مشابهة في خريف العام نفسه. وكان البلدان قد وقعا عقداً بتصدير 16 طائرة مقاتلة مخصصة للانطلاق من السفن، منها 12 طائرة بمقعد واحد من طراز «ميغ-29 ك»، وأربع طائرات بمقعدين من طراز «ميغ -29 ك وب». ومن المتوقع أن يتم إلحاقها بحاملة الطائرات «فيكراماديتيا».
وقد أقامت البحرية الهندية قيادة عسكرية إقليمية، في سلسلة جزر «نكوبار واندمان» (Andaman & Nicobar)، التي تبعد نحو 1190 كيلومتراً عن الأراضي الهندية. ويُعد هذا المشروع جزءاً من البرنامج الاستراتيجي الهندي، الذي يركز على صيانة المصالح الهندية في غرب آسيا، أي سواحل باكستان ومياه بحر العرب، وصولاً إلى الشرق الأقصى، باتجاه سواحل إندونيسيا وماليزيا، بل وفيتنام. ويعني هذا أن النفوذ البحري الهندي سوف يُوسّع حتى مضيق ملقا.
وسوف تنشر الهند الكثير من السلاح والعتاد في قاعدة «نكوبار واندمان»، ومن بين ذلك حاملة الطائرات «فيكراماديتيا»، وثلاث فرقاطات روسية، ومنظومة الدفاع البحرية الإسرائيلية من طراز باراك، وغواصات روسية من طراز كيلو، وخمسة أسراب من مقاتلات «ميغ - 21» و«ميغ - 29» و« سو - 30». وتتضمن خطط القوات البحرية الهندية كذلك نشر صواريخ باليستية قصيرة المدى من طراز (Prithvi )، واستحداث غواصات لإطلاق الصواريخ، وتوسيع القاعدة المحلية لإنتاج غواصة إطلاق الصواريخ الجوالة ( ساجاريكا ). ومن بين أبرز صواريخ سطح - سطح الهندية الصاروخ (PJ-10 BrahMos )، الذي يبلغ مداه ثلاثمائة كيلومتر، والصاروخ (Nag)، الذي يبلغ مداه ستة كيلومترات، والصاروخ (Trishul ) الذي يبلغ مداه تسعة كيلومترات.
هذه هي الهند، جارتنا المدججة بالسلاح، على اختلاف أنواعه ومستوياته، والتي بات يخطب ودّها الشرق والغرب على حد سواء، فأين نقع نحن من كل ذلك؟. وهل بالمقدور تصوّر مقاربة لأمننا الإقليمي بعيداً عما يدور في الهند.
http://www.alriyadh.com/2009/02/06/article407590.html