الدروس العسكرية المستفادة

معمر القذافى

عضو مميز
إنضم
8 أكتوبر 2008
المشاركات
2,471
التفاعل
81 0 0
--------------------------------------------------------------------------------
اعادة الموضوع لأنها مهم جداً
الدروس العسكرية المستفادة
حرب الخليج الثالثة
إن الاندفاع بعد أي حرب نحو تقويم الدروس المستفادة منها، يجب أن يتم بقدر كبير من المعالجة الموضوعية بعيداً عن أي ميل لدى الكاتب نحو طرف أو آخر من الأطراف المشتركة في الصراع. وهذا الموقف المحايد يعطى للدروس قيمتها الفعلية، ويمكّن القارئ العسكري من وضع هذه الدروس في الاعتبار عند توفر الظروف التي قد تؤدي في المستقبل إلى صراع مشابه.



ومع ذلك، فإن طبيعة حرب الخليج الثالثة، وحجم القوات المشتركة فيها، وكم ونوعية الأسلحة المستخدمة، والجدل السياسي العالمي الذي سبقها وصاحبها، يفرض ممارسة أكبر قدر من الحذر عند استخلاص الدروس، ليس لأن الدلائل المتوفرة حتى الآن لاتمثل سوى جزء من الحقيقة فحسب، ولكن أيضاً أسوة بكل الحروب، فإن هذا النزاع كان فريداً لأسباب مختلفة.
وعلى وجه العموم، يمكن استخلاص عدد من الدروس الأساسية والثانوية التي يمكن القول إنها صاحبت أحداث الحرب منذ بداية الحشد الاستراتيجي لقوات الحلفاء حتى نهاية الأحداث الرئيسة لهذه الحرب، ويمكن إجمالها على النحو التالي:
1- رغم أن هذه الحرب قد دارت على مسرح العمليات نفسه الذي دارت عليه حرب الخليج الثانية في بداية التسعينيات من القرن الماضي، وبين الطرفين الأساسيين نفسيهما (الولايات المتحدة والعراق) مع اختلاف شكل التحالف في كلا الحربين، إلا أن هذه الحرب انفردت بمميزات اختلفت عن تلك التي استخلصت من حرب الخليج الثانية.
وعلى هذا الأساس، فإن الدرس الأول في هذه الحرب، على صعيد العدو والأرض ومجموعة من الخصائص الأخرى، هو أنها قد انفردت بمميزات أكثر، مقارنة بمعظم الحروب الأخرى، وأنها كانت حرباً فريدة من نوعها.
2- راهنت القيادة العراقية على إمكان تفادي الحرب بعزل الولايات المتحدة سياسياً وإجبارها على انتهاج الحل الدبلوماسي، وذلك بعد قيام الحلف الفرنسي الألماني الروسي بمواجهة سياسية عنيفة ضد الولايات المتحدة لأول مرة في التاريخ.
أما الولايات المتحدة، فقد اتضح منذ البداية أنها كانت عازمة على خوض الحرب، ودفعت آلتها الحربية نحو الخليج دون أن تلتفت للجدل السياسي العالمي الذي دار في أروقة الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وكانت على عجلة من أمرها، وذلك تفادياً لاحتمال نجاح الحلف الأوروبي المناوئ في تعطيل وتأخير ميعاد بدء الحرب (والذي تغير أكثر من مرة خلال شهري فبراير ومارس)، وكذلك تفادياً للرأي العام الأمريكي الذي مال في بعض الأحيان نحو إعطاء الفرصة الكافية للحل الدبلوماسي، وكذلك الرأي العام العالمي الذي شكل عنصر ضغط على الرأي العام الأمريكي. وكان الهدف الرئيس للقيادة الأمريكية هو تغيير النظام السياسي في العراق، وإن صاحب ذلك أهداف ثانوية أخرى. وبدأت في الإعداد للعمل العسكري الضخم الذي كان من المزمع القيام به في فترة الطقس المناسب في المنطقة قبل حلول الصيف الحار وتورط الجنود الأمريكيين في قتال قد يكون الطقس الحار عدواً غير مرغوب فيه، خصوصاً وأنه كان من المتوقع - أمريكيا - أن يرتدى الجنود مهمات الوقاية الكيميائية تحسباً لضربات كيميائية محتملة من الجانب العراقي.
3- إن هذه الحرب ستكون لعدة عقود قادمة، بمثابة الشكل النموذجي للنزاعات المقبلة في العالم الثالث، وسوف تكون الحروب المقبلة التي تشترك فيها الولايات المتحدة كطرف رئيس نسخة متكررة من هذه الحرب، مع الفارق المحتمل في نوعية الأسلحة الجديدة وقوة النيران الغير مسبوقة.
4- بدأ التحالف في حشد السفن وحاملات الطائرات والدبابات والطائرات في القواعد العسكرية في مناطق الانطلاق، وظهر جلياً تصميم الولايات المتحدة وبريطانيا على خوض الحرب واقتلاع النظام العراقي، ولكن القيادة العراقية لم تستجب لهذا الخطر الماحق القادم، إذ إن النظام العراقي لم يتخذ أية خطوات من شأنها إعاقة تحضيرات التحالف للحرب، وذلك بعد أن أجمع كافة المحللين العسكريين أن الولايات المتحدة سوف تخوض الحرب رغم جميع الصعاب السياسية التي واجهتها في فترة ما قبل العمليات. لقد كرر النظام العراقي الخطأ نفسه الذي ارتكبه في حرب الخليج الثانية، وذلك أنه جلس وانتظر، معتمداً على أن خصومه سوف يفقدون عزيمتهم السياسية للشروع في الحرب تحت وطأة الاتجاهات السياسية المعاكسة من دول أوروبا القوية وباقي دول العالم الثالث. وكان آخر مثال على ذلك ما فعله هتلر في الثلاثينيات، ولكنه عندما أدرك بأن الحرب محتومة، بادر بالضربة الأولى وأرسل جيوشه إلى فرنسا في مايو عام 1940م. ومن الواضح أن القيادة السياسية في العراق قد افترضت أنها ستتخذ غطاء دفاعياً يسمح لها بإنزال خسائر فادحة بين صفوف قوات التحالف.
5- لقد أظهر صدام حسين ولعاً ملفتاً للنظر في ارتكاب الأخطاء القاتلة في التقدير، لقد أساء تقدير كل قرار جوهري اتخذه ابتداء من عملية غزو الكويت، والذي كان يعتقد أن العالم سوف يغض الطرف عنه وأن الولايات المتحدة لن تبادر بشن حرب، وقد ظل المعلقون في الغرب يرددون بشكل مطرد خطورة التغيير المفاجئ المتوقع لمنهج صدام حسين، وأنه سوف يترك الكويت وينسحب على أن يحتفظ بحقل نفطي أو حقلين موضع نزاع، موضحاً رغبته بإعادة الكويت وفقاً لمبرراته، إلا أنه لم يفعل أي من هذه الأمور، بل سمح لقوات التحالف بالتجمع والتأقلم والابتكار لعدة شهور والهجوم، وبالتالي تدمير جيشه، وكأنه يلعب بإصرار للوقوع في قبضة أعدئه. وتكرر هذا المنهج في الحرب الثانية وكأن التاريخ يعيد نفسه.
العنصر الفريد الآخر في هذه الحرب أن العراق دولة لديها عدد قليل من الموانع الطبيعية التي تعيق الغزو من البر أو البحر، وأرضها تسمح بمراقبة مستمرة لكل قدم مربع، وباعتبارها عملياً دولة تفتقر إلى المنافذ البحرية. إلى جانب ذلك فإن الصحراء المسطحة وعديمة العوارض الأرضية، جعلت حتى من الدبابات المتخندقة خارج المدن أهدافاً رائعة للأسلحة الأمريكية الدقيقة. لم تكن البيئة الصحراوية مثالية للأسلحة الأمريكية، ومع حدوث بعض الأعطال الميكانيكية في الأسلحة والمعدات الأمريكية، إلا أنه تم التغلب عليها بواسطة الصيانة الشاملة المقرونة بحرية استخدام قطع الغيار في الميدان.
6- أثبتت هذه الحرب، بما لايدع مجالاً للشك، بأن القوات الأمريكية مازالت تعتمد سياسياً وإدارياً "لوجستياً" على أصدقائها وحلفائها (رغم قلتهم عن حرب التسعينيات)، وبالتالي فإن الولايات المتحدة ستكون غير قادرة على القيام بأية عمليات طارئة رئيسة بدون مساعدة جوهرية من الدول الأخرى، إن خيار (الانفراد بالعمليات) ببساطة لم يعد له أساس من الوجود، رغم أن هذا لم يمنع التكلفة الباهظة للحرب نتيجة غياب حلفاء الأمس في حرب الخليج الثانية، فمثلاً ساهمت ألمانيا في حرب الخليج الثانية بنقل الفيلق السابع الأمريكي في الأراضي الألمانية بتقديم 465 قطاراً، و312 برجاً لرفع البضائع، و 119 قافلة من السفن، وقد تم تنسيق هذه العملية أساساً من قبل 4 دول من حلف الناتو باستخدام كل من الوكالات العسكرية والمدنية، كما ساعدت أوروبا الولايات المتحدة في تلك الحرب بمجهود جوى شمل 578 طائرة و 140 سفينة أخرى. لقد قامت الولايات المتحدة بمفردها تقريباً بالعبء الإداري الضخم لخدمة أكثر من ربع مليون جندي ونقلهم عبر آلاف الأميال وتمركزهم في مناطق الانتظار البرية تمهيداً لتنفيذ أقوى حملة عسكرية في القرن الواحد والعشرين.
7- بالإضافة إلى اعتماد الولايات المتحدة منطقيا على غيرها من الدول، فإنها حتى في قطاع الدفاع المدني تعتمد صناعياً على الأصدقاء، ولكن في مرات قادمة قد يصبح من المتعذر على مخططي الولايات المتحدة الاستفادة من هذه المشاركة الدولية القوية، وعلى سبيل المثال، فإن الرقائق الدقيقة التي تعتبر الحاجة ماسة إليها، وبعض الأجهزة الإلكترونية المستخدمة في الأجهزة والمعدات الأمريكية، يتم صنعها في اليابان، فماذا - ولأي سبب - لو قررت اليابان أن لا تقوم بمساعدة الولايات المتحدة في هذا المجال؟ لاشك بأن ذلك سيمثل مشكلة حقيقية.
8- بالرغم من أن هذه الحرب كانت فريدة فينوعها، إلاأنها وثقت لبزوغ عهد جديد يتسم بالإثارة، إن تأثير التكنولوجيا العالية في الأسلحة وأنظمة القيادة والسيطرة والاستخبارات والمجالات العسكرية الأخرى، أحدث ثورة فيطبيعة الحرب.
ونتيجة لمدى ودقة أسلحة ضرب العمق الحديثة، فقد شرع المفكرون العسكريون في جدال مؤداه أن ميادين المعارك في المستقبل ستكون مختلفة عن تلك التي شهدتها الحرب العالمية الثانية، ومستقبلاً فإن القوات الضخمة والبطيئة الحركة المنتشرة بمحاذاة خطوط أمامية واضحة المعالم ستكون معرضة للهجوم بواسطة الأسلحة الذكية التي تطلق من بعد عشرات أو ربما مئات الأميال أو تلقى من الطائرات المهاجمة. نتيجة لذلك فإن الجيوش الحديثة تنظر بجدية إلى مفاهيم الحرب الغير خطية، حيث تقوم وحدات صغيرة وخفيفة الحركة وأكثر استقلالية، بالمناورة حول ميدان المعركة ومهاجمة تشكيلات العدو، ومن ثم تذوب في عناصر أصغر وأقل عرضة لهجوم الأسلحة الذكية، وعلى غرار الحرب في البحر، فإن التركيز لن ينصب على احتلال الأرض، بل على تدمير قوات العدو.
وبرغم توفر بعض أجهزة التشويش المتقدمة لدى الجانب العراقي في الأيام الأولى من الحرب وتأثير ذلك على دقة وصول بعض الصواريخ الموجهة من السفن وحاملات الطائرات إلى أهدافها، فقد قامت الولايات المتحدة بالمناورة بأقمارها الصناعية لتجنب هذا التشويش وحافظت على تفوقها الساحق في ميدان الأسلحة الذكية وأسلحة ضرب العمق، مع استغلال أنظمة الفضاء والطائرات في القيادة والسيطرة، واستخدام القوات الخاصة أو القوات المحمولة بالطائرات العمودية في اكتشاف وتدمير الوحدات المدرعة المعادية، بالإضافة إلى تحقيق التفوق الجوي الساحق دون منافس، والذي أدى إلى استخدام القوة الجوية في إنزال الضربات الجوية على الخصم وتحييد تحركاته إلى حد قريب من الشلل.
9- من البدهي أن التأكيد الأكثر إقناعاً بالنسبة للثورة في عالم الحرب كان جلياً في استخدام القوة الجوية في الحملة الجوية، فبالإضافة إلى الغارات العنيفة على المدن وخصوصاً في الأيام الأولى، فقد دمرت مئات الدبابات العراقية التي حاولت الخروج من المدن لتنفيذ مهام خارجها، وما تبع ذلك من خسائر مؤكدة في العنصر البشرى لهذه القوات. وبالطبع فإن القوة الجوية المكثفة التي تستخدم الأسلحة الدقيقة "المحكمة" والحديثة، ستظل ميزة أساسية للولايات المتحدة في أية عمليات طارئة، وستكون في ظل بعض الظروف المشابهة لحرب العراق العنصر الحاسم في قدرات الولايات المتحدة في المستقبل.
10- في سياق هذه الثورة، من المهم عدم إغفال الكفاءة النسبية للذخائر الموجهة التي تطلق من الجو، مقابل تلك التي تقذف من الأرض. إن العامل الأساسي في الحرب الذي بدأ يبزغ إلى حيز الوجود يكمن في نظرية التسديد "عبر الأفق"، التي تتلخص بمشاغلة قوات العدو حتى خارج مدى رؤية أجهزة الاستشعار الأرضية. إن تكنولوجيات إدارة المعركة وأنظمة الإنذار والسيطرة وأجهزة الاستشعار المخصصة لمهاجمة الأهداف، وجميع الأنظمة الأخرى التي تعمل في هذا المجال، تستخدم لإيجاد وضرب وحدات العدو من مديات طويلة. وقد استخدمت في هذه الحرب أسلحة "عبر الأفق" الأرضية مثل الصواريخ التكتيكية، وكانت الأسلحة الدقيقة التي تطلق من الجو أحد نجوم هذه الحرب، ولكن يجب الوضع في الاعتبار أن الولايات المتحدة لن تتمكن من استخدام هذه الأسلحة بالكفاءة نفسها إذا كانت ستواجه خصماً لديه دفاع جوي قوي ومتقدم وقادر على مواجهة هذه الأسلحة.
11- للسيطرة على الطائرات التكتيكية والطائرات العمودية وصواريخ "كروز"، والأسلحة والوحدات القتالية الأخرى، ولإدارة ميدان المعركة بأكمله بالفعل، فإن قوات التحالف استخدمت مراكز قيادة وسيطرة تعرف بأنظمة إدارة المعركة وذلك لتنسيق المعركة الدائرة، وقد عملت هذه الأنظمة بشكل مثالي، وفي ميدان المعركة الحديث، فإن تعيين هدف معاد وتوجيه الأسلحة الدقيقة إليه أصبح مساوياً على وجه التقريب لتدميره. إن الأساس هو إقامة نظام متعاون للكشف والتسديد والهجوم، كما تقوم الأقمار الصناعية وطائرات الاستطلاع والطائرات بدون طيار وجميع مصادر الاستخبارات الأخرى بتحديد مواقع قوات العدو واقتفاء أثرها، وتتولى طائرة إدارة المعركة والمحطات الأرضية توجيه الطائرات المهاجمة والسفن أو وحدات المناورة الأرضية لمجابهة العدو. إن أنظمة الأسلحة تقوم بالهجوم، ومن ثم يأتى دور الاستخبارات مجدداً، ولكن في هذه المرة للاضطلاع بمهمة تقويم أضرار المعركة. وكما اتضح من واقع البيان العملي الحاسم في الحرب فإن عملية التوجيه والهجوم المماثلة في الوقت المناسب يمكن أن تدمر القوات المعادية بمعدلات مذهلة. إن المنصتين الأساسيتين في مجال إدارة المعركة بالنسبة لحرب الخليج الثالثة، كانتا نظام الإنذار والسيطرة المحمول جواً (أواكس) وطائرة النظام الراداري للمراقبة المشتركة لمهاجمة الأهداف "جستارس"، وقد تولت الأولى إدارة معظم فعاليات المعركة الجوية، وساعدت الأخرى في تعقب التحركات على الأرض وتوجيه القوات البرية للتحالف، وأثبتت كلتاهما فعالية ملفتة للنظر.
12- قامت أنظمة الفضاء بمساندة العمليات العسكرية للتحالف بطرق متنوعة الأشكال، بدءاً من الكشف، وانتهاء بإدارة المعركة، وقد وفرت الأقمار الصناعية الخاصة بنظام التوضيع العالي بيانات ملاحية للوحدات البرية والبحرية والجوية لقوات التحالف مستخدمة عدة آلاف من أجهزة الاستقبال لنظام التوضيع العالي، كما عالجت الأقمار الصناعية للمواصلات قدراً كبيراً من الرسائل الصوتية والبيانات، كما وفرت الأقمار الصناعية للإرصاد الجوي بيانات حيوية عن الأحوال الجوية لتخطيط العمليات القتالية، وقدمت أنظمة الإنذار الفضائية مؤشرات عن إطلاق الصواريخ العراقية. ويمكن القول إنه - وكما في حرب الخليج الثانية - يمكن أن يطلق على هذه الحرب: "الحرب الفضائية الشاملة".
13- إن عملية تقويم أضرار القصف تعتبر ضرورية لضمان فعالية العمليات العسكرية، بل وتعتبر بمثابة مضاعف للقوة يسمح للقادة العسكريين في الميدان بتركيز هجمات متتالية على الأهداف المتبقية الأكثر أهمية، وفي حرب الخليج الثانية، لم يعمل كل عنصر في أنظمة إدارة المعركة للتحالف على نحو متساو في الفعالية، وكانت إحدى السلبيات الأساسية للقدرات العسكرية للتحالف، وكان ذلك إما بسبب الطقس السيئ في بعض الأحيان، أو لأن الولايات المتحدة اعتمدت إما على صور الأقمار الصناعية أو منصات الاستطلاع في الطائرات، وفي حرب الخليج الثالثة، تحسن أداء هذه الأجهزة، ولكن بعض التقارير لم تكن دقيقة في بعض الأحيان، خصوصاً تلك التي وضعت عن تدمير بعض المنشآت الحكومية العراقية في الأسابيع الأولى من الحرب.
14- كانت المركبات الجوية غير المأهولة أفضل الوسائل التي استخدمت في مجال تقويم أضرار القصف في ميدان المعركة، وهي طائرة صغيرة بدون طيار، تتميز بالقدرة على التحليق حول ميدان المعركة للمراقبة من خلال الفيديو والأشعة تحت الحمراء وأساليب المراقبة الأخرى، ومن ثم إرسالها إلى مراكز القيادة، وقد فاق أداء هذه الطائرات كل التوقعات، وقد قامت المركبات الجوية غير المأهولة، والمعروفة أيضاً بمركبات القيادة النائية، بتنفيذ مهام عديدة، منها - على سبيل المثال - الطيران المسبق عبر الممرات التي تسلكها طائرات الأباتشي التابعة للقوات البرية في هجماتها الليلية، كما ساعدت في توجيه نيران مدافع السفن البحرية. ويمكن لأسطول من المركبات الجوية غير المأهولة أن يدور فوق ميدان المعركة على امتداد 24 ساعة في اليوم، لتعيين الأهداف بصورة متواصلة لمجموعة متناوبة من الطائرات الهجومية، أو للذخيرة الذكية التي تطلق من منصات إطلاق الصواريخ أو قطع المدفعية في المؤخرة.
15- برهنت حرب الخليج الثالثة عملياً على القيمة المتصاعدة للطائرات العمودية في الحرب الحديثة، وفي كثير من النواحي فإن الطائرات العمودية تعتبر مناسبة للحرب غير الخطية، لأنها توفر خفة حركة (قابلية حركة) وقدرة على تدمير الوحدات الأرضية المعادية، وتلحق فوق الموانع الأرضية - مثل الجبال والأنهر - لإقامة قواعد جديدة للعمليات كلما دعت الضرورة إلى ذلك. وقد قامت هذه الطائرات بدور فعال في تدمير أعداد كبيرة من الدبابات العراقية سواء المتحركة أو الموجودة في تحصينات دفاعية.
16 - خططت القيادة الأمريكية هذه الحرب لتكون حرباً على مدار 24 ساعة يومياً، سواء في القصف الجوى أو تقدم القوات البرية أو عناصر الاستطلاع، بهدف إنهاك الخصم وشل قدراته الميدانية. وقد استخدمت في هذا المجال أجهزة الرؤية الليلية والصور الحرارية، وقد تم تناوب القوات القائمة بالقتال، سواء في القوات الجوية أو البرية، بحيث تم تجنب الوصول إلى المدى القياسي في إجهاد المقاتلين، والذي يصل من 48 ساعة إلى 60 ساعة متصلة، وبالذات في ميدان المعركة الحديث الذي يتميز بالسرعة، علماً بأن أطقم الجو والبحر كان بإمكانهم التناوب على نحو أسهل من الوحدات البرية المقاتلة.
17- إن طبيعة الحرب لم تتغير، وبالرغم من أن الثورة في الحرب لاتزال في طور النمو، إلا أن ملامحها الأساسية بدأت تتبلور بوضوح. إن تأثير التكنولوجيا في الأسلحة الذكية الموجهة والأنظمة الخفية وأنظمة الاستشعار والتوجيه المتطورة ومنصات إدارة المعركة، حولت فعلاً بالبيان العملي الطريقة التي أدارت بها الولايات المتحدة الصراع المسلح على أرض العراق. لقد ظهرت بوضوح نتائج حرب التكنولوجيا العالية ضد دولة ذات تكنولوجيا متدنية، رغم محاولات النظام العراقي المتعددة لاتباع أساليب المقاومة الشعبية وحرب العصابات، إلا أنه في النهاية قد ثبت أن قيام دولة من العالم الثالث بمفردها بالدخول في مواجهة عسكرية ضد قوة عظمى تملك أضخم آلة حربية في التاريخ هو أمر يدخل في نطاق الانتحار.
18- لقد ثبت ارتفاع مستوى تدريب القوات الأمريكية، وهى القوة الأساسية في التحالف بشكل واضح، من خلال العمليات القتالية المختلفة التي خاضتها خلال الحرب، وهذا يذكر بأن نوعية الأفراد في القوات المسلحة الأمريكية هي - إلى حد ما - نتاج التجربة المريرة للجيش الأمريكي في السبعينيات عندما انهارت الروح المعنوية للجيش الأمريكي في فيتنام وافتقرت إلى الاعتداد بالنفس والتقدير الاجتماعي، مما حدا بالولايات المتحدة إلى الشروع في تطبيق برنامج شامل للارتقاء بمستوى الانضباط والتدريب وإعاة بناء القوات المسلحة الأمريكية، رافعين شعار الاحترافية والجاهزية القتالية، وكانت أدوات إعادة البناء تشتمل على تدريب تخصصي وقواعد تدريب وتكنولوجيات تدريب تتناسب مع إعداد أكبر وأقوى قوة حربية في التاريخ الحديث.
19- قامت فلسفة فكرة الحرب - من وجهة نظر التحالف - على مبدأ "الرعب والصدمة" واستمد هذا الشعار قوته من الإمكانات القتالية الجوية والبرية والبحرية الهائلة المتيسرة لقوات التحالف. لقد تم دمج القوة النارية الجبارة الموجهة بأدوات التكنولوجيا غير المسبوقة بخطة برية شاملة غير معقدة لهز وخلخلة توازن الخصم بضربات جوية عنيفة شملت جميع الصواريخ والقنابل والذخائر الذكية، وبواسطة حاملات الطائرات والقاذفات المهاجمة والحوامات القتالية، كل ذلك في حملة مستمرة ليلاً ونهاراً، كان لها الأثر الفاعل في إضعاف تحمل القوات العراقية المدافعة في مواقع ثابتة وغير محمية بغطاء جوي يحمي تشكيلاتها. ولأول مرة منذ الحرب العالمية الأولى تقاتل دولة لديها قوات جوية دون أن تنطلق من مطاراتها طائرة واحدة إلى سماء المعركة.
لقد أدت حروب الخليج الثلاث التي دارت على أرضه منذ عام 1980م وحتى عام 2003م إلى مصرع أكثر من مليون شخص من الدول المتحاربة، أكثرهم من إيران والعراق، واشتركت فيها جيوش من الغرب والشرق، وكانت العراق هي الدولة المحورية في كافة هذه الصراعات. ورغم تباين الأسباب والدوافع التي أشعلت نيران هذه الحروب الدامية، فإن هذه الحروب جميعاً لم تحقق للعراق أو للدول المجاورة له سوى الخراب والتدمير والديون وافتقاد الثقة بين الشعوب التي اكتوت بلهيب هذه الحروب
المراجع:
 
رد: الدروس العسكرية المستفادة

رااااااااااااااااااااااااائع موضوعك
اخي
بارك الله فيك
 
عودة
أعلى