الوثائق الإسرائيلية

معمر القذافى

عضو مميز
إنضم
8 أكتوبر 2008
المشاركات
2,471
التفاعل
81 0 0
الوثائق الإسرائيلية (الحلقة الأولى) ـ «الشرق الأوسط» تفتح ملفات الحروب الإسرائيلية إثر إطلاق سراحها بعد تكتم دام 40 عاما
.. ويسأل الضابط الاسرائيلي «مازحا»: ماذا نفعل بعد احتلال القاهرة، في المساء؟!!



تل أبيب : نظير مجلي
حالما قررت الحكومة الإسرائيلية الرضوخ للضغوط الشعبية والقانونية ووافقت قبل عدة شهور على كشف التقرير السري للجنة «أغرنات»، التي حققت في إخفاقات حرب أكتوبر 1973، توقعت «الشرق الأوسط» أن يكون ذلك التقرير وثيقة بالغة الأهمية للقارئ العربي. وعندما راجع مراسلنا نظير مجلي هذه الوثيقة، في مخدعها في الأرشيف الإسرائيلي، وجدناها فضلا عما تضمنته من معلومات لفهم طبيعة تلك الحرب وخباياها من الجهة الاسرائيلية، تكشف جوانب مثيرة من أسلوب الحكم في اسرائيل والتناقضات فيه، وما هو دور قيادة الجيش في الحياة الإسرائيلية السياسية والاقتصادية، والمفاهيم الإسرائيلية عن العرب وكيف يقيمون القدرات العربية وما هو نوع العلاقات بين اسرائيل ومختلف دول العالم والدور الأميركي في هذه الحرب وما تعكسه من علاقات مميزة وحدود هذه العلاقة وتكشف الكثير من الأسرار المثيرة، التي يوجد فيها شركاء عرب أيضا، وفي بعض الأحيان يمكن اعتبارها أسرارا خطيرة. وتنفرد «الشرق الأوسط» ابتداء من اليوم في نشر استعراض للتقرير ومقاطع كاملة لأهم أجزائه ولأول مرة في الصحافة العربية، بعد الحصول على الوثائق الإسرائيلية، ونستهله بحلقتين عن الحرب التي عرفت في اسرائيل والعالم بـ«حرب الأيام الستة» وأسماها العرب «نكسة 1967»، كونها المنعطف الذي قاد الى حرب 1973.
ثلاث مقولات، اثنتان منها قيلتا كنكتتين والثالثة قيلت في لحظة اعتراف غير عادية، تلخص ثلاث مراحل أساسية من التاريخ الاسرائيلي، وتكشف عن جوانب مثيرة في طريقة التفكير في المجتمع الاسرائيلي، هي:

ـ «آخر من يغادر مطار اللد يطفئ نور الكهرباء»، وقد قيلت قبيل حرب 1967 بدافع الخوف من هجوم عربي حربي يؤدي الى هرب الاسرائيليين من إسرائيل ذاتها. وقد راجت هذه المقولة في تلك الفترة بشكل ساخر، بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية والسياسية والأمنية في اسرائيل والشعور بأن اسرائيل باتت في خطر الانهيار، ولم يبق للإسرائيليين سوى أن يشدوا الرحال ويتجهوا نحو مطار اللد مغادرين. والمطلوب فقط أن يفطن آخر من يغادر، أن يطفئ نور الكهرباء. ـ بعد حرب 1967، التي تمكنت فيها اسرائيل خلال ستة أيام من احتلال شبه جزيرة سيناء المصرية وقطاع غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية وهضبة الجولان السورية، سادت أجواء انتصار في الدولة العبرية تحولت نشوته الى عنجهية وغرور بالغين، اثارا انتقادات داخل اسرائيل نفسها. وقد انتشرت آنذاك النكتة التالية تعبيرا عن مدى ذلك الغرور: «ضابطان اسرائيليان مصابان بالملل، قال أحدهما للآخر: أنا أقترح لكسر الملل، ان نحتل القاهرة. فأجاب الآخر: نعم، ولكن هذا لا يكفي لكسر الملل. فماذا سنفعل بعد الظهر؟».

ـ حرب أكتوبر 1973، صدمت الإسرائيليين عدة مرات. أولا لأنها فاجأت الشعب (وليس القيادة، كما سيتضح لاحقا)، الذي كان مطمئنا بأن العرب لن تقوم لهم قائمة بعد هزيمة 1967، وثانيا لأن العرب قاتلوا وحققوا الانجازات العسكرية، وثالثا لأنهم اكتشفوا أن وسائل الاعلام الاسرائيلية كذبت عليهم ولم تقل لهم الحقيقة عن مجريات الحرب ونتائجها الحقيقية. فكما هو معروف، فقد داهمت جيوش مصر وسورية الجيش الاسرائيلي في أراضيهما المحتلة، ودارت المعارك لمدة تزيد على عشرين يوما، وتدخلت الدول العظمى وأجبرت اسرائيل في مرحلة معينة على وقف القتال. حينذاك، وفي لحظة اعتراف نادرة، سمع البعض رئيسة الحكومة الاسرائيلية، غولدا مئير، وهي تقول يصوت خافت: «كم نحن صغار أمام الكبار». بعد أربعين سنة من الاحتلال الاسرائيلي للأراضي العربية الشاسعة، يبدو ان هذه المقولات الثلاث وإنْ امّحت من الخطاب الجماهيري أو القيادي في اسرائيل في السنوات الأخيرة، لكنها لم تمح من الذاكرة. وما زالت تترك أثرها على المجتمع الاسرائيلي. ولكي يفهم أثرها المستقبلي، لا بد من عودة الى الماضي ونبش الوثائق التي سمح بفتحها.

ما قبل حرب 1967

* في الثالث والعشرين من مايو (أيار) 1967، قام رئيس أركان الجيش الاسرائيلي، الجنرال اسحق رابين، بدعوة رئيس الوزراء، ليفي اشكول، الى مقر رئاسة أركان الجيش في تل أبيب ليجتمع بالجنرالات أعضاء رئاسة الأركان وتقويم الموقف العسكري الجديد، الناجم عن قرار الرئيس المصري جمال عبد الناصر اغلاق مضائق تيران في وجه السفن الاسرائيلية التي تستخدمها للدخول من البحر الأحمر الى خليج العقبة (في اسرائيل يسمونه خليج ايلات).

لقد كانت هذه محاولة من رابين للضغط على اشكول حتى يغير موقفه الرافض لاعلان الحرب على مصر. ووجد اشكول نفسه محاطا بعاصفة من الضغوط العسكرية التي لم تخل من محاولات تخويف وتهديد، كما يقول المؤرخ الاسرائيلي، توم سيغف، في كتابه «1967، وقد غرت البلاد وجهها» (دار النشر «كيتر» ـ2005). وتولى عملية الضغط كل من رابين نفسه وقائد هيئة الأركان العامة، عيزر فايتسمان (الذي اصبح وزيرا للدفاع في حكومة مناحم بيغن وساهم بإقناعه في قبول اتفاقيات كامب ديفيد مع الرئيس المصري، انور السادات، ثم انتخب رئيسا للدولة العبرية)، وقائد سلاح الجو، مردخاي هود، ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية، أهرون ياريف، قائد لواء جيش الاحتياط في الجنوب، أرييل شارون.

المعلق العسكري في صحيفة «هآرتس»، زئيف شيف، الذي كان يومها مراسلا عسكريا، كتب عن موقف شارون من هذه الجلسة في ما بعد (هآرتس – 1 يونيو/حزيران1967)، قائلا بأن اشكول حضر اللقاء برفقة بعض الوزراء والجنرالات الذين حاولوا حثه على اعلان الحرب فورا وبلا أي تأجيل. وأضاف ان شارون كان حادا في طرحه. ثم اقتبس ما قاله له شارون نفسه عن تلك الجلسة، والذي يفهم منه ان فكرة الانقلاب العسكري خطرت بباله وربما ببال جنرالات آخرين غيره، بسبب رفض اشكول: «تصور لو كانت هناك امكانية تنفيذ انقلاب عسكري ضد الحكومة. فقد كان بإمكاننا أن نطلب (أي الجنرالات) فرصة للتشاور. وخرج الجنرالات من الغرفة التي أبقينا فيها رئيس الوزراء والوزراء المرافقين له. لم يكن علينا أن نعمل الكثير. كنا نغلق الباب عليهم ونأخذ المفتاح معنا ونتخذ القرارات المناسبة فلا يعرفن أحد بأن الأحداث اللاحقة تمت بقرار من الجنرالات». بعد الحرب، تم ذكر هذه الأقوال بأنها قيلت بجدية عن امكانية تنفيذ انقلاب عسكري، مع أن شارون أنكر ذلك وادعى انه قالها بالمزاح. ولكن معظم الباحثين والمؤرخين الاسرائيليين الذين كتبوا عن هذه الفكرة، اشاروا الى أن الجنرالات الاسرائيليين كانوا سيجدون طريقة لإلزام الحكومة بالخروج الى الحرب، حتى لو بانقلاب عسكري. والسبب في ذلك أن الجيش كان قد خطط الحرب واستعد لها سنينا طويلة. فمنذ انتهاء حرب 1956 (العدوان الثلاثي، الاسرائيلي ـ البريطاني ـ الفرنسي على مصر)، وقادة الجيش، مسنودين بالمعارضة السياسية اليمينية، غاضبون على الحكومة لأنها وافقت على الانسحاب من سيناء «من دون مقابل جدي». ورئيس الحكومة الاسرائيلية الأول، دافيد بن غوريون، الذي كان يحلم بأن تمتد حدود اسرائيل الى سيناء جنوبا ونهر الأردن شرقا وكان يطمع بالسيطرة على الجنوب اللبناني أيضا، حتى نهر الليطاني، كان يقول: «ليس كل الأحلام ممكن تحقيقها». بيد ان العسكريين لم يتنازلوا عن تلك الأحلام، كما دلت التطورات المستقبلية. المؤرخ توم سيغف يقول ان رئيس اركان الجيش، تسفي تسور، قال في اجتماعه الأول مع رئيس الحكومة الجديد، اشكول (يونيو/ حزيران 1963)، ان مصلحة اسرائيل تقتضي توسيع حدودها. وذكر أن الحدود المفضلة هي: قناة السويس جنوبا ونهر الليطاني شمالا ونهر الأردن شرقا. وبعد بضعة أشهر من ذلك الاجتماع كانت بأيدي الجيش خطة باسم «فرغول» ترمي الى احتلال الضفة الغربية والقدس الشرقية.

وفي شهر أغسطس (آب) 1966، حدث تطور بالغ الأهمية بالنسبة للجيش الاسرائيلي، حيث نجح «الموساد» (المخابرات الاسرائيلية الخارجية) في الحصول على طائرة «ميج ـ 21» وتعريف الغرب لأول مرة على أسرارها. كانت تلك طائرة مقاتلة في الجيش العراقي. الطيار منير الردفة، الذي كان قد غضب من ارغامه على القاء متفجرات على قرى وبلدات كردية في شمال العراق، عبر عن تذمره أمام شخص ما خلال عيادته شقيقه المريض في تركيا. وكان لهذا الشخص ارتباطاته مع «الموساد». وحسب فيلم سينمائي وثائقي بعنوان «العصفور الأزرق» للمخرج شموئيل امبرمن، الذي يبث في التلفزيون الاسرائيلي غدا (الأربعاء)، فإن الردفة وقع في مصيدة من دون أن يعرف ولكنه في ما بعد تورط عن كامل الوعي ووافق على الهرب من العراق بطائرة «ميج ـ21» الى اسرائيل. وحسب الفيلم فإنه قبض 50 ألف دولار عن هذه العملية، ولكنه قال انه يعرف أن بإمكانه قبض مبالغ أكبر بكثير من هذا ولكنه لا يفعل ذلك من أجل المال بل من شدة حقده وغضبه على النظام الحاكم. وقوع هذه الطائرة بالذات بأيدي اسرائيل رفعت معنويات الجيش الاسرائيلي، إذ تم اجراء دراسات حولها وحول أسرارها بمشاركة خبراء أميركيين وفرنسيين وبريطانيين. وتمكنوا من الاهتداء الى نقاط الضعف في الطائرة. بالاضافة الى ذلك فإن مكانة اسرائيل العسكرية عموما ومكانة «الموساد» بشكل خاص ارتفعت لدى الغرب وأصبح المجال مفتوحا أكثر للتعاون الأمني بين اسرائيل ومختلف أجهزة المخابرات في العالم.

واعتبر الاسرائيليون هذا الانجاز تحولا استراتيجيا بكل المقاييس لصالح اسرائيل في الشرق الأوسط والعالم. بذور الحرب

* اعتادت اسرائيل طيلة وجودها على تصدير أزماتها الداخلية الى الخارج. وقد جاهر بهذا الرأي احد كبار أصدقاء اسرائيل، هنري كسينجر، وزير الخارجية الأميركي في كتاب مذكراته. وسنة 1967 كانت اسرائيل في أشد حالات الأزمة. فمنذ مطلع العام 1966 وهي تعاني من ركود اقتصادي شديد ومتفاقم. أسباب الركود تعود الى الانخفاض الحاد في الهجرة اليهودية من الخارج، التي أدت بدورها الى الركود في فرع البناء. فطرد عشرات ألوف العمال من أعمالهم. الاستثمارات الأجنبية انخفضت بنسبة 55 في المائة في سنتين. جدول الغلاء ارتفع بنسبة 8 في المائة، التي كانت تعتبر عالية جدا بالمقاييس الاسرائيلية. مقابل ذلك، استمرت الحكومة في مصاريفها العالية وبدأت ترشح الى الجمهور أنباء عن الفساد المستشري في الحكم. وعندما سئل عن هذا الوضع، رئيس الحكومة، اشكول، وهو الذي أشغل سنين طويلة منصب وزير المالية، أجاب ان المشكلة تكمن في الجمهور الذي اعتاد على الغنى الفاحش والتبذير غير العادي. وقال ان الحكومة خططت هذا الركود حتى تعيد الجمهور الى حجمه الطبيعي. وفي الوقت نفسه تفاقمت شكاوى اليهود الشرقيين في اسرائيل من التمييز العنصري ضدهم، وبدا أنهم لم يعودوا يحتملون الاستمرار في التعامل معهم على هذا النحو ويطالبون بتغيير جذري في السياسة. ولكي يثبتوا جديتهم بدأوا في تنظيم مظاهرات صاخبة، استغلها اليمين المعارض، بزعامة مناحم بيغن، أحسن استغلال. ثم تبين ان هجرة مضادة من اسرائيل قد أخذت تتفاقم وبات عدد المهاجرين منها أكبر من عدد المهاجرين اليها، وقد قرت الحكومة فرض الكتمان على هذه الحقيقة بواسطة سن قانون يجعل موضوع الهجرة مسالة أمنية يجب أن لا ينشر عنها شيء إلا بعد أن يمر على الرقابة العسكرية. وإلى جانب ذلك، تراكمت الأحداث العسكرية على الحدود مع سورية.

الماء عنصر خلاف أساسي

* قضية المياه كانت إحدى القضايا الأساسية التي دأبت اسرائيل لطرحها على رأس جدول علاقاتها مع سورية. خلال حرب العدوان الثلاثي سنة 1956، استغلت اسرائيل انجازها العسكري في الجنوب واحتلت قريتين في المنطقة المنزوعة السلاح بينها وبين سورية، ضمن خطتها للسيطرة على منابع نهر الأردن. وفي سنة 1964، نفذت اسرائيل مشروعها لحرف مجرى نهر الأردن من منابعه، بحيث يصبح تحت سيطرتها شبه التامة. سورية اعتبرت الأمر اعتداء فظا على حقوقها في هذه المنابع وسرقة في وضح النهار لمواردها الطبيعية، واسرائيل ادعت انها تدافع بذلك عن نفسها لأن سورية بدأت العمل في مشروع لحرف مجرى النهر لصالحها.

رئيس الوزراء ليفي اشكول، كان معروفا بحرصه على المياه وقد كتب في مذكراته انه رأى المياه مثل الدم. موشيه ديان، الذي أصبح وزيرا للدفاع لاحقا، اعترف في مذكراته بأن اسرائيل افتعلت عدة صدامات مع سورية لكي تجبرها على ترك مصادر المياه والأراضي المحيطة بها. ومما كتبه: «ان 80 في المائة من الصدامات جرت بسبب محاولات اسرائيل السيطرة على مناطق كانت منزوعة السلاح بين الطرفين. كنا نرسل جرافة الى الأراضي السورية وننتظر أن يطلق السوريون عليها النار. فإذا لم يفعلوا، كنا ندفع الجرافة عميقا أكثر حتى تثور أعصاب السوريين، فيطلقوا النار. هم يطلقون رصاصة ونحن نرد بالمدفعية وفي بعض الأحيان بسلاح الجو». ويقول ديان أن هذه الاعتداءات لم تكن بمثابة موقف استراتيجي، انما أرادوا تيئيس السوريين حتى يتنازلوا عن مقاطع معينة من أراضيهم لصالح اسرائيل وبذلك يتم تعديل الحدود بحيث تصبح مصادر المياه تحت السيطرة الاسرائيلية الكاملة.

تأسيس «فتح»

* في سنة 1965 تأسست حركة «فتح» الفلسطينية وبدأت تنفذ عمليات فدائية ضد أهداف اسرائيلية من خارج الحدود، وبالأساس من الأراضي السورية ثم الأردنية (من الضفة الغربية ومن جنوب الضفة)، وحظيت هذه المقاومة بدعم بارز من سورية بشكل خاص ثم من مصر. وقد نفذت هذه الحركة 120 عملية عسكرية ضد اسرائيل خلال 18 شهرا قبل الحرب، مثل تفجير أنابيب مياه وزرع الألغام على الطرقات والسكك الحديدة وتفجير محطات لتوليد الكهرباء وأسفرت هذه العمليات عن مقتل 11 اسرائيليا (3 منهم مدنيون والبقية عسكريون) وإصابة 60 بجروح (نصفهم عسكريون). اسرائيل رفضت التعامل مع «فتح» كتنظيم فلسطيني يناضل من أجل القضية الفلسطينية، وذلك من باب الاستخفاف بالفلسطينيين أولا، وثانيا من أجل مواصلة اغفال القضية الفلسطينية كقضية شعب يناضل من أجل الحرية ويستحق دولة حسب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة ([قرار التقسيم لسنة 1947، الذي رفضه العرب). وكان من السهل على اسرائيل أن تظهر تلك العمليات «نشاطات ارهاب تديرها سورية»، مع العلم بأن الاسرائيليين كانوا على علم بالخلافات بين قادة «فتح» وبين سورية. وقد تجاهلوا ذلك باعتبار ان الهجوم على سورية سيكون أسهل، وسيكون مفهوما أكثر في العالم.

وفي بحث جرى في هيئة رئاسة أركان الجيش الاسرائيلي في 23 يناير (كانون الثاني) 1967 خرجوا بتوصية الى الحكومة: «يجب علينا أن ننفذ عملية كبيرة ضد سورية». والحديث عن العملية الكبيرة جاء بادعاء ان العمليات السابقة كانت "صغيرة" وغير مجدية. ومن العمليات «الصغيرة» التي كانت قد سبقت هذا البحث، هجوم على بلدة قلعت الأردنية انتقاما من «فتح»، مع انه تبين في ما بعد أن هذه القرية لم تؤوِ رجالات «فتح». وهجوم آخر على قرية السموع جنوبي الخليل في 12 نوفمبر (تشرين الثاني) 1966 والتي هدم فيها عشرات البيوت الفلسطينية (الأردن أعلن عن هدم 100 منزل نتيجة الهجوم واسرائيل تحدثت في العلن عن 40 بيتا وفي وثائقها السرية تحدثوا عن 60 بيتا)، وقد ادعت اسرائيل أن خلية فدائية خرجت من هذه القرية بالذات لكي تفجر سكة حديد اسرائيلية وتزرع ألغاما في طريق سيارة عسكرية. وقد أثارت العملية في السموع مشكلة مع الأميركيين، حيث انها لم تفهم لماذا انتقمت اسرائيل من الأردن، في الوقت الذي بات واضحا فيه أن سورية هي التي تشجع الفلسطينيين من «فتح» وليس الأردن. وحسب المؤرخ سيجف، فإن نيكولاس كتسنباخ، أحد كبار موظفي الخارجية الأميركية، وصف هذا العمل الاسرائيلي في حديث امام وزير الخارجية الاسرائيلي، أبا ايبن، فقال: «لقد فعلتم كما لو أنني اريد أن أصفع سفيركم في واشنطن على وجهي، ولأنني لا أجرؤ على ذلك قمت بصفع سكرتيرتي». وقد فهمت اسرائيل الرمز جيدا، أن لديها ضوء أخضر لضرب سورية. نقاش حاد حول الحرب

* في اسرائيل عموما، وفي قيادة الجيش الاسرائيلي بشكل خاص، ساد عداء غير عادي لسورية والسوريين. «لقد أحببنا أن نكرههم»، كتب السكرتير العسكري لرئيس الحكومة آنذاك، ليئور، في مذكراته. وأضاف انه لاحظ بأن سورية تحولت الى عقدة بالنسبة لرئيس الأركان رابين.

وفي سبتمبر (أيلول) 1966، نشرت مجلة الجيش الاسرائيلي «بمحانيه»، مقابلة مع رابين بمناسبة رأس السنة العبرية، أفصح فيها عن خطته الاستراتيجية تجاه سورية، فقال ما معناه ان الحرب القادمة مع سورية ستقع حتما وسيكون هدفها الاطاحة بالنظام السوري ـ «الرد على عمليات سورية، إن كانت متمثلة في عمليات التخريب أو في حرف مياه النهر أو الأعمال العدوانية، يجب أن تتم ضد منفذي عمليات التخريب وضد النظام الذي يساند هذه العمليات ويعمل بنفسه على حرف مجرى مياه الأردن. هنا يجب أن يكون الهدف تغيير قرار النظام وتصفية دوافع نشاطاته. المشكلة مع سورية إذن هي من الناحية الجوهرية مع النظام».

رئيس الوزراء اشكول، الذي كان سمح لرابين أن يجري تلك المقابلة بشرط أن لا يتكلم في سياسة الحكومة، اعتبر هذا التصريح تجاوزا نكثا للشرط وتوريطا لاسرائيل أمام العالم بأنها تريد اسقاط النظام السوري. وقد سارع الى اصدار بيان ينتقد فيه رابين بشكل موارب ويقول فيه ان اسرائيل لا تتدخل في شؤون سورية الداخلية. ويكشف ليئور بأن صياغة البيان كانت حذرة للغاية، فمع ان اشكول بدا غاضبا لدرجة هستيرية من تصريح رابين وأراد أن يوبخه علنا، إلا ان مساعديه وبعض وزرائه مثل أبا ايبن ويسرائيل غليلي خففوا من حدة بيانه وقالوا له ان رابين يتمتع بشعبية كبيرة في الشارع وانتقاده بلهجة شديدة قد يدفعه الى الاستقالة وفي هذا ضرر كبير لإشكول.

لكن القضية لم تقتصر على رابين واشكول ولم تكن شخصية بينهما. كلاهما أرادا ضرب سورية. والفرق أن اشكول أراد ان تتم العملية بالتنسيق مع دول العالم، كما حصل في حرب 1956. فهو رجل اقتصاد معروف. ولم يكن عسكريا بارزا (خدم في الجيش البريطاني بعيد الحرب العالمية الأولى وكان كل مرة يحصل على درجة عسكرية يفقدها بعد مدة قصيرة بسبب مخالفة ما). يحسب حسابا ليس فقط للقوة العسكرية، بل يحاول ضمان استثمارات أجنبية لبلاده وسياحة وعلاقات تعاون في المجالات التكنولوجية والعلمية والثقافية ويحافظ على علاقات جيدة مع الأدباء والعلماء والمثقفين، ويعرف أن كل هذا يحتاج من القائد أن يدير علاقات جيدة مع دول العالم. وقد عرف عنه أنه رئيس الحكومة الأول الذي اقام علاقات جيدة مع الولايات المتحدة (الرئيس الذي سبقه، بن غوريون، ركز علاقات اسرائيل بالأساس مع فرنسا وبريطانيا وكان حذرا من تعميق العلاقات مع واشنطن خوفا من إغضاب الأوروبيين).

وكان اشكول حذرا من زيادة نفوذ الجنرالات من قادة الجيش، على عكس سابقه الذي قرب الجنرالات اليه وتعامل معهم بشيء من الدلال. كما كان اشكول يحسب حسابا للحزب الديني القومي الشريك في الائتلاف، بزعامة يوسف شبيرا، الذي اتبع خطا سياسيا معتدلا (على عكس قيادة هذا الحزب اليوم التي تعتبر يمينية متطرفة وتقود المستوطنات اليهودية المتطرفة في الضفة الغربية). فقد هدد هذا الحزب عدة مرات بالانسحاب من الائتلاف إذا نفذ الجيش عملية حربية ضد سورية أو الأردن أو مصر. وكان دائما يطلب التروي.

بالمقابل، كان الجيش يستخف باشكول ويعتبره قائدا ضعيفا. وكثيرا ما كان ينفذ عمليات عسكرية أكبر بكثير من حدود القرار الحكومي بشأنها. في مطلع سنة 1967، نفذ الفلسطينيون عملية تفجير في ملعب لكرة القدم في بلدة مهجورة تدعى «ديشون» قرب الحدود مع سورية، فقررت الحكومة ضبط النفس ورفض اشكول ضغوط رابين لانتهاز الفرصة وتوجيه الضربة الى سورية. فقام الجيش بتنظيم حملة تحريض على رئيس الحكومة في الصحف. وسرب أنباء عن «غضب قيادة الجيش من قيام الحكومة بتكبيل أيديها» وعن «قرارات حكومية تمس في قوة الردع الاسرائيلية». ونجح الجيش في إحداث انقسام بين الوزراء.

ودامت النقاشات شهورا طويلة واحتدمت أكثر وأكثر من يوم لآخر، مع كل عملية تفجير فلسطينية ومع كل تصريح لقائد عربي. ولم يتردد الجنرالات في اطلاق التصريحات عن ضرورة حرب شاملة مع سورية. قائد اللواء الشمالي للجيش، دافيد العزار (الذي أصبح رئيسا للأركان في حرب أكتوبر 1973)، قال: «يجب البحث عن حل سياسي عسكري شامل ضد سورية». وكذلك فعل رئيس قسم العمليات، الجنرال رحبعام زئيفي (الذي أصبح فيما بعد قائدا لأحد أشد الأحزاب الاسرائيلية تطرفا وقتل بأيدي شبان من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في أكتوبر 2001 في القدس عندما كان وزيرا للسياحة). فقال ان الجيش الاسرائيلي غير مبني لحرب صغيرة أو لعمليات دفاعية. وانه يحتاج الى حرب شاملة ضد سورية لكي يوقف العمليات الفلسطينية، و«بهذه المناسبة ـ أضاف ـ نحل الى الأبد مشكلة المياه في الشمال». لقد أدى النقاش حول عملية حربية شاملة الى منح الجيش حرية العمل في العمليات «الصغيرة». وأصبح الجيش يرد على كل عملية تفجير أو اطلاق رصاص من سورية، بعملية أكبر. وكان رئيس الوزراء اشكول يتراجع شيئا فشيئا عن معارضته هذه العمليات. وفي يوم الجمعى 7 أبريل (نيسان) 1967، أطلق السوريون الرصاص على جرافتين اسرائيليتين دخلتا الأرض المنزوعة السلاح، فاستغل رابين، الذي كان في الشمال، هذه الحادثة ليتصل مع اشكول بواسطة سكرتيره العسكري ويخبره بهلع: «انني اراهم بعيني كيف يطلقون القذائف نحونا». وسأله إن كان يأمره باستمرار عمل الجرافتين، وقبل أن يجيبه صاح رابين: الآن أطلقوا قذيفة أخرى. فتأثر اشكول وطلب منه أن تواصل الجرافتان عملهما وأن يرد الجيش على القصف. فسأل رابين إن كان مسموحا له أن يستخدم سلاح الجو. فوافق اشكول ولكنه اضاف شرطا بألا يصيب المدنيين.

وانطلقت الطائرات على الفور وأسقطت ست طائرات سورية مقاتلة، أربع منها أسقطت بالقرب من دمشق.
 
رد: الوثائق الإسرائيلية

الوثائق الإسرائيلية (الحلقة الثانية) - «الشرق الأوسط» تفتح ملفات الحروب الإسرائيلية إثر إطلاق سراحها بعد تكتم دام 40 عاما

رئيس أركان الجيش الإسرائيلي يصاب بالانهيار العصبي



تل أبيب : نظير مجلي
عملية اسقاط الطائرات السورية الست، لاقت رد فعل احتفاليا في اسرائيل. فقد سكر قادة الجيش بـ«الانتصار» الجديد على الجيش السوري. الصحافة التي كانت فقط قبل يوم واحد مليئة بالانتقادات للحكومة وتحدثت بصوت واحد ضدها، خرجت بعناوين رئيسية ومقالات اطراء ومديح، بدت متشابهة. وقد أثار ذلك حفيظة وزير الخارجية، ابا إيبان، فكتب رسالة الى رئيس الوزراء، اشكول، يقول له فيها: «حقيقة ان معظم هذه المقالات كتبت بأقلام المراسلين العسكريين وبدا مضمونها واحدا تقريبا تشير الى امكانية وجود يد موجهة». وحتى رئيس الوزراء، اشكول، الذي لم يخف تحفظه من التصعيد الحربي ومجابهته جنرالات الجيش وصد محاولاتهم الاسراع في شن الحرب، تأثر من سكرة اسقاط الطائرات السورية، وعندما رأى الصحافة تبرز الجنرال رابين كبطل هذه العملية، تباهى في مقابلة مع صحيفة «معاريف» بأنه هو، أي اشكول، بوصفه رئيس حكومة ووزير دفاع، هو الذي اصدر الأوامر للطائرات الاسرائيلية بالانطلاق الى الجو والاشتباك مع الطائرات السورية. وشعر اشكول بأن إدارة الرئيس الأميركي، ليندون جونسون، راضية عن الضربة الاسرائيلية لسورية، فقرر التقدم «الى الأمام» في الاستفزاز للعرب وأعلن موافقته قيادة الجيش على اجراء استعراض عسكري بمناسبة «يوم الاستقلال»، في مدينة القدس الغربية، وذلك لأول مرة منذ قيام اسرائيل. فالقدس كانت ذات مكانة خاصة، ولم يعترف بها العالم كعاصمة لاسرائيل. كما ان اتفاق الهدنة بين اسرائيل والأردن، من سنة 1949، نص على امتناع اسرائيل عن ادخال دبابات الى القدس والاستعراض كان يشكل خرقا فظا للاتفاق. بيد أن هناك من نظر الى الموضوع بشكل آخر مخالف. الجنرال موشيه ديان، مثلا، الذي شغل منصب رئيس الأركان في فترة حرب 1956 واعتبر أكبر جنرالات الحرب في اسرائيل، انتقد هذه العملية. وكان ديان قد ترك حزب العمل سوية مع دافيد بن غوريون، رئيس الحكومة الأول، وشكلا معا حزب «رافي» الذي ضم أيضا شيمعون بيريس. وعلى الرغم من انه كان حزبا صغيرا نسبيا (10 نواب من مجموع 120)، فقد كانت شعبيته كبيرة وصوته مسموعا. فقادته الثلاثة هم المؤسسون: بن غوريون مؤسس الدولة العبرية الحديثة، وديان مؤسس الجيش القوي وبيريس مؤسس القوة الذرية الاسرائيلية (اقام المفاعل النووي بالتعاون مع الفرنسيين عندما كان مديرا عاما لوزارة الدفاع تحت قيادة بن غوريون). ديان قال عن عملية اسقاط الطائرات السورية «مغامرة حربية غير محسوبة»، فيما اعتبرها بن غوريون اعلان حرب غير حكيم على سورية «التي تحظى بدعم سوفياتي غير محدود وسيراه السوفيات استفزازا لهم». التدهور نحو الحرب
* اسقاط الطائرات السورية أثار نقاشا حادا في العالم العربي ايضا، وقد رصده الاسرائيليون جيدا. ففي الأردن تساءلوا عن سبب سكوت مصر على هذه العملية العدوانية على سورية، مع العلم بأن مصر وسورية موقعتان على اتفاقية دفاع مشترك. وقد فسرت هذه المقولة في اسرائيل والولايات المتحدة كتحريض لمصر، فوجها رسالتين بهذا الخصوص الى الملك حسين. وفي سورية ارتفعت أصوات المطالبة بتنسيق عربي مشترك ضد اسرائيل.

وقد سارعت مصر في 17 مايو (أيار) 1967 الى اتخاذ خطوة تخفف من انتقادها، فتوجه الرئيس جمال عبد الناصر الى قوات الأمم المتحدة المرابطة في سيناء منذ انتهاء حرب 1956 طالبا مغادرتها فورا. وقد امتثل الأمين العام للأمم المتحدة للطلب المصري وسحب قواته.

هذه الخطوة فاجأت الاسرائيليين، الذين كانوا يقدرون بأن مصر لن تحارب اسرائيل قبل العام 1970. فقد اعتقدوا ان انشغال الجيش المصري في أحداث اليمن سيمنعها من فتح جبهة جديدة في سيناء. وعندما أمر بسحب القوات وانسحبت، بدأ البعض يقترح استقبال هذه القوات على الجانب الاسرائيلي للحدود، لكن الجنرالات الاسرائيليين رفضوا ذلك بكل شدة واعتبروها اهانة لاسرائيل وراحوا يرحبون بالخطوة الحربية المصرية. وقررت الحكومة الاسرائيلية البدء على الفور باستدعاء قوات جيش الاحتياط. لكن في اجتماع طارئ للجنة الخارجية والأمن البرلمانية، تكلم ديان كرجل معارضة وقال انه شخصيا لا يوافق على أن مصر فاجأت اسرائيل، وراح يحمل الحكومة مسؤولية التدهور. وقال: «مصر ترد بهذه الخطوة على عدة استفزازات اسرائيلية. فقد تم تمديد فترة الخدمة العسكرية وقمنا بالطيران فوق دمشق وأسقطنا الطائرات وقبل ذلك نفذنا مغامرة عسكرية في السموع وأدرنا سياسة اعلامية تلقي على سورية مسؤولية كاملة عن عمليات التخريب. فماذا تتوقعون؟ عبد الناصر لا يستطيع أن يظل لا مباليا ازاء كل هذه التحديات». وحذر ديان من أن مصر ستقدم على خطوات حربية رهيبة بعد هذه الاستفزازات، وذكر في حينه خطر أن تقصف طائرات مصرية المفاعل النووي الاسرائيلي في ديمونة، مما سيتسبب في كارثة، وأن تغلق مضائق تيران في البحر الأحمر.

وفي الثاني والعشرين من الشهر نفسه ألقى الرئيس عبد الناصر خطابا في القاعدة العسكرية الجوية في بير جفجفة في سيناء أعلن فيه عن اغلاق مضائق تيران في وجه السفن الاسرائيلية والسفن الاجنبية التي تنقل الى اسرائيل مواد استراتيجية. على اثر ذلك دعا اشكول وزراءه وقادة هيئة رئاسة أركان الجيش الى اجتماع تشاوري طارئ في تل أبيب، وقال في بدايته إنه دعا الى الاجتماع أيضا رؤساء أحزاب المعارضة اليمينية. وكان واضحا ان الحديث جار عن حرب. لكن اشكول قال من البداية ان هناك جهودا لتسوية الأزمة دبلوماسيا وإنه قد لا يكون هناك مفر من خطوات عملية. وزير الخارجية أبا إيبان، يصف تلك الفترة في مذكراته فيقول ان مظاهر الثقة بالنفس والبهجة التي سادت اثر اسقاط الطائرات السورية غابت عن الوجوه ليحل محلها التجهم والعبوس. ثم يروي ما قاله له رئيس الأركان رابين في بيته في القدس يوم 21 من الشهر، أي حتى قبل اعلان ناصر عن اغلاق المضائق، على النحو التالي: «كان رابين عصبيا للغاية. فقد راح يدخن بشكل مكثف. سألته بماذا أستطيع أن أخدم الجيش في الساحة الدبلوماسية، فأجاب: الوقت. الوقت. الوقت. أريد وقتا حتى اعزز القوات في الجنوب. خلال عشر سنين ركزنا استعداداتنا في الشمال والشرق». وأجرى رابين مقارنة بين حال اسرائيل في 1956 وفي 1967 فقال ان الوضع كان أفضل في الحرب السابقة. ففيها كانت اسرائيل ومعها فرنسا وبريطانيا في مواجهة مصر الوحيدة. أما الآن فإن مصر قد تحظى بمساندة من سورية وربما الأردن وربما ترسل دول عربية أخرى فرقا عسكرية. واختتم رابين بأن مستشاريه العسكريين لم يعرفوا كيف يقدرون عدد الضحايا المتوقع في حرب قادمة.

وجاء خطاب عبد الناصر في اليوم التالي ضربة اضافية. وراح رابين يضغط على الحكومة لكي تسمح له بتوجيه الضربة الأولى الى مصر. فقد رأى ان ترك المجال لمصر أن توجه الضربة الأولى في هذه الحرب سيكون مدمرا لاسرائيل. ولذلك يجب أن يعطى الفرصة. وأخذ جنرالات آخرون يتحدثون عن «خراب الهيكل الثالث» (أي دمار اسرائيل). لكن الحكومة، بمبادرة من وزير الخارجية، إيبان، وموافقة رئيس الحكومة، اشكول، قررت الانتظار. والسبب أن الرئيس الأميركي، جونسون، طلب امهاله بضعة أيام حتى يتسنى له العمل على تسوية الأمور بالطرق السياسية. ورأى اشكول ان الطلب الأميركي يجب ألا يرد. ورأى إيبان ان التجاوب مع الأميركيين سيجعل اسرائيل في موقف أفضل من الناحية الدولية ويجعل كل خطواتها الحربية في ما بعد مقبولة ومفهومة. وكشف إيبان ان هناك فكرة في واشنطن تقول بأن الولايات المتحدة مستعدة لمرافقة السفن الإسرائيلية لدى عبورها مضائق تيران لضمان حرية الملاحة الاسرائيلية فيها وأن هناك معلومات استخبارية تقول ان عبد الناصر أمر قواته بألا تعترض سفنا اسرائيلية إذا رافقتها سفن أميركية. وبدا هذا حلا معقولا قد يدوم عدة سنوات، ويضع أميركا الى جانب اسرائيل بصورة تظاهرية. لكن العسكريين اعتبروا هذا الحل مهينا لاسرائيل وانتصارا لعبد الناصر.

وتسرب هذا النقاش الى الشارع الاسرائيلي. وبدا أن الجمهور اقتنع برأي الجنرالات أكثر من رأي السياسيين وبدأت تسمع الأصوات المتذمرة، خصوصا بعد تجنيد الاحتياط وسيارات الشحن، فأصاب الخلل كل نواحي الاقتصاد، وبات هناك نقص في المواد. وتجندت الصحافة الى جانب الجنرالات، وراحت تمارس الضغط على الوزراء بواسطة الأسئلة المحرجة في المقابلات الصحافية وابراز ردودهم. الصدمة النفسية

* «شعرت بالعزلة»، هكذا كتب اسحق رابين في مذكراته لاحقا. فقد شعر أن رئيس الحكومة ضعيف بشكل زائد وانه لا يستطيع أن يفرض عليه رأيه. فأصيب بالاحباط. لقد تخيل ان مصر ستسبقه الى الحرب وستلحق باسرائيل خسائر جسيمة.

وزاد من ضائقة رابين ما كان قاله موشيه ديان أمام لجنة الخارجية والأمن البرلمانية. وكان رابين يثق برئيس الحكومة الأول، دافيد بن غوريون، الذي كان قد بدأ يوصف في ذلك الوقت بـ«العجوز»، فذهب اليه يسأله المشورة والنصح، فجاء رد بن غوريون محبطا أكثر. فقد راح يوبخه على أفعاله الاستفزازية للعرب ويحمله المسؤولية الشخصية عن هذا التدهور: «ليس السوريون ولا المصريون مسؤولين عن الأزمة، بل اسرائيل. ان تجنيد 70 ألف رجل للخدمة الاحتياطية هو خطأ فاحش سياسيا واجتماعيا. والعملية في السموع كانت أسوأ، فهي استفزاز للدولة الأردنية غير المعادية. والعملية فوق دمشق استفزاز في غير محله وفيها انجرار وراء رغبات الحرب ومثيريها. في اليوم التالي ذهب رابين الى ديان، فأحدث هذا تغييرات عديدة في تقديراته. وعندما سمع رئيس الحكومة اشكول ان رابين ذهب لاستشارة خصومه، اعتبر ذلك نوعا من الخيانة، فغضب منه وغضب رابين من نفسه. وتوجه رابين الى الوزير المتدين، حايم يوسف شبيرا، يسمع رأيه، فكان أكثر حدة من العجوز بن غوريون عليه، وراح يؤنبه على انه يهدد مستقبل اسرائيل وأمنها بسياسته الحربية ـ «قل لي من فضلك، ألم يكن بمقدور بن غوريون وديان أن يحاربا مصر في مضائق تيران؟ فلماذا لم يفعلا؟ كيف تسمح لنفسك بأن تقدم على عمل حربي كهذا أنت واشكول؟». وحاول رابين مرة أخرى التأثير على القرار السياسي، ولكن عبثا. وفي مذكراته يكتب رابين «الشعور القاسي بالذنب الذي اصلبني في الأيام الأخيرة زاد حدة في 23 من الشهر. لا أستطيع نسيان أقوال شبيرا. أنا جررت اسرائيل الى هذه الأزمة. أنا كرئيس اركان لم أفلح في منع نشوء هذا الخطر الكبير المحدق باسرائيل. ربما فشلت في مهمتي كمستشار عسكري أول لرئيس الوزراء ووزير الدفاع. ربما بسبب هذا وصلت اسرائيل الى وضعها الصعب الحالي. ربما صدق بن غوريون في أنه لم يكن واجبا على أن أجند قوات الاحتياط، وبذلك جررت اسرائيل الى الحرب».

استدعى رابين الجنرال فايتسمان، الذي شغل منصب قائد هيئة الأركان وكان عمليا نائبه، واقترح عليه أن يتولى منصب رئيس الأركان مكانه. ويكتب فايتسمان في مذكراته لاحقا بأنه كان قد لاحظ أن رابين يمر بأزمة ثقة قاسية، وان زوجة رابين استدعت الطبيب، فحقن رابين بمادة مهدئة جعلته منسلخا عن الواقع 24 ساعة. حكومة حرب

* فايتسمان من جهته ترك رابين في بيته وتوجه الى القيادات السياسية ليمارس الضغوط بالخروج الى الحرب. وقد حمل في 24 مايو (أيار) خطة حربية الى اشكول هدفها تدمير سلاح الجو المصري واحتلال غزة واقترح تنفيذها بعد يومين، أي في 26 من الشهر. وأكد انه غير رأيه من يوم أمس ويعتقد الآن بأن الجيش الاسرائيلي قادر على العمل في آن واحد ضد سورية ومصر. وأخذ فايتسمان اشكول الى غرفة ادارة العمليات الحربية في قيادة الأركان بحضور بقية الجنرالات وراحوا يقنعونه بجدوى الحرب. وبأن النصر في الحرب منوط باتخاذ قرار سياسي سريع. لقد ارتفعت أصوات عالية ضد الحرب في تلك الفترة، بينها صوت بن غوريون نفسه. فقد أعرب عن اعتقاده بأن عبد الناصر لا يريد الحرب وسيكتفي بإغلاق مضائق تيران وسحب قوات الأمم المتحدة. وقال أحد كبار موظفي وزارة الدفاع، الجنرال والمؤرخ العسكري، ان انتصارا في هذه الحرب سيؤدي الى مقتل 10 آلاف إسرائيلي بينما الخسارة فيها ستؤدي الى ابادة مليوني مواطن ونهاية اسرائيل.

على اثر ذلك ألقى اشكول خطابا في الإذاعة حاول فيه شرح موقفه في الامتناع حاليا عن الحرب والتهديد في الوقت نفسه بالرد على هجوم عربي. وخلال قراءة خطابه المطبوع تعثر في إحدى الكلمات التي اضافها أحد مساعديه من دون أن يلفت نظره فتلعثم وراح يتأتئ لمدة نصف دقيقة، فتحول الخطاب الى مسخرة أنزلت من مكانته بين الجمهور أكثر وأكثر. وبدا أن اشكول يفقد آخر مؤيديه في الدولة وبدأت ترتفع الصوات المنادية بإقالته. والتقاه رئيس المعارضة اليمينية، مناحم بيغن، واقترح عليه أن يستدعي بن غوريون ويسلمه الحكم على أن يبقى الى جانبه نائبا وأن ينتخب موشيه ديان وزيرا للدفاع، فإسرائيل تحتاج الى الوحدة في هذا الوقت بالذات، ولكن تحت قيادة قوية تعرف كيف تتخذ القرارات المناسبة في هذا الوقت العصيب. وراح شيمعون بيريس يدير حملة مشابهة بهذا الاتجاه. لكن بن غوريون رفض تولي الرئاسة واشكول رفض التخلي عن كرسيه، ويقال ان غولدا مئير، التي أصبحت رئيسة حكومة بعد اشكول، هي التي عرقلت هذا الاقتراح لأنها كانت متعصبة ضد بن غوريون. وتدخل الجنرال فايتسمان ليطلب الوحدة وراء الجيش في الحرب القادمة حتما. وتوصلوا الى حل وسط يقضي ببقاء اشكول رئيسا للحكومة على أن ينضم حزبا المعارضة «جاحل» و«رافي» الى الحكومة ويصبح بيغن نائبا لرئيس الحكومة وديان وزيرا للدفاع. وتم تشكيل الحكومة في اليوم الخامس قبل الحرب، وكان واضحا انها حكومة حرب وليس مجرد وحدة وطنية، خصوصا أن الأنباء الواردة من واشنطن أشارت الى ان الرئيس جونسون وصل الى قناعة بأن اسرائيل ستحارب ولا مفر من ذلك، مما يعني انه لن يقف في طريق اسرائيل. وقال رابين، بعد صحوته من الانهيار العصبي، ان ما بقي الآن هو فقط «خطأ من جمال عبد الناصر المصاب بالسكرة، لنتمكن من استغلاله لاتهامه بالمسؤولية عن شن الحرب». قرار الحرب

* بعد تشكيل حكومة الوحدة، لم يبق لإسرائيل سوى اتخاذ قرار الحرب. والعقبة في هذه الحالة هي عدم وجود ضوء أخضر واضح من الولايات المتحدة.

اسرائيل كانت قد أرسلت وزير خارجيتها أبا إيبان ليلتقي الرئيس جونسون في 27 مايو (أيار)، بعد أن التقى قادة فرنسا وبريطانيا في اليومين السابقين. جميعهم لم يوافقوا على شن حرب على مصر. بيد أن الأجواء في واشنطن كانت مختلفة، لأن جونسون وضع خطة عمل لتسوية المشكلة وطلب من اسرائيل ألا تبادر الى الهجوم، وفي الوقت نفسه وقع على صفقة اسلحة ترسل بشكل فوري لاسرائيل بقيمة 72 مليون دولار. لكن، وخلال وجود إيبان هناك، تقرر في اسرائيل عمل أمرين للضغط على البيت الأبيض: الأول تفعيل السفارة الاسرائيلية والقنصليات واليهود الأميركيين ليمارسوا الضغوط على الرئيس بواسطة الرسائل والمقالات، والثاني هو بارسال برقيتين هلعتين، واحدة الى إيبان والثانية الى السفير الاسرائيلي في واشنطن، تتحدثان عن تطورات خطيرة جديدة في مصر تدل على انها ستهاجم اسرائيل في 28 من الشهر. الأميركيون تضايقوا من الطلب الأول وقالوا للسفارة في واشنطن رأيهم. وفحصوا مضمون البرقية الثانية بواسطة مخابراتهم فوجدوا انه غير صحيح. ومع ذلك وافق جونسون على توجيه تحذير لمصر بألا تهاجم اسرائيل. وحسب وثائق الجيش الاسرائيلي فإنه خلال الحرب وقعت بأيدي الجيش الاسرائيلي وثيقة مصرية تدل على ان مصر أرادت فعلا شن هجوم على اسرائيل واحتلال ايلات في ذلك الموعد وانها ارتدعت بعد التحذير الأميركي.

في تلك الفترة، قبل 6 ايام من الحرب، زار الملك حسين القاهرة ووقع على اتفاقية دفاع مشترك مع عبد الناصر. فأرسلت اسرائيل الى واشنطن رئيس جهاز «الموساد»، مئير عميت، ليوضح للولايات المتحدة بأن الحرب ستكون شاملة ضد اسرائيل وأن جيوشا عربية اخرى قد تنضم وفي هذا تدمير لاسرائيل. وتبين أن المخابرات الأميركية كانت قد توقعت في أواسط سنة 1966، أن تخوض اسرائيل حربا كهذه على الجبهات الثلاث ولكنها توقعت أيضا أن تنتصر فيها اسرائيل وتحتل أراضي عربية واسعة في الضفة الغربية وسيناء والجولان. وحسب مذكرات عميت فإنه لم يبرح الولايات المتحدة إلا بعد ان أقنعها بضرورة شن الحرب.

وقد أمر جونسون وزير دفاعه، مكنمارا، بمتابعة التطورات الحربية واقامة «طاقم عمل» بقيادة ماكجورج باندي لضمان تقديم الدعم لاسرائيل في حالة وقوعها في مأزق.

هنا بدا اشكول مستسلما. وحسب المؤرخ توم سيغف، فإن اشكول كان سياسيا ذا أعصاب من حديد، فصمد في وجه الجنرالات الى أن جاءوا اليه بموافقة الولايات المتحدة. عندئذ رضخ ـ «من المشكوك فيه أن يكون اشكول مقتنعا بأن أمن اسرائيل في خطر أو أن مصر أرادت مهاجمة اسرائيل. ولكنه لم يستطع المقاومة أكثر، وأراد أن يظهر هو أيضا قائدا وطنيا».

وفي يوم الأحد 4 يونيو(حزيران)، اجتمعت الحكومة بحضور قادة الجيش. إيبان أبلغ أن واشنطن توافق على الحرب. رئيس الاستخبارات العسكرية، أهرون يريف، أبلغ أن لديه معلومات غير مؤكدة مائة في الامئة تقول ان مصر ستهاجم في اليوم التالي. ديان قال ان مصر تنوي احتلال ايلات. وخلال الجلسة في القدس سمع أزيز رصاص، فتبين ان الأردنيين أطلقوا الرصاص باتجاه طائرة «بيبر» اسرائيلية ثم أطلقوا باتجاه حي المصرارة في المدينة. عندها قال اشكول انه يجب شن الحرب وأعرب عن ندمه لأنه لم يوافق على بدئها قبل عدة أيام.

وفي الساعة الثامنة إلا ربعا من صبيحة الاثنين الخامس من يونيو (حزيران) بدأت الحرب. وكانت تلك حربا ضد مصر وحدها في البداية. بل ان اسرائيل أبلغت الأردن برسالتين، واحدة عن طريق الأمم المتحدة وأخرى عن طريق الولايات المتحدة، بأنها لن تهاجمه وطلبت منه ألا يهاجمها، مع ان الجيش الاسرائيلي كان قد استعد لاحتلال القدس والضفة حالما عرف أمر الحلف الدفاعي بينه وبين مصر. ولكن في الساعة العاشرة بدأ الجيش الأردني في قصف القدس الغربية.

إدارة الحرب

* لقد أدارت اسرائيل الحرب وفق المخطط المطروح منذ سنين: تدمير سلاح الجو المصري وهو على الأرض. خلال ساعتين كانوا قد دمروا 117 طائرة مصرية. في الساعة العاشرة والنصف صباحا اتصل الجنرال عيزر فايتسمان، رئيس قسم العمليات، بزوجته وأبلغها: «لقد انتصرنا في الحرب». اشكول وديان، تكلما للرأي العام ولم يبلغا عن نتائج اليوم الأول من الحرب. لكن ديان دعا رؤساء تحرير الصحف واسر في آذانهم بأن سلاح الجو الاسرائيلي أباد 400 طائرة مصرية وسورية وهي على الأرض. في الولايات المتحدة تابعوا الأحداث ساعة بساعة. مساعد الرئيس لشؤون الأمن القومي، فولت روستوف، أيقظ الرئيس جونسون في الرابعة والنصف صباحا، ليبلغه بأن الحرب قد نشبت وبأن اسرائيل تحرز مكاسب عظيمة فيها. نهض الرئيس وتوجه الى الغرفة رقم 303 في الطابق الثالث من البيت الأبيض وقال: «نحن في حرب». داخل الغرفة كانت الصديقة الاسرائيلية للرئيس، ماتيلدا كريم. فيما بعد سيكون لهذه المرأة دور في اصدار بيان باسم البيت الأبيض يعلن الوقوف الى جانب اسرائيل ويحمل جمال عبد الناصر مسؤولية الحرب. فقد تركت للرئيس جونسون رسالة تحتوي على مسودة للبيان، فاتصل هو مع وزير خارجيته، دين راسك، وأملى عليه النص (الرواية للمؤرخ توم سيغف).

في اليوم الأول اكتفت اسرائيل بالقصف الجوي، لكنها أرسلت مدرعاتها الى سيناء لتبدأ باحتلال الأرض المصرية. ديان كان يخطط لاحتلال قطاع غزة في مرحلة لاحقة، لكنه غير رأيه وأمر ببدء العمليات لتنفيذ المخطط المعد لاحتلال هذا القطاع. في اليوم الثاني قرر الجيش الاسرائيلي بدء عملية تدمير لسلاح المدرعات المصري واحتلال شرم الشيخ (المنطقة المشرفة على مضائق تيران) واحتلال كل الضفة الغربية لنهر الأردن واحتلال بانياس وتل العزيزات في الجولان والاعداد للدخول الى جبل سكوبوس في القدس. وقد اعترض رابين على احتلال مدن في الضفة الغربية فأجابه ديان: اذهب وأوجد طريقة مع الأردنيين لوقف النار. انهم يحاولون خوض حرب أكبر منهم وعليهم أن يدفعوا الثمن. واضاف ديان انه يريد أن يتم احتلال بلدة يعبد الفلسطينية قرب جنين لأنها بلدة تاريخية، فيها سلم أبناء يعقوب أخاهم يوسف، ولا بد من آثار مهمة هناك. وديان كان معروفا بجمع الآثار القديمة.

في ظهيرة اليوم بثت اذاعة لندن ان الحرب شارفت على الانتهاء، فسارع عدد من الوزراء الى اشكول مطالبين إياه باصدار أمر باحتلال القدس. فوافق على بحث الموضوع في جلسة الحكومة، وفي الوقت نفسه تم ارسال وزير الخارجية إيبان، الى نيويورك ليحاول بقدر مستطاعه أن يعرقل ويماطل في صدور قرار في مجلس الأمن يوقف الحرب. وقبل أن يصل إيبان الى الولايات المتحدة تم سقوط بعض أحياء القدس الشرقية بأيدي اسرائيل، وقد اعترفوا بأنهم تعرضوا هنا لمقاومة شديدة أدت الى سقوط عشرات القتلى الاسرائيليين. ولم يتمكنوا من احتلال بقية الأحياء.

في اليوم الثالث للحرب سقطت القدس. واستمر احتلال سيناء وبدأت الأنباء تتحدث عن تشتت القوات المصرية بلا هدف في الصحراء وموت العديدين من العطش والجوع وضربات الشمس. وآخرون قتلوا برصاص جنود اسرائيليين لم يرغبوا في أخذهم للأسر حتى لا يتحولوا عبئا عليهم. ومع أن اسرائيل تقول ان تلك حوادث فردية، إلا انها تحولت الى ظاهرة لا يعرف عدد ضحاياها حتى اليوم. في هذا اليوم أيضا تسبب اشكول في أزمة مع الولايات المتحدة. فقد سئل في لقاء مع سكرتيرة حزبه إذا ما كانت الحرب ضرورية ولماذا لم يعتمد على الوعد الأميركي بتوفير حماية للسفن الأميركية. فراح اشكول يهاجم جونسون ويقول عنه انه نمر من ورق يقول ولا يفعل ويتعهد ولا يفي. وقد اغتاظ الأميركيون واشتكوا رسميا، فاعتذر الإسرائيليون قائلين إنها سكرة النصر.

في الرابع والخامس والسادس من الحرب تفرغ الجيش الاسرائيلي لهضبة الجولان وجبل الشيخ بشكل خاص، وكان القتال فيهما ضاريا. في مرحلة معينة من يوم القتال الأول أبدى ديان استعدادا لوقف الحرب لأن السوريين يقتلون بشراسة ويوقعون القتلى في صفوف الاسرائيليين. إلا ان اشكول سأله إن كان سيحاول الاستمرار بعض الوقت لعله يسيطر على مناطق أخرى تبعد الجيش السوري عن الحدود. ولكن في اليوم الرابع من الحرب أضيفت أزمة أخرى مع الولايات المتحدة، حيث ان اسرائيل قصفت وأغرقت سفينة التجسس الأميركية «ليبرتي» أمام ساحل العريش، فقتل 37 من ركابها وجرح 171. لم يتوقع الأميركيون ان هذه الفعلة اسرائيلية واتهموا روسيا في البداية. وعندما اعترفت اسرائيل بالعملية واعتذرت تقرر اجراء تحقيق مشترك في الموضوع، ولم تنشر نتائج التحقيق الكاملة حتى اليوم.
 
رد: الوثائق الإسرائيلية

الوثائق الإسرائيلية (الحلقة السابعة والعشرون) المعلومات عن إعداد المصريين للنزول إلى القناة تمهيدا للعبور .. ضاعت في دوائر الاستخبارات الإسرائيلية

شارون يأمر بإخفاء وثائق قيمة عن تاريخ الحرب ومساعدوه ينقلونها إلى مزرعته



تل أبيب: نظير مجلي
في هذه الحلقة من استعراض تقرير لجنة أغرنات للتحقيق في إخفاقات الجيش الاسرائيلي إبان حرب أكتوبر، تتطرق اللجنة الى ظاهرة لافتة للنظر في الجيش الاسرائيلي في تلك الفترة، هي ظاهرة اختفاء وثائق مهمة، بضمنها معلومات سرية ومعلومات حيوية تتعلق بنشاطات عسكرية خطيرة. وعلى سبيل المثال يتضح ان تقارير من المخابرات الميدانية تحدثت عن قيام الجيش المصري بفتح ممرات للنزول الى المياه في قناة السويس تمهيدا للعبور، لكن هذه التقارير لا تصل الى قائد اللواء الجنوبي، شموئيل غونين (الذي عرف باسم غوردوش). ومن وثيقة أخرى نجد ان غوردوش هذا لم يدرك قط ان حربا ستنشب، وعندما وصل الخبر بأنها ستنشب في مساء اليوم المقبل (6 أكتوبر)، فتشوا عليه فوجدوه في الطرف الآخر، الشمالي من اسرائيل، مدينة حيفا، حيث أمضى ليلة حمراء مع عشيقته.
ونقرأ في وثيقة أخرى عن اختفاء كل السجلات التي تم فيها تدوين وقائع الحرب في الفترة ما بين 9 و15 اكتوبر، وهي ايام مصيرية في الحرب. وقد اختفت من ارشيف الجيش الاسرائيلي. فأين ذهبت؟ حتى الآن لا يعرف احد بالضبط. ولكن المؤرخين، رونين بيرغمن وجيل ملتسر يصممان على ان أرييل شارون هو الذي صادرها. فعندما اصبح رئيسا للحكومة أمر نائب رئيس دائرة التأريخ في الجيش الاسرائيلي، وهو صديق له وكان من مرؤوسيه في الجيش، ان يخفي تلك الوثائق. فقام ذلك برزمها في صناديق حديدية وحملها الى مزرعة شارون. ويقول المؤرخان، ان شارون فعل ذلك لأنه لا يريد ان يسجل اسمه في التاريخ كضابط متمرد على الأوامر. فهو تمرد على قائد اللواء الجنوبي خلال حرب أكتوبر، حسب كل المؤرخين الموضوعيين بمن في ذلك مؤرخو الجيش. ففي حينه قاد لواء المدرعات الذي عبر قناة السويس الى الضفة الغربية ليلتف على الجيوش المصرية التي تعبر القناة ويأتيها من الخلف، ثم راح يهدد بدخول السويس ثم القاهرة. وخلال كل ذلك كان قادته يعترضون خوفا على وقوع عدد كبير من القتلى، قدره غوردوش بـ15 ـ 20 ألف قتيل إسرائيلي. وكان يتجاهلهم ويكذب عليهم ويشتمهم أيضا. ورغم كل محاولاته التأثير على المؤرخين بتقديم رواية أخرى للأحداث، فإنهم ظلوا متمسكين بموقفهم. فما كان منه إلا ان يستغل صلاحياته كرئيس حكومة ويصادر التاريخ. ويكرس تقرير لجنة التحقيق هذه الحلقة لموضوع ضياع آخر هام في نهج الجيش الاسرائيلي عشية الحرب، وهو «القوانين والأنظمة والتعليمات» التي تحدد دور المخابرات الميدانية وضرورة أن يكون لها نشاط مستقل. ويبين التقرير ان شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الاسرائيلي قد استخفت بالمخابرات الميدانية ولم تعطها ما تستحق من أهمية، وان المخابرات الميدانية تقبلت هذا الوضع لأنه يريحها من مسؤولية اعطاء تقديرات مستقلة لما يجري على ارض العدو وفي ساحته. وضياع هذه التعليمات، تسبب في ضياع فرصة الاستفادة من المعلومات الحيوية التي قام بجمعها ضباط المخابرات الميدانيين على الجبهتين، السورية والمصرية. علما بأن العديدين من هؤلاء الضباط كانوا قد توصلوا الى قناعة بأن الحرب على الأبواب، ولكن قادتهم قمعوا هذه التقديرات وشطبوها. وإليكم الحلقة الجديدة من التقرير:

(3) عناصر أمن خارج دائرة البحوث في شعبة الاستخبارات العسكرية 111. من الصعب على عناصر المخابرات من خارج نطاق دائرة البحوث في شعبة الاستخبارات العسكرية أن تجادلها أو تجادل رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية حول صحة تقديراتها، كما جاء في البند 12 من التقرير الجزئي. فهم [شعبة الاستخبارات] يعتبرون المركز الوحيد للتقديرات الاستخبارية العسكرية في الدولة. وهم يحفظون لديهم جميع المواد والمعلومات التي يتم تجميعها من الأذرع التابعة لشعبة الاستخبارات العسكرية ومن الموساد ومن دوائر التجميع الأخرى، ثم يوزعونها بعد أن تتم غربلتها وتحريرها وتضاف اليها تقديرات شعبة الاستخبارات العسكرية ودوائرها. وهم يقررون لمن توزع المادة الأصلية ولمن توزع المادة المحررة (باستثناء المواد الخاصة التي تصل من مصادر مهمة خصوصا بواسطة الموساد، والتي اعتاد الموساد نفسه ان يوزعها وفق «التوزيع العالي»، أي لرئيسة الحكومة ووزير الدفاع ولسلاح المخابرات ـ شهادة الجنرال زعيرا صفحة 19 من بروتوكول اللجنة، صفحة 202). كذلك فقد سيطر «رأي شعبة الاستخبارات العسكرية» ودائرة البحوث فيها على جميع اذرع المخابرات. على سبيل المثال، فقد سبق وذكرنا (البند 73) بأن رئيس دائرة الاستخبارات في سلاح البحرية، العقيد لونتس، قلق من التحركات غير التقليدية في سلاح البحرية المصري في البحر الأحمر. ولكن شيئا لم ينتج عن هذا القلق، لأن مخاوفه لم تصل الى دائرة البحوث في شعبة الاستخبارات العسكرية.

112. ضابط المخابرات في اللواء الشمالي، المقدم حجاي مان، كان أكثر استقلالية في تقديراته. فقد تباحث مع قائد اللواء حول المعلومات المقلقة، مما دفع القائد الى تعزيز القوات في هضبة الجولان (صفحة 1379)، كما اختلف مع تقديرات دائرة البحوث في شعبة الاستخبارات العسكرية في قضية سيطرة سلاح المدرعات [السوري ] على المنطقة الدفاعية الثانية، ولكنه هو أيضا يفسر (صفحة 1419):

"... أنا أتقبل رسميا تقديرات شعبة الاستخبارات العسكرية لأنني أدرك مشكلتي، فأنا لا أملك كل المواد. مع ذلك فإنني رغم الشكوك وتقاطع المعلومات، طرحت أمام الجنرال قائد اللواءن مثلما فعلت مع التقديرات حول طلعات التصوير العينية (فيقضية السيطرة على تلك الرقعة).

سؤال: ولكنك تملك حق اعطاء تقديرات مختلفة عن تقديرات شعبة الاستخبارات العسكرية، في النشرات التي تصدرونها أنتم؟

جواب: بالتأكيد انني حر. حر بأن أفعل ذلك، ومع ذلك فإنني أتاثر من تلك المصادر التي بين يدي. ففي نشرات شعبة الاستخبارات هناك نغمة وهناك خط تفكير وهناك الاقناع، فيما المعلومات المتوفرة بين يدي كاملة أو جزئية. أنا اعتقد باتن هناك أمور أكثر أهمية أو أكثر تأثيرا، ليست بيدي". كما قلنا، لقد كان ناقصا وجود مواجهة على مستوى الندية بين رأي دائرة البحوث في شعبة الاستخبارات العسكرية وبين رأي المخابرات الميدانية. لذلك أوصينا في التقرير الجزئي (البند 22(د) (4))، بإعادة تنظيم المخابرات الميدانية واعطائها تمثيلا لائقا في مستوى هيئة رئاسة الأركان.

(4) المخابرات القتالية 113. ذلك النهج من الاجماع وأجواء الانسجام تسببت في خفض وزن المخابرات القتالية ايضا، التي تعمل في مجالات المخابرات في الميدان مثل الرصد والدوريات والتحقيق مع الأسرى. أهمية هذا الجهاز الخاصة تكمن في كونه قريب من الحدث ويحضر معلومات طازجة وفورية وجديدة، أكان ذلك من المراقبة والرصد أو من الاحتكاك الحربي المباشر، والتعرف على نوايا العدو وقواته العسكرية.

واتضح لنا بأن المخابرات الميدانية عزلت جانبا في شعبة الاستخبارات العسكرية العامة ولم تجر مواجهة معلوماتها وتقديراتها مع معلومات وتقديرات شعبة الاستخبارات. حتى من الناحية المؤسسية، فإن المخابرات القتالية بوصفها مصفاة للمعلومات «الساخنة» ومصدر لانتاج المعلومات حول «اعرف عدوك»، ليس ممثلا في القيادة العامة للأركان. 114. لقد ذكر رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية خلال شهادته (صفحة 8) بأن دوائر المخابرات العسكرية في الألوية تابعة لسلاح المخابرات ولكن قائدها المباشر هو قائد اللواء. شعبة الاستخبارات العسكرية هي التي تقوم بتدريب جنودها مهنيا، مثل كيفية اعداد ملف أهداف أو سبل تحليل الصور الجوية (صفحة 12). وتأتي اليهم تعليمات شعبة الاستخبارات العسكرية بطريقتين: أ) بواسطة فرع المخابرات القتالية في دائرة التنظيم والارشاد. وبـ) معسكر التدريب 15، وهو قاعدة يتم فيها ارشاد الجنود وتأهيلهم في مواضيع استخبارية قتالية على جميع المستويات والدرجات في سلاح المخابرات. ولكن في دائرة البحوث لم تؤخذ بالاعتبار المخابرات القتالية ولم تحضر معلوماتها لمجابهتها بالمعلومات المتوفرة لدى شعبة الاستخبارات العسكرية، علما بأن هذه المجابهة تعني بالتالي تدقيق المعلومات. والمخابرات القتالية غير ممثلة بمساواة في دائرة البحوث في شعبة الاستخبارات العسكرية. ولا يوجد له مكان لائق في طاقم البحث الذي يصوغ القرار «رأي شعبة الاستخبارات العسكرية». والاتصالات ما بين قادة سلاح المخابرات وبين شعبة الاستخبارات العسكرية تتم عادة على مستوى شخصي بين رؤساء الفروع في القيادة. في دائرة البحوث في شعبة الاستخبارات العسكرية تم التأكيد على الاستخبارات التقنية والسياسية والاستراتيجية. الاستخبارات الميدانية العملية، لم تعد تشكل بالنسبة لها مصدرا يتساوى في أهميته مع المعلومات القادمة من مصادر أخرى. في الحياة اليومية لم يتم تدريب المخابرات اللوائية على ذلك. وهكذا، وبسبب هذه الطريقة، حصل ان تجمعت عشية الحرب معلومات مهمة من الرصد الميداني، ولكنه لم يصل الى طاولة رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية. وهو يقول في شهادته (صفحة 657 - 658):

«.. بعد الحرب، على اثر التحقيق مع الرجال الذين كانوا في مواقع الرصد، اتضح لي أن التحركات الاستثنائية [للجيش المصري] رصدت [في سلاح المخابرات الميدانية]، ولكنها لم تلق الاهتمام اللازم بها عندما وصلت الي قبل الحرب».

«سؤال: من الذي لم يعطها الاهتمام اللازم؟

جواب: في مكان ما على الطريق ما بين ضابط المخابرات في مستوى الكتيبة أو الوحدة وحتى اللواء. لماذا؟ لقد استدعيت جنديين من سلاح المخابرات اللذين عادا لتوهما من الأسر في مصر. لقد وقعا في الأسر وهما في موقع الرصد. حققت معهما فاتضح أنهما شاهدا تحركات استثنائية، ولكن هذا لم يصل اليّ».

115. رئيس أركان الجيش قال في شهادته بأن هناك تفاصيل مهمة جمعت في المخابرات الميدانية، لكنها لم تصل اليه (صفحة 3998 ـ 3997):

«قسم كبير من هذه الأمور (معلومات من المخابرات الميدانية) لم أعرف به. وقسم من هذه الأمور، قسم كبير، أحصل عليه من التحليلات: حسنا، يوجد هنا تدريب. أنا أعرف اليوم أمورا كثيرة من المخابرات الميدانية التي لم تصل اليّ. الكثير من المخابرات القتالية أكتشفها الآن..

.. كنت في وضع، لم تصل اليّ فيه [المعلومات] الهائلة الموجودة لدى المخابرات القتالية. تصل اليّ مادة عبرت عملية تصفية. يصل اليّ [ان التحركات المصرية هي] جزء من التدريبات، فلا يضاء عندي الضوء الأحمر الذي يلزمني بالبدء بإجراء فحص داخلي وفحص [المعلومات] في الدرجات الأكثر انخفاضا».

116. علينا ان نقدم ملاحظة هنا حول استخدام التعبير «نشرة الاستخبارات العسكرية ـ التقنية»، بخصوص المعلومات ذات الطابع التحذيري الصرف، فهي كانت بعيدة عن كونها تقنية فقط. ان المعنى البسيط لـ«الاستخبارات التقنية» هو مخابرات الأجهزة والوسائل القتالية، واستخدام هذا التعبير لهدف آخر، من شأنه أن يحرف صاحب العنوان عن مضمونه. ونقصد بذلك نشرة الاستخبارات العسكرية التقنية رقم 299/73 من يوم 3.10.1973 (وثيقة البينات رقم 306) التي تضمنت [معلومات] مهمة [من] الاستخبارات الميدانية حول عمليات [قام بها المصريون] لتحسين طرق النزول الى القناة في القطاع الخاضع لسيطرة الجيش الثالث [المصري]، منذ اواسط سبتمبر [أيلول] 1973 (المصدر نفسه، صفحة 3). وقد كان تقدير شعبي الاستخبارات العسكرية (المصدر نفسه، صفحة 6):

«من المحتمل أن تكون «اليقظة» في موضوع التمهيد للعبور في قطاع الجيش الثالث (بموازاة عمليات التمهيد الواسعة التي سبق وان نفذها الجيش الثاني وتضمنت زيادة منصات [للدبابات] والنزول الى مياه القناة وشق طرق جديدة)، هي جزء من النشاط [الذي يتم] في اطار التدريبات المتعددة الذرع التي تنفذ حاليا فس الجيش المصري».

(وأيضا في هذه النشرة، لم تطرح امكانية أخرى، حيث من المحتمل أن تكون هذه الاستعدادات دليلا على النوايا الهجومية). بيد ان هذه المعلومات المهمة «ضاعت» بتأثير من ذلك العنوان «عسكري ـ تقني» ومن تقديرات دائرة البحوث في شعبة الاستخبارات العسكرية القائلة بأن هذه النشاطات تتم في اطار «التدريبات» (حول موقف رئيس الأركان من هذه النشرة أنظر البند 200 فصاعدا).

117. لم يكن هنالك شك في انه على مستوى الألوية، شعر رجال نقاط الرصد في الاستحكامات والمواقع بأنه لا يتم التعامل مع تقاريرهم وفقا لقيمتها الحقيقية وان هناك استهتارا بها. ويدل الأمر على التعفن الذي حصل في مكانة المخابرات الميدانية لدى قائد اللواء والقيادة العليا وبداخل شعبة الاستخبارات العسكرية نفسها. إذ ان كل جندي، بغض النظر عن انتمائه لية وحدة، يستطيع بعد تأهيل مناسب أن يكون وكيلا للمخابرات الميدانية، مثلما يستطيع أن يكون وكيلا للأمن الميداني أو الأمن في الاتصالات. ولكن، لكي يعبئ هذه الوظيفة، توجد هناك حاجة بنظام يضمن التثقيف حول الأهمية العملية للمخابرات الميدانية والانتباه لتفاصيل المعلومات الواردة في عمليات الرصد، التي قد تبدو في الظاهر تافهة. فالمخابرات الميدانية هي ليست موضوعا مقصورا على الأسلحة المختلفة، انما هي موضوع فوق السلحة وفوق الذرع، وفقا لكل نظريات القتال وكل نظريات الادارة العسكرية. من المناسب أن نطرح فيما يلي عنوانا لهذه الفكرة من الأقوال الصائبة للجنرال أدان في اجتماع لوائي عقد بعد الحرب (وثيقة البينات رقم 283 أ، صفحة 4):

«مع استمرار الحرب، تعلمت للأسف الشديد أنه يجب التأكد من الأمور جيدا جدا، ليس من أعلى الى تحت، بل من تحت الى أعلى. هناك أخبار «ميني» [يقصد أخبار صغيرة جدا]، وأنا لا أستخف بها. «انها أخبار جدية للغاية، تنزل الى اللوية ومنها الى الوحدات وهكذا. صحيح ان هناك مصادر. ولكن يجب دائما اعطاء الأفضلية لما يقوله [الجنود في ] خط التماس، الفرق والاحتكاك بالميدان».

118. في الأيام التي سبقت حرب يوم الغفران، منذ ان انتشرت قوات الجيش المصري في تشكيلات طوارئ و[اعلنت فيه] حالة التأهب القصوى، زادت أكثر أهمية المخابرات الميدانية. لقد اصبحت أكثر اهمية بشكل خاص، لسبب الصعوبات في اجراء تصوير جوي: شبكة صواريخ العدو المضادة للطائرات اضطرت طائراتنا الى التصوير من بعيد وبشكل مائل، مما يجعل تحليل الصور أقل سهولة (هذه الصعوبة تجلت في النقاش الذي جرى حول تفسير وضعية الخط الدفاعي الثاني في سورية، وهل تم تحريكه أم لا ـ أنظر البند 12 آنفا). لهذا السبب وللحساسية من رد فعل الصواريخ المصرية المضادة للطائرات، لم تجر عمليات تصوري من الجو في الجبهة المصرية من 24 سبتمبر وحتى 3 أكتوبر (شهادة العميد هارليف، رئيس الاستخبارات في سلاح الجو، صفحة 1299). لقد كان في مقدور المخابرات الميدانية أن تحصل على معلومات دقيقة ومعدلة حتى اللحظة الأخيرة حول تحركات قوات العدو والتغيرات في تشكيلاته وانتشاره واستعداداته على خط الجبهة ومنحها الى القادة والمساهمة بذلك في اعطاء تحذير تقني حول نوايا العدو. 119. يتولى أمر قيادة المخابرات القتالية أولا وقبل كل شيء ضابط الاستخبارات اللواء. توجد له مهمة مثلثة، كقائد دائرة الاستخبارات في اللواء، الضابط المهني لجميع وحدات الاستخبارات في الألوية والوحدات والفرق وكضابط الاستخبارات لقائد اللواء وطاقمه. (حول هذا انظر لاحقا في البند 271). باستطاعته أن يزود قائده القائد بما يطلب من معلومات وفي بعض الحيان يقدم بمبادرته المعلومات التي يخمن أن قائده يحتاج اليها. لكن في شعبة الاستخبارات العسكرية تم تقليص هذا الدور لدى ضابط الاستخبارات في اللواء.

نظريا، كان ضابط الاستخبارات في اللواء حرا ومن حقه أن يتوصل الى تقديرات مستقلة خاصة به وغير متعلقة بدائرة البحوث في شعبة الاستخبارات العسكرية، على اساس المعلومات التي جمعت لديه أو التي وصلت اليه من مصادر تجميع أخرى، وأن يعرض هذه المعلومات أمام قائد اللواء وأمام شعبة الاستخبارات العسكرية. لكن الترتيب القائم أثقل عمليا على امكانية التفكير المستقل من هذه الناحية، وكان هذا مريحا لضابط الاستخبارات. فهو لم ير في ذلك تجاهلا لصلاحياته حسب تعليمات القيادة العليا، وبات من السهل عليه أن يقبل بلا جدال تقديرات دائرة البحوث في شعبة الاستخبارات العسكرية، بدعوى انها تملك جميع المعلومات وتستطيع ان تقمع وتزيح جانبا الاستعداد لإعطاء تقدير حول المعلومات والتقديرات المستقلة. وبرزت هذه الظاهرة بشكل خاص عشية الحرب لدى ضابط الاستخبارات فس اللواء الجنوبي، المقدم غداليا، كما فسرنا في البند 26 آنفا من التقرير الجزئي (تفاصيل اخرى في البنود 274 ـ 276).

120. لقد سمعنا كيف ينظر ضباط الاستخبارات باستخفاف الى ما يسمى «طريقة المظلة»، التي بموجبها يحمي ضابط المخابرات نفسه من الانتقاد فيما بعد، بحيث يعرض أمام قادته كل الإمكانيات المفتوحة، وذلك لكي يقرر قائده بنفسه ما هي الإمكانية الأكثر معقولية. وحسب موجهي الانتقاد لـ«طريقة المظلة» لا يتصرف على هذا النحو ضابط الاستخبارات الذي يقوم بواجبه كما يجب، انما هو ملزم بأن يختار بنفسه الامكانية التي يراها ملائمة، ويعرضها وحدها أمام قادته. لقد رأينا ان هذه الطريقة سادت في شعبة الاستخبارات العسكرية وفي هيئة القيادة العامة، وهي التي تسببت في خلق ذلك النهج الذي تم بموجبه عرض «رأي شعبة الاستخبارات العسكرية» أو «رأي دائرة البحوث» فقط على القيادات العليا، وذلك بعد أن تتم بلورة الإمكانيات المختلفة، أولا داخل شعبة الاستخبارات العسكرية. وتفشت هذه الظاهرة ايضا في صفوف ضباط الاستخبارات في الألوية، وخير دليل على ذلك هو تصرف ضابط الاستخبارات في اللواء الجنوبي: فهو أيضا عرض أمام قائد اللواء تقديرا واحدا فقط، وليس تقديره المستقل بالذات، انما تقدير شعبة الاستخبارات العسكرية بعد أن تبناه من دون نقاش (أنظر البند 274، لاحقا). وبهذه الطريقة ضرب مضمون وأهداف تقديرات الاستخبارات الميدانية وضرب كمالها، وفقدت قيمتها المعلومات التي وصلت الى ضابط الاستخبارات في اللواء. ايضا عندما كان ضابط الاستخبارات في اللواء قادرا على التفسير وعلى التأشير نحو واحدة من الإمكانيات المتوفرة، أراح نفسه من ذلك عندما قبل بتقديرات دائرة البحوث في شعبة الاستخبارات العسكرية (رأي البحوث). وبهذا تعظم الخطر في أن لا تصل العلامات الدالة الى قائد اللواء بواسطة مصفاة ضابط الاستخبارات في اللواء، الذي عرض عليه نفس تقديرات دائرة البحوث في شعبة الاستخبارات العسكرية (حول واجب قائد اللواء في تقدير المعلومات، أنظر الى البند 239 لاحقا).

يبدو لنا انه من كثرة التحفظات من «طريقة المظلة»، انتقل بعض ضباط الاستخبارات الى تطرف معاكس. فالمفروض انه عندما يتوصل ضابط الاستخبارات الى بلورة رأي، بناء على المعلومات المتوفرة لديه، يقول فيه ان احدى الامكانيات المفتوحة أكثر احتمالا من غيرها،عليه ان يقدمها أمام المسؤولين عنه بصفتها تقديره الشخصي. ولكنه، في هذه الحالة أيضا، يجب ان يعرض صلب المعلومات المتوفرة لديه وأن يذكر أيضا الامكانيات الأخرى، حتى لو رأى أنها بعيدة الاحتمال.

هكذا يستطيع قائده بلورة رأي خاص به، وفقا للمعلومات التي عرضت عليه ووفقا للتجربة الغنية التي يكون قد مر بها وشعوره كقائد، حتى لو كان مخالفا لتقديرات ضابط الاستخبارات عنده. بيد انه في حالة عدم وجود امكانية لدى ضابط المخابرات اللوائي للوصول الى تقدير خاص به، واضح ومنمق (وليس مجرد تخمين)، فمن واجبه ان يعرض أمام قائده ما يمتلك من معلومات مرفقا إياها بتقدير مختصر حول جودة المصادر التي أحضرت المعلومات، والقائد يعطي عندئذ تقديره الشخصي من دون أن تكون بين يديه تقديرات ضابط المخابرات اللوائي التي تشير الى هذه الإمكانية أو تلك على أنها الأفضل.

فإذا كانت هذه هي الظروف، فإن أية أقاويل عن «طريقة المظلة» لا تقوى على إجبار ضابط الاستخبارات على أن يعرض تقديرا خاصا به، على عكس الحالة التي يكون فيها مجبرا من الناحية المهنية على إعطاء ما يمكن إعطاؤه من تقدير جيد للمعلومات.

121. سبق وقلنا ان المخابرات الميدانية لم تكن الوزن الملائم في تقديرات دائرة البحوث في شعبة الاستخبارات العسكرية أو رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية أو رئيس أركان الجيش، ونضيف هنا انها لم تصل الى المستوى القيادي العسكري بواسطة قنوات أخرى كانت تستطيع ومن الضروري أن تستخدم لنقل هذه المعلومات الحيوية، على سبيل المثال: من قائد اللواء الى رئيس الأركان أو من ضباط القيادة في اللواء الى ضباط القيادة العامة للأركان. في هذه الموضوع، رأينا شيئا استثنائيا في تصرف قائد اللواء الشمالي، الذي استنفر قيادة الأركان العامة، اثر الصور الجوية من يوم 24 سبتمبر، عندما علم انه لا يستطيع الحصول على امكانية التحذير(انظر البند 199 لاحقا).

واتضح لنا أيضا أن وقتا طويلا قد فات، منذ وصول فيلم التصوير من قاعدة سلاح الجو الى طاقم قيادة دائرة البحوث في شعبة الاستخبارات العسكرية والى ضابط الاستخبارات اللوائي لكي يبدأوا في تحليل الصور. أجل، لقد عبر وقت طويل أكثر من الحد، منذ أن انتهوا من تحليل الصور في سلاح الجو وحتى تمكنت شعبة الاستخبارات العسكرية من توصيل تحليلاتها الى القيادة، بل في بعض الأحيان وصلت التحليلات في خضم القتال.
 
رد: الوثائق الإسرائيلية

الوثائق الإسرائيلية (الحلقة الثالثة) ـ «الشرق الأوسط» تفتح ملفات الحروب الإسرائيلية إثر إطلاق سراحها بعد تكتم دام 40 عاما

سكرة النصر عام 1967 تقود إلى ضربة 1973



تل أبيب : نظير مجلي
بعد حرب الأيام الستة عام 1967، عاشت اسرائيل فترة طويلة من الزهو والعنجهية. فالانتصار غير المتوقع الذي احرزته في مواجهة مصر وسورية والأردن ومعها فرق من الجيوش العربية الأخرى، جعلها تشعر بأنها انتصرت على الأمة العربية بأسرها. وبدأت تتصرف بهذا النصر بمفاهيم من الانتقام والكيد.
فقد كان أول القرارات الرسمية ضم مدينة القدس الى تخوم الحدود الرسمية لاسرائيل. وكان أول الاجراءت العملية هدم حي المغاربة قرب حائط البراق من أجل توسيع باحة الحائط، الذي يؤمن اليهود انه أحد جدران الهيكل المقدس، ويسمونه «حائط المبكى» و«الحائط الغربي». ثم خرج وزير الدفاع، موشيه ديان بتصريحه الشهير، الذي قال فيه انه ينتظر أن يرن الهاتف، وقصد بذلك انه يتوقع بعد هذه الهزيمة أن يتصل به الزعماء العرب لكي يفاوضوه على السلام بالشروط الإسرائيلية. وزير آخر ذو تأثير في الحكومة الإسرائيلية، هو يغئال ألون، نائب رئيس الوزراء ووزير الاستيعاب، سارع بطرح «حل» للصراع الاسرائيلي ـ العربي مبني على اعادة حوالي ثلثي مساحة الضفة الغربية للأردن، وإبقاء القدس واللطرون وغور الأردن بحيث تضم لاسرائيل. وعندما رد العرب في مؤتمر القمة في الخرطوم باللاءات الثلاث: لا للمفاوضات مع اسرائيل ولا للاعتراف بها ولا للسلام معها، كان العديد من الاسرائيليين يصفقون لأنهم وجدوا فيها فرصتهم للإبقاء على الوضع الجديد الذي تسيطر فيه اسرائيل على مناطق عربية واسعة وتستطيع استخدامها لتوسيع حدودها من جهة، ولإبعاد خطر الحرب عن العمق الاسرائيلي من جهة أخرى. ويذكر أن موشيه ديان، وضع يومها عدة سيناريوهات للمستقبل، فقال ان العرب سيختارون واحدة من ثلاثة احتمالات: حربا شاملة أو حربا محدودة أو انتفاضة شعبية مع مقاومة مسلحة في المناطق المحتلة.

* وعلى الرغم من ان دافيد بن غوريون، كان في ذلك الوقت في الحادي والثمانين من العمر، وعارض الحرب بشدة، إلا ان ديان ورابين وغيرهما من القادة الإسرائيليين السياسيين والعسكريين، ذهبوا اليه طلبا للمشورة وأخذوه الى حائط المبكى «ليتذوق حلاوة النصر، فشجعهم على استثمار النصر ب"تصحيح خطأ» حكومته الأولى من عام 1948 وتعديل حدود اسرائيل باتجاه الشرق». وكان أول «أمر» أصدره أمام حائط المبكى عندما شاهد لافتة محفورة على حجارة الحائط وكتب عليها «حائط البراق»، فقال: «أزيلوا هذه اللافتة». وقد ضحك ديان ورابين عندما سمعاه، قائلين انه جدد شبابه وتصرف كما لو انه ما زال رئيسا للحكومة. وهرع جنديان من مرافقيهم الى اللافتة وحاولا اقتلاعها، وعندما فشلا في ازالتها أحضرا شاكوشا وراحا يكسران الحروف حتى تحطمت وانمحت. وقال لهم بن غوريون: افرضوا الأمر الواقع. فقط بالاستيطان اليهودي تستطيعون تثبيت حكم الدولة اليهودية.

وكشف ديان في مذكراته لاحقا أنه بدأ التخطيط لتنفيذ وصية بن غوريون قبل أن يسمعها، وتحديدا في الثامن من يونيو (حزيران) 1967، أي قبل ان تخمد المدافع، للمرحلة المقبلة. وبدا انه يختلف عن يغئال ألون، في طرحه ويفتش عن اطار لتسوية القضية الفلسطينية بروح هذا النصر، وذلك بإقامة دولة فلسطينية على الغالبية العظمى من الضفة الغربية من دون القدس ومناطق حيوية اخرى، بحيث تبقى الادارة الأمنية بأيدي اسرائيل، وتقام كونفدرالية بين اسرائيل وفلسطين.

وقد استدعى اسحق رابين، رئيس أركان الجيش، في الشهر التالي وعرض عليهم أفكاره على النحو التالي: تخصص منطقة غور الأردن للتدريبات العسكرية، وتسيطر اسرائيل على رؤوس الجبال وتقيم 4 – 5 نقاط استيطان عسكري تتحول الى استيطان يهودي مدني لاحقا، وتسيطر على مساحات واسعة من الأرض الزراعية لفلاحتها وضمان مصدر رزق لبضعة ألوف من المستوطنين اليهود. وطلب منهم أن يقيموا القواعد العسكرية في الضفة الغربية على اساس هذا البرنامج ويشقوا الشوارع التي تضمن الوصول من منطقة الساحل في اسرائيل الى هذه المستوطنات مباشرة من دون الاضطرار لاستخدام الطرق الفلسطينية. وفي شهر سبتمبر (أيلول) من السنة نفسها بادرت مجموعة من الشبان اليهود المتدينين الى اقامة أولى المستوطنات اليهودية في منطقة «غوش عتصيون» (ما بين بيت لحم والخليل). وبعد ثلاثة اشهر قررت الحكومة مصادرة 20 ألف دونم شمال الضفة الغربية للزراعة وحفر بئر ارتوازية للمياه. وحسب مذكرات شلومو غزيت، مساعد ديان لشؤون «المناطق المدارة» (هكذا سميت الأراضي المحتلة يومها)، فإنه ـ أي ديان ـ واصل اهتمامه بهذا الموضوع ودعا في مطلع عام 1968 مسؤولي وزارة الزراعة ودائرة أراضي اسرائيل وأمرهم بالسيطرة على جميع الأراضي والعقارات المسجلة باسم الدولة في الأراضي المحتلة وكذلك على ما كان مسجلا باسم الغائبين أو العدو، في الدوائر الرسمية (الأردنية بالنسبة للقدس والضفة الغربية، السورية بالنسبة لهضبة الجولان والمصرية بالنسبة لقطاع غزة وسيناء)، والحرص على مصادر المياه لتكون تحت السيطرة الاسرائيلية التامة. الإطمئنان الإسرائيلي

* في أبريل (نيسان)، اجتمع القائد العام للمنطقة الوسطى في الجيش الاسرائيلي، عوزي نركيس، مع مجموعة من نشطاء حركة «أرض اسرائيل الكاملة»، وهي حركة يمينية متطرفة بقيادة الحاخام موشيه ليفنغر، وسمح لهم بالصلاة في الحرم الابراهيمي في الخليل بمناسبة عيد الفصح لدى اليهود. وقد بقوا في المكان رافضين المغادرة حتى يومنا هذا. ثم أقاموا مستعمرة قرب الخليل «قريات أربع». وبدأت حملة استيطان موازية في الأراضي السورية المحتلة وحتى في سيناء المصرية. وأراد ديان أن يستوطن حتى في شرم الشيخ، التي قال عنها لاحقا: «إذا كان الخيار بين شرم الشيخ من دون سلام أو سلام من دون شرم الشيخ فإنني اختار شرم الشيخ من دون سلام».

وقد ظهرت معارضة شديدة لأفكار ديان في الحكومة الاسرائيلية، خصوصا من يغئال ألون وفي ما بعد رئيسة الوزراء، غولدا مئير، لكن ليس على مبدأ تثبيت الاحتلال، بل على شكله. فهؤلاء رفضوا الاعتراف بوجود شعب فلسطيني وقضية فلسطينية. وقد اشتهرت غولدا مئير بتوجيه السؤال: «أين هو الشعب الفلسطيني». فأجابها ديان: «علينا أن نعترف بأننا في احتلالنا الضفة الغربية وقطاع غزة، ساهمنا في ظهور تلك المجموعة من العرب التي تجد ما هو مشترك بينها. انهم سكان الضفة وقطاع غزة وأقاربهم في الخارج وانهم أيضا يعيشون بيننا، وهم العرب في اسرائيل الذين بدأوا يتصلون مع اخوانهم في المناطق. كما يبدو فإن هناك مخلوقا اسمه الشعب الفلسطيني وعلينا أن نعترف به ونضمن له مستقبلا ملائما لحريته وانسلاخه عنا من جهة واعفاء اسرائيل من السيطرة على 1.3 مليون عربي اضافيين هم سكان الضفة والقطاع».

وكان يبدو أن النقاش الداخلي في اسرائيل يجري في عالم آخر بعيد عن الجهود الدولية لايجاد تسوية للصراع. واستخف القادة الاسرائيليون بالمعارك الحربية التي جرت بعد حرب 1967، مثل معركة الكرامة في الأردن، التي فشل فيها الاسرائيليون، وحرب الاستنزاف في سيناء. وكان الاسرائيليون يرون انه طالما أن الحرب تقع داخل تخوم الحدود العربية فإنها لا تشكل خطرا على اسرائيل. ولذلك استمرت سياسة التبجح. وظلت اسرائيل تحاول فرض شروطها بتعنت ظاهر. ورفضت التوصل الى اتفاق سلام نهائي وشامل وأصرت على الاكتفاء بتسويات مرحلية، مشترطة أن أية تسوية مرحلية كهذه يجب أن تتضمن تعهدا عربيا بانهاء الصراع. وبهذه الطريقة أفشلت اسرائيل مهمة مبعوث الأمم المتحدة، غونار يارينغ، ومشروع وزير الخارجية الأميركي، روبرت روجرز، سنة 1971. وحتى عندما وافق الرئيس المصري الجديد، أنور السادات، على تسوية مرحلية، رفضتها اسرائيل لأنها لم تتجاوب مع «طلباتها الأمنية». وفي نوفمبر (تشرين الثاني) 1971 عرض الاتحاد السوفياتي مشروعا آخر بواسطة الأميركيين وكان عبارة عن مزيج من التسوية الدائمة والتسوية على مراحل، لكن اسرائيل رفضته. وقد سافرت غولدا مئير خصيصا الى واشنطن (في مطلع ديسمبر/ كانون الأول) لكي تفسر رفضها له وحملت معها يومها تقريرا من جهاز "الموساد" الاسرائيلي يدعي ان معلومات سرية حصلت عليها من موسكو تفيد بأن السادات وقع على صفقة اسلحة جديدة متطورة مع الاتحاد السوفياتي وان السوفيات وافقوا على طلباته فقط بعد أن تعهد لهم بالسير معهم في المخطط لدحر الولايات المتحدة من الشرق الأوسط. وقد عادت مئير تحمل تعهدا من الرئيس ريتشارد نكسون بألا يطرح خطة سلام أميركية مشتركة مع السوفيات (مذكرات اسحق رابين).

وهكذا أصيبت بالشلل محاولات التسوية، خصوصا في عام 1972 حيث نشبت أزمة باكستان ـ الهند، فاستقطبت اهتمام الأميركيين والسوفيات، وحيث قام الرئيس المصري بطرد الخبراء السوفيات فاعتبر الإسرائيليون ذلك اشارة للتخلي عن خيار الحرب. وكان الجيش الاسرائيلي قد ضاعف ميزانيته العسكرية خلال السنوات الماضية منذ حرب 1967، فزاد عدد طائراته المقاتلة من 200 الى 350 والدبابات من 1300 الى 2000، ولكن في سنة 1972 تم تخفيض الميزانية العسكرية نتيجة لهذا الاطمئنان. وزادت القناعة في اسرائيل بأن العرب لن يحاربوا، على الأقل في السنوات القريبة. حرب أكتوبر

* على خلفية تلك الأوضاع، الانطلاق من سكرة النصر في تقويم الأمور والاستخفاف الاسرائيلي بالعرب والتعامل معهم بعنجهية وغرور ومحاولة استثمار النصر العسكري بأقصى سبل الابتزاز، وفشل المبادرات للتسوية، نشبت حرب أكتوبر 1973. وقد صدمت هذه الحرب الإسرائيليين وأحدثت لديهم زلزالا سياسيا وعسكريا كبيرين، ما زال محور نقاش ودراسات وأبحاث حتى اليوم. هناك من يرى ان اسرائيل تعلمت الدرس منه وهناك من يرى انها لم تتعلم الدرس. وعلى اثر اخفاقات الحرب الأخيرة في لبنان، والنتائج الأولية للتحقيق الذي أجرته لجنة فينوغراد الحكومية، عاد الكثيرون الى تقرير لجنة تحقيق أخرى هي «لجنة أغرنات»، التي حققت خلال سنة 1973 – 1974 في اخفاقات حرب أكتوبر، وخلصت الى استنتاجات كثيرة ومهمة حول تلك الحرب.

تقرير لجنة أغرنات محفوظ بمنتهى السرية في أرشيف الجيش الاسرائيلي. ولكن بعد الحرب في لبنان تقرر الافراج عنه بشكل جزئي. ولكي نفهم ما جاء في تقرير لجنة أغرنات جيدا، لا بد من اعطاء فكرة عن الأجواء التي أحاطت به، منذ نشوب حرب أكتوبر 1973. ولا بد من التذكير بالأحداث التي سبقت الحرب ومراجعة بعض ما نشر في اسرائيل حول هذه الحرب واسرارها، خلال الـ33 عاما الماضية. وسنفعل ذلك جنبا الى جنب مع نشر مقاطع واسعة من التقرير نفسه حرفيا كوثيقة.

لجنة أغرنات

* حرب أكتوبر جاءت بمبادرة عربية ـ مصرية ـ سورية مشتركة، حيث قامت القوات البرية المصرية بهجوم على القوات الاسرائيلية التي تحتل سيناء وفي الوقت نفسه، الساعة الثانية من ظهر يوم السبت 6 اكتوبر (تشرين الأول) 1973، قامت القوات السورية البرية بمهاجمة القوات الاسرائيلية التي تحتل هضبة الجولان السورية المحتلة. وفي الأيام الأولى من الحرب تمكن الجيش المصري من كسر خط بارليف الحصين على طول قناة السويس ووصل الى عمق 15 – 20 كيلومترا في سيناء، وتمكن الجيش السوري من تحرير كامل هضبة الجولان، بما في ذلك جبل الشيخ والقلاع الحصينة التي بناها الجيش الاسرائيلي فيه. واستمرت الحرب حتى نهاية الشهر تقريبا وأقامت الولايات المتحدة جسرا جويا لنقل العتاد والأسلحة بما في ذلك طائرات يقودها طيارون أميركيون. وتمكنت اسرائيل من استعادة السيطرة على الجولان وتقدمت مسافة ما في الجزء الذي بقي منه في سورية بعد حرب 1967 وراحت تهدد دمشق، مما دفع بقوات عراقية للتقدم نحو العاصمة السورية لحمايتها، وتمكنت قوة اسرائيلية بقيادة الجنرال أرئيل شارون، (الذي أصبح رئيسا للوزراء في ما بعد ويرقد حاليا في المستشفى بلا وعي)، من إحداث ثغرة كبيرة والالتفاف وراء القوات المصرية غرب قناة السويس وتطويق الجيش الثالث المصري. وهدد الاتحاد السوفياتي بالتدخل العسكري لفك الحصار عن الجيش المصري. وكادت الدولتان العظميان تصلان الى مواجهة مباشرة على الأرض المصرية. وانتهت الحرب في 28 أكتوبر بعد قبول جميع الأطراف بقرار مجلس الأمن رقم 338، وعقد اتفاقان لفصل القوات عادت بموجبه القوات الاسرائيلية الى الخلف لتنتهي الحرب بنجاح مصر وسورية في تحرير جزء مهم من أراضيهما المحتلة عام 1967. في اسرائيل، وبنفس طريقة التبجح المألوفة، رفضوا رؤية هذه الحرب دليلا على قدرات قتالية عربية. وأصروا على اعتبار الأمر «إهمالا إسرائيليا خطيرا»، لا بد أن يدفع ثمنه المسؤولون عن الاهمال. وراحوا يطالبون بتشكيل لجنة تحقيق رسمية ذات صلاحيات تنفيذية لفحص ما جرى ومعاقبة المسؤولين عن الفشل. وعندما تجاهلت الحكومة هذا المطلب، انطلقت حملة جماهيرية واسعة تطالب باستقالة الحكومة كلها، وفي المقدمة رئيستها، غولدا مئير، ووزير الدفاع، موشيه ديان. وقاد هذه الحملة أحد ضباط جيش الاحتياط، موطي اشكنازي، الذي عاد لتوه من الجبهة ليعلن الاعتصام أمام بيت رئيسة الحكومة الى حين تقدم استقالتها. وانضم الى الحملة، بطريقته الخاصة، أرئيل شارون، الذي ادعى في مقابلة مع صحيفة «نيويورك تايمز» (10 نوفمبر/ تشرين الثاني 1973)، بأنه كان في مقدوره أن يجبر الجيش المصري على العودة من سيناء والاستسلام أمامه وتحقيق انتصار إسرائيلي كاسح في هذه الحرب لكن قادة الجيش ومعهم القيادة السياسية، منعوه من ذلك وحجبوا عنه ما طلبه من تعزيزات وفرضوا عليه التقدم ببطء شديد.

وكانت تلك اشارة منه لتصعيد الهجوم على القيادة السياسية والعسكرية، حيث ان الشعب رأى في شارون بطل هذه الحرب، في حين حاول قادته معاقبته على رفض الامتثال للأوامر التي أرادت منعه من تنفيذ تلك الثغرة لأنها تشكل خطرا على الوف الجنود والضباط. وكانت الحكومة قد فرضت على المواطنين ضريبة حرب، تعطى كقرض طويل الأمد للدولة. ومع انتهاء الحرب كشف ان عدد القتلى فيها بلغ 2222 شخصا، ثم عاد الجرحى الى بيوتهم، وعددهم 7251 جنديا وضابطا، وراحوا يروون العجائب عن فظائع الحرب. ويكشفون أنهم خدعوا عندما قال لهم قادتهم السياسيون والعسكريون بأن العرب يهربون أمام جنود اسرائيل ولا يجيدون القتال. كل هذه الأمور وغيرها شكلت ضغطا شديدا على الحكومة، وفي 18 نوفمبر (تشرين الثاني) 1973 رضخت الى هذه الحملة وقررت تشكيل لجنة تحقيق قضائية رسمية للتحقيق في الحرب. ومع ان نص القرار الحكومي بدا ضبابيا وحدد صلاحيات اللجنة للتحقيق فقط في أمرين هما: معرفة المعلومات عن الاستعداد للحرب (في الطرف المصري والسوري) واستعداد الجيش الاسرائيلي للحرب، إلا ان اللجنة وسعت نطاق تحقيقها وأصدرت توصيات قاسية أدت الى الاطاحة برئيس الأركان وبرئيس الاستخبارات العسكرية وغيرهما.

وتشكلت لجنة التحقيق من القاضي المتقاعد في المحكمة العليا، د. شمعون أغرنات (رئيسا)، وقد عرفت اللجنة باسمه، والقاضي المتقاعد في المحكمة العليا، موشيه لانداو، ومراقب الدولة القاضي د. يتسحاق يبتسئيل، ورئيس الأركان الأول للجيش الاسرائيلي الجنرال في الاحتياط يغئال يدين، ورئيس الأركان الثاني، حايم لسكوف.

وكان من دوافع هذا الرضوخ أن اسرائيل استعدت لخوض انتخابات عامة للكنيست في اليوم الأخير من السنة، وهي الانتخابات التي كانت مقررة لأحد ايام الحرب. وتأجلت بسبب الحرب. وقد رفع الحزب الحاكم (المعراخ ـ وهو تجمع حزب العمل وأحزاب يسارية ولبرالية صغيرة أخرى)، شعارا يأخذ بالاعتبار الغضب العارم على الحكومة بسبب الفشل في الحرب، هو «المعراخ، رغم كل شيء». ونجح هذا الشعار في ابقاء حزب العمل في الحكم. تدحرج قرارات اللجنة

* لقد عقدت لجنة أغرنات 156 جلسة استمعت خلالها لشهادات 90 شخصية سياسية وعسكرية كبيرة، بمن في ذلك رئيسة الحكومة والوزراء ووزراء سابقين وجنرالات في الاحتياط، وتبقت 188 شهادة أخرى من داخل مؤسسة الجيش لجنود وضباط كانوا شهود عيان لأحداث، وقد اعتمدت اللجنة على طاقم تحقيق ثانوي لجمعها. كما تلقت 424 شهادة من أشخاص تطوعوا لاطلاع اللجنة على مشاهداتهم وآرائهم. وأصدرت ثلاثة تقارير عن عملها:

الأول وهو تقرير مرحلي وجزئي وقررت اللجنة أن يكون علنيا. اصدرته اللجنة في يوم الأول من أبريل (نيسان) 1974، أي بعد خمسة أشهر من عملها. وقيل انه كان مثل كذبة الأول من أبريل، من الصعب تصديقه. فقد اعتبر قاسيا جدا، لأنه منذ البداية وضع اصبع الاتهام في الفشل نحو عدد من الشخصيات العسكرية كمسؤولة مباشرة عن الفشل، وفي مقدمتهم رئيس أركان الجيش، دافيد العزار، الذي استقال فور صدور التقرير، ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية، ايلي زعيرا، وثلاثة ضباط كبار من مرؤوسيه، والجنرال شموئيل غونين، قائد المنطقة الجنوبية.

وأشار التقرير الى قصور الوزراء أيضا، لكنه امتنع عن التوصية بشيء نحو أي منهم. وترك لهم الخيار لاستخلاص النتائج التي يرونها مناسبة. وقد امتنعوا عن استخلاص النتائج، فتصاعدت الحملة الجماهيرية ضدهم بايحاء من عدد كبير من ضباط الاحتياط الذين رفضوا أن يدفع الجنرالات وحدهم ثمن الفشل. وأثمرت الحملة فعلا بعد أسبوع واحد (11 أبريل / نيسان) باستقالة رئيسة الحكومة، غولدا مئير، واعلانها اعتزال السياسة ومثلها فعل وزير الدفاع، موشيه ديان، الذي انصبت الانتقادات عليه من كل حدب وصوب كصاحب النظريات الأمنية والاستراتيجية الأساسية لاسرائيل في كل تلك الفترة من حرب 1967 الى حرب 1973. واعتزل معهما قائدان تاريخيان في اسرائيل، وزير الخارجية أبا ايبن، ووزير المالية بنحاس سبير، مع انهما لم يتعرضا لانتقادات كبيرة.

التقرير الثاني: وقد صدر في الفاتح من يوليو(تموز) 1974 وكان سريا تماما ووجه الى الحكومة فقط مع التوصية بأن يطلع عليه قادة الجيش ومن ترى الحكومة بأنه سيستفيد منه ويحافظ في الوقت نفسه على سريته التامة. وفي هذا التقرير رصد شامل للأحداث العسكرية والسياسية والدولية خلال الحرب، ولذلك يعتبر أهم التقارير الثلاثة وتنشره «الشرق الأوسط» كاملا تباعا، ابتداء من هذا العدد. التقرير الثالث: وقد صدر في 28 يناير (كانون الثاني) 1975، وهو الأكبر (1511 صفحة)، وقد تم توجيهه الى الحكومة ولجنة الخارجية والأمن في الكنيست. وهو أيضا كامل السرية ويتعلق بقضايا الجيش وضرورة تنفيذ اصلاحات واسعة فيه. وسننشر استعراضا له في «الشرق الأوسط»، بعد نشر التقرير الثاني.

لقد قوبلت تقارير «لجنة أغرنات» بردود فعل صاخبة في اسرائيل، لم تهدأ حتى اليوم. فبالاضافة الى التغييرات التي أحدثتها بشكل مباشر أو غير مباشر في قيادة الجيش والحكومة، أدت الى احداث تغييرات في عمل الجيش وطرق استعداداته الحربية وادارة شؤونه الداخلية. ففي سنة 1975 تقررت اقامة لجنة وزارية لشؤون الأمن تكون مؤلفة من الوزراء العاملين في القضايا الأمنية والاقتصادية لتكون لجنة مهنية لشؤون الحرب. وفي سنة 1976 تم تعديل قانون أساس الجيش ليحسن آلية اصدار الأوامر الحكومية للجيش بروح توصيات «لجنة أغرنات». وتقرر تعيين مستشار خاص لرئيس الحكومة متخصص في شؤون الاستعلامات والاستخبارات، وفيما بعد تم تشكيل مجلس للأمن القومي. وأقيمت دائرة بحث استخباري في وزارة الخارجية، حيث لم يعد هناك اعتماد كامل فقط على الاستخبارات العسكرية. وجرت تغييرات واسعة في أسلوب عمل شعبة الاستخبارات العسكرية. وأقيمت وحدة جديدة في «الموساد» أيضا بهدف عدم الاعتماد على استخبارات الجيش وحدها. لكن من هاجم اللجنة كان أكثر ممن أفاد من توصيتها. فقد هاجمها الجنرالات عموما، والجنرالات الذين أشارت اللجنة اليهم بإصبع الاتهام بشكل خاص. ونشرت في اسرائيل عشرات الكتب وألوف الأبحاث الأكاديمية والعسكرية التي تطعن فيها وتمس مصداقيتها. ومن أقسى الانتقادات لها كان كتاب الجنرال ايلي زعيرا، رئيس الاستخبارات العسكرية، الذي حاول أن يثبت بأن اللجنة أقيمت سلفا بهدف واضح هو تبرئة البعض وادانة البعض وفقا لحسابات شخصية وسياسية، وانه كان ضحية للمؤامرة التي انخرطت فيها اللجنة.

هنا استفز رئيس وأعضاء لجنة أغرنات، وفي سنة 1993، أي بعد 20 سنة من الحرب، تقدم القاضي شمعون أغرنات والجنرال يغئال يدين بطلب رسمي إلى الحكومة لكي تكشف تقارير اللجنة «حتى تضع حدا لعمليات التزييف التي يجريها بعض الباحثين من أجل مصالح ضيقة». وفي السنة نفسها توجهت صحيفة «معاريف» الى محكمة العدل العليا تطلب نشر التقارير. وفي 4 أبريل (نيسان) 1994، أبلغت الحكومة المحكمة بأنها قررت نشر التقارير. وشكلت الحكومة لجنة من خاصة تعمل مع «دائرة الأمن الميداني» خاصة تعمل مع «دائرة الأمن الميداني» في رئاسة أركان الجيش لتقرر كيفية النشر ومضمونه. وتم النشر الأول في مطلع عام 1995، ولكن مقاطع أساسية منه شطبت بدعوى السرية والمصالح الأمنية. وفقط في السنة الماضية أميط اللثام عن كل صفحات التقرير، باستثناء بعض الجمل التي مازالت تحسب سرية.

وتبحث اللجنة حاليا في مصير ألوف الوثائق والبينات والشهادات المرفقة بالتقرير والتي ما زالت سرية، وفيها الكثير من المعلومات الحساسة والدقيقة التي تصر المخابرات الاسرائيلية على ابقائها سرية، خصوصا تلك التي تتعلق بشخصيات من العالم العربي تعاملت مع اسرائيل بسرية، كجواسيس بأجرة أو كمسؤولين سياسيين قاموا بتزويد اسرائيل بمعلومات من دون مقابل مالي.

ملاحظات تساعد على القراءة

* قبل الاستمرار في نشر وثيقة التقرير الثاني للجنة أغرنات بالكامل، نلفت نظر القارئ الى ما يلي:

أولا: لقد تمت ترجمة التقرير من العبرية. وقد كتبه أناس غير متخصصين باللغة، وكما هو واضح فإن اللجنة لم ترسل التقارير الى محرر لغوي يهذبه ويوضحه كما يليق ببحث أو دراسة. ويلاحظ ان هناك صياغات بسبب ركاكتها اضطررنا الى توضيحها وفقا للمعلومات عن الأوضاع الإسرائيلية في تلك المرحلة، من دون أي مساس بجوهر الوثيقة. وفي الحالات التي كان هناك خوف من أن التوضيح قد يحمل تفسيرات أخرى امتنعنا عن ذلك وفضلنا ابقاء الصياغة الركيكة كما هي.

ثانيا: هناك جمل وكلمات وضع تحتها خط، بهدف ابرازها، كل هذا التوكيد تم في النص الأصلي للجنة.

ثالثا: اللجنة تعمدت شرح بعض المضامين بشروحات وضعت داخل قوسين من الأصل، وقد اشرنا الى هذا الشرح بالقوسين التاليين: ( ). أما الشروحات التي قدمناها نحن في «الشرق الأوسط»، لاعتقادنا بأهميتها للدقة وللتفسير وللتذكير بأحداث تلك الفترة، فقد أشرنا اليها بنوع آخر من الأقواس هو: ( ).

رابعا: تسمى حرب أكتوبر 1973 في اسرائيل بـ«حرب الغفران»، وذلك لأنها وقعت في «يوم الغفران»، وهو يوم صوم وصلوات لليهود يتضرعون فيه الى الله أن يغفر لهم الذنوب. وتشل الحياة في اسرائيل عادة في هذا اليوم، فيحظر العمل والسفر وتغلق الإذاعة والتلفزيون. ومع ان معظم الاسرائيليين اليهود ليسوا متدينين، إلا انهم في هذا اليوم يلتزمون بأحكام الدين. وقد اختارت مصر وسورية هذا اليوم لشن الحرب بشكل مقصود من خلال معرفة هذه الحقيقة. وقد فوجئ الاسرائيليون بمعرفة العرب مميزات هذا اليوم. خامسا: الجيش الاسرائيلي يعرف في اسرائيل على انه «جيش الاحتلال الإسرائيلي». وقد التزمنا بهذا الاسم وبغيره من التعابير غير المألوفة في خطابنا العربي، بدافع الأمانة والدقة اللتين يتطلبهما البحث.
 
رد: الوثائق الإسرائيلية

الوثائق الإسرائيلية (الحلقة الرابعة) ـ «الشرق الأوسط» تفتح ملفات الحروب الإسرائيلية إثر إطلاق سراحها بعد تكتم دام 40 عاما

وزير الخارجية الإسرائيلي: نحن نتصرف كعصابة إرهاب * مسؤول عربي أبلغ الاسرائيليين في تل أبيب باستعدادات مصر وسورية للحرب



تل أبيب : نظير مجلي
في هذه المرحلة من التقرير، لم تخض لجنة أغرنات بتفاصيل الأحداث السياسية التي أحاطت بالمنطقة في تلك الفترة، رغم أهميتها. وكما نلاحظ في النص الوارد بعد هذه المقدمة، فإنها استعرضت الأحداث بشكل عابر. لكن تلك الأحداث بالغة الأهمية للقارئ، ولذلك لجأنا الى وثائق أخرى تتحدث عن الأوضاع في تلك الفترة، وأبرزها شهادة وزير الخارجية الاسرائيلي في ذلك الوقت، أبا ايبن، من خلال كتاب مذكراته الخاصة «فصل حياة» (اصدار دار النشر التابعة لصحيفة «معريب» سنة 1978). وهو يكشف هناك بأنه وهو يدير السياسة الخارجية الاسرائيلية في الخارج كان يعاني الأمرين من سياسة الحكومة الاسرائيلية. وفي بعض الأحيان كان يصعق عندما يسمع عن قرار اتخذته الحكومة في السياسة الخارجية، وهو في مهمة خارج البلاد. وهو يكتب عن تلك الفترة بحدة بالغة، فيتهم بها العسكريين في الحكومة، وخصوصا وزير الدفاع موشيه ديان، الذين لا يتردد في نعتهم عدة مرات بمرضى الغطرسة والغرور. ويقول انه اضطر عدة مرات الى ترداد المقولة التالية التي يقصد بها زملاءه المتطرفين في القيادة الاسرائيلية: «العقل بلا عواطف يكون عقيما، لكن العواطف بلا عقل تكون هستيريا».
ويروي ايبن انه في نهاية سنة 1972 شعر بأن الركود السياسي في الشرق الأوسط يشكل خطرا كبيرا على المنطقة، فاجتمع الى المراسلين الصحافيين الأجانب في القدس، وقال لهم ان «الركود السياسي في المنطقة سيدفع العرب الى خيار الحرب ولذلك يجب علينا أن نعمل باستعجال لكي تكون سنة 1973 سنة مفاوضات سلام بين اسرائيل والعرب». ويقول ايبن انه استعمل كلمة «استعجال» وهو يعلم بأن أحدا في اسرائيل غير مستعجل على شيء. فالاسرائيليون مطمئنون وما زالوا غارقين في نشوة النصر «فالقوات الاسرائيلية ترابط بعيدا على خطوط وقف اطلاق النار من قناة السويس الى نهر الأردن وحتى هضبة الجولان. وبعد خمس سنوات ونصف السنة (من احتلال العام 1967) يبدو وكأن وجودنا هناك بات شرعيا. الرئيس (الأميركي) ريتشارد نيكسون صرح بأن على الجنود الاسرائيليين أن لا يتركوا أيا من المناطق المحتلة (العام 1967) قبل أن يتم انجاز اتفاق سلام ملزم للجميع ومرض لاسرائيل. حتى الاتحاد السوفياتي الذي ناصر المطلب العربي بضرورة الانسحاب الكامل، فقد اعترف بأن هذا الانسحاب لن يتحقق من دون التوصل الى سلام شامل. وفي هذه الأثناء بدا أن المليون عربي في يهودا والسامرة (الضفة الغربية) وغزة استسلموا ازاء السيطرة الاسرائيلية المتواصلة. فقد عاشوا معنا بخليط غريب من الانسجام والاغتراب، حيث ان الحل السياسي بدا بعيدا. وأدى ذلك باسرائيليين كثيرين أن يغرقوا في الوهم بأن هناك استقرارا.

تدفق 70000 عامل عربي من المناطق المدارة (أي المحتلة) الى اسرائيل في كل يوم للعمل. والأجر الذي حصلوا عليه زاد من الازدهار في بلداتهم. وفي كل صيف عبر نهر الأردن مئات الألوف وجاءوا لزيارة أقاربهم. في السنتين 1969 ـ 1970 كان مندوبون عن الدول الأربع الكبرى يجتمعون من آن لآخر في الأمم المتحدة (للبحث في قضية هذا الصراع). ولكن الاستراحات الطويلة ما بين اللقاء واللقاء قد زادت. وتقلصت الجهود حتى اعلان نهايتها في 1971. وانتهت مبعوثية غونار يارينغ (وهو سفير سويدي سابق في موسكو تم اختياره مبعوثا خاصا للأمين العام للأمم المتحدة لتقريب وجهات النظر بين الاسرائيليين والعرب)، عندما قدم في فبراير (شباط) 1971 تقريرا وافق خلاله على المطلب المصري في الأرض، إذ انه بهذا الموقف فقد مصداقيته في اسرائيل». ويتطرق ايبن في مذكراته الى لقاء القمة السوفياتي الأميركي بين ليونيد بريجنيف وريتشارد نيكسون فيقول ان «الاسرائيليين الذين يذكرون فترة الضغوط السوفياتية الأميركية الخانقة في سنة 1956، حيث وجه السوفيات انذارا لاسرائيل بأن توقف الحرب وتنسحب من سيناء، وراح الأميركيون يمارسون الضغوط على اسرائيل بأن تفعل، ولذلك فإنهم ردوا دائما بعصبية على اجراء لقاءات كهذه. ولكن لقاء نيكسون بريجنيف في يونيو (حزيران) 1973 انتهى بذكر قرار مجلس الأمن 242 فقط بطريقة شكلية، وعادت الأمور الى نصابها وركودها».

ويتابع ايبن وصف الصورة الدولية في تلك الفترة فيقول ان العرب استطاعوا عادة «الفوز بانتصارات في التصويت في مؤسسات الأمم المتحدة والتصويت والخطابات التي سبقته روفقت عادة بصخب كبير، لكنها لم تستطع تحريك جندي اسرائيلي من مكانه. وهكذا بات الطرفان في وضع يحصل فيه العرب على قرارات واسرائيل تكرس وجودها على الأرض. وقد تعزز هذا النوع من الاستقرار أكثر مع انتقال الدولتين العظميين الى حالة «الديتانت» (وتعني بالفرنسية والانجليزية «ازالة العداء والتوتر» واصطلح العرب على وصفها في ذلك الوقت بـ«الانفراج»). فلم يكن من المعقول أن يثير الاتحاد السوفياتي غضب الولايات المتحدة بواسطة دفع العرب الى سباق تسلح، خصوصا ان السوفيات ليسوا معنيين بأن يروا أسلحتهم تهزم بشكل مهين بأيدي العرب (كما حصل في حرب 1967)».

ويخرج ايبن من هذا المشهد استثناء واحدا هو عمليات التفجير وخطف الطائرات الفلسطينية، التي كانت تخرج العالم من حالة الاستقرار المذكورة أعلاه، ولكنه يلفت النظر الى ان هذه العمليات لم تنفذ ضد اسرائيل مباشرة بمعظمها وكانت مثيرة لقلق الغرب أكثر مما هي مثيرة لقلق الاسرائيليين. ويعود وزير الخارجية الاسرائيلي الى وصف الغطرسة العسكرية للقيادة الاسرائيلية فيشير الى ان موشيه ديان، وزير الدفاع، كان يقود التيار المتعصب وذي التأثير الهائل في الحكومة ويقول انه «لم يكن ديان رئيس حكومة ولكنه كان أقوى أعضاء الحكومة». وفي حين كان ديان يطرح، مع بداية الاحتلال، اعادة غالبية الأراضي العربية للعرب مقابل اتفاق سلام، أصبح يعتقد بأن الوضع الحالي هو أفضل حالة استقرار ممكنة. «فلن تنشب حرب جديدة في القريب ولن يأتي السلام بسرعة. الجيوش العربية ـ حسب رأي ديان كما ينقله أبا ايبن ـ تدرك بأن لدى اسرائيل قوة عسكرية ضخمة لدرجة انهم لا يخاطرون بمهاجمتها. المخربون يستطيعون قتل وجرح بعض الاسرائيليين ولكن اعتداءاتهم لن تدمر دولة اسرائيل ولن تستطيع تغيير حدودها، ولذلك فإن تأثيرها السياسي هامشي. لهذا فإن ديان رأى أن على اسرائيل ان لا تصرف جهودها على احتمالات سلاح ضحلة، بل على بلورة خريطة جديدة لها، بواسطة فرض الأمر الواقع بالاستيطان في الضفة الغربية. وقد أظهر استخفافا بفكرة إبقاء خيارات التفاوض للسلام مفتوحة. وفي مقابلة تلفزيونية مع «بي. بي. سي» قال في 14 مايو (ايار) 1973 ان على اسرائيل أن تبقى في الضفة الغربية الى أبد الآبدين. فإذا لم يعجب الأمر الفلسطينيين فإن بإمكانهم أن يرحلوا الى الأردن أو سورية أو العراق أو أية دولة عربية أخرى. وفي 30 يوليو (تموز) قال لأسبوعية «تايمز» انه «لم تعد هناك فلسطين.. خلاص». وكان قد أعلن في خطاب احتفالي من على تلة «مسادا» في أبريل (نيسان) رؤياه لـ«دولة اسرائيل الجديدة ذات الحدود المترامية الأطراف والقوية والثابتة، حيث تفرض حكومة اسرائيل سلطتها على المنطقة الممتدة من قناة السويس وحتى نهر الأردن». ويتابع ايبن ان «سياسة المؤسسة الاسرائيلية الاستراتيجية الأمنية نصت طول تلك الفترة وبكل وضوح على اتباع سياسة استنزاف للعرب. فإن لم يستطع العرب استعادة أراضيهم بحرب أو بضغط الدول العظمى فسيكون عليهم أن يطلبوا المفاوضات ويستجيبوا لبعض المصالح الأمنية الاسرائيلية. ولم تأخذ هذه المؤسسة بالاعتبار وجود خيار عربي ثالث هو: لا استسلام ولا مفاوضات، بل التوجه اليائس الى حرب على أمل أنه حتى لو كان الهجوم غير ناجح فإنه أفضل من القبول بخط وقف اطلاق النار». ويشير ايبن الى قدوم جنرالين اضافيين الى عالم السياسة الاسرائيلية ليضيفا قوة الى أولئك المتعصبين الحاكمين، هما رئيس اركان الجيش، اسحق رابين، والجنرال أرييل شارون. الأول كتب مقالا في «معريب» في 13 يوليو (تموز) يقول فيه: «لقد ضعفت قوة الدول العربية على تنسيق نشاطاتها السياسية والعسكرية ولم تنجح حتى اليوم في جعل النفط عنصر تأثير سياسيا. امكانية استئناف الحرب قائمة ولكن قوة اسرائيل العسكرية كافية لمنع الطرف الآخر من تحقيق أي انجاز عسكري». أما شارون فقال في مقابلة صحافية مع صحيفة «هآرتس» (1973. 9. 20) ان «على الاسرائيليين أن يفهموا انه لا يوجد هدف ما بين بغداد والخرطوم، بما فيه ليبيا، يصعب على الجيش الاسرائيلي احتلاله».

ويقول ايبن ان هناك من وقفوا مثله ضد هذه العنجهية في اسرائيل، لكن هؤلاء أخرسوا خصوصا ان جميع امتحانات القوة التي خاضتها اسرائيل في تلك الفترة انتهت بنجاح. فقد حررت اسرائيل الرهائن من طائرة «سابينا»، وتمكنت من الدخول الى مصر والعودة مع دبابة سوفياتية حديثة أو جهاز رادار سوفياتي حديث، ودخلت قوة كوماندوز منها الى بيروت في أبريل (نيسان) 1973 وتتنقل من شارع الى آخر بحثا عن قادة المخربين (يقصد الفدائيين الفلسطينيين) وتنفيذ عمليات تخريب في طائرات ركاب تابعة لشركات خطوط جوية عربية جاثمة في مطار بيروت. في كل مكان وصل الجيش أو سلاح الجو الاسرائيلي، ساد الشعور بالسيادة والسطوة. الهدوء خيم على قناة السويس والسادات لم يجدد حرب الاستنزاف التي أدارها عبد الناصر. الملك حسين، الذي عمل من خلال مصالحه، وأفاد عمله اسرائيل، اغلق الطريق أمام الفلسطينيين على طول نهر الأردن.

ويروي ايبن كيف كان يتكلم في جميع المناسبات ضد عربدة العسكريين فيلقى كلامه النقد والاستهتار. ثم يكشف انه خلال جولة في أميركا الجنوبية في أغسطس (آب) 1973، أصيب بالصدمة من تفاقم تلك الغطرسة الاسرائيلية، بشكل لم يعد يحتمل. فقد أقدمت قوات سلاح الجو الاسرائيلي على عملية قرصنة جوية في سماء لبنان، عندما أطلقت طائراتها المقاتلة لتضطر طائرة ركاب لبنانية كانت متجهة من بيروت الى طهران، على الهبوط في مطار عسكري في شمالي اسرائيل لأن معلومات استخبارية وصلت اليها وقالت إن قائد الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، جورج حبش، موجود على متن الطائرة، وهي المعلومة التي تبين انها لم تكن صحيحة. ويقول ايبن ان حكمة الطيار اللبناني، الذي امتثل للأوامر الاسرائيلية، أنقذت ركابه وأنقذت اسرائيل من ورطة كارثية. وتساءل عن الحكمة في مثل هذه العملية، ووصفها بأنها بمثابة ارهاب دولة. وقال ان هذه العملية كانت بمثابة انحراف عن السياسة الاسرائيلية التي دعت الى اخراج الطيران المدني من الحروب، ما يبرر للتنظيمات الارهابية ان تخطف الطائرات. وقال انه حتى لو كان حبش فعلا في الطائرة، فما الفائدة من اعتقاله ومحاكمته في اسرائيل. فأولا ستتحول محاكمته الى منبر دولي للقضية الفلسطينية وستؤدي الى عمليات ثأر من التنظيمات الفلسطينية تكلف اسرائيل ثمنا باهظا، فضلا عن انه لو رفض الطيار اللبناني الرضوخ لكانت الطائرات الاسرائيلية قد أسقطته بالقوة وهددت حياة جميع الركاب بالخطر، مثلما حدث في وقت سابق (سنة 1972) عندما أسقطت اسرائيل طائرة ركاب ليبية بالخطأ.

وفي ما يلي حلقة أخرى من تقرير لجنة أغرنات:

الأحداث السياسية 9 ـ لقد سعت مصر الى استخدام الضغط السياسي لتحقيق اخلاء جميع المناطق التي احتلتها اسرائيل في حرب الأيام الستة. فهي تأملت أن تتقدم نحو هذا الهدف من خلال محادثات القمة بين (ريتشارد) نكسون و(ليونيد) بريجنيف في واشنطن (في الفترة ما) بين 18 ـ 26 يونيو (حزيران) 1973. وقد خاب هذا الأمل، لأن الأميركيين لم يقبلوا المطلب السوفياتي العربي بالانسحاب الشامل. والاعلان المشترك الذي نشر في نهاية المحادثات تكلم فقط عن استمرار جهود الدولتين العظميين للدفع الى تسوية في أقصى سرعة ممكنة في الشرق الأوسط (تلخيصات وزارة الخارجية، وثيقة البينات رقم 51 الصفحة الخامسة). وفي ردود الفعل المصرية اتهمت الولايات المتحدة بإفشال كل محاولة لإخراج الوضع من حالة الجمود القابع فيها، كما لوحظت نغمة انتقاد موارب للاتحاد السوفياتي (المصدر نفسه في الصفحة السابعة). وجاءت خيبة الأمل المصرية الثانية من أبحاث مجلس الأمن (الدولي) التي اختتمت في 26 يوليو (تموز) 1973 بفرض الفيتو الأميركي على مشروع قرار تقدمت به دول عدم الانحياز استهدف تشويه معاني قرار مجلس الأمن الدولي رقم 242 (في حينه كانت اسرائيل تفسر قرار مجلس الأمن 242 على انه وفقا للنص الانجليزي يتحدث عن انسحاب اسرائيلي من «أراض عربية احتلتها في حرب 1967» وليس من «الأراضي العربية التي احتلتها العام 1967» وقد جاء مشروع دول عدم الانحياز ليوضح هذه النقطة بالقول ان الانسحاب ينبغي أن يكون من جميع الأراضي التي احتلت العام 1967 حتى يزول اللبس. فاعتبرت اسرائيل ذلك محاولة لتشويه القرار).

في خطاب (الرئيس المصري أنور) السادات في الاسكندرية في اليوم نفسه، ساعة واحدة بعد التصويت (في مجلس الأمن الدولي)، هاجم الولايات المتحدة بشدة وأعرب عن خيبة أمله ومرارته أيضا من الاتحاد السوفياتي (تقرير وزارة الخارجية الاسرائيلية ـ وثيقة البينات رقم 46 الصفحة الأولى والملحق للوثيقة).

10 ـ في بداية شهر يوليو (تموز) 1973 وصلت الينا (تقصد الى اسرائيل) معلومة من مصدر جيد حول مدى التعاون والتنسيق الكبيرين بين مصر وسورية لتخطيط استئناف القتال ضد اسرائيل (وثيقة البينات رقم 98 الوثيقة رقم 47) في منشورات عديدة في اسرائيل بعد نشر تقرير لجنة أغرنات، تم ذكر اسم زعيم عربي على انه هو المصدر لتلك المعلومة وأنه قام بزيارة تل أبيب بشكل سري واجتمع مع رئيسة الوزراء، غولدا مئير، خصيصا من أجل ابلاغها بأن سورية ومصر اتخذتا قرارا نهائيا بشن حرب مشتركة على اسرائيل).

وفي نهاية أغسطس (آب) 1973 أعرب خبراء سوفيات عن رأيهم بأنه في حالة قيام سورية ومصر بمهاجمة اسرائيل في آن واحد، فإن الجيش السوري سيتمكن من احتلال الجولان في غضون 36 ساعة. وقد وصلت الينا هذه المعلومة في بداية سبتمبر (أيلول) 1973 (وثيقة البينات رقم 98 الوثيقة 47).

في الأيام ما بين 10 و12 من سبتمبر (أيلول) 1973 أجريت محادثات في القاهرة بين قادة «دول المواجهة»، الرئيس (المصري أنور) السادات والرئيس (السوري حافظ) الأسد و(العاهل الأردني) الملك حسين، كما جرت محادثات ثنائية (تقرير وزارة الخارجية (الاسرائيلية) ـ وثيقة البينات رقم 41 الصفحة الأولى)، ربما يكون السادات والأسد قد بحثا في التنسيق النهائي لخطتهما الهجومية (أنظر وثيقة البينات رقم 98 الوثيقة رقم 34). الجيش السوري في حالة طوارئ 11 ـ في بداية سبتمبر (أيلول) 1973 وصلت أنباء عن عودة الجيش السوري من حالة الهدوء الى «حالة الطوارئ» بالقرب من جبهة هضبة الجولان. وقد بين التصوير الجوي (الذي نفذته طائرات سلاح الجو الاسرائيلي) في 11.9.1973 أن الاستعدادات على الخط الأمامي (في هذه الجبهة) مكثفة بشكل ضخم أكبر بكثير من حالته في التصوير السابق الذي جرى في 22 أغسطس (آب)، حيث تمت اضافة قوات لواءين لسلاح المشاة اضافة الى أربعة ألوية كانت قائمة من قبل في الخط الأمامي، ولواءين لسلاح المدرعات (زيادة 130 ـ 140 دبابة) واضافة حوالي 35 بطارية مدفعية (شهادة المقدم مين، ضابط الاستخبارات في القيادة الشمالية صفحة 1375 فصاعدا). 12 ـ في 13 سبتمبر (أيلول) وقعت مواجهة جوية بين طائرات سلاحنا الجوي، التي كانت في مهمة تصوير وبين الطائرات السورية المقاتلة. وقد أسقطت 13 طائرة سورية وأسقطت احدى طائراتنا وتم انقاذ الطيار (نشرة الاستخبارات من يوم 13.9.1973 في وثيقة البينات رقم 111 وشهادة قائد سلاح الجو، الجنرال ب. بيلد في صفحة 1951).

لقد استمرت تعزيزات الخط الأمامي السوري وفي تصوير تم يوم 24 سبتمبر (أيلول) اكتشفت 670 دبابة و101 بطارية مدفعية (شهادة مين (المذكور أعلاه) صفحة 1378). لدى تحليل هذه الصور (وصور أخرى التقطت يوم 26 سبتمبر ودلت على انه لم يحصل تغيير عن الوضع في 24 سبتمبر)، نشب خلاف في الرأي بين دائرة الأبحاث في شعبة الاستخبارات العسكرية وبين قيادة الشمال (اللواء الشمالي في الجيش الاسرائيلي) حول ما إذا كان سلاح المدرعات السوري قد انتشر أيضا على خط الدفاع الثاني (الأقرب الى دمشق)، كما اعتقدت شعبة الاستخبارات أو أن المدرعات المسؤولة عن هذه المهمة أخفيت في مكان ما غير معروف لأغراض هجومية، كما اعتقد رجال اللواء الشمالي (شهادة مين صفحة 1383 وشهادة الجنرال حوفي صفحة 1842). 13 ـ في يوم 30.9.1973 وصل نبأ يشير الى تحرك اللواء 47 لسلاح المدرعات (السوري) من موقعه الثابت في الجبهة الداخلية الى موقع تأهب جديد وتقدم صواريخ أرض ـ جو من الجبهة الخلفية الى الجبهة الأمامية والغاء الإجازات في الجيش السوري، حسب رأي شعبة الاستخبارات العسكرية (فرع 5 (المسؤول عن سورية) بالتنسيق مع شعبة الاستخبارات العسكرية في سلاح الجو وفرع 6 (المسؤول عن مصر) نشرة صادرة في اليوم نفسه (30.9.1973) الساعة 21:45 وثقية بينات رقم 111)، فإنه «بالامكان التقدير بان شبكة الطوارئ في الجبهة السورية تشمل الآن جبهة الدفاع الثانية وكذلك تعزيز الوحدات المرابطة في العمق السوري. لم يسبق مثيل كمثل هذا التأهب حتى اليوم» (التأكيد من طرفنا). ولكن فيما بعد قيل:

«على الرغم من التعزيزات الاضافية، نظل على تقديرنا السابق وهو ان هذه التعزيزات جاءت بسبب خوف السوريين من هجوم اسرائيلي يتوقعونه منذ حوالي أسبوعين. لا نعتقد ان المسألة هي مبادرة سورية لهجوم مستقل رغم الأنباء التي أشارت في الصباح الى هذه الامكانية. مثل هذه المبادرة (هجوم سوري) ممكنة فقط في حالة المبادرة المصرية لذلك. وإذا كانت هناك حالة تأهب عليا في الجيش المصري، فلا علاقة لها بالمبادرة الهجومية السورية، على حد علمنا، بل ناجمة عن التخوف من مبادرة اسرائيلية والتدريب الشامل لأذرع الجيش المصري».

14 ـ كما ذكر في التقرير الجزئي (الأول)، البند 14 (أ)، فقد تقرر لدينا اجراء تعزيز ما لانتشار سلاح المدرعات والمدفعية في هضبة الجولان مقابل التعزيزات السورية. ونقلت سريتان للمدرعات وبطاريتا مدفعية الى هناك عشية عيد رأس السنة (العبرية) في 26 سبتمبر (أيلول) وأجريت استعدادات في سلاح الجو لمهاجمة الصواريخ ومساندة القوات الأرضية وغيرها (التفاصيل في وثيقة البينات رقم 176، أحمر، الملحقين 7 و 8). وفي يوم 30 سبتمبر (أيلول) تم تخفيض مستوى التأهب من جديد في وحدات المدفعية التي وضعت على أهبة الاستعداد لدى قيادة اللواء الشمالي (المصدر نفسه ـ الملحقان 10 و11).

التأهب في الجيش المصري 14 ـ (الخطأ في تكرار الرقم 14 هو في الأصل) في مصر ارتفعت حالة التأهب في جميع أذرع الجيش منذ 20 سبتمبر (أيلول) 1973. وكان تقدير شعبة الاستخبارات العسكرية هو ان هذه الخطوة جاءت جراء الخوف من عملية اسرائيلية، حيث تلقى المصريون معلومات تفيد بأن اسرائيل رفدت بطائرات مقاتلة الى سيناء (نشرة الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية من يوم 20 سبتمبر وثيقة البينات رقم 111). وفي يوم 25 سبتمبر، أعلنت شعبة الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية عن تقدم وحدة عسكرية من القاهرة الى الاسماعيلية، ربما بهدف المشاركة في المناورات الكبرى المنوي تنفيذها في منطقة الجيش الثاني (المصري) في الأيام القريبة. في يوم 29 سبتمبر عادت شعبة الاستخبارات العسكرية لتقدر بأن المخاوف المصرية من عمليات هجوم جوية اسرائيلية ما زالت قائمة منذ المجابهة الجوية بالطائرات في سورية يوم 13 سبتمبر. وبسبب هذه المخاوف تضاعفت اليقظة وحالة التأهب في جميع أذرع الجيش المصري. وفي يوم 30 سبتمبر تقرر شعبة الاستخبارات العسكرية (الاسرائيلية) أن:

«من الأول وحتى السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 1973 ستجري القوات المصرية من مختلف الأذرع تدريبات واسعة النطاق في موضوع احتلال سيناء. تشارك في التدريبات، على ما يبدو، قوات سلاح الجو والدفاع الجوي والبحري قيادات الجيوش والوحدات والقوات الخاصة. على اثر هذه التدريبات يتم، ابتداء من أول أكتوبر، رفع حالة التأهب الى الدرجة العليا في وحدات سلاح الجو وفي جميع الوحدات المشاركة في التدريبات وستلغى الإجازات». وتابعت:

«من المعلومات الواردة عن هذه التدريبات المتوقعة ودعوة جنود الاحتياط لفترة زمنية محددة، يتضح بأن تقدم القوات والاستعدادات الأخرى التي جرت أو ستجري في الأيام القريبة، مثل: استكمال التعزيزات وتجنيد سفن الصيد المدنية وفحص القدرات التنفيذية للوحدات، والتي يمكن رؤيتها في اطار انذاري، مرتبطة عمليا فقط بالتدريبات».
 
رد: الوثائق الإسرائيلية

الوثائق الإسرائيلية (الحلقة السادسة) - إسرائيل أجرت تدريبات على خطة هجوم مصرية قبيل حرب أكتوبر كانت شبيهة تماما بالهجوم المصري الفعلي

الوثائق تشير إلى أن الموساد تلقى معلومات مهمة عن قرب اندلاع الحرب لكنها لا تكشف مصدر هذه المعلومات



تل أبيب: نظير مجلي
* إسرائيل كانت قلقة من هجوم سوري مباغت عام 73 أكثر من قلقها من هجوم مصري
* تشير كل الدلائل، في هذه الحلقة من تقرير لجنة أغرنات الإسرائيلية للتحقيق في اخفاقات الجيش الإسرائيلي في حرب أكتوبر 1973، إلى أن المصريين نجحوا في تضليل الجيش الإسرائيلي وبث معلومات إليه تطمئنه بأن مصر لا تنوي شن الحرب. فقد أوصلوا لإسرائيل معلومات تفيد بأن الجيش المصري سيسرح قوات جيش الاحتياط في العاشر من شهر أكتوبر (تشرين الأول) 1973 وأن قيادة الجيش سمحت لكل من يريد من الجنود والضباط بأن يسافر الى العمرة خلال النصف الثاني من شهر رمضان المبارك، علما بأن الحرب نشبت في العاشر من رمضان. وفي ما بعد سنصل إلى معلومات أخرى في باب التضليل نفسه. وقد وقعت إسرائيل في المطب وصدقت كل هذه المعلومات، كما خطط المصريون.

لكن وثيقة أخرى نشرت فقط في السنة الأخيرة أشارت إلى أن اسرائيل أجرت تدريبات عسكرية على خطة هجوم مصرية قبيل حرب أكتوبر، وأن هذه الخطة المصرية كانت شبيهة تماما بالهجوم المصري الفعلي. ويعني ذلك أن اسرائيل حصلت على نسخة من هذا المخطط المصري، أو أن الصدفة فقط جعلت العسكريين الاسرائيليين يحللون الظروف ويدرسون طريقة عمل الجيش المصري والجيش السوفياتي الذي يناصره ويتوصلون لنفس الاستنتاجات.

وحسب هذه الوثيقة، التي نشرت في كتاب بعنوان «ذنب بلا غفران» من تأليف اثنين من كبار ضباط المخابرات الاسرائيلية، هما دافيد أربل وأوري نئمان (اصدار دار النشر «حيمد» التابعة لصحيفة «يديعوت أحرونوت» 2005)، فإن الجيش الاسرائيلي تدرب على تلك الخطة وأنهى تدريباته بنجاح تام، وتم اكتشاف بعض الثغرات في التدريبات وتم سدها لدى تلخيص التدريبات، وكان من المفروض ألا يحدث أي خلل في تطبيقها. ولكن مفاجأة الهجوم المصري وسرعة تنفيذ خطة عبور القنال داهمت الجيش الاسرائيلي وأصابت قيادته بالاضطراب، فلم يعد يدري ماذا ينفذ وكيف.بيد أن الأهم من ذلك هو الاستمرار في العنجهية والغطرسة والغرور. فحسب ما سنرى في هذه الحلقة، كانت هناك أكثر من اشارة واضحة وتقدير دقيق في اسرائيل بأن المصريين والسوريين يخططون لهجوم مشترك لتحرير الأراضي المحتلة منذ العام 1967، وساد القلق لدى الوزراء ورئيسة الحكومة والعديد من الضباط أيضا، ولكن قادة الجيش المسؤولين عن رصد الجانب العربي والمتخصصين في الشؤون العربية، أي الاستخبارات العسكرية، مصرون على أن العرب لا يجرؤون على محاربة اسرائيل خوفا من الهزيمة. فيما يلي حلقة جديدة من وثيقة «تقرير أغرنات»، لجنة التحقيق الاسرائيلية الرسمية في اخفاقات حرب أكتوبر 1973، التي تنفرد «الشرق الأوسط» بنشرها منذ ستة أيام. ونعود ونذكر القراء بأن كل ما يلي نشره بعد هذه المقدمة، هو النص الأصلي للوثيقة، كما قرأناها في أرشيف الجيش الاسرائيلي، بعد أن سمحت لجنة حكومية خاصة بالكشف عن أسرارها. كل كلمة أو جملة جرى توكيدها بوضع خط تحتها، فإن التوكيد جاء في الأصل. وكل ما جاء بين قوسين على هذا النحو ( )، هو عبارة عن ملاحظات ظهرت في الأصل وقد وضعتها اللجنة بنفسها. وأما المواد التي ظهرت بين قوسين على هذا النحو [ ] ، فهي عبارة عن شرح رأينا أنه ضروري للقارئ العربي، في بعض الأحيان بغية التفسير، وفي احيان أخرى لإكمال المعنى، وفي بعض الحالات استخدمناه لتصحيح انطباعات قد تنجم بالخطأ بسبب ركاكة الصياغة اللغوية للجنة، التي وضعت تقريرها بالنص الأصلي من دون تمريره على محرر لغوي: الفصل الثاني: من 1 أكتوبر وحتى 5 أكتوبر فصاعدا

* أمر «إشور»

* في يوم 1 أكتوبر [تشرين الأول 1973]، أصدرت دائرة هيئة الأركان العامة / عمليات الأمر «إشور» [كلمة عبرية تعني «تصريحا» أو «مصادقة» لكنها في هذا السياق مجرد كلمة لا يقصد بها المعنى]، لمضاعفة حالة الاستعداد وزيادة القوات لسلاح المدرعات في هضبة الجولان الى 111 دبابة و8 بطاريات مدفعية (وكلها من الجيش النظامي) واجراء تغييرات في الجبهة الجنوبية (أنظر وثائق البينات رقم 176 و258 وتفاصيل تلك الاستعدادات لاحقا في البند 147).

* الأبحاث حول هضبة الجولان

* في يوم 2 أكتوبر أظهرت الصور الجوية تعزيزات مقلقة للقوات [السورية] في جبهة هضبة الجولان وتقدم القوات نحو الجبهة (أنظر الى البند 55 لاحقا). في اليوم نفسه، عقد لقاء بين وزير الدفاع ورئيس أركان الجيش حول الوضع في هضبة الجولان. اقتباس من أقوال رئيس الأركان في هذا اللقاء، كما سجله رئيس مكتب وزير الدفاع، نعرضه لاحقا (في البند 199 د). في نهاية اللقاء طلب الوزير من رئيس الأركان «ورقة تتضمن ماهية استعداداتهم [في الجيوش العربية]... واستعداداتنا مع تفاصيل بالتعزيزات». وقد أعدت هذه الورقة لوزير الدفاع في 3 أكتوبر (وثيقة البينات رقم 274). وشملت تفاصيل عن الزيادة الكبيرة في عدد الدبابات والمدافع السورية في القطاع المتقدم وفي الجبهة الخلفية السورية وزيادة عدد بطاريات الصواريخ المضادة للطائرات في الجبهة من 1 يناير [كانون الثاني] 1973 وحتى 1 أكتوبر [تشرين الأول] 1973. ويختتم رئيس أركان الجيش تقديراته حول شبكة الطوارئ السورية في تلك الورقة بهذه الكلمات:

«حسب تقديراتنا، فإن شبكة الطوارئ أقيمت بالأساس بسبب التخوفات المتراكمة من اسرائيل. ونحن نرى ان سورية لا تقدر بأنها قادرة على المخاطرة بحرب شاملة مع اسرائيل، على الأقل من دون خوضها بشكل مشترك مع مصر. والاحتمال الآخر، وهذا تقدير منخفض الامكانية، فإن شبكة الطوارئ [السورية] أقيمت بغرض القيام بعملية ثأرية لسورية ردا على اسقاط 13 طائرة والاستعداد لأقصى امكانية للدفاع عن النفس في وجه رد منا».

وفي يوم 2 أكتوبر نفسه اقترح وزير الدفاع لقاء تشاوريا لدى رئيسة الحكومة حول الوضع في هضبة الجولان، الذي لم يشعر بالارتياح ازاءه، على ما يبدو. وفي شهادته (صفحة 4232/3)، أورد أقواله للوزير يسرائيل غليلي، كما دونت في حينه:

«أنا لست مرتاحا من المشاكل في هضبة الجولان وأريد شركاء لي في المسؤولية حول هذا الموضوع، وسأحضر الى النقاش كلا من رئيس اركان الجيش ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية وقائد سلاح الجو. هناك أنباء مقلقة. فعلى الخط الأمامي توجد 650 دبابة وشبكة صواريخ تغطي مناطقنا.. توجد لديهم 550 بؤرة مدفعية.. وأنا قلق على السكان. حول الموضوع العسكري يجب أن نجلس مع غولدا [رئيسة الحكومة]».

* المشاورات لدى رئيسة الوزراء في يوم 3 أكتوبر

* لقد كانت رئيسة الوزراء [غولدا مئير] في زيارة خارج البلاد (شتراسبورغ وفيينا) من يوم 30 سبتمبر وحتى يوم 2 أكتوبر. وفي يوم 3 أكتوبر عقد لديها الاجتماع التشاوري الذي بادر اليه وزير الدفاع وشارك فيه كل من الوزراء [يغئال] ألون [وكان نائبا لرئيسة الوزراء ووزيرا للتعليم] و[الوزير بلا وزارة يسرائيل] غليلي و[وزير الدفاع، موشيه] ديان، ورئيس الأركان [دافيد العزار]، وقائد سلاح الجو، الجنرال ب. بيلد والعميد أريه شيلو (الذي حل محل الجنرال ايلي زعيرا [رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية] الذي كان مريضا)، ومساعدوهم. وقد قدم لنا العميد ليئور، السكرتير العسكري لرئيسة الوزراء، بروتوكول [تلك الجلسة] (وثيقة البينات رقم 57)، الذي يشكل شهادة مهمة حول الأجواء وحول تقديرات المشاركين في هذه المشاورات، التي تمت قبل ثلاثة ايام من اندلاع الحرب. وسنعرض في ما يلي الأقوال كما هي، من دون تعليقات أو انتقادات منا.

افتتح المشاورات وزير الدفاع قائلا انه طلب هذا اللقاء «بسبب التغيرات في الجبهات، في سورية بالأساس وبمدى معين أيضا في مصر»، ويواصل [وزير الدفاع موشيه ديان] (الصفحة الأولى من البروتوكول):

«في مصر يوجد لنا عدو وتوجد لنا عقبة طبيعية متمثلة في [قناة] السويس اضافة الى الصحراء ولا توجد على تلك المنطقة بلدات. إذا اندلعت حرب فلتندلع. في سورية – يوجد لنا عدو ولا توجد عقبات. على كل حال هو غير جدي وتوجد لنا بلدات. لهذا فإن الأمر مقلق بشكل خاص وبشكل دائم من الناحية الموضوعية في هذه الجبهة...».

ويطرح على البحث ثلاث نقاط:

«1. التقديرات وتعاظم السلاح في حوزتهم. بالأساس للسوريين ولكن أيضا المصريين. الأنباء التي وصلت حول استعدادهم أو رغبتهم في استئناف الحرب.

ما هي قواتنا هناك واستعداداتنا...» وبناء على ذلك: «ماذا نفعل أو ماذا بمقدورنا أن نفعل» واستعرض العميد شيلو أمام الحضور المعلومات المتوفرة بأيدي شعبة الاستخبارات العسكرية، وكما قال (صفحة 2): «معلومات مقلقة عن سورية وكذلك عن مصر» (لم يفصح عن مصادر تلك المعلومات)، ثم راح يصف استعدادات الجيش السوري («حالة الطوارئ») الذي تمترس في عمق «دفاعي كامل». ويشير الى «أمور استثنائية»: تقدم سربين لطائرات سوخوي الى مطارات متقدمة والدفع الى الأمام بوحدة جسر وتقدم مدافع قيادة الأركان نحو الجبهة وشبكة الصواريخ المضادة للطائرات جنوب دمشق، مؤكدا ان الأمر أكثر جدية مما مضى. ويقدم وزير الدفاع ملاحظة (صفحة 3) بأن «نشر الصواريخ المضادة للطائرات بهذه الكثافة حتى وهي في الأراضي السورية انما تغطي كل منطقة هضبة الجولان». ويواصل العميد شيلو شرحه فيقول «في مصر تتم تدريبات متعددة الأذرع تشمل أيضا قوات الأركان في الجيش وقياداتها. وقد بدأت في مطلع الشهر وستتواصل حتى السابع منه وفي اطارها تنفذ أنواعا عديدة من التمرينات وألغيت جميع الإجازات، لكنها ستستأنف في الثامن من الشهر» – كل هذا كان وفقا للمعلومات التضليلية التي بثها المصريون.

وفي صفحة 4 يعزز [العميد شيلو] أقواله:

«هناك أمور تدل على انها فعلا تدريبات. هناك معلومات وهناك أدلة على انها تدريبات.

نموذج واحد على ذلك: الآن هو شهر رمضان لديهم. فحصنا ما إذا كانت هناك تدريبات في الماضي في شهر رمضان. يتضح أن تدريبا كهذا أجري قبل سنتين. اضافة الى ذلك، فإن وزير الحربية [المصري] أصدر تعميما داخليا يسمح فيه للضباط الذين يرغبون في السفر الى مكة أن يفعلوا ذلك في الثلث الثالث من شهر رمضان...» (أنظر في هذا الشأن الى البند 68 لاحقا).

ويقول العميد شيلو عن موضوع التدريبات (صفحة 3):

«لا أدري ما هو الموضوع هذه المرة ولكنني أقدر بأنه احتلال سيناء... ويتضمن... ثلاث مراحل: 1. الاستعدادات، التي ما زالوا عاكفين عليها. ففي هذه المرحلة توجد عملية تحريك للقوات. قوات في العمق يتم دفعها الى الأمام. وهم يزودون السلاح للألوية الأرضية... ففي مرحلة الاستعدادات يتم التصرف كما لو انه حقيقة ولا يقولون فقط بالهاتف... صفحة (4). صحيح انهم دفعوا الى الأمام بقسم من القوات المرابطة من حول القاهرة... والمرحلة الثانية: تدريب تكتيكي يعرضون فيه المشكلة وكيف يتم حلها. وهناك وحدة أو اثنتان تنفذ التدريب مع قوات حقيقية».

ملاحظة: في قضية ماهية «التدريبات» أقرأ لاحقا البنود 71 – 74:

ويختتم العميد شيلو أقواله بعرض موقف شعبة الاستخبارات العسكرية (نهاية الصفحة الرابعة من البروتوكول وانظر البند 49 (ز) أيضا): «توجد هنا ظاهرتان: 1. حالة طوارئ في سورية. 2. تدريب في مصر. أنا أعتقد ان علينا أن نختار تقديراتنا على أساس السؤال ما إذا كانت هناك أسباب مستقلة لكل طرف تجعله يتصرف أو ان هناك شيئا ما مشتركا بينهما وما هو هذا الشيء.

إذا كان ما هو مشترك فإن هذا هو أسوأ الاحتمالات – حرب شاملة في سورية بواسطة شبكة الطوارئ، التي هي في أساسها دفاعية ولكنها قادرة على التحول الى هجوم، ولا توجد هنا ضرورة لبناء أي شيء جديد [لمواجهتها اسرائيليا]. بالنسبة لاحتمال الحرب تحت غطاء التدريبات، حسب التقديرات، هل هو معقول؟ حسب (صفحة 5) معلوماتي ورأيي، واعتمادا على الشعور المبني من مراجعة مواد كثيرة في حوزتنا من الأيام الأخيرة، مصر تقدر بأنها لا تستطيع حتى الآن التوجه للحرب. أنا أعتقد ان احتمالات خطوة كهذه، بغض النظر عن الاعتبارات السياسية وغيرها التي قد تؤدي الى النجاح، فإنها كانت لتتوجه لو انها تعتقد ذلك. ولكنها تقدر بأنها غير قادرة حتى الآن على التوجه الى الحرب. [هذه اللعثمة في الصياغة هي من الأصل]. هذا نقوله بسبب قدرتنا على المعرفة والإحساس بالأمور التي يفكرون فيها. بناء عليه، فإن امكانية الحرب المشتركة المصرية السورية لا تبدو لي معقولة، حيث انه لم يحصل تغيير في تقديراتهم لوضع القوات في سيناء بأنه يجعلهم قادرين على القتال. في مصر، أنطلق من التقدير بأن الأمر بالأساس هو تدريب. في العاشر من الشهر سيسرحون قوات الاحتياط. وزير الدفاع طرح بحق فكرة ضرورة البحث في الوضع مع سورية بالأساس».

الوزير [يغئال] ألون سأل حول شكل الأوامر الصادرة في مصر، والعميد شيلو يرد: «لا يوجد الكثير من الاستثناءات في شكل الأوامر بتحريك القوات في مصر». أحد «الاستثناءات» التي يذكرها هو ارسال رجالات الجيش الى مطار أبو سوار قرب القناة المخصص لطائرات ميغ 17 في القوات التنفيذية. وتسأل رئيسة الوزراء: «لو أن السوريين باشروا، هل المصريون يستطيعون بما لديهم الآن، الاستعداد لهجوم ما بغية مساعدة سورية؟». ويرد العميد شيلو: «من الناحية التنفيذية يستطيعون بهذه الاستعدادات أن يتوجهوا الى هجوم بالتأكيد».

هنا تأتي الآراء المتباينة حول امكانية أن يبادرالسوريون الى المباشرة بهجوم علينا لتربيطنا ومن ثم يبدأ المصريون المرحلة الثانية. فتسأل رئيسة الوزراء: «ألا يمكن أن يحدث الأمر بشكل عكسي فيشغلنا المصريون بعض الشيء في حين يحاول السوريون عمل شيء في الجولان؟».

ويرد العميد شيلو (صفحة 6)، بأن [الرئيس السوري حافظ] الأسد يعرف ما هي حدوده، لأنهم «يدركون التفوق الاستراتيجي الاسرائيلي العالي في المنطقة.. وبسلاح الجو»، خصوصا بعد اسقاط الـ 13 طائرة، وبأن لدى المصريين تقديرات تشير الى ان اسرائيل قادرة على تكبيد مصر خسائر في الجو. ومرة أخرى:

«ولو انه (الأسد) يشعر بأن وضع الدفاعات الجوية [السورية] هو أفضل اليوم.. إلا ان لديه بعيدا في عمق تفكيره الادراك بالتفوق الاسرائيلي..» وعلى الرغم من ذلك، فإن «هناك شيئا محدودا في سورية» – «لا أستطيع أن أدرس امكانية توجيه ضربة مسبقة على أساس التقدير بـ [أنهم يتجهون الى اعلان] الحرب». فهذا احتمال يجب أخذه بالاعتبار ولكنه احتمال ضعيف، لأن السوريين يعرفون أن اسرائيل لن ترد فقط بعمليات محدودة.

ويعبر رئيس أركان الجيش عن رأيه في ما يلي، كما جاء في الصفحات 8 – 11، ونحن نقتبس من أقواله في البند 199 (ه). لقد ذكرنا هناك (البند 211) توصيته بـ«الابقاء على الوضعية الحالية مع بعض التعزيزات». وفي رد على سؤال لرئيسة الوزراء (الصفحة 9 في البروتوكول)، «وإذا توجهنا بطريقة أخرى مختلفة عما تقترحه؟»، يقول [رئيس الأركان]: «إذا قررنا تعزيز القوات أكثر فإن ذلك سيضعف الجنوب أو يضطرنا الى إحداث تغييرات أكثر حدة في تجنيد الاحتياط لفترات طويلة»ـ ـ. وهنا يتطور نقاش، بعد سؤال وجهته رئيسة الوزراء حول امتلاك صواريخ «sa 6» الهجومية. وفي صفحة 10 يعود رئيس الأركان ليكرر تقديراته ويفصل في استعراض الامكانيات لضرب سورية من الجو. ويقول حول تنفيذ هجوم جوي في هضبة الجولان (نهاية صفحة 10): «نحن نستطيع المخاطرة من الآن ونعمل في هضبة الجولان، لأنني أريد هنا أن أوضح أننا عندما نقول ان لديهم شبكة دفاع جوي بالصواريخ فإن ذلك لا يعني أنهم أغلقوا السماء بشكل مطبق. نحن سنطير ونهاجم ونجهض هجوما [من طرفهم]. ربما نخسر طائرتين أو ثلاثا. لكن الأمر يزيد احتمالات زيادة الخسائر». ويعبر وزير الدفاع عن شكوكه (صفحة 12) بالنسبة لنوايا السوريين: فقد أعطوا دفاعا مكثفا جدا بنقل الصواريخ المضادة للطائرات الى خط الدفاع الأمامي، مع انه معروف لهم أننا لسنا معنيين بمهاجمتهم على الأرض في هضبة الجولان. «هذا ليس بالأمر الدفاعي العادي». وبالنسبة لمصر، فإذا كانوا يفكرون بعبور القناة [السويس] تحت مظلة صواريخهم فإنهم سيجدون أنفسهم في وضع غير مريح أبدا. «سيدفعون ثمنا باهظا. فإذا تمكنوا من عبور القنال سيصلون الى طريق لا ينتهي وعندها سنأتيهم من كل الاتجاهات». أما سورية فإنها تستطيع أن تحتل هضبة الجولان تحت غطاء صواريخها ومدفعيتها وعندئذ «سيكون لها خط دفاعي مسنود بحاجز طبيعي جيد جدا نسبيا هو نهر الأردن مع كل منحدراته وتعرجاته. وستكون قد حلت مسألتها القومية بتحريرها الجولان من قبضتنا». ويسأل الوزير [يغئال] ألون (صفحة 13): «ما هو تركيز قواتنا في الشمال من ناحية البعد والشمولية؟» ويرد رئيس الأركان انه في غضون 24 ساعة يكون من الممكن زيادة 113 دبابة على الدبابات الخمسين الموجودة في الجبهة الشمالية، واضافة 33 دبابة أخرى بتشكيل الطواقم من مدرسة المدرعات والوصول خلال ساعات الى حوالي 170 دبابة. والبقية تتعلق بمسألة تجنيد جيش الاحتياط.

وتعود رئيسة الوزراء الى موضوع الامتلاك [الصواريخ المضادة للطائرات] وتلاحظ قائلة (صفحة 14)، بأن «المعلومات تتحدث عن شهر أكتوبر، وهذا يعني ان شيئا ما سيحصل في هذا الشهر بالذات..».

ويقول الوزير ألون (صفحة 14): «.. ربما هناك حاجة، إن لم يكن اليوم ففي يوم الأحد، أن يقدم وزير الدفاع ورئيس الأركان تقارير للحكومة حول استعدادات العدو، ليكون ذلك اعدادا، على الأقل وقبل كل شيء، اعدادا معلوماتيا. فمن حق الحكومة أن تعرف هذا..». وفي صفحة 14 تقول رئيسة الوزراء: «.. أنا أقبل هذه الفرضية مائة بالمائة، بأن هناك فرقا بين سورية ومصر. فعلى ما أعتقد لا يوجد نقاش البتة حول هذه النقطة. المصريون يستطيعون عبور القنال ولكنهم سيكونون عندئذ بعيدين عن قواعدهم أكثر. فماذا يعطيهم هذا في نهاية المطاف؟ لكن بالمقابل فإن الوضع في سورية مختلف. فحتى لو أرادوا كل الجولان، فإن كل ما سينجحون في أخذه حتى لو بعض البلدات أو أي شيء ما بعد الحدود يستطيعون الاحتفاظ به سيكون مكسبا في ايديهم».

الوزير ألون: «العنصر المصري مهم ليس بحد ذاته، انما لكونه عنصر دعم للسوريين. فمن المحتمل أن يحاولوا العبور لكي يكبلوا القوات [الاسرائيلية] ويخففوا عن السوريين في الشمال».

ويسأل (صفحة 15): «هل توجد امكانية لأن نحذر السوريين بواسطة طرف ثالث بأن يخففوا من تعزيزاتهم، حيث أن التحذيرات العلنية تفهم فقط بشكل تحد؟» وأعطي له الجواب بأن ذلك ممكن (الصفحة 16). وقالت رئيسة الحكومة (صفحة 16): «أنا أقترح أن تعقد جلسة للحكومة في يوم الأحد (وهو اليوم التالي ليوم الغفران)... ففي يوم الأحد نطرح هذه القضايا أمام الحكومة وليتنا لن نحتاج الى ذلك. ولكن، إذا احتجنا فسيكون قرارا جديدا».

(القرار المشار اليه هنا يتعلق بمصادقة الحكومة على مهاجمة أهداف داخل سورية).

ويقترح الوزير [يسرائيل] غليلي (صفحة 17) أن يتم استيضاح ما يمكن عمله للدفاع عن المستوطنات في هضبة الجولان أيضا قبل جلسة الحكومة المذكورة، لأن هذه – حسب رأيه – ستكون أيضا نقطة الانطلاق في توجه الحكومة لأي موضوع.

19. لتلخيص ما تم تداوله في هذه الجلسة التشاورية ينبغي القول ان القلق تركز بالأساس على امكانية الهجوم السوري في الجولان. صحيح ان الحاضرين ذكروا امكانية تنسيق هجوم بين سورية ومصر، إلا أن ايا منهم لم يخالف رأي شعبة الاستخبارات العسكرية، الذي عرضه العميد شيلو، بأن المصريين لا ينوون الهجوم لأنهم لا يرون في أنفسهم القدرة على الخروج الى حرب ضد اسرائيل. ويتضح بأن الأمر لم يبد للحاضرين ملحا لدرجة طرحه في جلسة الحكومة التي عقدت في اليوم التالي [لذلك اللقاء التشاوري] والتي أعطت فيها رئيسة الوزراء تقريرا عن زيارتها خارج البلاد.

وفي اليوم نفسه، 3 أكتوبر [تشرين الأول]، أمرت قيادة الأركان/ عمليات بتنفيذ مهمات تعزيز (زرع ألغام، تحسين قناة الصواريخ المضادة للطائرات وغيرها) في هضبة الجولان (وثيقة البينات رقم 176، أخضر، الملحق رقم 13).

20. في يوم 4 أكتوبر جرى بحث في مكتب وزير الدفاع باشتراك رئيس أركان الجيش ونائب رئيس الأركان وقائد اللواء الشمالي والعميد شيلو. موضوع البحث الذي ما زال يقلق وزير الدفاع هو خطر هجوم سوري على المستوطنات في هضبة الجولان. حسب صياغته (صفحة 5 في البروتوكول، وثيقة البينات رقم 260): «لدي جرح لا يندمل، ليس الهضبة بل المستوطنات هناك. ففي المنطقة التي لا توجد فيها مستوطنات لا يهمني أن يهاجموا أو لا يهاجموا».

ثم في صفحة 6: «في السويس توجد قناة وصحراء ولا توجد مستوطنات... لكن هنا (في هضبة الجولان)، توجد مستوطنات. يوجد عدو ولا توجد قناة ولا إنذار».

لذلك فإن الوزير يصر على تعزيز الحدود في هضبة الجولان وانتقل البحث الى أساليب الدفاع في وجه الطائرات. ولكن وفي جلسة هيئة رئاسة الأركان في اليوم نفسه لا يوجد بحث حول الوضع على الحدود (أنظر البند 202).

21. في اليوم نفسه اطلقت طائرة تصوير في جبهة القناة [قنال السويس] (أنظر تفاصيل ذلك في البند 86).

من مساء يوم الرابع من أكتوبر وخلال الليل بدأت تصل الينا معلومات عن مغادرة عائلات الخبراء الروس من سورية ومن مصر. هذه الأنباء زعزعت مصداقية شعبة الاستخبارات العسكرية / دائرة البحوث، التي ادعت بأن ما يحصل في سورية هو تجهيزات دفاعية وفي مصر تدريبات (تفاصيل عن المعلومات وعن تقديرات رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية ورئيس اركان الجيش، إقرأ في البندين 75 و76).
 
رد: الوثائق الإسرائيلية

الوثائق الإسرائيلية (الحلقة السابعة) ـ ديان أراد الدفع باتجاه الحرب حتى يلحق هزيمة أخرى بالعرب تحقق لإسرائيل شروطها في السلام

غولدا والجنرالات أخفوا عن الوزراء بأن السادات كان مستعدا للسلام مقابل سيناء



تل أبيب: نظير مجلي
عبر كل المناقشات التي جرت قبيل اعلان حرب أكتوبر، سواء كانت في اجتماعات الحكومة بكامل أعضائها أو اجتماعات الحكومة الطارئة بالأعضاء الموجودين في تل أبيب، والتي سنقرأ عنها من خلال اقتباسات تقرير لجنة التحقيق، سنجد بأن وزير الدفاع، موشيه ديان، كان يختلف في تقديراته عن الآخرين ويقول إنه مقتنع بأن العرب ينوون اعلان الحرب.
في مرحلة معينة بدا أنه يستخف بأقوال رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية، ايلي زعيرا، الذي كان يصر من جهته على ان العرب لن يجرؤا على محاربة اسرائيل. بيد ان ديان لم يقترح استباق الأحداث وتوجيه ضربة الى مصر أو سورية في ذلك الوقت. ولجنة التحقيق في الحرب لم تتوقف عند هذه المعلومة. وفي تحقيقات أخرى أجراها باحثون اسرائيليون لاحقا، توقفوا طويلا عند هذا الموقف من ديان. وفي كتاب "ذنب بلا غفران"، الذي اصدره ضابطا الاستخبارات العسكرية، ديفيد أربل وأوري نئمان، يعتبران هذا الموقف جزءا من التخطيط الاستراتيجي الذي وضعه ديان لنفسه، وهو: "ترك مصر مطمئنة بأن اسرائيل لا تعرف انها تستعد لشن الحرب، حتى تقدم على الهجوم. وعندها تفاجيء اسرائيل بتوجيه ضربة لها ولسورية تؤدي الى الحاق هزيمة جديدة تشبه هزيمة 1967 وتضع أسسا جديدة للتسوية السياسية المنشودة، تكون مبنية على توازن قوى أفضل لاسرائيل من التوازن الذي فرضته هزيمة 1967".

وكان ديان قد حاول منع حكومته من ابلاغ الولايات المتحدة بالتحركات الحربية المصرية، خوفا من ان تمارس الضغوط على مصر لوقف الحرب.

ويضيف أربل ونئمان ان ديان، رغم أنه لم يكن يحب رئيسة الوزراء، غولدا مئير، وهي لم تكن تحبه، تمكن من اقامة طاقم بقيادتها يدير أسرار اسرائيل بمعزل عن الوزراء الآخرين في الحكومة. وقد أسمي هذا الطاقم بـ "المطبخ". وتألف من الوزير بلا وزارة، يسرائيل غليلي، الذي يقال ان علاقات غرامية ربطته مع غولدا، ونائب رئيس الحكومة، يغئال ألون، ورئيس أركان الجيش، دافيد العزار. ويؤكد الباحثان بأنه في هذا المطبخ اتخذت القرارات المصيرية لاسرائيل، وجلبت الى الحكومة حيث صادق عليها الوزراء بلا طول عناء. وفي مرحلة معينة حاول المطبخ أن يتخذ لنفسه مزيدا من الصلاحيات بشكل رسمي، فاعترضت غولدا قائلة بأن لديهم ما يكفي من الصلاحية لاتخاذ أي قرار ولا حاجة لشيء اضافي.

ومن أبرز الأسرار التي احتفظ بها هذا المطبخ ولم يبلغها للحكومة، هو أن معلومات موثوقة وصلت الى اسرائيل في أبريل [نيسان] 1973، تفيد بأن الرئيس المصري أنور السادات مستعد للتوقيع على اتفاق سلام منفرد مع اسرائيل مقابل الانسحاب الاسرائيلي من سيناء، ومستعد لأن يفتح مضائق تيران وقناة السويس أمام الملاحة الاسرائيلية. وقد اقترح الوزير غليلي في "المطبخ" أن يطرح الموضوع على الحكومة حتى تتخذ قرارا بشأنه، قائلا ان اسرائيل لا تستطيع أن تقف بلا حراك ازاء اقتراح مغر كهذا. فتصدى له ديان معترضا وقال ان اسرائيل متجهة الى حرب تحسن وضعها أكثر وأكثر، فكيف تطرح المسألة في الحكومة: "هل نقول للوزراء بأن هناك امكانية لمنع الحرب إذا انسحبنا من سيناء ونحن نختار الحرب لأننا لا نريد الانسحاب". وقد وافقت غولدا مع ديان.

ويقول الباحثان بأن غولدا وديان خشيا أيضا من أن يؤدي طرح الموضوع في الحكومة الى نقاش مفتوح في الشارع الاسرائيلي، حيث ان نقاشا كهذا سيعطي شرعية لفكرة الانسحاب الاسرائيلي من المناطق المحتلة. وهذا يخالف رغبتهما. وفي جلسة في ديوان رئيسة الوزراء عقدت يوم 18 من الشهر نفسه بمشاركة رئيس الأركان، بدت غولدا خائفة من تسجيل موقف عليها بأنها تريد الحرب، فقالت بالحرف الواحد: "أنا أعلن للبروتوكول بأنني لا أريد الحرب". وأضافت بسخرية واضحة: ".. هذا يفاجئكم بالطبع". ورد عليها ديان بمزيد من السخرية:"منذ زمن تساورني هذه الشكوك..".

وفي اليوم التالي عقد رئيس الأركان جلسة لهيئة الأركان قال فيها ان مصر وسورية ستشنان حربا على اسرائيل وان مصر ستحاول عبور القنال وسورية ستحاول تحرير الجولان وأن على الجيش الاسرائيلي أن يستعد للحالتين. وفي اليوم التالي [20 أبريل] عقد لقاء القمة المصري السوري بمشاركة الرئيسين أنور السادات وحافظ الأسد في قصر برج العرب في الاسكندرية واتفقا على اعداد خطة الحرب.

وفيما يلي حلقة أخرى من تقرير لجنة أغرنات التي يتضح منها أن غولدا وديان وألون وغليلي لم يصارحوا بقية الوزراء بأن بالامكان منع الحرب، التي أدت فيما أدت اليه الى مقتل 2222 اسرائيليا وجرح 7500 آخرين:

«المناقشات في 5 أكتوبر»

* نستعرض الآن المناقشات التي جرت في يوم 5 أكتوبر، ازاء هذه المعلومات وغيرها التي وصلت في اليوم نفسه.

لقد جرى البحث في الوضع الجديد في اليوم نفسه في الجلسة الأسبوعية لوزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان، في التاسعة صباحا. شارك في الجلسة أيضا السيد تس. [تسفي] تسور، مساعد وزير الدفاع، والسيد ي. عيروني، مدير عام وزارة الدفاع، والجنرال طال والجنرال زعيرا (برتوكول الجلسة، وثيقة البينات رقم 242). على جدول الأبحاث: الوضع على الحدود. افتتح وزير الدفاع بالحديث عن نتائج التصوير الجوي فوق جبهة القناة [السويس] في 4 أكتوبر، ولاحظ قائلا:

«فقط من الأرقام يمكن أن تصاب بالشلل الدماغي. مكتوب [في تقرير التصوير]: زيادة 308 بؤر [صواريخ ومدفعية] في الجبهة المصرية. توجد هناك 1100 بؤرة، مقابل 802 في 25.9.73.، أي بزيادة 308». أقوال رئيس الأركان اقتبست من تلك الجلسة على النحو التالي (البند 204).

وزير الدفاع (صفحة 2) يدحض الفكرة بأن الاخلاء [يقصدون اخلاء عائلات الخبراء الروس من سورية ومصر] يدل على خلاف سياسي بين الروس والعرب، ورئيس الأركان ينضم اليه في الرأي. ويعلن رئيس الأركان بأنه نتيجة للمعلومات الواصلة (بما في ذلك المعلومات عن تعزيزات قوات العدو وحالة التأهب في سلاح الجو السوري وعدم الوضوح في مسألة مكان المدرعات السورية التي كانت مرابطة ما بين خط [الدفاع] الأول والثاني) – «نحن نتخذ عدة إجراءات:

1. إلغاء جميع الإجازات في الجبهتين 2. الغاء الاجازات في سلاح الجو 3. .. تعزيز كل شيء.. أنا أريد أن أعزز، وأن أتخذ وسائل حذر. لدي توجه بأن أجري تأهبا جديا» (صفحة ص2 ).

لقد وضع الجنرال [ايلي] زعيرا (رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية) التركيز في أقواله على مغادرة العائلات [عائلات الخبراء الروس] كـ "أمر في قمة الإشكالية والجدية" (صفحة 2 الاقتباس الكامل من كلماته سيأتي لاحقا في البند 49 ح). وأما تفاصيل اعتباراته فنطرحها فيما يلي (البند 75). في صفحة 5 اهتم وزير الدفاع بمعلومة وصلت من مصدر معين.

فقال الجنرال زعيرا (صفحة 5):

«رغم أنني لا أرى تغييرا في التقدير الأساسي، فإنني لا أرى بأن مصر او سورية ستهاجمان، بالرغم عن التمثيلية الروسية [يقصد رحيل عائلات الخبراء الروس]. ولكن هذا يدخل الشك في قلبي ولذلك فإني أرى أن ما تحدث عنه رئيس الأركان [التعزيزات] صحيح» .

ثم يكشف «زعيرا»عن شكوكه حول ماهية التدريبات الجارية في مصر (لهذا الأمر أنظر البند 74)، ويعلن ان رئيس الموساد استنفر في الليل بخصوص التحذير. وأضاف:

«يجوز أن نكون أكثر حكمة حتى المساء».

وقال وزير الدفاع لرئيس الأركان:

«هذا كل ما فعلته ليوم الغفران، وهذا جيد وجميل. يجب الإضافة إليه. وأنا لا أعتقد انه ستكون صعوبة. إذا احتجنا إلى الوصول إلى أي مكان، دع الطائرة المروحية في حالة استعداد».

من الواضح أن الحديث عن «يجب الإضافة إليه» لا يقتصر على زيادة القوات (انظر شهادته في صفحة 4349). حيث يتطور نقاش حول طريقة تجنيد قوات الاحتياط، إن كانت هناك حاجة بذلك وإن كان سيتم بالخفاء أو بالعلن. ويقول رئيس الأركان (صفحة 7)، ان حقيقة ان الحديث يدور عن يوم الغفران [يوم صوم لدى اليهود يمضونه بالصلوات ويمتنعون خلاله عن أي عمل]:

«انه يزعجنا بشيء واحد فقط. ففي هذه الناحية، إذا حصل شيء - نريد بلغة واضحة أن نبدأ بتركيز قوات أو توجيه تحذير». ويعلق وزير الدفاع على هذا بالقول (صفحة 8):

«لا تحركوا القوات إلا إذا بدأ ذلك بالفعل. الشوارع خالية اليوم».

لقد تم استجوابه حول مغزى هذه الكلمات ففسرها قائلا (في صفحة 4353 من بروتوكول اللجنة):

«أنا أقول: لا تتحرك القوات إلا إذا حصل بالفعل وذلك ردا على قوله (يقصد رئيس الأركان): نحن نريد أن نركز القوات إذا ما حصل شيء».

ويقول السيد ص. تسور (صفحة 8):

«لنفترض أنهم يستعدون للحرب فعلا، فإنهم يريدون فعل ذلك بمفاجأة بشكل غير عادي»، ثم يقترح إجهاض المحاولة عن طريق إبلاغ العدو (بشكل التفافي عن طريق طرف ثالث أو بشكل مباشر)، أننا متيقظون للوضع. وخلال ذلك يعلق وزير الدفاع:

«من المحتمل أن تكون تدريباتهم غطاء لكي نحسب انه مجرد غطاء (أي كما لو انه تدريب)».

بعد هذا يبدأ نقاش طويل حول طريقة التوجه إلى طرف ثالث، وخلال ذلك يصر الجنرال زعيرا [رئيس الاستخبارات العسكرية] على أن لا يتم "إحراق" مصادر المعلومات.

ص. تسور (الصفحة العاشرة):

«لو كنت اليوم تجند جيش الاحتياط وتجلس تحت [على الجبهة]، أو أنا (فلربما) كنت تمنع الأمر. (أي أن تجنيد الاحتياط هو شارة ردع للمصريين). أنت تريد بديلا عن ذلك بإبلاغهم: يا رفاق، لدينا شعور بأنكم تفعلون شيئا، فاحذروا !».

وزير الدفاع يقبل الفكرة بأن يتم إبلاغهم بواسطة دولة عظمى صديقة لكي يسلب المصريين امتياز المفاجأة (نهاية الصفحة العاشرة) وأيضا بدوافع سياسية للعلاقة مع هذه الدولة والحصول على معلومات إضافية منها (انظر لاحقا البند 78). ويعلن انه يحتاج في هذا الشأن إلى تعليمات من رئيسة الحكومة:

«أنا سأوصي، من دون الدخول في النصوص ومن دون احراق مصادر المعلومات بأن يتم الاتصال بهم ونقول ان ما حسبنا انه واقع باحتمالات ضئيلة يبدو أن وقوعه أكثر احتمالا. هناك عدة اشارات على استعداداتهم الهجومية. ومن المحتمل أن تكون التدريبات في مصر هي للتغطية». 23. بروح الأقوال التي تبلورت في الجلسة التي عقت لديه في الساعة 8:25، أمر رئيس أركان الجيش بإلغاء الإجازات في سلاح الجو وتعزيز القيادات واعلان حالة التأهب بدرجة "ج" في جميع وحدات جيش الاحتلال الإسرائيلي. ووفقا لذلك، أعلنت قيادة الأركان/عمليات في الساعة 10:45 حالة تأهب درجة "ج" للتنفيذ الفوري. موقع القيادة العليا بدأ عمله في الساعة 12:30، وفي الساعة 16:15 أعطي الأمر بالاستعداد لامكانية اعلان تجنيد علني للاحتياط. وفي الساعة 20:00 صدر أمر "ايشور/2" لقيادتي اللواء الشمالي والجنوبي، تم فيها تلخيص التعليمات بخصوص اعلان حالة التأهب "ج" (أنظر الى التفاصيل في البند 184).

24. بعد النقاش لدى وزير الدفاع يجرى بحث في الصباح نفسه لدى رئيسة الوزراء، بمشاركة وزير الدفاع ورئيس أركان الجيش ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية ومساعديهم (تسجيل للبحث في وثيقة البينات رقم 57). رئيس الاستخبارات العسكرية يعطي تقريرا عن المعلومات التي في حوزته ويعطي تقديراته، بما يتلاءم وأقواله في البحث السابق لدى وزير الدفاع، ويكون تقديره:

«هجوم سوري مصري ضعيف الاحتمال جدا» (صفحة 1). «التقدير هو ان استعداداتهم نابعة بالأساس من خوفهم منا .. ولكن لا يمكن تجاهل اللعبة الروسية وليس واضحا لماذا يفعلون (الروس) هذا" (اقتباس كامل في البند 49 (ح)». حول أقوال رئيس الأركان في هذه الجلسة اقرأ لاحقا (في البند 214 ج). وحول أقوال وزير الدفاع اقرأ لاحقا (في البند 78). انه يقترح، بروح الأمور التي تبلورت قبلئذ خلال البحث عنده، أن يقال للأميركيين انه "تجمعت لدينا اشارات تفيد بأن الأمر أكثر من واقعي وبأن يبلغوا الروس بأنه لا توجد لدى الاسرائيليين أية نية للهجوم"، وانه "إذا بدأوا فسيتلقون حمام ماء باردا والطلب منهم (معلومات)". ونتيجة لذلك جاء الطلب من الأميركيين مع الارشاد الاستخباراتي (أنظر البند 41). فتأمر رئيسة الوزراء بأن يتم التوجه بواسطة المسؤول عن السفارة في واشنطن (نهاية صفحة 3). و"[وزير الخارجية، أبا] ايبن في نيويورك فليذهبوا معه" (صفحة 4). ويعلق وزير الدفاع: ربما ترغبين في ادخال أعضاء آخرين في الحكومة؟ فتسأل رئيسة الوزراء: مَن مِن الوزراء في تل أبيب؟

مشاورات الوزراء في 5 أكتوبر 25. وفقا لذلك، تم جمع الوزراء الذين تواجدوا تلك الليلة، ليلة يوم الغفران، في تل أبيب. وكان ذلك في الساعة 11:30 وشارك فيها رئيسة الحكومة والوزراء [حايم] بارليف، [وزير التجارة والصناعة]، [موشيه] ديان، وزير الدفاع، [شلومو] هليل، وزير الشرطة، [موشيه] حزاني، [وزير الرفاه]، [شمعون] بيرس، [وزير الاستيعاب]، [يسرائيل] غليلي [وزير بلا وزارة]، السيد مردخاي تسور، رئيس الأركان [دافيد العزار]، الجنرال [ايلي] زعيرا، [رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية]، العميد ليئور. وقد افتتح وزير الدفاع قائلا انه في الاونة الأخيرة توجد معلومات واشارات كثيرة على الأرض تشير الى تعزيزات في الجبهتين المصرية والسورية. وان المعلومات كما لو انها تدل على انهم معنيون باستئناف الحرب على الجبهتين أو على الجبهة السورية. واضاف:

«في الليلة الأخيرة أو في الأربع والعشرين ساعة وصلت .. معلومات اضافية أدت الى تغيير ما في تقديراتنا السلبية لهذه المعلومات. لا أقول بأن التقديرات الآن ايجابية، ولكنها كانت كافية لأن ندعوكم الى هنا». الجنرال زعيرا يفصل المعلومات التي في حوزته. على الجبهة السورية، يقول، حالة طواريء دفاعية، وحسب النموذج السوفياتي تعتبر هذه نقطة انطلاق لحرب دفاعية وأيضا للهجوم. السوريون "تدربوا على الهجوم وهم يخشون كثيرا من هجومنا.. وكذلك لدى المصريين نرى عدة اشارات تدل على استعدادات لحرب حقيقية، دفاعية بالأساس، من خلال الخوف بأن نستغل التدريب ونهاجمهم. ولكن، مرة أخرى، فإن هذا الاستعداد هو استعداد، انه دفاعي ولكن بالامكان الانتقال منه الى الهجوم أيضا". «لقد وصلت الينا في الماضي معلومات بأن هناك تفكيرا مشتركا سوريا مصريا في أكتوبر...» وفي الصفحة الثانية يتكلم عن قدوم طائرات النقل الروسية:

«خمس طائرات لسورية وست لمصر. تقديراتنا تقول بأن هذه الطائرات جاءت لاخلاء شيء ما، واضح ليس [اخلاء] اجهزة وربما أناس. لا نعرف من هم وكم عددهم».

(إقرأ لا حقا [التعليق] حول الصورة المتقطعة لهذه المعلومات في البند 77) تقدير الجنرال زعيرا هو (صفحة 2):

«نحن ما زلنا نرى بنسبة عالية من التقدير أن الاستعدادات السورية المصرية نابعة من الخوف منا، وبدرجة عالية من التقدير أيضا انه إذا كان الهدف الحقيقي للمصريين والسوريين هو تنفيذ عمليات هجومية فإنه في اطار محدود». (ربما حصلت بلبلة في الصياغة هنا وان القصد هو القول ان درجة التقدير بأن السوريين والمصريين ينوون القيام بعمليات هجومية محدودة هي بنسبة أقل).

«وعلى الرغم من ذلك فإن الأمر الاستثنائي في هذا المسار هو ان 11 طائرة وصلت الى مصر وسورية ولا يوجد حتى الآن تفسير لذلك» (اقرأ الاقتباس الكامل لهذا القول، لاحقا في البند 49 ط ).

ثم يتكلم بعده رئيس الأركان وقد اقتبسنا من أقواله لاحقا (في البند 211 (5) ، 214 د) ثم يقول (الصفحة 2-3):

«.. توجد في هذه الجاهزية [لسورية ومصر] كل العناصر المطلوبة للهجوم. وبما انني لا أشتغل معلقا، فإن من الأهم هو ان نفحص إذا ما كان لدينا برهان على انه ليس استعدادا هجوميا. أنا ملزم هنا بالاعتراف انهم في هذه الجاهزية، يتمتعون بقدرات تقنية على الهجوم. أولا – لا يوجد برهان على انهم لا ينوون الهجوم. وثانيا – انهم يستطيعون فعلا القيام بهجوم. ونتيجة لذلك، فقد اتخذنا كل اجراءات الاستعداد. بكلمات أخرى، فإن الجيش سيكون خلال هذا العيد في حالة تأهب عالية، فألغيت الاجازات في جميع الوحدات على الخطوط [الأمامية]، وبالأساس نحن في حالة استنفار عالية جدا في سلاح الجو وسلاح المدرعات. أنا لا أجند جيش الاحتياط وكل استعداداتنا تنفذ بواسطة الجيش النظامي».

ويسأل الوزير بار ليف (في صفحة 3)، منذ متى توفرت لدينا المعلومات عن استعدادات مصر لشن حرب في أكتوبر. ويجيب الجنرال زعيرا: منذ عدة شهور، ولكن تقديراتنا تقول ان المصدر غير موثوق. الوزير هليل: «وهل المعلومية القديمة هي من مصدر موثوق؟" الجنرال زعيرا: "موثوق جدا، ولكن من الصعب أن تكون نبيا في العالم العربي».

(ملاحظة: حول وصف تلك المعلومات اقرأ لاحقا في البند 57 ).

ويسال الوزير هليل (في صفحة 3) ما إذا تم التفكير أو جرت محاولة فعلية لاجراء اتصالات سياسية، لاستيضاح (الأمر) أو تبليغ [المصريين والسوريين] انذارا أو أي شيء كهذا. وتجيب رئيسة الوزراء بأن كل هذا قد تم عمله. واننا أيضا لا ننوي عمل أي شيء (بمبادرتنا). ويثير الوزير غليلي قضية الصلاحية بإصدار أوامر لعمليات [حربية] في حالة حدوث تطورات سريعة، فيجيب الوزير ديان. ونحن ننشر أقواله لاحقا (في البند 301).

ويسال الوزير حزاني (في صفحة 4) إذا كان من المعقول أن تكون تلك عمليات محدودة، مثل اطلاق قذائف على المستوطنات في هضبة الجولان أو أي شيء من هذا القبيل. فيجيبه الوزير ديان مقترحا بأن لا يتم الدخول لمثل هذا الأمر باعتبار "أن هناك خمسين احتمالا. أنا أوافق بأننا لسنا معنيين بعملية [حربية] وإذا تمت عملية كهذه فإننا لسنا معنيين بتوسيعها" (صفحة 5).

رئيسة الوزراء (في صفحة 5):

«.. إذا تطورت .. سنضطر للعمل بهذا المستوى [أي بعقد جلسة يشارك فيها الوزراء الموجودين في مكان واحد مع رئيسة الحكومة ووزير الدفاع وقادة الجيش]، إذا لم يكن ممكنا جمع الحكومة. بالطبع سيكون أفضل للجميع بأن تلتئم الحكومة بكامل هيئتها، وهذا بالتأكيد هو أفضل أمر بالنسبة لي». ويفسر الجنرال زعيرا (في صفحة 5) ما هي حسب رأيه الخيارات والخطط لدى المصريين في حالة مبادرتهم لاطلاق النار: 1. عبور القنال والوصول حتى المضائق (مضائق تيران). 2. اجتياح في سيناء وعلى طول القناة. 3. البدء باطلاق القذائف. 4. دمج ما بين القذائف والاجتياحات. «وكل هذا ضعيف الاحتمال. والأضعف احتمالا هو عبور القنال والأكثر احتمالا هو أن ينفذوا عمليات اجتياح وربما اطلاق قذائف هنا وهناك. لا توجد لدى السوريين ولا المصريين تفاؤلات كبيرة بأن يحققوا النجاحات إذا ما حاولوا القيام بعمليات على نطاق كبير، وبشكل خاص بسبب دونية سلاح الجو لديهم [بالمقارنة مع سلاح الجو الاسرائيلي».

ويقدم رئيس الأركان ملاحظة (صفحة 5):

«..إذا بادروا الى شن الحرب، فإن أول ما سنفعله هو أن نحارب ونسعى للعمل من دون أية قيود. فقط أمران سنحتاج الى مصادقة عليهما خلال الحرب وهما تجنيد جيش الاحتياط وحجم هذا التجنيد..». ويقول الوزير غليلي: «أرى انه بما أنا نلتئم هنا عدة وزراء، علينا أن نقول لأنفسنا ولرئيسة الوزراء ووزير الدفاع، بأنهما يستطيعان رؤية نفسيهما مخولين لاصدار التعليمات للتجنيد (يقصد جيش الاحتياط)، إذا رايا حاجة في ذلك حتى قبل أن تلتئم الحكومة. أنا واثق بأمهما كانا سيفعلان ذلك من دون أن نعطيهما الصلاحية في هذا اللقاء. ولكن هذا هو واقعنا. في الخامس عشر من مايو [أيار] 1967، قال لنا كل المتكهنين والمنجمين اننا سنعيش سنتين بلا حرب، ولكن الحرب اندلعت في يونيو (حزيران) ..

أنا معجب بلهجة رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية، لأن لنا – حسب اعتقادي – خدمات استخباراتية ممتازة. كما انتبهت الى ما قاله رئيس الأركان بأن الاحتمالات (لهجوم سوري مصري) ليست كبيرة. فهو يمتنع عن القول بأن لدينا براهين على ان الأمر لن يحدث. لهذا فإن ما أردته هو أن لا تكون هناك عقبات امام العمليات الاجرائية، بسبب عدم وجود صلاحيات. بالطبع، إذا اتضح ان الأمر هو في مستوى خطر قاطع، فيجب الاستعداد لاجراء بحث على مستوى اللجنة الوزارية لشؤون الأمن (أي الحكومة في جلسة سرية)، للبحث حول خطوط عملنا ... وأنا أريد أن اضيف لهذا عنصرا يتعلق بالساحة الدولية. فقد تولد لدي انطباع من رد الفعل الحماسي على اعلان زائير في الجمعية العامة للأمم المتحدة [في الخامس من أكتوبر أطلق رئيس زائير، موبوتو، تصريحه الشهير الذي أعلن فيه عن قطع العلاقات مع اسرائيل بسبب سياستها العدوانية. وقال يومها ان اسرائيل هي دولة صديقة لزائير ولكن الدول العربية في أفريقيا هي دول شقيقة، ولذلك يفضلها على اسرائيل. والمعروف ان دول أفريقية عديدة قطعت علاقاتها باسرائيل في أعقاب زائير]. هنالك أجواء [دولية] تهدر هذه المقاطعة [يقصد اسرائيل]، ولهذا فمن المتوقع أن تقع مفاجآت..».

رئيسة الحكومة تذكر بالبيانات الصحفية المصرية والسورية التي تقول ان ان قواتهما تقف على أهبة الاستعداد لكي تصد هجوما اسرائيليا، واضافت بان هذه اللهجة تذكر بأجواء ما قبل حرب الأيام الستة (1967).

الوزير ديان: «أنا أتوقع أن يكون أعضاء الحكومة الذين يمكن الاتصال بهم في يوم الغفران [غير المتدينين]، مستعدين لهذه الامكانية ويمكن عمل ذلك (أي الاتصال بهم في يوم الغفران)، إذا كانت هناك حاجة لذلك».

وتطلب رئيسة الحكومة أن يتركوا (الوزراء) لدى سكرتير الحكومة معلومات تفصيلية عن مكان وجودهم في ذلك المساء، عشية يوم الغفران. عي نفسها بقيت في تل أبيب. «ليتنا لا نحتاج الى ذلك. أنا أتخيل ان ما قاله غليلي ممكن، إذا لم تكن هناك تحفظات لدى أحد[تقصد اعطاء الصلاحيات لها وللوزير ديان لتجنيد الاحتياط)».

لا أحد يبدي تحفظات. وتنهي رئيسة الحكومة الجلسة بالتمني «خاتمة سعيدة للسنة الجديدة» (وهي تحية يهودية معروفة يهنئون بها بعضهم بعضا في عيد الغفران).

بعد ذلك، في الساعة 12:30 من اليوم نفسه، جرى نقاش في هيئة رئاسة الأركان. نقتبس لاحقا في البند 76 أقوال الجنرال زعيرا ثم أقوال رئيس الأركان هناك، في البند 76 والبند 211(4).

وصف للمناقشات التي تمت في يوم 6 أكتوبر صباحا، نعرضه لاحقا (في البنود 26 – 34).
 
رد: الوثائق الإسرائيلية

الوثائق الإسرائيلية (الحلقة الثامنة) ـ وزير الدفاع الإسرائيلي ديان يحاول إلقاء مسؤولية الفشل على رئيس الأركان

«الشرق الأوسط» تواصل نشر وثائق الحروب الإسرائيلية



تل أبيب : نظير مجلي
في هذه الحلقة من وثيقة تقرير لجنة أغرنات، التي حققت في الفشل الاسرائيلي في حرب أكتوبر 1973، ننشر نصا من بروتوكول التحقيق مع كل من وزير الدفاع، موشيه ديان، ورئيس أركان الجيش، دافيد العزار، ويظهر منها كيف كان ديان يحاول الالقاء بمسؤولية الفشل في تأخير تجنيد قوات الاحتياط على العزار، فيما يحاول العزار رد التهمة والقاء المسؤولية على ديان.
هذا التراشق بينهما سيتطور لاحقا ليتحول الى معركة بينهما، ساحتها لجنة التحقيق وفيما بعد الصحافة الاسرائيلية، لينتهي في آخر المطاف الى ادانة رئيس الأركان في اللجنة وتبرئة ديان وتوجيه المدائح الى رئيسة الوزراء، غولدا مئير. ويدفع تقرير اللجنة برئيس الأركان الى الاستقالة من منصبه ومن الجيش. ويتسبب هذا الموقف في استئناف الهبة الشعبية ضد الحكومة، رغم انها كانت قد انتخبت قبل بضعة اسابيع فحسب. وتكون بدايتها من داخل المؤسسة العسكرية، حيث قادها ضابط في جيش الاحتياط يدعى موطي (مردخاي) اشكنازي، وأخذت تتسع لتشمل عشرات ألوف المتظاهرين. وعندها فقط استقالت غولدا مئير واستقال معها ديان واعتزلا الحياة السياسية. وكما أشرنا آنفا، فإن كل أبحاث لجنة التحقيق انطلقت من منطلق واحد هو: الاستخفاف بالمصريين والسوريين. فالقاضي الذي ترأس اللجنة مثله مثل بقية الأعضاء، ورغم انهم تعاملوا بشجاعة مع كل من مثل أمامهم ولم يترددوا في توجيه الأسئلة الصعبة والمحرجة وحشر كبار المسؤولين في الزاوية في معظم ساعات التحقيق، إلا أنهم عندما يتعلق الأمر بالعرب التزموا بنفس عقلية القيادة السياسية والعسكرية الاسرائيلية التي تستخف بالمقاتل العربي وبالقائد العربي. فبالنسبة اليهم، فشل اسرائيل في الحرب لم ينجم عن نجاح عسكري عربي ولا من مبدأ أن الحرب فيها عادة كرّ وفرّ ، بل عن القناعة بأن اسرائيل قادرة على هزم العرب كأمر مفروغ منه. وأن ما منع ذلك هو ليس قدرات العرب، انما الخطأ الانساني لدى اليهود.

ويلاحظ بأن هذه النظرة أدت بأحد كبار قادة الحركة الصهيونية الحديثة، ابرهام بورغ، لأن يكفر بالصهيونية تماما ويفكر في «طلاق» أبدي مع اسرائيل. وبورغ هو الرئيس الأسبق للكنيست (البرلمان الاسرائيلي) والرئيس الأسبق للوكالة اليهودية، وهو نجل أحد مؤسسي الحركة الصهيونية وقائدها بين المتدينين اليهود، يوسف بورغ. وبسبب سيطرة العسكريين والعقلية العسكرية على اسرائيل، بات يعتقد بأن الصهيونية قد انتهت وان دولة اسرائيل لم تعد الدولة التي طمح اليها اليهود ـ «هؤلاء يؤمنون بأن القوة هي الحل لكل المشاكل. وما لا ينفع بالقوة يعالج بالمزيد والمزيد من القوة. وفي حرب لبنان الأخيرة اتضح لنا بأن القوة وحدها لا تنفع، بل ان القوة التي استخدمت لم تمكننا من تحقيق الانتصار. ولكن ما هي إلا بضعة شهور تمر علينا، وإذا بنا نسمع أهل «سديروت» البلدة اليهودية في النقب التي تتعرض الى أكبر قدر من الصواريخ الفلسطينية، يتحدثون عن ضرورة تدمير تلك الحارة في بيت حانون أو ابادة تلك المدينة، والجنرالات عندنا يقصفون ويهددون بالمسح والتدمير. لم نتعلم شيئا. ولا شيء». ثم يعلن بأنه لم يعد يرى في اسرائيل وطنا. بل هي كابوس مرعب ينبغي الهرب منها. فهي تشبه ألمانيا عشية انتصار النازية فيها وهي أكثر من فاشية. ومع استمرار النشر، سننشر العديد من الوثائق والمعلومات التي تظهر مدى تمادي الجنرالات في التأثير على الحياة السياسية في اسرائيل وتوريطها في الأزمة تلو الأزمة، من دون أن يدرك الجمهور ذلك، وتؤكد أن هناك تيارا يمثل أقلية في اسرائيل لكنه واثق وواضح مثل بورغ (وقبله ناحوم غولدمن، رئيس المؤتمر الصهيوني العالمي، والبروفسور يشعياهو لايبوبتس، وهو فيلسوف يهودي متدين تنبأ بأن يكون احتلال العام 1967 مقبرة للقيم اليهودية الانسانية ومرتعا للفساد الذي سيدمر اسرائيل). واليكم في ما يلي حلقة جديدة من تقرير لجنة أغرنات:

* لماذا لم يتم التجنيد الفوري لقوات الاحتياط التي اتفق عليها وزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان؟

في ضوء الفقرة المذكورة في وثيقة البينات رقم 265 حول موافقة وزير الدفاع على تجنيد 50 ـ 60 ألفا من المطلوبين للدفاع الفوري، احتاجت اللجنة (لجنة التحقيق) الى رد على السؤال ـ لماذا لم يبدأ رئيس الأركان بتجنيد ألوية الجيش المذكورة وانتظر حتى المحادثة مع رئيسة الحكومة في الساعة التاسعة (الجلسة نفسها بدأت في الثامنة)، فبسبب هذا (التأجيل) تأخر التجنيد ساعتين، ثلاثا، كانت ضرورية للغاية في الضائقة الزمنية في ذلك الصباح.

فيما يلي نقدم نص التسجيلات لاستجوابات اللجنة الى وزير الدفاع ورئيس الأركان في الموضوع:

أ ـ استجواب وزير الدفاع

* سؤال: «أنا أريد أن أسألك هنا سؤالا وسطيا، وهو السؤال الذي سألته لرئيس الأركان: أنا أفهم أنكما كنتما على اتفاق في امر واحد هو «تجنيد» لواءين. لم يكن هناك نقاش حوله. والسؤال الذي طرحت هو: إذا كان متفقا على لواءين، فلماذا لم يتصلوا برئيسة الحكومة هاتفيا فورا إن كانت هناك حاجة الى مصادقتها على ذلك، ويقولوا لها نحن متفقان على «تجنيد» لواءين ويوجد بيننا نقاش وسنأتي لطرحه أمامك. وبهذا، وعلى أساس الجدول الزمني، كان بالامكان ربح ساعتين، ثلاث، لإصدار الأمر الأول؟

جواب: أنا أيضا سألت نفسي (السؤال نفسه) الآن عندما أعددت المواد (يقصد المواد التي يحتاجها في ظهوره أمام لجنة التحقيق). أنا استطيع القول إنه لم يكن لدي انطباع بأن هناك أي مانع أمام رئيس الأركان بأن يبدأ في تجنيد الاحتياط. ليس فقط لم أجد تسجيلا يظهر فيه ان رئيس الأركان قال لي تعال نبدأ في التجنيد وأنا أجبته انتظر لحظة، دعنا نسأل رئيسة الحكومة. فهذا هو الأمر الذي كنت سأفعله من دون شك. لكن ما فهمته من رئيس الأركان، أيضا عندما قال لي انه سيتوجه أولا الى مكتبه وأيضا خلال النقاش، أن هناك جهة ما في رئاسة الأركان بدأت العمل على الاعداد للتجنيد. وأن قسما منهم تم تجنيده. وسلاح الجو. وأول 10 آلاف. وأقول لكم فقط الآن، انه إذا قال شخص ما شيئا آخر، وإذا قال رئيس الأركان شيئا آخر، فإنني لا أستطيع الإدعاء بأنه يضلل. فقد كنت في انطباع بأنه لا مانع من تجنيد 60 ألفا إذا أراد، وأن المشكلة عندنا هي في تجنيد 60 ألفا آخرين. لم أكن اعرف أنه أعطى الأوامر للتجنيد.

* سؤال: كان من المفروض أن يجلب الأمر أمام رئيسة الحكومة. لم يكن لكما أي تخويل، ولا حتى لو اتفقتما على التجنيد.. من دون سؤالها.

جواب: في قضايا أخرى شبيهة، ليس في تجنيد الاحتياط، عندما يمر وقت ما بين القرار وبين التنفيذ الفعلي، كنت أسمح لنفسي. فعندما أفترض بأن رئيسة الحكومة ستصادق على الأمر المنوط بمصادقتها، بأن أقول لرئيس الأركان «إبدأ، وأنا أتصل مع رئيسة الحكومة. فإذا أرادت اعاقة الأمر يكون هناك متسع من الوقت لاعاقته قبل التنفيذ.. في قضية تجنيد أولئك الـ 50 ألفا من جيش الاحتياط، أقول لرئيسة الحكومة، بعد محادثتي معها في الصباح، في الساعة الرابعة فجرا، وعلى أساس المعلومات المتوفرة حيث الكل يتراكض للدخول الى الحرب الخ الخ.. ولا يوجد عندي شك في أنها ستعطي مصادقتها. لقد كان بإمكاني في ذلك الوقت أن أفعل واحدا من أمرين، أو أن أكلمها بالهاتف وأقول اننا نريد تجنيد احتياطي، ولم افعل ذلك ليس لأنني أريد توفير محادثة هاتفية، أو أن أسأل رئيس الأركان، مفترضا انه ما بين موقفي الايجابي أو موقفه أو موقفينا كلينا، وبين الوقت الذي ينطلق فيه الرجل من بيته (يقصد الجندي او الضابط الذي يستدعى للخدمة الاحتياطية)، يوجد لنا متسع من الوقت لرؤية رئيسة الحكومة وابلاغها بأننا استدعينا 50 ألفا من قوات الاحتياط. فإذا لم ترغب في ذلك نعرقله. ولكنني الآن فقط، وأنا أراجع المواد، أصطدم بهذه القضية أيضا.

* سؤال: كل هذا كان على رئيس الأركان أن يخمنه، بكل وضوح. فأنت لم تقله.

جواب: انه رئيس أركان الجيش.. فإذا أراد أن يجند، هو المسؤول عن الحرب. إذا أراد البدء في التجنيد، كان بإمكانه أن يقول لي باللغة العبرية: سيدي وزير الدفاع، نحن كلانا موافقان على تجنيد 50 ألف شخص. فإذا لم يرد اضاعة وقت، كان بإمكانه أن يقول بكلمة واحدة: تعال نجند. تحتاج الى مصادقة رئيسة الحكومة، ارفع سماعة الهاتف واتصل بها.

وعلى الأسئلة الأخرى المستمرة يجيب وزير الدفاع: «لا شك في أنه كان بحاجة الى الحصول على مصادقة الحكومة، وأنا كنت ممثل الحكومة، لا شك في ذلك. لا يوجد نقاش حول حقيقة أنه لا يستطيع أن يدعو الاحتياط من دون مصادقتي. لكن السؤال هو .. إذا كان يريد البدء في التجنيد، فلماذا لم يتوجه. فقد كان سيحصل على المصادقة فورا. إذن، أقول انه لم يتوجه بالطلب وأنا لم أكن على معرفة إذا كان بدأ بالتجنيد أم لم يبدأ. لو جاءني الى المكتب قبل ذلك وقال: أصدرت أوامر بتجنيد هذه الطواقم أو تلك، لما كنت أرى في ذلك أي خلل. وكنت سأسعى للحصول على مصادقة رئيسة الحكومة وكنت سأحصل عليها. المسؤولية عن اعطاء المصادقة هي مسؤوليتي. من دون هذه المصادقة ما كان يستطيع التجنيد. بل انني مستعد للقول ان مبادرة البدء بتجنيد الاحتياط يمكن أن تكون بمسؤوليتي لا أقل مما هي بمسؤوليته. الى هنا أقبل.

ب ـ استجواب رئيس الأركان في تحليله (أمام لجنة التحقيق) للأبحاث التي جرت في الساعة 7:15، بعد اللقاء مع وزير الدفاع ـ حسب البروتوكول ـ قال رئيس أركان الجيش (كما جاء في التسجيل المدون في وثيقة البينات رقم 243): «رئيس الأركان اقترح تجنيدا شاملا (لجيش الاحتياط)، بشكل انتقائي بأقل ما يمكن من العناصر الهامشية، حوالي 200 ـ 250 ألف شخص. وأيضا لهذا لا توجد مصادقة. وإذا لم نحصل على مصادقة نقوم بتجنيد حوالي 70 ألف شخص». أنا أعطيهم معلومات عما دار لدى وزير الدفاع، حيث اقترحت تجنيدا شاملا، بشكل انتقائي تستثنى منه العناصر الهامشية، من دون «الهاجا» (قوات الدفاع المدني). أردت 200 ـ 250 ألف شخص. ولهذا لا توجد مصادقة. أنا أقول: «إذا لم نحصل على تجنيد كامل، نلجأ الى التجنيد الجزئي بمقدار 70 ألف شخص». لماذا قلت 70 ألفا؟ لأنني رأيت أن وزير الدفاع وصل الى الموافقة على 50 ـ 60 ألفا، لذا فقد افترضت بانني لن أخرج بأقل من 70 ألفا. حتى لو قالوا لي ستين (ألفا)، فساعطي الأوامر بسبعين ألف شخص. وأنا أقول: «كل سلاح الجو، كل ألوية المدرعات وتشكيلات الحد الأدنى في الخدمات، أي تشكيلات الصيانة اللازمة لهذه القوات. ندخل بذلك الى (حيز) 70 ـ 80 ألف شخص. أنا أعطي التعليمات لوضع خطة توصلنا الى 70 ـ 80 ألف شخص. وأنا اشرح: هذا هو أقصر انذار (بالحرب) نتلقاه في تاريخنا. انذار لا يطول أكثر من 12 ساعة عمليا. لكن الجيش النظامي في حالة استعداد منذ أمس. نجند ما يصادق عليه (من جيش الاحتياط). والباقون نجندهم في النار (يقصد خلال الحرب).

* سؤال: خلال تلك الفترة ما بين الاجتماع لدى وزير الدفاع في الصباح والاجتماع لدى رئيسة الحكومة، الم يخطر بالبال أنه طالما انكما كليكما موافقان على «تجنيد» حد أدنى من 50 ألف شخص، أن يبدأ التجنيد حتى قبل الحصول على مصادقة رئيسة الحكومة؟ فأنا أرى هنا، حسب يوميات هيئة رئاسة الأركان، أن البلاغ الأول المكتوب بوضوح (عن المصادقة على تجنيد في الاحتياط) تم في الساعة 9:05 ـ رئيس مكتب رئيس الأركان يعلن (من الجلسة مع رئيسة الحكومة) عن المصادقة على تجنيد لواءين.. ألم يخطر الأمر بالبال (أي التجنيد فور موافقة وزير الدفاع) قبل ساعة أو حتى وأنتم لدى وزير الدفاع؟

جواب: لا. لأن ما هو غير واضح هنا هو كيف انتهى النقاش بيني وبين وزير الدفاع. فقد انتهى من دون التوصل الى اتفاق، عندها (لو كان هناك تفاهم)، كان السكرتير العسكري (لرئيسة الحكومة، الذي يعتبر صلة الوصل بين الجيش ورئيس الحكومة عموما في اسرائيل) يبلغ رئيسة الحكومة وأنا أذهب للتجنيد. لكن النقاش انتهى بغضب وبشكل متوتر.

* سؤال: ولكن، كان هناك تفاهم على لواءين؟

جواب: لا. ما أريد قوله هو أن النقاش انتهى متوترا، بهذه الروح: إذا لم تكن تقبل بهذا التلخيص، نذهب الى غولدا (مئير، رئيسة الحكومة). ولأن الأمر انتهى على هذا النحو، فقد ذهبنا الى غولدا.

* سؤال: ألم يكن ممكنا أن يكون وزير الدفاع مستعدا لتجنيد لواءين على عاتقه، ألم يكن مستعدا للتوصية؟

جواب: نعم هذا صحيح. بل انه قال ذلك (في صباح اليوم نفسه). فقد قال انه ليس مستعدا لتجنيد لواءين على عاتقه. في مرحلة لاحقة، اعتقد (وزير الدفاع، موشيه ديان) بأنني اوافق على تلخيصه فيقول الى رفيف (العميد يهوشع رفيف، السكرتير العسكري)، اطلب مصادقة غولدا على كذا وكذا. ولكن، بما انني لم أقبل هذا وواصلت الإلحاح، قال: إذا كان الأمر كذلك، نذهب الى غولدا. ما يعني انه حتى على هذا التجنيد لم تكن مصادقة.

سؤال: أنا أفهم كل هذا. سوف أسأل وزير الدفاع عليه. ولكنني اسألك أنت.. فمن الواضح انكما في الساعة السابعة صباحا كنتما متفقين على تجنيد لواءين.

جواب: كان يجب الحصول على مصادقة رئيسة الحكومة على ذلك.

* سؤال: حسنا. لماذا لم يكن بامكان رفيف أو وزير الدفاع أن يتصل في السابعة صباحا ويقول: اسمعي، سنأتي لاحقا للنقاش لديك، حيث انه يوجد خلاف. أنا أطلب (تجنيد) لواءين ورئيس الأركان يريد كذا.. ولكننا متفقان على تجنيد لواءين وأطلب مصادقتك على تجنيد لواءين. فقد كان هذا سيوفر ساعتين على الأقل؟

جواب: لأن هذا انتهى بالقول: تعال نذهب الى غولدا. أنا واع لمسألة الوقت.. ولكن هذا لا يعني خسارة ساعتين بالضبط، لأنه بالنسبة لسلاح الجو كانت المسألة محلولة. عمليات الاستكمال في مختلف القيادات وغيرها، كما أشرت آنفا، أي ألوف الرجال، كانت قد انطلقت. وثانيا، الافتراض في الصباح كان بضرورة تجنيد الجميع. ولذلك فقد كان جزء من الاستعدادات لاستدعاء الاحتياط قد تم عمله، مثل جلب الناشرين والبدء بتركيز التاكسيات والبدء بإعداد أوامر الاستدعاء.

* سؤال: أنا أقصد التجنيد الفعلي.

جواب: معك حق. هذا الأمر لم يعط.

31. في ضوء ما سبق ذكره، توصلت اللجنة الى الاستنتاج (البند 15 صفحة 11 في التقرير الجزئي) بأن «جرى تأخير لمدة ساعتين في تجنيد القوات بالحجم الذي اتفق عليه وزير الدفاع مع رئيس الأركان في ذلك الصباح، وذلك لأن رئيس الأركان انتظر حتى حسم رئيسة الحكومة في مسألة تجنيد كامل تشكيلات جيش الاحتياط».

اننا نعتقد انه بعد أن حصل على موافقة وزير الدفاع كان يتوجب على رئيس الأركان أن يأمر فورا بتجنيد ذلك الجزء المتفق عليه (او يحصل على موافقة رئيسة الحكومة على ذلك، إذا اعتقد بأن هناك ضرورة) ويواصل طلب التجنيد الكامل في لقائه مع رئيسة الحكومة.

32. البحث لدى رئيسة الحكومة (وثيقة البينات رقم 75 ـ تسجيل أ. مزراحي وكذلك التسجيل المختصر للمقدم براون ـ وثيقة البينات رقم 57، إلا إذا تمت الاشارة الى شيء آخر). كما ورد في التقرير الجزئي (بند 32 صفحة 32)، «يسجل لرئيسة الحكومة اطراء كبير على استخدامها الصحيح لصلاحياتها في الحسم في الظروف الناشئة في ساعات الطوارئ في صباح السبت. لقد حسمت الأمر بحكمة وبحساسية سليمة وبسرعة لصالح تجنيد كامل تشكيلات جيش الاحتياط، على الرغم من الاعتبارات السياسية ثقيلة الوزن، وبذلك قامت بعمل بالغ الأهمية في الدفاع عن الدولة». لقد كان هذا بحثا مهما للغاية، أكان ذلك لتوضيح مسألة الاعتبارات لتوجيه الضربة المانعة، أو لتجنيد الاحتياط، ولهذا نعرض اقتباسات واسعة من البروتوكول التفصيلي الذي كتبه أ. مزراحي خلال الجلسة (وكذلك من تسجيلات المقدم براون).

في بداية الجلسة يبحثون في المشاكل الفورية المتعلقة بالساحة الميدانية، سكان هضبة الجولان وأبو رودس وشرم الشيخ، ويبحثون في الأنباء (القادمة) من الولايات المتحدة الأميركية وبالأنباء التي ينبغي ابلاغها بها. وبعدئذ يقول وزير الدفاع:

«والآن شيئان أكثر جدية:

1) ضربة رادعة 2) تجنيد الاحتياط بالنسبة للضربة الرادعة، من الناحية الجوهرية، لا نستطيع أن نسمح لأنفسنا القيام بها هذه المرة. إذا هجمت مصر، نستطيع أن نوجه ضربة للسوريين. في ضوء المعلومات المتوفرة الآن، لا نستطيع توجيه ضربة رادعة. لا نستطيع حتى لو كان ذلك قبل خمس دقائق (من الهجوم العربي). وإذا كنا في وضع بدأت فيه مصر (الهجوم) وهي وحدها بدأت فقط، نستطيع ان نضرب السوريين، مبدئيا. وإذا لم يطلقوا النار لن نطلق النار». (وثيقة البينات رقم 57 صفحة 3).

حسب تسجيل المقدم براون (وثيقة البينات 266):

«من ناحية الضربة الرادعة، من الناحية العملية، الأفضل هو أن نهاجمهم قبل أن يهاجمونا. حسب رأيي، لن نستطيع أن نسمح لأنفسنا بذلك. فماذا نستطيع؟ إذا بدأت مصر، يمكن مهاجمة السوريين وتصفيتهم، ولكن لا يمكننا ذلك حتى لو قبل خمس دقائق. ليس ممكنا، إلا إذا وصلت الينا أنباء تقول بأنهم ينوون تفجيرنا. في ضوء المعلومات المتوفرة حاليا، لا يمكن. فمن الناحية المبدئية، لا يمكن البدء باطلاق النار (عليهم) قبل أن يبدأوا هم في اطلاق النار».

(حسب وثيقة البينات رقم 57 ـ وهي استمرار مباشر لأقوال وزير الدفاع السابقة):

«في قضية تجنيد الاحتياط، رئيس الأركان سيبلغ فيما بعد تفاصيل القوات .. دادو (هكذا كان يلقب رئيس أركان الجيش الاسرائيلي، دافيد العزار) يريد تجنيد عدد أكبر من القوات، وأنا أتحفظ. أنا أقترح تجنيد كل قوات الاحتياط في سلاح الجو ولواء مدرعات في الشمال وآخر في سيناء، وهذا يعني تجنيد 50 ـ 60 ألف شخص. ربما يزحف الى ما هو أكبر قليلا من ذلك. هذا التجنيد يجب أن يتم حتى السادسة مساء اليوم. نحن بحاجة الى مزيد من الدبابات في الجولان وكذلك في سيناء. علينا أن نستعد.. إذا تدهورت الأوضاع وبدأ اطلاق النار، فإننا سنجند كامل قوات الاحتياط. إذا تصرفنا بشكل آخر نكون نحن الذين قد أعلنا الحرب. حتى هكذا سيقولون ذلك. لو كنت أعتقد بأنه لا مفر من ذلك لكنت أجند كامل جيش الاحتياط. قوات الاحتياط المحدودة تستعد للعمل حتى صباح الغد. إذا أردنا تجنيد المزيد في الليل، سنفعل ذلك. وربما يكون لرئيس الأركان رأي آخر في هذه القضية».

حسب تسجيلات المقدم براون:

«في قضية تجنيد الاحتياط، سيعرض رئيس الأركان ما لدينا الآن من القوات. يوجد اختلاف في الرأي بيني وبين «دادو» حول الموضوع. هو يريد أكثر وأنا أريد أقل. أنا أؤيد تجنيد كل قوات سلاح الجو، وتجنيد لواء مدرعات في الجولان ولواء مدرعات في سيناء، ما قد يصل الى 50 ـ 60 ألف شخص وعدم السماح بالزحف نحو ما هو أكثر من ذلك. لا مفر من ذلك لأن هذه قوة دفاعية. فإذا ازدادت خطورة الوضع ويبدأ اطلاق النار في الليل، نجند البقية. إذا تصرفنا بشكل آخر سيظهر الأمر كما لو أننا نحن الذين قد أعلنا الحرب. اننا نقف على السويس وفي هضبة الجولان وليس في الوضع الذي كنا عليه في سنة 1967. أنا أؤيد الاعلان عن التجنيد وأن نجند قوات محدودة وفي الصباح نكون مستعدين».

بعد المذكور أعلاه يعرض رئيس الأركان آراءه:

«قرأت (المعلومات) وهي باعتقادي (المعلومات) أصلية (تعبير يقصد به ان المعلومات موثوقة). بالنسبة لنا، انه إنذار قصير المدى للغاية. إذا هجموا بعد عشر ساعات، فإننا مستعدون بأقصى حد ممكن مع الجيش النظامي، ولكننا ما جندنا جيش الاحتياط بتاتا. نتيجة لذلك يجب ان نزيد فورا قوات الاحتياط التي نجندها الآن بحيث يتاح تفعيلها غدا. في صبيحة يوم الأحد تستطيع أن تشارك في الحرب. الاحتياط الذي لا نجنده اليوم سيكون خسارة يوم. لذا، فأنا أؤيد تجنيدا كبيرا. أنا أعتقد أنه الزامي تجنيد 200000 شخص كتشكيلات قتالية. أنا بحاجة اليهم اليوم. تجنيد كامل قوات الاحتياط في سلاح الجو. استكمال الوحدات النظامية، ففي هذه الوحدات أيضا توجد قوات احتياط. هذا هو الجيش المحارب. ألوية مدرعة اضافة الى المدفعية والإمداد. مع قوة كهذه نستطيع أن نكون مستعدين حتى يوم غد في الصباح أو الظهيرة بشكل أكثر جذريا. إذا جندنا ما هو أقل من ذلك، فسنستطيع غدا أن نعزز القوات من الناحية الدفاعية ونصد الهجوم. ولكننا سنكون محدودين بالعمليات الدفاعية. بينما إذا توفرت لنا قوات اكبر نستطيع الهجوم والقيام بالهجوم المضاد. إذا لم ننفذ التجنيد الكبير، فأنا لا أرى أقل من 70 ـ 80 ألفا. ومن ناحية الآثار الدولية السياسية، فلن يكون هناك فرق ما بين تجنيد 70 ألفا أو 200 ألف شخص. بل ربما يؤثر، لأن العرب سيفهمون بأنهم فقدوا امتياز المفاجأة.

من ناحية ثانية، التجنيد سيؤدي الى تجريمنا. سيقولون اننا جندنا الاحتياط لكي نشن الحرب. من المفضل أن يقولوا اننا بدأنا الحرب وانتصرنا فيها. ففي كل الأحوال سيقولون ذلك. أنا أؤيد تجنيدا كبيرا. هذا من ناحية التجنيد.

بالنسبة للضربة الرادعة، الضربة الرادعة هي بالتأكيد امتياز تفوق ضخم. انها توفر الكثير من الأرواح. إذا دخلنا الحرب بحيث تكون المرحلة الأولى منها عملية صد هجوم (عربي)، وأنا واثق بأننا سنصمد فيها، ومن ثم ننتقل الى الهجوم فستكون هذه حربا جدية. لسنا ملزمين باتخاذ قرار بهذا الآن، فلدينا وقت من أربع ساعات حتى نتحدث مع الاميركيين. فحتى ساعات الظهر، ربما يقول لنا الأميركيون أيضا إن الهجوم مؤكد، وعندها ربما نستطيع أن نوجه الضربة الرادعة».
 
رد: الوثائق الإسرائيلية

الوثائق الإسرائيلية (الحلقة التاسعة) ـ «الشرق الأوسط» تواصل نشر وثائق الحروب الإسرائيلية

ديان خطط احتلال الضفة الغربية من قناة السويس والحدود السورية اللبنانية ولم يستبعد الوصول بجيشه إلى النيل * المخابرات الأميركية أيضا اعتقدت مثل إسرائيل بأن العرب لن يحاربوا



تل أبيب: نظير مجلي
في الوقت الذي عقدت فيه القيادات السياسية والعسكرية اجتماعات ماراثونية للبحث في الوضع الناشئ من جراء التحركات العربية، كان وزير الخارجية الاسرائيلي، أبا ايبن، يشارك في اجتماعات الدورة السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة. وهناك دارت معركة أخرى في الساحة الدبلوماسية.
كان أبا ايبن قد اجتمع مع وزير الخارجية الأميركي، هنري كيسنجر، في الرابع من أكتوبر 1973، وهو لا يعرف شيئا عن الأبحاث الجارية في اسرائيل ولا توجد لديه ـ كما يقول في مذكراته الشخصية ـ أية فكرة عن الاستعدادات الحربية. بل انه بحث مع كيسنجر في امكانية أن يعود الى الولايات المتحدة في الشهر التالي من أجل دراسة السبل في تحريك المسار السياسي. وقد أعطى كيسنجر رأيه في ان شهر أكتوبر لن يشهد اية تطورات درامية في الشرق الأوسط بسبب الانتخابات العامة في اسرائيل المقرر اجراؤها في نهاية الشهر (تم تأجيلها الى نهاية السنة في أعقاب نشوب الحرب).

ويكتب ايبن في مذكراته بأنه خرج من اجتماعه مع كيسنجر مرتاحا للغاية لأنه رأى في تحريك المسار السياسي حلما لطالما تحدث عنه في اسرائيل في الشهور الأخيرة، بل انه جعله الموضوع الأساسي في الدعاية الانتخابية التي شارك فيها باسم حزب العمل الحاكم. ووجه ايبن يومها انتقادات واسعة للجنرالات في الحكومة وفي الجيش الذين وضعوا لأنفسهم مخططا حربيا لمزيد من التوسع، من دون أن يعطي تفاصيل. وكان الجنرالات ينتقدونه على ذلك لأنهم لم يريدوا الابتعاد عن فكرة الحرب. ويتحدث عن هذه الفترة الجنرال في الاحتياط، حايم نيدل، في أطروحة الدكتوراه التي أعدها سنة 2002، فيقول بأن قادة الجيش ومعهم الجنرالات الذين أصبحوا وزراء مؤثرين في الحكومة، وخصوصا موشيه ديان، وزير الدفاع، وضعوا لأنفسهم خط تفكير استراتيجيا منذ الشهور الأولى بعد حرب 1967 تقضي بضرورة شن حرب أخرى. ويتضح ان أبحاثا عديدة طرحت في الأطر السرية حول هذا الخط استمرت حتى الأيام الأخيرة قبل حرب أكتوبر وأن الاتجاه الأساسي السائد فيها كان على النحو التالي: حرب 1967، رغم انها انتهت بانتصار ساحق لنا (لإسرائيل)، فإنها فشلت في تحقيق أهداف سياسية استراتيجية. فالعرب لم يغيروا من سياستهم تجاه اسرائيل ويواصلون التفكير في الطريقة القادمة القائلة بأن اسرائيل أقيمت بالعدوان ويجب ازالتها. ولاءات مؤتمر القمة العربية في الخرطوم، لا للاعتراف باسرائيل ولا للتفاوض معها ولا للسلام معها، هي خير دليل على ذلك. وتجاهل الجنرالات بذلك كل المبادرات السلمية التي وافق عليها الرئيس المصري جمال عبد الناصر وأنور السادات والملك حسين، مثل مبادرة روجرز ومبادرة يارينغ وتقارير «الموساد» الاسرائيلي بأن السادات مستعد لسلام مقابل سيناء ورأوا بأن على اسرائيل أن تدير حربا أخرى يتم فيها «توجيه ضربة قاضية تجعل العرب يغيرون من سياستهم للمدى البعيد» كما قال رئيس اركان الجيش، دافيد اليعازر، في ذلك الوقت. واضاف: «أنا لست واثقا من أن حربا يمكنها أن تصنع سلاما. ولكنني واثق من أن هزيمة جدية وقوية لمصر يمكنها أن تغير الوضع في المنطقة لعدة سنوات. ولذلك فيجب أن نحدد لأنفسنا هدفا لحسم الحرب وليس حسم الصراع، في وقت قصير ومن خلال التسبب للعدو بخسائر ضخمة وتحقيق النقاط والامتيازات السياسية والعسكرية» ويفسر موشيه ديان هذه «الامتيازات» بالحديث الصريح عن تعديل الحدود الاسرائيلية الى ما بعد حدود الاحتلال الذي تحقق في 1967، أي احتلال المزيد من المناطق العربية، ليجبر العرب على التنازل عن مطالبتهم باستعادة الأراضي التي احتلت العام 1967 (كتاب ضابطي المخابرات الاسرائيلية، دافيد أربل وأوري نئمان). وحسب المصدر نفسه، رأى ديان أهداف الحرب، التي يريد أن يجر العرب على اليها، هي:

«على الجبهة المصرية: السيطرة على الضفة الغربية من قناة السويس وعلى بور سعيد، اقامة رأس جسر في الطرف الآخر (الغربي) من قناة السويس يمكن القوات البرية (الاسرائيلية) من تدمير الصواريخ المصرية المضادة للطائرات بهدف ضمان سماء نقية لسلاح الجو (الاسرائيلي) يخفف عنه مهمة منع (المصريين) من تنفيذ الهجمات أو قصف المواقع (الاسرائيلية) الحصينة، السيطرة على مصادر النفط (المصري) في الضفة الغربية من خليج السويس ردا على احتمال محاصرة السفن التي تنقل النفط الى اسرائيل. وعلى الجبهة السورية: التمركز في المنطقة الواقعة شرق نهر الليطاني (في لبنان) والممتدة حتى شارع بيروت دمشق بهدف تشكيل حاجز بين سورية ولبنان وتوجيه ضربة للمخربين (يقصدون المقاومة الفلسطينية في لبنان في ذلك الوقت)، السيطرة على جميع مناطق جبل الشيخ بحيث تنصب الرادارات القادرة على رصد اية حركة في الشمال، خلق فاصل ما بين سورية ولبنان».

ويضيف الكاتبان بأن ديان صادق في 17 مايو (أيار) 1973 على الخطة الحربية «أزرق أبيض» (التي سبق ذكرها وتتحدث عن انتظار هجوم عربي لكي ترد اسرائيل بشكل قوي وتحطم الجيوش العربية وتواصل التقدم في العمق السوري والمصري)، وفي 21 مايو (أيار)، قاد ديان اجتماعا لهيئة رئاسة أركان الجيش تم فيه تلخيص الاعداد للحرب، محددا النقاط التالية: يجب أن نأخذ بالاعتبار بأن مصر وسورية ستبادران الى الحرب في النصف الثاني من الصيف القادم، وفي الحرب شتشارك بالإضافة الى سورية ومصر فرق من جيوش العراق وليبيا والسودان، بينما الأردن لن يشارك. ويجب الإعداد لتوجيه ضربة أولى قبل أن يستأنف العرب الحرب. وعلى جيش الاحتلال الإسرائيلي أن يستعد لإلحاق هزيمة ساحقة بالعرب وأن يعبر الحدود القائمة في العمق السوري والمصري «أنا لا أستبعد أمكانية الوصول الى النيل». كما يجب العمل على ان تنتهي هذه الحرب في وقت قصير، بضعة ايام فقط، حيث انه بعد ذلك سيتم تدخل أميركي روسي يلزم بوقف اطلاق النار. وربما يستخدم العرب سلاح النفط للضغط على الغرب، وعلينا أن نكون أقل ارتباطا بالنفط المستورد من الخليج وعلينا ان نزيد مصادرنا النفطية.

واختتم ديان بقوله: «نحن، الحكومة، نقول لهيئة الأركان: يا جنتلمانز، تفضلوا واستعدوا للحرب».

وبعد هذه التعليمات الواضحة، دأب رئيس أركان الجيش على اطلاع ديان باستمرار على مدى التقدم في الاعداد لتطبيق هذه الخطة، وفي شهر أغسطس (آب) أخبره بأن سلاح المدرعات أتم التدريب على هذه الخطة في الجبهة السورية بمشاركة 515 دبابة، تشمل وحدة من جيش الاحتياط. وان الجيش يستعد بطريقة تجعله قادرا على نقل المعركة الحربية الى ساحة العدو في أقرب وقت ممكن من بدء اطلاق النار. ويتحدث أبا ايبن عن هذه المواقف وكأنها كابوس، ويعرب عن مخاوفه من عظم سيطرة ديان على الدولة، حيث انه الأقوى في الحكومة والأكثر شعبية بين الناس ايضا وكذلك في الصحافة «لقد اعتادت الصحافة على تفضيله عن الآخرين ونشرت النص الكامل لخطاباته بشكل منهجي، وهو الأمر الذي لم تفعله الصحافة حتى لرئيسة الحكومة»، يكتب في مذكراته. ويقول انه واصل التصدي لهذا النهج عدة شهور، الى أن هدأت الأوضاع في شهر أغسطس (آب)، عندما وصلت الى المخابرات الاسرائيلية معلومات مؤكدة من عدة مصادر، تفيد بأن «مصر تراجعت عن نيتها اعلان الحرب في هذه المرحلة». ودلت الصور الجوية على انه تم بالفعل تخفيض جدي في الحشودات المصرية.

لهذا خرج أبا ايبن، وزير الخارجية الاسرائيلية، سعيدا من لقائه مع كيسنجر في 4 أكتوبر. وشعر بأن الأميركيين ينوون تحريك المسيرة السلمية بشكل جدي. وكتب في مذكراته بأن كيسنجر لمح اليه بأنه يخطط لاجراء مفاوضات مباشرة أو غير مباشرة مع مصر، حيث قال ان وزير الخارجية المصري سيتواجد في نهاية شهر نوفمبر (تشرين الثاني) في واشنطن، ودعاه (ايبن) الى الحضور في نفس الوقت. ولكنهم، في اليوم التالي، اتصلوا به من القدس وابلغوه أن عليه أن يستعد لطلب اجراء لقاء آخر مع كيسنجر لأمر طارئ، فأجابهم بأن الساعة تقارب الثالثة فجرا، فما هو الأمر الطارئ الذي يمكن ايقاظ كيسنجر بسببه. فقالوا انهم سيطلعونه على ذلك فيما بعد. فراح يتخبط بينه وبين نفسه كيف يقدم على فعلة كهذه. وبعد دقائق اتصلوا به ثانية وطلبوا منه التريث وعدم ايقاظ كيسنجر. فيكتب بأنه ارتاح جدا من هذا التراجع، لأن كيسنجر معروف بعصبيته، وسيغضب كثيرا إذا شعر أنهم أيقظوه لسبب تافه في نظره. ولكن ايبن بقي قلقا من السبب الذي دفعهم الى طلب اللقاء العاجل. فاهتم بمعرفة ما يجري فاخبروه بأن رسالة ستصله عبر السفارة بالبريد السري.

وتبين في ما بعد بأن الرسالة تحتوي على رسالة من غولدا مئير الى البيت الأبيض ومعها تقرير من الاستخبارات العسكرية، يحذر من تحركات غير عادية على الطرف العربي من الحدود ويطمئن في الوقت نفسه بأن العرب لن يشنوا الحرب. واتفق على أن يرسل التقرير الى كسينجر عن طريق البيت الأبيض، وأرسلوه الى سكرتير مجلس الأمن القومي، برينت سكوكروفت، وهو بدوره قام بتحويله الى كيسنجر في نيويورك. وبعد حرب أكتوبر بعدة شهور التقى ايبن مع كيسنجر في اسرائيل واهتم بمعرفة رد فعله عندما قرأ هذا التقرير في 5 أكوبر، فأجاب بأنه نام الليل الطويل من دون قلق. وكشف له بأنه لم يعتمد فقط على التقديرات الاسرائيلية، بل طلب من المخابرات الأميركية أن تعطي رأيها في مضمونه، فأبلغته بعد ساعات بأن التقويم الاسرائيلي صحيح، فالعرب لا يملكون الجرأة ولا القرار للخروج الى حرب مع اسرائيل لأنهم غير واثقين من أن تنتهي حربا كهذه لصالحهم. وأعربوا عن تقديرهم بأن الاتحاد السوفياتي يحاول اقناع العرب بالحرب لأنه يريد استغلال حالة الضعف التي يمر بها الرئيس الأميركي، ريتشارد نكسون، بسبب فضيحة ووترغيت. وأن العرب أدركوا خطورة «المؤامرة السوفياتية». فرفضوها.

وأما في اسرائيل فقد أجريت الأبحاث بشكل مكثف من دون اعطاء التفاصيل لوزير الخارجية. وكان هدف ديان من اخفاء تلك المعلومات هو منع توصيل رسالة الى الأميركيين يفهم منها بأن اسرائيل قلقة وهلعة. فهو يريد أن تبقى اسرائيل قوية في نظر الأميركيين. لكن الضابطين أربل ونئمان يضيفان بأن الاحتمال الأكبر هو أن يكون ديان معنيا بهذه الحرب، ضمن نظريته المعروفة (والتي ذكرناها في حلقات سابقة) بأن حربا في هذا الوقت ستحقق لاسرائيل مكسبا سياسيا وعسكريا يخدم الأهداف الأمنية الاستراتيجية في اسرائيل. وقد حاول الجنرالات استثمار هذا الموقف لصالح استباق المصريين وتوجيه الضربة الأولى من اسرائيل لمصر، التي تهدد بالحرب، وحتى لسورية، التي لم تهدد. ولوحظ بأن رئيسة الوزراء، غولدا مئير، لم تعترض على مبادرة شن الحرب. لكن ديان نفسه هو الذي رفض توجيه الضربة الأولى من اسرائيل. فقد رأى ان مثل هذا الأمر سيفسر في العالم على انه اعلان حرب من اسرائيل وهذا يضر بمصالحها. فقد كان ديان يعلق أهمية كبيرة على التأييد الدولي لاسرائيل. وفي مرحلة معينة من النقاش، سنلاحظ لاحقا، بأن غولدا تقول ردا على ديان: «القلب ينجذب الى توجيه الضربة... » و«.. من الأفضل أن يغضبوا علينا ونحن في وضع جيد». ولكن موقف ديان هو الذي انتصر في النهاية. وتقرر أن يتم الاستعداد من توجيه الضربة الرادعة.

واليكم في ما يلي حلقة أخرى من تقرير لجنة أغرنات القضائية للتحقيق في اخفاقات حرب أكتوبر في اسرائيل، وهي بالنص الحرفي. كل ما تحته خط فيها جاء من الأصل كما في الوثيقة الأصلية باللغة العبرية. وقد وضعت اللجنة في تقريرها تفسيرات وتوضيحات فأشارت اليها داخل قوسين من النوع التالي ( )، وقد أضفنا نحن في «الشرق الأوسط»، تفسيرات أخرى لأمور نعتقد أنها تفيد قارئنا العربي على التعرف أكثر على هذه المادة. وقد اشرنا لهذه التفسيرات بالقوسين التاليين: ( ). مادة التقرير:

بعدئذ، يبدأ نقاش طويل، حول امكانية منع الحرب بواسطة اصدار بيان الى العالم نقول فيه إننا نعرف عن هذه الحرب ـ وزير الدفاع : «نقطة نظام. أقترح أن نقرر أولا بشأن الاحتياط». (حسب وثيقة البينات رقم 57، ورقم 266: «تعالوا نقرر أولا بشأن الاحتياط لأننا نضيع الوقت»). رئيسة الحكومة: أنا أزن الموضوع. القضية هي في التأثير على الاقتصاد. إذا وقعت حرب فعلية، فذلك ليس مأساة. إذا وقعت الحرب لن يكون مفهوما لنا لماذا أخرنا 12 ساعة.. وبالنسبة للضربة المانعة، فإن القلب ينجذب اليها ولكن دعونا نرى لاحقا. (حسب وثيقة البينات رقم 266: «القلب ينجذب لذلك ولكنني لا أدري»).

بعد أن بحثت رئيسة الحكومة في مسألة البيان الى العالم، تدخل وزير الدفاع في أقوالها: «إذا وافقت على تجنيد كبير لقوات الاحتياط، فلن أستقيل. لكن توصيتي هي أن نجند سلاح الجو ولواء في الشمال ولواء آخر في الجنوب. إذا كان ضروريا أن نجند المزيد في الليل، فسنجند. الإعتبار عندي ليس اقتصاديا. أنا أخشى من أن تتهمنا كل وسائل الإعلام بأننا بادرنا الى الهجوم، فهذا تجنيد للاحتياط قبل أن تطلق أية طلقة رصاص علينا. حالا سيقولون بأننا العدوانيون. ليس من المستبعد أن يقول حتى الأميركيون بأنه لم تكن هناك حرب في الأفق، وأن اسرائيل والجيش الاسرائيلي قاما بدفع نحو الحرب».(حسب 266: «كل وسائل الإعلام وموسكو ستعلن اننا متجهون للحرب. إسرائيل قامت بتجنيد الاحتياط قبل أن تطلق الطلقة الأولى. وبعد ذلك اذهب واثبت من أطلق الرصاصة الأولى. إذا قمتم بتجنيد الاحتياطي فأنا لن أرتمي على الشارع (للوقوف في طريقكم)، لكنني لا أؤيد ذلك..»).

في الختام تلخص رئيسة الحكومة، تلخيصا جزئيا: «نسير على طريق «هشومير هتسعير» على مراحل («هشومير هتسعير» تعني بالعبرية «الحارس الصغير» وهو اسم منظمة الشباب الصهيوني اليسارية التابعة لحزب يدعى «مبام»، ذاب حاليا في اطار حزبي العمل وميرتس. وفي حينه، عشية قيام اسرائيل سنة 1948، كان هذا التنظيم يؤمن بالاعتدال ويطلب أن لا تحتل التنظيمات العسكرية الاسرائيلية كل المناطق العربية، فعندما اتهموه بالتخاذل وبأنه يمتثل لأوامر الاتحاد السوفياتي، كان يرد بالنفي ويفسر مواقفه بالقول انه يؤمن بسياسة الخطوة خطوة) 1) تجنيد ما لا يوجد حوله نقاش. وحسب الحديث مع الأميركيين نقوم بتعزيز القوات.

2) الضربة الرادعة، جذابة بشكل كبير. لكننا لسنا في سنة 1967. هذه المرة يظهر العالم (ضدنا) بكل حقارة. لن يصدقونا. إذا بدأوا في الجنوب، لن تكون عندها مشكلة. لكن دعونا نرى خلال النهار.

رئيس الأركان: أنا مستعد لتجنيد غير كامل. ولكنني أريد (كل) الألوية المدرعة. كل استعداداتي (مبنية على) ان الحرب ستنشب في الساعة السادسة مساء. نجند كل سلاح الجو و..ألوية المدرعات. أنا أبحث لنفسي عن وضع أفضل. كل الحديث هو عن إضافة 30 ألف شخص.

مساعد وزير الدفاع (الجنرال تسور): الحد الأدنى تجنيد 100 – 200 ألف. من ناحية التأثير، من يعلم إذا كان العدد 70 أو 100 ألف. رئيسة الحكومة: من ناحية التأثير السياسي، إذا لم نعلن عن تجنيد شامل فورا، فليكن 70 أو 100 ألف، فهذا لا يهم.

مواصلة (البحث) حسب وثيقة البينات رقم 266:

وزير الدفاع: أنا قلت ما عندي ولم أغير رأيي.

رئيسة الحكومة: ما هو العدد عندك؟

وزير الدفاع: «المشكلة عندي هي في العدد وليس في الجانب الاقتصادي. أنا أدرك ان من الأفضل أن تكون هناك تشكيلات احتياطية مجندة في حالة نشوب الحرب. نحن لسنا واثقين من أن الحرب ستنشب وما الذي نحتاج عمله فعلا مع القوات النظامية. نصل الى المساء ونرى. أما أن نقوم بالتجنيد الكامل، على الصعيد الداخلي وأمام العالم؟ الاعتبارات الداخلية ليست ذات أهمية بالنسبة لي، لو كنت أعتقد اننا بحاجة الى ذلك. لكنني أعتقد انه حتى مع وجود مصاعب كبيرة، من المحبذ لنا أن نبدأ بشكل جيد من الناحية الدولية، لأننا لا نتمتع بالحرية التي كنا نتمتع بها في سنة 1967. لن يكون هنالك فرق لهذه الليلة». استمرارا لسؤال رئيسة الحكومة، يقول وزير الدفاع: «باعتقادي انه لو هاجمنا السوريون، ما كان «دادو» يرسل أكثر من لواء واحد».

رئيس الأركان: من الممكن الوصول الى دمشق بلواء واحد (حسب وثيقة البينات رقم 57: «إذا اجتاح السوريون في الجولان، سأضرب بإضافة لواء واحد نحو دمشق، (فقط) لواء واحد في الجولان»).

وزير الدفاع: أنا الآن لا أموت على ذلك. إذا احتجنا الوصول الى ذلك فسنصل. بالمعادلة الشاملة، فإن (خوض الحرب) مع القوات النظامية وتجنيد (الاحتياط) خلال الحرب، هو الأقل جودة. ولكن (تأجيل التجنيد) 7 ـ 8 ساعات كهذه، لن يغير شيئا عما أقترحه أنا. على كل حال فأنا لا أعاند، يا غولدا. هناك أمور إذا عاندت فيها فأنا أعاند.

رئيسة الحكومة تلخص:

يوجد عندي معيار واحد. إذا نشبت حرب حقا، فيجب أن نكون في أفضل وضع. بالنسبة للخارج، من المفضل أن يغضبوا علينا ووضعنا جيد. لا أحد يستطيع أن يقيس كم جندنا من جيش الاحتياط بالضبط. علينا أن نفكر مرة أخرى ونقرر. إذا نشبت الحرب فيجب ان نكون في أفضل وضع ممكن.

وزير الدفاع: أفضل وضع ممكن هو التجنيد الكامل.

رئيسة الحكومة: يجب ألا ينشأ وضع تؤدي فيه الضربة الأولى (للهجوم العربي) الى اصابة عدد أكبر، مما لو كانت لدينا قوات أكبر. مقياس واحد: فإذا الحرب، ليكن أقل عدد من الاصابات. أما بالنسبة للضربة الرادعة، فلن نستطيع تفسير ذلك. ولكن هنا أيضا، علينا أن نرى خلال النهار. إذا بدأ المصريون ولم ينضم السوريون، فإننا نضرب السوريين.

وزير الدفاع: واضح.

«في الساعة 9:20 يلخص وزير الدفاع بأن على رئيس الأركان أن يجند كامل التشكيلات وفقا لما كان اقترحه رئيس الأركان (حسب وثيقة البينات رقم 266: وزير الدفاع: «أنا أفهم بأنك تستطيع إصدار الأوامر لتجنيد كل التشكيلات التي سميتها»).

2. لقاء رئيسة الحكومة مع السفير الأميركي وجلسة الحكومة 33. في الساعة العاشرة من يوم السبت صباحا، التقت رئيسة الحكومة بمبادرتها مع سفير الولايات المتحدة السيد كيتينغ (نص تسجيل المحادثة في وثيقة البينات رقم 89 وكذلك أنظر الشهادة التي أدلت بها رئيسة الحكومة أمام اللجنة في صفحة 4493، وأقوال رئيسة الحكومة أمام لجنة الخارجية والأمن (البرلمانية) مساء السبت، السادس من أكتوبر، صفحة 21 من البروتوكول). رئيسة الحكومة أبلغت السفير انه بموجب المعلومات المتوفرة لدينا، فإن سورية ومصر تنويان مهاجمة اسرائيل في ساعات بعد الظهر من اليوم نفسه. وأوضحت ان الهدف من اللقاء (مع السفير) هو إبلاغ الأميركيين بالمعلومة وبأننا لا ننوي شن الحرب. لا يوجد لدينا شك في أننا سننتصر. ولكننا نريد ابلاغ المصريين والسوفيات، بواسطة الأميركيين، بأننا لا نخطط لهجوم ولكن من الواضح أننا مستعدون لصد هجومهم. فإذا كانوا يعتقدون أنهم يستطيعون مفاجأتنا، فمن المهم أن يعرفوا أنهم لن ينجحوا في ذلك. وفي الرد على سؤال السفير إن كنا سنوجه ضربة قبل أن يهاجمونا، أجابت رئيسة الحكومة بالنفي القاطع: لا، مع أن الأمر كان سيخفف عنا كثيرا. السفير قال انه سيبرق الى واشنطن فورا وبأقصى السرعة وبمنتهى السرية، لدرجة ستؤدي الى ايقاظ وزير الخارجية (هنري كيسنجر) من نومه. بخصوص الاتصالات السياسية التي جرت في الولايات المتحدة يومي 5 و6 أكتوبر اقرأ لاحقا في البندين 41 و42.
 
رد: الوثائق الإسرائيلية

الوثائق الإسرائيلية (الحلقة العاشرة) ـ تواصل نشر وثائق الحروب الإسرائيلية

الحرب تداهم الحكومة الإسرائيلية وهي في جلسة طارئة في خندق حربي * إسرائيل تخلي المستوطنات اليهودية في الجولان من النساء والأطفال عشية الحرب



تل أبيب : نظير مجلي
في هذه الحلقة من تقرير لجنة أغرنات القضائية للتحقيق في إخفاقات اسرائيل في حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973، تشير الى حدث آخر من الأحداث التي انتقدها المحققون بسبب ما اعتبروه اهمالا عنجهيا للقيادة الاسرائيلية العسكرية والسياسية، حيث ان دلائل أخرى تجمعت لديها تبين بوضوح بأن وجهة العرب هي الى الحرب بكل جدية، لكن هذه القيادة استخفت بهم وبدت واثقة من إلحاق هزيمة بهم على طريقة حرب 1967.
ويتضح بأن الحكومة حرصت على إخلاء المستوطنات اليهودية في هضبة الجولان السورية المحتلة من سكانها النساء والأطفال والمسنين، تحسبا من قدرة الجيش السوري على الوصول الى هذه المنطقة و«إبقاء المستوطنين رهائن بأيدي السوريين» أو «انتقام السوريين منهم بسبب استيطانهم للأرض السورية المحتلة»، كما قال الوزير اسرائيل غليلي في جلسة الحكومة. وادعى جهاز «الموساد» بأن لديه تسجيلات ومعلومات استخبارية تشير الى أن العرب ينفذون عدة ممارسات تدل على انها الحرب. ومن أبرز التسجيلات التي أظهرها "الموساد" نص مكالمات عدة للخبراء الروس الذين تواجدوا في مصر وسورية لمساعدة جيشيهما في الإعداد للحرب وفي استخدام الأسلحة الروسية في ذلك الوقت.

وقال قادة الجهاز الاسرائيلي ان التسجيلات تدل على ان الروس غادروا مصر وسورية بشيء ما بين الهلع والهرولة. وتم التقاط العديد من المحادثات المتوترة بين الخبراء الروس ونسائهم بسبب سرعة المغادرة. ومن بين هذه المحادثات، التي كشفتها صحيفة «يديعوت أحرونوت» في 6 أكتوبر (تشرين الأول) 2003، بمناسبة مرور 30 عاما على الحرب، ظهر خبير روسي يطلب من زوجته الاستعداد للمغادرة. فتحاول اقناعه بالانتظار قليلا حتى تشتري هدية لوالدتها وبعض الأشياء الأخرى، فراح يصرخ في وجهها بشكل هستيري. وقد اختلف محللو هذه المكالمات في «الموساد»، إذا ما كانت تلك التصرفات تدل على أن الروس يغادرون بهستيريا معينة أو انهم من اصحاب المزاج الحامي. فإذا كانوا مهرولين، فهذا يعني ان هناك حربا على الطريق. وإذا كانت مسألة طباع، فإنه لا داعي للقلق من حرب.

وفي نهاية المطاف لم يتوصل راصدو «الموساد» الى موقف نهائي ونقلوا التسجيلات كما هي، لتضيف معلومة أخرى تشير الى الأجواء الساخنة أصلا. وقد أدى تجمع هذا الحشد من المعلومات التي تقول بأن الحرب وشيكة وعلى الجبهتين، الى بحث جدي في الحكومة حول امكانية توجيه ضربة اسرائيلية سابقة للهجوم العربي وهي ما تسمى بـ «ضربة رادعة»، لكن وزير الدفاع، موشيه ديان، كما نشرنا في حلقة سابقة عمل كل ما في وسعه لأن لا توجه ضربة كهذه حتى تظل اسرائيل كاسبة الرأي العام الغربي. وفي هذا الموقف أيضا انطلق من الغرور والعنجهية، حيث انه قال انه واثق من أن الجيش الاسرائيلي سيدمر أي هجوم عربي وسينقل المعركة الى الأرض العربية. وبدافع من الاعتقاد التام بأن الحرب واقعة في مساء يوم 6 أكتوبر بالتحديد، دعت رئيسة الوزراء، غولدا مئير، الى جلسة طارئة للحكومة في تمام الساعة الثانية عشرة من ظهر اليوم. وكان هذا يوم سبت وهو نفسه يوم الغفران، حيث يمتنع اليهود المتدينون عن أية حركة ويلتزم الكثير من اليهود العلمانيين بهذا الفرض. فيتوقف السفر وتغلق المحال التجارية والمصانع والورش ولا يردون على الهاتف ويمضي اليهود المتدينون اليوم بالصوم وبالصلوات. وعليه فإنه لم يكن سهلا تجنيد الحكومة بكامل هيئتها. وتغيب في البداية جميع الوزراء المتدينين. وكما جرت العادة في الحروب، فقد عقدت الجلسة في تل أبيب في مكان سري قريب من مقر قيادة هيئة أركان الجيش الحربية، وتم ابلاغ رئيسة الحكومة ووزير الدفاع ورئيس اركان الجيش بالتطورات خطوة خطوة.

لكن تقرير لجنة التحقيق لا يدخل في كل تفاصيل البحث في هذه الجلسة بهذه المرحلة، ويعود بنا الى الوراء ليتحدث عن مؤسسات أخرى عشية الحرب، فيتناول هذه المرة جهاز «الموساد»، وهو جهاز المخابرات الاسرائيلية الخارجية. وفي الحلقة القادمة سنواصل نشر الجزء الثاني من الحديث عن هذا الجهاز وسننشر مقدمة تحتوي على معلومات وثائقية لم تذكر في التقرير ولكنها ذكرت في وثائق أخرى تعرفنا على طبيعة نشاطه والمارسات البشعة التي قام بها في مختلف دول العالم عبر التاريخ الاسرائيلي.

واليكم فيما يلي حلقة أخرى من تقرير «لجنة أغرنات» حول حرب أكتوبر 1973 ونستهله بمقطع عن جلسة الحكومة المذكورة: التقرير 34. في الساعة الثانية عشرة من يوم السبت، بدأت جلسة الحكومة في تل أبيب باشتراك رئيسة الحكومة والوزراء ألون وألموغي وبار ليف وغليلي وديان (حتى منتصف الأبحاث) (ثم حضر) هليل وحزاني وسبير وبيلد وبيرس وكول وشمطوف وشبيرا. على جدول الأبحاث: الحشودات الهجومية للمصريين والسوريين.

وزير الدفاع استعرض الأنباء الواردة من المصادر المختلفة: أنباء عن هجوم كامل على الجبهتين «اليوم قبيل المساء، أو قليلا بعد حلول الظلام (يتعلق الأمر بالخطة العملية)» ، خروج العائلات الروسية بطريقة مهرولة، اخلاء السفن الروسية من الموانئ المصرية، حشودات القوات على الأرض وخصوصا دفع صواريخ «sa-6» الى الأمام في مصر وودفع المدفعية الحيوية السورية، اللتين تدلان على النوايا الهجومية. الخطة المصرية هي الوصول في المرحلة الأولى الى المتلة من خلال تقديم الصواريخ والمدفعية، خطوة اثر خطوة، وهجمات على شرم الشيخ وأبو روديس. وهو يصف خيارات العدو لتنفيذ الهجوم أيضا بصواريخ سكاد وفروج. الخطة السورية كانت أكثر طموحا: احتلال هضبة الجولان. ويقدم الوزير معلومات عن قوات العدو: للسوريين يوجد الآن في خط الدفاع الأول 600 – 650 دبابة، وفي الخط الثاني عدة مئات أخرى وهم يستطيعون الوصول الى رقم غير بعيد عن الألف – 700 – 800 دبابة. وتوجد لهم أكثر من 500 وسيلة مدفعية قاذفة في خط الدفاع الأول. ولمصر يوجد أكثر من 1100 مدفعية وعدد مماثل من الدبابات. وقال عن الضربة الرادعة (صفحة 6) أن طاقم القيادة يرغب في ذلك (أي توجيه ضربة رادعة)، ولكنه، أي وزير الدفاع حتى لم يقترح الأمر على رئيسة الحكومة والقيادة لم تضغط بهذا الشأن. وعن خطتنا (في صفحة 7):

«..نحن لا نعتمد على الضربة المانعة، والليلة الأولى (نتجه) لعملية الصد. في الجبهة المصرية ربما يستطيع سلاح الجو عمل شيء.. هو يستطيع أخذ دور في العملية. على الجبهة السورية لن يستطيع عمل أي شيء. وهكذا ففي الجبهة السورية يكون العمل للمدرعات الموجودة هناك.. خلال الليل وسلاح الجو ينضم صباح اليوم التالي.

في الجبهة المصرية يكون ذلك للمدرعات وبمدى معين سلاح الجو، هكذا تتم تمضية الليلة الأولى».

وتقضي الخطة في اليوم التالي بضرب المطارات وشبكات الصواريخ السورية إذا سمحت حالة الطقس بذلك. وحول قواتنا:

«بالنسبة للمدرعات في سيناء توجد اليوم حوالي 300 دبابة. خلال يوم إضافي تصل ثلاثمئة أخرى, وبعد اليوم الثالث تصل ثلاثمئة دبابة أخرى. في الجولان توجد اليوم 150 دبابة وبالامكان أن تصل على دفعيتين دبابات أخرى: الأولى غدا ما بين ساعات الظهر وقبيل المساء 250 وحتى 300 دبابة وغدا 200 أخرى».

وفي رده على أسئلة الوزراء يقول وزير الدفاع (صفحة 15 ـ 16) انه حسب رأيه، إذا حاول المصريون عبور القنال، فإن ذلك سيكون بمثابة مغامرة تامة من ناحيتهم، إذ انهم حتى لو أقاموا بعض الجسور وتقدمت بعض قواتهم بضعة كيلومترات الى الأمام، فإن قواتنا المدرعة ستدمرهم في النهاية ويوجد لدينا سلاح الجو أيضا. ومقابل ذلك، فإن الوضع أكثر تعقيدا في الجبهة السورية. فهناك توجد لنا تشكيلات بقوة أصغر ولا توجد عقبة القنال. وحتى إذا احتلوا بعض المستوطنات وأحرقوها (وعلى الرغم من أن النساء والأطفال ليسوا هناك)، فإن الأمر لا يشبه التقدم في رمال سيناء. ومع ذلك فإنني أقدر بأنهم لن ينجحوا. لا يوجد شعور بانهم سنجحون في تطبيق خططهم ولا حتى لليلة الأولى، بالتقدم 8 كيلومترات.

الوزراء يسألون (في صفحة 9):

الوزير كول: «من أين هذه المعلومات؟ هل المسألة ظهرت فقط اليوم؟ بالأمس لم نسمع عن ذلك قط. مثل هذه الأمور، عرفتها مخابراتنا مسبقا، وقمنا بالاستعداد للحرب».

الوزير شمطوف يقترح الإعداد سياسيا لما قد يجري.

الوزير بيرس: «الفكرة الأساسية التي سمعناها من وزير الدفاع هي أن اسرائيل ستوضح بقدر المستطاع بأننا هوجمنا ولم يكن أمامنا أي مفر، حتى لا يقال أننا قمنا بضربة رادعة أو كان (من طرفنا) أي استفزاز. كل خططنا الدفاعية واية خطة أخرى تسير وفقا لهذا المنطق».

الوزير هليل يسأل وزير الدفاع إذا كان السوريون والمصريون يستطيعون التقدم، حسب تقديره، ازاء استخدام قوات الصد البرية عندنا.

الوزير غليلي: هل تم عمل شيء ليفهم المصريون بأنهم لن يتمتعوا بعنصر المفاجأة؟

الوزير شبيرا: (صفحة 11) «هل يوجد ضمان بأن لا يبكروا في عملياتهم؟ نحن نتوقع قدومهم مع بدء حلول الظلام، فماذا (سيحدث) لو أنهم بكرّوا؟» ويجيب وزير الدفاع على ذلك (صفحة 15) بأن سلاح الجو سينطلق للمراقبة في ساعات بعد الظهر لكي تتاح امكانية مجابهة مثل هذا التطور.

وينشأ السؤال، هل نهاجم السوريين في حالة قيام المصريين بإطلاق النار؟ حول هذا السؤال دار في ما بعد نقاش خلال الجلسة، لم يتوقف إلا عندما أطلقت صفارة الإنذار ووصول الأنباء عن بدء هجوم العدو. ملحق«أ» إجراءات الموساد في بداية أكتوبر 35. السيد تسفي زمير، هو رئيس «الموساد» للمخابرات والمهمات الخاصة (جهاز المخابرات الخارجي في اسرائيل) منذ سنة 1968 (شهادة زمير صفحة 9 ـ 198). وقد حدد أمامنا وظيفة «الموساد» على النحو التالي: «اقامة علاقات من أجل موضوع جمع المعلومات.. بواسطة شبكة اتصالاته خارج البلاد» (شهادة زمير، صفحة 201). من الاطلاع على المواد الكثيرة ذات العلاقة في موضوعنا، والتي طرحت أمامنا، لمسنا كم هي انجازات الموساد بارزة في مجال جمع المعلومات من مصادر جيدة جدا، وانها كانت سببا في خلق مكانة عالية له في العالم. ازاء ذلك، لا يوجد للموساد، وفقا لما تطورت فيه الأمور، أي دور مركزي في مجال التقديرات الاستخبارية، وذلك باستثناء «الدول الريفية» (المقصود الدول المحيطة باسرائيل). رئيس الموساد يشارك من حين لآخر في اللقاءات التشاورية التي تدعو اليها رئيسة الوزراء، وكذلك يشارك كضيف في اجتماعات هيئة رئاسة أركان الجيش. المساهمة الأساسية للموساد في مجال التقدير تتم في قناتين: (الأولى) اقامة علاقات وثيقة مع شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش (والثانية) قناة اتصال مباشر مع رئيس الوزراء، الذي يفتح بابه له بشكل خاص ومباشر كون رئيس الوزراء هو المسؤول المباشر عن «الموساد». الاتصالات بين رئيسة الوزراء وبين رئيس الموساد كانت تتم مرة في الأسبوع أو الأسبوعين، وكان فيها زمير يقدم لرئيسة الحكومة تقريرا عن القضايا الأساسية التي يعنى فيها «الموساد»، وكان يحضر معه مواد تتعلق بالموضوع (زمير، صفحة 249/د). بالاضافة الى ذلك، كان يعطى تقرير تلفوني من الموساد الى العميد ليئور، السكرتير العسكري لرئيسة الوزراء، الذي كان يستطيع الدخول اليها في كل وقت ((شهادة) رئيسة الحكومة صفحة 4464). وقد كانت المحادثات الهاتفية تتم مرتين ثلاثا في اليوم بين زمير والعميد ليئور (شهادة السيد عيني صفحة 1093). وكانت رئيسة الوزراء تتلقى التقارير من الموساد مكتوبة خطيا. وقد جرى تأمين تلك الوثائق لها التي أعدت سلفا «للتوزيع العالي»، حسب شهادة زمير (صفحة 202) – «في أساسها... مواد خام، أي «المعلومات التي حصلت عليها واعتقد بأن هناك طعما لأن تصل الى رئيسة الوزراء ووزير الدفاع، هذا ما يسمى عندنا التوزيع العالي»، بهدف قراءة المادة الخام كما وصلت الينا في الأصل بشكل مباشر». لم تكن تعليمات خطية بالنسبة للمواد التي يجب تحويلها الى رئيسة الحكومة (زمير، صفحة 249/ب، ليئور صفحة 529).

36. في موضوع توزيع تلك المواد شهد السيد عيني (صفحة 1074)، بأن الموساد كان يحول المواد الى مكتب رئيس الموساد لكي يراه وأيضا لكي يقرر في ما إذا كان من الضروري أن يوزع بالتوزيع «العالي». فقد أعطى رئيس الموساد التعليمات للسيد عيني بأنه هو الذي يقرر (أي رئيس الموساد)، باستثناء الأنباء التي كانت تصل الى رئيسة الوزراء بشكل ثابت. وقدم السيد عيني ملاحظة (صفحة 1095)، ان هناك ملفا أسبوعيا يرسله الموساد اليه، وهو يضع عليه العلامات والتوصيات بأن تذهب تلك المواد الى رئيسة الحكومة. فعندما يجد رئيس الموساد الوقت يمر عليها ويصادق على التوصية. بالنسبة للوقت الذي يستغرقه نقل المعلومات، قال عيني ان المواد تذهب للعميد ليئور، بعد يوم أو نصف يوم (1073)، وقسم منها غير قليل ينقل بعد يوم أو يومين وفي بعض المرات 5 ـ 6 أيام، بعدما كان قد صار منتشرا لدى «أمان» (شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الاسرائيلي) (صفحة 1096). وشهدت رئيسة الحكومة بأنها تقرأ مواد استخبارية كثيرة (صفحة 1096) وانها كانت قد طلبت من رئيس الموساد أن يحول لها أية مادة يرى ان من الضروري أن تصل اليها كمادة خام (صفحة 4462 ـ 3 والأمر نفسه يفهم من الملاحق الموجودة في وثيقة البينات رقم 57/أ، والوثيقة رقم 57/أ الملحق «أ»). وقال رئيس الموساد ايضا في شهادته «أنا أريد القول انني أعتقد أنا أيضا بأن رئيسة الحكومة افترضت بأنني اجلب اليها كل موضوع أعتقد بأنه يجب اشغالها به فيما يتعلق بالمعلومات» (شهادة زمير صفحة 249/ ه). إلا انه حسب رأينا، هذه القيود على نقل المعلومات لم تحدد بما يكفي من العينية. نحن نوصي أن تحدد التعليمات بشكل واضح ومفصل ما هو نوع المواد التي ينبغي على الموساد أن يرسلها مباشرة الى اطلاع رئيسة الحكومة.

حسب أقوال العميد ليئور في شهادته، «كانت رئيسة الوزراء تستخدم رئيس الموساد لأغراضها الذاتية، حتى تلمس بشكل أكبر ما الذي يجري هنا... في بعض المرات تقول: من فضلك يا ليئور، أليس من الأفضل أن نجري تقويما أكثر دقة، ولكن رئيس الموساد لم يأت ليحل محل رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية (صفحة 516). وردا على سؤال أعضاء اللجنة (لجنة التحقيق)، أكد العميد ليئور بأن الموساد كان يحول المواد الخام (من المعلومات)مباشرة الى رئيسة الحكومة من دون علاقة إذا كانت قد طلبت ذلك منه.

وقد قال زمير انه لم يكن بالامكان تحويل كل المواد الى رئيسة الوزراء، لأنها لم تكن قادرة على السيطرة عليها (صفحة 908). المقياس الذي حدده زمير لنفسه كان «أن نحضر لها المواد التي تتضمن رافعة لأمر ملفت النظر» (صفحة 249). وسأعطي مثلا. إذا قرأت خبرا فيه معلومات جديدة ومختلفة عن الواقع الحالي، إذا ورد خبر سياسي عن ان بريطانيا تنوي بيع قطع أسلحة ما في الشرق الأوسط، وحتى لو لم تكن تلك أسلحة تستطيع فيها أن تحدث انقلابا على العالم، أنا أحول الخبر الى رئيسة الحكومة (249).

الهدف من تحويل المعلومات بالمواد الخام في التوزيع العالي الى رئيسة الحكومة ووزير الدفاع وفي بعض الأحيان لوزراء آخرين، كان حسب شهادة السيد زمير (صفحة 249/د)، لفت أنظارهم الى حقائق تستحق الانتباه وبعضها يستحق الفحص. وتم ذلك من دون أن يكون في مقدوره القول بأن المعلومات دقيقة فعلا وتعكس واقع التطورات الفعلية. ومع ذلك، فإنه في موضوع مثل التدريب (الذي غطت به قوات الجيش المصري استعدادها للهجوم) ـ «عندما قامت شعبة الاستخبارات العسكرية بتوزيع نشرتها المتضمنة هذه المعلومات، ونرى ان الموضوع بحث مرات ومرات في هذا السياق ولم تكن هذه الخبرية الأولى، ففي الموساد لا ينشر الخبر بشكل أوتومتيكي» (صفحة 246). السيد زمير ينطلق من منطلق المعرفة بأن رئيسة الحكومة تتلقى المعلومات من المواد التي توزعها شعبة الاستخبارات أو من التقارير التي ترسل حولها. وبخصوص تحويل المواد من الموساد الى رئيسة الحكومة، أدلى السيد عيني بشهادة قال فيها ان المعلومات لا تنقل بهدف العمل بل بهدف المعرفة فحسب (صفحة 1074). «المعايير التي سادت يومها هي أننا نحول الى رئيسة الوزراء مواد يعتقد رئيس الموساد بأنها قد تهمها شخصيا وليس لأنها يمكن أن تؤثر على شيء عملي» (صفحة 1074)... والمواد التي يعتقد الموساد بأنها يجب ان تقرأها كمادة خام وليس كما تحولها اليها شعبة الاستخبارات العسكرية للجيش، بعد عملية تحرير لديها (صفحة 1094).

ولكن كانت هناك مصادر معلومات، حرصت رئيسة الحكومة على طلب أن تقرأ بنفسها كل ما يصل منها، فكان يتم تحويل هذه المواد بشكل أوتوماتيكي الى رئيسة الحكومة (عيني صفحة 1099).

لم يكن هناك خلاف على انه لم تكن لرئيس الموساد أية مشاكل في الوصول الى مكتب رئيسة الحكومة (هذا ما جاء في شهادات رئيسة الوزراء (صفحة 4460) والعميد ليئور (509)، وكذلك زمير (217) الذي قال: «استطعت رؤيتها متى شئت»).

37. مع الأخذ بالاعتبار ان هناك توترا في علاقات العمل، توصلنا الى الاستنتاج بأنه في حادثين مهمين، في مطلع أكتوبر، لم يستغل السيد زمير كما يجب امكاناته في جلب معلومات أمام رئيسة الحكومة:

أ. الخبر من يوم 30.9 (30 سبتمبر/ أيلول) وفيه انذار بان هجوما سينفذ ضد اسرائيل في الأول من أكتوبر، وصل بداية الى الموساد ومن هناك جرى تحويله الى الاستخبارات العسكرية، وتم التعاطي معه بالطرق العادية المذكورة أعلاه، (لقد وزعت الوثيقة بالتوزيع العادي، أي الى شعبة الاستخبارات العسكرية والى العناصر ذات الشأن في الموساد ولم يرسل الى وزير الدفاع ورئيسة الحكومة(زمير صفحة 378)). السيد زمير برر أمامنا تصرف الموساد بعدم اعطاء الخبر الى ديوان رئيسة الوزراء قائلا انه أراد أولا أن يفحص ما إذا كان الخبر صحيحا (زمير، صفحة 7 ـ 906).

خلال الاستيضاح المذكور اعلاه وصلت اخبارية أخرى في 2 أكتوبر، أصر فيها «المصدر» على رأيه بأن اسرائيل سوف تهاجم، بل أضاف أن العملية ستبدأ بتدريب ثم تتحول الى هجوم فعلي. هذه البرقية أيضا لم تحول الى رئيسة الوزراء (أنظر أيضا في البند 63).

في 3 أكتوبر (عيني صفحة 1093)، جرى بحث في الموساد تمت فيه مناقشة هذه المعلومات. السيد زمير قدم ملاحظة قال فيها ان ((«..ـ ـ..»)) بلبلة (في اسرائيل) ما بين التمرين والحرب. انه لم يعر هذه الاخبارية ((«.. ـ ـ ..»)) أهمية من الدرجة الأولى، وذلك بدافع التقديرات في شعبة الاستخبارات العسكرية حيث يعرفون الرجل وبدافع التناقضات الواردة في كلامه. ((«.. ـ ـ ..») (زمير صفحة 919). وقال العميد ليئور في شهادته بأن هذه المعلومات لم تصل اليه (صفحة 2530 وثيقة البينات رقم 57/أ – الملاحق – سؤال رقم 2)، ومن هنا فلم تصل الى القائم بأعمال رئيسة الحكومة في فترة غيابها في الخارج (شهادة الوزير ألون (الذي حل محل غولدا مئير في غيابها) في صفحة 5110)، ولا لرئيسة الوزراء لدى عودتها الى البلاد (صفحة 2 ـ4461). وقالت رئيسة الوزراء في شهادتها حول هذه القصة: «أنا أعتقد أنه كان يجب أن أحصل على هذه الاخبارية من ذلك المصدر لأنه مصدر جيد» (صفحة 4463).

وفسر اللواء ليئور الفرق ما بين اعطاء المعلومات مباشرة من الموساد الى رئيسة الحكومة وبين ارسالها ضمن حزمة الأخبار الصادرة عن شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش، فأضاف في شهادته: «... رئيسة الوزراء أصبحت تعرف «المصادر» على اختلافهم. تسأل عنهم وتهتم بهم. هذه الإخبارية ضاعت بين أخبار أخرى عندما وصلت ضمن النشرة. فلو كانت هذه المعلومة وصلت الى يدي، لما كنت أتردد في أن استقل الطائرة وأطير الى نائب رئيسة الحكومة حاملا إياها اليه. فهذا أمر مختلف عن خبر في نشرة يظهر فيها ان هناك تدريبا .. فما بين الأخبار الأخرى العديدة الموجودة ضاع هذا الخبر» (صفحة 530).

حسب رأينا، ربما كان بمقدور السيد زمير أن يفترض بأن الخبر سيدخل في نشرة شعبة الاستخبارات العسكرية، وبهذه الطريقة تصل ايضا الى رئيسة الحكومة («من المؤكد انه عن طريق (دائرة) التجميع، ف (دائرة) التجميع أصدرت هذه النشرة. وشعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش أصدرت نشرة حول هذا») (زمير صفحة 1920). لكن الحديث هنا يجري عن خبر انذاري ومما لا شك فيه انه كان من الواجب جلبه أمام رئيسة الحكومة بشكل مباشر. بالإضافة الى ذلك، فإنه بسبب وجود شكوك حول صحة هذا الخبر بالذات، كان من الضروري أن يجلب الى رئيسة الحكومة لكي يتاح لها أن تبلور موقفا من الموضوع.
 
رد: الوثائق الإسرائيلية

الوثائق الإسرائيلية (الحلقة الحادي عشرة) ـ «الشرق الأوسط» تواصل كشف الوثائق السرية الحربية الإسرائيلية

فرقة خاصة في «الموساد» مهمتها زرع أجهزة تنصت في الدول العربية * جهاز «الموساد» يكسب سمعته العالمية من عمليات الخطف والاغتيالات العديدة



تل أبيب: نظير مجلي
«الموساد»، الذي أظهرته لجنة أغرنات «بطلا»، في الحلقة الماضية والحلقة الحالية من تقرير لجنة أغرنات، هو أهم وأكبر وأغنى جهاز أمني اسرائيلي بعد الجيش من مجموع الأجهزة الأمنية الستة العاملة في اسرائيل اليوم. ومع انه لم يسلم من انتقادات لجنة أغرنات، إلا انه سجل لنفسه عدة انجازات في طريق تحذير الحكومة من احتمال شن حرب سورية مصرية مشتركة.
فهو الجهاز الذي جلب المعلومات عن الإعداد لهذه الحرب، خصوصا في الطرف الرسمي من الحدود، وهو الذي جند الجواسيس الذين أعطوا انذارات دقيقة عن الحرب وموعدها الدقيق (يوم 6 أكتوبر)، وهو الذي نظم عملية خطف طائرة «ميج 21» عراقية الى اسرائيل وبذلك تعرفوا على أسرار أهم طائرة سوفييتية حديثة في ذلك الوقت. وحتى عندما ارتكب أخطاء، حظي بدعم الحكومة له. ولجنة أغرنات نفسها تعاملت معه بنفس الدلال وأبدت تفهما لأخطائه، كما سنرى لاحقا في تقريرها.

وقبل متابعة النشر حول التقرير، لا بد من التعرف على هذا الجهاز وتاريخه واهتماماته، من خلال الاستعراض التالي لتركيبته وعملياته البارزة.

تأسس جهاز «الموساد» رسميا في سنة 1949، ولكنه كان قد بدأ العمل غير الرسمي قبل عشرات السنين من قيام اسرائيل. فقد أقام كل تنظيم صهيوني يومها («الهاجناة»، «الاتسل»، «ليحي»، «بلماح») وغيرها.. وحدة استخبارات في صفوفه. وتدرب بعضهم في الجيش البريطاني، وجاءوا الى فلسطين ونشطوا لتطوير الجهاز الاستخباري. وأصبح بعض أفراد هذه الوحدة من الشخصيات العسكرية البارزة في اسرائيل لاحقا، في اجهزة المخابرات أو في القيادات العامة.

وعند قيام اسرائيل كانت هناك عدة أجهزة استخبارية منتشرة في الجيش والشرطة وبشكل مستقل، ونتيجة لهذا الانتشار الواسع بدأت تدب الفوضى وتتضارب المصالح في هذه الأجهزة. فاستدعى رئيس الوزراء دافيد بن غوريون، اليه مستشاره رؤوبين شيلواح، وأبلغه بأنه سيحمله مسؤولية توحيد جميع الأجهزة الاستخبارية في اسرائيل تحت سقف واحد واتفق على أن يكون «الموساد» مسؤولا عن جميع الأجهزة الأخرى: المخابرات العامة الداخلية، والمخابرات الخارجية، والمخابرات المهتمة بالسياسات الخارجية، والمخابرات العاملة على جلب اليهود من الخارج (من دول الاتحاد السوفييتي والدول العربية بشكل خاص) وغيرها. ثم عينه رئيسا لكل هذه الأجهزة.

إلا أن هذه الوحدة تحت سقف «الموساد» لم تدم طويلا وعادت الحكومة لتحدث تراجعا في وزن «الموساد» وتقليص صلاحياته، عندما تم اخراج «المخابرات العامة» («الشين بيت» ثم «الشاباك»)، وتقلص في العقدين الأخيرين ليقتصر نشاطه على الخارج وتنشق عنه جميع أجهزة المخابرات الأخرى.

في الشعار الأساسي لجهاز «الموساد» نقشت جملة من «التلمود»، أي التعاليم الدينية اليهودية تقول: «من دون أحابيل، يسقط الشعب».

ويتألف هذا الجهاز اليوم من خمس دوائر عمل أساسية، لكل دائرة رئيس ويشكل فيه الرؤساء ادارة عامة تحت قيادة اللواء الذي يرأسه. ويرأس الجهاز اليوم الجنرال مئير دغان، الذي عينه رئيس الوزراء السابق، أرئيل شارون، وكان من المفروض أن ينهي دورته في هذه السنة، إلا ان ايهود أولمرت، رئيس الوزراء الحالي، طلب منه أن يمدد لسنة اخرى. وأما الدوائر الأساسية فهي: دائرة «تيفيل» (وتعني بالعبرية «الكرة الأرضية»): وهي المسؤولة عن العلاقات الرسمية مع أجهزة الأمن في الدول الأخرى التي تقيم اسرائيل علاقات دبلوماسية معها. ومن خلال هذه الدائرة ترسم الخطط وتحاك الحبائل، وتعقد الصفقات العديدة.

دائرة «تسومت» (مفترق طرق): وهي المسؤولة عن جمع المعلومات وتفعيل العملاء في كل مكان في العالم، ومن مهماتها أيضا اقامة علاقات مع أنظمة حكم وأجهزة مخابرات أو أشخاص في الدول التي لا تقيم علاقات دبلوماسية مع اسرائيل.

دائرة «متسادا» (على اسم قلعة مسادا، المعروفة بالتاريخ اليهودي على انها القلعة التي كانت آخر معقل دافع عنه اليهود في دولتهم التاريخية فلما شعروا بأنهم خسروا المعركة قرروا الانتحار الجماعي لكي لا يسلموا أنفسهم للعدو): وهي الدائرة التي كانت تعرف باسم «قيسارية» (على اسم المدينة التاريخية) وهي المسؤولة عن العمليات التنفيذية، أي الاغتيالات وعمليات الخطف.

دائرة «نبيعوت» (منابع): وهي المسؤولة عن جمع المعلومات بالوسائل الإلكترونية، مثل أجهزة التنصت والتصوير وغرس آلات تنصت في «أرض العدو» أو أي مكان آخر في العالم.

دائرة المعلومات: وهي الدائرة التي ترصد المعلومات وتحلل المعطيات وتجري الأبحاث وتقدم التقديرات القريبة والاستراتيجية.

جهاز عالمي

* لقد حرصت اسرائيل على تفعيل هذا الجهاز لمصالحها الأمنية في البداية، لكنها أدركت سريعا أهمية التعاون مع أجهزة مخابرات غربية أخرى في العالم وتقديم المعلومات لها لكي تعزز مكانة الدولة العبرية لدى تلك الدول وتقيم معها علاقات مصالح متبادلة تعود عليها بالفائدة في الحسابات البعيدة المدى. ولهذا، فإن نشاط «الموساد» بمعظمه بقي سرا أمنيا خطيرا وميزانيته تعتبر سرا حتى على وزارة المالية الاسرائيلية. والتصديق عليها يتم بشكل عمومي بحيث لا يعرف أحد من خارج الجهاز كيف تصرف. وقد فشلت كل محاولات المراقبة عليه. والى ما قبل بضع سنوات، كان هذا الجهاز خاضعا لمسؤولية رئيس الحكومة بشكل مباشر، وفقط في الحكومة الحالية نقلت الى وزير مسؤول عن الأمن الاستراتيجي، والوزير الذي حظي بهذه المسؤولية هو مئير شطريت، وزير الاسكان. ولكن ليس بصفته وزيرا للاسكان.

أفضل وسيلة للتعرف على أهداف هذا الجهاز واهتماماته وطريقة تفكير قادته هي في استذكار بعض اهم وأبرز العمليات التي قام بها «الموساد» ونشرت على الملأ (نشرت بغالبيتها بمبادرات خارجية، صحفية أو غير ذلك). ومن هذه العمليات نذكر:

في سنة 1956، حصل «الموساد» على نص الخطاب السري الذي ألقاه الأمين العام للحزب الشيوعي في الاتحاد السوفييتي، نيكيتا خروتشوف، أمام مندوبي المؤتمر العشرين للحزب، والذي ألقى فيه الاتهامات الخطيرة على الأمين العام السابق، جوزيف ستالين، بارتكاب جرائم القتل الجماعية ضد أعضاء وقادة من الحزب وضد مجموعات سكانية وبالممارسات القمعية الأخرى. فقد أوصل الخطاب الى اسرائيل الصحافي فكتور غرايبسكي، بواسطة مندوب «الموساد» في السفارة الاسرائيلية في وارسو. وكانت المخابرات الغربية قد حاولت الحصول على هذا الخطاب ففشلت، وفي أحسن الأحوال تمكنت من معرفة بعض الجمل منه، وقامت اسرائيل بتسليم نص الخطاب الى عدة دول غربية. وأدى الأمر الى ارتفاع مكانة «الموساد» في دول العالم، مما اعتبر فاتحة الطريق الى التعاون الدولي معه. ويشار هنا الى ان أوساطا استخبارية وصحافية في اسرائيل عممت اشاعة يومها بأن قادة الحزب الشيوعي الاسرائيلي الذين حضروا ذلك المؤتمر هم الذين نقلوا نص الخطاب الى اسرائيل، وتسبب ذلك في بعض الاشكالات بين الاتحاد السوفييتي والحزب الشيوعي الاسرائيلي، ولكن الحقيقة نشرت بعد حوالي ثلاثين عاما في اسرائيل.

وفي 21 مايو (أيار) 1960، وبعد مطاردات بوليسية طويلة، تمكن عملاء «الموساد» من القاء القبض على رئيس الدائرة اليهودية في الجيش الألماني النازي، أدولف آيخمان، وخطفه من الأرجنتين الى اسرائيل. وأجريت له محاكمة بتهمة المسؤولية عن ابادة ملايين اليهود في المحرقة النازية، وحكم عليه بالاعدام، ونفذ الحكم فيه شنقا سنة 1962، وكانت تلك عملية الاعدام الوحيدة في اسرائيل بشكل رسمي. وقد اعتبرت هذه العملية رافعة لمعنويات الاسرائيليين واليهود في العالم، إذ تمكنوا من الانتقام.

وفي سنة 1962، أعلنت مصر عن تمكنها من صنع صواريخ مصرية بعيدة المدى قادرة على اصابة هدف في جنوب بيروت. وفي الاحتفالات بذكرى الثورة المصرية عرضت هذه الصواريخ. وما هي إلا بضعة شهور حتى كان مهندسان ألمانيان يشكوان من أن عملاء «الموساد» الاسرائيلي يمارسون الضغوط والتهديدات عليهما ليمتنعا عن زيارة مصر. وتبين لاحقا بأن الضغط مورس عليهما من خلال ابنة أحدهما التي اختطفت في احدى الدول الأوروبية، وقيل لها يومها بصراحة بأن والدها يصنع للمصريين صواريخ تستهدف القضاء على اسرائيل وطلبوا منها أن تحاول اقناعه بالكف عن ذلك. وقد ألقي القبض على عميلي «الموساد» اللذين نفذا العملية في سويسرا.

في سنة 1966، سجل «الموساد» لنفسه انجازا خارقا على المستوى الدولي، إذ تمكن من تجنيد طيار عراقي ليسرق طائرة «ميج 21» السوفييتية ويهرب بها الى اسرائيل. ودعت اسرائيل خبراء العديد من دول الغرب للحضور الى اسرائيل والتعرف على أسرار هذه الطائرة، التي كانت مجهولة للغرب تماما وجميع أجهزته التجسسية تسعى لمعرفة أية معلومة عنها.

في سنة 1972، قامت مجموعة من المسلحين الفلسطينيين المغامرين بخطف الرياضيين الاسرائيليين في أولمبياد ميونخ في ألمانيا. وجرى اشتباك بينهم وبين رجال الأمن الألمان وقتل 11 رياضيا اسرائيليا. وانتهت القضية بخروج المسلحين مقابل تحرير الرهائن. وقد اتخذ «الموساد» قرارا بتصفية جميع المسلحين. وراحت تلاحقهم فردا فردا وتمكنت من تصفية معظمهم في غضون سبع سنوات. وخلال هذه العملية تم قتل العديد من الأبرياء أيضا.

في سنة 1973 انتشرت خلية من موظفي «الموساد» الاسرائيليين في لبنان وأعد افرادها لسلسلة عمليات تصفية لقادة فلسطينيين، فحضرت قوات كبيرة من الوحدات الخاصة الاسرائيلية بقيادة ايهود باراك (الذي اصبح رئيسا لأركان الجيش فيما بعد ثم رئيسا للحكومة الاسرائيلية) وأمنون لفكين شاحك (الذي اصبح رئيسا لأركان الجيش ثم وزيرا في حكومة باراك وقاد مفاوضات السلام مع الفلسطينيين)، وتم انزالها على شواطئ بيروت وصيدا. وكان بانتظار القوة في بيروت وصيدا عملاء «الموساد»، الذين كانوا قد وصلوا وتمركزوا في لبنان عدة أسابيع وأعدوا لهم كل ما يلزم للوصول الى أهدافهم. وقد اغتالت هذه القوة كلا من محمد يوسف النجار، نائب القائد العام للثورة الفلسطينية، وكمال ناصر، الناطق بلسان منظمة التحرير الفلسطينية في ذلك الوقت، وكمال عدوان، رئيس الجناح الغربي، وهو وحدة العمليات الفدائية في الداخل، وحوالي 20 شخصية فدائية أخرى.

في سنة 1976 قام «الموساد» بإعداد الأرضية المناسبة في أوغندا، بما في ذلك رشوة العديد من كبار المسؤولين في الدولة وقادة الأجهزة الأمنية هناك، من أجل استقدام قوات الكوماندو الإسرائيلية لتحرير الرهائن الاسرائيليين من طائرة خطفها الفلسطينيون. وتم تحرير الرهائن فعلا.

في سنة 1978، تم اغتيال وديع حداد، أحد قادة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بواسطة تسميمه بالسم البيولوجي.

في سنة 1986 قام عملاء «الموساد» بخطف مردخاي فعنونو، العامل السابق في الفرن الذري الاسرائيلي الذي كان على وشك نشر تقرير عن التسلح النووي الاسرائيلي وعن الفرن في ديمونا، في صحيفة «ساندي تايمز» البريطانية. وجلب من روما الى اسرائيل حيث اعتقل وحكم عليه بالسجن 18 عاما، وهو يعيش اليوم في القدس العربية ولا يسمح له بالمغادرة ولا بالحديث الى الصحافة الأجنبية.

في سنة 1995، اغتال «الموساد» في مالطا، فتحي شقاقي، قائد الجناح العسكري في منظمة «الجهاد الاسلامي في فلسطين». وهناك عمليات عديدة فشل «الموساد» فيها وتسبب في فضائح دولية وأزمات دبلوماسية لاسرائيل، مثل محاولة اغتيال خالد مشعل في الأردن، وهو الذي كان رئيس الدائرة السياسية في حركة «حماس»، ومحاولة فاشلة أخرى لخطف نائب وزير الدفاع الايراني، مجيد عبسفور، في فينا، والتجسس على الولايات المتحدة بواسطة الجاسوس جونثان بولارد، والعمليات التي ضبطت في سويسرا واستراليا ونيوزيلاندا، وهي دول اكتشفت ان «الموساد» يزيف جوازات سفرها ليستخدمها عملاء اسرائيليون في خدمة الجهاز... وغيرها الكثير.

الحلقة الجديدة من التقرير

* في الحلقة الجديدة من التقرير، فيما يلي، تتوصل اللجنة الى القناعة بأن «الموساد» أخطأ هو الآخر في التقديرات الحربية ولم يدرك أن الحديث جار عن حرب مصرية ـ سورية مشتركة، ولم يتعامل مع الأنباء والمعلومات بشكل صحيح، بل لم يسع لبذل جهد ملائم لخطورة البلاغ حتى تعرف رئيسة الوزراء، غولدا مئير، تفاصيل البلاغ.

ولكن في نهاية هذه الحلقة من التقرير نرى ان اللجنة تبدو متسامحة بشكل خاص مع «الموساد»، فتقول ان خطأه هذا يندرج في باب الأخطاء الانسانية التي يقع فيها أي جهاز آخر مثل «الموساد». 38. ب ـ في الليلة الواقعة ما بين يومي الخميس والجمعة 4-5 أكتوبر، في الساعة 2:30 وصل خبر كان من المتوقع، بموجبه، أن يصل خبر آخر مكمل ـ خلال يوم ـ ومن الخبر الأولي كان واضحا بأن الحديث يجري عن انذار بالحرب (زمير صفحة 819). لقد وصل الخبر الأولي بداية الى السيد عيني، الذي شهد بهذا الشأن (صفحة 1064): «كان يبدو لي .. مهما جدا. لقد أدركت عندها أن هذا انذار بحرب. لم يسبق أن كان لنا (شيء) كهذا». وأضاف السيد عيني (صفحة 1065) انه بسبب الادراك بأن (هذا الخبر) انذار بأن حربا ستقع، قرر أن يوقظ رئيس الموساد وأن لا ينتظر حتى الصباح. اتصل هاتفيا بالسيد زمير، ثم عاد واتصل به بعد نصف ساعة تقريبا. هذه المرة أخبره السيد زمير بأن رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية اتصل به وأبلغه عن استعداد عائلات المستشارين الروس مغادرة سورية. فأجاب السيد عيني بأن هذا الخبر ينسجم جيدا مع التقرير الذي بحوزته، وعندها اتضح له (أي للسيد عيني) بأنه في محادثته الأولى شعر بأن رئيس الموساد لم يفهم جيدا بأن الحديث يدور عن انذار بالحرب. وعندما شرح له السيد عيني الأمر، أجاب رئيس الموساد بأنه سيهاتف رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية مرة أخرى ويبلغه بذلك (صفحة 1068). وقال واتصل السيد عيني في ساعات الصباح مع العميد ليئور فقيل له أنه موجود في جلسة الحكومة. فترك له السيد عيني رسالة طالبا أن يتصل به. وفي ساعة قبل الظهر اتصل به العميد ليئور وروى له أن بحثا جرى في الحكومة استمعت رئيسة الحكومة خلاله الى تقرير من وزير الدفاع حول هذا الخبر (عيني ـ صفحة 1075). واضاف السيد عيني بأن رئيسة الحكومة لم تكن معتادة على سماع أمر كهذا من وزير الدفاع، فقدم العميد ليئور ملاحظة قال فيها للسيد عيني انه كان من الأفضل له لو أنه استدعاه الى الهاتف حتى لو كان ذلك في وقت جلسة الحكومة (صفحة 1076). وردا على أسئلة أعضاء لجنة التحقيق، حول ما إذا كانت رئيسة الحكومة تعرف ما هي الرسالة (الثانية) الاستكمالية التي ينتظرها رئيس الموساد، أجاب عيني: «نعم، كان واضحا لي أنهم يعرفون.. كان واضحا لي بأن ليئور يعرف كل شيء» (صفحة 1076). بيد ان رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية أبلغ الخبر في المشاورات التي جرت في اليوم نفسه (أنظر لاحقا).

وحول الامتناع عن ابلاغ رئيسة الحكومة بالنبأ حال تسلمها، لاحظ السيد عيني بأن هناك ترتيبا ثابتا يوجب ايصال أخبار من هذا القبيل الى رئيسة الحكومة، «أي انه عندما يصل الى مكتب رئيس الموساد (خبر كهذا)، فالمكتب أو المسؤولة (فيه) تقوم بإرساله الى التوزيع العالي.. ولكن مثل هذا الأمر قد يستغرق بضع ساعات. على أية حال فإنني لم أفكر في أية مرة بأن أوقظ يسرائيل ليئور في الليل حتى أمرر له أخبارا من هذا الطراز، بوصفي أعرف انه ليس القناة التي تعالج خبرا كهذا» (صفحة 1075 ـ 1076).

في قضية نقل الخبر من السيد زمير الى رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش، بدت اختلافات معينة في شهادتيهما. السيد زمير قال انه تمت محادثتان، بينما رئيس الاسخبارات العسكرية قال انه لا يذكر إن كانت محادثة أو اثنتين. وازاء ذلك، ادعى رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية بأن المحادثة الأولى (وعمليا هي المحادثة الوحيدة التي يذكرها بوضوح)، كانت بمبادرته هو إذ انه هو الذي اتصل مع السيد زمير (شهادة الجنرال زعيرا صفحة 995 و 966 ). السيد زمير لا يذكر ولكنه أيضا لا ينفي ذلك. وحسب وصف رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية، فإنه روى لزمير حول الخبر بخصوص اخلاء مهرول لعائلات الروس. والسيد زمير روى من جهته لرئيس شعبة الاستخبارات العسكرية (أقوال رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية بعدئذ (صفحة 996)، بينما زمير لا يذكر إن كانت قبلئذ أو بعدئذ) حول الخبر وحول توقعاته باستكمال الابلاغ (شهادة زمير صفحة 803). حسب أقوال السيد زمير، فإنه أضاف بأن المسالة هي مسألة حرب. وكما قال: «.. انها حرب. لا يوجد عندنا مجال واسع لأن (التلميح) ليس ازاء مجال بلimminent .. (وشيكة الوقوع). بينما ايلي (زعيرا) قال: هذه حرب». (صفحة 245). بالمقابل، شهد الجنرال زعيرا أمامنا بأن رئيس الموساد قال له بأنه سيحصل على الخبر المكمل خلال يوم واحد وبأنه، أي زعيرا، طلب أن يبلغه زمير بأقصى السرعة في حالة كان الخبر المكمل يتعلق بحرب. وقد ادعى بأنه لم يعرف من الخبر الأول ان الحديث جار عن حرب. «هذه أول مرة أسمع فيها فقط هنا مثل هذا الأمر «يقول رئيس الموساد) (صفحة 698)».. انذار بالحرب، الآن فقط أفهم هذا، فقط هنا، لأول مرة.. (صفحة 969)، ثم يضيف لاحقا: «في الحقيقة انني لم أفهم أبدا بأن ذلك لم يكن (خبرا) عاديا»، (صفحة 972).

وسأل أحد أعضاء اللجنة (لجنة التحقيق)، حول أقوال الجنرال زعيرا في المشاورات التي جرت لدى رئيسة الحكومة في 5 أكتوبر قبل الظهر، من أن زمير ينتظر بشكل طارئ خبرا حول الانذار (بالحرب) («تسفيكا سيبلغ بالأمور الهامة في هذه الليلة» (وثيقة البينات رقم 57)، فأجاب الجنرال زعيرا: «ربما يكون تسفيكا قال لي شيئا ما بهذا الخصوص» (صفحة 976) وأضاف مفسرا: «أنا فهمت ذلك (الخبر) على انه انذار. ليس كشيء مؤكد. ليس كشيء وشيك الوقوع. ليس واضحا. وانطباعي بأن هذا الواقع ساد أيضا في الموساد، حيث ان الموساد لم ينقل الى شعبة الاستخبارات العسكرية أية كلمة بشكل منظم في هذا الموضوع..» (صفحة 994).

حسب أقوال كليهما، اتفقا فيما بينهما على أن يبلغ زمير حالما تصل اليه المعلومات حول الحرب في يوم الجمعة. وقد شهد عيني بهذا الخصوص «.. عندما التقيته (زمير) في الصباح قال لي.. بأنه تكلم مع رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية حول الانذار .. وقد طلب رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية أن ينقل الموساد اليه شخصيا ما يصل اليه من معلومات حول موضوع اشتعال الحرب، في اية ساعة كانت. ومن هنا فقد طلب مني رئيس الموساد أنه حالما أعرف منه تفاصيل.. ذات أهمية حول نشوب حرب أن أتصل أيضا مع رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية، وهو الأمر الذي لم أفعله في السابق أية مرة، وان أبلغه بالتفاصيل وهو في بيته ليلا» (صفحة 1069).

39. حسب رأينا، لا حاجة للحسم بين مختلف الروايات. فمن الشهادات، اضافة الى الأقوال التي ذكرت في المشاورات لدى رئيسة الحكومة، يتضح انه كانت لدى رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية ما يكفي من المعلومات حول باطن الأمور، حتى يتعاطى معها بشكل جدي (أنظر أيضا لاحقا). بالمقابل فقد كان الأمر الذي وجهه زمير الى السيد عيني بأن يبلغ العميد ليئور بالموضوع، اعتباطيا أكثر من اللازم ولم يكن فيه ما يكفي لأن يضمن وصول المعلومة بخصوص هذا الأمر غير العادي الى رئيسة الحكومة. ولو كان هناك تقدير أكثر صحة، لكان السيد زمير، بالاضافة الى معالجته الموضوع في ذلك الصباح، اتصل بنفسه الى رئيسة الحكومة وأبلغها بأقصى ما يمكن من الدقة ما جاء في الخبر الذي تلقاه. ففي تقدير (مثل هذا) الموقف، يوجد مركّب الإحساس المرهف. وليس من المستبعد أن يكون الابلاغ المباشر عن خبر كهذا، قادرا على التأثير على الرأي الذي بلورته رئيسة الحكومة لنفسها خلال الساعات الأربع والعشرين التي سبقت الانذار النهائي في صبيحة يوم الغفران.

حول هذه القضية شهدت السيدة مئير (رئيسة الحكومة، غولدا مئير) عن نفسها (بالقول): «.. أن أقول الآن ماذا كان ممكنا أن يكون ردي في صبيحة يوم الجمعة لو أنني عرفت ما هو مضمون المحادثة ولو أنه أخبرني بالاضافة الى التجديد بشأن عائلات الروس، فربما كان سيضاف الى شيء ما. لكنني لا أريد أن أقول هذا بثقة كاملة الآن» (صفحة 4459). هذه الأقوال مقبولة علينا أيضا. لقد فسر السيد زمير تصرفه بالقول ان الإنذار الذي تلقاه لم يحدد تاريخ الهجوم: «لو كان هناك (في البلاغ) تاريخ، ما كان هناك أي شك في أنني لم أنتظر لحظة.. لم يكن واضحا لي انها (الحرب) في 6 أكتوبر أو 12» (زمير صفحة 817).

هذا التفسير غير مقبول علينا. فقد كانت تلك فترة مشوبة بالتوتر وانعدام الوضوح، وحتى تقديرات رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية بأنه لن تنشب حرب، بدأت تتزعزع وذلك على اثر وصول الخبر عن مغادرة الروس، والذي سمعه السيد زمير من فم رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية في الليل. حسب راينا، وقع رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية ورئيس الموساد في الخطأ نفسه في التفكير، وذلك من حيث انهما كانا وهما على أهبة الاستعداد لتلقي مضمون الأخبار العينية التي توقعا وصولها، لم يعطيا الاهتمام الكافي للأبعاد التحذيرية الكامنة في صلب البلاغ الأول. من خلال ذلك، فإن رئيس الاستخبارات العسكرية لم يعر وزنا أكبر للبلاغ عندما طرحه في المشاورات مع رئيسة الحكومة، وأخطأ السيد زمير لأنه لم يعمل كما اشرنا آنفا.

لقد أطرينا بالمديح، في مكان آخر من هذا التقرير (البند 35)، على المساهمة الكبيرة للموساد في جمع المعلومات الحيوية جدا لسلامة الدولة. ونجد من المناسب أن نضيف هنا بأن الخطأين اللذين وقعا في التقديرات التي أشرنا اليها في هذا الملحق هما من ذلك النوع من الأخطاء التي تعتبر امكانية الوقوع فيها في صلب (inherenty) النشاط الذي ينشغل فيه الموساد ورئيس الموساد، وفي ضوء المعطيات التي قدمت لنا فإننا لا نرى انهما يشكلان خللا جديا يمس في انطباعاتنا الايجابية عن عملهم.
 
رد: الوثائق الإسرائيلية

الوثائق الإسرائيلية (الحلقة الثانية عشرة) ـ «الشرق الأوسط» تواصل كشف الوثائق السرية الحربية الإسرائيلية

إدارة نيكسون خشيت من عدم تمكنها دفع ثمن السلام في الشرق الأوسط * إسرائيل خافت من أن تضطرها واشنطن إلى مفاوضات وتمنعها من اللجوء إلى تحقيق إنجازات سياسية بالحرب



تل أبيب: نظير مجلي
في الوقت الذي كانت فيه لجنة أغرنات تبحث في اخفاقات حرب أكتوبر 1973، كان غائبا عن ذهنها تماما موضوع الحسابات السياسية الاستراتيجية لحكومة غولدا مئير. ولم يكن ذلك صدفة. فقد خلا كتاب تعيين اللجنة الذي اصدرته لها الحكومة، من أية اشارة الى الموضوع السياسي وبإمكان اللجنة أن تقول إن هذا الموضوع ليس من صلاحياتها. ولكن هذا ليس السبب الوحيد، فاللجنة، مثل غيرها من المسؤولين، انطلقت في تحقيقاتها من المفاهيم الاسرائيلية التي كانت وما زالت سائدة حتى اليوم، باعتبار ان الفشل في الحرب نجم عن «أخطاء» في التكتيك العسكري وليس عن أخطاء في الرؤية الاستراتيجية.
فقد ركزت على الاستعدادات للحرب، ولم تبحث في أسباب نشوبها. لم تفحص ما إذا كان بالامكان منع حرب أكتوبر بالوسائل السلمية. ولم تسأل عن سبب تشبث الحكومة بالخيار العسكري. (بالمناسبة، فإن هذا هو الأمر نفسه الذي تميزت به أيضا أبحاث لجنة فينوغراد للبحث في اخفاقات اسرائيل في الحرب في لبنان. فهناك أيضا لم يسألوا عن امكانية منع الحرب، مع أنهم توصلوا الى قناعة بأن الجيش هو الذي جرّ الحكومة إلى الحرب).

وقد شغلت هذه القضية العديد من الباحثين فيما بعد. ورأى دافيد أربل وأوري نئمان، في كتابهما «ذنب بلا غفران»، ان الحكومة الاسرائيلية من جهة والإدارة الأميركية من جهة ثانية، أظهرتا حرصا واضحا في التهرب من الدخول في عملية سياسية قبل الحرب. وهما يطرحان هذا الموقف من باب الاتهام بأنه حتى في نقل البلاغ الى الولايات المتحدة الأميركية بشأن الاستعدادات الحربية المصرية ـ السورية والطلب الاسرائيلي منها أن توجه رسالة طمأنة وتهديد مبطن الى كل من مصر وسورية والاتحاد السوفياتي، انطوى الأمر على اهمال. يذكر ان وزير الدفاع الاسرائيلي، موشيه دايان، كان قد اعترض على ارسال رسالة كهذه، لأنه كان يخشى من أن تفهم واشنطن بأن اسرائيل في موقف ضعيف، وهو الذي يعتقد بأن الولايات المتحدة تقف الى جانب اسرائيل لأنها القوة الأولى في الشرق الأوسط ، كما كان يخشى من قيامها بالضغط لمنع الحرب. فهو ببساطة معني بهذه الحرب، للأسباب التي عددناها في حلقة سابقة. ولكن في نهاية المطاف أقنعته رئيسة الوزراء، غولدا مئير، بضرورة ارسال الرسالة من أجل تبرئة اسرائيل أمام العالم والقول انها حاولت منع الحرب. ولكن اتفق على أن ترسل بالقنوات الدبلوماسية العادية، من دون حاجة لطلب لقاء خاص بين ابا ايبان وكيسنجر.

ويتضح فيما بعد ان ايبان أيضا لم يكن مرتاحا لطلب لقاء عاجل مع كيسنجر، خصوصا أنه كان قد التقى كيسنجر فقط قبل يوم واحد. وكتب ايبان في مذكراته ان كيسنجر معروف بعصبيته ولن يقبل بارتياح أن يعقد معه لقاء طارئا على هذا النحو فقط لكي يبلغ بأن عليه أن لا يقلق من خطر حرب مصرية ـ سورية على اسرائيل. وهكذا، فقد اكتفوا بالرسالة. ولكن ايبان يكتب في مذكراته منتقدا حكومته على الغاء اللقاء، ويقول ان الغاء اللقاء كان خطأ، إذ ان لقاء كهذا كان سينتهي حتما بخطوات اجرائية من كيسنجر لمعرفة ما جرى.

ويتضح من الحوار في لجنة التحقيق بأن الرسالة خرجت من اسرائيل في الساعة السادسة من مساء الجمعة 5 أكتوبر (ما يعادل الساعة الثانية عشرة من ظهر اليوم نفسه حسب توقيت واشنطن)، ولكنها وصلت الى القائم بأعمال السفير الاسرائيلي في واشنطن في الرابعة والنصف بعد الظهر، أي بعد أربع ساعات ونصف الساعة. وحسب شهادة وزير الخارجية الاسرائيلي، أبا ايبان، الذي كان يومها في نيويورك، فقد مضت ساعة أخرى حتى وصلت اليه هذه الرسالة.

لكن الأنكى من ذلك، يقول ايبان، انه والقائم بالأعمال لم يعتريهما القلق من فحوى الرسالة. فالتقرير الذي أرفق بها من شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الاسرائيلي يقول بوضوح ان التقديرات الاسرائيلية تقول ان هذه التحركات الحربية ناجمة عن خوف مصر وسورية من هجوم اسرائيلي. وتقول ان مغادرة الخبراء الروس بشكل مهرول انما يعبر عن أزمة في العلاقات بين مصر والاتحاد السوفياتي.

وتشير تطورات الأمور الى ان وزير الخارجية الأميركي، هنري كسينجر، تلقى الرسالة في الساعة الثامنة مساء، أي في الثانية فجرا حسب ساعة القدس. ويقول الباحثان أربيل ونئمان بان هذا التسلسل يشير الى التناقضات في العلاقات الاسرائيلية مع الولايات المتحدة ـ «فمن جهة، كانت هناك رغبة اسرائيلية في اطلاع الولايات المتحدة على المعلومات حول الاستعدادات الحربية وذلك من أجل الفوز بالدعم العسكري واجهاض الضغط السوفياتي المتوقع والتأييد السياسي لاسرائيل طيلة فترة الحرب وبعدها، ومن جهة أخرى لديها رغبة في طرح المعلومات بطريقة ضبابية حتى تمنع الإدارة الأميركية من استغلال المعلومات لتحريك المسار السياسي بطريقة غير مريحة لاسرائيل».

وفي الوقت نفسه ـ يضيفان ـ ان الأميركيين والسوفيات نظروا الى الأمور بنفس المنظار. وكلاهما لم يبذلا جهدا خاصا لمنع التدهور الحربي في المنطقة، على الرغم من أن مثل هذا التدهور قد يدفعهما الى صدام. ويتابعان: «في صبيحة اليوم التالي، السادس من أكتوبر، عندما طرحت رسالة غولدا مئير على طاولة كسينجر وفيها تبشر بالحرب العتيدة، فقد تصرف بطريقة لا تشير الى انه في حالة استعجال. وهناك سببان لذلك: الأول ـ انه آمن بأن اسرائيل ستضرب المصريين والسوريين وهذا بالتالي سيخدم المصالح الأميركية الاستراتيجية. والثاني ـ انه، أي كيسنجر، أدرك بأنه إذا توجه الى الاتحاد السوفياتي ليطلب من «زبائنه» العرب ان يمتنعوا عن اشعال الحرب، فإن هذا الطلب سيكون له ثمن لا يبدي استعدادا لدفعه في الوقت الحاضر. كما ان الرئيس السوفياتي، ليونيد بريجنيف، عرف عن الحرب قبل يومين من وقوعها، وهو أيضا لم يفعل شيئا مع زبائنه لمنعها أو الولايات المتحدة لتقليص حجم أضرارها».

ويؤكد وزير الخارجية، أبا ايبان، في مذكراته هذه الصورة ولكن بشكل غير مباشر، حيث يكتب بأن «كيسنجر بدا هادئا (اثر قراءته التقارير الإسرائيلية والأميركية عن الوضع الأمني في الشرق الأوسط)، مع انه كانت لديه شكوك في امكانية أن تستطيع اسرائيل مواصلة التمتع لفترة طويلة بحالة وقف اطلاق النار الثابت واستمرار الاحتلال والارتياح من غياب ضغط دولي. ولذلك فقد لخص الأوضاع في المنطقة وقال لي: «إذن، في القريب توجد لديكم انتخابات. وفي اكتوبر لن يحدث أي شيء درامي. هل تستطيع أن تكون هنا مرة أخرى في شهر نوفمبر؟ عندي قناعة بأن وزير الخارجية المصري سيكون هنا هو أيضا. وأنا كنت أرغب في أن تأتيا الى واشنطن لكي نستطيع البحث في امكانية اجراء محادثات».

ويضيف أبا ايبان بأنه ارتاح من طرح كيسنجر، أولا لأنه ينوي تحريك المسيرة السلمية مثله وهذا يعبر عن دعم لموقفه الشخصي المعارض للحرب، وثانيا لأنه وجد لديه قناعة بأن المفاوضات يجب أن تبدأ مع مصر وليس مع سورية أيضا، وهذا مريح أكثر لإسرائيل ـ «فالثمن هنا سيكون في سيناء، ومن السهل تمرير تنازلات في سيناء بين صفوف الرأي العام الاسرائيلي». وقلت له انه في حالة فوز حزبنا في الانتخابات القريبة فإنني سأعود الى واشنطن في مطلع الشهر المقبل وسأكون سعيدا لدفع مفاوضات السلام الى الأمام». ويوضح ايبان انه خرج بشعور بالغ من الارتياح من لقائه مع كيسنجر لأنه يرى فيه طاقة أمل في كسر الجمود وتحريك المسيرة السياسية، مما يحسن من مكانة إسرائيل الدولية ويوقف موجات العداء لإسرائيل في أفريقيا، التي بدأت بذورها تظهر بوضوح، ويعيد لاسرائيل رصيدها في أوروبا الى سابق عهده، والأوضاع القومية في اسرائيل تهدأ وبدلا من سيطرة الروح العسكرية ستسود رياح السلام.

ويكشف ايبان انه من لقائه مع كيسنجر توجه فورا الى مقر اقامة رئيس ساحل العاج، هوافييه بونييه، أحد أخلص أصدقاء اسرائيل، الذي أعرب عن قلقه من الضغوط التي يمارسها العالم الاسلامي حول مكانة إسرائيل في أفريقيا. واتهم الولايات المتحدة بترك أفريقيا عرضة للنفوذ الاسلامي والشيوعي. وطلب من اسرائيل أن تمارس نفوذها لدى الأميركيين لزيادة الانتباه لهذه القضية. ويروي ان رئيس زائير، موبوتو، أطلق تصريحا في نفس اليوم، حالما وطأت قدماه أرض ميناء نيويورك البحري، قال فيه بصراحة متناهية إن اسرائيل هي دولة صديقة ومخلصة في صداقتها ولكنه ملزم بقطع العلاقات معها. والسبب في ذلك أن العرب هم أخوة واسرائيل صديقة، والناس يستطيعون اختيار الأصدقاء ولكنهم لا يختارون الأخوة. ويضيف ايبان انه واصل لقاءاته مع وزراء خارجية الدول المختلفة، على أمل تحسين العلاقات بينها وبين اسرائيل، وبينما كان في عز لقائه مع نظيره النيجيري ليحاول اقناعه بالامتناع عن قطع العلاقات، جاءته المكالمة الهاتفية التي تبلغه بالرسالة المتوقعة عن الحرب.

وفيما يلي حلقة جديدة من تقرير لجنة أغرنات، الذي يتناول النشاطات السياسية في الولايات المتحدة.

ملحق ب

* خطوات سياسية خارج البلاد يومي 5-6 أكتوبر 40. في الأيام التي سبقت نشوب الحرب وحتى يوم الغفران، مكث وزير الخارجية (أبا ايبان)، في نيويورك ونشط هناك في مقر الأمم المتحدة. حسب أقواله، فإن الحرب داهمته وداهمت وزارته بالمفاجأة، بما يتناقض والتقديرات حول الوضع العسكري (شهادة الوزير ايبان، صفحة 723): لهذا التقدير كان وزن كبير بل حاسم من تقديرات شعبة الاستخبارات العسكرية. فقد كان التوجه بأن احتمالات الحرب ضعيفة وانه في حالة إقدام السادات على البدء بها (الحرب)، فإنه سيتلقى ضربة بحيث تتعاظم قوة الردع عندنا وليس أن تضعف.

وشرح الوزير ايبان للجنة (التحقيق) بأن مصلحة اسرائيل كانت تقضي بالتخفيض من حدة توتر التوقعات بنشوب الحرب. واوضح أنه لا يقصد هنا مسألة الاستعدادات، بل قضية التوقعات السياسية. واقتبس الوزير الأقوال التالية على انها تعبر عن توجهه: «نستعد بيقظة وجدية لكل امكانية خطيرة، ولكننا لا نتجاهل أن تكون هناك حملة تخويف دولية، وهي حملة لا توجب أن نتعاون معها» (صفحة 738). كما انه ذكر النص الذي قدمه كنصيحة الى الذراع الأمنية، الافتراض بأن حربا ستقع، و(نصيحة) إلى الذراع السياسية بالافتراض أن هناك امكانية لمفاوضات سلام (صفحة 738).

وحسب أقوال الوزير فإنه حتى الرابع من أكتوبر، فإنه حتى الولايات المتحدة الأميركية لم تكن واعية لأزمة قريبة. ففي اليوم نفسه جرى الحديث مع د. كيسنجر (وزير الخارجية الأميركي في ذلك الوقت، د. هنري كسينجر)، عن اجراء بحث بين وزير الخارجية حول الخطوات القادمة، عندما يصل السيد ايبان الى نيويورك في المرة القادمة. والهدف كان أن يتم ذلك في فترة ما بعد الانتخابات العامة في اسرائيل، والتي كان مقررا أن تجري في نهاية أكتوبر، حيث سيتواجد في الولايات المتحدة أيضا وزير الخارجية المصري، د. زيات (رسالة وزير الخارجية الى لجنتنا من يوم 74. 1. 29).

41. في ساعات الصباح الباكر من يوم 5 أكتوبر، حسب ساعة نيويورك، وصلت الى السيد مردخاي شيلو، القائم بأعمال السفير الاسرائيلي في واشنطن (السفير سمحا دنيتس، تواجد آنذاك في إسرائيل بسبب وفاة والده)، برقية سرية للغاية (وثيقة البينات 89\أ)من مردخاي غزيت، مدير عام ديوان رئيس الوزراء، كانت قد أرسلت من القدس في الساعة 11:40 قبل الظهر حسب توقيت اسرائيل، وهذا نصها: «بعد مدة ما ستصل اليكم برقية تلزم بلقاء طارئ مع (وزير الخارجية الأميركي). استوضح أين هو موجود. في نيويورك أو عندك. أبلغ الأمر لوزير الخارجية. فإذا كان في نيويورك، انضم اليه في هذا اللقاء. فإذا كان في واشنطن، التقه وحدك. اللقاء يجب أن يكون مختصرا، فقط أنت وايبان. يجب إجراء اللقاء في ضحى هذا اليوم».

السيد شيلو أبلغ الوزير ايبان فورا بنص البرقية. في المحادثة (بينهما) افترض السيد ايبان أن يكون الموضوع يتعلق بالوضع الأمني، وإلا فلماذا يجب أن يعقد لقاء آخر وطارئا مع د. كسينجر. مع الاستيضاح، تبين أن د. كسينجر موجود في نيويورك وكان مشغولا في لقاءات مع وزراء الخارجية، ولا مجال لتحديد ساعة محددة للقاء بينه وبين الوزير ايبان. ولكن تم الاتفاق على انه حال وصول المادة، يرفع السيد ايبان سماعة الهاتف وحسب المضمون (مضمون البرقية) يجدا لهما وقتا للقاء أو الاتصال. مرت كل ساعات الصباح ومعظم ساعات بعد الظهر والمواد لم تصل. مساعدو د. كسينجر سألوا إن كانوا ما زالوا يطلبون المحادثة، إذ أن د. كسينجر سيكون مشغولا في المساء. وقد اقترح المساعد العسكري للدكتور كسينجر، الجنرال سكوكروفت، الذي تواجد عندئذ في واشنطن وهو جنرال يتمتع بمكانة عالية في البيت الأبيض والمساعد السياسي والعسكري لكسينجر في البيت الأبيض (شهادة رئيسة الحكومة، صفحة 4502)، وشخصية (أخرى) ذات مكانة هامة، اقترح باسمه وباسم د. كسينجر، بأن يتم تحويل المواد اليه حالما تصل، وهو سيعرف كيف يجد كسينجر في أية لحظة يحتاجونه فيها (شهادة الوزير ايبان، صفحة 742).

في النهاية وصلت البرقية من البلاد، في الساعة 17:30 حسب ساعة نيويورك، وفقا لشهادة الوزير ايبان (صفحة 742). وفي برقية السيد شيلو الى السيد غزيت في الساعة السادسة يبلغ «لقد تلقيت البرقية كاملة في الساعة 16:30» (وثيقة البينات رقم 268)، ونفهم بأن الساعة 17:30 هي الساعة التي سمع فيها السيد ايبان في نيويورك عن البرقية. البرقية أرسلت بهلع من السيد غزيت الى السيد شيلو في الساعة 18:10 حسب توقيت اسرائيل (*) وهذا نصها (وثيقة البينات رقم 267): «رئيسة الحكومة تطلب ما يلي: 1ـ هذا بلاغ (الى د. كسينجر). الرجاء توصيل مضمونه حرفيا وبدقة». وفي ما يلي مضمون البلاغ، وأهم ما جاء فيه:

«(1) المعلومات المتوفرة لدينا ألزمتنا بان نأخذ بالاعتبار بأن تشكيلات قوات العدو ناجمة عن دافعين: أـ تقدير بريء من طرف إحدى الدولتين بأننا ننوي مهاجمة كلتيهما أو واحدة منهما. ب ـ نيتهما، أو نية إحداهما، لمهاجمتنا.

(2) إذا كان هذا التطور ناجما عن خوفهما من عملية نقوم بها نحن، فإن هذه المخاوف لا أساس لها من الصحة قطعيا. اننا نريد أن نتعهد له شخصيا بأنه لا توجد لدى اسرائيل أية نية للبدء بعملية عسكرية ضد سورية أو مصر، بل نحن على العكس، ننشد المساهمة في تهدئة التوتر العسكري في المنطقة. لذلك فإننا نريد بوساطته (بوساطة د. كيسنجر) اللطيفة أن يبلغ العرب والسوفيات عن توجهنا، بهدف تبديد مخاوفهم واعادة الهدوء الى المنطقة.

(3) إذا كانت سورية أو مصر تنويان مهاجمتنا، فإن من المهم التوضيح لهما سلفا بأن اسرائيل سترد بشدة وبقوة كبيرة. نريد أن يوصل هذا الى العرب والسوفيات في القنوات المتوفرة لديه.

2ـ بشكل منفرد.. ستحصل على توجيه وتقارير استخبارية .. سلّمّ هذا التوجيه خطيا (الى د. كسينجر)..».

السيد شيلو طلب لقاء مع الجنرال سكوكروفت في واشنطن وسلمه البرقية وكذلك التقديرات الاستخبارية. الجنرال رد بشكل (بدا منه) «كمن ارتاح»، واضاف بأنه طلب في اليوم نفسه مرتين الحصول على تقديرات استخبارية من عناصره وأن التقدير قال إن مسألة العمليات العربية هي قضية دفاعية (شهادة الوزير ايبان، صفحة 745). وقد أرسل رد الجنرال سكوكروفت الى البلاد، والوزير ايبان ذهب ليصلي صلاة النذر (وهي الصلاة الجماعية التي يقيمها اليهود عشية كل يوم غفران من السنة وفيها يبتهلون الى الله سبحانه وتعالى أن يلغي النذور التي قطعوها على أنفسهم ولم يستطيعوا ايفاءها بسبب النسيان او الخطأ). وقد افترض بان كسينجر سيبلغنا بعد يوم أو أية فترة أخرى من تسلمه الرسالة بما يقوله السوفيات أو السوريون أو المصريون عن الموضوع.

42. في صبيحة اليوم التالي، 6 أكتوبر، في الساعة 6:20 حسب ساعة نيويورك، تلقى الوزير ايبان برقية من الوزير غليلي (وثيقة البينات رقم 88)، كانت قد أرسلت في الساعة 10:15 حسب ساعة اسرائيل، وبموجبها اننا نقف على عتبة بداية هجوم منسق بين مصر وسورية في المساء نفسه، هدفه هضبة الجولان وعبور القنال، والأردنيون لن يشاركوا فيه. وأن هناك تركيز قوات بتشكيلات دفاعية هجومية. سفير الولايات المتحدة استدعي الى رئيسة الحكومة في الساعة العاشرة صباحا. وحسب أقوال السيد ايبان فإن ذلك كان بمثابة انعطاف حاد عن الرسالة التي تلقاها في صباح اليوم السابق (صفحة 742). في الساعة 6:30 أو 6:20 اتصل السيد ايبان هاتفيا مع د. كسينجر في فندق وولدوف-استوريا الذي ينزل فيه، فأخبره هذا بأنه بدأ يتلقى مقاطع من محادثة رئيسة الحكومة مع سفير الولايات المتحدة (في تل أبيب)، كيتينغ. لقد ساد الانطباع لدى ايبان بأن د. كسينجر لم يتخذ إجراء في أعقاب الرسالة من اليوم السابق، فاقترح على كسينجر أن يعمل الآن على توضيح أهدافنا ويمنع الهجوم العربي. د. كسينجر من جهته اقترح أن يتصل ايبان مع الأمين العام للأمم المتحدة، د. (كورت) فالدهايم. وبالفعل، توجه د. كسينجر الى وزير الخارجية السوفياتي ووزير الخارجية المصري في حوالي الساعة 7:00 – 7:15 (توقيت نيويورك) وأبلغ السيد ايبان بان السفير السوفياتي أعطى جوابا متهربا فيما ادعى المصريون بأن اسرائيل تهاجم في السخنة، وهو ادعاء بلا أي أساس. وقال د. كسينجر إنه لا يؤمن بأننا يمكن أن نفعل امرا كهذا، ولكنه طلب بالحاح أن يحصل على رد من رئيسة الحكومة، لأنه لا يريد الاعتماد على تخمينات بل على نفي. واتصل السيد ايبان برئيسة الحكومة في حوالي الساعة 7:30 وهي نفت بالطبع المسالة بشكل قاطع. وبعد ذلك وعلى الفور هاتف السيد ايبان أيضا مدير مكتبه، السيد كدرون، في الساعة 8:00 حسب ساعة نيويورك، الساعة 14:00 بالتوقيت الاسرائيلي، فقال له ان الهجوم قد بدأ قبل عشر دقائق. وتكلم السفير (الاسرائيلي في الأمم المتحدة، يوسف) تكواع مع د. فالدهايم، فأجابه بأنه يفتش عن المصريين والسوريين.

43. من المذكور أعلاه يتضح بأن مهمة السيد ايبان لم تسفر عن نتيجة كما أرادت رئيسة الحكومة، لأن الرسالة والتقرير المرفق بها لم تسلم بتماس مباشر بين وزير الخارجية ود. كسينجر، الذي كان وقتها مثل ايبان في نيويورك. ويتضح أيضا بأن د. كسينجر، لم يعمل في نهاية المطاف بالوقت الملائم، كما أرادت رئيسة الحكومة أن يفعل، أي ان يوضح للمصريين مباشرة أو عن طريق السوفيات، بأنه لا يوجد لدينا هدف هجومي ولكننا سنرد بقوة إذا هوجمنا. ولكن أيضا، تم ارفاق الرسالة بالتقرير الاستخباري (وثيقة البينات رقم 269، أنظر لاحقا البند 49 ي)، الذي كان من المفترض انه مهدئ بالأساس ولم يكن فيه ما يعطي الشعور بأن هناك ما هو ملح ومقلق بشكل آني، لا بالنسبة للدكتور كسينجر ولا للسيد ايبان. ولكن في الظروف الناشئة من حول تسليم الرسالة والتقرير، كان حسنا من السيد ايبان لو انه تصرف بروح المهمة وسعى للاتصال مع د. كسينجر، ولو هاتفيا، حالما سلمه السيد شيلو المواد، وذلك لكي يضيف الى الرسالة قيمة (أكبر) بفعل وزنه الشخصي. فبهذا كان ممكنا منع الشعور بالشك، حتى لو كان شكا شحيحا، بأن تصرفا كهذا كان سيحفز د. كسينجر على التوجه الى الروس في اليوم نفسه (**).

(*) حسب رأينا من المحبذ أن يفحص ديوان رئيسة الوزراء ووزارة الخارجية لماذا يحتاجون وقتا طويلا كهذا حتى تصل برقية هلعة ويتم فك رموزها. (**) نشير في هذا السياق الى أقوال السيد ايبان للجنتنا في يوم 29.1.74 : «عندما سافرت مع د. كسينجر بالسيارة الى مطار اللد، خلال زيارته في البلاد يوم 16 كانون الثاني 1974، بادر (كسينجر) بنفسه الى إعلاء بعض الذكريات. فقد قال: «أتدري، لقد خلدت للنوم في 5 أكتوبر 1973 بقلب هادئ. فالمواد التي نقلتموها إليّ كانت مطمئنة. صحيح ان السيدة (غولدا) مئير تطرقت لاحتمال حرب بسبب حشد القوات، إلا ان ذكر هذه الامكانية، الذي بدا لي معدوم التأكيد (unemphathic – (غير حاسم))، أجهض بواسطة التقرير الاستخباري الذي أعطى تفسيرات أخرى للحشودات (العسكرية). وليس هذا فحسب، بل انني كنت قد طلبت تقديرات مستقلة من مصادر استخبارية أميركية في اليوم نفسه، فقالوا انها تشكيلات «دفاعية» في سيناء والجولان. في نهاية المطاف فكرت بأن أجري شيئا من جس النبض لدى السوفيات والمصريين في اليوم التالي، لكن حصيلة المواد التي أرسلتموها من القدس لم تكن لتصلح أساسا لخوف عاجل عندي».
 
رد: الوثائق الإسرائيلية

الوثائق الإسرائيلية (الحلقة الثالثة عشرة) ـ رئيس الاستخبارات العسكرية يعترف بأن مصر نجحت في تضليل إسرائيل

تواصل كشف الوثائق السرية الحربية الإسرائيلية



تل أبيب: نظير مجلي
استمرارا في نشر تقرير لجنة التحقيق الاسرائيلية الرسمية في إخفاقات حرب أكتوبر(تشرين الأول) 1973، المعروفة باسم «لجنة أغرنات»، تخصص هذه الحلقة بالكامل لشهادة رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الاسرائيلي، اللواء ايلي زعيرا. اللجنة من جهتها تحشره في الزاوية وتضيق عليه الخناق بالأسئلة الملحة والمحرجة، وهو يحاول الدفاع عن نفسه وصد الاتهامات له بالاهمال.
وفي غضون ذلك يعترف زعيرا بصراحة بأن مصر أدارت حملة تطمين وتضليل ناجحة أدت باسرائيل الى القناعة بأنها لن تقدم على حرب ضدها قبل العام 1975. ويعدد زعيرا في هذه الشهادة السبل التي اتبعتها مصر في هذا التضليل، لدرجة التشكيك في صدق أهم عميل لاسرائيل، وهو المسؤول الأمني المصري المقرب من الرئيسين الراحلين جمال عبد الناصر وأنور السادات. فاعتبره عميلا مزدوجا كانت مهمته زرع الثقة به لدى الاسرائيليين، وفي الوقت نفسه تمرير عدد من المبادئ والأفكار التي تجعلها تائهة ومطمئنة.

لكن اللجنة لا تقبل توجهه، كما نلاحظ لاحقا، وستدينه بتهمة الاهمال وتدفعه الى الاستقالة من منصبه في رئاسة الاستخبارات. وتتركه يتلوى ألما وغضبا، ولكن من دون أي كلام أو تصريح. فقد التزم الصمت وامتنع عن محادثة الصحافيين طيلة عشرين سنة، رغم أن اغراءات عديدة قدمت له ليكسر حاجز الصمت. وفي سنة 1993، يخرج زعيرا بكتاب من تأليفه بعنوان «اسطورة في مواجهة الواقع ـ حرب يوم الغفران: فشل وعبر»، يروي فيه قصته، فيتهم اللجنة بجعله كبش فداء، دفاعا عن القيادة السياسية. ويقول ان رئيسة الحكومة أخفت عن لجنة التحقيق حقيقة أن زعيما عربيا جاء الى تل أبيب قبل عشرة أيام من الحرب خصيصا لكي يحذر من الحرب القادمة وحدد موعدها بشكل قريب من الواقع. لكن اللجنة لم تحاسبها. وزعيرا، في الثامنة والسبعين من العمر اليوم، هو محارب قديم في اسرائيل إذ بدأ نشاطه الصهيوني في صفوف التنظيمات العسكرية المسلحة قبل قيام الدولة العبرية، وكان من أوائل الضباط الاسرائيليين الذين تدربوا في صفوف الجيش الأميركي، وتولى في حياته العسكرية عدة مناصب مهمة مثل رئيس مكتب رئيس الأركان وقائد وحدة المظليين ورئيس دائرة العمليات التنفيذية. وعرف عنه انه كان وبعض قادة جهاز المخابرات يستقلون طائرة فحصل فيها عطب فوق سيناء المصرية (1972) وكان لا بد من الهبوط بالمظلة. لكنه اكتشف خلال الطيران بأن المظلات قد اختفت من طائرة سلاح الجو، فاخترع مظلات خلال لحظات وهبط وأنقذ نفسه ورفاقه على متن الطائرة. لكن كل هذا لم يشفع له في أن يتحول لدى اللجنة كبش فداء.

واليكم حلقة أخرى من تقرير لجنة أغرنات:

الجزء الثالث: المعلومة وتقديرات شعبة الاستخبارات العسكرية بشأنها 44. قبل أن نتجه لتفسير انتقاداتنا حول تقديرات شعبة الاستخبارات العسكرية وغيرها من العناصر، نود أن نعود للتأكيد على ما قيل في البند 9 من التقرير الجزئي: لقد اتبعنا الحذر بأن لا نقع في حالة «الحكمة بعد انتهاء العمل»، وحاولنا أن نرى الأمور بمرآة الواقع كما كان في حينه، بوقت الاستعدادات التي جرت والقرارات التي اتخذت. ومن واجبنا أن نلاحظ بأننا انطلقنا من منطلق أساسي، مفاده انه في الوضعية الخاصة لدولة اسرائيل، توجب نظرية الأمن فيها استيفاء ثلاثة شروط، هي: (1) قوة «جيش» نظامي صغيرة نسبيا (تشمل جنودا في الخدمة الاحتياطية الفاعلة). (2) أنظمة تجنيد سريعة وفعالة لجيش الاحتياط (أشخاصا وتجهيزات) الذي يشكل أساس القوة العسكرية للدولة. (3) فترة استعدادات كافية تعد سلفا لتجنيد الاحتياط بشكل منظم وفق خطة وتبعا للوضع السياسي. اعطاء انذار كاف عن نوايا العدو بشن حرب قريبة هو جزء من هذه «الاستعدادات»، وهو ضمن المشاغل الخاصة للاستخبارات العسكرية.

ومع ذلك، تجدر الاشارة الى ان الشروط الثلاثة المذكورة أعلاه، لا تعفي من ضرورة وجود خطة للاستعداد أيضا لهجوم حربي مفاجئ وشامل من العدو، من دون انذار.

الفصل الأول أ: «الكونتسبتسيا» (فرضية) شعبة الاستخبارات العسكرية «لو أننا عرفنا دائما نوايا العدو، لكانت لنا الغلبة دائما عليه، حتى لو كان عدد قواتنا أقل» (فريدريك الكبير 1753) 45. كما اشرنا في البند 11 من التقرير الجزئي، فإن أحد الأسباب الأساسية لفشل العناصر المسؤولة عن اعطاء التقديرات، كمنت في تمسك رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش ورئيس دائرة الأبحاث في الشعبة، بعناد، فيما سسموه «الفرضية» (تعرف بالعبرية منذ ذلك الوقت كمصطلح عبري «كونتسبتسيا»، وقد تم اشتقاقه من الانجليزية). وبموجبها: (أ) مصر لن تخرج الى حرب ضد اسرائيل إلا إذا ضمنت لنفسها قدرات جوية للإغارة على العمق الاسرائيلي، وبشكل خاص على المطارات الأساسية في اسرائيل، لكي تشل حركة سلاح الجو الاسرائيلي. (ب) سورية لن تخرج الى هجوم شامل على اسرائيل، إلا في وقت واحد مع مصر.

وفيما يلي بعض المقاطع من شهادة الجنرال زعيرا حول هذا الموضوع:

«أحد حجارة الأساس في تقديراتنا للوضع ـ وقد شرحت ذلك على أساس المعطيات ـ كان أن مصر لن تهاجم طالما أن وضعها الجوي (يقصد سلاحها الجوي)، لا يتيح لها مهاجمة المطارات في العمق الاسرائيلي.. ومعطى آخر كان من حجارة الأساس لتقدير الوضع هو ان سورية لن تخرج لوحدها الى حرب شاملة ضد اسرائيل (صفحة 81 من بروتوكول اللجنة).

«كنت أقول ان هذه هي الفرضية لدى الاستخبارات، وهي الفرضية لدى دائرة الأبحاث (في شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الاسرائيلي) (صفحة 82).

«الشرط الثاني كان الطائرات المقاتلة ـ تفجير العمق بواسطة الطائرات المقاتلة. انه (السادات) لم يحصل على التفجير (يقصد انه لم يحصل على طائرات مقاتلة كهذه من السوفيات).. المشكلة هي الفرضية (صفحة 74).

«نحن نقدر ان ما يحتاجه المصريون، منطقيا، لكي يشعروا بانهم قادرون على شل سلاح الجو في قواعدنا هو خمسة أسراب.. سألنا أنفسنا متى نقدر بأنه (ستكون لمصر) 5 أسراب جوية (مقاتلة)... فقدرنا بأن (هذا الأمر لن يحصل) قبل عام 1975 (صفحة 939).

«لطائرات الميراج يوجد تأثيران على دولة اسرائيل؛ ا): مجرد القدرة على الدخول الى العمق أي إلقاء قذائف على تل أبيب.

ب) امكانية مهاجمة مطارات.. فرضيتنا قالت ان المصريين يرون، في الأساس، ان شل سلاحنا الجوي هو شرط أساسي، فالمشكلة ليس أن تلقي ثلاث قذائف على تل أبيب بل أن تشل سلاح الجو. لذلك قدرنا بأن هناك حاجة في 5 أسراب طيران» (المصدر نفسه).

«تقديراتنا اعتمدت على وثائق وتقديرات، بأنه من ناحية لا توجد لمصر القوة، وبالأساس القوة الجوية للهجوم، طالما لا توجد لها قوة جوية بحجم خمسة أسراب مقاتلة لتفجير العمق البعيد، بغية مهاجمة مطاراتنا.. وطالما لا توجد عناصر أخرى تدفع بمصر الى الحرب ـ فإنها لن تتجه نحو الحرب» (1006).

توضيح الفرضية 46. لن يكون توضيح الفرضية متكاملا، من دون أن نضيف الأمور التالية: أولا، من البارز هو انه من بين الفرضيتين الأساسيتين المذكورتين أعلاه، فإن الأساس «المصري» يختلف عن الأساس «السوري»، فهو أكثر فاعلية وفيه المفتاح لمعرفة أهداف «دولتي المواجهة» بالمبادرة الى حرب شاملة ضد اسرائيل معا وعلى الجبهتين. فسورية لن تخرج الى حرب شاملة (حسب القسم الثاني من تلك الفرضية)، إلا إذا خرجت (معها) مصر. فيما سيتبع لاحقا، سوف تكون فرضيتنا الأساسية بأن الفرضية بشأن سورية صحيحة ولذلك سنضعها حاليا جانبا ونتركز في الأساس المصري. حسبما رأينا أعلاه، فإن جوهر هذه الفرضية يقول ان مصر لن تشن حربا شاملة من دون أن يكون لها خمسة أسراب طيران مقاتلة قادرة على الطيران لمدى بعيد، بحيث تستطيع مهاجمة مطارات اسرائيل بغية شل سلاح الجو عندنا ومنعه من تنفيذ غارات جوية في العمق المصري أو الرد على غارات كهذه بقصف مراكز السكن الاسرائيلية. وبما ان مصر لم تحصل عليها (حصلت من ليبيا فقط على سرب واحد من طائرات الميراج وعلى سرب احتياطي من العراق)، فإن السادات لم يكن مستعدا للخروج الى الحرب. وإذن، فإن ما يمكن توضيحه هنا هو أن الفرضية بجزئها المصري تغذت من الخيار الذي تبناه رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية ما بين القدرة العسكرية (capabiluty) للعدو على تنفيذ هجوم شامل وبين نيته (intention) تنفيذ ذلك (الهجوم). وهذا ليس مثل ذاك. وهو يعني بأنه كانت لدى القوات المصرية قدرة تقنية لعبور القناة (السويس)، ولكن هدف شن حرب شاملة بدءاً بالعبور كان بعيدا عن السادات، بسبب التفوق الجوي الاسرائيلي وبسبب عدم الحصول على طائرات مقاتلة بعدد كاف للتغلب عليها (على التفوق الجوي الاسرائيلي). هذه هي نقطة الانطلاق بالنسبة لأصحاب الفرضية (المذكورة أعلاه)، وهذا ما يبدو في شهادة الجنرال زعيرا:

«إذا كان عليّ، بوصفي ضابط الاستخبارات لدى رئيس أركان الجيش، أن أفحص الامكانات المفتوحة لدى العدو، في ضوء «الكابابيليتي» (قدراته) وليس في ضوء «الإنتنشينز» (نواياه)، كان عليّ أن آتي وأقول: من الناحية التقنية المجردة كان لديها (يقصد مصر) دائما القدرة. ولكن هذا جزء من نظرية الحياة لدينا. هكذا نحن نعيش منذ العام 1948. ويعني هذا الأمر بأن منطلقي الأساسي يجب أن يكون ليس القدرة بل النوايا، حيث ان موضوع القدرة وتوازن القوى، كان موجودا كل الوقت، على الأقل على صعيد القوات البرية.. لذلك انشغلت دائرة الأبحاث في سلاح المخابرات بالأساس في موضوع النوايا، وهذا أمر التأكيد عليه مهم جدا. وعندما جئت الى سلاح الاستخبارات وقبلت على نفسي الوظيفة وفحصت الأمور، قيل لي ان لدينا البراهين على انه من ناحية النوايا، فإن مصر توصلت الى النتيجة بأنها تعدم القدرة والجاهزية لمهاجمة اسرائيل، ليس بسبب توازن القوى البرية بل بسبب توازن القوات الجوية. وكان السائد لدى المصريين انه طالما لا يوجد توازن قوى كاف في سلاح الجو وطالما لا تتوفر لدى مصر القدرة على مهاجمة العمق الاسرائيلي، وبالأساس مطارات سلاح الجو الاسرائيلي، فإنها لن تخرج الى الهجوم..» (صفحة 51).

«بما ان هناك توازن قوى لدى القوات المرابطة بشكل ثابت على طول الحدود، فإننا لدى تحليل الحرب من باب القدرات وليس النوايا.. فإن القدرات قائمة (لدى المصريين) طول الوقت ولذلك فلا مفر أمامنا من التوجه نحو النوايا. فقد كان أحد حجارة الأساس في تقدير الوضع.. هو ان مصر لن تهاجم طالما ان وضعها الجوي لا يتيح لها مهاجمة المطارات في العمق الاسرائيلي... ويقول ذلك العنصر البحثي نفسه إن مصر لن تخرج الى الحرب قبل أن تتوفر لديها القدرات الجوية وطالما أنه يرى أن هذه القدرات الجوية لم تصل بعد، فإنه يتصور بأنه من ناحية النوايا لا توجد نية للحرب ولعبور القناة» (صفحة 81).

«لقد كان توازن القوى البرية الثابتة على طول القناة وفي هضبة الجولان، كل الوقت، بمستوى يتيح مهاجمة اسرائيل بالقوات البرية وتحقيق النجاح. وهكذا، لم يكن ممكنا تحليل الوضع في المسار البري على الأقل، في ضوء القدرات» (صفحة 1038). «بسبب توازن القوى الثابتة، فإن الوضع على طول الجبهتين، لم يمكن من اجراء تقويم استخباري، وهذا بحد ذاته يشكل صعوبة جدية للاستخبارات. وقد بنينا تقويمنا على أساس الفرضية المتعلقة بالنوايا، بنوايا العدو، وقلنا: نوايا العدو لخوض الحرب قائمة فقط بعد أن ترتقي قواته الجوية الى مستوى معين» (صفحة 1040 ـ 1041). «.. لقوات اليابسة توجد (القدرة لعبور القناة) ولكنهم يخشون من تفعيل هذه القدرات لأنهم يعرفون بأننا سنهاجمهم في العمق، وهم لا يملكون ما يهاجموننا به، لذلك فإن النوايا لا تتحول الى فعل» (صفحة 1041). ثانيا: حسب طريقة رئيس الاستخبارات العسكرية، فإنه يجب الالتزام بالفرضية، والتقديرات حول نوايا العدو بشن الحرب يجب أن تستند اليها، طالما لم تطرح أمامه اثباتات واضحة تضعضعها. وهذه أقواله:

«لكي تأتي دائرة الأبحاث وتقول إن حربا ماثلة للنشوب، يجب أن تكون قد وصلت اليها معلومات تزعزع البنيان الذي قام على حجري الأساس (المذكورين أعلاه)» (صفحة 82).

«عندما اقتربنا من 6 أكتوبر، كان السؤال المطروح هو: هل توجد قوات كافية لتفجير ذلك المبنى؟ لأن هناك بناء منطقيا معينا... بني بأيدي رجال (دائرة) الأبحاث منذ سنة 1971 وصمد في امتحانات كثيرة. وبطبيعة الحال، فإن كل بنيان يصمد في الامتحانات، يزيده كل امتحان قوة» (صفحة 82-83).

«إذا وجدت فرضية ـ فإن ما يهدمها هو الأخبار. ما أحاول تفسيره هنا هو أنه لم تكن هناك أخبار تجعلنا نقدر بأن بإمكانها أن تهدم الفرضية» (صفحة 1010).

«... إذا كان رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية يريد أن يكون شديد الدقة ومخلصا فقط للأخبار التي في حوزته وللتقديرات التي يطرحها، ولكي يستطيع أن يأتي الى رئيس الأركان ووزير الدفاع قائلا: هناك حرب ستنشب، فإنه يجب أن يعرض دليلا قاطعا، وأنا لم أكن أملك أي خبر بشأن هذه الحرب القادمة أستطيع عرضه كدليل قاطع» (صفحة 1051 وانظر أيضا شهادته بهذه الروح نفسها في صفحة 5748).

ثالثا: حسب قوله، فإن رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية لم يبن فرضية وحسب، بل انه آمن وتوقع بأنه في حالة قرار حاكم مصر أن يشن حربا شاملة من دون أن يتوفر الشرط الذي وضعه مسبقا لهذه المهمة (امتلاك 5 أسراب طيران للطائرات المقاتلة)، فإن شعبة الاستخبارات العسكرية ستتلقى معلومات وبراهين موثوقة تتضمن إشارات حول هذا القرار غير قابلة للتأويل، وذلك بالأساس من مصادر معلومات محددة موثوقة وضليعة تعمل في خدمة شعبة الاستخبارات العسكرية. وفي هذا الشأن، رأى الجنرال زعيرا ما اعتبره نوعا من التأمين الثانوي. ففي حالة عدم ثبوت الفرضية وعدم عبورها الاختبار، ستكون لديه القدرة على اعطاء الانذار للجيش في وقت يكفي لتجنيد جيش الاحتياط بشكل سليم قبل أن تنشب الحرب:

«جاءني رجال (دائرة) الأبحاث (في شعبة الاستخبارات العسكرية) وبنوا لي الفرضية، التي رأيتها منطقية. والسؤال الذي اسأله لنفسي هو: ما الضمان عندي في حالة وقوع رجال الأبحاث في خطأ؟ الضمان كان عندي (وهو وجود مصادر معينة ذات ضلوع وثقة عاليتين). فقلت في نفسي: لنفترض انهم مخطئون، إذن يجب علي أن أحصل على اشارات مؤكدة من تلك المصادر بأنهم مخطئون. هذه هي النظرية بجملة واحدة سريعة. توجد فرضية. فيجب أن تصل وقائع تزعزعها. عندي هنا (مصادر ممتازة) لكي أحصل على الاشارة بواسطتها. فهل هذه الفرضية قائمة أو مضعضعة، هذا هو باختصار شديد كل مبدأ تفكيري» (شهادة زعيرا صفحة 686).

«لقد نظرت اليها (المصادر المذكورة أعلاه) كضمان في حالة الوقوع في خطأ بالفرضية.. وتأملت (من المصادر) أن أحصل على الحقيقة البسيطة» (صفحة 1032).

«وأنا قدرت بأن أحصل (من تلك المصادر) على انذار.. وليس فقط منهم، بل من آخرين. لكن اساس ثقتي يكمن في هذه المصادر. وخلال فترة الأسبوع الأول في شهر أكتوبر، لم أجد خبرا واحدا يشير ولا حتى بالتلميح الى الحرب، انما تحدثوا عن التدريبات. واليوم أقول، بمراجعة للماضي، أعتقد أنه لو ان مصر اتجهت الى الحرب من دون غطاء التدريبات ومن دون مؤامرة التمويه الناجحة جدا، فإن (تلك المصادر كانت ستعطي) الاشارة» (صفحة 1044).

تاريخ الفرضية وتفسيرات رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية حول تبنيها 47. هنا، ينبغي التذكير بأن الفرضية المذكورة أعلاه كانت منتشرة بين صفوف شعبة الاستخبارات العسكرية (دائرة الأبحاث) منذ سنة 1971 وعندما عين الجنرال زعيرا رئيسا لشعبة الاستخبارات العسكرية في أكتوبر 1972 وطرحت عليه الفرضية، تبناها لنفسه وبعدما اكتشف بأنها تستند الى أخبار موثوقة جدا (وثيقة البيانات رقم 3 و4 وانظر شهادته صفحة 5 فصاعدا والمقطع في صفحة 81 الذي نقتبسه لاحقا وصفحة 125). وتم ذكر الفرضية في تقرير الاستخبارات الخاص من شتاء 1972 (وثيقة البيانات رقم 170). ففي الجزء الأبيض من هذا التقرير كتب (17ـ16 و19). «11. حرب الأيام الستة (سنة 1967) وبعدها حرب الاستنزاف، جعلتا من تفوق سلاح الجو الاسرائيلي كابوسا يرعب المصريين. ويمكننا تلخيص موقفهم (المصريين) بأنه لا يمكن تحقيق انتصار للجيش المصري من إحداث توازن مع تفوق سلاح الجو الاسرائيلي، إن لم يكن القضاء عليه (على هذا التفوق)».

«12. من أجل تحقيق التوازن مع التفوق الجوي الاسرائيلي، ترى قيادة الجيش المصري توفر شرطين اساسيين: أ. الحصول على طائرة تفجير مقاتلة سريعة وذات مدى بعيد يمكن به... (التقرير قطع الجملة في الأصل) ب. الحصول على قوة ردع، في حالة حرب شاملة، تلزم اسرائيل بإبقاء جل طائراتها التفجيرية المقاتلة (من طراز ميراج وفانتوم) للمهمات الدفاعية. اضافة الى ذلك، لا تكتفي القيادة المصرية بتحقيق قوة الردع، بل تطلب تزويدها بطائرات تفجير قتالية لكي تستطيع مهاجمة سلاح الجو الاسرائيلي وهو في قواعده في العمق الاسرائيلي بأقل ما يمكن من الخسائر. القدرة على تنفيذ هذه المهمة حيوية، حسب رأي القيادة المصرية، أيضا لضمان التفوق الجوي المحلي، حتى تستطيع توفير الغطاء والدعم الكاملين لقوات اليابسة وهي تعبر (القناة) الى سيناء».

«16. الخلاصة ـ في مركز فرضية المطلب المصري لامتلاك الأسلحة، يقف اليوم احراز السلاح والوسائل الكفيلة بتحقيق التوازن مع التفوق الجوي الاسرائيلي. وترى القيادة المصرية أن تحقيق هذا التوازن هو شرط لا تنازل عنه من أجل التوجه للخيار العسكري..». كذلك، أنظر الى الوثيقة التي تحتويها وثيقة البينات رقم 210 وفيها تقديرات الاستخبارات السنوية لشعبة الاستخبارات العسكرية ـ صيف 1972. فقد كتب هناك (صفحة 9 ـ س، 12أ (1)، أن الجهد المصري الأساسي ينصب على امتلاك طائرة تفجير قتالية متطورة، يؤدي ظهورها في الساحة ـ حتى ولو بكميات محدودة ـ الى إبطال دونيتها (مصر) الجوية.

وليس هذا وحسب، بل إن رأي الجنرال زعيرا حول صحة الفرضية قد تعزز، عندما انتبه الى حقيقة انه في ثلاث فترات سابقة وصلت أخبار من مصادر متعددة عن نية مصر شن حرب شاملة وذلك في نهاية سنة 1971 التي اعتبرها المصريون «سنة الحسم» وفي ديسمبر (كانون الأول) 1972 وفي أبريل (نيسان) ـ مايو (أيار) 1973. وجاءت هذه الأنباء بناء على عدة اشارات تدل على استعداداتها العسكرية في ساحة القنال (مثل زحزحة قوات، نقل وحدات المدفعية والتجهيزات الى هناك، ورفع مستوى التأهب لقوات اليابسة والجو، اضافة الى اجراء التدريبات الكبيرة). وعلى الرغم من ذلك، فإن مصر لم يخرج الى الحرب في أية حقبة (من الحقب الثلاث المذكورة أعلاه)، مما يعني، كما اعتقد (زعيرا)، أن «الفرضية» دخلت الامتحان ثلاث مرات وأثبت نفسها. ويقول الجنرال زعيرا في شهادته، من نفس المقطع الذي اقتبسناه سابقا:

«هذا البنيان أنشئ بأيدي رجال (دائرة) الأبحاث ابتداء من سنة 1971 وصمد في امتحانات كثيرة. كل عبور في امتحان واحد يؤدي فقط الى تقوية البنيان» (صفحة 62-83).

«الامتحان الأول للفرضية كان في نوفمبر (تشرين الثاني) ـ ديسمبر (كانون الأول) 1971.. ففي ذلك الوقت تلقينا أخبارا من مصادر جيدة.. (تقول) إن مصر قررت الخروج الى الحرب في نهاية سنة 1971. وأنا أذكرّ بأن تلك كانت سنة الحسم التي قال السادات علنا.. إن مصر ستخرج الى الحرب في ديسمبر 1971. وقد فحص رجال الأبحاث (في شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الاسرائيلي) هذا الموضوع وأجروا له عملية تشريح وتوصلوا الى الاستنتاج بأنه لن يخرج الى الحرب» (صفحة 83).

«لقد تكررت هذه القضية في ديسمبر 1972، ثانية بالتمام والكمال بعد (القصة) الأولى، حيث تلقينا مرة أخرى الأخبار من مصادر ممتازة بأن مصر تنوي الخروج الى حرب في ديسمبر 1972... وقام رجال الأبحاث بتشريح هذه المعلومات، وفقا للبنيان الذي شرحته، وتوصلوا الى الاستنتاج بأن السادات سيرتدع في اللحظة الأخيرة ولن يخرج الى الحرب. وهو (بالفعل) لم يخرج الى الحرب» (صفحة 83 ـ 84).

«لقد تكرر هذا المسار في أبريل ومايو 1973.. ومرة أخرى، قام رجال الأبحاث بتحليل الوضع وتوصلوا الى الاستنتاج بأن مصر هذه المرة أيضا لن تخرج الى الحرب بسبب تلك الفرضية التي كانت سائدة» (نفس المصدر).

في استمرار شهادته، اشار الجنرال زعيرا الى الأخبار المفصلة التي تلقتها شعبة الاستخبارات العسكرية بخصوص الاستعدادات المصرية في منطقة القنال في الفترات الزمنية المذكورة أعلاه وقدم للجنة ثلاث لوائح تم فيها تركيز الأدلة حول تلك الاستعدادات (وثائق البيانات رقم 22، 23، 24). كما قدم للمقارنة، لائحة تم فيها تركيز الاشارات التي تدل على الاستعدادات المصرية في المنطقة لشن حرب أكتوبر 1973 (وثيقة البيانات رقم 25). في ضوء هذه الأقوال لخص قائلا:

«حقيقة هي أن كل هذه الدلائل التي ذكرتها هنا تكررت بالصورة نفسها وبشكل بارز جدا سنة 1971 وكذلك سنة 1972 وأيضا سنة 1973، وفي سنة 1973 بالذات كان (التركيز عليها بدرجة) أقل» (صفحة 317).

«وأمر آخر يجب على الاشارة اليه هو أن كل الأمور التي عددتها هنا، كانت جزءا من تدريبات، في حين أن مثل هذه التقديرات وردت في كل خريف وكل سنة مع التدريبات التي جرت. وهذا يعني ان التدريبات التي جرت في أكتوبر شملت الدلائل نفسها بالكامل، كما جرت في التدريبات السابقة وفي أوضاع توتر سابقة، بحيث لم يكن هناك مجال لإعطائها تفسيرا حازما آخر.. فهذا ما جرى عامي 1971 و1972 وفي خريف 1973 وفي أكتوبر 1973» (المصدر نفسه).
 
رد: الوثائق الإسرائيلية

الوثائق الإسرائيلية (الحلقة الرابعة عشرة) ـ قناصة إسرائيليون في مطار اللد خوفا من نزول كوماندوز مصريين بدلا من السادات

«االشرق الأوسط» تواصل كشف الوثائق السرية الحربية الإسرائيلية * الاستخبارات العسكرية سجلت مكالمة بين جمال عبد الناصر والملك حسين وأخفقت في سلسلة من الاحداث بدءا من صفقة الأسلحة التشيكية الى العراق



تل أبيب: نظير مجلي
مع استمرار لجنة أغرنات في استعراض شهادة رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الاسرائيلي، الجنرال ايلي زعيرا، حول فشل جهازه في اعطاء تقدير دقيق للاستعدادات الحربية المصرية السورية في سنة 1973 واصراره على الموقف الاستعلائي المستهتر بالقدرات العربية على محاربة اسرائيل، لا بد من اعطاء القارئ فكرة عن هذا الجهاز وتاريخه الحافل بالاخفاقات. فقد تأسس جهاز الاستخبارات العسكرية كمؤسسة قائمة بذاتها، مثل سلاح الجو أو سلاح المدرعات، يقودها ضابط برتبة لواء، سنة 1953، أي بعد مرور خمس سنوات على قيام اسرائيل. فالاستخبارات العسكرية كانت قبل ذلك الوقت عبارة عن عدة دوائر في الأجهزة والألوية المختلفة. ومنذ تأسيسها وحتى اليوم يندر أن تسجل انجازا جديا ذا وزن سياسي أو عسكري كبير. والانجاز الوحيد الذي يستحق الذكر هو تمكنه من التقاط وتسجيل مكالمة هاتفية بين الرئيس المصري، جمال عبد الناصر، والعاهل الأردني، الملك حسين، في اليوم الثاني من حرب الأيام الستة سنة 1967. في حينه كانت اسرائيل قد استطاعت تدمير طائرات سلاح الجو المصري وهي ما زالت جاثمة على أرض المطارات، وبدأت عمليات الغزو والاجتياح في سيناء. ولكن أنباء المعارك الحقيقية لم تعلن. فالعرب من جهتهم أطلقوا البيانات التي تتحدث عن قرب انهيار اسرائيل، واسرائيل من جهتها، وبسبب مبادرتها الى شن الحرب خشيت من اعلان نتائجها الحقيقية في تلك المرحلة خوفا من تدخل سوفيياتي لانقاذ العرب. وعندما اتصل عبد الناصر بالملك حسين، أبلغه بأن الطائرات المصرية تقوم بتدمير طائرات سلاح الجو الاسرائيلي وهي على أرض المطار، أي عكس الحقيقة تماما. وحسب التحليلات الاسرائيلية، فإن الرئيس المصري كان يحاول بذلك أن يغري العاهل الأردني بالانضمام الى الحرب، فيفتح جبهة تخفف الضغط عن مصر. وينطلق الاسرائيليون في ذلك من القناعة بأن عبد الناصر كان يعرف بالضبط ما هي حقيقة الصورة في المعركة، ويمتنعون عن طرح احتمال أن يكون قال ما يعرفه من التقارير المشوهة لرئاسة الأركان المصرية. ولذلك قرر وزير الدفاع الاسرائيلي، موشيه ديان، في حينه نشر نص المكالمة الهاتفية في الإذاعة بالتسجيل الحي بصوتيهما. وفعل ذلك في التاسع من يونيو (حزيران)، حتى يظهر عبد الناصر بعيدا عن الصدق. لكن تاريخ شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الاسرائيلي، كان يزخر بأحداث الفشل. وحسب رصد أجراه الباحث الاسرائيلي، أوري بار يوسف، نعدد فيما يلي أهم محطات الفشل: ـ في سنة 1955، فشلت هذه الاستخبارات في رصد صفقة بيع السلاح التشيكي لمصر، وتم قطع شوط طويل حتى اكتشفتها.
ـ في 18 فبراير (شباط) سنة 1960، أخبرت روسيا مصر بأن اسرائيل تنوي محاربة سورية، التي كان يربطها بها حلف عسكري، فقررت مصر الاستعداد لمؤازرتها. ورفدت الى سيناء 500 دبابة، عبرت القنال وانتقلت الى سيناء، استعدادا للوصول الى الحدود مع اسرائيل. وتبين لاحقا بأن شعبة الاستخبارات العسكرية لم تعلم بالبلاغ ولا القرار ولم تستطع اكتشاف عملية نقل 500 دبابة.

ـ سنة 1962، أجرت مصر تجارب على اطلاق أربعة صواريخ. ولم ترصد اسرائيل الاطلاق، ولم تعرف شيئا عنه.

ـ سنة 1966، أصدرت شعبة الاستخبارات تقريرا تقول فيه إن مصر لن تحارب اسرائيل بسبب انشغال قواتها في اليمن. فطالما ان هذه القوات تحارب في اليمن، فإن مصر ستحرص بألا تغامر في حرب جديدة. وتبين ان مصر خاضت الحرب مع اسرائيل من دون أن توقف نشاطها الحربي في اليمن. ـ في سنة 1968 فشلت الاستخبارات العسكرية في الحصول على معلومات بخصوص الاشتراك المباشر لضباط وخبراء سوفييات في حرب الاستنزاف في سيناء الى جانب القوات المصرية.

ـ سنة 1977، كادت الاستخبارات العسكرية تتسبب في أزمة سياسية كبرى بين اسرائيل ومصر من جهة وبين اسرائيل والولايات المتحدة من جهة أخرى، وذلك عندما خرجت بتقرير تقول فيه إن زيارة الرئيس المصري، أنور السادات، الى اسرائيل ما هي إلا خديعة تنطوي على خطة عسكرية جهنمية للايقاع باسرائيل. وبلغ بقادتها الشأو أن يستعدوا لمواجهة خطر هذه الخديعة عسكريا، فنصبوا قوة من القناصة من حول طائرة السادات في مطار اللد لكي يفجروا الطائرة من بعيد في حالة خروج مقاتلين انتحاريين من الكوماندوز المصري بدلا من الرئيس السادات. وكان رئيس أركان الجيش، مردخاي غور، قد تأثر بهذا التقرير وآمن بما جاء فيه، ولذلك ألقى في حينه تصريحه المشهور الذي شكك به في زيارة السادات. ولكن ما منع التدهور في النهاية هو وزير الدفاع، عيزر فايتسمان، الذي وبّخ رئيس الأركان ومنع المصيبة. لكنه لم يمنع الجيش بالتالي من اتخاذ اجراءات احتياطية، حيث ان جميع قادة اسرائيل كانوا في المطار ينتظرون السادات، ولم يكن ممكنا تركهم عرضة لهجوم كوماندوز مصري انتحاري. ـ في سنة 1987 فشلت الاستخبارات العسكرية، وبقية أجهزة الأمن الاسرائيلية العاملة هناك، في التنبؤ بأمر الانتفاضة الفلسطينية.

ـ في سنة 1990، فوجئت اسرائيل بقيام العراق باحتلال الكويت، وهذا أمر يعتبر من اختصاص الاستخبارات العسكرية أيضا.

ـ في سنة 1994، قدمت الاستخبارات العسكرية تقريرا قالت فيه إن الملك حسين لن يقدم على عقد اتفاق سلام مع اسرائيل، لأن لديه قرارا مبدئيا بأن لا يفعل ذلك إلا بعد أن تعقد سورية اتفاقا كهذا. وبنيت هذه الفكرة على أساس أن الملك الأردني يخشى من رد فعل شعبي ضد السلام في بلاده. وكما هو معروف، فإن الملك حسين وقع اتفاق سلام مع اسحق رابين في السنة نفسها.

ـ في سنة 2000، قدمت الاستخبارات تقريرا حذرت فيه حكومة ايهود باراك، من الانسحاب الأحادي الجانب من لبنان، قالت فيه ان انسحابا كهذا سيؤدي الى تعاظم اطلاق صواريخ الكاتيوشا على الشمال الاسرائيلي. وتبين أن هذا التقدير خاطئ.

ـ في سنة 2003، وبالادعاء بأن شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الاسرائيلي تعرف تفاصيل ما يجري في العراق، عممت اسرائيل تقريرا على الاستخبارات في دول الغرب تدعي فيه ان لديها معلومات من مصادرها الخاصة تقول إن صدام حسين نجح في صنع أسلحة كيماوية وانه امتلك ما يلزم من المواد للبدء في مسار لانتاج الأسلحة النووية. وكانت المخابرات الأميركية قد أصدرت تقريرا بهذه الروح، لكن الدول الأوروبية شككت في التقرير، وجاء تقرير المخابرات الاسرائيلية ليسند الموقف الأميركي. ـ وفي السنة نفسها، فوجئت اسرائيل بالاتفاق بين الولايات المتحدة وليبيا، على وقف مشروع طرابلس لتطوير التسلح النووي، وزاد من ضيقها ان استخباراتها العسكرية لم تعرف شيئا عن هذا المشروع مسبقا، لا من مصادرها الخاصة ولا من المصادر الغربية التي تتعاون معها.

ويضاف الى هذا المسلسل بالطبع إخفاق شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الاسرائيلي في معرفة حقيقة ما يدور على الجبهتين المصرية والسورية عشية حرب أكتوبر العام 1973، التي يحاسب الجنرال ايلي زعيرا عليه أمام لجنة التحقيق. وكما كنا نشرنا في السابق، فإن زعيرا اعتبر قرار اللجنة ادانته بمثابة تعبير عن ولاء أعضاء اللجنة الى رئيسة الوزراء، غولدا مئير، ووزير دفاعها، موشيه ديان. واعتمد في دفاعه عن نفسه على اتهام القيادة السياسية بإخفاء معلومات عن لجنة التحقيق وعلى التشكيك بالعميل المصري الذي أخبر اسرائيل بالموعد الأقرب للحرب. واصدر زعيرا كتابا بهذا الخصوص، وخلال لقائه بالصحافيين بمناسبة صدوره، أفصح عن اسم ذلك العميل. وبسبب ذلك خرجت مجموعة من معارضيه، في مقدمتهم رئيس «الموساد» في فترة الحرب، تسفي زمير، بهجوم كاسح عليه واتهموه بكسر أول وأهم «الوصايا العشر» في العمل الاستخباري، وهو كشف اسم العميل. وقدموا ضده شكوى في القضاء.

فيما يلي حلقة أخرى من تقرير اللجنة: الحاجة بـ«الفرضية» في ضوء تلبكات الاستخبارات العسكرية 48 ـ خلال كلامه أمام اللجنة، أكد اللواء (ايلي) زعيرا (رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية) على وجود مصاعب موضوعية وتلبكات في شعبة الاستخبارات العسكرية، خصوصا في مجالي البحث والتقدير. وهذا هو المكان لنذكر وجهتي نظر في الموضوع الأخير (التقدير). إحداهما ان شعبة الاستخبارات العسكرية تحصل بشكل جارف على كميات هائلة من المعلومات، لدرجة انه بات مستحيلا السيطرة عليها، ما يمنع قراءتها بالكامل ويوجب إجراء تصفية وانتقاء، وهذا بحد ذاته يثقل على مهمة اعطاء التقديرات، أو «ثراء دسم يعود بالضرر على أصحابه» (مثل عبري مأخوذ من التعاليم الدينية اليهودية ويقال في الثراء الزائد). ويقول الجنرال زعيرا: «كمية المواد ضخمة.. أنا لا أستطيع قراءتها بالكامل. رئيس مكتبي يمر على المواد قبلي. قسم منه لا يمرره لي. قسم منه يضعه أمامي مع الاشارة الى ما يعتقد هو أن قراءته مجدية. ومع ذلك فإنه لا يمكن التغلب على ذلك (الكم الهائل من المواد) خلال عمل يومي من 16 ـ 17 ساعة. والأمر نفسه ينطبق على الدوائر الأقل درجة.. نحن نفتش عن مختلف الوسائل ولم نجد حلا بعد.. من الطبيعي أننا بحاجة الى المزيد من الباحثين والقوى البشرية.. ومن الصعب الحصول على القوى البشرية الاضافية» (صفحة 32). «الناس (يقصد رجاله في شعبة الاستخبارات) يعرفون ما هو جيد وما هو تافه.. يعرفون كيف يصلون الى الأمور المهمة، أو الأمور التي يعتقدون بأنها مهمة» (صفحة 33).

وجهة النظر الأخرى في مشاكل التقديرات الاستخبارية هي: هناك مسؤولية كبرى تقع على شعبة الاستخبارات العسكرية، بأن لا نعطي تقديرا وهميا (يقصد اعطاء تقدير بأن حربا ستنشب، ويكون تقديرا مغلوطا)، في وضع تكون فيه تشكيلاتنا الحربية مبنية على قوات الاحتياط بالأساس وعلى جيش نظامي صغير، في مواجهة جيش نظامي كبير (لدى العدو) ينتشر دائما على طول الحدود أو بالامكان نشره بسهولة، أي في مواجهة قوات العدو الموجودة دائما على الجبهة. بكلمات أخرى، يحظر عليها، أي على شعبة الاستخبارات العسكرية بتاتا أن تسارع الى توجيه إنذار بأن في نية العدو القيام بحرب قريبة في كل مرة نتلقى فيها معلومة مقلقة. فإذا فعلنا، ستكون النتيجة بأن الدولة ستجند (للحرب) في فترات متقاربة، مع كل ما ينجم عن ذلك من أضرار للاقتصاد ومصاعب كبرى للمواطنين. من هنا تنبع الحاجة الى «فرضية» ما، وهذا، حسب وجهة النظر الأولى (الحصول على كمية هائلة من المعلومات) ـ التي بموجبها ينبغي سند تقديراتها (بالمعلومات). ومن هنا تنبع الضرورة للفرضية التي نتحدث عنها والتي شكلت بالنسبة لرئيس شعبة الاستخبارات العسكرية ومساعديه نبراسا يسترشدون به عشية نشوب الحرب:

«فإذا انتهجنا طريقة الصراخ «ذئب..» (مثل يقصد به التحذير من حرب) ازاء كل شيء صغير، فلا مشكلة. ولكن، عندئذ، سنضع الجيش في وضع صعب جدا..»(صفحة 1051).

«ففي ذلك الوضع كانت لنا على طول القناة (السويس) وحتى بير جفجفة 170 دبابة و8000 شخص. وفي خط التحصينات كان 800 شخص. ومقابلهم كانت للمصريين سبعة ألوية و1100 دبابة و800 مدفعية. بهذه القوات كانوا يستطيعون تنفيذ العبور. أنا أحصل على المعلومة القائلة بأنه ستنشب الحرب بعد ثلاثة أيام. فماذا نفعل؟ نجند (قوات الاحتياط)؟ نصدقها (المعلومة)؟ لا نصدقها؟ أنا بهذا أقصد أن أعطيكم فكرة بسيطة عن الحيرة (التي تنتابنا في هذه الحالة). لا يوجد ما هو أسهل من أن يقوم رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية في حالة كهذه بالتوجه الى رئيس أركان الجيش والقول: «جنّد» (قوات الاحتياط).. ولكن لا بد من فرضية معينة، وإلا فإن هذه الدولة (اسرائيل) تجند ولا تجند سبع مرات في السنة» (صفحة 92).

تأثير الفرضية على تقديرات شعبة الاستخبارات العسكرية 49 ـ لا يوجد شك في أن الفرضية المشروحة أعلاه، والتي قالت إن امكانية شن حرب على الجبهة المصرية وعلى الجبهة السورية في آن في القريب العاجل هي امكانية بدرجة احتمال منخفضة، تركت آثارها على التقديرات التي أعطاها رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية أو من ناب عنه، الى العناصر القيادية في الدولة حول موضوع خطر الحرب. ونقصد بذلك التقديرات التي أعطاها في الفترة ما بين أبريل ـ مايو (نيسان ـ أيار) 1973 (في الوقت الذي ساد فيه التوتر على الجبهتين) وفي الفترة ما بين سبتمبر (ايلول) و5 أكتوبر (تشرين الأول) 1973، علما بأنها بدأت تتضعضع في ذلك اليوم (5 أكتوبر). وفي الاقتباسات التي سنعرضها فيما يلي لأقوال رئيس شعبة الاستخبارات ومساعده لشؤون البحث، سنركز بالأساس على الأمور المتعلقة بالأساس المصري لهذه الفرضية.

فترة أبريل ـ مايو1973 (أ) بروتوكول مختصر للمشاورات في بيت رئيسة الوزراء في يوم 18.4.73 (وثيقة البينات رقم 57)، بمشاركة رئيسة الوزراء (غولدا مئير) والوزراء (يسرائيل) غليلي و(موشيه) ديان ورئيس أركان الجيش (دافيد العزار) ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية (ايلي زعيرا). في هذه المشاورات قال الجنرال زعيرا:

«لقد أجرينا تشريحا للوضع وكتبنا ما هو تقديرنا للوضع حسب المنطق والمعقول. في هذه المرة وجدنا اشارات حول الاستعدادات العينية، تدل على ان هناك ارتفاعا بعض الشيء فيها مقارنة مع عرضنا لها في نوفمبر ـ ديسمبر (تشرين الثاني ـ كانون الأول) 1972. لا يوجد لدينا ما نضيفه حول التقديرات. من ناحية المنطق، سيكون ذلك خطأ أن تفكر مصر في اعلان الحرب.. وفي الحقيقة فإننا نرى اشارات اكثر تدل على انه (يقصد الرئيس المصري، أنور السادات) لا ينوي الحرب مما نرى اشارات تدل على انه ينوي الحرب. ولكن من السابق لأوانه أن نقرر ذلك» (الصفحة الأولى).

«.. نحن نعرف بثقة انه يوجد لديه تخوف بأننا سنرد حتى على عملياته الصغيرة بضرب العمق المصري وبشدة. لهذا، فإنني أقدر بأن احتمال شن الحرب ليس كبيرا» (صفحة 2). «بالنسبة للطريق الثالث، أي عبور القنال بشكل جدي، فإنني واثق من أننا سنعرف عن ذلك مسبقا وسنستطيع إعطاء تحذير.. قبل عدة أيام من وقوعه» (نفس الصفحة).

«هذا بالنسبة لمصر، الامكانية مفتوحة للحرب. المصريون خائفون جدا من أننا سنرد بمهاجمة العمق على أي عمل صغير يقومون به. انهم يخافون على نظام الحكم عندهم من جراء مهاجمة العمق» (نفس المصدر).

(ب) بروتوكول جلسة الحكومة من يوم 15.4.1973 التي تفوه الجنرال زعيرا خلالها بما يلي:

«... لقد بدأت حركة طائرات ميراج من ليبيا الى مصر، بحيث أصبح موجودا في مصر الآن (سرب) طائرات ميراج، وبالاضافة الى ذلك وتقريبا في الفترة نفسها، وصل الى مصر سرب من طائرات «هنتر» العراقية.. ومع ذلك فعلي أن أشير الى اننا لم نجد بعد في صفوف القوات البرية أية استعدادات للحرب أو اية تنقلات من شأنها أن تشير الى وجود استعدادات حربية. أما بالنسبة للطائرات نفسها، فإن طائرات «هنتر» ليست بقادرة على اجراء تحسين جدي في القوة الهجومية المصرية. بينما طائرات الميراج تستطيع شحن سلاح الجو المصري بقدرات غير موجودة لديها اليوم، وهي تتمثل في بعد المدى (يقصد ان الميراج طائرة تتميز بكونها تستطيع الطيران لمدى بعيد). فالميراج هي الطائرة المقاتلة ذات المدى الأطول بين كل الطائرات الموجودة بأيدي مصر. بالطبع، انني لا أشمل في ذلك الحساب طائرة توبولوف 16 التي لا تعتبر طائرة قتالية.. إن هذه الاضافة من الطائرات القتالية الى سلاح الجو المصري، من الناحية الموضوعية على الأقل، ليست اضافة يمكنها تغيير توازن القوى في الجو، مع أن من الممكن أن يرى المصريون ان اضافة طائرات الميراج هي ذات أثر كبير وأهمية جدية للغاية أكثر مما نرى نحن، خصوصا أنهم ادعوا في الماضي بأنهم لا يملكون طائرة قادرة على الوصول الى وسط اسرائيل وتنفيذ ما أسموه «تفجير العمق». واليوم، عندما تكون في حوزتهم طائرات ميراج، فإنهم سيشعرون بأن هذا حل» (صفحة 8 ـ 9).

«من المشكوك فيه أن تكون مصر ترى نفسها قوية بما يكفي لاحراز انجازات في الحرب. معظم الشهادات تشير الى ان مصر لا ترى نفسها قوية بما يكفي لذلك، واشك في أن تذهب دولة الى حرب لكي تفشل. ولكن، رغم كل هذا، فإن هذه هي المرة الأولى، على الأقل في السنتين الأخيرتين، التي نرى فيها أفعالا وليس أقوالا فقط، أنا أقصد نقل طائرات الميراج والهنتر. ربما يكون مجرد نقل الطائرات والفكرة يحتوي على قوة داخلية معينة تستطيع أن تؤدي الى التدهور (الى الحرب)، حتى لو لم تكن هناك نية اليوم لأن يحصل التدهور» (صفحة 9 ـ 10). في جلسة الحكومة من يوم 24.4.1973 عبر رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية عن تقدير مماثل بقوله انه على الرغم من حقيقة أن قسما من طائرات الميراج والهنتر المتوقعة قد وصلت «فإن مصر ما زالت مدركة حقيقة أن في توازن القوى الحالي لا يوجد لها أمل في النجاح في حرب ضد اسرائيل. ومن المعقول اليوم أكثر أن هدف مصر هو تضخيم التهديدات الحربية وخلق الشعور في العالم، خصوصا عشية لقاء القمة المتوقع بين برجنيف (وهو الرئيس السوفياتي في ذلك الوقت) ونيكسون (الرئيس الأميركي)، بأن مصر معنية بالحرب. وبأنها مستعدة للحرب. من هنا فإن تقديرنا هو بأنه في نهاية المطاف، احتمال أن تبادر مصر فعلا الى شن الحرب في شهر مايو (أيار)، هو احتمال ضعيف. وبالاضافة الى ذلك، فإنه وإزاء الأنباء التي تصل الينا عن الاستعدادات، فإننا لا نرى على الأرض أية اشارات لتحركات أو حشودات ترمي الى اطلاق خطة كهذه» (بروتوكول الجلسة المذكورة أعلاه، صفحة 3).

«هذه هي إحدى مشاكل الاستخبارات الاسرائيلية، عندما تجري تقديرات متعلقة ليس بالامكانيات بل بالنوايا، حيث اننا نجد في أحيان كثيرة أن النوايا لديهم تفوق الامكانيات. والسؤال هو: ما هو مدى التجاوز للامكانيات؟ وهل هو مجرد كلام أم انه سيتحول الى قرار؟.. وبما اننا فكرنا دائما في الموضوع الكلامي ومن الصعب معرفة ما إذا كان هذا فقط كلاما أو انه كلام وأفعال، فإن أضواءنا مسلطة اليوم على فحص ما إذا كانت هناك ظواهر واقعة على الأرض تستطيع إعطاء تقويم عال أو منخفض للكلام» (صفحة 24).

«... كلما سيطر لديهم منطق القدرات المحدودة... أعتقد بأن العرب لا يقدرون، على الأقل في السنوات القريبة، بأنهم سينتصرون على اسرائيل وعندما يتحدثون عن شن الحرب فإنهم لا ينوون احتلال سيناء أو الانتصار على اسرائيل، بل خلق وضع يلزم العالم بمعالجة المشكلة سياسيا. وأعني بأن فتح النار يهدف الى التحول للتسوية السياسية وليس إلحاق الهزيمة بجيش الاحتلال الإسرائيلي» (صفحة 36).

(ج) في الجلسة من يوم 9.5.1973 ، التي تم فيها عرض خطة قيادة أركان الجيش للحرب («أزرق أبيض»)، أمام رئيسة الحكومة، قال الجنرال زعيرا:

«تقديراتنا هي بشكل أساسي أن احتمال الحرب ضعيف، حتى الآن، ومهما بذلنا من الجهد فإننا لا نجد اشارات تزيد منها (من هذه الاحتمالات للحرب). ولكن في اطار الاستعدادات التي جرت نرى ثلاث امكانيات للحرب: 1. الحرب الكبيرة، توجد لدينا معلومات عن حرب كبرى. ونحن نراها احتمالا ضعيفا جدا بين الاحتمالات الضعيفة..» (بروتوكول اللقاء اللقاء المذكور، وثيقة البينات رقم 57، الصفحة 2 ).

«المهم هنا هي طائرات الميراج، فهي الطائرة الأفضل هنا. لكن علينا أن نذكر في المصريين أرقاما أخرى، ألفي دبابة وألفي مدفعية و350 طائرة مقاتلة.. يجب ان نثق بأنهم يستطيعون عبور القنال» (المصدر نفسه، الصفحة 4). (د) البروتوكول رقم 287 لجلسة لجنة الخارجية والأمن في الكنيست من يوم 18.5.1973. بهذه المناسبة قال الجنرال زعيرا: «في ختام هذا البحث اقول ان اتجاه مصر هو للحرب، لكنها ترتدع عنها بسبب الخوف من الخسارة.. حسب رأيي يوجد احتمال للحرب ولكنه ضعيف جدا، إلا إذا تدهورت الأحوال. ومن الممكن أن يحصل تدهور» (صفحة 6). «... وفي اطار هذا الاحتمال الضعيف، أرى ثلاث امكانيات: الامكانية الأولى هي عبور قناة السويس بشكل شامل، من أجل الوصول الى مسافة ما بعد القناة الى الشرق والتمسك والبقاء في هذا المكان..» (صفحة 7).

«بالنسبة الى سورية، إذا نشبت الحرب فإنها بالتأكيد ستكون في حيرة، هل تتدخل أم لا.. وأنا أعتقد بأن سورية ستقدم على عمليات جدية مثل محاولة احتلال هضبة الجولان من جديد، (ولكن هذا يحدث) فقط إذا اتضح لها بأن مصر تنجح فعلا في عملياتها على طول قناة السويس» (المصدر نفسه).

«انني أقدر بأنه توجد لنا حظوظ جيدة ونسبة احتمال عالية في أن اشارات مسبقة ستصل الينا (في حالة نشوب الحرب). وهذا يعني انه في حالة عبور الجيش المصري القنال، فإننا سنعرف. لن نعرف الخطط (الحربية) ولكن اشارات ودلائل ستصل الينا وهم في مرحلة الاستعدادات، مثل حشد القوات وكل ما ينجم عن ذلك. بكلمات أخرى أنا لا اعتقد بأن هناك امكانية بأن نفاجأ في عبور القنال، وأنا استطيع أن أضمن انذارا حول موضوع العبور» (صفحة 31).

«نحن نرى اشارات تدل على وجود خطة. وأكثر من ذلك، فقد وصلت طائرات الميراج والهنتر وهذا على الناحية التكتيكية، أما في البعد الاستراتيجي، فإنه لا توجد قرب الجبهة أية اشارات على الاستعداد للحرب في الوقت القريب» (صفحة 32).

«.. عندما بدأ السادات يثير أجواء الحرب، كان تقديرنا بأن أحد أهدافه هو جعلنا نصاب بالهلع والفوضى
 
رد: الوثائق الإسرائيلية

الوثائق الإسرائيلية (الحلقة الخامسة عشرة) ـ الخلافات السورية ـ المصرية كانت من أسباب القناعة بأن العرب لن يحاربوا

جدل إسرائيلي حول مغزى اخلاء العائلات الروسية



تل أبيب: نظير مجلي
في هذه الحلقة تواصل لجنة أغرنات للتحقيق في الإخفاقات الاسرائيلية في حرب أكتوبر العام 1973، تلخيص موقف جهاز الاستخبارات العسكرية في الجيش الاسرائيلي ورئيس هذا الجهاز، الجنرال ايلي زعيرا، الواثق من أن العرب لن يحاربوا.
وخلال ذلك، تعرض اللجنة في تقريرها المزيد والمزيد من الأمثلة التي تدل على مدى الاستخفاف بقدرات العرب من جهة وبمدى الشعور الاسرائيلي بالعظمة والغطرسة. فعلى الرغم من عشرات الاشارات التي تدل بوضوح بالغ على ان مصر وسورية تستعدان للحرب تقريبا بطريقة علنية، فإن زعيرا وأمثاله في قيادة الجيش مصممون: العرب خائفون منا. ولذلك فإنهم يحشدون القوات ويجرون التدريبات ويطلقون التصريحات.

فقط عندما بدأت عملية إخلاء عائلات الخبراء الروس من مصر وسورية، بدأ الاسرائيليون يقلقون، لكنهم في الوقت نفسه راحوا يكذبون أنفسهم ويقولون: ربما هذا خلاف روسي عربي، وليس بالضرورة رحيل عشية الحرب. واليكم هذه الحلقة من التقرير: الفترة ما بين سبتمبر ـ 5 أكتوبر 1973

* (هـ) البحث في قيادة هيئة الأركان (تقدير موقف) في يوم 17.9.1973 بمشاركة وزير الدفاع.

في هذا البحث قال الجنرال زعيرا: «السبب الرئيس اليوم لعدم نشوب الحرب هو الشعور والتقدير السائدان لدى العرب بأن قواتهم الجوية لا تكفي لحرب ذات حظوظ نجاح. والسبب الأساسي لهذا، كما يراه العرب، يكمن في الحقيقة بان الطائرات العربية المقاتلة لا تستطيع من الناحية التقنية الوصول الى مطارات سلاح الجو الإسرائيلي على علو منخفض مع كمية جدية من المتفجرات، وخصوصا (سلاح الجو) المصري. أما غدا، وأنا أقصد في السنوات القريبة المقبلة، ستتلقى الدول العربية طائرات تستطيع تنفيذ مثل هذه المهمات، ما سيؤثر من الناحية النفسية على التقديرات العربية ويحدث تغييرا بحيث يخفض من مستوى قوة الردع الاسرائيلية» (ر. تسجيل البحث في وثيقة البينات رقم 211، صفحة 7).

«عمليا، فإن المشكلة الأساسية التي تواجهنا هي الخوف من أن يؤدي تعزيز التسلح العربي الى انخفاض قوة الردع الاسرائيلية. لكن، أنا لا أرى بأنه كل هذا التعزيز سوف يجعلهم قادرين على هزم جيش الاحتلال الإسرائيلي واحتلال سيناء وتحقيق الانتصارات الكبرى في المعارك» (المصدر نفسه، صفحة 12).

(و) بحث في قيادة هيئة الأركان، في يوم 1.10.1973، قال فيه الجنرال زعيرا (حسب السجلات) ما يلي:

«ما يميز الأسبوع الأخير، واليوم بالذات، هو انه يوجد وضع عسكري خاص في مصر وفي سورية. وأبدأ بمصر. توجد هناك تنقلات للعديد من الوحدات العسكرية من الداخل الى الجبهة، بما في ذلك وحدات مؤللة، وحدات جسر، وحدات مظليين، ووحدات منقولة بالجو.. وتوجد مصادر معلومات أبلغت بأن هذه ليست بهدف التدريب، بل انها مقبلة على حرب. وهذا الأمر غير مقنع لنا على الرغم من أنها مصادر جيدة. ما نراه اليوم هو ان الوضع وضع عادي، ومن المؤكد أنه لن تنشب حرب ولا توجد نية لتحويل ذلك الى حرب، علما بأنه توجد تدريبات كبيرة» (صفحة 2).

«أما بالنسبة لسورية، فإن السوريين بدأوا في مسار حالة الطوارئ منذ الخامس من سبتمبر (أيلول) وهم اليوم موجودون في أعلى حالات الطوارئ التي لم نشهد مثيلا لها في السنة الأخيرة. وبضمن ذلك نشهد حتى نقل لواء من شمالي سورية وهو في طريقه الى الجنوب» (المصدر نفسه).

«هنا أيضا، وعلى الرغم من أن المعلومات واردة من مصادر مهمة، وأنا لا أقول مصادر جيدة أو موثوقة، بل مهمة، تقول ان حربا ستنشب، فلا نرى ان السوريين يتخذون كل هذه الخطوات بهدف التوجه الى الحرب. أفضل تفسير لدخول السوريين الى هذه الحالة هو خوفهم منا. وفي النهاية إذا كان علي أن ألقي نظرة عامة، فإن من الصعب أن نقبل التقدير بأن السوريين سيخرجون الى الحرب من دون المصريين. إذا خرجت مصر الى الحرب، فإن سورية ستخرج في الوقت نفسه أو ربما يكون مناسبا أكثر القول انها ستذهب بعدها بقليل. ولكن، وبما أنني لا ارى أن مصر متجهة الى الحرب، فلا اعتقد أن سورية ستتجه للحرب. (وأقول ذلك)، على الرغم من أن الجيش السوري موجود في حالة تأهب يمكن أن ينتقل من الدفاع الى الهجوم أو أن يبقى في الدفاع. هذا أيضا (البقاء في حالة دفاع) يؤخذ بالحساب أيضا. فحسب المذهب السوفياتي، يكون الجيش جاهزا للانتقال الى الهجوم من هكذا وضع دفاعي. هذا هو المذهب السوفياتي الذي تعلمه السوريون جيدا. أنا أقدر بأن الأنباء المتوفرة لدينا حول الخطة الأساسية هي أنباء تتعلق بالخطة السورية، إذا ما قرروا تفعيلها، ولكنني لا أرى أنهم فاعلون. وربما يقدمون على خطوة نتيجة لأوضاع داخلية أو رغبة في الانتقام بسبب اسقاط الطائرات (اسرائيل أسقطت 13 طائرة سورية في 24 سبتمبر من السنة نفسها خلال اشتباك جوي)، فلربما تكون تلك عملية انتقامية» (المصدر نفسه).

«ما أريد قوله هو ان الجيش السوري موجود في حالة طوارئ لم يسبق أن كان مثلها على الأقل في السنة الأخيرة، والسبب في ذلك على ما يبدو هو الخوف من قواتنا وليس بدافع خطط هجومية. وفي الوقت نفسه توجد حركة تجنيد في مصر.. أنا أقول هذا لأنه كانت هناك أنباء هنا وهناك جدية للغاية. وفي الليلة الأخيرة، لم ينم بعض الناس، ومع ذلك فإنني لا ارى هنا الحرب» (المصدر نفسه).

وبعد أن يؤكد ان مصر جندت جيش الاحتياط، يواصل الجنرال زعيرا فيقول:

«يلغون الدورات. ولكن هذا شبيه بما سبق أن قاموا به في الماضي. ففي أبريل (نيسان) أيضا ساد هناك شعور بقرب نشوب حرب...» (صفحة 3 ـ 4). إذا كان هناك تنسيق بين مصر وسورية، فإن الأمر سيكون مثيرا.. فكل واحد يعرف بأن الثاني يخدعه ومع ذلك يديرون المسارات. انه وضع غريب للغاية وهو يتكرر في كل سنة..» (صفحة 4).

(ز) بروتوكول مختزل للمشاورات العسكرية السياسية في يوم 3.10.1973 التي شاركت فيها رئيسة الحكومة والوزراء ي. ألون، ي.غليلي، م. ديان، (رئيس الأركان) الجنرال (دافيد) العزار، العميد أريه شيلو (مساعد رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية لشؤون البحث). ويذكر هنا بأن الأخير (أي العميد شيلو) هو آخر من قدم تقديرات استخبارية باسم شعبة الاستخبارات العسكرية بدلا من رئيس الشعبة الذي كان مريضا في ذلك الوقت. وفي هذا السياق نشير الى أن الجنرال زعيرا قال في شهادته إن هذه التقديرات كانت تعبر أيضا عن رأيه (بروتوكولات اللجنة صفحة 1042). وفي تلك المشاورات استعرض العميد شيلو الأنباء التي وصلت في تلك الفترة، بما في ذلك الأنباء المقلقة والتصرفات «الشاذة»، وهذا ما قاله:

«التقدير: توجد هنا ظاهرتان: 1. حالة طوارئ في سورية. 2. تدريبات في مصر. برأيي، علينا أن نختار التقدير بحيث نعرف ما إذا كانت لأي من الطرفين أسباب مستقلة تجعل كل منهما يتصرف بدافع ذاتي، أو يوجد ما هو مشترك لهما، وماذا يمكن أن يكون هذا الشيء. المشترك سيكون اسوأ الاحتمالات لأنه يعني امكانية حرب شاملة، سورية بواسطة تشكيلة الطوارئ التي في أساسها دفاعية ولكن بالإمكان التحول الى هجومية، ولا توجد حاجة ببناء شيء جديد من أجل ذلك. فهل الحرب ممكنة من خلال هذه التشكيلات بغطاء من التدريبات المصرية؟ هل هذا معقول؟ حسب رأيي ومعرفتي، واعتمادا على الكثير من المواد المجمعة لدينا وليس فقط من الأيام الأخيرة، فإن مصر تقدر بأنها لا تستطيع حتى الآن أن تتجه للحرب. أنا أعتقد بأن امكانية القيام بخطوة كهذه، ومن دون التطرق الى وجهة النظر السياسية وغيرها المساعِدة على تحقيق النجاح، فإن بإمكانها التوجه (الى الحرب) لو انها كانت تفكر على هذا النحو. ولكنها تقدر بأنها لا تستطيع بعد التوجه الى الحرب. وهذا نابع من القدرة على معرفة الأمور التي يفكرون فيها والاحساس بها. لهذا، فإن امكانية المشاركة السورية ـ المصرية لا تبدو لي واقعية، لأنه لم يحصل تغيير في تقدير وضع القوات في سيناء بأنها تستطيع الذهاب الى الحرب». (بروتوكول المشاورات في وثيقة البينات رقم 57 صفحة 4 ـ 5).

«بالنسبة الى مصر، انطلق من منطلق ان هذه هي بالأساس تدريبات وحسب. وفي العاشر من الشهر سوف يسرحون قوات الاحتياط.. أي بالنسبة لمصر ـ لا توجد أمور شاذة» (صفحة 5).

«لذا، حسب رأيي، الجهد من طرف سورية سيكون الجهد لهدف احتلال الهضبة (هضبة الجولان)، وهذا يجب أن يكون من خلال التقدير بأنهم يستطيعون القيام بذلك إزاء الأخطار القائمة في سورية، وهذا باعتقادي غير ممكن. فلو كانت مصر مستعدة للذهاب الى الحرب، فان سورية كانت ستنضم اليها... وأنا أعتقد بأن التشكيلات السورية بنيت بالأساس بسبب المخاوف التي انتابتهم، هم خشوا من ردود فعلنا..» (صفحة 6).

(ح) الجلسة الأسبوعية في مكتب وزير الدفاع في الساعة التاسعة من يوم 5.10.1973 (هذه الجلسة عقدت في أعقاب الأنباء حول اخلاء عائلات الخبراء الروس بشكل مهرول من سورية ووصول 11 طائرة ركاب سوفياتية الى سورية ومصر). حسب التسجيلات ـ وثيقة البينات رقم 242، قال الجنرال زعيرا في هذه المشاورات: «من جميع ما ذكر دادو (رئيس أركان الجيش الاسرائيلي)، أنا أرى أن أكثر القضايا تعقيدا وجدية هو الموضوع السوفياتي. فلو لم يكن، لما كان ما جرى في الجبهة السورية في الأسبوع الأخير يعتبر شيئا. كل الأنباء المجمعة لدينا (تقول إن حشوداتها الطارئة هي) تشكيلات دفاعية نابعة عن الخوف منا. والأمر نفسه ينطبق على المصريين. فالمصريون يقولون طول الوقت انهم سيهاجموننا، في الليل والنهار، في الجو واليابسة، حتى نستغل تدريباتهم وندخل قوات، ولكنهم خائفون» (صفحة 2 ـ 3).

«لو ان الروس لم يفعلوا شيئا، فإن الاشارات تدل على ان المصريين والسوريين لا يتجهون للهجوم، انما قابعون في حالة خوف منا ونحن كنا قد أقدمنا على سلسلة خطوات في الآونة الأخيرة بعثت في نفوسهم الخوف: وقد بدأ هذا بالتدريب الكبير لقوات المظليين في سيناء، والتي يقولون ان 20 طائرة منها (يقصد 20 طائرة من الطائرات التي شاركت في التدريبات) بقيت في الميدان. في الشمال، عشية رأس السنة أنت (وزير الدفاع) قلت ما قلت وهم فسروا ذلك بأنه استعداد (للحرب). وفيما بعد، قال رئيس الأركان أيضا في مؤتمر المظليين إن يدنا كبيرة وطائلة. وأجرينا مناورات وطلعات جوية وتصوير خرائط، وتم أيضا تجنيد قوات الاحتياط فربطوه مع ذلك.. كل هذه الأمور معا أوصلتهم الى شعور بأننا ننوي عمل شيء».

«لكن الموضوع السوفياتي هو من دون أدنى شك، شيء جديد. والسطر الأخير هو انني لا أعرف لماذا أخرج السوفيات النساء والأطفال. أستطيع أن أعطي تخمينات. التخمين الأول هو ان الروس يعرفون أن المصريين والسوريين يتجهون الى الهجوم. انهم يقدرون بأن هجومنا المضاد سينجح وسنضرب العمق و(ستتضرر) عائلاتهم، لذلك يريدون اخلاء عائلاتهم... الامكانية الثانية هي أن الروس يخشون فعلا من أننا ننوي تنفيذ هجوم.. أنا أعتقد بأنهم في حالة الشعور بأننا سنهاجم، أول ما يفعلونه هو أن يتوجهوا الى الأميركيين ويقولوا لهم إحكوا شيئا للاسرائيليين. وكان الأميركيون سيأتون الينا راكضين وفرحين لكي يؤدوا لهم هذه الخدمة. الأميركيون لم يفعلوا ذلك بعد. الامكانية الثالثة، وهي تتعلق في الشؤون الداخلية، العلاقات بين الروس والسوريين، لا أدري، فمن الممكن أن يكون بينهما احتكاك ما في أمر لا نعرفه..» (صفحة 3 ـ 4).

«ما الذي يزعجني في هذا الموضوع؟ يزعجني أن هذه هي ايضا مصر.. ربما يكون في مصر ايضا أمر لا نعرفه. من الممكن أن يكون الروس يقولون: أنهينا العمل مع سورية، فتعالوا ننهيه مع مصر، لأن المصريين سيذهبون هم أيضا وراء السوريين.. السطر الأخير هو انه لا يوجد تفسير لماذا فعل الروس هذا (الاخلاء)» (صفحة 4).

«لقد قالوا لهم في البداية خذوا ما حمولته 30 كيلوغراما وسافروا الى اللاذقية (كما أشرنا في حلقة سابقة فقد حرصت الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية على تسجيل مكالمات الخبراء الروس في سورية ومصر حتى مع زوجاتهم وأولادهم ومنها استمعوا الى أقوال هؤلاء الخبراء). لم نكن نعرف عن مسألة الطائرات. قالوا لهم خذوا 30 كيلو وسافروا عن طريق البحر» (المصدر نفسه).

«توجد حالات لا تفسير لها.. لا يوجد تفسير جدي ومسنود الآن في الساعة 9:15، فبعد ساعة ساعتين ربما تكون المزيد من الأخبار» (صفحة 5).

«توجد مواد كثيرة من المنطقتين: 1) التدريبات، 2) النقل. أيضا في قضية التدريبات لدي حيرة. فحتى الآن نحن لا نعرف أي نوع من التدريبات هي هذه. في أغلبية المواقع، لا يحركون القوات... ربما تكون تلك تدريبات للقيادات، وكل التدريبات تتم قرب الهواتف بحيث يتم كل شيء في شبكة الاتصالات» (المصدر نفسه).

«على الرغم من انني لا أرى تغييرا أساسيا، حيث ما زلت أرى أن المصريين والسوريين لن يهاجموا، بالرغم عن اللعبة الروسية، إلا انها (أي عملية إخلاء عائلات الخبراء الروس) تدخل بي الشك. ولهذا فإن من الصحيح أن نعمل بكل ما قاله رئيس أركان الجيش» (إعلان حالة تأهب بدرجة «ج» الخ) (المصدر نفسه).

(ط) في المشاورات مع رئيسة الوزراء، التي تمت قبيل ظهر يوم 5.10.1973 بمشاركة وزير الدفاع ورئيس أركان الجيش، ذكر الجنرال زعيرا تفسيرات وتقديرات مشابهة. ومما قاله (التسجيل في وثيقة البينات رقم 57):

«في هذه الليلة أعطي الأمر لإخلاء النساء والأولاد بإضافة 30 كيلوغراما. حصلوا على باصات من السوريين، لكي توصلهم الى اللاذقية فيصلوا اليها حتى الساعة 12:00 من ظهر اليوم، لاخلائهم عن طريق البحر. وعندما كانوا، حسب التوقعات، على الطريق.. صدر الأمر اليهم بالعودة الى البيت.. وبالمقابل وبشكل مفاجئ أرسلوا الى الشرق الأوسط 11 طائرة: 6 طائرات الى مصر و5 طائرات الى سورية.. اننا نعتقد، نفترض، بان الطائرات حضرت لكي تخلي العائلات. ان الانطباع لدينا هو ان الروس، على الأقل في الدرجات الوسطى، استقبلوا الأمر بدهشة وقضية الطائرات تمت بهرولة. لا معلومات عن سبب ذلك. توجد فقط تقديرات: 1) اسرائيل تنوي الهجوم ولذلك يتم الاخلاء. 2) الروس توصلوا الى الاستنتاج بأن سرية ومصر تنويان الهجوم ويجب عدم المخاطرة، أو انهم لا يريدون أن يظهروا تأييدا تظاهريا لهذه الخطوة. 3) هناك نزاع روسي مصري أو سوري. كما أشرت آنفا، فإننا لا نملك تفسيرا جيدا لأي من هذه الاحتمالات...» (صفحة 1).

«خلفية: السوريون والمصريون يخشون من هجوم منا. المصريون يتخذون الكثير من الوسائل الأمنية الوقائية الحقيقية في التدريبات، وقد اضافوا الى الجبهة 300 رأس دفاعي (دبابة أو مدفعية)، وسلاح الجو في حالة تأهب عالية. وقد قربوا دباباتهم نحو القنال.

سورية: تشكيلات شتوية (طوارئ؟) منذ شهر. وفي الأيام الأخيرة نلاحظ الكثير من المخاوف. لقد استقدموا سربين من طائرات سوخوي 20 ... الأمر الذي لم يتم في السابق. عمليا خطوة هجومية. تخلق وضعا مريحا للهجوم» (صفحة 2).

«ما الذي يمكن أن يؤدي بهم الى الخوف منا؟

(1) دائما يخافون.

(2) اعتبروا الاشتباك الجوي (المشار اليه أعلاه، والذي أسقطت اسرائيل فيه 13 طائرة سورية) بمثابة كمين نصبناه لهم، وهذا بعد أن أصبحنا في وضع صعب. العالم يفرض علينا عزلة. وجبهة شرقية تتبلور ونحن نريد تفتيتها.

(3) أحداث عندنا: أ. تدريبات المظليين، ب. تدريبات تجنيد الاحتياط في الشمال، ج. في (الجبهة مع) سورية عززنا (القوات) بشكل كبير، د. وزير الدفاع قام بزيارة في هضبة الجولان عشية رأس السنة (العبرية)، هـ. رئيس الأركان تكلم في مؤتمر المظليين». (المصدر نفسه).

«التقدير بأن الاستعدادات تنبع بالأساس من خوفهم منا يبقى في مكانه. ولكن لا يمكن تجاهل اللعبة الروسية، وليس واضحا لماذا يفعلون هذا».

(ي) البروتوكول المختزل للمشاورات العسكرية ـ السياسية في ظهيرة يوم 5.10.1973 بمشاركة رئيسة الحكومة والوزراء بار ليف، ي. غليلي، م. ديان، ش. هليل، م. حزاني، ش. بيرس، رئيس أركان الجيش، رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش وآخرين (وثيقة البينات رقم 57). في هذا المقام قال الجنرال زعيرا:

«في الخامس من سبتمبر، دخل السوريون بصورة تدريجية الى حالة الطوارئ واليوم يقفون على الحدود الاسرائيلية في حالة طوارئ كاملة، يجرون الفحوصات والتدريبات على خطة معينة، هي كما يبدو خطة العمل التي وضعوها لاحتلال الجولان بمساعدة كل الجيش السوري، في غضون فترة قصيرة، يومين ثلاثة... بموازاة ذلك ومع التدرب على هذه الخطة وادخال كل الجيش السوري الى حالة الطوارئ، دفعوا باتجاه الجبهة سربين من طائرات سوخوي، التي كانت حتى الآن رابضة في منطقة ط ـ 4، وهي منطقة بعيدة عن الجبهة. في الوقت نفسه، أعرب السوريون، في القنوات الداخلية، عن مخاوف جدية من هجوم اسرائيلي، وحالة تشكيلاتهم العسكرية، التي نسميها حالة طوارئ، هي دفاعية وحسب المذهب الحربي السوفياتي، يعتبر نقطة انطلاق الى حرب دفاعية وفي الوقت نفسه هجومية. السوريون دخلوا الى هذه الوضعية، تدربوا على الهجوم، ولكنهم خائفون جدا من هجومنا..» (صفحة 1).

«... في الأسبوع الأخير نفذوا (المصريون) مناورات واسعة النطاق شملت جميع الأذرع، (سلاح) الجو، البحرية واليابسة والدفاعات الجوية. كانت هذه المناورات بمستوى القيادة العامة والألوية والوحدات. مثل هذه المناورات جرت أيضا في السنة الماضية، تقريبا في مثل هذا الوقت. وهكذا فإنه من حيث التوقيت والحجم، لا يوجد ما يدل على أمر شاذ. ولكن أيضا لدى المصريين نلاحظ اشارات كثيرة تدل على نوايا حقيقية للحرب، بالأساس دفاعية، من خلال التخوف الجدي بأن نستغل المناورات ونهاجمهم» (المصدر نفسه).

«لكن هذه الحالة من التشكيلات الحربية، التي هي دفاعية أيضا، تمكن من الانتقال الى الهجوم. فقد عززوا الجبهة على طول القناة في الأيام الأخيرة ورفعوا عدد المدافع من 800 الى 1100، أي زيادة 300. هذا تعزيز كبير بالتأكيد. لقد دفعوا بالكثير من الدبابات الى الأمام قرب القناة. ولهذا توجد لديهم القدرة على تغطية غالبية القناة. وهذا أمر جيد للدفاع وكذلك للهجوم» (المصدر نفسه).

«في الماضي وردت أنباء تقول بأنه في أكتوبر توجد فكرة هجوم مشترك سوري ـ مصري، وعمليا فإن الجيشين المصري والسوري مرابطان في مواقع يستطيعان منها الخروج الى هذه الهجمات (المشتركة) والدفاع عن نفسيهما من نفس المواقع» (صفحة 1 ـ 2).

«وقد حصل هذه الليلة شيء غريب، حيث أرسل الروس بصورة مفاجئة، إحدى عشرة طائرة نقل ركاب الى الشرق الأوسط: خمسا الى سورية وستا الى مصر، وتخميناتنا تقول إن هذه الطائرات تهدف الى إخلاء شيء ما، ومن الواضح ان (هذا الشيء) ليس أجهزة بل ربما بشر.. وحتى الآن، طائرتان منها أقفلتا عائدتين، واحدة من سورية وواحدة من مصر. بالاضافة الى ذلك فإن جميع السفن الروسية تقريبا، التي كانت ترسو في ميناء الاسكندرية غادرت الميناء، وهو الأمر الذي لم يسبق أن حصل سوى مرة واحدة عندما أعلن المصريون عما أسموه «حرب سنة الحسم» (في الحقيقة ان الرئيس المصري أسماها سنة الحسم فقط من دون استخدام كلمة حرب). وكان ذلك في سنة 1971، وهي العملية التي تعني ان السوفيات يتحفظون من الهجوم المصري» (صفحة 2).

«أعود وأقول إن المعلومات المتوفرة لدينا تقول إن الاتحاد السوفياتي حاول التأثير على سورية ومصر بأن لا تبادرا الى الهجوم على اسرائيل. ومع ذلك، توجد لدينا تقديرات بأن النفوذ السوفياتي في هاتين الدولتين هو أ: قليل، ب: آخذ في الهبوط أكثر» (المصدر نفسه).

«علي أن أضيف انه في الأسبوع الأخير، نشرت العديد من المجلات الدعائية وايضا مصادر عسكرية سورية ومصرية، وكذلك مصادر إذاعية وصحافة، نشرت العديد من الأقاويل الصريحة حول استعدادات حربية نجريها نحن ضد سورية ومصر، واعتبر الروس والسوريون اسقاط 13 طائرة سورية في شهر (يقصد الشهر الماضي) بمثابة مكيدة ومصيدة هدفها تفسيخ العالم العربي، على خلفية اقامة الجبهة الشرقية وعزلة اسرائيل الدولية وبشكل خاص في الأمم المتحدة وفي مؤتمر قمة عدم الانحياز. العرب والروس فسروا هذا على انه خطوة اسرائيلية ضد اتجاه الوحدة العربية وضد اتجاه عزلة اسرائيل» (المصدر نفسه).

«وكما يبدو فإن الأمور التي قمنا بها نحن خلال الأسبوع الأخير زادت هي الأخرى من مخاوف المصريين والسوريين، مثل تدريبات المظليين في سيناء وتدريب التجنيد في هضبة الجولان والصعود بالدبابات الى الهضبة (الجولان)» (المصدر نفسه). «مع هذا، نحن ما زلنا نرى وبنسبة تقدير عالية أن الاستعدادات السورية والمصرية نابعة من خوفهم منا، وبنسبة تقدير عالية نرى أن الهدف الحقيقي للمصريين والسوريين هو تنفيذ عمليات عدائية محدودة. وعلى الرغم من ذلك، فإن الأمر الشاذ في كل هذا المسار هو وصول 11 طائرة الى مصر وسورية من دون تفسير. هنا نحن نرى فعلا شاذا» (المصدر نفسه).

«لا يوجد لدى المصريين ولا السوريين تفاؤل كبير بإمكانياتهم في تحقيق نجاح، إذا خاضوا معركة كبيرة، خصوصا انهم مدركون جدا تدني مستوى قواتهم الجوية. وطالما انه لا يوجد لديهم الشعور بأن بالإمكان التوصل الى وضع مريح في (سلاح) الجو، فلن يتجهوا للحرب وبالتأكيد ليس لحرب واسعة..» (صفحة 5).
 
رد: الوثائق الإسرائيلية

الوثائق الإسرائيلية (الحلقة السادسة عشرة) الجنرال زعيرا في شهادته: لا أعرف حتى الآن لماذا ومتى غيَّر السادات رأيه؟

لجنة التحقيق الإسرائيلية: الجمود السياسي هو الذي جلب حرب أكتوبر



تل أبيب: نظير مجلي
في هذه الحلقة من تقرير لجنة أغرنات للتحقيق في إخفاقات الجيش الاسرائيلي في حرب أكتوبر 1973، تجري عملية تحقيق معمقة لمواقف شعبة الاستخبارات العسكرية وتبدأ في تلخيص هذه المواقف فتصل الى ادانتها بالإهمال الفظيع في تحليل المعلومات التي وصلت اليها حول الاستعدادات الحربية في مصر وسورية.
وخلال استعراض شهادات رجال الاستخبارات العسكرية والأوراق السرية العديدة التي وصلت الى أيديها منهم ومن مصادر أخرى، تتوصل إلى القناعة بأن الرئيس المصري انتقى خيار الحرب ضد اسرائيل لأنها لم تبقِ له خياراً آخر. فقد فشلت كل المحاولات الدولية للتوصل الى تسوية سياسية في المنطقة تعيد الأرض العربية المحتلة وتنهي الصراع. وتحصل اسرائيل على وثائق تقول ان هدف السادات من الحرب هو ليس ابادة اسرائيل كما كانت تدعي القيادات الاسرائيلية طيلة سنوات وعقود، بل مجرد كسر الجمود السياسي القائم وتحريك المسار السياسي.

تؤكد اللجنة على صحة ما قاله العديد من المسؤولين المصريين الذين عارضوا الرئيس أنور السادات، مثل الفريق سعد الدين الشاذلي، رئيس اركان الجيش المصري في فترة الحرب، والصحافي الباحث محمد حسنين هيكل، بأن السادات لم يقرر أن يكون هدف الحرب تحرير سيناء بالكامل، بل تحرير قسم من أراضيها في الجهة الشرقية من القناة، حتى مضائق تيران جنوبا أو المتلي والجدي في الشمال، بهدف كسر الجمود وفرض مسيرة سياسية. وتلمح اللجنة الى ان القيادة السياسية تجاهلت هذا الموقف المصري، ولكنها لا تحاسبها على هذا الموقف الاستراتيجي المسبب للحرب، وتركز انتقاداتها على الاستخبارات العسكرية. وتتوصل اللجنة الى الرأي بانه وبالرغم عن توفر العديد من الأدلة على ان مصر يئست من الجمود وقررت أن تحارب وبدأت الاستعدادات للحرب بصورة علنية تقريبا واتخذت اجراءات عديدة تظاهرية تدل على انها تتجه للحرب، إلا ان الاستخبارات ظلت متمسكة بما سمي في اسرائيل بـ«الفرضية»، والتي تقول ان سورية لن تحارب إسرائيل وحدها وبأن مصر لا تنوي الحرب قبل عام 1975 لأنها تخشى من هزيمة جديدة شبيهة بهزيمة حرب 1967 وأنها قررت ألا تحارب إلا إذا حصلت على طائرات قتالية ذات مدى بعيد تمكنها من تغيير توازن القوى لصالحها في سلاح الجو وأن الاستعدادات الحربية الظاهرة في كل من سورية ومصر ما هي إلا تعبيرا عن الخوف من هجوم حربي اسرائيلي.

وتقرر اللجنة ان هذا الخطأ في التقدير يشكل خللا رئيسيا في الاستعدادات وبالتالي في افخفاقات الاسرائيلية في تلك الحرب. ولذلك نرى تحليلاتها وتلخيصاتها للحرب هي بمثابة لائحة اتهام للاستخبارات العسكرية.

وفيما يلي ننشر حلقة أخرى من هذا التقرير، الذي كما هو معروف كان سريا طيلة 34 عاما، وسمح بإماطة اللثام عنه فقط قبل عدة شهور. وما زالت وثائقه سرية:

في الختام، يجب أن نشير الى وثيقتين أخريين في موضوع تقديرات شعبة الاستخبارات العسكرية من يوم 5 أكتوبر (تشرين الأول) 1973؛ إحداهما هو نشرة أخبار أصدرتها دائرة البحوث في شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الساعة 13:15 ووزعت على رئيسة الحكومة ووزير الدفاع ورئيس أركان الجيش. وكما تمت الاشارة في البند 25 من التقرير الجزئي للجنة، فإن هذه النشرة تضمنت سلسلة طويلة من الاشارات التي تدل على النوايا الهجومية لمصر، ولكن في نهاية الفصل المتعلق بمصر كتب في البند 40 ما يلي: «على الرغم من ان أسلوب وضع تشكيلات الطوارئ في جبهة القناة (السويس) يحمل في طياته اشارات ظاهرية تدل على مبادرة للهجوم، فإنه حسب تقديرنا، لم يحصل أي تغيير في تقديرات المصريين حول توازن القوى بينهم وبين قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي. لذا فان احتمال أن يكون المصريون ينوون استئناف القتال هو احتمال ضعيف».

وبالنسبة لسورية جاء في البند 41: «لا يوجد تغيير في تقديراتنا بأن الخطوات السورية نابعة من الخوف، الذي تضاعف في اليوم الأخير، من عملية (حربية) اسرائيلية. احتمال عملية سورية منفردة (من دون المصريين) يظل منخفضا».

وأما بالنسبة لإجلاء عائلات الخبراء السوفييت ومغادرة السفن السوفياتية الموانئ المصرية، فقد تم تقديم التقدير التالي:

42. التطور الاستثنائي في اليوم الأخير هو الاستعداد لاجلاء عائلات الخبراء السوفيات من سورية (وربما من مصر) ومغادرة الوحدات القتالية في الأسطول السوفياتي موانئ مصر. وتشتمل هذه الاستعدادات على وصول 11 طائرة ركاب سوفياتية بشكل مفاجئ الى الشرق الأوسط.. بعضها عاد الى الاتحاد السوفياتي.

43. ان وصول هذه الطائرات الى كل من سورية ومصر ومغادرة السفن موانئ مصر يطرحان امكانية ألا يكون اجلاء العائلات من سورية نابعا من توتر في العلاقات بين السوريين والسوفيات، بل من مخاوف سوفياتية من توقع مبادرة عسكرية مصرية ـ سورية ضد اسرائيل. وكما سبق أن قلنا، فإننا نقدر بأن احتمالات القيام بعملية كهذه، هي احتمالات ضعيفة».

والوثيقة الثانية تتضمن تقديرا استخباريا كان قد أرسل في يوم 5 أكتوبر 1973 الى ممثلنا في واشنطن لكي يسلمه الى السلطات الاميركية.

في البند الثامن من هذه الوثيقة (وثيقة البينات رقم 269)، كتب (الاقتباس باللغة الانجليزية): «في تقديرنا ان الاستعدادات الحربية المصرية والسورية وبضمنها المناورات الحربية (التي تقوم بها مصر) جاءت تعبيرا عن الخوف من هجوم حربي اسرائيلي».

نحن نعتقد ان المبادرة الى حرب من الجيشين (المصري والسوري) ضد اسرائيل هي ذات احتمالات منخفضة. امكانية اجلاء المدنيين السوفييت ومغادرة غالبية السفن السوفياتية ميناءي الاسكندرية وبور سعيد، ربما يكونان ناتجين عن أزمة في العلاقات بين السوفيات ومصر وسورية أو كنتيجة لتقديرات السوفيات بأن أعمالا عدائية ستنشب في الشرق الأوسط.

50 . تلخيص ما ورد في الاقتباسات المنشورة في البنود الآنف ذكرها هو:

(1) الفرضية التي ذكرت سابقا تحولت الى استنتاج ثابت ومسبق لدى شعبة الاستخبارات العسكرية في موضوع التقديرات حول خطر الحرب. (2) كما في الفترة ما بين أبريل (نيسان) ومايو (ايار) 1973، كذلك في شهر سبتمبر (أيلول) (على اثر اسقاط 13 طائرة سوريّة) وحتى في الأيام المصيرية ـ وهذا هو الأساس ـ في الأسبوع الأول من شهر أكتوبر، وحتى الخامس منه وعموما، أصبح الاستنتاج المذكور أعلاه قاعدة أساسية في تقديراتها، وقد عبر عنها في مناسبات مختلفة أمام القيادات العسكرية والسياسية في الدولة، بقوله إن احتمال قيام مصر وسورية بهجوم حربي في نفس الوقت في الجبهتين على اسرائيل، هو أمر ذو احتمالات ضعيفة. وكان هذا كمن يقول إن هذا الخطر غير قائم تقريبا. (3) الشكوك التي ساورت رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية في يوم 5 أكتوبر، في أعقاب الأنباء القائلة إن الإجلاء المهرول لعائلات الخبراء السوفيات من سورية ومصر، لم تكن كافية لاجتثاث تأثيرات هذه الفرضية على تلك التقديرات من جذورها.

انتقاد الفرضية كعنصر حاسم في تقديرات شعبة الاستخبارات العسكرية 51. إذا أخذنا في الاعتبار الإشكالات التي تواجه رجال الاستخبارات في مجالي التقدير والتحذير، كما تم وصفها في البند 48 سابقا، و(أخذنا بالاعتبار) ان تقديرات الاستخبارات لا يمكن أن تكون شأنا علميا بمنتهى الدقة بحيث يمكن القول بشكل مؤكد إن الدولة الفلانية تخطط لشن حرب في المستقبل القريب (*)، فلا بأس بقيام رجال الاستخبارات باعتماد فرضية استراتيجية معينة تستند الى براهين راسخة من التجارب الماضية. فهذا الأمر لا يبدو لنا غير منطقي. ولكن، متى يكون هذا الطرح مناسبا؟ عندما تستخدم تلك الفرضية كتخمين خاضع للتجربة، يتم فحصها من آن لآخر وإخضاعها للمراقبة في ضوء الواقع المتغير والأنباء والحقائق الجديدة. فإذا لم يتم استيفاء هذا الشرط، من المُحتم أن يؤدي الالتصاق الزائد بهذه الفرضية، وجعلها مقياساً أساسياً في توجيه رجال الاستخبارات، الى اتجاه تفكير ضيق ومتعنت، بدلا من التزود بالتفكير المرن الضروري في مجال التقدير. في مثل هذه الوضعية، هناك خطر يواجه أصحاب تلك الطريقة المتقولبة في قالب واحد، بأن يعطوا للأنباء والوقائع الجديدة التي لا تتماشى مع نظرية الفرضية، تفسيرات متصنعة تفرغ الانذار من مضمونه من جهة وتبالغ في اعطاء وزن لتلك الأنباء التي لا تتناقض مع الفرضية والتي تبدو في الظاهر أنباء «مريحة». هذه هي العبرة، التي كما يبدو ان شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الاسرائيلي، لم تستفد منها، مع العلم بأن تجارب الماضي تعلم الكثير عن فشل الاستخبارات في اعطاء تقدير لأسباب مشابهة. على سبيل المثال (هناك دروس يتعلمونها من) الهجوم الياباني المفاجئ على بيرل هاربر سنة 1941، والهجمات المفاجئة للكوريين الشماليين والشيوعيين الصينيين في الحرب الكورية سنة 1950، وأزمة الصواريخ السوفياتية في كوبا سنة 1962.

في مقال في مجلة «foreigh affairs» نشر في شهر يوليو (تموز) 1965 تحت عنوان «كوبا وبيرل هاربر: الإدراك المتأخر والبصيرة» (hindsight and foresight)، كتبت روبرتا وولشتر: «التقرير الأحادي يضلل شريحة أصحاب الدراية ويدفعهم الى فلسفة القناعات الراسخة، وهذا ما قاد الى الخطأ الاستراتيجي في تقدير موضوع الصواريخ السوفياتية في كوبا..» (صفحة 701).

وفي هذا السياق، من المجدي أن نشير الى الظاهرة التي تحدثت عنها بداية المقال (المذكور أعلاه) (صفحة 691) وهي: «تعلم التجربة أن الأنباء التي تحذر من خطر داهم ويجب أن تؤخذ بالاعتبار (signals)، انما يجب أن تكون منافسة في بعض الأحيان للأنباء التي تدل على الاتجاه المعاكس، حتى لو كانت تلك أنباء كاذبة أو غير واقعية (noise). من هنا فإن من شأن هذه (الأنباء) الأخيرة أن تشوش معنى الانذار الكامن في أنباء النوع الأول وتلقي عليها ضبابية. وبنظرة الى الوراء، تقول الكاتبة، يمكن التفريق ما بين «التحذيرات» و«الصخب»، وهو الأمر الذي لا يحدث بشكل دائم قبل أن يقع الحدث الخطير.

وهكذا، يجب أن نلاحظ في هذه الظاهرة، بأنه إذا التصقنا بصورة متعنتة بفرضية معينة تتعلق بالتقدير الاستخباري، من دون مراقبة وفحص دائمين، فإن الأمر سيخلق «صخبا من شأنه أن يغطي على التحذيرات».

على أية حال، في نظرنا انه لم تكن مشكلة خاصة في أن نفهم منذ يوم الخامس من أكتوبر (وحتى في الأيام التي سبقته)، بأنه ازاء الأنباء التحذيرية والاشارات التي تدل على وجود استعدادات هجومية ميدانية لدى العدو (والتي سنفصلها لاحقا في البند «ب» و«د»)، يحوم خطر حقيقي مفاده ان مصر وسورية ستخرجان الى الحرب الشاملة وفي آن واحد ضد اسرائيل. وإذا كانت شعبة الاستخبارات العسكرية قد قدرت، رغم كل شيء، بأن هذا الخطر هو «ذو احتمالات ضعيفة»، فإن ذلك يعود فقط الى الفرضية التي أخلصوا لها والتي أبعدت جانبا كل تلك الأنباء والاشارات، لدرجة بدا انهم لا يريدون الدخول في مواجهة معها. من هنا، فإن المعلومات التضليلية وغير المجدية (مثل «التدريبات» في مصر والمخاوف السورية والمصرية من عمليات اسرائيلية هجومية) بالذات، والتي لاءمت أو لم تنقض الفرضية، هي التي احتلت موقع الصدارة في تقديرات شعبة الاستخبارات العسكرية، بالرغم من انه كان من المفروض ان يكون واضحا بأن الاعتماد عليها ليس مضمونا، كما سيتم التوضيح لاحقا.

صحيح ان الجنرال زعيرا رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية قال في شهادته أمام اللجنة انه في الأسبوع الأخير قبل نشوب الحرب، بحث في الأساس فيما إذا كانت هناك «معلومات عن حرب»، ولكنه لم يجدها، وأن «الفرضية كانت فقط بمثابة نظرة خلفية» (صفحة 1059). بيد انه أراد بأقواله هذه أن يضعف الانطباع بأنه في تلك الأيام كان للفرضية أثر حاسم لتقديراته المذكورة. ونحن مقتنعون بأنه في هذا المجال يجدر الاعتماد أكثر على أقوال رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية خلال جلسة المشاورات التي عقدت في ظهيرة يوم الخامس من أكتوبر بين رئيسة الحكومة والوزراء في تل أبيب. فكما نذكر، على الرغم من الشكوك التي ساورته ازاء الأنباء عن اخلاء عائلات الخبراء السوفيات من سورية ومصر، فقد أعرب عن رأيه بأن السوريين والمصريين «مدركون جدا لحقيقة تدني مستوى سلاح الجو لديهم وطالما انعدم الشعور بأنه بالامكان التوصل الى وضع مريح في الجو، لن يذهبوا الى الحرب وبالتأكيد ليس لحرب كبرى» (انظر خاتمة البند 49 (ط) سابقا).

على مثل هذه الحالات كتبت روبرتا وولشتتر (الكتاب المذكور أعلاه، صفحة 393): «واضح ان البشر يتسمون برابط عنيد مع قناعاتهم القديمة، وبمقدار العناد نفسه يقاومون المعلومات الجديدة التي تزعزع قناعاتهم». تفسير لنقض الفرضية المذكورة 52. حتى الآن وجهنا نقدنا باتجاه عملية التقولب (نسبة الى قالب) المتعنتة، التي تميزت بها تقديرات شعبة الاستخبارات العسكرية. وإذا انتبهنا الى نقاط ضعف هذا التوجه، تعالوا نفسر ما توصلنا اليه في البند 11 من التقرير الجزئي، وقلنا فيه: حتى لو كانت الفرضية الخاصة، التي احتاجتها شعبة الاستخبارات العسكرية، فرضية صحيحة في حينه، فإنها في كل الأحوال لم تفحص من جديد بالشكل الملائم، لا في جزئها الأول الحاسم ولا في أعقاب ضغط الظروف السياسية المتغيرة. وهذا يصح بشكل خاص اثر المعلومات الاضافية التي وصلت الى شعبة الاستخبارات العسكرية حول تعزيز قوات العدو بأسلحة اضافية. ولهذا فإنها مرفوضة عمليا.

أ. يجب الموافقة على ما جاء في وثيقة «الأساس المصري» للفرضية من مواد، كما وردت في المواد الاخبارية التي قدمها الجنرال زعيرا الى اللجنة (وثيقتا البينات رقم 3 و4). من هذه المواد، التي يمكن اعتبارها ذات طابع موثوق، تتضح الأمور التالية: (1) رغبة مصر القوية منذ حرب الأيام الستة (1967) لاستعادة الأراضي التي احتلتها منها اسرائيل وتمسكت بها حتى بعد حرب الاستنزاف. (2) مع الزمن، وبعد ان صعد الرئيس السادات الى الحكم توصل الى قناعة بأن على مصر ألا تكتفي بالوسائل السلمية فقط، وانه لكي يكسر الجمود في الوضع السياسي، تفتح أمامها (أمام مصر) الطريق للخيار العسكري ولو كان ذلك فقط على سبيل اعطاء دفعة للمسار السياسي بالاتجاه الذي تريد. (3) على الرغم من ذلك، اعترف حاكم مصر بعجزه عن شن حرب شاملة ضد اسرائيل طالما تتمتع بالتفوق الجوي، آخذا في الاعتبار تجربة الجيش المصري القاسية مع سلاح الجو الاسرائيلي في الحربين السابقتين وللأضرار الفادحة التي لحقت بمصر بسبب الضربات في العمق المصري خلال حرب الاستنزاف. (4) وعليه، فقد اشترط السادات ان لا تخرج مصر الى حرب شاملة ضد اسرائيل إلا إذا ضمنت لنفسها تفوقا جويا بواسطة امتلاك طائرات تفجيرية مقاتلة، تطير لمدى بعيد، بحيث تستطيع ضرب المطارات العسكرية في اسرائيل وشل حركة طائراتها عن ضرب العمق المصري أو التمكن من الرد على هذه الضربات في وسط التجمعات السكانية الاسرائيلية. لكن من يمعن النظر في هذه المواد يجد ان هذه الآراء تبناها السادات حتى ربيع 1973. فإذا كانت هذه المواد قادرة على البرهنة بأن المصريين فعلا تمسكوا بهذه الفرضية (أي الامتناع عن الحرب طالما لم يضمنوا التفوق الجوي)، فإنه لا يوجد اثبات على انها يمكن أن تشكل أساسا ثابتا للاعتقاد بأنهم استمروا في هذه القناعة لاحقا. ومن هذه الناحية فإن ما قاله رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية بأن من جاء ليضعضع الفرضية عليه أن يقدم البرهان على انها غير صحيحة (انظر البند 46 سابقا)، هو قول في غير محله. بل بالعكس، فما كان يحتاج الى اثبات ايجابي، هو القول انه على الرغم من الأنباء الجديدة التي وصلت في حينه الى شعبة الاستخبارات العسكرية كان من المنطق أن يستنتجوا بأن الفرضية صحيحة بالنسبة لمصر أيضا عشية نشوب الحرب.

وليس هذا فحسب، ففي شهادته أمام اللجنة، قال الجنرال زعيرا، انه كـ«الحكيم بعد فوات الفرصة»، أدرك بأن «السادات غيّر من وجهة نظره في وقت ما في ربيع أو صيف 1973». واضاف: «متى غيّر؟ ولأي سبب؟ لا أعرف حتى اليوم» ( صفحة 79 من البروتوكول). ولكن، من نفس المادة الاخبارية المذكورة (وثيقة البينات رقم 3)، يمكن الاستنتاج بأنه منذ بداية 1973 بدأت تظهر علامات انعطاف في موقف السلطات المصرية، (وذلك) عندما توصلت الى القناعة بأن قواتها العسكرية ستحارب اسرائيل بنفس الوسائل القتالية المتاحة لها، حتى ولو لم يتوفر شرط الحصول على طائرات قتالية تفجيرية تضمن التفوق الجوي، وهو الأمر الذي يتناقض مع الفرضية (الاسرائيلية).

ب. ينبغي الاشارة الى نقطة ضعف أخرى، مهمة جدا، بنفس أهمية الفرضية. كما تمت الاشارة آنفا، فإن السادات رأى في الحرب ضد اسرائيل وسيلة لا مفر منها لكسر الجمود السياسي المتعاظم ولدفع المسارات السياسية بالاتجاه الذي تريده مصر (أنظر وثيقة البينات رقم 3). كان في صلب تفكيره ان وضعية وقف اطلاق النار هي أسوأ وضعية وانه لا يوجد أمام مصر أي خيار سوى القتال، حتى في شروط عدم التفوق العسكري. وها نحن نجد هنا ان معلومات كانت بأيدي شعبة الاستخبارات العسكرية يفهم منها انه في موضوع الخيار العسكري، كان حاكم مصر مستعدا للاكتفاء ـ في المرحلة الأولى ـ بخطة عبور القناة بهدف السيطرة على مقطع شرقي قناة السويس في منطقة المتلي والجدي، وهي الخطة المختلفة عن خطة احتلال سيناء واستعادة الأراضي التي فقدتها مصر في حرب الأيام الستة (أنظر الأنباء التي وصلت من مصدر جيد في أبريل وفي نهاية سبتمبر 1973 ـ وثيقة البينات رقم 98 الوثيقتان 11 و56). ويتبين ان شعبة الاستخبارات العسكرية كانت على علم بالخطة المحدودة المذكورة أعلاه. وها هو الجنرال زعيرا يقول خلال اعطائه تقريرا عاديا لهيئة رئاسة الأركان في يوم 14 مايو 1973: «السادات يريد الحرب. انه معني باحتلال كامل سيناء. وفي الحد الأدنى يريد الوصول الى المعابر (المتلي والجدي). لكنه لا يفعل لأنه يخشى من هزيمة» (أنظر التسجيلات في وثيقة البينات رقم 211 الصفحة الخامسة. والتأكيد جاء منا). بهذه الروح جاءت أيضا شهادته أمام اللجنة: «ما عرفناه عنهم هو ان خطة الحد الأدنى لديهم هي في الوصول الى المضائق (مضائق تيران)» (بروتوكولات اللجنة صفحة 1052).

ما كان بارزا لدرجة فقء العين، هو ان المصريين كانوا على مقدرة وادراك بأنه في سبيل تحقيق هذا الانجاز يمكنهم الاعتماد على «المظلة» الكثيفة لشبكة الصواريخ المضادة للطائرات (sa-2, sa-3,sa-6) التي أقاموها قرب القناة والتي هدفت الى التسبب (مع المدفعية المضادة للطائرات) في خسائر لسلاح الجو الاسرائيلي ولإضعاف قدراته في ضرب العمق المصري ولمساندة الدبابات المصرية، وهذا كله كان على الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية ان تعرفه. نريد القول انه كان من المفروض ان يتم الانتباه الى الشعور (المصري) بأنهم قادرون على عبور القناة والإمساك بمناطق في الضفة الشرقية، طالما ان شبكة صواريخهم عاملة كليا أو جزئيا، وحقيقة ان صواريخ «sa-6» المتنقلة تتيح دفع شبكة الصواريخ هذه على الأقل لمرحلة السيطرة على معابر المتلى والجدي (مثل هذا التميز كان لدى السوريين، حيث ان شبكة الصواريخ لديهم كانت تغطي كل هضبة الجولان). وارتباطا بهذا، يجب التذكير بصواريخ أرض ـ أرض ذات مدى 300 كيلومتر (سكاد) وجو أرض (كيلت) التي كانت بحوزة مصر بهدف ضرب مراكز السكن المدنية، والتي ما من شك في انهم رأوا بها وسائل ردع في مواجهة ضرب العمق المصري يردون بها على مثل هذا القصف (ومثلها صواريخ «فروج» التي كانت بأيدي السوريين بهدف ضرب العمق في الدولة (الاسرائيلية).

ان هذه الأقوال قادرة على تفنيد الفرضية المذكورة أعلاه بشكل حاد، إذ لو نظرنا اليها حتى من منظار «الرؤية ما قبل الحدث»، فلا بد من الاستنتاج بأنه في الأيام التي سبقت الحرب لم يكن هناك مكان للاعتماد على التقدير بأن المصريين رأوا في امتلاك طائرات قتالية تفجيرية تضمن لهم التفوق الجوي وأن هذه الطائرات تشكل شرطا لا تنازل عنه في الحرب ضد اسرائيل. يشار هنا الى ان الجنرال زعيرا، عندما سئل في اللجنة، إذا لم تخطر بباله امكانية أن يكون المصريون يرون في شبكة الصواريخ ما يكفي لتحقيق هدفهم العسكري المحدود، الذي كان ذكره هو بنفسه، وبغض النظر عن قضية السيطرة الكاملة في الجو. وقد رد في البداية قائلا: «ما عرفناه عنهم أن خطة الحد الأدنى لديهم هي الوصول الى المعابر. والوصول الى المعابر غير ممكن من دون وضعية جيدة في الجو« (بروتوكول اللجنة، صفحة 1052).

ولكن، عندما أضاف أحد أعضاء اللجنة سؤالا قائلا: هذا هو الغرض من (الصاروخ) سام ـ 6» ـ أجاب: «نعم. وسؤالي هو: هل من أحد خطر بباله؟ والجواب هو: لا.. أنا لم التقِ أحدا لا في شعبة الاستخبارات العسكرية ولا في هيئة الأركان العامة، ولا في القيادة السياسية ولا في القيادة العسكرية، يتمتع بحكمة ما قبل العمل» (صفحة 1052 ـ 1053).

هذا الجواب غير مرضٍ بالتأكيد ولا يعزز الفرضية، بل العكس هو الصحيح. (*) نظرية الاستخبارات، هي مثل نظرية الأمن الشمولي، ليست نظرية ذات شبكة قوانين ثابتة يمكن اعتمادها في كل وضعية. انها تشكل نظام تفكير مساعدا لاستخلاص النتائج لدى كل من يحسن استخدامها.
 
رد: الوثائق الإسرائيلية

الوثائق الإسرائيلية (الحلقة السابعة عشرة) ـ رغم مرور 34 سنة على حرب 1973 إسرائيل تمتنع عن كشف أسرار مصادر معلوماتها في ليبيا

في ربيع 1973 وصل إلى إسرائيل نبأ من مصدر مميز جدا بأن السادات سيتجه إلى الحرب * تل أبيب ترصد نقل طائرات ميراج وقطع غيار من ليبيا إلى مصر



تل أبيب: نظير مجلي
لأول مرة في تقرير لجنة أغرنات للتحقيق في إخفاقات الجيش الاسرائيلي في حرب أكتوبر 1973، يتم التطرق الى وجود مصادر معلومات للمخابرات الاسرائيلية، تقدم المعلومات عن القدرات العسكرية الليبية، لدرجة ان الأنباء عنها وصلت بعد يومين من وقوع الحدث. فتنقل اللجنة على لسان رئيس الاستخبارات أن عدد طائرات الميراج الفرنسية التي وصلت الى ليبيا «حتى يوم الأول من أمس بلغ 71 طائرة».
وتحرص اللجنة الأمنية الخاصة في مكتب رئيس الوزراء الاسرائيلي، المخولة بنشر التقرير او الحذف منه، على منع نشر اية تفاصيل عن مصادر المعلومات، بالرغم عن مرور 34 عاما على الحرب تم خلالها كشف الكثير من المعلومات وكشف أسماء عدد من الأشخاص الذين زودوا اسرائيل بالمعلومات عن الحرب وبينهم زعيم إحدى الدول العربية ومقرب من الرئيسين المصريين، جمال عبد الناصر وأنور السادات. وتواصل اللجنة في هذه الحلقة تشريح أخطاء شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الاسرائيلي ورئيسها الجنرال ايلي زعيرا، بسبب نظرية «الفرضية» التي التصقوا بها واعتبرتها اللجنة بمثابة خطأ استراتيجي تسبب في مفاجأة الحرب. واليكم هذه الحلقة من تقرير لجنة التحقيق:

(ج) بالاضافة الى ذلك، يتضح من المعطيات الواردة في مواد البينات (التي ما زالت سرية حتى اليوم)، انه كانت بايدي دائرة البحوث في شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الاسرائيلي، قبيل الحرب، معلومات تؤكد أن مجرد الطرح الذي كان حجر الزاوية في الفرضية، مشكوك فيه بدرجة عالية. ولذلك لم تكن هناك مصداقية للاعتماد عليه. فكما نذكر، قالت تلك الفرضية إن مصر لن تخرج الى الحرب الشاملة ضد اسرائيل إلا إذا رأت نفسها قادرة على ضرب المطارات في العمق الاسرائيلي بشكل ناجع، وانها من أجل ذلك تحتاج الى خمسة أسراب على الأقل من الطائرات القتالية التفجيرية ذات القدرة على الطيران لمدى بعيد، وهو الأمر الذي ما كان ليتوفر قبل العام 1975. فهل كان هناك أساس لهذه الفرضية لدى شعبة الاستخبارات العسكرية؟ يشار الى ان فحص هذه المسألة سيتم فقط من الناحية النظرية ووفقا للمعطيات التي كانت متوفرة بأيدي شعبة الاستخبارات العسكرية في ذلك الوقت. ومن الناحية العملية فقد اتضح، في الحساب التراجعي للماضي، أن مصر لم تحاول في حرب الغفران (حرب أكتوبر) الهجوم على المطارات في العمق الاسرائيلي. وكما سنرى لاحقا، لا توجد أدلة على ان هناك ما كان يمنعها من ذلك بدعوى انها لا ترى نفسها قادرة على المحاولة. فمن الممكن مثلا ان سبب امتناعها يعود الى الخوف من رد اسرائيل بواسطة قصف العمق المصري.

فما الذي رآه المصريون ضروريا لهم، حسب رأي شعبة الاستخبارات العسكرية، لكي يستطيعوا مهاجمة المطارات في العمق الاسرائيلي؟ يقول الجنرال زعيرا في شهادته (صفحة 938 فصاعدا):

«في شهر يناير (كانون الثاني) 1973، أجرينا تقويما شاملا للوضع، وفي هذا التقويم قلنا انه في العام 1975 ستكون للمصريين خمسة أسراب طيران بمستوى طائرات الميراج. اننا نقدر بأن 5 أسراب طائرات رقم مناسب من ناحية المنطق لتوفير الشعور لدى المصريين بأنهم قادرون على شل سلاح الجو عندنا والطائرات على الأرض. فقد حسبوا بأنهم من أجل شل حركة طيراننا توجد حاجة بأسراب الطيران» (كذلك في صفحة 1041). يبدو لنا ان الفرضية بأن هناك حاجة لخمسة أسراب طائرات ميراج بالذات أو طائرات أخرى بمستواها، لكي تهاجم العمق الاسرائيلي بنجاعة، هي صحيحة ربما من الناحية الحسابية المجردة. ولكن ما يستدل من المواد التي كانت بأيدي شعبة الاستخبارات العسكرية، هو ان المصريين فكروا بشكل آخر، وقيادة سلاح الجو عندهم كانت مستعدة للاكتفاء بما هو أقل من سربي طيران وربما سرب واحد فقط. وقد أعطي لهذا الهدف تعبير محدد (انظر وثيقة البينات رقم 3).

لقد كانت تقديرات دائرة البحوث في شعبة الاستخبارات العسكرية ودائرة الاستخبارات في سلاح الجو الاسرائيلي مبنية منذ ربيع 1973 على فرضية أنه يوجد في مصر سرب واحد من طائرات الميراج الليبية وأن سربا آخر متوقع وصوله من ليبيا الى مصر:

(1) في تقرير خاص لشعبة الاستخبارات العسكرية يحمل الرقم 73/43 من يوم 14.4.1973 (وثيقة البينات رقم 124 صفحة 15)، ذكر انه من بين الاجراءات المتكررة التي تقوم بها مصر ويمكن تفسيرها على انها استعدادات لاستئناف الحرب، (نذكر):

«نصب سرب من طائرات الميراج من ليبيا بعد أن كان «قطار جوي» قد أحضر الى مصر الأجهزة الأرضية اللازمة، وجلب سرب طائرات هنتر من العراق. من المعقول أن يكبر عدد طائرات الميراج حتى ..(سربين)».

وكان تقدير شعبة الاستخبارات العسكرية (المصدر نفسه، صفحة 16، البند 31 (2) حذرا جدا: «الحصول على سربين من طائرات ميراج الليبية وطائرات هنتر العراقية وربما سربين آخرين من طائرات لايتننغ من دول عربية اخرى ـ وهي ذات مغزى سياسي فقط ـ لا تغير من توازن القوى بشكل جوهري في المنطقة. ومن المشكوك فيه أن تؤدي هذه الاضافة الى بث الشعور الخاطئ بأن مصر ستقدر على مجابهة اسرائيل في الجبهة الجوية. وهذا على الرغم من أن سربي طائرات ميراج (من طراز م ـ 5 كما يعتقد)، وهما أكثر ما يستطيع الليبيون والمصريون تخصيصه من جراء النقص في الطيران، يستطيعان تمكين مصر من اجراء محاولات لمهاجمة أهداف في العمق الاسرائيلي» (التأكيد من عندنا).

(2) في «عرض خطط سلاح الجو الى وزير الدفاع» في يوم 22.5.1973، يقول ضابط الاستخبارات في سلاح الجو، العقيد ر. هارليف، ردا على سؤال حول عدد طائرات الميراج بحوزة المصريين (وثيقة البينات رقم 253، صفحة 4) :

«اليوم يوجد لدى المصريين سرب واحد.. طائرات. نحن نعتقد انه مع زيادة المشتريات الليبية سيتم تحويل سرب آخر الى هناك، أي ما يعادل 35 – 40 طائرة».

ويقول حول الطيارين لحوالي 30 ـ 35 طائرة،:

«من ناحية التدريب انهم موجودون الآن في مرحلة (التدريبات) الميدانية وسيكون في مقدورهم مهاجمة أهداف صغيرة».

(3) وفي اطار تقديم «معطيات لتقدير هيئة القيادة العامة للأركان ـ مصر وسورية» في دائرة البحوث في شعبة الاستخبارات العسكرية من يوم 16 أبريل (نيسان) 1973 (وثيقة البينات رقم 115) يظهر في باب جدول العمل التنفيذي للجيش المصري، ما يلي:

«ميراج 5 : 1 ـ 2 سرب، 16 ـ 32 طائرة».

(4) في جلسة الحكومة من يوم 15.4.1973 (في صفحة 8)، قدم الجنرال زعيرا تقريرا للحكومة، (قال فيه) :

«في مصر توجد عدة اشارات تدل على استعدادات معينة للحرب. الأمر الأول: منذ نهاية مارس (آذار) وحتى مطلع أبريل (نيسان) تم تنظيم «قطار جوي» بين ليبيا ومصر.. فجلبت قطع غيار لطائرات ميراج من طرابلس في ليبيا الى مصر. وفي أعقاب جلب هذه الأجهزة، بدأت حركة طائرات ميراج من ليبيا الى مصر، بحيث اصبح الآن في مصر طائرات ميراج».

وفي الصفحة التاسعة من نفس المصدر:

«هذه الاضافة للطائرات القتالية في الجيش المصري، لا تشكل من الناحية الموضوعية على الأقل اضافة تؤدي الى تغيير حقيقي في توازن القوى في الجو، مع ان هناك احتمالا بأن يرى المصريون في اضافة طائرات الميراج أمرا ذا مغزى وأهمية أكثر جدية مما يظهر لنا، خصوصا انهم كانوا قد ادعوا في الماضي بأنه لا توجد لديهم طائرة تستطيع أن تصل الى وسط اسرائيل وتنفيذ ما يسمونه «تفجير العمق»، بينما اليوم توجد لديهم طائرات ميراج ومن الممكن أن تخلق لديهم الشعور بأنها الحل» (التأكيد من عندنا).

وفي الصفحة العاشرة، يجيب (زعيرا) على سؤال لوزير الدفاع حول عدد طائرات الميراج التي نقلت الى مصر، فيقول:

«حتى الآن، نحن نعتقد بأن عددها في مصر سيصل مع الوقت الى.. سرب واحد أو سربين. التعاقد بين ليبيا ومصر يتحدث عن 108 طائرات، في حين قامت فرنسا بتحويل 71 طائرة (ميراج) الى ليبيا حتى يوم الأول من أمس».

كما يبدو فإن أقواله تعتمد على وثيقة البينات رقم 98 (الوثيقة 26، صفحة 3، «اشارات ذات دلالة» البندان 1 ـ 2).

في وثيقة البينات رقم 96، الوثيقة 51 (السلسلة الأولى) يقول مصدر (البند 5) انه في نهاية أبريل ستظهر علامات تدل على ان طائرات ميراج ستهبط في مطار معين في مصر. وفي الوثيقة 48 من المصدر نفسه (جاء انه في) عشية اعلان الحرب سينقل من ليبيا الى مصر سرب اضافي من طائرات ميراج. وحسب السلسلة الثانية من الوثيقة 35 من يوم 24.4.1973:

«مصر حصلت حتى الآن على سربين من طائرات الميراج».

وفي شهر يوليو (تموز) 1973 عرف (وثيقة البينات رقم 98، وثيقة 43، صفحة 2) ان ليبيا لن ترسل الى مصر سربا ثانيا من طائرات ميراج وانه حتى ذلك الوقت كان قد وصل سربان من طائرات الميراج الى ليبيا ـ الأولى أنهت للتو تدريباتها التنفيذية والثانية ستنهيها بعد شهرين. وسيتم نقلهما فقط عشية نشوب الحرب.

في خبر وصل من مصدر جيد: الوثيقة 53 من نفس المصدر من يوم 3.10.1973 (تاريخ الخبر هو يوليو/ تموز1973)، (يقول): تمت ملاحظة وجود سربين من طائرات الميراج الليبية (30 ـ 35 طائرة) في المطارات المصرية خلال شهر أغسطس (آب).

حول الخبر الأخير شهد المقدم بندمن (صفحة 2530) بأنه غير صحيح ..................(هنا ترك فراغ كبير يملأ سطرا كاملا يبدو أن الرقابة شطبته واضافته الى المواد التي ما زالت تعتبر سرية ولم يفرج عنها في التقرير) (كذلك شهد الجنرال زعيرا في صفحة 5458 وصفحة 5692 فصاعدا). وبالمقابل علمنا من شاهد خبير في هذا الشأن بأنه لا يمكن لمصدر كهذا ......................(فراغ آخر).... أن يكون أمينا مئة بالمئة من دون تأكيد من مصادر أخرى (صفحة 5508 ـ 5510).

استنتاجنا من كل ما سبق ذكره حول موضوع طائرات الميراج هو:

(1) لا توجد أية ثقة بأن المصريين كانوا في رأي واحد مع شعبة الاستخبارات العسكرية بأن المطلوب لهم هو خمسة أسراب بالذات من الطائرات (المقاتلة). حتى شعبة الاستخبارات العسكرية شككت في هذا.

(2) سرب واحد وصل الى مصر في ربيع 1973 وكان يجب أن يؤخذ بالاعتبار، أنه حتى حسب تقديرات شعبة الاستخبارات العسكرية سيصل سرب ثان أو ان السرب الثاني سيكون بايدي مصر في حالة نشوب الحرب (ووجدت علامات (بعد الحرب) دلت على ان السرب الثاني قد يكون وصل قبيل اندلاع الحرب).

(3) بهذا تزعزع «حجر الأساس» في الفرضية (التي تقول فيها اسرائيل إن مصر لن تحارب لأنها قررت أن تحارب فقط عندما يكون لديها عدد من الطائرات القتالية ذات المدى البعيد، حتى تستطيع ضرب العمق الاسرائيلي)، حيث انه من المستحيل أن تبني على فرضية بأن المصريين، حتى في أكتوبر 1973، يرون أنفسهم غير قادرين على المبادرة الى حرب لأنهم لا يستطيعون ضرب العمق الاسرائيلي (وهذا، إذا تجاهلنا قدرات (مصرية) أخرى لضرب مراكز السكن الاسرائيلية تكمن في صواريخ «سكاد» والامتياز المصري الاضافي الكامن في مظلة الصواريخ المضادة للطائرات في حوزتهم والتي يواجهون فيها طائرات سلاح الجو الاسرائيلي). د. حسبما أشرنا أعلاه (البند 47)، وجد رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية تعزيزا للفرضية، بقوله انها صمدت بالامتحان في ثلاث حقب سابقة. كيف؟ أيضا في نهاية «سنة الحسم»، في ديسمبر (كانون الأول) 1972 وفي أبريل ـ مايو (نيسان ـ أيار) 1973، وصلت أنباء من مصادر جيدة تفيد بان السادات أعلن، سرّاً وعلناً، عن خيار الحرب وأنباء واشارات ميدانية دلت على ان مصر حشدت في منطقة القناة قوات كبيرة لا يقل حجمها عن القوات التي رابطت هناك في مطلع أكتوبر 1973. وعلى الرغم من ذلك، امتنع (السادات) في كل مرة عن اعلان الحرب، تماما كما توقعت شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الاسرائيلي بناء على نظرية الفرضية. من هنا، فقد أثبتت (الفرضية) نفسها وكان صحيحا اللجوء اليها أيضا في الأيام التي سبقت حرب الغفران.

في نظرنا، واضح أن هذا التوجه لطريقة الوصول الى التقديرات، التي هي في صلب عمل الاستخبارات العسكرية، هو توجه خاطئ من أساسه، بل انه يحمل في طياته أخطارا كبيرة. فهي تنطلق من الفرضية بأن ما جرى في الماضي هو الذي سيجري في الوقت الحاضر. بكلمات أخرى: التاريخ يعيد نفسه. من الطبيعي انه عندما لا يتم فحص ومراقبة الفرضية الاستراتيجية لما كان يؤمن به العدو في الماضي، على ضوء الواقع المتغير والأنباء والوقائع الجديدة، لا يمكن أن تعرف ما إذا كان يواصل الايمان بها في الحاضر. فقد تكون في هذه الأثناء قد أصبحت قديمة ولم تعد فيها روح. على سبيل المثال: في المقال المذكور (صفحة 701) تشير (روبرتا) وولشتتر الى انه في مساء يوم أزمة الصواريخ في كوبا كان لدى المخابرات الأميريكية تقدير خاطئ بأنه لا توجد في كوبا صواريخ سوفياتية متوسطة أو بعيدة المدى وان هذا الخطأ نجم عن «فلسفة الاقتناع» بأن أمرا كهذا لا يتماشى مع سياسة الاتحاد السوفياتي. والدليل ـ هكذا فسروا (رؤيتهم) ـ ان الروس لم ينصبوا في أية مرة مثل هذه الصواريخ في دولة تابعة، ولا يعقل أن يفعلوا ذلك في كوبا (بالذات) كونها قريبة من الولايات المتحدة، حيث أن مثل هذا الأمر سيؤدي بالضرورة الى رد فعل أميركي قاس:

«خروتشوف لم يضع أية صواريخ متوسطة أو بعيدة المدى في أية دولة تابعة في الماضي. من هنا فإنه بالتأكيد لن يضعها في جزيرة تبعد 9000 ميل عن الاتحاد السوفياتي و90 ميلا عن الولايات المتحدة، وهو يدرك بأن هذا هو استفزاز سيجر ردا أميركيا قاسيا».

وأيضا لو لم نكترث للنموذج المذكور اعلاه، فمن السهل البرهنة على ان عدم اندلاع الحرب في الفترات السابقة المشار اليها أعلاه، لا يعني ان هذا دليل كاف للقول ان الفرضية تصلح على طول الطريق. فأولا، كل ما يمكن استخلاصه من امتناع السادات عن الانطلاق للحرب في تلك الفرص هو أنه قد يكون متعلقا بالفرضية ولكن هذا لم يثبت بشكل قاطع. وهكذا هي القضية: لا يبدو من مواد البينات ان السبب الحقيقي لتراجع الرئيس المصري عن تنفيذ قراره الخروج الى الحرب ضدنا، معروف. على سبيل المثال، فإنه عندما سئل الجنرال زعيرا من أحد أعضاء اللجنة إن كان اندلاع الحرب الهندية الباكستانية هي التي اثرت على السادات في نهاية سنة 1971 ليتراجع عن قراره بالحرب، امتنع (زعيرا) عن اعطاء رأيه (بروتوكول اللجنة صفحة 91). وأما بالنسبة لامتناع مصر وسورية عن الخروج الى حرب في فترة أبريل ـ مايو 1973، فقد أكدت الأنباء المتشابهة ............................ (مرة أخرى تترك الرقابة الأمنية فراغا لإبقاء هذه المعلومة سرية) ان حكام البلدين استجابوا لطلب الروس بتأجيل استئناف الحرب الى ما بعد لقاء القمة بين نيكسون وبرجنيف، لعله يفضي الى حل سياسي يتوافق ورغباتهما (أنظر وثيقة البينات رقم 95، الوثيقة 44، ووثيقة البينات رقم 98، الوثيقة 33). لا حاجة الى القول بأنه لا توجد أية علاقة ما بين امتناع مصر عن الذهاب الى الحرب في الفترات المشار اليها، وبين الفرضية أبدا.

ثانيا، ان هذه الحقيقة بالذات، ان السادات امتنع ثلاث مرات متتالية عن اصدار أوامر بالحرب، على عكس تصريحاته، وبالرغم عن الاستعدادات المصرية الواسعة في منطقة القناة، كان يجب ان توقظ لدى شعبة الاستخبارات العسكرية في الأسبوع الأول من أكتوبر، الشعور بان هناك خطرا كبيرا بأن لا يرتدع في هذه المرة. والمبرر لهذا هو انه في أعقاب تصرفاته في تلك الفترة، التي انتهت من دون أي عمل حربي، تعرضت مصداقيته الى الطعن من الشعب المصري والعالم العربي بأسره وضعفت مكانته كرئيس للدولة المصرية. وتبعا لذلك، فإن الدكتاتور المصري ـ هكذا كان يجب على شعبة الاستخبارات العسكرية أن تفكر ـ ما كان ليخاطر من جديد في تدهور اضافي في مكانته. والبرهان: في ربيع 1973 وصل الى اسرائيل نبأ من مصدر مميز جدا، جاء فيه بأن هناك درجة عالية من الثقة بأن السادات سيتجه الى الحرب وانه إذا لم تنشب الحرب حتى بداية الخريف فإن مكانته ستصبح في خطر (وثيقة البينات رقم 98، الوثيقة 36). كذلك وصل نبأ في أغسطس 1973، من مصدر جيد آخر، يتحدث عن ان مصر وسورية اتفقتا على مبادئ الخطة المشتركة للمواجهة على اثر تدهور مكانة السادات (وثيقة البينات رقم 98، الوثيقة 34).

بيد ان الجنرال زعيرا قال في شهادته (صفحة 1006): «الأمر الأول الذي رأيناه كحافز من شأنه أن يدفع بالسادات الى الحرب هو خوفه من مصير حكمه شخصيا. لكنني أريد الاشارة الى ان السادات انطلق الى الحرب في الوقت الذي لم يكن حكمه الشخصي في خطر». ووجدنا ان الخبرية التي وصلت في سبتمبر (أيلول) 1973 والتي جاءت متأخرة عن تلك الأنباء المذكورة أعلاه، قالت انه في الآونة الأخيرة بدأت تتحسن صورة السادات داخل مصر وبدأت تتعزز مكانته (وثيقة البينات رقم 92، الوثيقة 219). ولكننا نعتقد بأنه حتى لو كانت هذه الخبرية ملائمة لأقوال رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية ويجب أخذها بالاعتبار، يجب أن لا نراها متناقضة مع ما نقول. إذ ان كل ما يفهم منها هو ان تحسنا جرى على صورة السادات ومكانته في مصر. وينبغي ان نلفت النظر الى ان في الخبر الأخير تمت الاشارة الى ان في مصر توجد مشكلة جدية من جراء النقص في المواد الغذائية، فإذا لم يعرف السادات كيف يعالجها في الوقت القريب فإنه سيواجه وضعا خطيرا وأن هذه هي أصعب نقطة ضعف في النظام المصري الحالي. ففي مثل هذا الوضع، كان من الممكن التقدير بأن الطاغية المصري حساس ازاء الخطر الذي قد يسببه أي تحرك من شانه أن يضع حدا للتحسن الطارئ على صورته وتعزيز مكانته ويؤدي الى التدهور من جديد. من هنا فإنه إن كان خاف من شيء، فإنه الخوف من أن يتزعزع نظام حكمه الشخصي إذا ما امتنع مرة رابعة (عن الحرب)، بعد أن أجرى كل الاستعدادات اللازمة حتى لحظة اعطاء الأمر. ويشار الى اننا توصلنا الى هذا الاستنتاج أيضا من دون الاعتماد على ما هو مكتوب في الخبرين الأولين، لأنه كان واضحا من ناحية المنطق.

وأكثر من ذلك: إذا تذكرنا بأن حشودات القوات المصرية عشية الحرب في محيط القناة «بحجم لم نعرفه من قبل» (حسب نشرة الاستخبارات من يوم 5.10.1973 وثيقة البينات رقم 111) ـ على عكس ما قاله رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية بأن القوات المصرية التي حشدت هناك في كل مرة من المرات الثلاث السابقة لم تكن بأقل حجما (من الحشودات الحالية) ـ فلا يكون مفر من الاستنتاج بأنه في الأسبوع الأول من أكتوبر كان هناك خطر حقيقي بأن لا يقف الرئيس المصري هذه المرة مكتوف اليدين وسيعلن الحرب (في هذا السياق أنظر البند 72 لاحقا). يتضح مما سبق، بأن تصرفات حاكم مصر في الحالات السابقة لم تكن لتصلح أن تصبح دليلا على صحة استمرارية الفرضية وحيويتها في الأسبوع الأول من أكتوبر، كما اعتقد رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية. وحسب رأينا، فقد وقع حينئذ في خطأ مهني نتيجة للتأثير الزائد لتوجهه «التاريخي» في التقدير بأن الحرب لن تنشب. ويجب أن نضيف بأن الحيرة التي أصابته وجهازه، لم تكن في محلها. فقد قال الجنرال زعيرا في شهادته، بأنه إذا قدم التحذير هباءً وصاح «ذئب..ذئب» في كل مرة يخلق فيها العدو حالة توتر في الجبهة فستضطر الدولة الى استدعاء الاحتياط «سبع مرات في السنة» (انظر البند 48 آنفا)، وهذا القول ليس ملائما لا من الناحية المبدئية ولا من ناحية الوقائع.

من الناحية المبدئية ـ وسنتطرق اليها بمزيد من التفاصيل (انظر البندين 71 ـ 73 و90 و103 لاحقا) ـ لأنه في وضع اسرائيل الخاص تلزمه وظيفته المهنية كرئيس لشعبة الاستخبارات في جيش الاحتلال الإسرائيلي بان يأتي في كل مرة يطلب منه تقويم الخطر الفعلي بوقوع الحرب أم لا، بأن يحدد تقديراته الجديدة، سلبا أو ايجابا، فقط على أساس وزن الوقائع والمعلومات العينية وفحصها بشكل مباشر بما في ذلك المعلومات ذات الطابع التحذيري. وحاشا له أن يكون قلقا من الخطر الكامن في اعطاء تحذير بأن حربا ستقع، بأن التحذير سيكون وهميا، حتى لو حدث مثل هذا الأمر في الماضي. ومن ناحية الوقائع ـ ونريد أن نجملها هنا ـ رأت شعبة الاستخبارات العسكرية بأنه ثبت في المرات الثلاث السابقة بأن المصريين لم يخرجوا الى الحرب الشاملة ولذلك فقد امتنع عن التحذير بوجود خطر كهذا حتى لا يتم تجنيد شامل لقوات الاحتياط في كل منها (بالنسبة للفترة ما بين أبريل ومايو 1973 عندما ساد التوتر على الحدود مع مصر ومع سورية، أنظر شهادة الجنرال العزار (رئيس الأركان) صفحة 3821 : «في تلك الواقعة لم يستدع الاحتياط»، كذلك شهادة الجنرال طال (نائب رئيس الأركان) في صفحة 3074: «جندنا بضع عشرات من جنود الدفاع المدني، 38 شخصا»). وقد وجدنا ان ظاهرة (الصراخ) «ذئب .. ذئب» لم يكن لها أساس ولا أصل في تجارب الماضي وما كان يجب ان تقلق شعبة الاستخبارات العسكرية عندما يعطي تقديراته بخصوص خطر نشوب الحرب في الأسبوع الأول من أكتوبر 1973.
 
رد: الوثائق الإسرائيلية

الوثائق الإسرائيلية (الحلقة الثامنة عشرة) ـ معلومات وصلت إلى الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية من مصدر مهم عن الحشود السورية

طائرات التجسس الإسرائيلية كانت تحصي في كل يوم عدد الضباط الذين يزورون الجبهة



تل أبيب: نظير مجلي
تكشف حلقة اليوم من تقرير لجنة أغرنات للتحقيق في اخفاقات حرب أكتوبر 1973، جانبا آخر من أساليب الجيش الاسرائيلي، يشير الى مدى أهمية وخطورة أجهزة المخابرات، وخصوصا جهاز الاستخبارات العسكرية، وما يبذله من جهود خارقة وما يصرفه من أموال طائلة، على رصد تحركات الجيوش العربية. وقد بلغت هذه الجهود حد رصد وتعداد عدد الزيارات التي يقوم بها ضباط الجيش الى الوحدات المحتشدة على الجبهة.
ولكن، هذه الجهود، وبقدر ما تكشفه عن ضخامة حجم المؤسسة العسكرية الإسرائيلية بمختلف أذرعها، كان أيضا مثار غضب لجنة التحقيق. حيث انه لم يحقق الهدف الرئيسي الذي صرفت من أجله تلك الأموال وبذلت لأجله تلك الجهود. فالعنجهية العسكرية تغلبت على كل الإنجازات الاستخبارية. وتواصل اللجنة في هذه الحلقة أيضا مقارعة جهاز الاستخبارات العسكرية وقادته الكبار والصغار، على أنهم رأوا بعيونهم المتعددة الاتجاهات، كل التحضيرات الحربية المصرية ـ السورية ولكنهم أصروا على ان هذه ما هي إلا تعبير عن الخوف من الجيش الاسرائيلي ومحاولة للدفاع عن النفس أمام هجوم عسكري إسرائيلي يتوقعونه.

يشير التقرير الى ان من بين أسباب فشل الاستخبارات الإسرائيلية في قراءة النوايا العربية لشن الحرب لاستعادة أراضيهم المحتلة، هو تكرار لفشل شبيه سقطت فيه المخابرات الأميركية إبان الحرب العالمية الثانية، عندما استخفت باليابان وقررت انها لن تجرؤ على مهاجمة قواتها.

وفي ما يلي ما ورد في التقرير: «(هـ) ينبغي أيضا انتقاد المنطلق الذي كان بمثابة البناء الذي قامت عليه نظرية الفرضية والتي بموجبها ينبغي التفريق بين القدرات العسكرية (capability) وبين نية اعلان الحرب (intention).

ولأقل بكلمات الأخرى [كاتب تقرير اللجنة يستخدم هنا خطابا فرديا] ان الأمر الأول [أي القدرات العسكرية] لا يدل بالضرورة على الأمر الثاني [النية لاعلان الحرب]، وليس من المفروض أن يكون حاسما في التقديرات الاستخبارية ولا أن يكون المعتمد الأساسي في عمل رجال الاستخبارات. وكما تمت الاشارة آنفا (البند 46)، اعتمدت شعبة الاستخبارات العسكرية على هذه الفرضية قبيل الحرب، فقررت بأنه توجد قدرة تقنية لدى القوات البرية المصرية بأن تعبر القناة ولكن الرغبة في تنفيذ [هذا العبور] لم تتبلور لديهم بعد، وذلك بدافع من شعورهم بأنهم ما زالوا يعانون من انعدام امكانية السيطرة في الجو. ومن رأينا انه حتى لو كان صحيحا من الناحية النظرية، أن يتم التفريق ما بين "القدرات" و"النوايا"، فإنه لم يكن مكان لتطبيق هذا على الوضع الذي سبق حرب يوم الغفران ولم يكن ممكنا أن يساعد الفرضية. ونوضح أقوالنا:

إننا نوافق على انه ليس من الصحيح، في كل حالة، بأن نخرج باستنتاجات بشأن نوايا الدولة الخصم للذهاب أو عدم الذهاب الى الحرب، وفقا لقدراتها أو وفقا للقيود التي تكبلها. من هنا، فمن واجب رجال الاستخبارات أن يتبعوا الحذر قبل أن يقدموا على «المزج» ما بين «القدرات» و«النوايا». الباحث إتش. إتش. رانسوم (H.H.Ransome) في كتابه عن المخابرات الأميركية «Central Intelligence and National Securety» (صفحة 57)، يقدم مثلا على هذا الموضوع حول الفترة التي سبقت الهجوم الياباني على بيرل هاربر في ديسمبر [كانون الأول] 1941 فيقول ان الأميركيين لم يؤمنوا بأن اليابان تستطيع أن تهاجم القاعدة العسكرية الموجودة هناك، وهذا لم يكن صحيحا. لهذا، لم يؤمنوا بأنه كان في نية اليابان في ذلك الوقت أن تنفذ الهجوم. ومع ذلك، فمن المحتمل أن تتطور أحداث خاصة يكون فيها تبرير عادل لإعطاء تقديرات [استخبارية] تربط رباطا وثيقا ما بين الأمرين [القدرات والنوايا]، من المفهوم القائل بما يلي: [في تلك الأحداث الخاصة]، بالامكان أن تكون القدرات العسكرية للدولة الخصم سوية مع وصول معلومات تحذيرية أخرى ووسط ظروف خاصة، يمكن أن تشكل دليلا على ان لديها ما يكفي من النوايا للقيام بهجوم. لن يكون زائدا أن نعرض هنا نظرية المخابرات الفرنسية في هذه القضية، كما وردت في شهادة الجنرال في الاحتياط، [أهرون] يريف (الذي سبق الجنرال زعيرا في منصبه كرئيس لشعبة الاستخبارات العسكرية)، والتي وضعت التركيز على جانب «القدرات» بالذات، لكي تتوصل الى الاستنتاجات بخصوص النوايا. وهذه أقواله في الصفحة 3262 من بروتوكول اللجنة:

"سؤال: ربما تسمعنا ما يقوله الفرنسيون؟

أ. يريف: قالوا في حينه: يجب اجراء تشريح جيد للقدرات، الممكن (possibilite) وليس النوايا (intention). الممكن هو الذي تستطيع عمله من خلال القدرات. من خلال الممكن، أعط تقديرك حول الأمر المرجح حدوثه. لا تقل بأن هذا هو ما ينوي العدو عمله..

سؤال: ماذا تعطي من خلال الممكن؟

أ. يريف: ما هو الأكثر احتمالا والأقل احتمالا.. ».

في ضوء كل هذه الأمور، يجب أن نؤكد انه إذا أخذنا بالاعتبار بأن حاكم مصر قرر ان اللجوء الى الخيار العسكري هو السبيل الوحيد بالنسبة له كي يخرج من «الطريق السياسي المسدود»، وانه من أجل ذلك يكتفي في المرحلة الأولى، بوضع هدف عسكري هو الوصول الى المعابر في سيناء ثم يتوقف، فإن من المنطق أن ترى الحقيقة ان القوات البرية المصرية كانت مؤهلة (حسب تقدير شعبة الاستخبارات العسكرية) لعبور القناة. فهذه شهادة مهمة، دلت على ان لدى العدو نوايا مقدرّة لشن الحرب. وقد قلنا «نوايا مقدرة» وليس «مؤكدة» لأنه – وكما قال دي فيرد، من المستحيل أن تعرف بشكل مؤكد ما هي نوايا العدو الحقيقية (intelligence on enemy intention is never clear).

خلاصة الأمر، ان شعبة الاستخبارات العسكرية وباعتمادها – غير الصحيح في ظروف هذا الحدث ـ على التفريق المذكور ما بين القدرات والنوايا، قد تجاهلت عن سبق تعمد وإصرار ذلك الرابط القائم ما بين العنصرين في هذه الحالة وتجاهلت المعطى القائل إن مصر تملك القدرات التقنية على عبور القناة، مما ساهم بالضرورة في اعطاء التقدير الخاطئ بأن هناك احتمالا ضعيفا لأن تذهب سورية ومصر الى حرب شاملة.

د. في الختام، يجب ان نذكر، في غير صالح الفرضية، حقيقة الدمج من الناحية الزمنية ما بين استعدادات الجيش المصري في جبهة القناة وبين استعدادات الجيش السوري في جبهة هضبة الجولان. فهي تمت على نطاق واسع لم يسبق له مثيل وبطريقة تمكن من الانتقال الفوري من حالة الدفاع الى حالة الهجوم، وفقا للمذهب الروسي [في القتال]. أريد القول إن مجرد الدمج المتزامن لانتشار الجيش المصري في الجنوب والجيش السوري في الشمال، عشية الحرب، كان يجب أن يضعف ذلك التمسك بالفرضية (حول قوة سلاح الجو المصري) والإتيان بتقديرات استخبارية جديدة، تفيد بان الحرب قد تنشب آنذاك على الجبهتين. في هذا المكان، أعطت الاستخبارات العسكرية رأيها في الأبعاد التقنية لذلك الاستعداد العسكري ووجدت لها تفسيرات أخرى ([ما يجري هو ليس سوى] تدريبات في مصر، مخاوف سورية ومصرية من عملية هجوم إسرائيلي)، تفسيرات ننتقدها نحن في فصل آخر من تفسيراتنا [تقريرنا].

وليس هذا فحسب، بل في الجزء الثاني من الفرضية (سورية لن تذهب الى الحرب من دون مصر)، يجب القول إن تركيز التشكيلات [الحربية] المصرية حقق الشرط المطلوب – ليس بشكل كاف – لنشوب الحرب على الجبهتين، الأمر الذي كان من الواجب أن يلزم شعبة الاستخبارات العسكرية بأن تعيد حساباتها، فلعلها في هذه الظروف الناشئة، قد أخطأت في تقديراتها بالنسبة للجزء الأول من الفرضية. وما نريد تأكيده هنا هو انه بسبب من تأثير الفرضية، لم تتصرف شعبة الاستخبارات العسكرية بالشكل الملائم ازاء التحذيرات الكامنة في هذه الظاهرة [التنسيق المصري ـ السوري].

وفي تلخيصنا لهذا الفصل نشير الى انه في الأيام الأولى من أكتوبر، ساد رأي لدى العدو بأنه على الرغم من الأحابيل وعمليات التضليل التي نفذوها، فإنه من غير المعقول أن لا تكون الاستخبارات الاسرائيلية متنبهة الى نشاطاتهم وتحركاتهم [العسكرية]، كما يتضح من اخبارية موثوقة وصلت الينا عشية الحرب (وثيقة البينات رقم 98، الوثيقة 66).

الى هنا ينتهي تحليل نقاط الضعف وما نجم عنها من مساوئ في الفرضية، وفيه يتضح بأنها [الفرضية] لم تكن صالحة للاستخدام كقاعدة لإعطاء التقديرات حول نوايا العدو، في الأيام التي سبقت حرب يوم الغفران، بل انها قد نقضت بشكل عملي، كما جاء في البند الحادي عشر من التقرير الجزئي.

الفرضية والتأمين الثانوي لشعبة الاستخبارات العسكرية 53. رأينا آنفا (البند 46)، انه من أجل الحصول على تحذير حول الحرب، اعتمد رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية، بالأساس، على مصادر معينة ذات باع واصل [يقصدون أنه يتمتع بعلاقات وثيقة في مواقع القرار العربي] ومصداقية عالية. وقد أكد أنه رأى في تلك المصادر بمثابة «التأمين» الذي يعطيه للفرضية. وقال انه حتى إذا تزعزعت فإن البرهان لذلك أيضا جاء عن طريقها. ولكنهم، بأوامر من الجنرال زعيرا، لم يتوجهوا الى هذه المصادر بالشكل المناسب في الأيام المصيرية (أنظر التقرير الجزئي، نهاية البند 11، صفحة 8).

ونضيف الى هذا الموضوع بعدا آخر، حيث ان التقارب الزمني ما بين القضايا المطروحة وبين الفرضية، يتيح لنا أن نتطرق اليه هنا. ونقصد بذلك ان رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية آمن بثقة مبالغ فيها بأنه لو افترضنا ان الفرضية قد أكل الدهر عليها وشرب [أصبحت باهتة]، فإن المصادر المذكورة ستوفر على الأقل أنباء تتضمن «مؤشرا قاطعا» – كما تفوه ـ بأن العدو ينوي الهجوم (بروتوكول اللجنة، صفحة 686). ربما لم يتوقع الجنرال – كما قال في شهادته – (صفحة 1032)، أن «الخبر سيأتي بإعلان واضح ويقول ان الحرب ستنشب في هذا التاريخ أو تلك الساعة. بل انه قد يكون خبرا نصف التفافي يتعلق بالحرب، ومشاكل العبور وقضية إطلاق الطلقة الأولى وقضايا عديدة أخرى تتعلق بالحرب». وقال: «لا يوجد خبر واحد يمكننا القول عنه انه خبر يتحدث عن الحرب وليس عن تدريبات..» (المصدر نفسه). وأضاف في صفحة 1033: «في ذلك الوقت افترضت .. بأنه إذا كانت هناك نية للدخول الى حرب، فمن المحتم أن ياتي ولو خبر واحد يلمح الى انها حرب وليست تدريبات». وينبغي التأكيد هنا بأننا عندما اشرنا الى الشهادة المذكورة أعلاه كبرهان على الثقة غير المحدودة للجنرال زعيرا بتلك المصادر كما لو انها [بوليصة] تأمين ثانوي [يستخدم] في حالة ضعضعة الفرضية، لم نقصد أن ننتقص بشيء من الأهمية الكبرى لهذه المصادر، حيث انها وفرت لنا معلومات استخبارية ذات قيمة عليا، بما في ذلك معلومات تحذيرية [عن الاستعدادات للحرب]. ولكن من الواضح ـ وهذا هو البعد الآخر للموضوع ـ أنه لم يكن مكان لذلك الشعور بالثقة لدى رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية، في انه عن طريق هذه المصادر سيصل «بالضرورة» الخبر الذي يتضمن "مؤشرا قاطعا" أو حتى خبرا "التفافيا" بأن الحرب ستنشب. لا مكان للتفسير هنا بأن الفرضية، التي فندت وجود هذا الخطر [بالحرب] لا تزال متحكمة في الساحة [في الموقف الاسرائيلي].

ان التجارب الاستخبارية تعلم ـ وهذا من طبيعة الأمور ـ بأن العدو سيعمل بكل قوته لكي يخفي أو يحيط بالضبابية نواياه في الإقدام على هجوم مفاجيء، ولكي يمنع تسريب أي نبأ من شأنه أن يكشف عن هذه النوايا. لهذا، فإننا نرى انه كان هناك احتمال فعلا بأن تصل بواسطة تلك المصادر، معلومات موثوقة لا تترك مجالا للشك في ان الحرب ستنشب. ولكن هذا لا يشكل ضمانة لهذا الهدف. ومن الممكن القول بأن رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية، باعتماده تلك المصادر كورقة تأمين في حالة فشل الفضية، انما كشف عن أجواء بدأت تلوح في الأفق. نحن لا نقول انه ذهب بعيدا بأفكاره الى هذا الحد. لكنه بدلا من الإركان انه في حالة فشل الفرضية فإن معلومات ستصل من تلك المصادر تكشف بشكل واضح وحاسم المؤامرة المصرية في الهجوم أو تلمح اليها بوضوح. لقد كان من واجب رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية ورئيس دائرة البحوث في شعبة الاستخبارات العسكرية أن يجري الحساب بشكل جيد حول جميع الإخباريات التحذيرية التي وصلت، وحول الإشارات التي لوحظت على الأرض ودلت [على الاستعدادات للحرب]، لعل تراكماتها وملحقاتها تلزم بالتقدير أن خطر الحرب داهم. ولكن، بغض النظر عن كل هذا، فإن البارز هو ان الثقة غير المحدودة في التأمين الثانوي المذكور [الاعتماد على المصادر المذكورة]، عززت التمسك المتعنت بالفرضية حتى النهاية تقريبا.

الفصل الثاني

* المعلومات التي كانت في حوزة شعبة الاستخبارات العسكرية حتى يوم الرابع من أكتوبر وعموما

* ملاحظة: سنخصص بحثا مستقلا حول الإخباريات التي وردت في اليومين الأخيرين [قبل الحرب] في البنود من 75 وحتى 89 لاحقا.

(1) تعاظم قوات العدو 54. لقد سبق وذكرنا آنفا (البندين 7 و8 ) حول تعاظم قوة الجيشين المصري والسوري بالأسلحة الدفاعية والهجومية من مختلف الأنواع في سنتي 1972 و1973 وحتى نشوب حرب يوم الغفران. هذه الأسلحة وخطة العمل التي تدرب عليها جيشا مصر وسورية عدة مرات، رفعتا من القدرات القتالية لهذين الجيشين بشكل كبير وعززتا من إرادة الخروج الى الحرب ضد اسرائيل، وهي الإرادة التي كانت قائمة دائما وأبدا. هذه الحقيقة، كان يجب ان تؤثر بمدى متصاعد على تقديرات شعبة الاستخبارات العسكرية باتجاه الفحص الدائم من جديد إذا ما كان صحيحا في فترات التوتر السابقة، ما زال صالحا في خريف 1973، عندما وقف جيشا مصر وسورية في مواجهة اسرائيل مدججين بالأسلحة الجديدة بعد تدريبات متواصلة على عبور الجيش المصري القناة. (2) تعزيز إضافي للقوات السورية والمصرية 55. عنصر تحذير أكثر عينية، كمن في تعزيز القوات السورية والمصرية في الأيام التي سبقت الحرب، بمدى لم يسبق له مثيل، وهي [القوات] في حال تأهب قصوى وموجهة جميعا نحو الجبهة الإسرائيلية. التفاصيل حول هذه التعزيزات ذكرناها آنفا (في البندين 11 ـ 14)، وأشرنا انه منذ 30 سبتمبر [أيلول]، أعلنت الاستخبارات العسكرية أن «التشكيلات الحربية السورية لم يسبق لها مثيل حتى اليوم».

التصوير الجوي من يوم 2 أكتوبر [تشرين الأول] كشف 640 دبابة و16 بطاريات مدفعية (بينها مدافع القيادة العامة للأركان). كذلك فإن كتيبة وصل تابعة لقيادة الأركان قد تركت مواقعها الثابتة، وفي القطاع الأوسط اكتشفت 13 دبابة جسر (شهادة الجنرال [يتسحاق] حوفي، صفحة 1840 فصاعدا، نشرة يوم 3 أكتوبر في وثيقة البينات رقم 111، صفحة 1 ـ 2، رسالة الجنرال شلو من يوم 22.3.1974 في ملف وثيقة البينات رقم 317). وتم دفع طائرات سوخوي الى الأمام نحو مطاري دمير وبلاي، على مقربة من الجبهة مع إسرائيل (نشرة 416/73 من يوم 2 أكتوبر صفحة 5، ووثيقة البينات رقم 146 الوثيقة 10، وشهادة الجنرال بيلد صفحة 1954 و 1962).

في اليوم نفسه وصلت الى شعبة الاستخبارات العسكرية إخبارية من مصدر مهم.......... [الفراغ هنا يدل على شطب آخر من الرقابة الأمنية] تقول إن «الحشودات السورية متواصلة منذ عدة أيام في الجبهة بشكل واسع لم يسبق له مثيل. معظم الوحدات العسكرية السورية نقلت من مكانها العادي الى الجبهة والجيش يقف في حالة تأهب هي القصوى. كذلك ورد أن الضباط [السوريين] لا يستبعدون انفجار مواجهة قريبة مع اسرائيل» (وثيقة البينات رقم 146، الوثيقة 10أ). وأضافت تقديرات شعبة الاستخبارات العسكرية بأن «الجهد السوري متجه نحو الردع بسبب الخوف من عملية اسرائيلية» (المصدر نفسه، صفحة 5).

في 3 أكتوبر نفذت طلعة جوية للتصوير على جبهة القناة ولكنها فشلت لأسباب تقنية. وفي طلعة ثانية ناجحة تمت في 4 أكتوبر، دلت الصور التي تم تحليلها في الليلة نفسها على أن «المصريين وضعوا تشكيلاتهم الحربية في حالة تأهب كامل في محيط القناة، أعلى من أية حالة تأهب في اية مرة سابقة» (نشرة شعبة الاستخبارات العسكرية من يوم 5 أكتوبر الساعة 13:15)، والتفاصيل (المصدر نفسه، صفحة 5):

1. «كمية بطاريات الصواريخ التي اكتشفت تضمنت 194 بطارية (من قاذفات قطرها 120 ملمترا وأكثر)، تشتمل على 1100 مدفع. ويشار الى انه في حالات توتر سابقة (ديسمبر 1971 وديسمبر 1972 ومايو 1973)، بلغت كمية المدافع في أقصى حد حوالي 150 لابطارية و850 مدفعا. الاضافة كانت بالأساس من بطاريات المدفعية الميدانية (52 من مجموع 55 بطارية)..." 2 . «في حين كان هناك عدد محدود من الدبابات على طول القناة، وجدت [في الصور] منصات للدبابات القاذفة وأعدادا من الوحدات المدرعة (في كل وحدة منها 2-3 دبابة) على طول القناة».

3. غالبية ألواح الباطون المعدة كما يبدو من أجل بناء جسور العبور، كانت مخفية. ولكن قسما منها قد ظهر في الصور، حوالي خمسة مراكز، واحد في قطاع ديب خير. وتم العثور على عبارات نقل متحركة جي. إس. بي (حوالي 30 عبارة)، ما يعني الدفع بتجهيزت العبور الى مقدمة الجبهة». في بقية المراكز لم تكتشف التجهيزات.

كل هذه التشكيلات عملات تحت مظلة شبكة صواريخ sa ، بما في ذلك sa ـ 6، التي جرى تقديمها نحو القناة بشكل مكثف (انظر «استعدادات بطاريات صواريخ أرض جو التنفيذية»/ اصدار دائرة التحقيق الاستخباري في سلاح الجو ـ وثيقة البينات رقم 20، وتقرير الاستخبارات في اللواء الجنوبي/ تحليل باتجاه التغيير في سلاح المدفعية والمدرعات ـ الملحق ك ج /11 من تقرير قدمه طاقم بقيادة الجنرال في الاحتياط يوشع نابو في موضوع الاستخبارات).

من هنا، وحسب المعطيات التي قدمت شعبة الاستخبارات العسكرية وصفا تفصيليا لها، فإن التشكيلات الحربية المصرية، التي هي بحد ذاتها يجب أن تثير القلق أكثر بكثير مما اثارته في فترات التوتر السابقة، إن كان ذلك من ناحية كميات الأسلحة أو من ناحية تقديم منصات القذف بالدبابات الى الجبهة لتطل على القناة مباشرة. وكانت شعبة الاستخبارات العسكرية أعلنت في النشرة المذكورة (نهاية صفحة 5) عن تحركات ونشاطات تتم في الجهة الجنوبية من القناة، وهي أيضا لم تشاهد في الماضي.

* التعبير «تشكيلات طوارئ»

* في هذا المكان نريد أن نقدم ملاحظة بأن مجرد استخدام التعبير «تشكيلات طوارئ»، الذي أصبح تعبيرا عسكريا متداولا في تقديرات شعبة الاستخبارات العسكرية، كاد يخلق قلة وضوح في التفكير والى ضبابية في التقدير. فالتشكيلات يمكن أن تكون دفاعية أو هجومية أو ـ حسب المذهب الحربي السوفياتي ـ تشكيلات لكل حالات القتال: دفاعية هجومية، أي تشكيلات دفاعية بإمكانها أن تتحول الى هجومية بشكل فوري أو العكس ـ هجومي دفاعي. بينما التعبير «تشكيلات طوارئ» تدل أكثر على وضع تأهب وتدل بصورة أقل على شكل القتال الذي بنيت التشكيلات على أساسها.

(3) معطيات للمقارنة حول تشكيلات العدو 56. لقد ألقت اللجنة على العقيد في الاحتياط، يهوشع نابو، الذي كانت قد عينته كمسؤول عن جمع المواد حسب المادة 13 من قانون لجان التحقيق لسنة 1968، مهمة اجراء بحث يجري فيه مقارنة ما بين نشاطات العدو وحجم قواته في فترة «أزرق أبيض» (مايو 1973) وبينها في الفترة من 1 الى 5 أكتوبر 1973. وقد أعد العقيد نابو هذا البحث بمشاركة ضابطين من المخابرات تم فرزهما [لهذه الغاية]، هما المقدم دكتور أ. شموئيلي، والمقدم د. أمبر. ووفقا للأوامر التي اصدرها رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية، في حينه، الجنرال زعيرا، والعميد شيلو، قدمت شعبة الاستخبارات العسكرية الى هؤلاء الباحثين كامل المساعدة. والعميد شيلو شخصيا كرس وقتا طويلا لتمحيص المعطيات والتقديرات الواردة في التقرير. ولكن هذا لا يعني بأنه يوافق على كل ما جاء في تقرير الضابطين.

نحن نقبل اقتراح العقيد نابو نقل هذا البحث الهام الى جيش الاحتلال الإسرائيلي لكي يشكل عونا في إجراء بحث حول الأحداث (case study)، في دائرة التوجيه في جيش الاحتلال الإسرائيلي. من جهتنا، سنورد هنا بعض إحصائيات المقارنة البارزة، كما وردت في التقرير في ضوء الصور التي التقطت من الجو ومن عمليات الرصد، التي تدل على تغييرات جوهرية في تشكيلات القوات وفي العمليات المصرية على جبهة القناة خلال سنة 1973:

منذ أبريل ـ مايو [نيسان ـ أيار] 1973 وحتى سبتمبر ـ أكتوبر [أيلول ـ تشرين الأول] 1973، تم تعزيز القوات في جبهة القناة بإضافة وحدة مؤللة، لواء دبابات، لواء إنزال، 54 بطارية مدفيعة ميدانية (من 141 بطارية ـ 844 مدفعا الى 195 بطارية و1114 مدفعا)، وأضيفت 57 بطارية مدافع مضادة للطائرات (من 227 بطارية ذات 1168 مدفعا وحتى 284 بطارية ذات 1507 مدافع). وكشفت 51 دبابة على المنصات في أبريل ـ مايو 1973، وأصبحت عشية الحرب 144 دبابة (صفحة 10 ـ 11 من البحث).

رقم قياسي في زيارات كبار الضباط في الجبهة (صفحة 2): في 2 مايو قام بالزيارة 68 ضابطا وفي 18 سبتمبر 94، وفي 2 أكتوبر 172 ضابطا. ويعتبر هذا العدد استثنائيا خلال الفترة التي دامت 14 شهرا قبيل الحرب. وإذا أجرينا مقارنة لمعدل هذه الزيارات الأسبوعي، نجد أنه في الفترة ما بين 1 ـ 5 أكتوبر بلغت 400 زيارة وفي الفترة المماثلة من سبتمبر 1973 بلغت 300 زيارة، وفي فترة «أزرق ـ أبيض» ـ معدل 200 زيارة (*). (*) تفاصيل التقارير حول رصد ما جرى في جبهة القناة، أنظر البند 237 لاحقا وتقريرا إضافيا من عضو اللجنة [لجنة أغرنات] الفريق في جيش الاحتياط، حـ. لسكوف
 
رد: الوثائق الإسرائيلية

الوثائق الإسرائيلية (الحلقة التاسعة عشرة) ـ الخطة السورية لاحتلال هضبة الجولان وقعت بأيدي إسرائيل قبل 6 أشهر من الحرب

مصدر كشف للاستخبارات الإسرائيلية أن مصر أبلغت دمشق أنها تنوي شن الحرب في نهاية سبتمبر أو في مطلع أكتوبر



تل أبيب: نظير مجلي
في هذه المرحلة من التحقيق تتوصل لجنة أغرنات [للتحقيق في إخفاقات إسرائيل في حرب أكتوبر 1973]، إلى أن الخطة الحربية السورية لتحرير هضبة الجولان المحتلة منذ عام 1967، وقعت بأيدي الاستخبارات الإسرائيلية قبل ستة أشهر من حرب أكتوبر، وأن خطة معدلة بشكل طفيف قد وصلت مرة أخرى عشية الحرب. ولكن هذه الاستخبارات، لم تنظر بجدية إلى هذه الخطة. ولم تطلع كل الأطراف الضرورية عليها.
وفي مقارنة بين هذه الخطة وما تم تطبيقه في الحرب نفسها، يتضح أن السوريين طبقوها بالكامل تقريبا، من دون أن يتمكن الإسرائيليون من الاستعداد لمواجهتها بالطرق العسكرية المناسبة. وتذكر اللجنة أن الخطة الحربية المصرية لعبور القناة، هي أيضا وقعت في أيدي الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، قبل حوالي سنتين من الحرب، ولكنها أجلت البحث فيها كقضية قائمة بذاتها، إلى مرحلة لاحقة من التحقيق.

وفي هذه الحلقة يلاحظ ان اللجنة الأمنية التي شكلتها الحكومة الاسرائيلية خصيصا لكي تراجع تقرير لجنة أغرنات السري قبل السماح بنشره، تعمدت شطب العديد من الكلمات والجمل وإبقاءها سرية، رغم مرور 34 سنة على الحرب. ويلاحظ أن الجمل التي شطبت، هي تلك المتعلقة بالإخباريات التي حصلت عليها الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية من مختلف المصادر، التي تؤكد الوثائق التي نشرت لاحقا بأنها كانت بالأساس «مصادر» عربية، ولكن كانت بينها ايضا مصادر أجنبية. هذا، مع العلم بأن جميع وثائق البينات، الملحقة بهذا التقرير وكل البروتوكولات والشهادات، ما زالت تعتبر سرية. واللجنة الحكومية المذكورة ما زالت تجري مراجعة دقيقة لها وتبحث في ما هو ممكن نشره منها. وقد كان هناك من حرص على تسريب أسماء بعض هذه المصادر إلى الصحافة وإلى الباحثين الإسرائيليين. لكن أية جهة رسمية في اسرائيل، خصوصا هذه اللجنة، لم تؤكد بشكل رسمي صحة هذه الأنباء أو الأسماء، خصوصا أن بعض تلك المصادر، ما زالت فاعلة حتى الآن. وهي تفسر ذلك بالقول إن الهدف من هذا التقرير هو الاشارة إلى الأخطاء في عمل المؤسسات الإسرائيلية وليس التخريب على تلك المؤسسات أو «إحراق» المصادر التي «تتعاون» مع المخابرات الاسرائيلية في العالم العربي أو في دول أخرى.

وفي ما يلي، حلقة أخرى من تقرير اللجنة:

(4) اخباريات تحذيرية من مصادر جيدة 57. اضافة إلى التشكيلات [الحربية] المصرية والسورية [على الجبهتين]، التي كان يجب أن تثير شكوكا خطيرة حول الاستعدادات الهجومية للعدو، كانت بأيدي شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الاسرائيلي اخباريات من مصادر جيدة، كان من المفروض ان تضاعف تلك الشكوك لدرجة الاحتمالات القصوى، بأن حربا شاملة ستنشب في المستقبل القريب. وفي هذا الموضوع أيضا، سوف نبحث في هذه المرحلة، الأنباء التي وصلت حتى الرابع من أكتوبر [تشرين الأول]، فيما نبحث موضوع الأنباء التي وصلت في اليومين الأخيرين قبل الحرب، بشكل منفرد لاحقا (البنود 75 - 89).

(أ) في صيف 1973 علم من مصدر ــــــــــــ [الرقابة شطبت جملة هنا فترك فراغ] بأن مصر أبلغت سورية أنها تنوي شن حرب في نهاية سبتمبر [أيلول] أو في مطلع أكتوبر [تشرين الأول]، سواء شاركتها [سورية] أو لم تشارك ـــــــــــــــــ [هنا يوجد فراغ أكبر من سابقه] (وثيقة البينات رقم 98، الوثيقة 42). وقد أكد رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية، انه على الرغم من ان المصدر جيد ــــــــــــــــــ [فراغ آخر] فإنه لا ينبغي الاعتماد على تحذيراته بخصوص اعلان الحرب، لأنه سبق وأن حذر في الماضي عدة مرات وقدم تواريخ قال إنها مواعيد لشن الحرب وتحذيراته لم تتحقق (صفحة 145). فعلا كانت هذه حقيقة بأن تحذيراته لم تتحقق. ولكن هناك فرقا بين الأخبار التي يعبر فيها المصدر عن تقديراته الشخصية حول موعد نشوب الحرب ـــــــــــــــــ [جملة طويلة شطبتها الرقابة]. ليس مفهوما لنا لماذا لم يتم التعامل مع إخبارية تحذيرية كهذه بثقة عالية، كما عوملت إخباريات أخرى كانت خالية من التقديرات الشخصية للمصدر. وبالمناسبة، فإن الاضافة التي قدمها المصدر بقوله إنه يشك في صحة التاريخ الذي ورد في الإخبارية، هي رأي شخصي ولذا كان لها وزن أقل من الإخبارية نفسها.

(ب) المصدر نفسه أعلن بعد وقت قصير ان موعد اعلان الحرب سيكون في نهاية سبتمبر أو بداية أكتوبر، وأكد ان اعلان الحرب في نوفمبر سيواجه بصعوبات ناجمة عن أحوال الطقس، خصوصا في هضبة الجولان (وثيقة البينات رقم 98، صفحة 43). وقد أضيف للخبر مرة أخرى تقدير شخصي منه يقول فيه ان المسألة غير جدية وأن هذا التاريخ سيمضي من دون حرب، كما في التواريخ السابقة. ولكن، هنا أيضا، ينبغي أن نفرق بين مصداقية المصدر عندما يعطي الخبر وبين تقديراته الشخصية.

(5) الخطة السورية لاحتلال هضبة الجولان 58. الخطة السورية [العسكرية] لاحتلال [تحرير] هضبة الجولان كانت بأيدي شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الاسرائيلي يوم 27 أبريل [نيسان] 1973، وقامت بتوزيعها على القيادات العليا (رئيسة الحكومة ووزير الدفاع ورئيس أركان الجيش ورئيس القيادة العامة – وثيقة البينات رقم 109) وأيضا داخل شعبة الاستخبارات العسكرية ولرئيس شعبة الاستخبارات في اللواء الشمالي (وثيقة البينات رقم 110). في نهاية سبتمبر، وصلت إلى شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الاسرائيلي، مرة أخرى، خطة سورية التفصيلية لاحتلال الجولان، من مصادر استخبارية ــــــــــــــــــــ[شطب من الرقابة] (وثيقة البينات رقم 13، وثيقة البينات رقم 98، الوثيقة 53). فقد أبلغت هذه المصادر بأنها علمت من مصدر موثوق ان «من المتوقع أن تنتهي كل الاستعدادات في نهاية سبتمبر. قادة الألوية تلقوا الأوامر. والآن يتلقى قادة الوحدات الارشادات النهائية». وتتلاءم هذه الاخبارية مع اخبارية سابقة كانت قد وصلت الينا من المصدر نفسه في يوم 25 سبتمبر 1973 [وهو اليوم الذي قام فيه زعيم عربي بزيارة خاطفة الى تل أبيب وأبلغ فيه عن الحرب المصرية ـ السورية المشتركة ضد اسرائيل، حسبما نشر في وثائق سرية أخرى في إسرائيل خلال الشهور والسنوات الماضية، وتطرقنا إليها في حلقة سابقة من هذا المسلسل]. (وثيقة البينات رقم 99 وشهادة من صفحة 4441 فصاعدا وصفحة 4207 فصاعدا وفي صفحة 4212).

وفي عرض خاص قدمته الاستخبارات يحمل الرمز 104/73 من يوم 2.10.1973 (وثيقة البينات رقم 111 صفحة 6)، تقدر شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الاسرائيلي بأن «تطبيق (هذه الخطة) حاليا أو للمدى القريب، ليس واقعيا. وهكذا تلخص رأيها:

«الجيش السوري جاهز الآن في محيط الجبهة السورية في تشكيلات طوارئ كاملة. وعلى الرغم من أن المذهب السوفياتي في القتال يمكن من الانتقال من هذه الحالة [الدفاعية] الى الهجوم، فإن السوريين يدركون أن الشروط للقيام بالهجوم غير متوفرة:

انهم بعيدون عن التقدير بأن في مقدورهم القيام وحدهم بهجوم ناجح في هضبة الجولان، وذلك بسبب ضعفهم العام وضعفهم بشكل خاص في سلاح الجو.

لا توجد اشارات تدل على أن مصر مستعدة للقتال في هذه المرحلة، وهو الأمر الذي تعتبره سورية شرطا أساسيا لنجاحها العسكري.

ج. لا توجد هناك أوضاع سياسية داخلية أو خارجية تحفز على الخروج الى الهجوم (سوى الرد على سقوط 13 طائرة لهم في سبتمبر)».

وقد شهد الجنرال زعيرا حول هذه الأمور فقال (في صفحة 956 - 957):

«سؤال: هل توجد فوارق بين الخطط [السورية لتحرير الجولان] التي تم توزيعها في أبريل وبين [الخطط التي تم توزيعها في أكتوبر]، أم انها الوثيقة نفسها [في الحالتين]؟

جواب: متشابهان كثيرا. الفوارق كانت بسيطة.. أنا أركز على انه منذ أبريل كانت لدينا خطة شاملة في هضبة الجولان، وهي شبيهة بشكل دقيق بما تم تنفيذه في 6 أكتوبر».

عمليا، فقد قامت شعبة الاستخبارات العسكرية بتوزيع هذه الخطة المهمة كـ«فاتورة»، كما لو انها تريد القول بأن الخطة جاهزة «ولكن تنفيذها حاليا أو في المدى القريب هو في تقديرنا غير واقعي» (نشرة 104/73، البند 1).

ان هذا التقدير كان يحوي ما يكفي لزرع الشعور بالحاجة الى السرعة في اتخاذ الاجراءات لدى القوى المتخصصة في التخطيط، حتى تستطيع استباق هجوم العدو، الذي تحدثت الخطة [السورية] عن جاهزية تنفيذها.

لو كانت شعبة الاستخبارات العسكرية نظرت بشكل سليم نحو الحشودات التي لم يسبق لها مثيل لدى قوات العدو، وعلى خلفية خطط العدو التي في حوزتنا، قامت بإيقاظ الوعي لدى القيادة العليا، لكان بالامكان الاستعداد بشكل صحيح للتطورات اللاحقة. ولكن وضعنا من الناحية الموضوعية أفضل من وضع الأميركيين عشية هجوم بيرل هاربر: فقد خشوا من هجوم ياباني متوقع، لكن أحدا لم يتوقع أن تبدأ بهجوم على الأسطول الأميركي بالذات (أنظر أيضا البند 52 آنفا). لكن هذا الامتياز الذي في أيدينا، لم يستغل خلال استعدادات قواتنا أو خلال انتشارها.

توجه عناصر أجنبية بخصوص الخطة السورية.

59. عناصر مخابراتية أجنبية، بدا أنها كانت قلقة جدا من الخطة السورية، التي يبدو انها وصلت اليها في الفترة نفسها، توقعت أن تكون لدينا معلومات عنها وتقديرات بشأنها، فاتصلوا بنا وأعطونا معلومات في يوم 29 سبتمبر وطلبوا بشكل مهرول سماع رد فعلنا (وثيقة البينات رقم 105). رد شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الاسرائيلي (من يوم الأول من أكتوبر – المصدر نفسه – في وثيقة البينات 105)، جاء مطمئنا لنفس الروح التي تميز بها ذلك العرض الاستخباري المذكور أعلاه ويحمل الرقم 164/73. وقالت فيها ان التشكيلات السورية دفاعية بشكل كامل يتيح حسب المذهب السوفياتي الانتقال الى هجوم، وبأن السوريين بذلوا خلال السنة الماضية جهودا كبيرة لاستيعاب الأسلحة الجديدة التي حصلوا عليها من الاتحاد السوفياتي، وبينها مئات الدبابات من طراز «تي – 62»، طائرات ميج 21، سرب طائرات سوخوي - 20، وصواريخ فروغ. وعلى الرغم من ذلك، جاء في بقية التقديرات:

«حسب رأينا سيتحرك السوريون لكي يحتلوا هضبة الجولان، كاملة أو بشكل جزئي، إذا رأوا أنفسهم قادرين على النجاح في مسار كهذا. اليوم، هم لا يؤمنون بأنهم يستطيعون النجاح، خصوصا من دون المساعدة المصرية. لهذا، فإننا لا نقدر بأنهم ينوون شن هجوم في هضبة الجولان، بالرغم عن انه توجد امكانية لأن يقوموا بعملية ما محلية ومحدودة. ونحن نقدر ان احتمالات ذلك [الهجوم المحدود] ضعيفة». المصريون يجرون حاليا تدريبات على نطاق واسع، تشمل القوات البرية والجوية والبحرية. وهذه من الممكن أن تكون بالطبع، غطاء لاستعدادات هجومية. ولكن تقديراتنا بأن هذه تدريبات فقط» (التوكيد من عندنا).

الجنرال زعيرا الذي جرى التحقيق معه في هذه المسألة، قال:

«مشكلتنا كانت فقط في مجال التوقيت. وقد قلنا في حينه ـ وأنا أعتقد بأن هذا صحيح أيضا في الحساب التراجعي [اليوم] – لا يمكن لسورية أن تخوض الحرب من دون مصر» (صفحة 5711).

وفي صفحة 5712: «القضية معقدة جدا. أناس موثوقون يقولون ان الحرب ستنشب ولكنها لا تنشب. أناس موثوقون جدا يقولون. فماذا علينا أن نفعل في هذه الحالة؟ يقولون لجيش الاحتلال الإسرائيلي ويقولون لحكومة اسرائيل: من ناحية القدرات يستطيع السوريون والمصريون أن يهاجموا. ومن ناحية النوايا، يقولون إن السوريين والمصريين يستطيعون الهجوم. ولكن ليس لدي اثباتات».

بكلمات أخرى، يركنون مرة ثانية الى الحقيقة بأن التحذيرات السابقة لم تتحقق وإلى نظرية «الفرضية» القائلة بأن المصريين لا يرون في أنفسهم القدرة على الهجوم (أقرأ تفاصيل أكثر في البنود من 45 فصاعدا). ومع هذا، فإننا نرى أنه حسب جواب الاستخبارات [الاسرائيلية] للعناصر [الاستخبارية] الأجنبية، منذ 2 أكتوبر لم تتجاهل شعبة الاستخبارات العسكرية احتمال أن تكون التدريبات المصرية مجرد غطاء لنوايا هجومية.

(6) الخطة المصرية لعبور القناة 60. حول الخطة المصرية لعبور القناة (وثيقة البينات رقم 1)، اقرأ لاحقا البند 251. الجنرال زعيرا قال في شهادته (صفحة 47 من البروتوكول) ان الجيش المصري نفذها في حرب الغفران بنسبة 97 % من الدقة [في مجالات] تنظيم القوات والوحدات والأعداد وغيرها. الفوارق الوحيدة كانت في زيادة لواء دبابات ووحدة واحدة لم تعبر القناة من الجهة التي كان قد أشير اليها في الخطة.

(7) نقد لشعبة الاستخبارات العسكرية بشأن الخطتين 61. حقيقة خطيرة هي انه في عشية الحرب كانت بأيدي شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الاسرائيلي هاتين الخطتين الأساسيتين [للحرب]، السورية وأيضا المصرية، اللتين تضمنتا معلومات دقيقة عن نوايا العدو والشكل الذي سيتطور فيه هجوم العدو. لكن هاتين الخطتين لم تكونا على مرأى من قيادة الجيش أو من وتفكيرها، لأنهما لم تجدا التعبير عنهما في استعدادات الجيش الاسرائيلي وانتشار قواته عشية الحرب. لم نجد ان قوات نشرت بشكل خاص أمام مناطق العبور والهجوم، كما حددتها خطة العدو، بهدف استباقه والاستعداد لمواجهته في تلك المناطق بالذات. وتجدر الاشارة هنا الى ان هدف القيادة العليا للجيش الاسرائيلي كان عدم اعطاء فرصة للعدو أن يتقدم و«يبلع» قواتنا، بل مجابهته وجها لوجه حالما يحاول اختراق خطوط الجبهة. لهذا، كانت هناك أهمية خاصة لنشر قواتنا بشكل صحيح، في مراحل البدء بإطلاق النار.

قائد اللواء الجنوبي لم ير أبدا خطة العبور المصرية (أنظر لاحقا البندين 252 و253). وأما في اللواء الشمالي فنعطي مثلا من شهادة العقيد أوري سمحوني، الذي شغل خلال الحرب وقبلها منصب ضابط القيادة العامة في اللواء الشمالي. وقد تمت جباية شهادته بوساطة العقيد في الاحتياط، يهوشع نابو، في يوم 25.2.1974 (ملف الشهادات للعقيد نابو). وهو يشهد (المصدر نفسه، صفحة 6) حول الخطة السورية التي وزعت بنشرة شعبة الاستخبارات العسكرية من يوم 2 أكتوبر 1974 [على الغالب وقعت اللجنة في خطأ مطبعي، والمفروض ان يكون الصحيح هو سنة 1973]:

«أنا لا أعتقد بأنني رأيت هذه .. [الخطة]. أنا لست ممن يرسلون اليهم النشرات السرية جدا في شعبة الاستخبارات العسكرية... أنا الآن أراها للمرة الأولى».

وبالنسبة الى الخطة السورية من أبريل 1973، التي وزعت في نشرة شعبة الاستخبارات العسكرية في يوم 27.4.1973 قال (المصدر نفسه، صفحة 6):

«أنا لا أعتقد بأنني رأيت هذه الوثيقة من قبل».

إن الحصول على الخطط العملية للعدو، يعتبر أحد الأهداف المنشودة لكل أجهزة المخابرات. والسؤال اللاذع الذي يسأل هو: شعبة الاستخبارات العسكرية وغيرها من المؤسسات المتخصصة في جمع المعلومات، تبذل جهودا خارقة لكي تجمع هذه المعلومات. فما الفائدة إذا كانت في النهاية ستوضع في الملفات ولا تصل إلى أولئك الذين يجب أن يعرفوها [الخطط] أو لا تدخل إلى وعيهم وادراكهم ولا توجههم في قراراتهم وخططهم العملية؟ من المهم لنا أن نشير الى هذا الفشل البارز من ناحيته الأخلاقية، لكي يتم عمل كل شيء في سبيل تنظيف قنوات الاتصال الموصودة، التي تحتاج الى نقلها من شعبة الاستخبارات العسكرية الى جهاز التخطيط والتنفيذ.

(6) أخبار اضافية من مصادر جيدة 62. مصدر جيدـــــــــ [شطب من الرقابة] أبلغ بإخبارية أولى من يوم 30 سبتمبر بأن المصريين ينوون البدء بإطلاق النار قريبا، بما في ذلك عبور القناة بالقوة وشن حرب شاملة (وثيقة البينات رقم 17). وفي أعقاب هذه الإخبارية علم ــــــــــــــ [جملة أخرى شطبت من الرقابة] في يوم 1 أكتوبر أن المصريين قرروا عبور القناة والسيطرة على المعابر وهناك يتوقعون بأن تسفر هذه العمليات عن تدخل سياسي، وأن يتم فتح القناة والبدء بمفاوضات [سلمية].

وعلم أيضا بأن يوم موعد نشوب الحرب لم يعرف، ولكن على الوحدات المدرعة أن تتم تدريباتها العسكرية في نهاية سبتمبر وان كل الوحدات نقلت من محيط القاهرة وحتى منطقة القناة. كذلك أبلغ المصدر بأن ثغرات فتحت في الضفة الغربية من القناة، من أجل انزال الجسور الى الماء، وتم نقل وحدات التواصل الى القناة.

حتى هذه الأخبار لم تحرك شعبة الاستخبارات العسكرية عن تمسكها بنظريته المعروفة بـ«الفرضية». الوقائع التفصيلية المهمة، وبينها تحريك القوات من القاهرة [الى الجبهة] وفتح الثغرات ودفع وحدات الجسر [الكباري، كما تسمى في مصر]، لقيت تأكيدا من عمليات الرصد الميداني وفي الصور الجوية التي التقطت في يوم 4 أكتوبر. صحيح انه كان ينقص الموعد الدقيق [للهجوم]، ولكن الاخبارية قالت إن تدريبات وحدات المدفعية يجب أن تنتهي حتى نهاية سبتمبر.

في يوم 2 أكتوبر وصلت اخبارية أخرى، واضحة جدا، ــــــــــــ [جملة مشطوبة من الرقابة]، تقول إن لدى مصر في هذا الصباح، الأول من أكتوبر، حالة تأهب كامل، وان جميع وحدات المدفعية المشاركة في الاستعدادات [الحربية]، بما في ذلك الوحدة المؤللة في لواء المدرعات 15، موجودة حاليا في حالة استعداد للقتال في مقدمة الجبهة، وكتيبة المشاة في وحدة الانزال تحركت نحو السويس. وجنود الاحتياط الذين تم تسريحهم في يوليو [تموز] 1972، سيستدعون للانضمام إلى وحداتهم باستثناء اثنتين.

هذه الأنباء الاضافية ــــــــــــ [رقابة]، لم تحرك شعبة الاستخبارات العسكرية إلى التخلي عن تقديراتها بأن ما يجري هو مجرد تدريبات. تفسيرها لذلك ــــــــــــــــــ [رقابة] أنه خلال السنين ـــــــــــــــــ [رقابة]، لم تتحقق الاخباريات عن البدء باطلاق النار (وثيقة البينات رقم 17). ولكن يجب الاشارة الى ان قلة قليلة فقط من تلك التحذيرات وردت في تزامن قريب مثل هذه المرةـــــــــــــــ [رقابة].

63. قضية أخرى أشغلتنا، كانت تتعلق بخبر مقلق جدا وصل الينا من مصدر أجنبي جيد (التفاصيل في وثيقة البينات رقم 104). الخبر الأول [من هذا المصدر] وصل في الساعة 02:30 من يوم الأول من أكتوبر (انظر وثيقة البينات رقم 251)، وبموجبه ستبدأ في الأول من أكتوبر عملية هجومية مصرية على اسرائيل بقيادة وزير الدفاع. اسم العملية (كلمة رمزية). وكان السوريون سيشاركون في العملية. وعلى سبيل «الاشارات الدالة» [على ذلك]، تم ذكر الامتحانات التي كان على 3000 ضابط أن يعبروها في يوم 2 أكتوبر وتم تأجيلها بشكل مفاجئ إلى مطلع شهر نوفمبر [تشرين الثاني]. وتم استدعاء الاحتياط، وبين من تم استدعاؤهم أولئك الجنود الذين سرحوا في 1 يوليو 1973، وهنا علامات أخرى.

رؤساء دائرة البحوث في شعبة الاستخبارات العسكرية لم يعطوا لهذا الخبر وزنا ولم يجدوا من المناسب حتى ان يضمنوه في نشرتهم. وقالوا في تقدير لهم إنهم بعد أن فحصوا الأمر مع مصدر آخر يقدرون بأنه «لا يوجد أساس من الصحة لهذا الخبر وان المسألة هي مسألة تدريبات» (انظر بيان الجنرال زعيرا الخطي الى وزير الدفاع – ( وثيقة البينات رقم 251، شهادة رئيس أركان الجيش حول أقوال زعيرا – صفحة 3874). وبعدئذ، في نفس اليوم، وصل نص الخبر خطيا وتم توزيعه على رئيس اركان الجيش ونائبه ووزير الدفاع (شهادة الجنرال زعيرا صفحة 1016)، لكنه لم يرسل الى رئيسة الوزراء، لا من طرف شعبة الاستخبارات العسكرية ولا من طرف الموساد (انظر لاحقا، البند 37). وهكذا جاء تقدير شعبة الاستخبارات العسكرية حول الخبر:

«ليس معروفا عن تدريبات أو عملية [حربية] تحمل اسم [كلمة رمز] في هذا الموعد. في 28 أغسطس [آب] تم القيام بتدريب كهذا. وتجدر الاشارة الى ان الجيش المصري يجري تدريبات شاملة منذ 1.10.1973، وحسب تقديرنا ان الاجراءات التي اتخذت في اطار هذه التدريبات (بما في ذلك الاستعدادات الناجمة عن المخاوف من عملية اسرائيلية تنفذ خلال التدريبات)، هي الأساس لتفسيرات المصدر، كما لو ان من المتوقع تنفيذ حملة اسرائيلية هجومية» (تمعن في وثيقة البينات 104).

لقد راحت شعبة الاستخبارات العسكرية تجري فحوصات خاصة لصحة الخبر من خلال موقف تشكيك في صحته بما يتعلق بهجوم مصري. وفي يوم 2 أكتوبر وصلت نتائج الفحص: العودة الى اللهجة الحاسمة بأن المصريين ينوون مهاجمة اسرائيل و.. «العملية [الحربية] ستبدأ فعلا بتدريبات وحسب كل الاشارات فإنه سيتحول الى هجوم ـــــــــــــــــــــ [رقابة]».

يجب التأكيد هنا على النقطة الواقعة ما بين مقطعي هذه الجملة. ففي المقطع الأول اعلان قاطع بأن التدريبات ستتحول الى هجوم. وفي المقطع الثاني [الذي شطبته الرقابة]، أضيفت جملة تقول ان طلعة الى الجو للطائرات الاسرائيلية ستشكل ذريعة جيدة لهجوم على اسرائيل. ولكن ليس بالضرورة أن تتحول الى هجوم. كما يبدو فإن دائرة البحوث في شعبة الاستخبارات العسكرية لم تنتبه كما يجب الى هذه النقطة فقرأت الخبر كما لو انه يقول ان الهجوم المصري مشروط بعملية اسرائيلية (أنظر تفسيرات العميد شيلو في رسالته الى اللجنة من يوم 13 يناير [كانون الثاني] 1974)، الفقرة 8 (ب)، وقارن بينها وبين شهادة الجنرال زعيرا في الصفحة 1015: «أنا أقبل التأكيد على هذه النقطة واضع عليها علامة توكيد»، وكذلك نسخة عن الخبر، في الملحق السابع لرسالة شلو أعلاه، التي تظهر فيها هذه النقطة بوضوح). من المحتمل أن يكون موضوع هذه النقطة قد تسبب في تشويش تقديرات شعبة الاستخبارات العسكرية.
 
رد: الوثائق الإسرائيلية

الوثائق الإسرائيلية (الحلقة العشرون) إسرائيل تعترف بأن المصريين والسوريين نجحوا في تضليلها بعشرات الأحابيل

تل أبيب اقتنعت بأن كل الاستعدادات التي سبقت نشوب حرب 73 مجرد تدريبات



تل أبيب: نظير مجلي
فقط في حالات نادرة، يمكن أن تستمع الى اطراء اسرائيلي لشيء عربي. وفي الماضي، عندما كان ضباط اسرائيليون «يضربون السلام العسكري» لمقاتل عربي بعد قتله، وذلك على طريقة العسكريين وتقديرا لمقاومته الباسلة وادائه الذكي، كان يتعرض للكثير من الانتقادات اللاذعة. ولذلك، أصبحت المدائح، إن قيلت، مقصورة على الجلسات المغلقة.
وفي الأبحاث السرية للجنة اغرنات فيض من المدائح لمصر وسورية. ويشتمل التقرير الذي ننشره فيما يلي على القول بكامل الصراحة ان قيادة الجيشين نجحتا في التمويه على نشاطاتهم خلال الاستعدادات للحرب وتضليل قيادة الجيش الاسرائيلي، وخصوصا شعبة الاستخبارات العسكرية، بشكل متقن. وعلى الرغم من وجود مصادر معلومات «جيدة»، غالبيتها مصادر عربية وذات علاقات جيدة وقريبة جدا من موقع صناعة القرار، لدرجة أنهم أوصلوا الى المخابرات الاسرائيلية الخطط التفصيلية للحرب، إلا ان المصريين والسوريين تمكنوا من إعطاء الصورة التي يريدونها عن نشاطهم وتحركاتهم العسكرية والسياسية. نشروا أخبارا تضليلية في الصحف المصرية وهم يعرفون ان الاسرائيليين يقرأونها كلمة كلمة، بثوا الأخبار التي يريدونها عبر اللاسلكي وهم يعرفون ان الأجهزة الاسرائيلية تتنصت عليهم، أجروا تحركات وتنقلات وهم يعرفون بأن طائرات التجسس الاسرائيلية وغير الاسرائيلية تصورهم، وفوق كل هذا استخدموا في حالات كثيرة قنوات التجسس الاسرائيلية ليمرروا عبرها كل ما يريدون أن يصل الى اسرائيل لتضليلها وللتمويه على نواياهم الحربية ضدها.

* كما يؤكد العديد من القادة المصريين والاسرائيليين، ونشرنا ما قالوه في بداية هذه الحلقات، فقد نجحت مصر في زرع جاسوس مزدوج هو الذي سميناه «شخصية مقربة جدا من الرئيسين المصريين، جمال عبد الناصر، وأنور السادات»، والذي كان قناة أساسية لنقل المعلومات التي تريد مصر نقلها الى اسرائيل. وما زال الاسرائيليون محتارين في أمره. ورغم مرور 34 سنة على الحرب و32 سنة على الانتهاء من خدماته، هناك من يقول انه كان جاسوسا لاسرائيل وعمل من خلال رغبته في الحصول على مال (بلغ مجموع ما تقاضوه 3 ملايين دولار خلال ست سنوات) ومن خلال عدائه للنظام المصري بسبب سياسة التأميم التي أفقدت عائلته أملاكها، وهناك من يحمل رأيا آخر، مثل رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية، ايلي زعيرا، الذي يعتقد بأنه كان جاسوسا مزدوجا استخدمته المخابرات المصرية لتوصيل معلومات لاسرائيل معظمها معلومات صحيحة تؤدي الى زرع الثقة به وقسم منها معلومات مبرمجة أرادت مصر أن تصل الى اسرائيل بهدف تضليلها وطمأنتها. وقد حسمت لجنة التحقيق الأمر بقولها ان هذا المصدر كان جاسوسا لاسرائيل فقط وليس مزدوجا. وقبل عدة سنوات، في أعقاب ظهور هذا الجاسوس في احتفال بمناسبة ذكرى حرب أكتوبر، الى جانب الرئيس المصري الحالي، حسني مبارك، أقيمت لجنة تحقيق استخبارية في اسرائيل لتعيد التحقيق في شخصية هذا الرجل وهل كان جاسوسا مخلصا لاسرائيل أم انه كان مزدوجا، وتوصلت اللجنة الى القناعة بأنه كان مخلصا لاسرائيل، وإذا كان قد نقل أخبارا مضللة فإنه فعل ذلك من دون قصد وان من المحتمل أن يكون قد انكشف في مصر فراحوا يستغلونه ويوصلون اليه المعلومات المنقوصة والموجهة بهدف التضليل. وفي كل الأحوال، وبغض النظر عن طبيعة هذا المصدر، فقد نجح المصريون والسوريون، من خلاله وغيره، في تحقيق هدفهم لتضليل اسرائيل حتى تطمئن بأن الاستعدادات لحرب التحرير ما هي إلا تدريبات ناجمة عن خوفهم منها. فقد أدرك المصريون والسوريون، كم هم القادة الاسرائيليون مغرورون ومتغطرسون ومستهترون بالقدرات العربية على القتال واسترجاع أراضيهم المحتلة. فجعلوا من هذا الشعور بالقوة بمثابة عنصر ضعف لدى الاسرائيليين. واستغلوه الى أقصى الحدود. فإذا كان الجنرالات الاسرائيليون مطمئنين تماما الى ان الجيش الاسرائيلي متفوق على العرب في كل شيء، فقد عزز القادة العرب آنذاك هذا الشعور لديهم وراحوا يبثون الأخبار التي تتحدث عن قرب عدوان اسرائيلي عليهم ويجرون على الأرض تدريبات عسكرية واسعة ويتظاهرون بأنها تدريبات دفاعية لصد هجوم اسرائيلي وليست تدريبات هجومية لتحرير الأرض. ونجحت الخطة العربية، كما نقرأ في هذه الحلقة والحلقات القادمة من هذه الوثائق، فإذا كان العرب هم الذين يتكلمون بعربدة ضد اسرائيل قبل حرب عام 1967 واسرائيل تقوم بدور الضحية وتناشد العالم أن ينقذها من العرب الذين يريدون إلقاءها في البحر، فإن اسرائيل هي التي عربدت بعد حرب 1967 وراحت تستخف بالعرب وتخطط لإلحاق هزيمة كبيرة أخرى بهم تجعلهم «يرجون وقف النار ويوافقون على السلام»، فيما العرب يقولون ان اسرائيل تهددهم وهم خائفون.

والجديد هو ان اسرائيليين كثيرين اعترفوا للعرب بالعديد من النجاحات والانجازات في هذه الحرب، بما في ذلك في القتال، ولكن لجنة أغرنات تمتدح بشكل خاص الاداء في موضوع التضليل، كما سيلاحظ لاحقا.

واليكم حلقة أخرى من تقرير لجنة أغرنات:

* التقرير

* 64. لقد واصلت شعبة الاستخبارات العسكرية تحقيقها (حول صحة الخبر القادم من «مصدر أجنبي جيد» حول قرار الحرب المصري السوري المشترك)، وفي 4 أكتوبر (تشرين الأول)، تلقت خبرا آخر كان ملائما لتوجهها منذ بداية القضية. فحسب هذا الخبر، تم الاستنتاج بأن الهجوم على اسرائيل متوقع ليوم 1 أكتوبر (مشطوب من الرقابة)، ففي حالة ما سيوقفون التدريبات (المصرية) بإعطاء كلمة السر وينتقلون الى حالة العمليات التنفيذية. وتم التفسير بالقول ان التغييرات في تشكيلات القوات في الجبهة الجنوبية أدت هي ايضا الى الاستنتاج بأن هناك هجوما متوقعا على اسرائيل. وبهذا تم انهاء معالجة شعبة الاستخبارات العسكرية لهذه الأخبار.

وفي الواقع ان تدريبات حملت نفس «كلمة الرمز»، قد جرت في نهاية أغسطس (آب) 1973 (انظر الملحق السابع من الرسالة من يوم 24.12.1973 في وثيقة البينات رقم 140 أ)، ومن هذه الناحية فإن لخبطة ما بين أحداث الماضي وأحداث الحاضر قد وقعت في الخبر الأول على ما يبدو. لكن الخبر عزز الرأي القائل إن التدريبات ستتحول الى عملية حقيقية، وهناك العلامات والدلائل الأخرى (تغيير في تشكيلات العدو في الجبهة وغيرها..)، وكان على شعبة الاستخبارات العسكرية ان تعطي رأيها في هذا الجانب المهم من القضية. كما يبدو، فإن شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الاسرائيلي رأت تأكيدا لآرائها التشكيكية (في قدرة المصريين على الخروج الى الحرب)، مما جاء في الخبرين الأولين، حيث انهما أكدا موعد الحرب في الأول من أكتوبر، بينما هذا التاريخ مر من دون أن يبادر المصريون الى الهجوم.

لكن لا بد من التدقيق في هذا الموضوع: فقد قيل في الخبر انه «في الفاتح من أكتوبر، تبدأ عملية هجوم على اسرائيل»، وفي الخبر الثاني جاء ان «العملية ستبدأ فعلا بتدريب»، في حين ان شعبة الاستخبارات العسكرية تعرف بأن «التدريب» سيستغرق من 1 وحتى 7 أكتوبر (أنظر وثيقة البينات رقم 111، ونشرة الاستخبارات العسكرية رقم 257/73 من يوم 30 سبتمبر(أيلول)، البند (1). كذلك عرفت شعبة الاستخبارات العسكرية ان الاستعدادات لهجوم مصري حقيقي يجب أن تستمر 5 أيام في الأقل (أنظر وثيقة البينات رقم 115 من يوم 16 أبريل (نيسان) 1973: «معطيات لتقدير الوضع لدى قيادة هيئة الأركان العامة ـ مصر وسورية» ـ وثيقة أعدت في دائرة البحوث في شعبة الاستخبارات العسكرية، البند 5 (د)، صفحة 6).

إذن فالخبران الأولان أشارا الى يومي 5 أو 6 أكتوبر كيومين مصيريين احتاجا الى استعدادات خاصة من طرفنا، ويحظر المرور عنهما مر الكرام، لمجرد ان يوم الأول من أكتوبر مر بسلام. فقد كان في الخبرين ما يكفي لأن يفند فرضية شعبة الاستخبارات العسكرية بأن «التدريبات» هي فعلا تدريبات فقط. والمعروف ان دائرة البحوث في شعبة الاستخبارات العسكرية، رمت جانبا هذين الخبرين بدافع الافتراض الخاطئ، والذي تعود جذوره الى نظريته حول «الفرضية»، بأن مصر لا تنوي الهجوم لأنها لا تستطيع ذلك.

وكانت هناك فضيحة ثانية في هذه القضية المؤسفة، تتعلق برئيس الفرع الخامس (المتخصص في الموضوع السوري في شعبة الاستخبارات العسكرية) سنعالجها فيما بعد (البند 110).

65. لقد كانت بأيدي شعبة الاستخبارات العسكرية أخبار من مصدر آخر تلزم بوضع عدة علامات استفهام أمام الطرح بأن الحديث جار فقط عن تدريبات. أحد هذه الأخبار قال: القيادة العامة (المصرية) اتخذت اجراءات عاجلة، بينها ارسال وحدة مدرعة من قاعدتها في القاهرة الى الجبهة، تسيير قافلة طويلة تضم أجهزة لعبور الحواجز المائية قبل أربعة أيام (؟) باتجاه الاسماعيلية، الغاء كل الدورات العسكرية، انضمام كل الناس (يقصدون أناس الجيش، أي الضباط والجنود) الموجودين في عطلة الى وحداتهم العسكرية، تأجيل الامتحانات المقررة للمرشحين للترقية بدرجة، استدعاء وحدتين من (قوات) الاحتياط ورفع درجة التأهب والردع (وثيقة البينات رقم 145، الوثيقة الأولى).

المؤكد هنا هو ان الحديث في تلك الأخبار كان يجري عن استعدادات لعمليات (حربية) حقيقية. فقد كان من الواجب أن يساورهم الشك في أن المسألة ليست مجرد تدريبات (خصوصا بعد نقل أجهزة العبور، وهي التي لم تشاهد في أوج مراحل التوتر في نهاية سنة 1972 ـ شهادة زعيرا في صفحة 676).... (رقابة). مثل هذا الخوف لم يخطر ببال دائرة البحوث في شعبة الاستخبارات العسكرية، فقاموا بقذف الخبر عن جدول الاهتمام ولم يضموها الى النشرة ولم يبلغوا بها رئيس أركان الجيش (شهادة رئيس الأركان في صفحة 3877). العميد شيلو أرسل لنا كتاب تفسير طويلا في هذا الموضوع، أعده المقدم بندمن، وهو الذي اشغل في حينه منصب رئيس الفرع السادس (المسؤول عن الموضوع المصري في الدائرة) (وثيقة البينات رقم 120 أ، الملف الرابع). ويحلل المقدم بندمن تفاصيل الخبر ويلخص أقواله (في نهاية الصفحة الثانية):

«.. لم يكن فيه أي عنصر لم نعرفه من قبل، فقد حصلنا (على المعلومات) من مادة (أخرى) وصلت الينا حتى تلقي الخبر. اضافة الى ذلك، فإن الصورة التي ارتسمت لدينا من المادة (الأخرى)، هي انه مجرد تدريب. ومن هذا المنظار رأينا أيضا التفسير «الصحيح» لبقية المركبات الموجودة في الخبر».

ان هذا التفسير يخطئ الهدف الأساس: ففي أعقاب هذا الخبر، كانت هناك حاجة لأن يعيد فحص الأمر بكل جوانبه، وإن كان ذلك مجرد تدريب أم انه غطاء للتمويه على النوايا الهجومية.

66. لقد تجمعت هناك أخبار (أخرى) (تم تركيزها في وثيقة البينات 145 وكذلك 146 و147)، كان من المفروض ان تثير شكوكا خطيرة ازاء نوايا العدو، مثل المكالمة بين ضباط الاتصال (المصريين) في يوم 3 أكتوبر حول «العبور» الذي سيتم. وهكذا جرت المحادثات (وثيقة البينات رقم 145 الوثيقة 5): (هنا تشطب الرقابة كل الفقرة التي تتضمن تلك المكالمة).

لقد ألغت شعبة الاستخبارات العسكرية الأخبار من هذا النوع باعتبار انها مجرد ثرثرات تافهة سمع مثلها أيضا في الماضي، من دون أن تسفر عن شيء. الفصل الثالث الخداع المصري ـ تمويه، تضليل وتغطية 67. شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الاسرائيلي رأت في كل الأخبار البالغة الوضوح، التي فصلناها آنفا، والتي كان يجب النظر اليها من خلال التحركات المشبوهة للجيش المصري باتجاه القناة، من خلال تعزيزاته الحربية، رأتها منسجمة مع فرضيتها القائلة إن ما نشهده هو تدريب كبير يحمل الكلمة السرية «تحرير 41». وكلما بدت تلك الظواهر أكثر خطورة، كانوا في شعبة الاستخبارات العسكرية يفسرون بأن التدريبات أكثر شمولية وأكثر تأكيدا على انها مجرد تدريبات، وذلك على الرغم من انها ـ حسب نوايا منفذيها ـ أقرب شبها الى استعدادات الخروج الى هجوم حقيقي. وقد تعززت هذه القناعة لدى شعبة الاستخبارات العسكرية، ازاء وسائل التمويه والتضليل وأساليب التغطية التي اتبعها القادة المصريون حتى مع قواتهم، وبنجاح كبير. فقد انجرفت شعبة الاستخبارات العسكرية وراء هذه الوسائل ووقعت في الفخ الذي نصبه لها العدو. ومن بين هذه الوسائل نذكر ما يلي:


* التمويه والتضليل

* 68. (أ) نقل تفاصيل عديدة عن «التدريبات» (المصرية الى اسرائيل) وايضا عن تدريب «تحرير 41» المزمع تنفيذه، بواسطة الاتصالات اللاسلكية المصرية.

(ب) اعطاء تعليمات ونشر خبر حول ذلك في الصفحة الأولى من صحيفة «الاهرام»، من يوم 4.10.1973، يقول ان وزير الدفاع (المصري) قرر السماح لمن يرغب من الضباط والجنود بأن يسافر الى الحج في مكة (يقصدون اداء العمرة، حيث أنه في تلك الفترة لم يكن موسم الحج، بل كان شهر رمضان المبارك)، و(الاعلان) ان يوم 11 أكتوبر سيكون آخر يوم تقبل فيه طلبات المعنيين (أنظر ملف وثيقة البينات رقم 82). لقد قدرت شعبة الاستخبارات العسكرية بأن هذا الخبر يدل على استمرار «الحياة الروتينية الرتيبة» في الجيش المصري (نشرة الاستخبارات من يوم 2 أكتوبر، ملف وثيقة البينات رقم 82).

(ج) نشر أخبار علنية بواسطة وسائل الاعلام المصرية والسورية حول مخاوفهم من هجوم اسرائيلي في الأيام القريبة (المصدر نفسه، في ملف وثيقة البينات رقم 82).

(د) في نهاية شهر سبتمبر 1973 تم تسريب تلميحات الينا من السوريين، بواسطة ضابط في الأمم المتحدة، بأنه حان الوقت للعودة الى إجراء لقاءات (لضباط سوريين) مع اسرائيليين، كتلك التي أقيمت قبل سنوات عديدة في روش بينا (بلدة اسرائيلية قريبة من الحدود الدولية بين سورية واسرائيل، وهذه البلدة تقوم مكان بلدة فلسطينية تدعى الجاعونة، وقد هدمت وشرد سكانها عام 1948) وفي جسر بنات يعقوب (في منطقة الجولان السورية المحتلة) (المصدر نفسه، في ملف وثيقة البينات رقم 82).

(هـ) ابلاغ لرجال جيش الاحتياط (المصريين) الذين تم استدعاؤهم للخدمة ما بين 28 و30 سبتمبر «لغاية التدرب على عملية الامتثال والتدريب والتنشط»، سيتم تسريحهم في العاشر من أكتوبر. وقد جاء تقدير شعبة الاستخبارات العسكري في الجيش الاسرائيلي حول ذلك بأنه تدريب (عادي) مندمج مع تدريب للقيادات (نشرة الاستخبارات رقم 257/73، من يوم 30 أكتوبر ـ في وثيقة البينات رقم 111).

(و) (اصدار) أوامر لوقف كل الدورات للضباط «لكي يجنوا ثمار التدريبات التكتيكية»، مع التأكيد في الوقت نفسه على ان الدراسة في الكلية العسكرية والقيادة وكذلك كل دورات التدريب ستستأنف ابتداء من الساعة 8:30 من صباح التاسع من شهر أكتوبر (بعد انتهاء التدريبات) (المصدر نفسه، في ملف وثيقة البينات رقم 82). (ز) الاسم الذي اعطي لهذا التدريب الصوري كان «تحرير 41». في حرب يوم الغفران وقعت في أيدينا عدة وثائق كغنائم (وثيقة البينات رقم 299) التي تحتوي بين ما تحتوي عليه «تعليمات تنظيمية للتدريب التابع للمركزين التابعين للقيادة الاستراتيجية التنفيذية من ذوي درجتين في وسائل الاتصال ـ تحرير 41». في البند التاسع من (تلك التعليمات) جاء انه يجب استخدام الهواتف السلكية وأجهزة الارسال بالصورة وضباط اتصال متحركين بوسائل النقل، ويحظر استخدام الاتصالات اللاسلكية إلا بإذن خاص من قائد التدريبات. ربما تكون القيادة المصرية قد نجحت بهذه الوسائل في اخفاء الحقيقة عنا حول الأوامر الحقيقية.

(ح) كان بايدينا خبر...... (رقابة) يقول انه في حالة الحرب سوف يخبو اللهب من فوهة الغاز في حقل النفط «مرجان»، على الطرف الغربي من القناة، لأن عمل الحقل سيتوقف. لكن هذا اللهب لم يخب لا عشية الحرب ولا حتى خلال الحرب (شهادة الجنرال زعيرا، صفحة 666 فصاعدا). ربما يكون المصريون قد امتنعوا عن اطفاء اللهيب لكي يخدعونا.

(طـ) حتى ما قبل اللحظة الأخيرة من بدء الهجوم، شوهد جنود مصريون يتسكعون قرب القناة وهم بلا أحزمة ولا خوذ، يتصرفون بشكل عادي بل يصطادون السمك في القناة (مع ذلك تجدر الاشارة الى انه في يوم 4 أكتوبر شوهد جنود مصريون على القناة أيضا وهم محزمون ويتزنرون بأحزمة الانقاذ، وآخرون يضعون كمامات الغاز على وجوههم) ـ تقرير العمليات ووثيقة البينات رقم 80).


* الإخفاء

* 69. قال الجنرال زعيرا في شهادته أمامنا (صفحة 5740 فصاعدا)، ان عملية الخداع المصرية نجحت بشكل كبير لدرجة انه باستثناء بعض كبار القادة المصريين من أعلى الدرجات، فقد تمكنوا من اخفاء حقيقة النوايا الحربية الهجومية الحقيقية حتى عن القوات المصرية نفسها، الى ما قبل ساعات قليلة من بدء الحرب. وسنفحص الآن كم يوجد من الصدق في ادعاءات شعبة الاستخبارات العسكرية بأنه لم يكن بمقدوره اختراق ستار الخداع الذي فرشه المصريون.

وثيقة البينات رقم 218 (يوجد أيضا في وثيقتي البينات رقم 299 و300) وكذلك وثائق أخرى، تضمنت أوامر تتعلق بعملية هجوم حربي مصري ينفذها الجيش الثالث في سيناء، تحت اسم «غرانيت 2 مصحح». وهناك سلسلة أوامر تستند الى أوامر عمليات كانت قد صدرت حتى النصف الأول من شهر سبتمبر 1973. في أمر العمليات رقم 73/40 الذي أصدرته قيادة الجيش الثالث، في يوم 27.9.1973، جاء : «تقرر السماح بتنظيم المعركة في الدرجات التالية وحسب المواعيد المسجلة في كل منها:

1. حتى درجة كتيبة مشاة أو ما يعادلها ـ حتى 30 سبتمبر 1973.

2. حتى درجة سرية او أقل ـ حتى 1-2 أكتوبر 1973.

3. يجب الحفاظ بشدة على السرية المطلقة في التخطيط والتنفيذ.

4. ..(الوثيقة نفسها موجودة في وثيقة البينات رقم 299، ص 14) في ضوء هذا الأمر التنفيذي، اصدر قائد قسم العمليات في قيادة الوحدة 19 (للجيش المصري)، أمرا حربيا رقم 73/28، فجاء فيه:

«تقرر السماح بالاعداد للمعركة بالمستويات المسجلة وبالتواريخ المرافقة (وهنا تنشر المواعيد المذكورة أعلاه في الأمر رقم 73/40 – التأكيد (بوضع الخط تحت الكلمات، هو( من طرفنا)».

أمر العمليات رقم 73/41 (وثيقة البينات رقم 299) ـ وهو بمثابة وثيقة ترمي الى تنظيم السيطرة على القوات خلال ادارة المعركة الهجومية (الذراع التنفيذية، الجيش الثالث، قيادة الوحدة 19)، يحدد بأن الاستعدادات الهجومية للقوات يجب أن ينتهي حتى الساعة 06:00 من يوم 5 أكتوبر 1973. بعد ذلك، يفصل الأمر أوامر اطلاق العمليات، حسب طريقة «ساعة الناقص (أي الحد الأدنى) وساعة الزائد (الحد الأعلى)، ولكنها لا تحدد ساعة الصفر».

أوامر رئيس طاقم قيادة الجيش الثالث الميداني 73/43، من يوم 3 أكتوبر 1973 (وثيقة البينات رقم 218)، تحدد الساعة 5:00 ـ 6:00 موعدا يجب أن يسجل الى جانب العمليات التي يراد تنفيذها في كل فرع – لأنه «موعد إتمام الاستعدادات للقوات المسلحة في عملية «غرانيت 2 مصحح». وهبط هذا الأمر الى درجات مهزوزة (يقصدون الى مستوى الوحدات المحلية التي يكون اختراقها أسهل من الدرجات العليا)، حسبما دلت الوثائق المصادرة (من الجيش المصري خلال الحرب)، وبضمن ذلك لواء المدرعات 25. والأوامر التنفيذية «غرانيت 2 مصحح» هي خطة الهجوم مع الاشارة الى ان الموعد النهائي لساعة الصفر يتقرر بعد إتمام الاستعدادات الحقيقة (وليس فقط الاستعدادات في «التدريب») ويكون (حاليا( 5:00 ـ 6:00.

70. أعرب الجنرال زاعيرا في شهادته عن الاعتقاد بأنه من خلال استجواب الأسرى (المصريين)، فهم ان الأمر الحربي 73/40 لم يعط إلا لكي يتم تدريب القوات المصرية بصورة مشابهة بأكبر قدر ممكن للعملية الحربية الحقيقية (صفحة 5741). وفي هذا الاطار قدم لنا، فيما قدم، إفادة أسير (عقيد كان رئيس قسم العمليات في الجيش الثالث). قال هذا الأسير (وثيقة البينات رقم 301، صفحة 4)، إنه لم يكن يعرف بأن الحرب شتنشب الى حين تلقي الأمر من قائد الجيش الثالث، في ساعة مبكرة من صباح السادس من أكتوبر. كل الوقت قالوا لهم ذاهبون الى الحرب، ولكن وبما انه لم لم يحدث أي شيء في المرات السابقة فإنه لم يقتنع بإنها ستنفذ هذه المرة. إذن، حسب التعليمات النظامية لـ«تحرير 41» (وثيقة البينات رقم 299)، اتضح ان القيادة المصرية تمكنت من التمويه على نواياها في (الخطة الحربية) «غرانيت 2 مصحح» مظهرة اياها وكأنها تدريبات عادية. ومن الواضح انها، وفقا للتعليمات التي ذكرنا بعضا منها، فقد كانت تمويهات بسيطة ومن المشكوك فيه أن تكون نجحت في تمويه كل درجات القيادة المصرية. من المحتمل أن يكون قسم من الضباط المصريين قد اعتقدوا بأنه في ضوء تجارب الماضي، لن تنشب الحرب أيضا هذه المرة. لكن ضباطا آخرين، بالمقابل، تعاملوا مع الاستعدادات بكل جدية. وتدل على ذلك وصية كان قد كتبها ضابط مصري في الأول من اكتوبر 1973 (وثيقة البينات رقم 218)، بعدما تلقى الأمر حول العملية، كما يبدو في اليوم نفسه.

لقد كانت أوامر العملية، التي ذكرناها، أوامر ملائمة لحالة الخروج الى عملية حقيقية، باستثناء مسألة تحديد ساعة الصفر الحقيقية. الاستعدادات كانت استعدادات حقيقية وأوامر العملية كانت أوامر لعملية حقيقية. فقط أمر واحد كان ناقصا لتتحول الاستعدادات الحقيقية الى هجوم حقيقي: الأمر الذي تذكر فيه ساعة الصفر، وذلك بعد أن ذكروا الساعة 5:00 ـ 6:00.
 
عودة
أعلى