النَّظرية النسبية ونكبةُ فلسطين.. سجال "آينشتاين" و"فيليب حِتِّي" عن الفكرة الصهيونية

Sophocles

عضو
إنضم
4 فبراير 2021
المشاركات
5,302
التفاعل
9,266 34 0
الدولة
Palestine

:بداية:

النَّظرية النسبية ونكبةُ فلسطين

سجال آينشتاين وفيليب حِـــتِّي عن الفكرة الصهيونية

سجال آينشتاين وفيليب حِـــتِّي عن الفكرة الصهيونية

هامش أول

الزمانُ بطيءٌ في الوديان وسريعٌ على الذُّرى والقمم، والساعة الرابضة على الحائط أسرع نبضاً من الساعة التي على متن السفن، والضوء ينعطف بالجاذبية وينشدّ صوب الأجرام وكأنه من صنف الحجارة والشهب. والوقت غائرٌ بالمكان والمكان غائرٌ بالوقت، وتضاعيف الأول معقودةٌ بأعطاف الثاني. وإذا كنتَ رهنَ قُمرةٍ بلا نوافذ، فليس بوسعك –ولا بوسع شياطين الأرض كلها التي معك- أن تعرفَ سرعة القُمرة ولا سرعتك، ولا أن تميّز سكونَها عن سريانِها، فكلاهما لحبيسِها سواء.

صاحبُ هذه الأفكار، التي غيّرت مسار الفيزياء وأقلقت راحةَ المنطق وغارَ فيها حدّ العلم بحدّ الشِّعر، هو صديق مخلص لحاييم وايزمان، وأبٌّ روحيّ للجامعة العبرية بالقدس، وواجهة دعائية للحركة الصهيونية، ومرشَّح سابق لرئاسة "إسرائيل"، الفيزيائي الألماني آلبرت هيرمان آينشتاين.

كان قَدَر المجتمع الفلسطيني، على بساطته وقلّة تعداده، أن يستيقظ في صبيحةٍ تاريخية غائمة ليجد نفسه –بالجبر لا بالاختيار- خصماً لأقوى دول العالَم ولبعضٍ من أعتى رموز الدنيا. وعلى مأساوية هذا القدَر فهو يأتي مع شفاعة يتيمة: أنه يشدّ المرء صوب حوافّ قدرته، ويستنهضُ فيه وثبةً غريزية –وبقائية- لردم الفارق، وأنه يجذب نوعاً خاصّاً من البشر لصفّك لأن فارق القوة مُغرٍ بالتحدي لمن لا يَعرفون لأنفسهم قيمةً إلا بالمعارك المستحيلة.

بمثل هذه الروح، وقف رجلٌ عام 1944 داخل مبنى الكونغرس بواشنطن ليقرأ نصّاً أعدّه بعناية، وأمامه –بحسب الوصف الذي وصلنا1- منضدة حُشدت عليها آلاف الرسائل والبرقيات من كل أطراف الولايات المتحدة، كلها (باستثناء عشرة فقط) تقول عكسَ ما يهمّ بقوله.

يمكن قراءة نص شهادة فيليب حِتّي مترجمةً للعربية بالضغط هنا.

كواليس الحدث

في الثامن من فبراير من ذلك العام، شرَع مجلس النواب الأمريكي بمناقشة قرار مقترَح يحمل الرقم 4182. كان القرار –بكل معنىً عمليّ- نسخة مُأَمْركة من وعد بلفور. نص القرار يقضي "بأن الولايات المتحدة ستُعمِل نفوذَها وستأخذُ من التدابير ما يلزم كي تُفتَح أبواب فلسطين بلا قيدٍ لدخول اليهود، وأن كل فرص الاستيطان3 ستؤمّن لهم بحيث يعيد الشعب اليهودي تأسيس فلسطين دولةً حرةً وديمقراطية."4. بماذا يختلف هذا القرار عن النسخة البريطانية الشهيرة؟ الواقع أنه يختلف بأمرين تحديداً. والأمران يحكيان –على نحوٍ رمزي لافت- اللمسة الأمريكية في خيال كثيرين منا: الأول هو شطب أي إشارة لحماية حقوق غير اليهود كما وردت في وعد بلفور. والثاني هو تصعيد اللغة والانتقال من إرهاف الصيغة البريطانيّة المشؤومة "تنظر حكومة جلالة الملك بعين العطف.." إلى فجاجة الصيغة الأميركية المباشرة "فتح أبواب الهجرة بلا قيود".

لفهم القرار ومخاضه، ينبغي التنبّه أنَّ الأمريكيين لم ينتظروا 27 عاماً بعد بلفور حتى يصدروا وثيقة مشابهة، فالرديف الأمريكي الأول لبيان بلفور صدر عام 1922 عبر قرار من الكونغرس يدعم "إقامة وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين" مع تأكيد على حماية حقوق "المسيحيين والمجتمعات غير اليهودية"5. ورغم ذلك، فالحركة الصهيونية كانت تريد إعادة إصدار القرار بلغةٍ أعتى عام 1944. لكن ما السبب؟

قبل ذلك التاريخ بخمس سنوات، أي عام 1939، أصدرت المملكة المتحدة "الكتاب الأبيض" الذي حدَّد الخطوط العريضة لسياستها الانتدابية في فلسطين. وكان من بنوده أن تُشرَطَ الهجرة اليهودية لتلك البلاد بموافقة عربية بدءاً من أيار لعام 1944؛6 بعبارة أخرى، لن يدخل مهاجرٌ واحد جديد بعد ذلك التاريخ إلا إذا وافق العرب. ومع دنوّ هذا الاستحقاق، كانت الحركة الصهيونية بحاجةٍ لقرار أمريكي يعطّله (أو يشوّش عليه) ويحافظ على تدفق مفتوح لليهود. هذا هو "جوّ النص" بقدر من الاختصار وهذه هي القصة الكامنة للقرار 418.

كان الأمر أشبه بكرنفال سياسي. لجنة الشؤون الخارجية التأمت لمناقشة القرار برئاسة (سول بلوم)، وهو يهودي من نيويورك. افتتح رئيسُ اللجنة كلامَه بالإشارة إلى موافقة مسبقة على القرار من أركان المربع التشريعيّ: زعيمَيّ الأكثرية والأقلية في مجلس الشيوخ، وزعيمَيّ الأكثرية والأقلية في مجلس النواب، ليتوالى المتحدثون على المنصة لا طلباً لإقرار المقترح وإنما تأكيداً على ضرورة صدوره بالإجماع التام. استمرّ هذا العرس التشريعي –باستعارة المجاز العربيّ المعاصر- من الثامن وحتى السادس عشر من فبراير 1944، وامتدَّ على ثماني جلسات مطولة. لكن سلاسة الحفل تعكّرت في الخامس عشر من فبراير، عندما اعتلى المنصة مؤرخ من جامعة برينستون ليقول شيئاً مختلفاً عن كل من سبقوه. ابن قرية شِمْلان اللبنانية، وأستاذ الدراسات السامية بجامعة برينستون، المؤرخ فيليب حِـــتِّي.

مقدمات المواجهة

كان فيليب حاضراً في ذلك اليوم بوصفه "شاهداً مضاداً" كما يستلزم العُرف البرلماني ومقتضيات "الحوار المتوازن". ورغم أن شهادته المكتوبة لم تكن الأطول، فإنه مكث على المنصة أكثر من كل سابقيه لا بسبب المقاطعات التي تعرّض لها من اللجنة البرلمانية وحسب، وإنما للتحقيق العداوني المطوّل الذي أخضِع له في أعقابها ووصل لحدود اتهامه بالترويج للنازية. ساعتان إلا ربعاً لم يبقَ بعدها في شهادة حِـــتّي موضعُ شبرٍ إلا وفيه ضربة سيف أو رمية سهم أو طعنة رمح بالتعبير الإسلامي الشهير.

%D8%B5%D9%88%D8%B1%D8%A91.png

فيليب حِتّي في مكتبه بجامعة برينستون، 1949.

كان المؤرخ، اللبناني الأصل والأمريكي بالتجنّس، استثناءً وسط الحاضرين بحكم جذوره واختصاصه ناهيك عن موقفه. لكنه لم يكتفِ بتموضع مضاد بل عَطَف عليه اختلافاً في معمارية المرافعة. لم يُقدّم حِـــتِّي مداخلة عاطفية كما فعل أكثر سابقيه، بل طرحاً سياسياً وقيمياً لرجل من أبناء المنطقة، وعارفٍ بالمكان وأهله، وملمٍّ بذات الوقت بالتركيبة السياسية الأمريكية. وهكذا، فلم يجد أنصار القرار 418 في النار التي فتحوها على المؤرخ المشرقي ما يكفيهم خلال الجلسات البرلمانية، فأشهَرَ هؤلاء –مجازياً- سلاحاً نووياً بوجهه، وأتَوا -حرفياً- بعرّاب السلاح النووي، آلبرت آينشتاين، ليردّ بنفسه ويفنّد الشهادة.7

على الصفحة الأولى من الجريدة الأسبوعية "برينستون هيرالد"، وبعد شهرين من وقوف حِــتّي أمام الكونغرس الأمريكي، دارت منازلةٌ فكرية بين المؤرخ والفيزيائي. كتب آينشتاين –بالتعاون مع صهيوني آخر- رداً مطولاً على شهادة حِـتّي، ليعود الأخير بعد أسبوع ويردّ على الردّ ، قبل أن يُطوى السجال برسالةٍ أخيرة من صاحب النظرية النسبية.

ما الذي يأتي بفيزيائي متخصص في جاذبية الأجرام وسرعة الضوء ليجادل خبيراً في التاريخ والساميّات عن صَهْينة فلسطين وإقامة دولة يهودية في بلاد الشام؟ ماذا يخبرنا هذا عن طوايا شخصيات كهذه ودوافعها الكامنة، وأي صورة يعطينا عنهما؟ الواقع أنَّ أسئلة كهذه لا تعنينا بشيء هنا. ليس همُّنا إصدارَ شهادة بطولة (ولا رذيلة) لأحد، فأي قيمة لشهادات كهذه؟ ولا همُّنا حفرٌ في الخبايا النفسية للموتى ورسمُ صورٍ شخصية لطواياهم، فتحليل كهذا ليس ممكناً بقناعتنا إلا بالتبصير النفسي وشطحات التخمين. ما يهمنا هو اصطدام الأفكار والمشهد السياسي بوقتها والنمط الكامن وسط السجال، والأهم من ذلك كله: الخيطُ الذي يلتمع أوله عند الرَّجُلين، عام 1944، ونلمح آخرَهُ عندنا اليوم. فراهنية تلك المنازلة تقول كثيراً عن جوهر هذه القضية. وإذا حدَث واقتربنا من الشخصي، فنحن لا نَقربُهُ بُغية إطلاق الأحكام، وإنما لالتقاط السجية الإنسانية في سياقها بوصفها قيمةً يترصدها الدارس، لا بوصفها قرينةَ حُكمٍ بحقّ من ندرس. هذا هامشٌ لازم في زمن كزماننا حيث الولع بالفرديّ المشخصَن كثيراً ما يحجب غابة القضية، والعراك في نقاش الأعلام الراحلين وتقييمهم أخلاقياً أصبح مَعيناً آسِناً لتتفيه نقاشات الفضاء العام وتقزيم المسائل الكبرى.

شهادة فيليب حِـــتِّي

رغم قدومه من مضمار التاريخ، لا يعتمد فيليب حِــتّي على الحجّة التاريخية كثيراً. ويكتفي في مطلع شهادته بإشارة للحضور الكنعاني المبكر وأسبقيته على العبرانيين. ما يحرص على تأكيده هو أن فلسطين أكبر من اعتبارات الخارطة، وأن خيط الأرض المقدسةِ فيها يتضافر مع نسيج عربي-إسلامي حِيكَ على امتداد قرون. هذا النسيج الثاوي في المسألة الفلسطينية ركيزةٌ لمجمل مرافعة حِـــتِّي. وقد حاول إفهام اللجنة أنها لا تصوّت على قرار يخص شريط الجغرافيا الضيق بين شرق المتوسط ونهر الأردن، وإنما على قرار يمسّ رقعةً شاسعة أبعدَ من تلك الحدود.

يفتح حِــتّي النار على الصهيونية السياسية منذ جملته الأولى وينعتها "حركة طارئة ممولة دوليّاً". ويحرص دوماً على تسميتها بذاك التعبير، أي "الصهيونيّة السياسيّة"، فالتمييز بين صهيونيّة ثقافيّة (تريد فلسطين ملجأً لليهود لا دولةً لهم) وأخرى سياسية، كان مسألةً وازنة بوقتها. ورغم ذلك فإن حِتِّي يهاجم الأمرين: الهجرة والدولة، ويصف الهجرة الحاصلة إلى فلسطين بالغزو المكتوم. كل هذا يفعله وسط قاعة تعجّ بأعتى صهاينة الولايات المتحدة، وفي خضم حرب عالمية ومواجهة أمريكية طاحنة مع النازية. هذا -بأقصى اقتصادٍ ممكن بالألفاظ- لم يكن سهلاً، خصوصاً لأكاديمي ترك صومعته العلميّة ليواجه لجنةً سياسيّةً لا يكاد يختلف بعض أعضائها عن الملاكمين ومصارعي الحلبات إلا بربطات العنق.

أكثر ما يعتمده حِــتّي في هجومه هو "تكلّف" الفكرة الصهيونية واصطناعها: أنها مشروع بعكس الطبيعة وبالضد على وقائع الأرض. وبفراسة سابقة على ميلاد "إسرائيل"، يخبر اللجنةَ أن الإرادة الأمريكية-البريطانية قد تَقضي بإنجاح برنامج الصهاينة، لكنه يحذر من التشوه المزمن الذي سينشأ في المنطقة، ومن الحاجة الدائمة حينها للولايات المتحدة للدفاع العسكري عن هذا الكيان المختلَق.

لكن ذروة الشهادة التي يقدّمها مؤرخ برينستون هي في السؤال الذي يطرحه على المشرِّعِين الحاضرين: لماذا يُمنع المهاجرون اليهود من القدوم للولايات المتحدة "دون قيد" ما دام التفجّع لمصابهم عارماً لهذا الحدّ؟ ولماذا لا تمنحهم الولايات المتحدة دولةً في تكساس (أو حتى أريزونا) لتنطبق المقولة الشهيرة حينها بحقّ: أرض بلا شعب لشعب بلا أرض. ولعل هذه الفقرة بالتحديد لعبت دوراً أكثر من سواها في الهجوم العارم الذي تعرّض له بُعيد شهادته.

بقية شهادة حِتّي تتعلق بتشريحٍ جراحيّ للألفاظ، فهو يستقصي اللعبة التي تمارسها الحركة الصهيونيّة في القفز بين المفردات واللعب على تخوم مصطلحات "الدولة" و"الوطن" و"الملجأ"، ويسوق جملةَ استشهادات من سلطات الانتداب البريطانية ومن لجان أمريكية وشخصيات صهيونيّة ترى أنَّ فكرةَ "دولة يهودية" ليست ممكنةً في فلسطين دون اعتداءٍ فادحٍ على المجتمع القائم هناك.

آينشتاين وكاهلر

نشرت جريدة (بيرنستون هيرالد) نصّ شهادة فيليب حِـــتِّي أمام لجنة الشؤون الخارجيّة في السابع من نيسان 1944. في الأسبوع التالي، نُشر ردٌّ مشترك لآلبرت آينشتاين وإريك كاهلر. ورغم أن الاسم الثاني تكسفه نجومية الأول ويغيب عن رادار القارئ العربي، فهو ليس شخصية هامشية. أنجَزَ كاهلر، ابن مدينة براغ والصهيوني حتى العظم، أعمالاً عديدة في التاريخ والفلسفة، وكتب نصوصاً مرجعية في الأدبيات الصهيونية منها "اليهود بين الأمم" و"يهود أوروبا" و"ما اليهود؟". ولعب كاهلر دوراً في التنظير الصهيوني لفكرة "شعب الله المختار" وإعادة إنتاجها سياسياً. وكان حائكاً بارعاً للنقائض، وجُلّ ما كتبه عن الهوية اليهودية يستند لفكرة المفارقات فهو يرى اليهود قبيلةً مفرَدَة تحمل مهمة للبشرية جمعاء، وأن هذه المفارقة هي في جوهر معنى "الاختيار الإلهي" للشعب اليهودي8. ويكاد كاهلر يحوّل "المفارقة" وسيلة إنتاجٍ معرفي في دراسة اليهود. فهو يتناول، مثلا، مفارقة التهمة المزدوجة لليهود، بين كونهم شديدي الانغلاق على أنفسهم وبين تصدّر كثيرٍ منهم لعقائد وأفكار عالمية متجاوزة للحدود (في الليبرالية والاشتراكية والرأسمالية وغيرها) ويحيل ذلك للاضطهاد الذي عانى منه اليهودي في تاريخه والذي، بمنعه من الاندماج بمحيطه، لم يترك له مهرباً سوى بهذين الضدين9. ولعل هذا الشغف بالمفارقات هو جانبٌ يتقاطع فيه كاهلر مع صديقه الفيزيائي بالرغم من التفاوت الهائل في مجاليهما.

2.jpg

آلبرت آينشتاين خلال زيارته للبيت الأبيض ولقائه بالرئيس الأمريكي، وارن هاردنغ، عام 1921.

لا يحتاج آينشتاين بالمقابل تعريفاً لكن شيئاً حول نشاطه السياسي المتعلق بفلسطين جدير بالذكر. اقتحم المذكور مسرح العمل الصهيوني عام 1921 بزيارة للولايات المتحدة مع حاييم وايزمان. كانت الزيارة للدعاية السياسية وتشجيع الاستيطان وجمع التبرعات للجامعة العبرية بالقدس. منذ تلك اللحظة، كان آينشتاين بيدقاً في صراع داخل البيت اليهوديّ نفسه؛ بين الصهيونية السياسية المسكونة بفكرة "الدولة" (والمُمثلة بوايزمان) والتيارات الاندماجية الأخرى التي تفضل انخراطاً يهودياً ضمن السياقات الوطنية القائمة ولا تروق لها فكرة كيان سياسيّ بفلسطين (أو سواها)10.

هذا الوزن الدعائي لآينشتاين تشكّل أساساً -إن لم يكن حصراً- بفضل نظريته النسبيّة عام 1915. لا يشهد لهذا الوزن تقرّبُ وايزمان منه وحسب، وإنما الدعوةُ التي وجهها البيتُ الأبيض لآينشتاين كي يزور الرئيسَ الأمريكي بوقتها. ولفهم وطأة النظرية النسبية وجبروتها "السياسي"، فجدير بالذكر أنها (أي النظرية) طُرحت للنقاش في مجلس الشيوخ الأمريكي حيث اقترح أحد الأعضاء إدراج شرحٍ لها في أرشيف المجلس "نظراً للدور التشريعي الذي قد تلعبه في علاقتنا مع الكون"11.

هذه الذخيرة الاعتباريّة لنظرية من علم الطبيعة جُيّرت بالنهاية في سياق مشروعٍ سياسيٍّ بلغ ذروته في الخامس عشر من أيار عام 1948. كان آينشتاين –عبر صفة ثقافية خاصة به- جسرَ الانتقال العجائبي بين هاتين الضفتين؛ بين نظرية مُعقّدة في الفيزياء وكارثة –لا تقل تعقيداً- حلّت بشعبٍ شرقيَّ المتوسط.

زار آينشتاين فلسطين مرة واحدة عام 1923 في رحلةٍ دامت أسبوعاً ونَظّم لها قياديٌّ صهيونيّ يُدعى آرثر روبين12. من هناك، ومن داخل إحدى أحياء القدس، بعث آينشتاين بطاقة تذكارية لا تزال محفوظة لليوم، خَربش بإحدى زواياها رسماً فكاهياً لنفسه ثم كَتب عليها: "أيام لا تنسى في فلسطين".

كثيراً ما يستشهد كُتّاب سِيرة الفيزيائي الشهير بتصريحات له تُظهر أن صهيونيته لم تسْعَ لدولة بالمعنى الإسرائيلي الذي تَكَشّف بالنهاية13. وقد أدان مجازر ارتكبها يهود خلال النكبة ووصف بن-غوريون بالفاشي بعد مجزرة دير ياسين. لكن الواقع أن كل ما يُنسب له بهذا السياق يبهت أمام اللحظات الفارقة، فعندما طُرح قرار التقسيم في الأمم المتحدة، تَصدّر آينشتاين بنفسه لمراسلة رئيس الوزراء الهنديّ، جواهر لال نهرو، حتى يُقنِعَه بالتصويت لمصلحة القرار. والراجح أن هذه المراسلة تمّت بإيعازٍ سياسيّ ولم تكن مجرد مبادرة فرديّة. هذا يشهد للنحو الذي تمّت به "عسكرة" الهالة العلميّة للرجل، فوزنه المعنويّ كان كافياً حتى يُجيبه نهرو بنفسه في رسالةٍ من 3 صفحات يشرح فيها مبرراته لرفض التقسيم. ومرة أخرى فلا نسوق أياًّ من هذا في محاولة لكشف "خبايا الشخص" وتوجهاته، وإنما لرصد النحو الذي يمكن فيه أن يُستثمر الرصيد المعنويّ لشخصية اعتبارية في اللحظات الفارقة، وباتجاهات تعاكس ما بُني الرصيدُ عليه أصلاً.

قراءة في نصوص السجال

أكثر ما يلفت انتباه القارئ في الرسالة الأولى لآينشتاين-كاهلر هو هوية كاتبها؛ تلك الومضة التي تصاحب اسم (آينشتاين) أينما حلّت. المحتوى المكتوب، بالمقابل، لا يجاري تلك الشرارة فالرسالة خلاصة أبجديّة للخطاب الصهيوني بوقتها وكثير منها مستلٌّ من منشورات الدعاية والترويج للحركة. وبغير معرفةٍ مُسبقة، يصعب على القارئ التخمين بأن النصّ خَطَّه شخص غيَّر فهمَ العالَم للعالَم وبات رمزاً للقادرين على تصيّد أصعب زوايا النظر والتقاط أعقد المفارقات.

3.png

قصاصة من الصفحة الأولى لجريدة "برينستون هيرالد" بتاريخ 14/4/1944 حيث ظهر الردّ الأول لآينشتاين وكاهلر على شهادة فيليب حِتِّي.

جزءٌ وفير مما يقوله آينشتاين-كاهلر لا يتعلق بالحاضر ولا وقائع الأرض، وإنما بالماضي. نحن هنا على موعد مع سريالية خفيّة فالنصّ يهاجِم بدايةً لقب (القِبلة الأولى) لبيت المقدس قائلاً إنّها "لم تكن كذلك تحت حكم محمد إلا رهاناً منه أن يغدو اليهود أكبرَ أنصارَ ملّته الجديدة. فلمّا خاب أمله، غيّر وجهة القِبلة". من الضروري أن يُذكّر القارئ نفسَه بهوية الكاتب هنا، فهذه العبارة الأخيرة لم يقلها حاخامٌ غاضب في كنيس ولا قسٌّ متعصّبٌ في قُدّاس، وإنما آلبرت آينشتاين، شخصياً. مُطوّر النظرية النسبية مشغولٌ بالسبب الذي جعل النبي محمد يغيّر وِجهة الصلاة في الإسلام ولديه نظرية في الموضوع يودّ أن يشارك العالَم بها. ورغم أن النصّ المذكور لا يذكر أي مراجع، إلا أن النظرية المطروحة كانت رائجة في كتابات المستشرقين بتلك الحقبة.14

ثم يقابل آينشتاين بين "غزو العرب لفلسطين" و"استعادة اليهود لها سلماً". ويُحدّث قُرّاءَهُ عن ثانوية المكانة الإسلاميّة للصخرة المشرفة مقارنةً بوزنها الروحي عند اليهود، ويخبرنا الفيزيائي الملحد عن الإيمان اليهوديّ الذي يرى في الصخرة المذكورة حجر الأساس لمعبد سليمان وكيف أنها "تضرب في أسفلها حتى تبلغ عمق البحر الكونيّ، حيث سُرّةُ بطنِ العالَم". ثم يضيف بعدها عبارةً تلمع اليوم مرارةُ السخرية التاريخيّة من كل أركانها، فيستهزئ بالمخاوف العربيّة "مِن أنّ مجتمعاً يهودياً صغيراً في فلسطين، يجمع مليونين أو ثلاثة بالحد الأقصى، سيصبح خطراً لأربع دول عربيّة عاتية، وخمسين مليون عربي". هذا هو ذات المجتمع الصغير الذي احتل خمس دول (لا أربع)، ودمّر المشروع النوويّ لدولة سادسة، وبات يتربع اليوم فوق تلة من السلاح غير التقليدي القادر على تسوية عشرات المدن وإفناء الملايين.

ويُظهر آينشتاين وصاحبُه انزعاجاً خاصاً من عبارة فيليب حِـــتِّي عن رفض العرب تَحمّلَ وزرِ غيرِهم بحَلِّ المشكلة اليهودية. ويصرّ الكاتبان أن العرب "عبْر حربهم المقدسة وغزوهم لفلسطين ساهموا بنصيبهم في حرمان الشعب اليهودي من وطنه".

هذا فيما تعلّق بالماضي. لكن آينشتاين وصاحبه يتحولّان ختاماً للحاضر، ويكتبان عن "الصحاري والصخور والتربة الجرداء" التي كانتها فلسطين في ظلّ العرب قبل أن يأتي الشباب اليهودي "ويحوّلها إلى مزارع غنّاء ومشاتل، وإلى غاباتٍ ومدائنَ حديثة". ويقدّم النصّ بعدها كلاماً -بِرَاهنيةٍ لا تخطئها العين- عن "تقديم اليهود معونتهم وخبرتهم للعرب كي يطوروا بلادهم بالاقتصاد والعلوم ويحسّنوا عيش سكانهم". راهنية هذا الخطاب لا تنتهي هنا، فآينشتاين وكاهلر يشنان هجوماً واسعاً على خصوم الصهيونية من العرب واصفين إياهم "بالأفندية الكبار الخائفين من الأمثولة التي يضربها الاستيطان اليهودي لفلسطين" وأنهم "ككل الفاشيين، يوارون خشيتهم من الإصلاح الاجتماعي خلف الشعارات القومية واستمالة الغوغاء".

رداً على كل ما تقدّم، نشر فيليب حِـــتِّي تعليقه على رسالة آينشتاين-كاهلر في الحادي والعشرين من نيسان 1944. وبضراوة عَذْبة، يتجاوز المؤرخ هالةَ خصمه العلميّة ويرفع إيقاع الردّ كاتباً: "مِن الواضح أن فَهْمَ الدكتور آينشتاين لجذور الصراع العربي-الصهيوني لا تتجاوز كثيراً فَهْمي لنظريته النسبية". وبلهجة تحمل نبرة التقريع المدرسيّ من أستاذِ تاريخٍ لطالبٍ كسول، يُذكِّر حِـــتِّي آينشتاين ومعه كاهلر أن "المسلمين أخذوا فلسطين في القرن السابع (وكانت مسيحية وقتها لا يهودية) من البيزنطيين، الذين ورثوها من الروم، الذين انتزعوها من السلوقيين، الذين ورثوها من الإسكندر الأعظم، الذي أخذها من الفرس، الذين دمروا الأمبراطورية الكلدانية عام 538 قبل الميلاد، والتي حكمت فلسطين منذ غزو نبوخذ نصر". هذه السلسلة الطويلة هي ردّ فيليب حِـــتّي (المُوشَّى بالسخرية) على دور العرب "في حرمان الشعب اليهوديّ من وطنه".

4.png

رد فيليب حِتّي على آينشتاين وكاهلر كما ظهر في جريدة "برينستون هيرالد" بتاريخ 21/4/1944. أما اختيار العنوان فيقول كثيراً عن الصحافة ليس في وقتها وحسب، بل وربما حتى يومنا هذا.

وينتقل فيليب بعدها للهجوم، فيردّ على ادعاء تحويل صحاري فلسطين إلى جناتٍ غناء على يد الشباب اليهودي قائلاً: "إن معرفة مباشرة بالوضع الاقتصادي الفعلي سيفقأُ هذه الفقاعة الدعائية ... فالمستوطنات الصهيونية لا تزال تعتاش على الإحسان، والفارق بين الازدهار الحقّ وازدهارها الظاهر هو كالفارق بين الخدّ المكتنز المرويِّ بالدم، والخدّ المتورِّم المورَّد بالأصباغ". ويسهب حِـــتِّي في بيان اصطناعية الرفاه في المستعمرات اليهودية واعتمادها على الدفق المالي الآتي من الخارج. ويختم قائلاً إنّ العرب الواقعيين يدركون "أن كثيراً من اليهود في فلسطين باقون هنا، وأن مصلحة العرب ومستقبل رفاههم يستوجب تعاوناً مع هؤلاء الوافدين على قدم المساواة بحيث تبزغ فلسطين جديدة، حَرِيَّةٌ باسمها المشرّف وإرثها النبيل".

ومرةً أخرى، يعود آينشتاين-كاهلر للرد على حِـــتِّـي برسالة ثانية بتاريخ 28 نيسان 1944، ويمارسان في ثناياها مقاربة مزدوجة، فبينما يتضاعف فيها شغفهم بمسألة التاريخ وإثبات الوجود المبكر لليهود، يُتبعان ذلك بتعفّفٍ عن الموضوع وازدراءٍ مُدَّعى لجدواه، قائلين: "وعلى كلٍّ، وكما سبق وقلنا، فكل مسألة الأسبقية هذه لا تساوي شيئاً في قسمة عالَمنا وفي حضور مشاكلنا المعاصرة الملحّة".

بعد مرافعة طويلة عن سبق اليهود، ينتقل آينشتاين وكاهلر إلى تفوّق اليهود، ويصبّان جامّ ردّهما على تشكيك حِـــتّـي في أصالة الازدهار الاستيطاني ومدى اعتماده على الدعم الخارجي. ويتوسَّع البركار التحليلي ليبلغ دجلة والفرات، فيقارِن الرجلان بين الغِنى الذي ترفل به التجمعات اليهودية في أرض الميعاد و"البؤس" الذي يرزح فيه العراقيون، ويشيران لتفوّق مداخيل الفلاحين في فلسطين على نظرائهم بسورية، ويقدّمان في خضم ذلك وصفاً لعبقرية المهاجر اليهودي الذي اجترح معجزةً وسط محيط مُعدَم من الفقراء والفشلة.

ويتوّج آينشتاين-كاهلر مقالهما الأخير بما يعتبرانه بيّنة أخيرة لمصلحة المشروع الصهيوني، وهو اقتباس من إعلان الملك فيصل الأول بن الحسين بعد اجتماعه مع حاييم وايزمان وتوماس لرونس عام 1919 جاء فيه على لسان فيصل: "إن العرب، خصوصاً المثقفين بيننا، ينظرون بتعاطفٍ أقصى تجاه الحركة الصهيونية.. إن أطرافاً منتفعة تمكنت من استغلال ما يسمونه اختلافاتنا .. أود أن أعلمكم بقناعتي الراسخة أن هذه الاختلافات يسهل تبديدها بحسن النوايا المتبادل". ويطوي آينشتاين كلامه متمنياً "أن تسود روحية هذا القائد العربي العظيم في ترتيبات ما بعد الحرب". وبالتأويل الآينشتايني الخاص للمفردات وبالمعنى الذي قصده هو، فلعلَّ هذا تماماً ما حصل.

هامش أخير

سبعةٌ وسبعون عاماً مضت على هذا السجال، ورغم أن بعض عباراته غريبةٌ عن عالَم اليوم إلا أن أغلبها الباقي ما زال حبره رطباً وكأنه كُتب للتوّ. تبقى بضع أفكارٍ على حاشية ما مضى، نوردها في هذا الهامش الأخير.

1. بينما كانت المحرقة النازية مشتعلة، ومسألة العلاقة بين الحاج أمين الحسيني والنظام النازي توظَّفُ وقوداً للدعاية، لم يرتدّ فيليب حِــتِّي لزاوية دفاعية، بل قَلَب سهم التهمة إلى المشرِّع الأمريكي نفسه، الذي يقفل باليمنى باب اللجوء للولايات المتحدة ثم يريد باليسرى أن يفضّ باب سواها. هذه المقاربة التي انتهجها مؤرخنا تحمل رمزية خاصة. لم يستطع فيليب حِـتِّــي، الواقف بمفرده وسط الكونغرس، أن يكبح المدّ العارم للمزاج السياسي في الولايات المتحدة، لكنه خلّف لنا لحظةً تمنحنا نحن شيئاً أهم. إن الدور الذي يضطلع به المغترب العربي اليوم -كما بالأمس- لا يقاس بأثره على من يخاطبهم وحسب وإنما بصداه في مجتمعه الأول ووقعه على أولئك الذين يناضل -في اغترابه- من أجل قضاياهم.

2. إن افتراق رَدّ آينشتاين السياسي عن مكانة نتاجه العلمي –في عيننا على الأقل- يُذكّرنا بحقيقة باردة، وثقيلةٍ ربما على وجدان المرء قبل عقله: أن الألمعية الرياضية ليست ضمانة خارج حقل الرياضيات، ومثلها حتماً كل الألمعيات، وأن هناك حقولاً معرفية تُشِعَّ عبر إنسان بعينه وتجعل من فرد دون سواه رمزاً متوهجاً لفكرةٍ بزمانه. لكن الأمر قد ينتهي هناك، والأقدار لا تحنو على تطلّعنا الدائم لوحدة العالَم وتجانس الإنسان. ولعله حجر سنمّار كامن في فكرة المثقف بذاتها؛ أن العبور من دائرة الاختصاص لقول شيءٍ في المجال العام (بوصفها إحدى سمات المثقف) مسألةٌ محفوفة بالمزالق، وأن اقتحام فضاء عمومي انطلاقاً من سمعة عطرة في الفضاء الخاص لا يأتي مع ضمانات، فهو رهنٌ بألطاف الله وكيمياء الإنسان.

3. هناك طائفة من قضايا التحرر، ومنها القضية الفلسطينية، تأسست منذ بواكيرها على اختلال فاحش في قسمة القوة وتستلزم قتالاً دائماً أمام أفق مسدود. ومن يقلّب أرشيف الكونغرس الأمريكي من الثامن وحتى السادس عشر من شباط 1944 يدرك -فوق إدراكه- أيَّ مواجهة عسيرة انتهى لها الشعب الفلسطيني حتى قبل ميلاد "إسرائيل". هذه قضايا يحتاج أنصارها كآبةً في العقل وجموحاً في الإرادة وكل نضالٍ فيها هو دوماً بعكس الريح.

4. تعرَّضت مؤلفات فيليب حِـــتِّي لمراجعات نقدية شديدة في الساحة العربية، وبعضُها عَبَر الجسر الشعبي المعهود بين النقد الفكري واستباحة النوايا، ووصل الأمر للحديث عن "نفسيّته الصليبية الحاقدة"15 وعن طويّته بوصفه رجلاً "ماكراً وسيء النية وحقوداً".16 وقد لا تفوق عبثية إطلاق هذه التهم إلا محاولة التصدي لها. إن المهم في شهادة الخامس عشر من نيسان 1944 وفي السجال الذي تلاها أنها تمنح نافذة "تطبيقية" لأفكار فيليب حِتِّي، على لسان الرجل نفسه وفي خضم حوار سياسي حيّ. فالتمييزات التي كتب عنها في أعماله التأريخية بين العروبة الثقافية والعروبة العرقية ومصطلحات "السوري" و"العربي" تعود لتظهر في السجال، وتمنحنا فرصة لسماعها بصوت كاتبها وتأويله. إن الجدران المفاهيمية التي قدّم لها حِـتِّي في كتاباته عن هويّات المنطقة العربية تتبدد أكثر ما تتبدد كلما قارب مسألة فلسطين، وفي ذلك دلالة لا تتعلق بتناقضٍ في الرجل نفسه وإنما بتلك السمة الراسخة في المسألة الفلسطينية والدور الصمغي الذي لعبته في إدراك الهوية العربية المعاصرة لنفسها.17

5. لم تتوقف الخصومة بين فيليب حتٍّـي وآينشتاين عند هذه المناظرة الصحافية، فبعدها بعامين عاد الرجلان ليظهرا أمام اللجنة الأنكلو-أمريكية ويقدّما شهادتين متعاكستين في المسألة الفلسطينية. ثم تكرر الأمر بحدّة أكبر عندما اتّهَم آينشتاين غريمَه بأن المصلحة المالية تحركه في مسألة فلسطين، وكان رد حِـتِّي برسالة موجهة للفيزيائي في آذار 1946، وهي موجودة لليوم في أرشيف وثائق المؤرخ في جامعة مينيسوتا، كتب في خاتمتها: "هذا النوع من التفكير لا يَقدر عليه إلا صهيوني معميّ بتعصّبه".18

6. في شهادة فيليب حِتِّي ما يشحن مفردة "التطبيع" بكثافة مضافة ويمنحها قتامة تاريخية، فأكثر ما يشغل الرجل حيال الفكرة الصهيونية هو اصطناعها ومعاكستها للسياق الذي يراد زرعها فيه بالعسف العسكري. وفي قلب حجّته أمام الكونغرس حديثُه عن استحالة تطبيع هذا المشروع مع محيطه، وعن الاغتراب المزمن الذي سيعاني منه. بعد 77 عاماً على ما كتبه حِـتِّــي، وبعد سبعة عقود على قيام "إسرائيل"، كم تبدو اتفاقات التطبيع الحديثة محاولةً مصطنعة لقهر ذاك الاصطناع وكأنّ جوهر العلة الوجودية لـ"إسرائيل" لم يتزحزح شبراً منذ أن كتب حِتِّـي عنه، فهو يرافق هذا الكيان منذ نعومة فكرته وقبل أن يتمخض حتى عن دولةٍ وحدود.·

7. لم يلتقط فيليب حِــتِّـي لحظة رمزية عارضة عندما ظهر آينشتاين أمامه في نيسان 1944، فهو بنفسه من قدح زناد المنازلة بالشهادة التي قدّمها والنبرة التي اختارها وجرّ بها طرفَ السجال الآخَر لإخراج أقوى أسلحته الدعائية. ولعل هذا ما يستحق الوقوف والتأمل؛ ليس فيليب حِـتِّــي الرجل والنوايا، وإنما فيليب حِــتِّـي الفكرة والمواجهة المستحيلة.


المصدر
 
نص شهادة فيليب حِتّي مترجمةً للعربية

فيليب حِتِّي، الثلاثاء، 15 شباط، 1944. لجنة الشؤون الخارجية، مجلس النواب، واشنطن. (الوطن القومي اليهودي في فلسطين)

السيد الرئيس، السيدات والسادة أعضاء اللجنة.

الصهيونية السياسية، بالنسبة للعرب، حركة طارئة تموَّل دولياً وتُذكَى نارُها اصطناعاً ولا تقف على أملٍ بنجاح حاسمٍ ولا دائم. وتبدو اليوم فكرة دولة يهودية بفلسطين إنفاذاً لأمر غَبَرَ زمانُه؛ وهي لا تبدو كذلك لخمسين مليون عربي وحسب ينحدر أكثرهم من الكنعانيين الذين سكنوا الأرض ردحاً طويلاً قبل أن يدخل العبرانيون فلسطينَ بإمرة يوسف، وإنما للمجتمع المسلم بأسره الذي يقوم العرب من حَربَته مقامَ الرأس. يمثّل هؤلاء المسلمون، بقدر من التّسَمّح، مجتمعاً واعياً بنفسه يناهز 275 مليوناً يسُودون رقاعاً واسعاً من إفريقيّةَ وآسيا. وحتى لو كُتب للمشروع الصهيوني السياسي أن يتحقق يوماً، بالتدبير السياسي الأمريكي والبريطاني أو على أسنّة حِرابهما، فأنّى لهذا الكيان الغريب أن يبقى وسط معسكر من العداء العربي والجفاء الإسلامي؟ لقد شُيدت -في زمن ما- دولة أجنبية، لاتينية بالتحديد، على الأرض المقدسة، لكن ذكراها انمحت اليوم، اللهم إلا في الكتب التي تروي قصص الصليبيين وحملاتهم.

ما من مسألة أخرى أظهر فيها المسلمون المعاصرون هذا القدر من الإجماع. وحتى في مسألة الخلافة واستعادتها، بعد أن دمرها مصطفى كمال عام 1924، فإن وثائق المؤتمرات الإسلامية في القاهرة ومكة تخللها تنازع ولم تشهد تضامناً كهذا. إنَّ عبارات الاحتجاج على المشروع السياسي الصهيوني والأموالَ اللازمة لمقارعة مخصصاته قد تقاطرت في العقدين الماضيين من المغرب وحتى مالي. هذا هو ذات المشروع الذي يتبناه قراركم. في الهند، تمّ الاحتفاء بـ "يوم فلسطين" عام 1936، وأقرّت رابطة مسلمي عموم الهند قراراً في اجتماعها السنوي في 18 تشرين الأول 1939 وقراراً آخر في اجتماعها في نيسان 1943 محذرةً بريطانيا من مغبة تحويل فلسطين إلى دولة يهودية. القدس هي ثالث الحرمين في نظر المسلمين؛ ثالثُ أقدس المدن بعد مكة والمدينة. كانت أولى القبلتين؛ أول وجهة استقبلها المسلمون بصلاتهم قبل أن يَمّموا شطرَ مكة. والأرض كانت هبةَ الله لمجاهديه، وعليه فالتخلي عنها خيانة للدين عند المسلمين. أما عند المسيحيين، فهي أشد قداسة بعد، ويسكن منهم اليوم قرابة مئة وثلاثين ألفاً في فلسطين.

هذه المقاومة العنيدة التي لا تكلّ بوجه الصهيونية السياسية ليست معاداةً للسامية. فمن بين كل شعوب العالم الكبرى، العرب هم الأكثر انعتاقاً من عصبية الأعراق. والعرب فوق ذلك ساميون أيضاً كاليهود، وهم على بيّنة بذلك. وهم يدركون سوياً أن ديانتيهما أقرب أدمةً لبعض قياساً للمسيحية. ولم يلقَ اليهود معاملةً في العهود الوسطى ولا المعاصرة خيراً من تلك التي عرفوها في البلاد الإسلامية-العربية. وبلغ ترحاب الباب العالي في القسطنطينية بالسفراء الأمريكيين اليهود حدّاً جعل حكومتنا تعيّن ثلاثا منهم تباعاً: شتراوس، وإيلكوس، ومورغنثاو.

يندّ عن فهم هؤلاء العرب والمسلمين لماذا ينبغي حلّ المشكلة اليهودية على حسابهم وهي ليست أصلاً جريرتهم. ورغم تعاطفهم العميق مع اليهودي المنكوب فهُم ليسوا مقتنعين أن فلسطين حلٌّ للمشكلة اليهودية؛ ليست فلسطين وطناً بلا شعب يطلب شعباً بلا وطن. وهم (أي العرب والمسلمون) عاجزون عن فهم السبب الذي يمنع المُشرِّع الأمريكي، المهمومَ كل الهمّ بسلامة اليهود الأوروبيين، من رفع عوائق الهجرة واستقبال اللاجئين اليهود حيث يمكن إسكان الملايين منهم بمفازات أريزونا وتكساس، فهذا حتماً ضمن استطاعة هذا المشرِّع. إن تعبير "إعادة تأسيس"1 في القرار المقترح ستثير اهتمام العرب والمسلمين حتماً، وقد يرغبون حينها بإعادة صياغة خارطة أوروبا ووضع يدهم على إسبانيا التي احتلوها في وقت أحدث ولزمن أطول. ورُبّ سائل منهم عن ردة فعل الشعب الأمريكي لاقتراح روسيٍّ، مثلاً، يدعو لإعادة تأسيس أوكلاهوما أرضاً هندية. يدرك العرب والمسلمون أن أحداً لا ينطق باسمهم في أمريكا، وأنهم لا يملكون جماعات ضغط وازنة، ولا سبيل عندهم للتأثير في الرأي العام الأمريكي أو تشريعاته. لكنهم مستعدون لتقديم قضيتهم بالحق الكامن فيها واستناداً للحس الأمريكي بالعدالة.

لعل بعضهم نسيَ الإعلان الإنكليزي-الفرنسي في الثامن من نوفمبر عام 1918، والذي وعد الشعوب التي طال قمعُ الأتراك لها بالتحرر الكامل المؤكَّد و"بإنشاء حكومات وطنية وإدارات تستمد سلطاتها من الإرادة الحرة للسكان الأصليين". أو لعلهم قد نسوا أيضاً كلمات وودرو ويلسون في بنده الثاني عشر:

" القوميات [غير التركية] التي تقع الآن تحت الحكم التركي ينبغي أن يؤكد لها أمنها في نفوسها بالإضافة لفرصتها المؤكدة في التنمية المستقلة.."

أو الفقرة التي تقابلها في اتفاق عصبة الأمم، البند 22؛ لكنهم –حتى وإن نسوا كل ما تقدم- سيذكرون حتماً البند الثالث للائحة الأطلسية والذي ينص بأن بريطانيا العظمى والولايات المتحدة:

"تحترم حق كل الشعوب في اختيار شكل الحكم الذي سيعيشون بظله".

ما من غربي -أو إفرنجي كما يدعوه العرب- يبلغ الحظوة والثقة التي يحوزها الأمريكي عند الشعب العربي والمسلم. وللأمر علته، فلسنوات عديدة وفَد على الساحل الشرقي للبحر المتوسط معلمون ووعّاظ وأطباء وعلماءُ آثار وحُجّاج ومحسنون أمريكيون بِنيّةِ العطاء لا بنية السلب وبغير مخطط إمبريالي. وقبل 8 سنوات، احتفت المطبعة الأمريكية في بيروت بمئوية إنشائها، وقد كانت أولى مثيلاتها في المنطقة. وقبل 3 سنوات، أحيت الجامعة الأمريكية ببيروت ذكرى تأسيسها الخامس والسبعين. في هذه المؤسسة، تمرّن كثير من قادة الفكر والعمل في المشرق العربي. وفي الحرب العالمية الأولى والفترة التي تلتها مباشرة، جمع الأمريكيون 100 مليون دولار أو يزيد لتفريج المعاناة التي كابدها أهل المشرق الأدنى ولكي يعيدوا تأهيل أراضيهم؛ وهو رقم غير مسبوق في تاريخ التبرعات الأهلية. ولا غرابة أن لفظة "الأمريكي" باتت قرينة في عقول العرب والمسلمين بالقسط والنَّصَفَة، والتعامل العدْل، والسلوك الديمقراطي. هذا المَعينُ من السمعة العطرة تشكّلَ بالإيثار والعمل المخلص لأجيال من الأمريكيين، لكن ماءَه سيغدو غوراً إذا ما مرّ القرار المقترح الآن أمام لجنتكم.

إن الولايات المتحدة تخوض اليوم صراعاً رهيباً مع خصمٍ فاجر وجبّارٍ لا تبدو شمسُه آفلةً قريباً. وليس من بارودٍ أنقى ولا أشد انفجاراً نمنحه لآلة خصمنا الدعائية من هذا القرار، فالألمان سيغتنمونه حتماً أشدّ الاغتنام كما فعلوا بإعلان بلفور، وسيرفعونه أمام عيون العرب شاهداً على "الديمقراطية" الإنكليزية-الأمريكية و"الحرية" التي أديرت لأجلها رحى الحرب، وسيؤكدون للعرب أن السيطرة الصهيونية على فلسطين ليست سوى فاتحة للسيطرة اليهودية على شرق الأردن وسورية ولبنان وجزيرة العرب، تماماً كما في القصة التي قرأوها بقصص ألف ليلة وليلة عن الجمل الذي أطلّ برأسه من باب الخيمة2. فليس هذا وقتاً ملائماً حتى نُحيل رفاقاً قُدامى إلى أعداء محتملين.

ليس الشعب الأمريكي مهتماً بكسب القتال وحسب وإنما بالمساهمة في إقامة نظام عالمي يعقب الحرب ويكون الاستقرار الإقليمي فيه مؤمَّناً أو يكاد، وتغدو احتمالات الصراع –بأضعف الإيمان- أقل مما كانت. ما من شيء -في تقدير المتحدث الحالي- أدعى لصراعٍ وفتنة دائمة من إقامة دولة يهودية على حساب العرب في فلسطين. إذا أقيمت هكذا دولة بإصرار من الولايات المتحدة، فسنتحمل حينها مسؤولية أخلاقية لصونها. هل سيكون الشعب الأمريكي مستعداً لإرسال بَحْريّتِه لحماية دولة كهذه إذا أنشئت؟

لم يفكر البريطانيون قط بمخطط طموح كهذا يحوّل فلسطين إلى دولة يهودية. لقد اكتنفت إعلانَ بلفور وعودٌ متناقضة للعرب، جعلت الأرضَ الموعودة أرضاً لموعودين كثر. وقد تكرر صداه في قرار الكونغرس الأمريكي لعام 1922. كان إعلان بلفور قد نظر بعين العطف "إلى إقامة موطن قومي للشعب اليهودي" – لكن هذا مختلف جداً عن تحويل فلسطين إلى دولة يهودية. والأمر كان معقوداً أيضاً بشرط كبير: "سيكون مفهوماً أن حقوق المجتمعات غير اليهودية في فلسطين، المدنية والدينية، ستكون في منأى عن أي أذية". وكانت الصيغة التي اقترحها الممثلون الصهاينة للحكومة البريطانية وقتها هي: "إعادة تأسيس فلسطين موطناً قومياً لليهود"، وهو عملياً ذات القرار الذي أمامنا اليوم، لكن الصيغة تلك تمت تنحيتها.

في ورقتها البيضاء في الثالث من يونيو 1922، تقول الحكومة البريطانية:

لقد صدرت تصريحات غير مأذونٍ لها تفيد أن الهدف المنظور هو تهويد فلسطين بالكامل. وقد وُظفّت عبارات تدعي أن يهودية فلسطين ستغدو كإنكليزية إنكلترا. إن حكومة جلالة الملك ترى هذه التوقعات غير واقعية، وهي (أي الحكومة) لا تسعى لهدفٍ كهذا. *** وهم يلفتون الانتباه إلى أن بنود الإعلان لا تروم لتحويل فلسطين برمتها إلى موطن قومي لليهود، وإنما أن يؤسس موطن كهذا في فلسطين. وعندما يطرح السؤال عن معنى إقامة موطن قومي لليهود بفلسطين، فلنا أن نجيب بأنه ليس فرض جنسية يهودية على سكان فلسطين في كليتهم، وإنما بتطوير إضافي للمجتمع اليهودي القائم، وذلك استعانةً بيهود العالم، حتى تغدو فلسطين مركزاً يجد فيه الشعب اليهودي بأسْره، بحكم الدين والعِرق، مركزاً يرنو نحوه ويفاخر به.

كاتب هذا التصريح، الذي قَبِلَ به الصهاينة، هو وينستون تشيرشل، وزير المستعمرات في حينها.

وفي بيان سياستها عام 1937، أعلنت الحكومة البريطانية:

أن التزاماتهم للعرب واليهود على السواء ليست التزامات متعارضة وذلك على افتراض أن العِرقين، بتصرّم الزمن، سيعدّلان تطلعاتهم القومية بحيث يغدو ممكناً إنشاء دولة واحدة تحت إمرة حكومة وحدوية.

وفي بيان عام 1939، تم التأكيد مجدداً أن فلسطين ستؤسَّس دولةً مستقلة ذات سيادة، دولة فلسطينية يكون فيها كل الفلسطينيين –بغض النظر عن عرقهم أو أصلهم- مواطنين يحظون بحقوق متساوية سياسياً ومدنياً ودينياً. وفي ذلك البيان، وضع شرط للحدّ من الهجرة اليهودية، وذلك لأسباب اقتصادية وسياسية.

وحتى حينها فإنَّ الحكومة البريطانية في فلسطين كانت قد واجهت في تاريخها سلسلة من الإضرابات والاضطرابات بدءاً من أبريل 1920 وصولاً للذروة في الثورة الكبرى عام 1936.

ومنذ مطالع أغسطس 1919 وقبل أن تكتسب الحركة القومية العربية الزخم الذي عرفته من وقتها، فإن بعثة كينغ-كرين التي أوفدها الرئيس ويلسون كتبت ما يلي:

إن موطنا قومياً للشعب اليهودي ليس مرادفاً لتحويل فلسطين إلى دولة يهودية، ولا يمكن إقامة دولة يهودية كهذه دون أفدح التعديات على الحقوق المدنية والدينية للمجتمعات غير اليهودية في فلسطين.

وقد حذر التقرير من أنَّ البرنامج الصهيوني لا يمكن تنفيذه إلا بقوة السلاح.

العناصر الأكثر تنوراً وواقعية بين الصهاينة بدأوا بتبني وجهة نظر الحكومة البريطانية بالتركيز على الجوانب الثقافية والروحية لقضيتهم وبالتعاون مع العرب. الدكتور جوداه ل. ماغنس، رئيس الجامعة العبرية في القدس، وهي مؤسسة صهيونية، أعلن في سبتمبر 1941:

بحسب ما أرى، لا أمل على الإطلاق بأن يقبل أيّ عربي له حس بالمسؤولية أو أي حزب عربي أو أي جزء من الرأي العام العربي، لا أمل أن يقبل أي من هؤلاء بمعادلة "تأسيس فلسطين دولةً يهودية" بدلاً من فلسطين موطناً قومياً.

إن الرابطة الوحدوية التي عقدها صهاينةٌ في أيلول 1942 بالقدس أعلنت قناعتها بأنَّ مسألة فلسطين لا يمكن فصلها عن مسألة الشرق الأدنى، ودعت لدولة يهودية-عربية وأكدت أنّ تساوي الشعبين أساسي لمستقبل فلسطين. الرئيس جوليان موغنسترن، من كلية الوحدة العبرية في سينسيناتي، وفي إسهامه الأخير المعنون "أمة، شعب، دين: ما نحن؟" يعلن:

هناك تأكيدات مكرورة منمقة عن الدور النافع الذي يمكن لدولة يهودية مستعادة أن تلعبه في ترسيخ نمط بهيج للعلاقات الاجتماعية المتساوية، بحيث تسعى كل الأمم الأخرى لمحاكاته، وكانت آخر تجلياته الخاتمةُ البلاغية المتشدقة لمَا يدعى "قرار فلسطين" الصادر عن المؤتمر الأمريكي-اليهودي. لكن الحقيقة التي بيّنها التاريخ بغير جدال لا تزال تذكرنا بالحق الأبلج: أن عبقرية ومصير إسرائيل لا تُجلّي عن نفسها إلا في دورها شعباً دينياً يحمل إرثه الروحي.

وهكذا نرى أن تمرير هذا القرار سيضرُّ بمصالح العرب والأمريكيين والبريطانيين، وحتى بمصالح اليهود أنفسهم.
 

فيليب حِتِّي، الثلاثاء، 15 شباط، 1944. لجنة الشؤون الخارجية، مجلس النواب، واشنطن. (الوطن القومي اليهودي في فلسطين)

السيد الرئيس، السيدات والسادة أعضاء اللجنة.

الصهيونية السياسية، بالنسبة للعرب، حركة طارئة تموَّل دولياً وتُذكَى نارُها اصطناعاً ولا تقف على أملٍ بنجاح حاسمٍ ولا دائم. وتبدو اليوم فكرة دولة يهودية بفلسطين إنفاذاً لأمر غَبَرَ زمانُه؛ وهي لا تبدو كذلك لخمسين مليون عربي وحسب ينحدر أكثرهم من الكنعانيين الذين سكنوا الأرض ردحاً طويلاً قبل أن يدخل العبرانيون فلسطينَ بإمرة يوسف، وإنما للمجتمع المسلم بأسره الذي يقوم العرب من حَربَته مقامَ الرأس. يمثّل هؤلاء المسلمون، بقدر من التّسَمّح، مجتمعاً واعياً بنفسه يناهز 275 مليوناً يسُودون رقاعاً واسعاً من إفريقيّةَ وآسيا. وحتى لو كُتب للمشروع الصهيوني السياسي أن يتحقق يوماً، بالتدبير السياسي الأمريكي والبريطاني أو على أسنّة حِرابهما، فأنّى لهذا الكيان الغريب أن يبقى وسط معسكر من العداء العربي والجفاء الإسلامي؟ لقد شُيدت -في زمن ما- دولة أجنبية، لاتينية بالتحديد، على الأرض المقدسة، لكن ذكراها انمحت اليوم، اللهم إلا في الكتب التي تروي قصص الصليبيين وحملاتهم.

ما من مسألة أخرى أظهر فيها المسلمون المعاصرون هذا القدر من الإجماع. وحتى في مسألة الخلافة واستعادتها، بعد أن دمرها مصطفى كمال عام 1924، فإن وثائق المؤتمرات الإسلامية في القاهرة ومكة تخللها تنازع ولم تشهد تضامناً كهذا. إنَّ عبارات الاحتجاج على المشروع السياسي الصهيوني والأموالَ اللازمة لمقارعة مخصصاته قد تقاطرت في العقدين الماضيين من المغرب وحتى مالي. هذا هو ذات المشروع الذي يتبناه قراركم. في الهند، تمّ الاحتفاء بـ "يوم فلسطين" عام 1936، وأقرّت رابطة مسلمي عموم الهند قراراً في اجتماعها السنوي في 18 تشرين الأول 1939 وقراراً آخر في اجتماعها في نيسان 1943 محذرةً بريطانيا من مغبة تحويل فلسطين إلى دولة يهودية. القدس هي ثالث الحرمين في نظر المسلمين؛ ثالثُ أقدس المدن بعد مكة والمدينة. كانت أولى القبلتين؛ أول وجهة استقبلها المسلمون بصلاتهم قبل أن يَمّموا شطرَ مكة. والأرض كانت هبةَ الله لمجاهديه، وعليه فالتخلي عنها خيانة للدين عند المسلمين. أما عند المسيحيين، فهي أشد قداسة بعد، ويسكن منهم اليوم قرابة مئة وثلاثين ألفاً في فلسطين.

هذه المقاومة العنيدة التي لا تكلّ بوجه الصهيونية السياسية ليست معاداةً للسامية. فمن بين كل شعوب العالم الكبرى، العرب هم الأكثر انعتاقاً من عصبية الأعراق. والعرب فوق ذلك ساميون أيضاً كاليهود، وهم على بيّنة بذلك. وهم يدركون سوياً أن ديانتيهما أقرب أدمةً لبعض قياساً للمسيحية. ولم يلقَ اليهود معاملةً في العهود الوسطى ولا المعاصرة خيراً من تلك التي عرفوها في البلاد الإسلامية-العربية. وبلغ ترحاب الباب العالي في القسطنطينية بالسفراء الأمريكيين اليهود حدّاً جعل حكومتنا تعيّن ثلاثا منهم تباعاً: شتراوس، وإيلكوس، ومورغنثاو.

يندّ عن فهم هؤلاء العرب والمسلمين لماذا ينبغي حلّ المشكلة اليهودية على حسابهم وهي ليست أصلاً جريرتهم. ورغم تعاطفهم العميق مع اليهودي المنكوب فهُم ليسوا مقتنعين أن فلسطين حلٌّ للمشكلة اليهودية؛ ليست فلسطين وطناً بلا شعب يطلب شعباً بلا وطن. وهم (أي العرب والمسلمون) عاجزون عن فهم السبب الذي يمنع المُشرِّع الأمريكي، المهمومَ كل الهمّ بسلامة اليهود الأوروبيين، من رفع عوائق الهجرة واستقبال اللاجئين اليهود حيث يمكن إسكان الملايين منهم بمفازات أريزونا وتكساس، فهذا حتماً ضمن استطاعة هذا المشرِّع. إن تعبير "إعادة تأسيس"1 في القرار المقترح ستثير اهتمام العرب والمسلمين حتماً، وقد يرغبون حينها بإعادة صياغة خارطة أوروبا ووضع يدهم على إسبانيا التي احتلوها في وقت أحدث ولزمن أطول. ورُبّ سائل منهم عن ردة فعل الشعب الأمريكي لاقتراح روسيٍّ، مثلاً، يدعو لإعادة تأسيس أوكلاهوما أرضاً هندية. يدرك العرب والمسلمون أن أحداً لا ينطق باسمهم في أمريكا، وأنهم لا يملكون جماعات ضغط وازنة، ولا سبيل عندهم للتأثير في الرأي العام الأمريكي أو تشريعاته. لكنهم مستعدون لتقديم قضيتهم بالحق الكامن فيها واستناداً للحس الأمريكي بالعدالة.

لعل بعضهم نسيَ الإعلان الإنكليزي-الفرنسي في الثامن من نوفمبر عام 1918، والذي وعد الشعوب التي طال قمعُ الأتراك لها بالتحرر الكامل المؤكَّد و"بإنشاء حكومات وطنية وإدارات تستمد سلطاتها من الإرادة الحرة للسكان الأصليين". أو لعلهم قد نسوا أيضاً كلمات وودرو ويلسون في بنده الثاني عشر:

" القوميات [غير التركية] التي تقع الآن تحت الحكم التركي ينبغي أن يؤكد لها أمنها في نفوسها بالإضافة لفرصتها المؤكدة في التنمية المستقلة.."

أو الفقرة التي تقابلها في اتفاق عصبة الأمم، البند 22؛ لكنهم –حتى وإن نسوا كل ما تقدم- سيذكرون حتماً البند الثالث للائحة الأطلسية والذي ينص بأن بريطانيا العظمى والولايات المتحدة:

"تحترم حق كل الشعوب في اختيار شكل الحكم الذي سيعيشون بظله".

ما من غربي -أو إفرنجي كما يدعوه العرب- يبلغ الحظوة والثقة التي يحوزها الأمريكي عند الشعب العربي والمسلم. وللأمر علته، فلسنوات عديدة وفَد على الساحل الشرقي للبحر المتوسط معلمون ووعّاظ وأطباء وعلماءُ آثار وحُجّاج ومحسنون أمريكيون بِنيّةِ العطاء لا بنية السلب وبغير مخطط إمبريالي. وقبل 8 سنوات، احتفت المطبعة الأمريكية في بيروت بمئوية إنشائها، وقد كانت أولى مثيلاتها في المنطقة. وقبل 3 سنوات، أحيت الجامعة الأمريكية ببيروت ذكرى تأسيسها الخامس والسبعين. في هذه المؤسسة، تمرّن كثير من قادة الفكر والعمل في المشرق العربي. وفي الحرب العالمية الأولى والفترة التي تلتها مباشرة، جمع الأمريكيون 100 مليون دولار أو يزيد لتفريج المعاناة التي كابدها أهل المشرق الأدنى ولكي يعيدوا تأهيل أراضيهم؛ وهو رقم غير مسبوق في تاريخ التبرعات الأهلية. ولا غرابة أن لفظة "الأمريكي" باتت قرينة في عقول العرب والمسلمين بالقسط والنَّصَفَة، والتعامل العدْل، والسلوك الديمقراطي. هذا المَعينُ من السمعة العطرة تشكّلَ بالإيثار والعمل المخلص لأجيال من الأمريكيين، لكن ماءَه سيغدو غوراً إذا ما مرّ القرار المقترح الآن أمام لجنتكم.

إن الولايات المتحدة تخوض اليوم صراعاً رهيباً مع خصمٍ فاجر وجبّارٍ لا تبدو شمسُه آفلةً قريباً. وليس من بارودٍ أنقى ولا أشد انفجاراً نمنحه لآلة خصمنا الدعائية من هذا القرار، فالألمان سيغتنمونه حتماً أشدّ الاغتنام كما فعلوا بإعلان بلفور، وسيرفعونه أمام عيون العرب شاهداً على "الديمقراطية" الإنكليزية-الأمريكية و"الحرية" التي أديرت لأجلها رحى الحرب، وسيؤكدون للعرب أن السيطرة الصهيونية على فلسطين ليست سوى فاتحة للسيطرة اليهودية على شرق الأردن وسورية ولبنان وجزيرة العرب، تماماً كما في القصة التي قرأوها بقصص ألف ليلة وليلة عن الجمل الذي أطلّ برأسه من باب الخيمة2. فليس هذا وقتاً ملائماً حتى نُحيل رفاقاً قُدامى إلى أعداء محتملين.

ليس الشعب الأمريكي مهتماً بكسب القتال وحسب وإنما بالمساهمة في إقامة نظام عالمي يعقب الحرب ويكون الاستقرار الإقليمي فيه مؤمَّناً أو يكاد، وتغدو احتمالات الصراع –بأضعف الإيمان- أقل مما كانت. ما من شيء -في تقدير المتحدث الحالي- أدعى لصراعٍ وفتنة دائمة من إقامة دولة يهودية على حساب العرب في فلسطين. إذا أقيمت هكذا دولة بإصرار من الولايات المتحدة، فسنتحمل حينها مسؤولية أخلاقية لصونها. هل سيكون الشعب الأمريكي مستعداً لإرسال بَحْريّتِه لحماية دولة كهذه إذا أنشئت؟

لم يفكر البريطانيون قط بمخطط طموح كهذا يحوّل فلسطين إلى دولة يهودية. لقد اكتنفت إعلانَ بلفور وعودٌ متناقضة للعرب، جعلت الأرضَ الموعودة أرضاً لموعودين كثر. وقد تكرر صداه في قرار الكونغرس الأمريكي لعام 1922. كان إعلان بلفور قد نظر بعين العطف "إلى إقامة موطن قومي للشعب اليهودي" – لكن هذا مختلف جداً عن تحويل فلسطين إلى دولة يهودية. والأمر كان معقوداً أيضاً بشرط كبير: "سيكون مفهوماً أن حقوق المجتمعات غير اليهودية في فلسطين، المدنية والدينية، ستكون في منأى عن أي أذية". وكانت الصيغة التي اقترحها الممثلون الصهاينة للحكومة البريطانية وقتها هي: "إعادة تأسيس فلسطين موطناً قومياً لليهود"، وهو عملياً ذات القرار الذي أمامنا اليوم، لكن الصيغة تلك تمت تنحيتها.

في ورقتها البيضاء في الثالث من يونيو 1922، تقول الحكومة البريطانية:

لقد صدرت تصريحات غير مأذونٍ لها تفيد أن الهدف المنظور هو تهويد فلسطين بالكامل. وقد وُظفّت عبارات تدعي أن يهودية فلسطين ستغدو كإنكليزية إنكلترا. إن حكومة جلالة الملك ترى هذه التوقعات غير واقعية، وهي (أي الحكومة) لا تسعى لهدفٍ كهذا. *** وهم يلفتون الانتباه إلى أن بنود الإعلان لا تروم لتحويل فلسطين برمتها إلى موطن قومي لليهود، وإنما أن يؤسس موطن كهذا في فلسطين. وعندما يطرح السؤال عن معنى إقامة موطن قومي لليهود بفلسطين، فلنا أن نجيب بأنه ليس فرض جنسية يهودية على سكان فلسطين في كليتهم، وإنما بتطوير إضافي للمجتمع اليهودي القائم، وذلك استعانةً بيهود العالم، حتى تغدو فلسطين مركزاً يجد فيه الشعب اليهودي بأسْره، بحكم الدين والعِرق، مركزاً يرنو نحوه ويفاخر به.

كاتب هذا التصريح، الذي قَبِلَ به الصهاينة، هو وينستون تشيرشل، وزير المستعمرات في حينها.

وفي بيان سياستها عام 1937، أعلنت الحكومة البريطانية:

أن التزاماتهم للعرب واليهود على السواء ليست التزامات متعارضة وذلك على افتراض أن العِرقين، بتصرّم الزمن، سيعدّلان تطلعاتهم القومية بحيث يغدو ممكناً إنشاء دولة واحدة تحت إمرة حكومة وحدوية.

وفي بيان عام 1939، تم التأكيد مجدداً أن فلسطين ستؤسَّس دولةً مستقلة ذات سيادة، دولة فلسطينية يكون فيها كل الفلسطينيين –بغض النظر عن عرقهم أو أصلهم- مواطنين يحظون بحقوق متساوية سياسياً ومدنياً ودينياً. وفي ذلك البيان، وضع شرط للحدّ من الهجرة اليهودية، وذلك لأسباب اقتصادية وسياسية.

وحتى حينها فإنَّ الحكومة البريطانية في فلسطين كانت قد واجهت في تاريخها سلسلة من الإضرابات والاضطرابات بدءاً من أبريل 1920 وصولاً للذروة في الثورة الكبرى عام 1936.

ومنذ مطالع أغسطس 1919 وقبل أن تكتسب الحركة القومية العربية الزخم الذي عرفته من وقتها، فإن بعثة كينغ-كرين التي أوفدها الرئيس ويلسون كتبت ما يلي:

إن موطنا قومياً للشعب اليهودي ليس مرادفاً لتحويل فلسطين إلى دولة يهودية، ولا يمكن إقامة دولة يهودية كهذه دون أفدح التعديات على الحقوق المدنية والدينية للمجتمعات غير اليهودية في فلسطين.

وقد حذر التقرير من أنَّ البرنامج الصهيوني لا يمكن تنفيذه إلا بقوة السلاح.

العناصر الأكثر تنوراً وواقعية بين الصهاينة بدأوا بتبني وجهة نظر الحكومة البريطانية بالتركيز على الجوانب الثقافية والروحية لقضيتهم وبالتعاون مع العرب. الدكتور جوداه ل. ماغنس، رئيس الجامعة العبرية في القدس، وهي مؤسسة صهيونية، أعلن في سبتمبر 1941:

بحسب ما أرى، لا أمل على الإطلاق بأن يقبل أيّ عربي له حس بالمسؤولية أو أي حزب عربي أو أي جزء من الرأي العام العربي، لا أمل أن يقبل أي من هؤلاء بمعادلة "تأسيس فلسطين دولةً يهودية" بدلاً من فلسطين موطناً قومياً.

إن الرابطة الوحدوية التي عقدها صهاينةٌ في أيلول 1942 بالقدس أعلنت قناعتها بأنَّ مسألة فلسطين لا يمكن فصلها عن مسألة الشرق الأدنى، ودعت لدولة يهودية-عربية وأكدت أنّ تساوي الشعبين أساسي لمستقبل فلسطين. الرئيس جوليان موغنسترن، من كلية الوحدة العبرية في سينسيناتي، وفي إسهامه الأخير المعنون "أمة، شعب، دين: ما نحن؟" يعلن:

هناك تأكيدات مكرورة منمقة عن الدور النافع الذي يمكن لدولة يهودية مستعادة أن تلعبه في ترسيخ نمط بهيج للعلاقات الاجتماعية المتساوية، بحيث تسعى كل الأمم الأخرى لمحاكاته، وكانت آخر تجلياته الخاتمةُ البلاغية المتشدقة لمَا يدعى "قرار فلسطين" الصادر عن المؤتمر الأمريكي-اليهودي. لكن الحقيقة التي بيّنها التاريخ بغير جدال لا تزال تذكرنا بالحق الأبلج: أن عبقرية ومصير إسرائيل لا تُجلّي عن نفسها إلا في دورها شعباً دينياً يحمل إرثه الروحي.

وهكذا نرى أن تمرير هذا القرار سيضرُّ بمصالح العرب والأمريكيين والبريطانيين، وحتى بمصالح اليهود أنفسهم.
لا ينبغي أن ندخل في مثل هكذا جدال لا طائل منه.. الحديث عن البُعد التاريخي حديث عبثي وعلينا أن لا ننجر لمنطق الحركة الصهيونية ونستهلك وقتنا وجهدنا لتأكيد زيف روايتها.

خلاصة الحديث أن هناك أرض تسمى فلسطين وشعب عاش عليها يسمى الفلسطينيين وهؤلاء لم يطردوا منها اليهود وليسوا مسئولين عن جرائم الهولوكوست ولم يلاحقوهم في أوروبا كما فعل ملوكها بالتحالف مع الكنيسة ولم يكونوا حسب الرواية التوراتية أباطرة بابل أو الرومان الذين هدموا الهيكل ولا علاقة لهم بقصص أسطورية عمرها أكثر من 3000 سنة وغير مطالبين بنقاشها وإضاعة وقتهم في إقناع أحد بها لأن الصهاينة لم يحتلوا فلسطين بالمناظرات بل بالبطش والقتل.
 
لا ينبغي أن ندخل في مثل هكذا جدال لا طائل منه.. الحديث عن البُعد التاريخي حديث عبثي وعلينا أن لا ننجر لمنطق الحركة الصهيونية ونستهلك وقتنا وجهدنا لتأكيد زيف روايتها.

خلاصة الحديث أن هناك أرض تسمى فلسطين وشعب عاش عليها يسمى الفلسطينيين وهؤلاء لم يطردوا منها اليهود وليسوا مسئولين عن جرائم الهولوكوست ولم يلاحقوهم في أوروبا كما فعل ملوكها بالتحالف مع الكنيسة ولم يكونوا حسب الرواية التوراتية أباطرة بابل أو الرومان الذين هدموا الهيكل ولا علاقة لهم بقصص أسطورية عمرها أكثر من 3000 سنة وغير مطالبين بنقاشها وإضاعة وقتهم في إقناع أحد بها لأن الصهاينة لم يحتلوا فلسطين بالمناظرات بل بالبطش والقتل.
فعلا الي بيتوهم انه يهزم اليهود بالمناظرات ....كانه في دائرة ويبحث فيه على ركن
هزيمة اليهود كما اخبرنا الله ورسوله الكريم بالحرب والقتال غير كده احنا بنفرغ طاقتنا على الفاضي....وهم يعلمون ذلك
 
فعلا الي بيتوهم انه يهزم اليهود بالمناظرات ....كانه في دائرة ويبحث فيه على ركن
هزيمة اليهود كما اخبرنا الله ورسوله الكريم بالحرب والقتال غير كده احنا بنفرغ طاقتنا على الفاضي....وهم يعلمون ذلك
بالنسبة لـ"فيليب حتي" فالرجل فعل ما يمكن فعله حسب استطاعته وجهده ووضمن ظروف زمنه محاولاً ثني الأمريكان عن دعمهم المتشدد للصهيونية على حساب العرب وحذرهم من تداعيات ذلك على استقرار المنطقة بعد الحرب العالمية

سجاله مع اينشتاين كان قبل النكبة وقبل فرض الصهيونية بالسلاح وهذا لا بأس فيه لكن بعد النكبة انبرى بعض الكتاب العرب -عن حسن نية- بكتابة كتب تدحض ادعاءات اليهود في فلسطين وكأن هناك من يهتم !

مثل هؤلاء تكون إسرائيل قد جرتهم للمنطق الذي تريده فهي بالفعل مسيطرة على الأرض وبدلاً من مواجهتها كقوة عسكرية محتلة حولت القضية لنقاش تاريخي وجدل ما بين مؤيد ومعارض !!

قضايا الأوطان والشعوب ومصائرها لا يمكن تحويلها لقضايا تاريخية مختلف عليها وللعلم كثير من اليهود الذين هاجروا لفلسطين هاجروا لأسباب اقتصادية بحتة مثل يهود الاتحاد السوفيتي الذين طمعوا بإغراءات الحركة الصهيونية وهم من يشكلون اليمين الاسرائيلي الان.
 
التعديل الأخير:
موقف اينشتاين من الصهيونية وإسرائيل

تكشف مقولات العالم أينشتاين عن رؤيته لتأسيس دولة إسرائيل وموقفه من الحركة الصهيونية التي كانت تربطه بقادتها علاقة متميزة، فقد بعث آينشتاين في 25 نوفمبر/تشرين الثاني 1929 برسالة إلى حاييم وايزمان -الذي شغل لاحقا منصب أول رئيس لإسرائيل- قال فيها: إننا إذا لم ننجح في إيجاد طريق لتعاون شريف وحوار صادق مع العرب، لا نكون قد تعلمنا شيئا من معاناة ألفي سنة ولّت, وسنستحق ما يحصل لنا تبعا لذلك".

دعا إلى تعاون اقتصادي بين الفلسطينيين والإسرائيليين وإيجاد أرضية تقوم على العيش المشترك بين الطرفين، وقال "أفضل أن أرى اتفاقا معقولا مع العرب والعيش بسلام معهم على أن أعيش لأشهد ولادة دولة يهودية".

وبينما كان زعماء إسرائيل يعملون لتأسيس إسرائيل، علق على الموضوع بالقول: "إن إدراكي للطبيعة الجوهرية لليهود، يقاوم فكرة دولة يهودية ذات حدود وجيش وقدر من السلطة"


وأكد عام 1946 أن "فكرة دولة إسرائيل لا تتوافق مع رغبات قلبي. إنني لا أفهم لماذا نحن بحاجة إلى دولة كهذه". كما رفض فكرة تأسيس وطن قومي لليهود، فالدولة القومية بحسبه هي فكرة رديئة، "وقد عارضتُها على الدوام. إننا نقلّد أوروبا, والذي دمَّر أوروبا في النهاية هو القومية".

وانتقد ما فعلته الحركة الصهيونية بالعرب بالقول "ما يسبب لي حزنا عميقا أن أرى الصهيونية تفعل بالعرب الفلسطينيين أكثر مما فعلته النازية باليهود".

عام 1948 بعد مذبحة دير ياسين كتب البيرت اينشتاين رسالة إلى صديق أميركي من المدافعين عن حرية إسرائيل أشار فيها إلى منظمة ارجون بقيادة مناحيم بيغن الذي أضحى فيما بعد رئيس وزراء ، و إلى عصابة شتيرن التي ضمت اسحاق شامير و اصبح ايضا رئيسا للوزراء على أنهما منظمتين إرهابيتين و رفض دعم أولئك الأشخاص "الضالين و المجرمين".

البيرت اينشتاين و سيدني هوك و حنا اريندت و خمس و عشرون شخصية يهودية بارزة كتبوا رسالة إلى نيويورك تايمز في الرابع من كانون الأول 1948 اتهموا فيها حزب مناحيم بيغن و اسحاق شامير الليكود بالفاشية و اعتناق خليط من القومية المتطرفة و الإبهام الديني و شعور التفوق العرقي.


ففي عام 1952، كتب السفير الإسرائيلي في واشنطن إلى آينشتاين نيابة عن رئيس الوزراء دافيد بن غوريون طالبا منه تولي منصب رئيس الدولة، وذلك كتعبير عن "أعمق احترام يمكن أن يكنه الشعب اليهودي لأي من أبنائه". وأكد السفير في رسالته أن آينشتاين "سيمنح كل الحرية لمواصلة عمله العلمي العظيم".

ولكن آينشتاين رفض العرض، قائلا إنه "تأثر جدا" به ولكن المنصب لا يناسبه نظرا لكبر سنه وشخصيته.

وكتب "طيلة حياتي لم أتعامل إلا مع القضايا والأمور الموضوعية، لذا افتقر إلى الميل الطبيعي والخبرة الضرورية للتعامل بشكل صحيح مع الناس وللقيام بالمهام الرسمية.. أشعر بالحزن أكثر لهذه الظروف، لأن علاقتي بالشعب اليهودي أصبحت أقوى رابط إنساني لدي، وذلك منذ أصبحت واعيا بحرج موقفنا تجاه بقية الأمم".

المصدر
 
التعديل الأخير:
قضايا الأوطان والشعوب ومصائرها لا يمكن تحويلها لقضايا تاريخية مختلف عليها
انا متفق معك اخونا الفاضل
وكل انسان له مجال يستطيع به ان يدافع به عن وطنه وشعبه(من يستطيع بالمناظرات ومن يستطيع بالشعارات ومن يستطيع بالقانون)
لكن ما اخذ بالقوة والغصب..لا يسترد الا بالقوة والتضحية بالنفس والمال والولد
ولن يرد ارض فلسطين للامة الاسلامية والعربية الا القوة والدم....ولنا في التاريخ عبرة وعظه
 
رسالة أينشتاين 10 إبريل 1948 بعد يوم واحد من مذبحة دير ياسين التي حدثت غرب القدس.

"عندما تحيق بنا كارثة حقيقية في فلسطين فإن المسؤول الأول عنها هي بريطانيا والثاني هي المنظمات الارهابية التي خرجت من بيننا (اليهود).
إنني لا أود أن أرى أحدا على علاقة بهؤلاء المجرمين المُضَلَّلِين".

٢٠٢١٠٩١٦_١٨١٤٣٤.jpg


يتضح أنه كان على خلاف مع "الصهيونية السياسية" .
 
انا متفق معك اخونا الفاضل
وكل انسان له مجال يستطيع به ان يدافع به عن وطنه وشعبه(من يستطيع بالمناظرات ومن يستطيع بالشعارات ومن يستطيع بالقانون)
لكن ما اخذ بالقوة والغصب..لا يسترد الا بالقوة والتضحية بالنفس والمال والولد
ولن يرد ارض فلسطين للامة الاسلامية والعربية الا القوة والدم....ولنا في التاريخ عبرة وعظه
لا خلاف.. كل انسان يقدم ما يستطيع وحسب مجاله
 
صحيح وهو نص مُنفر لعامة الناس وكان بودي أن لا أنقل هذا الجزء لكنني قررت نقله في النهاية كما كتب في المصدر
نعم .. أظن ان 90% ممن دخل الموضوع لم يقرأه

عموما نقطة مهمة ظهرت ‏‏وهي ازدواجية امريكا التي تقفل باب الهجرة الى امريكا امام اليهود الهاربين من النازية وتدعم بشدة فتح باب هجرتهم الى فلسطين.

الملاحظ ايضا ان قيام كيان اسرائيل على أرض فلسطين كان محسوم ومقرر ومنذ ١٩٤٤ حسب ارشيف الكونجرس قبل اي حرب في فلسطين.
 

المواضيع المشابهة

عودة
أعلى