الخطة الأمريكية تنفذ بحذافيرها
.............................
إن الاطلاع على خرائط الشبكات الرئيسية لنقل الطاقة (كهرباء وغاز) بين مصر وبلاد الشام، وكذلك خريطة البنية التحتية لصناعة الغاز في شرق البحر المتوسط، يساعد على فهم الأبعاد المكانية والتقنية والسياسية للموضوع، ويدفع للوصول إلى خلاصاتٍ وأسئلة جديدة.
إنّ البنية التحتية المادية لدمج المنطقة في نظامٍ طاقويّ واحدٍ تكون «إسرائيل» مركزه، عبر المحور المصري أو الأردني، متوفرة بالكامل، وهي تتجسّد في «خط الغاز العربيّ» و«خط الربط الكهربائي العربي» اللذان يربطان بلدان المنطقة معًا ويرتبطان أيضا بشبكات الطاقة الإسرائيلية وحقول الغاز في شرق البحر المتوسط (هناك الآن وصلتان عاملتان بين حقول الغاز «الإسرائيلية» وخط الغاز العربي، الأولى هي الوصلة بين عسقلان والعريش، والثانية هي تلك التي تربط بين حقل «ليفياثان» ومحطة «الخناصري» شمال الأردن).
على المستوى التقني، لا تحتاج هذه البنية لتُصبح فعالة على المستوى الإقليمي سوى بضعة إصلاحاتٍ وعمليات إعادة تأهيل وتحديدا في سوريا حيث طالت أهوال الحرب أجزاء منها وخاصة في مناطق الجنوب وريف دمشق. لكن تحقق الشرط التقني لا يكفي بذاته لقيام هذا النظام الطاقوي، إذ تبقى العقبة السياسية ماثلة، والميدان السياسي سيكون محور الصراعات والرهانات المختلفة، وخاصة بشأن موقع سوريا في هذا النظام ومدى قابليّتها لأن تكون جزءًا منه.
فالأمريكيون الذين عبّروا مؤخرًا عن استعدادهم لمساعدة لبنان لحلّ مشكلة الطاقة المستفحلة لديه، يدركون أن استجرار الغاز أو الكهرباء إلى البلد الذي وقع في هوّة الإفلاس المالي والسياسي يتطلب الموافقة السورية بالنظر لمرور خطوط الطاقة في سوريا. لكن الأمريكيين يدركون أيضًا أن حاجة سوريا للكهرباء تماثل الحاجة اللبنانية لها، بل وتفوقها، لا من أجل سد الاستهلاك التشغيلي الراهن فحسب، بل ومن أجل تلبية الاستهلاك المرتبط بعمليات إعادة الإعمار مستقبلا.
في هذا الصدد تُطرح بضع أسئلة: هل يُمكن تخيّل دمج سوريا في نظام طاقة إقليمي -حتى بافتراض عدم وجود «إسرائيل» فيه- بدون إعادة دمجها في محيطها العربي أولا وتطبيع علاقتها معه؟ وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن المساعي الأمريكية في هذا السياق تهدف إلى احتواء سوريا ولبنان وإبعادهما عن النفوذ الإيراني، فكيف ستُقارب إيران وحزب الله هذا الأمر في ظل إدراكهما للتوظيف الفاعل لسلاح الطاقة في صراع النفوذ على سوريا والمنطقة؟ (اقرأ حرب «إسرائيل» على ناقلات النفط الإيرانية التي تزود سوريا بالوقود). وهل سيكون دمج سوريا في نظام طاقة من هذا النوع المقدّمةَ لترتيباتٍ أوسع تكون «إسرائيل» لاعبا رئيسيًا فيه خاصة في ضوء موجة اتفاقيات التطبيع الأخيرة والتي كان جوهرها قائما على شعارات «المنافع المتبادلة» وإعادة تأهيل الأنظمة (إقرأ السودان) بدلًا من شعارات «السلام العادل» التي اعتنقها النظام العربي الرسمي في السابق؟ وبمعنى آخر، هل سننتقل من مقولة «الأرض مقابل السلام» إلى مقولة «الكهرباء مقابل السلام»؟
"كهرباء وغاز وتطبيع: ترتيبات إنشاء نظام طاقة إقليمي وعوائقها" في 19 آب الماضي، أعلن الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله، خلال خطاب تلفزيوني، إبحار سفينة إيرانية محمّلة بالمحروقات إلى موانئ لبنان، وذلك من أجل المساعدة في حلّ أزمة الطاقة التي استفحلت في بلاد الأرز من جرّاء الأزمة...
defense-arab.com