في ذكرى انتصار معركة نصيبين (نزيب)

OSORIS

عضو
إنضم
14 ديسمبر 2020
المشاركات
11,311
التفاعل
37,443 92 6
الدولة
Egypt

فى ذكرى موقعة "نصيبين".. الجيش المصري يسحق العثمانيين ويرفع لواء حلم الخلافة العربية من الشام

24-6-2021 | 22:21


19_2021-637601434728436225-843.jpg

موقعة نصيبين​



جيش الفلاحين الذي لا يقهر


في مثل هذا اليوم 24 يونيو عام 1839م انتصر إبراهيم باشا على الدولة العثمانية فى موقعة نصيبين أو"نِزيِّب"، إحدى معارك الحروب المصرية العثمانية فى التاريخ، حيث سحق الجيش المصري الجيش العثمانى الذي استعان بقادة من دول أوربية لمواجهة قوات إبراهيم باشا الذي يطلق عليه فى المراجع التاريخية بالشام مسمى "إبراهيم المصري"، وبقى الطريق مفتوحا بعد المعركة أمام مصر للاستيلاء على عاصمة الدولة العثمانية فى عقر دارها بالآستانة، لولا تدخل الدول الأوربية التي وصفت جرائدها الجيش المصري بجيش الفلاحين الذي لا يقهر .


ترى ماذا حدث قبل الواقعة الشهيرة التى تمر عليها اليوم 182 سنة؟.

تقول الدكتورة لطيفة محمد سالم فى كتابها "الحكم المصري فى بلاد الشام"، إن جريدة "الوقائع المصرية" وصفت دمشق بأنها إحدى جنات الأرض، مؤكدة أن أهل الشام وجدوا فى إبراهيم باشا الخلاص من المعاناة مع الحكم العثمانى القاسي، خاصة أن إبراهيم باشا أصدر أوامره للقادة بعدم التعرض لأهل دمشق ولكافة أهل الشام، وقام بإصلاحات زراعية اقتصادية وكذلك صحية؛ لإدخال المدنية والحضارة بدلا من التخلف الذي كانت تنشره الدولة العثمانية فى ربوع الشام.

وبعد انتصاراته على الدولة العثمانية فى معركة قونية رفع إبراهيم باشا، حلم "الخلافة العربية"، مؤكداً مصريته وعروبته كارها لكل مايمت للأتراك بصلة، ورفعه للقومية العربية هو ما جعل القوى الأوروبية الفاعلة آنذاك تصمم على وضع العراقيل ضده، فبريطانيا رأت التواجد المصري فى الشام عقبة أمام طموحهم لاستيلائهم على الطرق التجارية عن طريق الفرات والخليج العربى، فالقنصل البريطانى كامبل أرسل مذكرة للحكومة البريطانية مؤكدا فيها، أن إبراهيم باشا يسعى لبناء إمبراطورية عربية تشمل مصر، وشبه الجزيرة العربية، والسودان، واليمن، والخليج العربى، والفرات وسوريا، وبعدها سيستحوذ على الخلافة العثمانية وعاصمتها ويجدد مجد الإسلام.

وتوضح الدكتورة لطيفة سالم أنه بعد انتصارات الجيش المصري قام السلطان العثمانى باستخدام الشعارات الإسلامية، فعقد المجلس الشرعى فى الآستانة، وأصدر حكمه بتجريد محمد على باشا ونجله إبراهيم من جميع الرتب والمناصب ورماهم بالكفر والخروج عن الملة الإسلامية، وأصدر حكما بتولية حسين باشا حكم مصر وكريت والحبشة، فرد عليه محمد على باشا بأن أعد بيانا له من خلال شيوخ الأزهر الشريف، ورمى السلطان العثمانى بالكفر، ووزع منشورات فى المناطق العربية وخاصة فى الأراضي المقدسة (مكة، والمدينة والقدس الشريف) ،وطعن عليه بعدم صلاحيته للخلافة، ووجه محمد على باشا نداء لجميع المسلمين بإنقاذ الإسلام من براثن الدولة العثمانية.

وتضيف سالم أنه تم عقد صلح كوتاهية فى 8 أبريل عام 1833م تحت ضغوط الدول الأوروبية وتدخل فرنسا التى كانت علاقتها جيدة مع مصر، وبموجبها أعطى لمحمد على باشا ما أراد، وعقب المعاهدة عقدت الدولة العثمانية مع روسيا معاهدة "هنكار اسكله سي" مع روسيا فى 8 يوليو 1833م، وهى معاهدة دفاعية هجومية وبها أسبغت روسيا الحماية على الدولة العثمانية، وكانت المعاهدة دليلا على أن الدولة العثمانية تعد العدة ضد الحكم المصري فى الشام، ووضع عراقيل ضد الإصلاحات التى وضعها إبراهيم باشا لرفع المعاناة عن أهلها جراء الحكم العثمانى القاسي.

معركة نصيبين

حصن إبراهيم باشا حدود الشام، فأنشأ خطوطا دفاعية عند جبال طوروس، وأقام معسكرات فى الشمال، وقام بنشر المدافع، وكان ذلك استعدادا للقاء مرتقب حاسم، بينما السلطان العثمانى أسرع بحشد الحشود وتأهب لاسترجاع الشام، وأخذ يؤلب القرى الشامية ويثير العناصر المحلية ضد الحكم المصري؛ لتنشب الثورات والفوضي لتشتيت انتباه إبراهيم باشا، فى الوقت الذي كان يدبر مناورة بإرساله رسائل بشأن تنازله عن بعض المناطق فى الشام، لكن لم ينجح السلطان العثمانى فى مؤامراته
أما بريطانيا التى غضبت من الحكم المصري فى الشام الرافض لإنشاء طريق من أنطاكية للفرات مارا بحلب لخدمة تجارتها، فقد استطاعت أن تقتنص فرمانا من الدولة العثمانية على احترام الملاحة فى الفرات، مما حدا بإبراهيم باشا أن يضع لبريطانيا العراقيل فرفض تقديم المساعدة لهم، ولم يسمح لهم باستئجار الدواب وحمايتهم من البدو، وقد أصدر محافظ حلب قرارا بمنع تقديم المساعدة لبريطانيا، إلا أن بريطانيا قررت عقد معاهدة مع الدولة العثمانية؛ لإلغاء الاحتكار فى جميع الولايات العثمانية، وتحولت القنصليات لبؤرة نشاط لتدبير المؤامرات ضد الحكم المصري، ولمنع التواجد الروسي فى الآستانة، فاندلعت ثورات فى القري الشامية المحاذية لأراضي الدولة العثمانية، وهى القري التى مالت للعثمانيين ضد إبراهيم باشا المصريج

جاء اللقاء الحربى فى نصيبين أو نسيب بآسيا الصغري قرب مدينة نزيب الواقعة غرب نهر الفرات، وذلك عندما صممت الدولة العثمانية على استرداد الشام بقوة السلاح، إلا أن النصر كان حليفا لإبراهيم باشا، فاستولى المصريون على 166 مدفعا، و20 ألف بندقية وغيرها من الذخائر، فاهتزت هيبة الدولة العثمانية وأثار انتصار إبراهيم باشا حفيظة الدول الأوروبية، وأصبح لابد من التدخل فطلبت بريطانيا وبروسيا وروسيا من الدولة العثمانية بعدم اتخاذ أي إجراءات مع مصر إلا بموافقتهم.

فى ذلك الوقت اعتلى عرش الدولة سلطان جديد، حيث يقال إن السلطان العثمانى مات مهموما مقهورا من الهزيمة، وأرسل محمد على باشا للسلطان الجديد يطالبه بحقن الدماء بين المسلمين ومساعى الصلح، إلا أن بريطانيا حركت قطعا من أسطولها ناحية بيروت، ووصلت قوات عثمانية ناحية قبرص، وطلب محمد على باشا من قواته اتخاذ التدابير اللازمة للمواجهة، إلا أن السياسة الأوروبية كانت أقوى ثقلا، وفى 15 يوليو 1840م أُبرمت اتفاقية لندن بين بريطانيا وروسيا والنمسا وبروسيا والدولة العثمانية، حيث اتفقوا على إلزام محمد على باشا بإرجاع الشام وشبه الجزيرة العربية وكريت.
رفض محمد على باشا اتفاقية لندن، وبعد شهر من توقيع المعاهدة، تم إبلاغه رسميا من القناصل بتنفيذ بنود المعاهدة، مؤكدين أن فرنسا التى تساعده لن تقدر على مساعدته، فاستدعى محمد على باشا قوات من الحجاز واليمن، وأرسل الإمدادات لعكا وقوى الاستحكامات العسكرية فى الشام ، فيما حاصرت قطع الأساطيل البريطانية والنمساوية والعثمانية السواحل وضربت بيروت، واستولى الأوروبيون على حيفا وصور وصيدا وطرابلس وعكا ويافا ونابلس واللاذقية، وظهرت خيانات من بعض رجال الإدارة الموالين للدولة المصرية فى الشام، وأصبح إبراهيم باشا بين أكثر من نار، خاصة بعد زيادة الفتن الداخلية؛ لذا تمت مفاوضات بينه وبين الدول الأوروبية انتهت برضوخه واستسلامه بالانسحاب من الشام التى رفع فيها حلمه بالقومية العربية.

وقالت لطيفة سالم إن المصريين عاشوا فى الشام عقدا من الزمن، تركت فيها بصمات واضحة التى سجلها التاريخ، حيث ساد النظام فى الشام بدلا من الفوضي التى أحدثها الغزاة العثمانيون، وأعطت الإدارة المصرية للشام التقدم والعمران، ووهبتها النهضة، وعملت على رقيها بإنشاء البنوك والمدارس والموانئ، ووهبت لإخوانهم فى الشام العدالة التى كانت مفقودة، إلا أن ذلك سرعان ما انقلب إلى ضده عقب الرحيل، حيث صمم العثمانيون أن يعيش الشام فى ظلم وظلام، واحتراب داخلى بين القبائل والعرقيات المختلفة؛ كى يضمنوا البقاء فيه والتنعم بخيرات جنانه التى لاتنضب.

 
 
عودة
أعلى