رد: الوثائق الإسرائيلية
الوثائق الإسرائيلية (الحلقة الحادية والعشرون) ـ البحرية الإسرائيلية استشعرت الخطر لكن الاستخبارات هدأت من روعها
إبحار بارجتين مصريتين إلى بورتسودان واستعدادات أخريين في عدن أعطت انطباعا بإمكانية الحرب
تل أبيب: نظير مجلي
نواصل في هذه الحلقة من تقرير «لجنة أغرنات» للتحقيق في إخفاقات اسرائيل في حرب أكتوبر 1973، نشر الفصول التي تتركز على الأفكار المستهترة في قيادة الجيش الاسرائيلي بالقدرات العربية، وخصوصا لدى شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش.
وبعد أن كانت لجنة التحقيق قد أشادت بالقدرات المصرية ـ السورية على خداع وتضليل اسرائيل بمعلومات مدسوسة بشكل مقصود وأوقعتها في الفخ عدة مرات وعلى مدى فترة طويلة، تحاول اللجنة في هذه الحلقة الادعاء بأن النجاحات العربية في تضليل اسرائيل، كانت عن شطارة، ولكن ليس عن عبقرية. فالأحداث تطورت بطريقة كان يجب على الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية ان ترصدها وتكتشف معالمها. ولكن اهمالها واستهتارها حتى بالمعلومات المؤكدة التي وصلت اليها، جعلاها تضيع البوصلة وتستنتج ان السوريين كانوا في حالة طوارئ دفاعية فقط والمصريين كانوا في تدريبات عسكرية شاملة، لكنهم لن يحاربوا اسرائيل لأنهم يخافون من الهزيمة والفشل.
71. على أية حال، كانت مطلوبة يقظة خاصة لدى شعبة الاستخبارات العسكرية في فترة التدريبات الشاملة [في مصر]، لأن شعبة الاستخبارات العسكرية عرفت جيدا ان من هذه التدريبات التي جرت تحت عنوان عبور القناة، كان في مقدور العدو أن ينتقل الى هجوم فعلي وأن التدريبات يمكن أن تتحول دائما الى غطاء للنوايا الهجومية.
وسنرى لاحقا (البند 106)، انه في سنة 1972 أعربت شعبة الاستخبارات العسكرية عن تقديرها بأن خطرا كهذا غير قائم، وأضافت في مجال الحديث عن قدراتها في اعطاء التقديرات انها «في كل حالة سيكون واضحا لنا ما هي العملية العينية [التي يريد المصريون أو السوريون تنفيذها]، وفي الأساس في حالة تنفيذ العملية على خلفية توتر عام.. أو على خلفية تدريبات شاملة في الجيش المصري تشمل تحركات لقوات على نطاق واسع». لقد كانت قناعة شامل سائدة في صفوف ضباط شعبة الاستخبارات العسكرية بأنه عندما يقيم العدو تدريبات على نطاق واسع فإن ذلك يشكل علامة واضحة على وضع قد يتطور الى حرب. الجنرال الذي قاد شعبة الاستخبارات العسكرية قبل الجنرال زعيرا، أهرون يريف، عمم في ديسمبر [كانون الأول] سنة 1971 أمرا على ضباط الشعبة، جاء فيه انه من ناحية استخبارية يجب النظر الى كل تدريبات على نطاق واسع على انها أمر يحتوي في طياته على احتمالات الحرب، مما يوجب تعزيز شبكة الردع (شهادة يريف، البروتوكول، صفحة 3258). وفي الاستخبارات التابعة للواء الجنوبي تم في 18 أبريل [نيسان] 1972 اعداد مسودة لوثيقة (موجودة في ملف ـ«وثيقة العلامة الجيدة» الذي جمعه العقيد في الاحتياط، نابو)، تم فيها تحديد العلامات الدالة [على خطر الحرب]. وفي البند الثاني منها ذكرت عدة علامات دالة، منها: «العمليات الهجومية التي تتم وسط غطاء تدريبات تكون [في حالة]: 1. ابقاء العملية سرية حتى تنفيذها (التغطية عليها بالتدريبات). 2. استغلال الحشودات وتنظيم القوات» (شهادة المقدم غداليا، البروتوكول، صفحة 6028 فصاعدا، تفاصيل أخرى عن هذه الوثيقة أنظر في الجزء الثالث من الفصل السادس). كذلك، من رد الاستخبارات العسكرية في الجيش الاسرائيلي على استفسارات عناصر المخابرات الأجنبية، لاحظنا ان شعبة الاستخبارات مدركة الخطر في تدريبات تحمل في طياتها خطر الهجوم (أنظر البند 59، آنفا: «المصريون يقيمون الآن تدريبات على نطاق واسع تشمل القوات البرية والجوية والبحرية، وهذه تستطيع بالطبع أن تشكل غطاء للنوايا الهجومية»).
كان محظورا على شعبة الاستخبارات العسكرية أن تتراخى في شكوكها المطلوبة ازاء كل تدريب كبير، مهما زادت أعداد الأخبار القائلة انه [مجرد] تدريب (وبالفعل كانت هناك أعداد كبيرة من الأخبار)، إلا انه كان من واجبها ان تزن بحذر شديد ما إذا كانت هذه الأخبار متقاطعة مع عملية خداع محسوبة.
إن الفرق بين المظهر العرضي للمناورة، التي كانت في مضمونها «التدرب على عبور السويس»، وبين «المناورة» التي كانت في مضمونها استكمال حقيقي للاستعدادات للعبور حتى ما قبل موعده الدقيق يوم/ساعة، هو في «العلامات الدالة» التي ترافق الاستعدادات الحقيقية. وهذه «العلامات الدالة» بالذات هي التي اعتبرتها شعبة الاستخبارات العسكرية "استثناءات" وليس "علامات دالة" (أنظر البند 73 لاحقا)، والسبب في ذلك يعود لأنها رأت فيها استثناء للفرضية [القائلة] بأنه بسبب توازن القوى في الجو [لصالح اسرائيل]، فإن مصر لن تخرج الى الحرب. لهذا السبب وليس بسبب «العبقرية» المصرية بلعت شعبة الاستخبارات العسكرية «الطعم» بأن الحديث جار عن تدريب.
لو تعاملت قيادة شعبة الاستخبارات العسكرية في قيادة هيئة الأركان بانفتاح تجاه «العلامات الدالة»، لكانت استطاعت أن تحدد تفكير وأحاسيس رجال الاستخبارات وتجبرهم بذلك على اعطاء جواب موزون ومسنود للسؤال: ما هي نوايا مصر أن تفعل، حينما تكون قواتها – سوية مع قوات الجيش السوري – في حالة تأهب بكامل قوتها وفي حالة استعداد تامة واتجاه معركتهم اسرائيل.
لهذا، فإننا نعتقد بأن دائرة البحوث في شعبة الاستخبارات العسكرية لا تستطيع تبرير فشلها بالتذرع في نجاح العدو في عمليات الخداع، إذ انه وعلى الرغم من الجهود [للعمل] بسرية وإخفاء نوايا العدو، فقد كان لدى شعبة الاستخبارات العسكرية، في حينه، الكثير من المعلومات التي تلزمها بالخروج باستنتاجات تفيد بأن العدو ينوي الهجوم. ففي نهاية المطاف، هذا هو الهدف الأول لكل جهاز مخابرات، أن يخترق شاشة الخداع التي يفردها العدو. وفي هذه الحالة، كانت الشاشة شفافة للغاية.
تدريبات سابقة 72. لقد أكد الجنرال زعيرا [رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الاسرائيلي] أمامنا الحقيقة بأنه في ثلاث مرات في الماضي نفذ الجيش المصري تدريبات كبيرة من دون أن تنفجر الحرب، وحاول كثيرا أن يساوي ما بين حجم التشكيلات المصرية ومركباتها لكي يظهر انه في هذه المرة أيضا لم يكن ما هو استثنائي بالمقارنة مع المرات السابقة (صفحة 673 فصاعدا). حول هذا الادعاء يجب أن نقول:
(أ) من شهادة الجنرال زعيرا نفسه (في نهاية صفحة 676)، تتضح علامة دالة واحدة كانت غائبة. فقد حرك [الجيش المصري] وحدات الجسر [الكباري]، وهذه الخطوة لم تكن في المرات السابقة، ولا حتى في أيام التوتر في نهاية سنة 1972 أو على الأقل لم تكتشف.
(ب) حتى لو رأينا «التدريبات» هذه المرة شبيهة للتدريبات في المرات الثلاث السابقة، فإن ذلك لا يشكل أي دليل حول مضمون التدريب الرابع، خصوصا إذا تذكرنا بأن كل تدريب كهذا يمكن أن يتحول الى هجوم. بكلمات أخرى: إذا لم يكن التدريب علامة تنفي النوايا الهجومية، فإن تكرار التدريب مرة ومرتين وثلاثا، لا يعزز بشيء الفرضية بأنه في المرة الرابعة لا ينوي العدو أن يهاجم. لا بل كان على شعبة الاستخبارات العسكرية ان تأخذ بالاعتبار أنه أيضا في المرات السابقة كانت التدريبات مجرد غطاء لنوايا هجوم حقيقية ولكنها لم تتحقق لسبب ما، أو أن تأخذ بالاعتبار ان التدريبات على عبور القناة في اطار هجوم شامل، جاءت [على أساس] انه مع كل تدريب أضافي تصبح قوات العدو أكثر استعدادا للهجوم في عملية [حربية] حقيقية.
علامات لا تلائم الادعاء حول «التدريب» 73. ليس هذا وحسب، بل انه في هذه المرة اكتشفت الكثير من العلامات التحذيرية، بالأساس من الرصد الميداني وأيضا من مصادر أخرى، لم تلائم أبدا الادعاء بأن [النشاطات العسكرية العربية] اقتصرت على التدريب، وذلك حتى قبل الصور التي التقطت في 4 أكتوبر [تشرين الأول]. ففي 2 أكتوبر تم رصد حركة غير عادية في منطقة القناة لسيارات حربية مصفحة وأجهزة عبور. وخلال الأسبوع كله، نفذت أعمال كثيرة لتحسين طرق النزول الى الماء، بما في ذلك فتح الجدران الرملية التي استهدفت إغلاق الطرق أمام النزول الى الماء وإعادة إغلاقها من جديد، في المنطقة الجنوبية (شهادة المقدم غداليا، صفحة 2265). ورصدت زيارات مكثفة للضباط في المواقع المحاذية للقناة بواسطة سيارات حربية وتم تعزيز التسلح. الدبابات كانت على أهبة الاستعداد للصعود الى المنصات. شوهدت تفجيرات في مياه القناة، ربما لإزالة الألغام (نشرة الاستخبارات رقم 423/73 من يوم 5 أكتوبر في وثيقة البينات رقم 111 البند 25، وكذلك التفاصيل الواردة في تقارير المخابرات في اللواء الجنوبي، وثيقة البينات رقم 80، والتفاصيل في البند 237 لاحقا، وتقرير المخابرات في الكتيبة 252 المقدمة الى مخابرات اللواء – وثيقة البينات رقم 190 وتقارير المخابرات اليومية في الكتيبة، وكلها من جمع الجنرال في الاحتياط، موشيه غورن. كذلك تمعن في الوثائق التي اشار اليها الملازم أول سيمن طوف، في مسودة وثيقة البينات رقم 318 والتي قدمها الى المقدم غداليا في يوم 3 أكتوبر، البند 268 لاحقا).
في التلخيص الأسبوعي الذي أجرته شعبة الاستخبارات العسكرية ويحمل الرقم 40/73 وقد تم الانتهاء من إعداده في 4 أكتوبر، جاء في الصفحة 17 منه ان هناك «عددا من الخطوات التي اتخذت في اطار هذه التدريبات تبدو في تقديرنا شاذة»، بينها التفتيشات الخاصة [في الحواجز التي أقيمت على الطرقات] وتحركات القوات في المطارات المصرية. وعندما استخدمت دائرة البحوث في شعبة الاستخبارات العسكرية هذا التعبير «خطوات شاذة»، بدا وكأنها تحرر نفسها من الواجب في اعطاء هذه الخطوات كامل الأهمية بصفتها ذات معان تحذيرية.
قيادة سلاح البحرية كانت قلقة من التحركات غير العادية في الأسطول المصري. في 28 سبتمبر [أيلول] وصل خبر يتحدث عن إبحار بارجتين من سفاجة في البحر الأحمر الى بورسودان، خلال استدعاء الطواقم العودة الى البارجتين (شهادة العقيد لونتس، رئيس دائرة الاستخبارات في سلاح البحرية، صفحة 1318 و1329، وثيقة البينات رقم 141 ونشرة شعبة الاستخبارات العسكرية من يوم 1 أكتوبر، صفحة 3). لقد أثر هذا الخبر على العقيد لونتس لدرجة انه قال لقائد سلاح البحرية ان لديه شعورا بأن سلاح البحرية المصري قد ينتقل الى الحرب. لكنه لم يقترح اعطاء انذار للسفن المدنية (شهادته في صفحة 1331 - 1332). ونتيجة لذلك، تم في يوم 3 أكتوبر، رفع مستوى الاستعداد في سلاح البحرية الاسرائيلي. لقد أجرى المصريون استعدادات لتجنيد 20 قارب صيد مدني، والباخرتان الحربيتان المصريتان الراسيتان في ميناء عدن وضعتا في حالة استعداد للإبحار في غضون 6 ساعات. وأشارت شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الاسرائيلي في نشرتها من يوم 1 أكتوبر (البند 12) الى ان «هذه هي المرة الأولى منذ وقف اطلاق النار، التي يجري فيها الجيش المصري تدريبات شاملة في جبهتين في آن واحد»، لكن ـ تواصل تقديراتها ـ «يبدو ان هذه التدريبات تندمج مع التدريبات التي تتم بمشاركة الأذرع العسكرية المختلفة وربما سيتم فيه التدرب على كيفية انخراط سلاح البحرية في تشيلات الطوارئ، بما فيه الاستعداد لإخراج السفن الى البحر». وفي يوم 4 أكتوبر هدأ قائد سلاح الجو من روعه على اثر الأنباء المطمئنة التي تلقاها من شعبة الاستخبارات العسكرية وأعاد سلاح البحرية الى حالة الاستعداد العادية (شهادة الجنرال تيلم، صفحة 2016 فصاعدا).
نوعية التدريبات 74. يجب أن نذكر عنصرا اضافيا كان من المفروض أن يثير الشكوك في صحة الادعاء بأنها كانت مجرد «تدريبات». فقد بدأت الأخبار تتوارد حول التدريبات في 25 سبتمبر (ملحق لرسالة العميد شيلو، في وثيقة البينات رقم 170 أ، ملف 4). فعلى ما يبدو أن هذه الأخبار لم تعط صورة واضحة، لأن شعبة الاستخبارات العسكرية لم تستخدم معنى واحدا ومثابرا لماهية التدريبات. في يوم 29 سبتمبر، أعربت شعبة الاستخبارات عن تقديرها بأن الحديث يجري عن «استعدادات لتدريب على استدعاء الاحتياط للجنود السابقين الذين تم تسريحهم في الأول من يوليو [تموز] 1973. ويشمل التدريب الامتثال في الوحدات والإنعاش، وكان من المفروض ان ينتهي قبيل منتصف شهر أكتوبر 1973" (نشرة 410 في وثيقة البينات رقم 111). ولكن في 30 سبتمبر كانت تقديراتها تقول انه كان من المفروض أن تتم في 1 وحتى 8 أكتوبر "تدريبات واسعة النطاق للقيادة العامة في موضوع احتلال سيناء"، وانه ليس من المستبعد ان يجري في اطار هذه التدريبات، ضم الألوية والوحدات مع تجنيد الاحتياط (نشرة 257/73، المصدر نفسه، وفي نفس اليوم في نشرة 413/73): «رغم وجود تأهب في حالة قصوى في الجيش المصري، فإن الأمر على حد علمنا لا يتعلق بمبادرة حربية بل بمخاوف من مبادرة اسرائيلية وتدريبات شاملة للقيادة العامة في الجيش المصري».
في مشاورات عسكرية ـ سياسية لدى رئيسة الوزراء [غولدا مئير] في يوم 3 أكتوبر، قال العميد شيلو ان التدريبات بدأت في الأول من أكتوبر ويتوقع انتهاؤه في 7 أكتوبر، وانه «في اطار هذه التدريبات تمت كما يبدو، مرحلة تنفيذ الاستعدادات فقط، والتي شملت الدفع بقوات من الجبهة الداخلية الى جبهة المواجهة، والسيطرة على المواقع الإدارية». في تقديرنا يتوقع المزيد من المراحل، مثلا تدريب تكتيكي من دون قوات وربما تدريبات مع قوات».
وفي صبيحة يوم 5 أكتوبر قدم الجنرال زعيرا تقريرا الى وزير الدفاع قال فيه:
«أنا حائر أيضا في موضوع التدريبات. فهناك تدريبات من دون قوات وهناك تدريبات بالهواتف وهناك تدريبات للقيادة العامة. وتوجد تدريبات مع جميع القوات. حتى الآن، لا توجد لدي مؤشرات أية تدريبات هي هذه. ربما هي تدريبات للقيادة العامة، بحيث تكون جميع الوحدات على شبكة الاتصالات اللاسلكية» (وثيقة البينات رقم 242 صفحة 5).
ويفسر العميد شيلو في شهادته (صفحة 2195):
«حسبنا ان هذه التدريبات ستكون مثل التدريبات السابقة، بحيث تشمل ثلاثة أجزاء، الأول يكون في الاستعدادات.. ويشمل أيضا تحريك القوات والثاني تدريب على الشبكة وهو الذي رأينا امكانية لأن يدار بطريقة تمكننا من المعرفة حوله، وربما [شبكة اتصال] سلكية، وقسم ثالث مع القوات...».
وفي صفحة 7/ 2196 يقول انه حتى يوم 4 أكتوبر لم تكن شعبة الاستخبارات العسكرية قد شعرت بالمرحلة الثانية من التدريبات:
«نحن في حالة تفكير، احترنا وتلبكنا في هذه القضية على ما أذكر ورأينا من المحتمل أن تكون التدريبات تدار بالطريقة التي نراها أو بطريقة أخرى غير معروفة لنا. هذا يعني ان مضمونها ليس بأيدينا».
ويقول الجنرال زعيرا في شهادته أمام وزير الدفاع [موشيه ديان] في 5 أكتوبر (صفحة 5394):
«كان لدينا شك في أمرين، الأول صغير استطعت أن أجد عليه جوابا (يتعلق في نوعية التدريبات)، والثاني كبير جدا ويتعلق في موضوع الروس (الذي سنتحدث عنه لاحقا). في الموضوع الأول الصغير كان كل الخبراء يقولون لي: لماذا تتأثر، فاليوم هو الخامس من أكتوبر، والأخبار التي وصلت الينا هي من الرابع من أكتوبر، وما زال أمامنا الخامس والسادس والسابع من الشهر. في الأيام الثلاثة الأخيرة سيتم التدرب مع القوات».
ويتضح في النهاية (أ) بأن التحركات الكبيرة للقوات في الميدان بدأت في 23 من سبتمبر، بينما الخبر الأول عن التدريبات «تحرير 41» وصل في 29 منه. هذه التحركات لم تلائم الصورة التي نقلتها شعبة الاستخبارات العسكرية: «تدريبات للقيادة العامة». (ب) حتى يوم 4 أكتوبر لم تعرف شعبة الاستخبارات العسكرية كيف تحدد ماهية المرحلة الثانية من التدريبات (تدريبات على شبكة الاتصالات) و(ج) حتى الخامس من أكتوبر لم نسمع شيئا عن بداية المرحلة الثالثة بمشاركة القوات. ومقابل ذلك، اكتشفت الصور الملتقطة من الجو في 4 أكتوبر تحركات كثيفة للقوات في الميدان، مثل تقدم الكثير من المدافع ـ وهو الأمر الذي لم يلائم ايضا تقديرات شعبة الاستخبارات العسكرية ـ وكذلك أجهزة العبور. هذا العجز في تقدير نوعية التدريبات يثير الاستغراب والشكوك في قلوب رجال الاستخبارات العسكرية. حيث أن كل شيء لديهم كان مبنيا على الفرضية أنه «مجرد تدريبات في مصر». لكن هذه الشكوك (التلبك حسب أقوال الجنرال زعيرا) كان يجب أن تؤدي الى اعادة فحص فرضية التدريبات من أساسها، حتى قبل أن وصول الأخبار عن خروج [الخبراء ] الروس في 5 أكتوبر. لكن حتى ذلك الوقت، لم تتزعزع ثقة شعبة الاستخبارات العسكرية في فرضية التدريبات.
الفصل الرابع
* المعلومات في يومي 5 و6 أكتوبر والتقديرات بشأنها في شعبة الاستخبارات العسكرية 75. ننتقل الآن الى المعلومات التي وصلت الى شعبة الاستخبارات العسكرية في اليومين الأخيرين [قبيل الحرب]، 5 ـ 6 أكتوبر، والى تقديرات شعبة الاستخبارات العسكرية بشأنها.
خروج عائلات [الخبراء] الروس
* علينا أولا أن نبحث في الأنباء حول خروج عائلات الخبراء الروس من سورية ومن مصر، الأنباء التي زعزعت ثقة شعبة الاستخبارات العسكرية بأقوالها ان الحديث جار عن تشكيلات دفاعية في سورية وعن مجرد تدريبات في مصر. الخبر الأول حول ذلك وصل في 4 أكتوبر قبيل المساء (وثيقة البينات رقم 146، و17، 18، 22، 29، 30). في منتصف الليل وفجر 5 أكتوبر، تم تحديد الأنباء على أنها موثوقة (شهادة العميد بن فورات في صفحة 1621). وقد دلت الأنباء على إعطاء الأوامر لإجلاء العائلات بشكل مهرول من سورية. فقد وصلت 5 طائرات «ايرفلوت» السوفياتية الى سورية لكي تحمل عائلات الخبراء الى بيوتها. وبالمقابل وصلت الى القاهرة 6 طائرات، مما يشير الى ان اخلاء العائلات يتم ايضا من مصر (وثيقة البينات رقم 111، نشرة الاستخبارات من يوم 5 أكتوبر ـ عاجل جدا، الساعة 2:40، نشرة 423/73 من ظهيرة يوم 5 أكتوبر الساعة 13:15، البنود 13 – 17، 35، 36، 42، 43، أقوال الجنرال زعيرا في رئاسة هيئة أركان الجيش في ظهر يوم 5 أكتوبر، صفحة 2).
هذه الأخبار أشعلت الضوء الأحمر أمام شعبة الاستخبارات العسكرية حسب أقوال الجنرال زعيرا. وبالفعل، في النشرة المذكورة أعلاه في يوم 5 أكتوبر الساعة 2:40، نقرأ عن احتمالين أساسيين:
«أ. قرار سوري بإخراج المستشارين والخبراء السوفييت كما فعلت مصر.
ب. إخلاء متعجل للنساء والأولاد من سورية إزاء التقدير/الأنباء الواردة من الاتحاد السوفياتي والتي تقول إن من المتوقع أن تنشب الحرب بين سورية وربما مصر أيضا وبين إسرائيل. هذا الاحتمال يتلقى تعزيزا من الخبر (الذي لم يتأكد بعد بشكل نهائي) عن سرب من 5 طائرات «إيرفلوت» الى مصر مقابل الطائرات التي ذهبت الى سورية».
الوثائق الإسرائيلية (الحلقة الحادية والعشرون) ـ البحرية الإسرائيلية استشعرت الخطر لكن الاستخبارات هدأت من روعها
إبحار بارجتين مصريتين إلى بورتسودان واستعدادات أخريين في عدن أعطت انطباعا بإمكانية الحرب
تل أبيب: نظير مجلي
نواصل في هذه الحلقة من تقرير «لجنة أغرنات» للتحقيق في إخفاقات اسرائيل في حرب أكتوبر 1973، نشر الفصول التي تتركز على الأفكار المستهترة في قيادة الجيش الاسرائيلي بالقدرات العربية، وخصوصا لدى شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش.
وبعد أن كانت لجنة التحقيق قد أشادت بالقدرات المصرية ـ السورية على خداع وتضليل اسرائيل بمعلومات مدسوسة بشكل مقصود وأوقعتها في الفخ عدة مرات وعلى مدى فترة طويلة، تحاول اللجنة في هذه الحلقة الادعاء بأن النجاحات العربية في تضليل اسرائيل، كانت عن شطارة، ولكن ليس عن عبقرية. فالأحداث تطورت بطريقة كان يجب على الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية ان ترصدها وتكتشف معالمها. ولكن اهمالها واستهتارها حتى بالمعلومات المؤكدة التي وصلت اليها، جعلاها تضيع البوصلة وتستنتج ان السوريين كانوا في حالة طوارئ دفاعية فقط والمصريين كانوا في تدريبات عسكرية شاملة، لكنهم لن يحاربوا اسرائيل لأنهم يخافون من الهزيمة والفشل.
71. على أية حال، كانت مطلوبة يقظة خاصة لدى شعبة الاستخبارات العسكرية في فترة التدريبات الشاملة [في مصر]، لأن شعبة الاستخبارات العسكرية عرفت جيدا ان من هذه التدريبات التي جرت تحت عنوان عبور القناة، كان في مقدور العدو أن ينتقل الى هجوم فعلي وأن التدريبات يمكن أن تتحول دائما الى غطاء للنوايا الهجومية.
وسنرى لاحقا (البند 106)، انه في سنة 1972 أعربت شعبة الاستخبارات العسكرية عن تقديرها بأن خطرا كهذا غير قائم، وأضافت في مجال الحديث عن قدراتها في اعطاء التقديرات انها «في كل حالة سيكون واضحا لنا ما هي العملية العينية [التي يريد المصريون أو السوريون تنفيذها]، وفي الأساس في حالة تنفيذ العملية على خلفية توتر عام.. أو على خلفية تدريبات شاملة في الجيش المصري تشمل تحركات لقوات على نطاق واسع». لقد كانت قناعة شامل سائدة في صفوف ضباط شعبة الاستخبارات العسكرية بأنه عندما يقيم العدو تدريبات على نطاق واسع فإن ذلك يشكل علامة واضحة على وضع قد يتطور الى حرب. الجنرال الذي قاد شعبة الاستخبارات العسكرية قبل الجنرال زعيرا، أهرون يريف، عمم في ديسمبر [كانون الأول] سنة 1971 أمرا على ضباط الشعبة، جاء فيه انه من ناحية استخبارية يجب النظر الى كل تدريبات على نطاق واسع على انها أمر يحتوي في طياته على احتمالات الحرب، مما يوجب تعزيز شبكة الردع (شهادة يريف، البروتوكول، صفحة 3258). وفي الاستخبارات التابعة للواء الجنوبي تم في 18 أبريل [نيسان] 1972 اعداد مسودة لوثيقة (موجودة في ملف ـ«وثيقة العلامة الجيدة» الذي جمعه العقيد في الاحتياط، نابو)، تم فيها تحديد العلامات الدالة [على خطر الحرب]. وفي البند الثاني منها ذكرت عدة علامات دالة، منها: «العمليات الهجومية التي تتم وسط غطاء تدريبات تكون [في حالة]: 1. ابقاء العملية سرية حتى تنفيذها (التغطية عليها بالتدريبات). 2. استغلال الحشودات وتنظيم القوات» (شهادة المقدم غداليا، البروتوكول، صفحة 6028 فصاعدا، تفاصيل أخرى عن هذه الوثيقة أنظر في الجزء الثالث من الفصل السادس). كذلك، من رد الاستخبارات العسكرية في الجيش الاسرائيلي على استفسارات عناصر المخابرات الأجنبية، لاحظنا ان شعبة الاستخبارات مدركة الخطر في تدريبات تحمل في طياتها خطر الهجوم (أنظر البند 59، آنفا: «المصريون يقيمون الآن تدريبات على نطاق واسع تشمل القوات البرية والجوية والبحرية، وهذه تستطيع بالطبع أن تشكل غطاء للنوايا الهجومية»).
كان محظورا على شعبة الاستخبارات العسكرية أن تتراخى في شكوكها المطلوبة ازاء كل تدريب كبير، مهما زادت أعداد الأخبار القائلة انه [مجرد] تدريب (وبالفعل كانت هناك أعداد كبيرة من الأخبار)، إلا انه كان من واجبها ان تزن بحذر شديد ما إذا كانت هذه الأخبار متقاطعة مع عملية خداع محسوبة.
إن الفرق بين المظهر العرضي للمناورة، التي كانت في مضمونها «التدرب على عبور السويس»، وبين «المناورة» التي كانت في مضمونها استكمال حقيقي للاستعدادات للعبور حتى ما قبل موعده الدقيق يوم/ساعة، هو في «العلامات الدالة» التي ترافق الاستعدادات الحقيقية. وهذه «العلامات الدالة» بالذات هي التي اعتبرتها شعبة الاستخبارات العسكرية "استثناءات" وليس "علامات دالة" (أنظر البند 73 لاحقا)، والسبب في ذلك يعود لأنها رأت فيها استثناء للفرضية [القائلة] بأنه بسبب توازن القوى في الجو [لصالح اسرائيل]، فإن مصر لن تخرج الى الحرب. لهذا السبب وليس بسبب «العبقرية» المصرية بلعت شعبة الاستخبارات العسكرية «الطعم» بأن الحديث جار عن تدريب.
لو تعاملت قيادة شعبة الاستخبارات العسكرية في قيادة هيئة الأركان بانفتاح تجاه «العلامات الدالة»، لكانت استطاعت أن تحدد تفكير وأحاسيس رجال الاستخبارات وتجبرهم بذلك على اعطاء جواب موزون ومسنود للسؤال: ما هي نوايا مصر أن تفعل، حينما تكون قواتها – سوية مع قوات الجيش السوري – في حالة تأهب بكامل قوتها وفي حالة استعداد تامة واتجاه معركتهم اسرائيل.
لهذا، فإننا نعتقد بأن دائرة البحوث في شعبة الاستخبارات العسكرية لا تستطيع تبرير فشلها بالتذرع في نجاح العدو في عمليات الخداع، إذ انه وعلى الرغم من الجهود [للعمل] بسرية وإخفاء نوايا العدو، فقد كان لدى شعبة الاستخبارات العسكرية، في حينه، الكثير من المعلومات التي تلزمها بالخروج باستنتاجات تفيد بأن العدو ينوي الهجوم. ففي نهاية المطاف، هذا هو الهدف الأول لكل جهاز مخابرات، أن يخترق شاشة الخداع التي يفردها العدو. وفي هذه الحالة، كانت الشاشة شفافة للغاية.
تدريبات سابقة 72. لقد أكد الجنرال زعيرا [رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الاسرائيلي] أمامنا الحقيقة بأنه في ثلاث مرات في الماضي نفذ الجيش المصري تدريبات كبيرة من دون أن تنفجر الحرب، وحاول كثيرا أن يساوي ما بين حجم التشكيلات المصرية ومركباتها لكي يظهر انه في هذه المرة أيضا لم يكن ما هو استثنائي بالمقارنة مع المرات السابقة (صفحة 673 فصاعدا). حول هذا الادعاء يجب أن نقول:
(أ) من شهادة الجنرال زعيرا نفسه (في نهاية صفحة 676)، تتضح علامة دالة واحدة كانت غائبة. فقد حرك [الجيش المصري] وحدات الجسر [الكباري]، وهذه الخطوة لم تكن في المرات السابقة، ولا حتى في أيام التوتر في نهاية سنة 1972 أو على الأقل لم تكتشف.
(ب) حتى لو رأينا «التدريبات» هذه المرة شبيهة للتدريبات في المرات الثلاث السابقة، فإن ذلك لا يشكل أي دليل حول مضمون التدريب الرابع، خصوصا إذا تذكرنا بأن كل تدريب كهذا يمكن أن يتحول الى هجوم. بكلمات أخرى: إذا لم يكن التدريب علامة تنفي النوايا الهجومية، فإن تكرار التدريب مرة ومرتين وثلاثا، لا يعزز بشيء الفرضية بأنه في المرة الرابعة لا ينوي العدو أن يهاجم. لا بل كان على شعبة الاستخبارات العسكرية ان تأخذ بالاعتبار أنه أيضا في المرات السابقة كانت التدريبات مجرد غطاء لنوايا هجوم حقيقية ولكنها لم تتحقق لسبب ما، أو أن تأخذ بالاعتبار ان التدريبات على عبور القناة في اطار هجوم شامل، جاءت [على أساس] انه مع كل تدريب أضافي تصبح قوات العدو أكثر استعدادا للهجوم في عملية [حربية] حقيقية.
علامات لا تلائم الادعاء حول «التدريب» 73. ليس هذا وحسب، بل انه في هذه المرة اكتشفت الكثير من العلامات التحذيرية، بالأساس من الرصد الميداني وأيضا من مصادر أخرى، لم تلائم أبدا الادعاء بأن [النشاطات العسكرية العربية] اقتصرت على التدريب، وذلك حتى قبل الصور التي التقطت في 4 أكتوبر [تشرين الأول]. ففي 2 أكتوبر تم رصد حركة غير عادية في منطقة القناة لسيارات حربية مصفحة وأجهزة عبور. وخلال الأسبوع كله، نفذت أعمال كثيرة لتحسين طرق النزول الى الماء، بما في ذلك فتح الجدران الرملية التي استهدفت إغلاق الطرق أمام النزول الى الماء وإعادة إغلاقها من جديد، في المنطقة الجنوبية (شهادة المقدم غداليا، صفحة 2265). ورصدت زيارات مكثفة للضباط في المواقع المحاذية للقناة بواسطة سيارات حربية وتم تعزيز التسلح. الدبابات كانت على أهبة الاستعداد للصعود الى المنصات. شوهدت تفجيرات في مياه القناة، ربما لإزالة الألغام (نشرة الاستخبارات رقم 423/73 من يوم 5 أكتوبر في وثيقة البينات رقم 111 البند 25، وكذلك التفاصيل الواردة في تقارير المخابرات في اللواء الجنوبي، وثيقة البينات رقم 80، والتفاصيل في البند 237 لاحقا، وتقرير المخابرات في الكتيبة 252 المقدمة الى مخابرات اللواء – وثيقة البينات رقم 190 وتقارير المخابرات اليومية في الكتيبة، وكلها من جمع الجنرال في الاحتياط، موشيه غورن. كذلك تمعن في الوثائق التي اشار اليها الملازم أول سيمن طوف، في مسودة وثيقة البينات رقم 318 والتي قدمها الى المقدم غداليا في يوم 3 أكتوبر، البند 268 لاحقا).
في التلخيص الأسبوعي الذي أجرته شعبة الاستخبارات العسكرية ويحمل الرقم 40/73 وقد تم الانتهاء من إعداده في 4 أكتوبر، جاء في الصفحة 17 منه ان هناك «عددا من الخطوات التي اتخذت في اطار هذه التدريبات تبدو في تقديرنا شاذة»، بينها التفتيشات الخاصة [في الحواجز التي أقيمت على الطرقات] وتحركات القوات في المطارات المصرية. وعندما استخدمت دائرة البحوث في شعبة الاستخبارات العسكرية هذا التعبير «خطوات شاذة»، بدا وكأنها تحرر نفسها من الواجب في اعطاء هذه الخطوات كامل الأهمية بصفتها ذات معان تحذيرية.
قيادة سلاح البحرية كانت قلقة من التحركات غير العادية في الأسطول المصري. في 28 سبتمبر [أيلول] وصل خبر يتحدث عن إبحار بارجتين من سفاجة في البحر الأحمر الى بورسودان، خلال استدعاء الطواقم العودة الى البارجتين (شهادة العقيد لونتس، رئيس دائرة الاستخبارات في سلاح البحرية، صفحة 1318 و1329، وثيقة البينات رقم 141 ونشرة شعبة الاستخبارات العسكرية من يوم 1 أكتوبر، صفحة 3). لقد أثر هذا الخبر على العقيد لونتس لدرجة انه قال لقائد سلاح البحرية ان لديه شعورا بأن سلاح البحرية المصري قد ينتقل الى الحرب. لكنه لم يقترح اعطاء انذار للسفن المدنية (شهادته في صفحة 1331 - 1332). ونتيجة لذلك، تم في يوم 3 أكتوبر، رفع مستوى الاستعداد في سلاح البحرية الاسرائيلي. لقد أجرى المصريون استعدادات لتجنيد 20 قارب صيد مدني، والباخرتان الحربيتان المصريتان الراسيتان في ميناء عدن وضعتا في حالة استعداد للإبحار في غضون 6 ساعات. وأشارت شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الاسرائيلي في نشرتها من يوم 1 أكتوبر (البند 12) الى ان «هذه هي المرة الأولى منذ وقف اطلاق النار، التي يجري فيها الجيش المصري تدريبات شاملة في جبهتين في آن واحد»، لكن ـ تواصل تقديراتها ـ «يبدو ان هذه التدريبات تندمج مع التدريبات التي تتم بمشاركة الأذرع العسكرية المختلفة وربما سيتم فيه التدرب على كيفية انخراط سلاح البحرية في تشيلات الطوارئ، بما فيه الاستعداد لإخراج السفن الى البحر». وفي يوم 4 أكتوبر هدأ قائد سلاح الجو من روعه على اثر الأنباء المطمئنة التي تلقاها من شعبة الاستخبارات العسكرية وأعاد سلاح البحرية الى حالة الاستعداد العادية (شهادة الجنرال تيلم، صفحة 2016 فصاعدا).
نوعية التدريبات 74. يجب أن نذكر عنصرا اضافيا كان من المفروض أن يثير الشكوك في صحة الادعاء بأنها كانت مجرد «تدريبات». فقد بدأت الأخبار تتوارد حول التدريبات في 25 سبتمبر (ملحق لرسالة العميد شيلو، في وثيقة البينات رقم 170 أ، ملف 4). فعلى ما يبدو أن هذه الأخبار لم تعط صورة واضحة، لأن شعبة الاستخبارات العسكرية لم تستخدم معنى واحدا ومثابرا لماهية التدريبات. في يوم 29 سبتمبر، أعربت شعبة الاستخبارات عن تقديرها بأن الحديث يجري عن «استعدادات لتدريب على استدعاء الاحتياط للجنود السابقين الذين تم تسريحهم في الأول من يوليو [تموز] 1973. ويشمل التدريب الامتثال في الوحدات والإنعاش، وكان من المفروض ان ينتهي قبيل منتصف شهر أكتوبر 1973" (نشرة 410 في وثيقة البينات رقم 111). ولكن في 30 سبتمبر كانت تقديراتها تقول انه كان من المفروض أن تتم في 1 وحتى 8 أكتوبر "تدريبات واسعة النطاق للقيادة العامة في موضوع احتلال سيناء"، وانه ليس من المستبعد ان يجري في اطار هذه التدريبات، ضم الألوية والوحدات مع تجنيد الاحتياط (نشرة 257/73، المصدر نفسه، وفي نفس اليوم في نشرة 413/73): «رغم وجود تأهب في حالة قصوى في الجيش المصري، فإن الأمر على حد علمنا لا يتعلق بمبادرة حربية بل بمخاوف من مبادرة اسرائيلية وتدريبات شاملة للقيادة العامة في الجيش المصري».
في مشاورات عسكرية ـ سياسية لدى رئيسة الوزراء [غولدا مئير] في يوم 3 أكتوبر، قال العميد شيلو ان التدريبات بدأت في الأول من أكتوبر ويتوقع انتهاؤه في 7 أكتوبر، وانه «في اطار هذه التدريبات تمت كما يبدو، مرحلة تنفيذ الاستعدادات فقط، والتي شملت الدفع بقوات من الجبهة الداخلية الى جبهة المواجهة، والسيطرة على المواقع الإدارية». في تقديرنا يتوقع المزيد من المراحل، مثلا تدريب تكتيكي من دون قوات وربما تدريبات مع قوات».
وفي صبيحة يوم 5 أكتوبر قدم الجنرال زعيرا تقريرا الى وزير الدفاع قال فيه:
«أنا حائر أيضا في موضوع التدريبات. فهناك تدريبات من دون قوات وهناك تدريبات بالهواتف وهناك تدريبات للقيادة العامة. وتوجد تدريبات مع جميع القوات. حتى الآن، لا توجد لدي مؤشرات أية تدريبات هي هذه. ربما هي تدريبات للقيادة العامة، بحيث تكون جميع الوحدات على شبكة الاتصالات اللاسلكية» (وثيقة البينات رقم 242 صفحة 5).
ويفسر العميد شيلو في شهادته (صفحة 2195):
«حسبنا ان هذه التدريبات ستكون مثل التدريبات السابقة، بحيث تشمل ثلاثة أجزاء، الأول يكون في الاستعدادات.. ويشمل أيضا تحريك القوات والثاني تدريب على الشبكة وهو الذي رأينا امكانية لأن يدار بطريقة تمكننا من المعرفة حوله، وربما [شبكة اتصال] سلكية، وقسم ثالث مع القوات...».
وفي صفحة 7/ 2196 يقول انه حتى يوم 4 أكتوبر لم تكن شعبة الاستخبارات العسكرية قد شعرت بالمرحلة الثانية من التدريبات:
«نحن في حالة تفكير، احترنا وتلبكنا في هذه القضية على ما أذكر ورأينا من المحتمل أن تكون التدريبات تدار بالطريقة التي نراها أو بطريقة أخرى غير معروفة لنا. هذا يعني ان مضمونها ليس بأيدينا».
ويقول الجنرال زعيرا في شهادته أمام وزير الدفاع [موشيه ديان] في 5 أكتوبر (صفحة 5394):
«كان لدينا شك في أمرين، الأول صغير استطعت أن أجد عليه جوابا (يتعلق في نوعية التدريبات)، والثاني كبير جدا ويتعلق في موضوع الروس (الذي سنتحدث عنه لاحقا). في الموضوع الأول الصغير كان كل الخبراء يقولون لي: لماذا تتأثر، فاليوم هو الخامس من أكتوبر، والأخبار التي وصلت الينا هي من الرابع من أكتوبر، وما زال أمامنا الخامس والسادس والسابع من الشهر. في الأيام الثلاثة الأخيرة سيتم التدرب مع القوات».
ويتضح في النهاية (أ) بأن التحركات الكبيرة للقوات في الميدان بدأت في 23 من سبتمبر، بينما الخبر الأول عن التدريبات «تحرير 41» وصل في 29 منه. هذه التحركات لم تلائم الصورة التي نقلتها شعبة الاستخبارات العسكرية: «تدريبات للقيادة العامة». (ب) حتى يوم 4 أكتوبر لم تعرف شعبة الاستخبارات العسكرية كيف تحدد ماهية المرحلة الثانية من التدريبات (تدريبات على شبكة الاتصالات) و(ج) حتى الخامس من أكتوبر لم نسمع شيئا عن بداية المرحلة الثالثة بمشاركة القوات. ومقابل ذلك، اكتشفت الصور الملتقطة من الجو في 4 أكتوبر تحركات كثيفة للقوات في الميدان، مثل تقدم الكثير من المدافع ـ وهو الأمر الذي لم يلائم ايضا تقديرات شعبة الاستخبارات العسكرية ـ وكذلك أجهزة العبور. هذا العجز في تقدير نوعية التدريبات يثير الاستغراب والشكوك في قلوب رجال الاستخبارات العسكرية. حيث أن كل شيء لديهم كان مبنيا على الفرضية أنه «مجرد تدريبات في مصر». لكن هذه الشكوك (التلبك حسب أقوال الجنرال زعيرا) كان يجب أن تؤدي الى اعادة فحص فرضية التدريبات من أساسها، حتى قبل أن وصول الأخبار عن خروج [الخبراء ] الروس في 5 أكتوبر. لكن حتى ذلك الوقت، لم تتزعزع ثقة شعبة الاستخبارات العسكرية في فرضية التدريبات.
الفصل الرابع
* المعلومات في يومي 5 و6 أكتوبر والتقديرات بشأنها في شعبة الاستخبارات العسكرية 75. ننتقل الآن الى المعلومات التي وصلت الى شعبة الاستخبارات العسكرية في اليومين الأخيرين [قبيل الحرب]، 5 ـ 6 أكتوبر، والى تقديرات شعبة الاستخبارات العسكرية بشأنها.
خروج عائلات [الخبراء] الروس
* علينا أولا أن نبحث في الأنباء حول خروج عائلات الخبراء الروس من سورية ومن مصر، الأنباء التي زعزعت ثقة شعبة الاستخبارات العسكرية بأقوالها ان الحديث جار عن تشكيلات دفاعية في سورية وعن مجرد تدريبات في مصر. الخبر الأول حول ذلك وصل في 4 أكتوبر قبيل المساء (وثيقة البينات رقم 146، و17، 18، 22، 29، 30). في منتصف الليل وفجر 5 أكتوبر، تم تحديد الأنباء على أنها موثوقة (شهادة العميد بن فورات في صفحة 1621). وقد دلت الأنباء على إعطاء الأوامر لإجلاء العائلات بشكل مهرول من سورية. فقد وصلت 5 طائرات «ايرفلوت» السوفياتية الى سورية لكي تحمل عائلات الخبراء الى بيوتها. وبالمقابل وصلت الى القاهرة 6 طائرات، مما يشير الى ان اخلاء العائلات يتم ايضا من مصر (وثيقة البينات رقم 111، نشرة الاستخبارات من يوم 5 أكتوبر ـ عاجل جدا، الساعة 2:40، نشرة 423/73 من ظهيرة يوم 5 أكتوبر الساعة 13:15، البنود 13 – 17، 35، 36، 42، 43، أقوال الجنرال زعيرا في رئاسة هيئة أركان الجيش في ظهر يوم 5 أكتوبر، صفحة 2).
هذه الأخبار أشعلت الضوء الأحمر أمام شعبة الاستخبارات العسكرية حسب أقوال الجنرال زعيرا. وبالفعل، في النشرة المذكورة أعلاه في يوم 5 أكتوبر الساعة 2:40، نقرأ عن احتمالين أساسيين:
«أ. قرار سوري بإخراج المستشارين والخبراء السوفييت كما فعلت مصر.
ب. إخلاء متعجل للنساء والأولاد من سورية إزاء التقدير/الأنباء الواردة من الاتحاد السوفياتي والتي تقول إن من المتوقع أن تنشب الحرب بين سورية وربما مصر أيضا وبين إسرائيل. هذا الاحتمال يتلقى تعزيزا من الخبر (الذي لم يتأكد بعد بشكل نهائي) عن سرب من 5 طائرات «إيرفلوت» الى مصر مقابل الطائرات التي ذهبت الى سورية».