تونس تسعى لبرنامج قرض بقيمة 4 مليارات دولار مع صندوق النقد

إنضم
25 مارس 2021
المشاركات
1,632
التفاعل
4,135 128 4
الدولة
Austria
قال رئيس الحكومة التونسية هشام المشيسي الجمعة 30 أبريل في مقابلة مع رويترز إن بلاده تسعى لبرنامج قرض بحوالي أربعة مليارات دولار مع صندوق النقد الدولي يمتد على ثلاثة سنوات، مضيفا أن المفاوضات ستبدأ الأسبوع المقبل.




وقال المشيشي "يجب توحيد كل الجهود في تونس لأننا نعتبر أننا وصلنا إلى الفرصة الأخيرة ويجب أن نستغلها لإنقاذ الاقتصاد والبلاد."
 

تفاصيل برنامج الإصلاحات الاقتصادية الذي ستعرضه الحكومة في واشنطن على صندوق النقد الدولي​

image_news_get.ashx

يتحول وفد حكومي يوم الاثنين 3 ماي 2021 الى واشنطن لمناقشة برنامج تمويل جديد مع مسؤولي صندوق النقد الدولي والبنك العالمي ومسؤولي الخزانة الامريكية. ولإنجاح المفاوضات والوصول الى اتفاق تمويل جديد، فان الوفد الحكومي برئاسة وزير الاقتصاد والمالية ودعم الاستثمار علي الكعلي لن يتحول الى واشنطن خالي اليدين بل سيعرض برنامج الإصلاحات الاقتصادية الذي أعدته الحكومة التونسية.
وفي حوار مع "موقع البورصة" قال عبد السلام العباسي، المستشار الاقتصادي لرئيس الحكومة هشام المشيشي، ان برنامج الإصلاحات الاقتصادية المزمع عرضه على مسؤولي صندوق النقد الدولي والبنك العالمي، تمت مناقشته في إطار لقاءات بيت الحكمة التي اجراها رئيس الحكومة مع مختلف المنظمات الوطنية والخبراء الاقتصاديين منذ شهر ونصف تقريبا.

المحاور الأساسية لبرنامج الإصلاح الاقتصادي

أفاد المستشار الاقتصادي لرئيس الحكومة ان البرنامج الجديد للإصلاح الاقتصادي يرتكز على 6 محاور، اذ يهم الأول تحرير الاقتصاد التونسي من الممارسات المخلة بقواعد المنافسة وتحسين مناخ الاعمال متابعا بالقول في هذا الصدد " يستوجب هذا المحور الغاء التراخيص وتدعيم مجلس المنافسة وتبسيط مجلة الصرف وادماج الاقتصاد الموازي في الدورة الاقتصادية الرسمية".
ويرتكز المحور الثاني على الجانب الجبائي عبر تحسين إمكانيات الدولة في تحصيل الموارد وجمعها اذ انه في إطار الإصلاح الجبائي يقترح برنامج الإصلاح الاقتصادي احداث وكالة مكلفة بتعصير ورقمنة الإدارة الجبائية واستخلاص الاداءات.
ويضيف العباسي ان البرنامج يقترح أيضا تبسيط أكثر للاداءات الموظفة على المؤسسات والأداء على القيمة المضافة وبقية الاداءات في إطار ادماج الاقتصاد الموازي في الاقتصاد المنظم والمهيكل والتقليص من الهوة الجبائية.
ويهتم المحور الثالث بحسب المتحدث، بإصلاح منظوم الدعم من خلال مراجعة نظام التعويض وذلك بتوجيه الميزانية المخصصة لدعم المواد الأساسية بإسناد منح مالية مباشرة للعائلات المحتاجة.
ويبين المستشار الاقتصادي لرئيس الحكومة ان هذا الإصلاح سيمتد على عامين اثنين بالتوجه تدريجيا نحو اعتماد حقيقة أسعار المواد الأساسية المدعمة بينما التحويل المالي للعائلات المستهدفة سيكون يعادل الترفيع في اسعار المواد المدعمة.
وأبرز انه سيتم في مرحلة أولى إرساء قاعدة بيانات يستوجب على العائلات المعنية التسجيل فيها ثم إرساء نظام تصريح لهذه العائلات حتى لا يمكنها التمتع بالمنح مباشرة الا إذا صرحت بالاداءات وبدخلها.
ويوضح عبد السلام العباسي في هذا الاتجاه ان هذا الطريقة ستخول للحكومة التثبت من صحة المعلومات المتعلقة بالأشخاص المسجلين في قاعدة البيانات بهدف تشخيص العائلات المحدودة الدخل والمحتاجة فعليا.
وبالنسبة الى المحور الرابع فهو يتعلق بتثمين واعتماد الحراك الوظيفي في الوظيفة العمومية (تنقل الموظفين بين مختلف الإدارات) اذ يندرج هذا المحور ضمن تحسين ورقمنة الخدمات الإدارية.
اما المحور الخامس فسيركز وفق المتحدث على مسالة اصلاح المؤسسات العمومية موضحا ان الدولة ارتأت بالتشاور مع الاتحاد العام التونسي للشغل التفويت في مساهماتها الدنيا في المؤسسات العمومية وإعادة ضخ الأموال المتأتية من هذا التفويت في صندوق يهتم بإعادة هيكلة المؤسسات العمومية الأخرى.
وأعلن في هذا الصدد عن اعتزام الحكومة بعث وكالة للتصرف في مساهمات الدولة من اجل ضمان حوكمة أفضل في المؤسسات العمومية.
بينما يهتم المحور السادس والأخير بالاستثمار وإعادة إطلاق الاقتصاد الوطني اذ تعتزم الحكومة للغرض إقرار إجراءات من شانها الترفيع في حجم الاستثمارات وتشجيع الشراكة بين القطاعين العام والخاص.

الحكومة متفائلة

بالرغم من الوضعية الكارثية للمالية العمومية عبر المستشار الاقتصادي لرئيس الحكومة عن تفاؤله من زيارة الوفد الحكومي الى واشنطن كاشفا عن ان صندوق النقد الدولي هذه المرة لم يفرض على تونس برنامج إصلاحات بل ان الحكومة التونسية هي من التزمت وتعهدت بإعداد برنامج إصلاحي.
واضاف ان هذا البرنامج جاء ثمرة لاستشارة مع الشركاء الاجتماعيين وحاز على توافق واسع من مختلف المكونات.
وأعلن العباسي ان الحكومة التونسية ستطلب رسميا من الولايات المتحدة الامريكية ضمانا للخروج على الأسواق المالية الدولية لتعبئة الموارد المالية الضرورية لتمويل ميزانية 2021 لافتا الى ان الولايات المتحدة الامريكية لا طالما ساندت تونس معتقدا انها ستواصل هذه المساندة خاصة في هذا الظرف الاقتصادي الصعب.
وعن قيمة القرض المالي الذي تنوي تونس طلبه من صندوق النقد الدولي ضمن الاتفاق الجديد المزمع امضاؤه بين الطرفين قال العباسي ان المسالة لا تزال محور نقاشات على مستوى وزارة الاقتصاد والمالية ودفع الاستثمار.

الدبلوماسية التونسية تتحرك

قبل تحول الوفد الحكومي يوم 3 ماي المقبل الى واشنطن برئاسة وزير الاقتصاد والمالية ودعم الاستثمار علي الكعلي نشطت الدبلوماسية التونسية للحصول على دعم الإدارة الامريكية والاتحاد الأوروبي وبقية الدول الأوروبية.
وكثف رئيس الحكومة هشام المشيشي في الفترة الأخيرة من لقاءاته مع عدد من سفراء الدول الصديقة لتونس باستقباله دونالد بلوم لسفير الولايات المتحدة الامريكية وماركوس كورنارو سفير بعثة الاتحاد الاوروبي بتونس واندريه بارنات سفير فرنسا وبيتر بروغل سفير المانيا.
ومثلت هذه اللقاءات مناسبة للتحاور بشأن برنامج الإصلاحات الاقتصادية الذي تعتزم الحكومة التونسية عرضه على مسؤولي صندوق النقد الدولي والبنك العالمي في واشنطن املة في الوصول الى اتفاق جديد والحصول بموجبه على قرض جديد. وقد أعرب السفراء عن مساندتهم لتونس من إنجاح برنامج الإصلاحات الاقتصادية
يشار الى ان تونس تحصلت في سنة 2016 على قرض من صندوق النقد الدولي بقينة 2.8 مليار دولار لتنفيذ حزمة من الإصلاحات الاقتصادية تم الاتفاق بانها الا انه لم يقع تنفيذها بالكامل.


حاوره عمر العودي
تم النشر في 25/04/2021
 
صراحة انا لست متفائل فأنا لا أثق في حكومة المشيشي و حزامها السياسي
 
على وقع أعنف أزمة سياسية واقتصادية تمرّ بها تونس، أطلق خبراء في الاقتصاد وقيادات سياسية أجراس الإنذار، معبّرين عن مخاوفهم الجادة من اقتراب تونس من الإفلاس.

وذلك بعد الارتفاع القياسي لعجز الميزانية، وعدم قدرة الحكومة على الإيفاء بتعهداتها المالية للدائنين في الخارج، ما بات يهدّد استقلالية قرارها السيادي، ويجعلها رهينة إملاءات مؤسسات مالية دولية.

أعلن وزير المالية والاقتصاد علي الكعلي ذلك صراحة أمام البرلمان خلال جلسة عامة، قائلاً إن البلاد بحاجة إلى الاقتراض مجدداً، لا للاستثمار بل لتسديد ديونها ولمواصلة صرف الجرايات ومنح التقاعد، مؤكداً أن القيمة الإجمالية للقروض التي وقعت برمجتها في ميزانية 2021 تقدر بنحو 18.4 مليار دينار، أي نحو 6 مليارات دولار.

قدّر خبراء في الاقتصاد أن تتجاوز نسبة الدين الخارجي لتونس مئة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، أي ما يعادل 30.3 مليار دولار، وهو ما يعني أن كل مواطن تونسي عليه دين يقدَّر بـ10 آلاف دينار، أي 3 آلاف دولار.

finance-problem-tunisia-poor-person-empty-wallet-national-flag-background-poor-person-empty-wa...jpg


إفلاس غير مُعلَن

تقول الخبيرة في الشأن الاقتصادي جنات بن عبد الله في تصريح لـTRT عربي، إن "تخفيض وكالة موديز الأمريكية التصنيف الائتماني للاقتصاد التونسي إلى B3 مع آفاق نمو سلبية، زاد تعميق الأزمة المالية للبلاد، وبعث برسالة سلبية إلى الدائنين في الخارج، بأن تونس غير قادرة على التزام تعهُّداتها المالية وتسديد ديونها وباتت عاجزة عن خلق الثروة وتوفير مناخات استثمار آمنة".

تؤكد بن عبد الله أن تونس باتت في وضع إفلاس غير مُعلَن، وأنه لم يعُد لها من خيار سوى الخضوع لإملاءات صندوق النقد الدولي الذي تعوّل عليه الحكومة لإنقاذ المالية العمومية في الداخل وتسديد ديونها المالية في الخارج، وتحذّر الخبيرة الاقتصادية في المقابل من التداعيات الكارثية لتنفيذ تونس برنامج الإصلاحات الهيكلية التي طالب بها صندوق النقد الدولي، ومنها الضغط على كتلة الأجور، ومنع الانتدابات في الوظيفة العمومية، ورفع الدعم عن المحروقات والموادّ الأساسية، ورفع نسبة الفائدة، بما يعني حسب توصيفها "مزيداً من تفقير الشعب التونسي وتدمير منظومة الإنتاج وفقدان السيادة والقرار الوطني بالكامل".

رحلة واشنطن


تعلّق حكومة هشام المشيشي آمالاً كبيرة للخروج من أزمتها المالية الخانقة وسداد ديونها على رحلة واشنطن مطلع الشهر القادم، للتفاوض مع صندوق النقد الدولي حول خطة الإصلاح الاقتصادية والاجتماعية التي يطالب بها مجلس إدارة الصندوق منذ مدة.

رحلة التفاوض مع صندوق النقد الدولي التي سيذهب فيها رئيس الحكومة إلى واشنطن برفقة وفد وزاري رفيع المستوى، مطلع الشهر القادم، استبَقها هشام المشيشي بماراثون من المشاورات مع المنظمات الوطنية (اتحاد الشغل واتحاد الصناعة والتجارة) ومع قيادات سياسية من الحزام البرلماني الداعم له، إضافة إلى ثلة من الفاعلين الاقتصاديين في ما بات يُعرف بـ"مشاورات بيت الحكمة"، بهدف وضع خطة للإنعاش الاقتصادي وإصلاح المؤسسات العمومية ومنظومة الدعم وعرضها على المانحين الدوليين.

A1-9.jpg


السيناريو اليوناني

وفي هذا الإطار يقول محمد صادق جبنون، الناطق الرسمي باسم حزب قلب تونس الداعم للحكومة، في تصريح لـTRT عربي، إن "الوفد الحكومي الذي سيسافر إلى واشنطن، سيطرح أمام صندوق النقد الدولي خطة إصلاح اقتصادية واجتماعية هيكلية وشاملة، مقابل الحصول على دعم مالي تعوّل عليه الحكومة لإنعاش اقتصادها وإنقاذ المالية العمومية".

ويضيف: "تونس وصلت اقتصادياً إلى الرمق الأخير في ظلّ مؤشرات سلبية، منها 9% نسبة نموّاً سلبيّاً و16.5% نسبة العجز في الميزانية، إضافة إلى أنه لا آفاق حقيقية لتحسين مناخ الاستثمار في ظلّ تعطُّل نسق التلاقيح ضد فيروس كورونا، وشحّ تمويل البنوك للمؤسسات".

يشير جبنون إلى أن تونس ستحتاج خلال هذه السنة إلى ما بين 18 و23 مليار دينار لتمويل ميزانية 2021 دون اعتبار الميزانية التكميلية، محذراً من الأعباء والمصاريف الإضافية التي ستتحملها في ظل ارتفاع أسعار المحروقات وارتفاع نسبة الفائدة على الديون لتتجاوز 11% بعد أن كانت في حدود 3%.

ويعوّل القيادي في حزب قلب تونس على تجاوز القيادات السياسية والأحزاب في تونس خلافاتهم السياسية، والجلوس إلى طاولة واحدة من أجل الحوار ودعم الحكومة في مشروعها الإصلاحي بهدف إقناع المانحين الدوليين، لافتاً إلى أن موافقة صندوق النقد الدولي على دعم تونس سيكون بمثابة طوق نجاة وبوابة أمل جديدة ستنعش الاقتصاد وتُعيد مناخات الثقة إلى المستثمرين الأجانب وإلى الدائنين، لكنه حذّر في المقابل من أن فشل التفاوض مع المؤسسة الدولية المالية ستكون له عواقب كارثية على تونس، ليست أقل من السيناريو اليوناني.

مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا كانت وجهّتَ الجمعة الماضية رسالة إلى رئيس الحكومة هشام المشيشي، أكدت فيها أن مؤسستها ستبقى شريكاً موثوقاً لتونس، مثمّنة سلسلة الحوارات التي أجرتها الحكومة مع المنظمات الوطنية والفاعلين الاقتصاديين حول برنامج الإصلاحات المبرم تنفيذها لإنعاش الاقتصاد وعرضه على أنظار صندوق النقد الدولي.

خطوة ذهاب الحكومة التونسية نحو صندوق النقد الدولي مطلع الشهر القادم للتفاوض والبحث عن الدعم المالي، التي وصفها خبراء بالمصيرية لإنقاذ المالية العمومية واستعادة ثقة الدائنين، يراها وزير المالية السابق والخبير الاقتصادي حكيم بن حمودة ضرورية لكن غير كافية، في مقال اقتصادي مطوَّل له عبر صحيفة "المغرب" المحلية.

يقول بن حمودة إن الوصول إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي يتطلب وقتاً وجهداً في وقت تستدعي فيه الوضعية المالية الدقيقة لتونس حلولاً آنية مستعجلة، وهو ماقد ينذر بانهيار مالي وشيك، كما يؤكّد في المقال ذاته أن الأزمة الاقتصادية التي تمرّ بها البلاد أعمق من مجرد إخلالات في المالية العمومية، مشيراً إلى ضرورة ضبط برنامج شامل لدفع الاستثمار وإنقاذ المؤسسات العمومية.

يُجمِع عديد من الخبراء في الشأن الاقتصادي وحتى السياسي، على أن حل الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد، وإبعاد شبح الإفلاس، يبدأ في جزء كبير منه بتوفير أرضية حوار سياسي مفقودة حالياً بين الأحزاب في الحكم والمعارضة من جهة، والرئاسات الثلاثة (البرلمان والحكومة والجمهورية) في ظل رفض رئيس الجمهورية قيس سعيد المبادرة التي طرحتها منظمة اتحاد الشغل لإجراء حوار سياسي واقتصادي واجتماعي شامل.

وكانت أحزاب سياسية على غرار حزب قلب تونس وحركة النهضة عبّرَت في بيانات رسمية عن انشغالها العميق من استمرار الوضع السياسي القائم في البلاد، في ظلّ أزمة اقتصادية ووبائية خانقة، مجدّدةً دعوتها إلى ترك الخلافات جانبا وجلوس الجميع إلى طاولة الحوار لإنقاذ البلاد من شبح الانهيار السياسي والاقتصادي والاجتماعي.

الكاتب
آمال الهلالي
صحافية من تونس

 
للأسف تونس تغرق ببطء ولا يوجد بوادر انفراج
اعتقد تونس اذا بقيت على هكذا وضع سوف تواجه نفس الازمة اللبنانية.

ازدياد حجم الاقتراض من الخارج، نسبة الدين من الناتج المحلي قريبة من تعدي 100% و انخفاض في تصنيف تونس لدى الدائنين الدوليين.

هذه الأمور تجعل البلد المغاربي في حالة حرجة و ليست تونس فقط هناك دول عربية ذاهبة في هذا الطريق اذا لم تتدراك الان و لو كانت بقرارات مؤلمة مثل ازدياد الضرائب او التقشف و تكرار تجربة الديون الاوروبية مثل فترة 2011 - 2017 اذا تطلب الأمر.

الآن القروض التي تحصل عليها تونس هي فقط دفع للقروض السابقة و ليس الاستثمار.

وفي رأيي فإن أهمية الحالة اللبنانية والى جانب مخاوفنا من انعكاساتها على اللبنانيين وعلى مستوى عيشهم وأمنهم الاقتصادي فإنها ستشكل سيناريو تطور مستقبلي لعديد البلدان العربية ومن ضمنها تونس.

وهذا السيناريو يلتقي فيه جانبان مهمان وهما أزمة مؤسسات الحكم وعدم الاستقرار السياسي وتدهور الوضع الاقتصادي والتوازنات الكبرى للدولة ويؤدي هذان العاملان إلى أزمة خانقة للمالية العمومية تصل إلى عجز الدولة عن الإيفاء بالتزاماتها وإعلان إفلاسها.


المالية العمومية في تونس مريضة وهي نتيجة لتراكمات وأخطاء عشر سنوات دفعت نحو الانهيار موضحا انه وبعد تصنيف موديز الأخير عندB3 مع آفاق سلبية فان الاقتراب من السيناريو اللبناني أصبح غير بعيد فلبنان وبعد إسنادها التصنيف الأخير الذي تحصلت عليه تونس تم إنزالها إلى مستوىC وهو تصنيف يخلق إشكاليات كبيرة خاصة على مستوى التوريد الأمر الذي يزيد من مخاطر ارتفاع المواد الاستهلاكية والقلاقل الاجتماعية.

هذه الديون الخارجية قد تكون ورقة ضغط و مساومة نحو تطبيع مستقبلي مع إسرائيل كورقة ابتزاز.


نتمنى أن تخرج تونس من ازمتها الاقتصادية و السياسية و لا تنجرف لمثل مصير لبنان مستقبلا
 
التعديل الأخير:
الله يفرجها على تونس وشعبها الكريم.
لاحول ولا قوة الا بالله شيئ محزن ومخيف مايحدث في الدول العربية.
 
الله يفرجها على تونس وشعبها الكريم.
لاحول ولا قوة الا بالله شيئ محزن ومخيف مايحدث في الدول العربية.
الدولة العربية للاسف بلا موارد طبيعية ولا صناعات والسياحة مش ولا بد لذالك اقتصادها سيء
 
الدولة العربية للاسف بلا موارد طبيعية ولا صناعات والسياحة مش ولا بد لذالك اقتصادها سيء

الموارد الطبيعية في تونس ما بين الشح والوفرة والهدر​

تكمن المشكلة الأساسية في الإرادة السياسية والخيارات الاقتصادية - التنموية لحكام البلاد. فالنخب المهيمنة لا يبدو أن لديها تصورات واضحة وعملية للحلول، بل ليس ثمة ما يدل على أن لها تمثّل حقيقي للمشكل وتصوّر آخر للتصرف في الموارد الطبيعية غير جلب الاستثمار الأجنبي وإيجاد أسواق لتصدير الفائض.
2019-06-14

محمد رامي عبد المولى


كاتب صحافي من تونس

شارك

من دفتر:
إدارة الموارد الطبيعية: نهب وتبديد وزبائنية وقلة كفاءة!
%D8%AF%D9%84%D9%8A%D8%B1-%D8%B4%D8%A7%D9%83%D8%B1-3.jpg
دلير شاكر - العراق
RLS.jpg

تم انتاج هذا المقال بدعم من مؤسسة روزا لكسمبورغ. يمكن استخدام محتوى المقال أو جزء منه طالما تتم نسبته للمصدر.
مساحة تونس وثرواتها الطبيعية محدودة، خاصة إذا ما قارناها بالجارين الشرقي والغربي: ليبيا والجزائر. وطالما ردد التونسيون أن ثروتهم الحقيقية هي الموارد البشرية و"المادة الشخمة" (الرمادية، أي الأدمغة) كما كان يقول الرئيس بورقيبة. صحيح أن الموارد الطبيعية في أغلب الأحيان محدودة، لكن عدد السكان محدود أيضاً، ولدى جزء كبير منهم مستوى تعليمي عالي، وتكوين معرفي يسمح بحسن استغلال هذه الثروات واستكشاف ثروات أخرى. سيتناول النص ثلاثة موارد طبيعية من بين سواها، لأهميتها الحياتية و/ أو لوفرتها و/ أو لتأثيرها على الاقتصاد والبيئة والمجتمع: الماء والفوسفات والمحروقات.

الثروة المائية: شبح العطش​

تونس "الخضراء" تتأرجح في السنوات الأخيرة على خط الفقر المائي. هذه الوضعية الخطيرة والتي قد تتفاقم في السنوات القادمة تعود إلى عدة أسباب منها الطبيعي - المناخي وبعضها من مسؤولية البشر، حاكمين ومحكومين.
لا يتجاوز المعدل السنوي للأمطار في تونس 230 مم (ما يعادل 36 مليار متر مكعب من التساقطات). ويهمين المناخ الجاف وشبه الجاف على أغلب مناطق البلاد. تتوفـر في البلاد موارد مائية إجمالية تقدر بـ4.875 مليار متر مكعب، منها 2.175 مليار متر مكعب من المياه الجوفية والباقي من المياه السطحية. ويقوم تخزين المياه السطحية على بنية تحتية مكونة من 40 سداً وقرابة 1000 بحيرة جبلية و400 سد جبلي، مما يمنح تونس طاقة تخزين تقارب 3 مليار متر مكعب. أما بالنسبة لوحدات معالجة المياه فنجد 16 محطة معالجة و12 محطة لتحلية المياه الجوفية المالحة ومحطة واحدة لتحلية مياه البحر. وحسب الأرقام الرسمية ل"الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه"، فإن نسبة ربط التونسيين بشبكة المياه الصالحة للشرب تبلغ 100 في المئة في المناطق الحضرية و97 في المئة في المناطق الريفية. خلاصة: الموارد المائية محدودة، لكن هناك جهود ومخططات وبنى تحتية كبيرة لرفع حجم هذه الثروة وتخزينها وتوزيعها. أين تكمن المشاكل إذاً؟ ولماذا يتهدد الفقر المائي تونس؟
أحد المشاكل الرئيسية في وفرة المياه يتعلق بالسياسات الاقتصادية التي تتبناها السلطة. فقد اتجهت منذ أواخر الستينات الفائتة إلى التعويل على اقتصاد "خفيف" ومتنوع قوامه تصدير الفوسفات والمواد الفلاحية والصناعات التحويلية الخفيفة والسياحة الشاطئية منخفضة التكلفة. وفّر هذا الخيار الشغل والعملة الصعبة، لكن كانت تكلفته البيئية، وخاصة المائية، مرتفعة.
هي ثلاث مشاكل رئيسية. الأولى تخص وحدات تجميع مياه الأمطار من سدود وبحيرات جبلية وغيرها. فعلى الرغم من الاستثمارات الضخمة والاستراتيجيات الوطنية فهناك نقائص كبيرة. طاقة استيعاب السدود والمنشآت المشابهة ما زالت غير كافية لاستيعاب مياه التساقطات التي، وعلى الرغم من قلتها، فإن جزءاً كبيراً منها يضيع سدى ويذهب إلى البحر والسباخ. حتى طاقة الاستيعاب المحدودة هذه غير مضمونة، فالكثير من السدود التونسية تفقد نسبة كبيرة - تصل إلى 40 في المئة من قدرتها على التخزين - بسبب ترسبات التراب والتقصير في التنظيف والصيانة.
أما المشكل الرئيسي الثاني فيتعلق باستنزاف الثروة المائية بسبب السياسات الاقتصادية التي تتبناها السلطة. فمنذ أواخر الستينات الفائتة اتجهت السلطة إلى التعويل على اقتصاد "خفيف" ومتنوع قوامه تصدير الفوسفات والمواد الفلاحية والصناعات التحويلية الخفيفة (المملوكة في أغلبها لأجانب) والسياحة الشاطئية منخفضة التكلفة. أوجد ذلك دينامية اقتصادية، ووفر مَواطن شغل وجلب مداخيل كبيرة من العملة الصعبة. التي كانت لها تكلفتها البيئية، وخاصة المائية.
Tun-Info1.jpg

Tun-Info-2.jpg

Tun-Info-3-1.jpg

ويتمثل المشكل الرئيسي الثالث في شبكات توزيع المياه الصالحة للشرب والري. في المناطق الحضرية لا يطرح توزيع المياه مشكلة كبيرة، إذ تتولى "الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه" ربط المنازل والمحلات والمصانع بالشبكة العمومية. لكن مسؤولية ربط المساكن والأراضي الفلاحية خارج المدن بشبكات المياه متروكة إلى ما يسمى بالمجامع أو الجمعيات المائية، وهي بمثابة مجالس فيها ممثلين عن أهل المنطقة المعنية يشرفون على محطة ضخ مياه تعمل بالكهرباء، ويتولون استخلاص الفواتير وصيانة المعدات. لكن، لا خبرة للمشرفين على هذه المجامع ولا تكوين لهم يسمحان بإدارة وحدات بمثل هذه الأهمية، مما يتسبب بإهدار كميات مهولة من المياه. كما أن توزيع المياه بين الأراضي الفلاحية عادة ما يتأثر بالولاء السياسي (زمن الديكتاتورية) والمحسوبية والانتماءات العائلية والعشائرية. وحسب الأرقام الرسمية فإن هناك فقط 400 جمعية "نموذجية" (من جملة 2500 جمعية) مما يعني ببساطة أن أكثر من 80 في المئة من الهياكل التي تتحكم في توزيع أكثر من 80 في المئة من المياه لديها مشاكل تتراوح ما بين نقص الصيانة، وسوء التصرف وصولاً إلى الفساد.

الفوسفات: النعمة والنقمة..​

الفوسفات (أو الفسفاط كما يُنطق ويُكتب في تونس) هو أهم ثروة طبيعية منجمية في تونس، سواء من حيث العوائد المالية أو حجم الاحتياطي المتوفر، ولها مكانة خاصة في تاريخ البلاد الحديث. بدأت القصة مع احتلال الفرنسيين لتونس وما زالت مستمرة إلى اليوم. ساهمت مناجم الفوسفات في بناء الحركة العمالية النقابية التونسية وإسناد الحركة الوطنية والمقاومة المسلحة للاستعمار، ثم لعبت دوراً هاماً في توفير الموارد المالية لبناء تونس ما بعد الاستقلال.
في عام 1885، أي بعد أربع سنوات من احتلال تونس، اكتشف عالم الجيولوجيا الفرنسي "فيليب توماس" وجود كميات هامة من الفوسفات في منطقة "المتلوي" (محافظة قفصة، الجنوب الغربي). لم تتأخر السلطات الاستعمارية كثيراً بالشروع في نهب هذه الثروة فمنحت سنة 1897 ترخيصاً لشركة فرنسية لاستكشاف واستغلال الفوسفات شرط التكفل بمصاريف مد خط حديدي بين المناجم وميناء صفاقس (الوسط الشرقي). باشرت "شركة الفوسفاط وسكك حديد قفصة" في العمل/ النهب عبر شق أنفاق المناجم الباطنية في منطقة "المتلوي" سنة 1899، ثم في منطقة الرديف سنة 1903، وبعدها في منطقة "أم العرائس" في عام 1904 و"المظيلة" عام 1920، لينشأ "الحوض المنجمي".
ساهمت مناجم الفوسفات في بناء الحركة العمالية النقابية التونسية وإسناد الحركة الوطنية والمقاومة المسلحة للاستعمار، ثم لعبت دوراً هاماً في توفير الموارد المالية لبناء تونس ما بعد الاستقلال.
استغلال الفوسفات يُشغّل قرابة 30 ألف شخص، أي أنه يعيل مئات آلاف التونسيين. كما يضخ موارد ضخمة إلى خزينة الدولة. كل هذه الأهمية لا يمكنها التمويه على "الضرائب" الصحية والبيئية والاجتماعية، وهي مرتفعة ومخيفة.
وبالإضافة إلى استخراج الفوسفات الخام في قفصة وإرساله للخارج، نشأت صناعات كيميائية تحويلية تنتج الأسمدة الفلاحية والحامض الفوسفوري في مدينة صفاقس. بداية من الستينات الفائتة، أي بعد استقلال تونس وتأميم الشركة، تطور الإنتاج بشكل ملحوظ فبلغ 3 ملايين طن سنوياً، ثم 4 ملايين طن في السبعينات و5 ملايين طن في الثمانينات و7 ملايين طن في التسعينات، ليصل إلى 8 ملايين طن مع بداية الألفية الثالثة. وحافظ على ذلك حتى سنة 2010. وفي العقدين اللذين سبقا الثورة التونسية (2011) كان الفوسفات يساهم بحوالي 5 في المئة من الناتج الخام وقرابة 10 في المئة من قيمة الصادرات، وكانت تونس من ضمن أكبر خمسة منتجين ومصدرين عالميين لهذه المادة.
مقالات ذات صلة

موارد مصر ليست لشعبها.. من يُحكِم قبضته عليها؟

استغلال الفوسفات في مختلف مراحله يشغّل قرابة 30 ألف شخص بصفة مباشرة وغير مباشرة، أي أنه يعيل مئات آلاف التونسيين. كما يضخ موارداً ضخمة إلى خزينة الدولة من الأرباح والعملة الصعبة. كل هذه الأهمية لا يمكنها التمويه على "الضرائب" الصحية والبيئية والاجتماعية، وهي مرتفعة ومخيفة. الضريبة الصحية لا تخص فحسب العدد الكبير من العمال الذين لقوا حتفهم في "الداموس" (نفق منجمي) أو تعرضوا لحوادث خطيرة أو أصيبوا بأمراض مزمنة، بل تتهدد المخاطر مئات آلاف التونسيين الذين يعيشون في مناطق محاذية لوحدات استخراج الفوسفات وغسله ونقله وتحويله، في كل من قفصة وقابس وصفاقس. يعاني سكان هذه المدن من انتشار كبير للأمراض التنفسية والجلدية وارتفاع نسب الإصابة بمختلف أنواع السرطان مقارنة ببقية مناطق البلاد.
أما الضريبة البيئية فهي متعددة الأوجه، فاستغلال الفوسفات يستنزف كميات كبيرة من المياه أثناء الغسل والتخصيب والتصرف في الفضلات، علماً أن معظم وحدات الإنتاج والتحويل تتركز حالياً في منطقة الجنوب الغربي والشرقي، وهي المناطق الأفقر مائياً في البلاد. يتسرب الفوسفات ومشتقاته وأبخرة مصانعه وإشعاعات فضلاته إلى الهواء والأرض والمائدة المائية والبحر ليصنع تلوثاً مزمناً ومتفاقماً.
وتختلف حدة "الضريبة" الاجتماعية - الاقتصادية من منطقة إلى أخرى. فمثلاً في منطقة الحوض المنجمي بقفصة كانت شركة الفوسفات، وبلا مبالغة، تُعوِّض غياب الدولة، فهي المشغِّل الوحيد تقريباً وهي من يهتم بمسائل التزويد بالكهرباء والماء الصالح للشرب وتدعم المنشئات الصحية والتعليمية وشركات النقل، والأنشطة الثقافية والرياضية. واستمر هذا الأمر إلى بداية التسعينات الفائتة، قبل أن تتبنى الشركة مخطط إعادة هيكلة قام على دمجها مع "المجمع الكيميائي التونسي" (مما حدّ من استقلاليتها)، وكذلك تخفيض النفقات الاجتماعية مقابل إحداث صندوق لدعم المناطق المنجمية وإعادة توجيه النشاط الاقتصادي بها. أما الضربة الكبرى فتمثلت في تخلي الشركة عن المناجم الباطنية التي تحتاج عدداً كبيراً من العمال مقابل التعويل على المناجم والمقاطع السطحية التي تنتج فوسفات أكثر جودة وأقل تكلفة، ولكنها تعتمد على المعدات والآلات أكثر من البشر. قلة فرص الشغل خلقت حالة كبيرة من الفساد عند التوظيف. فليست المهارات والكفاءات هي معايير التقييم، بل الرشوة والولاء للحزب الحاكم والمحسوبية والحسابات العشائرية. كل هذه العوامل خلقت حالة من الاحتقان تطور تدريجياً حتى وصل إلى الانفجار في كانون الثاني/ يناير 2008 مع اندلاع "انتفاضة الحوض المنجمي" التي استمرت أشهراً طويلة على الرغم من القمع والحصار.
وتسبب تركيز الصناعات الفوسفاتية في قابس في ضرب قطاعين مهمين: الفلاحة والسياحة. فالواحات المطلة على البحر (وهي فريدة من نوعها) التي انتصبت المصانع بجانبها، كان من الممكن استغلالها سياحياً كما أنها كانت غنية بغرسات الرمان والحنّاء والتفاح. لكن التلوث والروائح الكريهة وتشويه المصانع والميناء التجاري للمظهر العام، كلها عوامل "قتلت" مناطقاً بأكملها وحرمتها من الفلاحة والصيد البحري وحتى التمتع بالبحر والشاطئ. أما في صفاقس فقد تسبب تلوث الهواء في المناطق المحيطة بوحدات تحويل الفوسفات في تدني أسعار الأراضي فيها، مما مثّل عامل جذب للطبقات الأفقر، فتشكلت تجمعات سكانية معرضة بشكل كبير لمخاطر التلوث المتعددة. كما أن تسرب التلوث إلى الهواء والمائدة المائية والبحر أضر كثيراً بالضيعات الفلاحية المجاورة.
بعد ثورة 2011، عاش قطاع الفوسفات الفترة الأصعب في تاريخه، وهي ما زالت متواصلة إلى اليوم. فمن 8 مليون طن سنوياً في 2010 هبط الإنتاج إلى 2 مليون طن سنة 2011 ولم يتعافَ كثيراً إلى الآن. السبب الرئيسي لتراجع الإنتاج هو الحراك الاجتماعي المتواصل منذ سنوات.
مقالات ذات صلة

السيسي وإدارة الموارد في مصر

يعطل المحتجون مواقع الإنتاج والتحويل أو يمنعون مرور القطارات التي تحمل الفوسفات الخام، ولهم مطلبين أساسيين: تخصيص جزء من المداخيل لتنمية المناطق المعنية بالأنشطة الفوسفاتية، وتشغيل جزء من أبنائها العاطلين في مؤسسات شركة الفوسفات والمجمع الكيميائي. وبما أنه ليس هناك تصور واضح وعملي لمسألة توزيع الثروة، فإن المطلب الفعلي هو التشغيل. وهكذا فإن مؤسسات "شركة الفوسفات - المجمع الكيميائي" التي لا تتجاوز حاجاتها من العمال والموظفين بضعة آلاف تجد نفسها مطالبة بتشغيل عشرات الآلاف من الشباب بمؤهلات أو بدونها.
قد تتزايد تكلفة الفاتورة البيئية والاجتماعية إذا لم تقم الدولة بإعادة هيكلة القطاع وفق استراتيجية تُوفِّق بين زيادة الإنتاج وتنويعه مع إعطاء أولوية قصوى لحماية البيئة من المناجم ومصانع التحويل وفي موانئ التصدير، وتقليص المياه المستعملة في المغاسل وتخصيص جزء مهم من الأرباح لدعم التنمية بشكل حقيقي ومستدام.

الوقود الاحفوري: الصندوق الأسود؟​

لعل هذا الملف هو الأكثر غموضاً بما يتعلق بالموارد الطبيعية في تونس، وكثيراً ما يثير الجدل حول حقيقة المدخرات المتوفرة. هناك ميل لدى الكثير من التونسيين للاعتقاد بأن الحكومات التونسية المتعاقبة منذ الاستقلال تخفي الحجم الحقيقي لإنتاج النفط والغاز الطبيعي. ينطلق "استيهام" البعض حول حجم الثروة الطاقية في البلاد من "منطق" بسيط: تونس تتوسط بلدين من كبار المنتجين للمحروقات في العالم (الجزائر وليبيا) فكيف لا تكون غنية. هذه "الحجّة" لا تأخذ في الاعتبار مساحة الصحراء في تونس ولا مواقع تركز حقول النفط والغاز في الجزائر وليبيا، وهي تبعد مئات الكيلومترات عن تونس. هناك أيضاً خلط كبير تغذيه بعض وسائل الإعلام التونسية عند تناولها للملف: خلط بين الشركات المنتجة للنفط والغاز وشركات الخدمات (نقل، صيانة، تنظيف، تزويد احتياجات العاملين في الحقول) مما يجعل البعض يعتقد أن هناك مئات الشركات النفطية في تونس. وهناك خلط بين رخص الاستكشاف ورخص الاستغلال ورخص التطوير، وخلط بين الدراسات الأولية/الأرقام التقديرية والاحتياطي الحقيقي ومدى القابلية للاستغلال. هذا لا يعني أن تونس ليس لديها موارد نفطية وغازية، لكنها في المرتبة 48 عالمياً في النفط بإنتاج قارب 65 ألف برميل في اليوم (120 ألف في بداية الثمانينات الفائتة)، والمرتبة 53 في الغاز بإنتاج يتجاوز 3 مليون متر مكعب في اليوم. بدأ استغلال حقول النفط والغاز في تونس منذ الستينات، ويتركز أغلبه في المناطق الصحراوية (الجنوب الشرقي) ومنطقة خليج قابس (الجنوب الشرقي)، ويتوزع ما بين حقول برية وبحرية. تشرف "المؤسسة الوطنية للأنشطة البترولية" على قطاع النفط في حين تعتبر "الشركة التونسية للكهرباء للغاز" المعنية الأولى باستغلال الغاز الطبيعي لإنتاج الطاقة الكهربائية والتدفئة.
يقدر الاحتياطي التونسي بحوالي 400 مليون برميل من النفط، وحوالي 65 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي. وحتى مطلع الثمانينات الفائتة كانت تونس تحقق الاكتفاء الذاتي على مستوى المحروقات بفضل إنتاجها والضريبة التي تحصل عليها من أنابيب الغاز الجزائرية التي تعبر تونس باتجاه إيطاليا. لكن منذ أواخر التسعينات الفائتة بدأ العجز الطاقي يتفاقم تدريجياً حتى وصل بعد الثورة إلى ما يقدر اليوم بقرابة 59 بالمئة من الاحتياجات. ومع تدني قيمة العملة الوطنية والارتفاع المتزايد لواردات البلاد من المحروقات، أصبحت الفاتورة باهظة جداً.
وفضلاً عن الأسباب البديهية مثل النضوب الطبيعي لبعض الحقول والآبار وتزايد احتياجات البلاد من الطاقة نظراً للنمو الديمغرافي وتغيّر النمط الاستهلاكي (سيارات، أجهزة كهرومنزلية، مكيفات وغيرها)، فإن هناك عواملاً أخرى تفسر هذا العجز.
كانت تونس تحقق الاكتفاء الذاتي على مستوى المحروقات بفضل إنتاجها، وبفضل الضريبة التي تحصل عليها من أنابيب الغاز الجزائرية التي تعبر تونس باتجاه إيطاليا. لكن منذ أواخر التسعينات الفائتة بدأ العجز الطاقي يتفاقم تدريجياً حتى وصل بعد الثورة إلى ما يقدر اليوم بقرابة 59 بالمئة من الاحتياجات.
الفساد هو أحد العوامل. كانت هناك رخص تنقيب واستغلال تُمنح لشركات بعينها رغم أن عروضها ليست الأفضل لتونس، ولعل أبرز الأمثلة على ذلك قضيتي "حقل الشرقي" البحري، ومصفاة "الصخيرة" (كلاهما في محافظة صفاقس الوسط الشرقي). قبل الثورة (2011) مُنح حق استغلال الأول لشركة "بيتروفاك" البريطانية في ظروف مشبوهة، ثم تبين بعد سقوط بن علي أن أحد أصهاره سهّل حصول الشركة على الرخصة بعد أن تلقى رُشَى قيمتها مليارا دولار من أحد كبار مديريها. أما مشروع بناء مصفاة "الصخيرة" ففازت به قطر سنة 2007 لكن تمّ تعطيل المشروع نظراً لخلافات سياسية بين البلدين بسبب قناة "الجزيرة"، وكذلك لأن مسؤولين تونسيين كبار طلبوا رُشَى عظيمة. وهناك أيضاً حالات يمتزج فيها الفساد مع التقصير مع المراقبة مثل ما حدث سنة 2018 عندما أقال رئيس الحكومة التونسية وزير الطاقة وعدة مسؤولين كبار إثر الكشف عن استمرار شركة بترولية في التمتع بامتيازات التنقيب والاستغلال لحقل "المنزل" البحري (قبالة سواحل محافظة المنستير، الوسط الشرقي) رغم انتهاء صلاحية الرخصة في 31 كانون الاول/ ديسمبر 2009.
الفساد في هذا القطاع لا يتعلق بحجم الإنتاج بل بعقود ورخص الاستكشاف والاستغلال. وهو أيضاً في تقارير الخبراء والمستشارين حول تقديرات الاحتياطي المتوفر عند استكشاف حقل ما. هذا المعطى الأخير مهم جداً فالدولة تعتمد عليه لتقرير إذا ما كانت ستشارك في مصاريف الإنتاج وتقتسم العائدات مع شركة خاصة، أو تترك الأمر برمته للمستثمرين وتكتفي بتحصيل الضرائب.
تكمن المشاكل الأخطر في سياسات استغلال الثروات الطبيعية من الوقود الأحفوري التي يغلب عليها سوء التصرف وغياب الاستراتيجيات الواضحة. في بداية عهدها باستغلال النفط والغاز الطبيعي، كانت الدولة التونسية تعتمد سياسة الشراكة مع شركات أجنبية لاستخراج الوقود الأحفوري وتكريره وتسويقه، وقد كان هذا الخيار مفهوماً نظراً لعدم توفر الإمكانيات المادية والتقنية والتونسية بشكل كاف. لكن كان يفترض أنه بعد عقدين أو ثلاثة - وخاصة بعد أن أنشأت الدولة عدة مؤسسات عمومية تعنى بالدراسات والنقل والتكرير وكونت أجيالاً من المهندسين والخبراء - أن تسيطر على كامل المراحل من الاستكشاف وصولاً إلى التسويق. ما حصل هو العكس. إذ اتجهت الدولة منذ التسعينات الماضية إلى ترك الأمر للشركات الأجنبية بشكل شبه كامل، كما أنها تخلت للقطاع الخاص عن جزء من الخدمات التي كانت تحتكرها، خاصة في المجال اللوجستي.
بخلاف النضوب الطبيعي لبعض الآبار والاستهلاك المتزايد للطاقة، فالفساد هو أحد عوامل تفسير العجز الطاقي. كانت هناك رخص تنقيب واستغلال تُمنح لشركات بعينها على الرغم أن عروضها ليست الأفضل. وكمثال، فمقابل حصول شركة بريطانية على الرخصة حصل أحد أصهار بن علي على رشوة قيمتها مليارا دولار.
ولو لم يتم اكتشاف واستغلال حقول وآبار جديدة، فإن موارد تونس من النفط ستنضب قبل حلول منتصف القرن الحالي، وسيصبح العجز الطاقي شبه كامل. ما الحل إذاً؟ هناك من يقترح استغلال الغاز الصخري ("الشيست"). فحسب الدراسات الأولية، هناك منطقتان تونسيتان غنيتان بالغاز الصخري والبترول الصخري: الأولى في محافظة تطاوين (الجنوب الشرقي) والثانية في محافظة القيروان (وسط غربي)، ويقدر المخزون القابل للاستغلال بقرابة 600 مليار متر مكعب. يبدو أن الدولة سائرة في هذا الطريق على الرغم من اعتراض الكثيرين على التكلفة البيئية والمائية لاستخراج هذا النوع من الموارد. لكن الحل الحقيقي يتمثل في الاعتماد أكثر فأكثر على الطاقات البديلة، فهي متجددة وتكلفتها المادية على المدى الطويل أقل من المواد الطاقية التقليدية، والأهم أنها صديقة للبيئة. فلتونس إمكانيات كبيرة في مجال الطاقة الشمسية (أكثر من 3000 ساعة مشمسة في السنة وأكثر من 100 كم مربع من الأسطح القابلة لتركيز معدات تخزين الطاقة)، وبدرجة أقل طاقة الرياح. وتسعى الدولة إلى رفع مساهمة الطاقات البديلة في إنتاج الكهرباء إلى نسبة 30 بالمئة في سنة 2030 عوضاً عن نسبة 3 بالمئة الحالية، لكن ما زالت السياسات الحكومية في هذا المجال غير واضحة والإجراءات بطيئة.

ختاماً...​

هناك في تونس أيضاً الحديد والجبس والرخام والرصاص والزنك والكوبالت وغيرها. لكن كمياتها إما محدودة أولم يتم الشروع بعد في استغلالها.
في أغلب الأحيان لا تحسن السلطة التصرف بالموارد بالشكل الأمثل فإما تستنزفها أو تهملها أو تعطي الأولوية للأجانب في استغلالها. ضعف الموارد المالية والتقنية قد يفسر بعض الإخفاق، لكن هناك عوامل أخرى أهمها الفساد وقصر النظر وغياب الشفافية وكذلك انتهاج سياسات همّها الأول جلب العملة الصعبة ورفع الإنتاجية دون اعتبار كبير للجوانب البيئية - الصحية والتأثيرات الاجتماعية.
تجد تونس اليوم نفسها أمام تحديات كبيرة فهي مهددة بالعطش والتصحر، والنضوب شبه الكامل لاحتياطي المحروقات في غضون عقدين أو ثلاثة. لكن ما زال بالإمكان تدارك الأمر. المشكلة الأساسية تكمن في الإرادة السياسية والخيارات الاقتصادية - التنموية لحكام البلاد. فالنخب المهيمنة لا يبدو أن لديها تصورات واضحة وعملية للحلول، بل ليس ثمة ما يدل على أن لها تمثل حقيقي للمشكل وتصور آخر للتصرف في الموارد الطبيعية غير جلب الاستثمار الأجنبي وإيجاد أسواق لتصدير الفائض. وحتى الأحزاب والقوى المعارضة والنقابات فهي قلما تتطرق لهذا الملف، وإن فعلت فعادة ما يكون الكلام شعاراتياً وعمومياً جداً أو للاستغلال السياسي. النخب والإعلام وحتى الرأي العام منشغلون بقضايا "أهم" من قبيل "الهوية" و"مدنية الدولة" و"المساواة في الإرث"! لكل امرِئٍ طبعاً الحق في تحديد أولوياته، لكنه قد يحرم من هذا "الترف" الفكري عندما تستنزف المياه الصالحة للشرب وللفلاحة، فيعطش ويجوع، وعندما لا يجد موارداً لتوليد الطاقة الكهربائية أو عندما يصبح الهواء الذي يتنفسه مشبعاً بالتلوث والأمراض.
 
الدولة العربية للاسف بلا موارد طبيعية ولا صناعات والسياحة مش ولا بد لذالك اقتصادها سيء

حرب على الموارد الطبيعية في تونس​

train_loaded_with_phosphate_rock_metlaoui_tunisia-4298b.jpg

الاثنين, يونيو 8, 2015

مقال رأي​

رغم حصارها من المشكلات الاقتصادية والأمنية منذ عام 2011، نجحت تونس حتى الآن في تجنب حلقة أخرى من الاضطرابات الاجتماعية الواسعة. إلا أنه حسبما أظهر صعود تنظيم الدولة الإسلامية وتوسعه، يغيب عن تونس الاستقرار المستدام الذي تحتاجه لتلعب دورها على نحو أمثل. المشكلات الأمنية مهمة بالتأكيد، ولكن التركيز قصير المدى على مكافحة الإرهاب من قبل الحكومة التونسية وحلفاءها يقدم لمحة عن الدور الذي تلعبه الموارد الطبيعية التونسية في خلق موجة جديدة من الاحتجاجات.
قد لا تكون تونس مغمورة بالنفط والغاز كجاراتيها الجزائر وليبيا، ولكنها لا تزال بلد غني بالموارد. رغم أنها أنتجت 60 ألف برميل نفط يوميا فقط في عام 2013 و6 مليار قدم مكعب من الغاز الطبيعي عام 2012، إلا أن الجنوب التونسي به تشكيلات صخرية تحوي ما يقدر بـ23 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي القابل للاستخراج و1,5 مليون برميل من النفط القابل للاستخراج، وفق إدارة معلومات الطاقة الأمريكية. مثلت إيرادات النفط بين عامي 2010 و2014 نسبة صغيرة ولكنها جديرة بالذكر، 4,1 بالمئة، من إجمالي الناتج المحلي.
تمثل صناعة الفوسفات التونسية مصدرا أكبر للدخل. ففي عام 2010، شكل 8,1 مليون طن من الفوسفات التي أنتجتها شركة الفوسفات الحكومية "قفصة"، حوالي أربعة بالمئة من إجمالي الناتج المحلي، ولكن منذ الإطاحة بالرئيس زين العابدين بن على عام 2011، انخفض الإنتاج بشدة بسبب التظاهرات الشعبية المتكررة المطالبة بالتوظيف والتنمية الاقتصادية. فبلغ إجمالي إنتاج الفوسفات في السنوات الأربع التي تلت 2011، 11,2 مليون طن فقط، وخسر القطاع ذاته حوالي 2 مليار دولار في نفس الفترة.
أدت تلك العوامل بالمشهد الاقتصادي في تونس، التي تصل فيها معدل البطالة إلى 15 بالمئة، إلى المزيد من القتامة. تتوقع البلاد العام الحالي نسبة نمو ثلاثة بالمئة فقط، بينما انخفض النشاط الصناعي بنسبة 3,7 بالمئة في الربع الأول من عام 2015 بالمقارنة بالسنة الماضية. وبينما تنضال الحكومة التونسية للتعامل مع انخفاض الإنتاج الناتج عن المظالم الاقتصادية، يصبح التونسيون في الجنوب، حيث يتركز قطاع الفوسفات، أعلى صوتا وسط أزمة اقتصادية مستمرة.
في يوم 8 مايو، علقت أعمال شركة "قفصة" بسبب اعتصامات الشباب العاطلين. فاستجاب رئيس الوزراء الحبيب الصيد عبر الإعلان عن عدد كبير من مشروعات البنية التحتية بينها مستشفى، حفر آبار للمزارعين الفقراء، وبناء طريق بين تونس وقفصة. عاودت المنشأة التابعة للشركة في المتلوي، والتي تنتج 60 بالمئة من إنتاج الشركة من الفوسفات، أعمالها جزئيا في نهاية الشهر، ولكن جهود الصيد لم تمنع أربع بلدات في المنطقة، بينها المتلوي، من بدء إضراب عام في 20 مايو. "يهدف الإضراب إلى جذب الانتباه إلى الأوضاع السيئة والبطالة في المنطقة، رغم أنها غنية بالفوسفات"، حسبما صرح القائد النقابي علي جديدي. "يريد السكان الوظائف أكثر من أي شيء".
في ضوء حجم الأزمة الاقتصادية التونسية، من غير المفاجئ أن المظالم المتعلقة بالموارد لم تعد محدودة بقطاع ومنطقة محددة. ففي مطلع يونيو، أعلنت شركة الطاقة "سيرينوس" عن إغلاق حقل "صبريا" في وسط تونس بسبب الاحتجاجات المحلية التي تقطع الطرق المؤدية إلى منشأة المعالجة المركزية. فبعد استهداف حقل "الفرانيج" المجاور في البداية، الذي تملكه وتديره شركة "بيرينكو"، انتقل المتظاهرون نحو حقل "صبريا" و"أصروا على أن يوقف معظم العمال العمل ويغادروا منشأة المعالجة المركزية". أفاد بيان شركة "سيرينوس" أن المحتجين "معترضين على غياب التنمية، الاستثمار، وخلق فرص العمل في المنطقة"، وليسوا ضد الشركة نفسها.
بالتأكيد لا تمثل الاحتجاجات ضد تنمية النفط والغاز ظاهرة جديدة في منطقة المغرب العربي. ففي الجزائر المجاورة، تظاهر السكان في بلدة "إنصلاح" الجنوبية ضد الحفر لاستخراج الغاز الصخري في موقع مجاور للبلدة منذ الأول من يناير. تم إضعاف الحركة، التي تذكر مخاوف بيئية، بشدة منذ هجومها الأولي، ولكن ذلك لا يمثل مؤشرا عما قد يحدث في تونس. رغم أن المظالم الاجتماعية المصاحبة لصناعة الفوسفات كافية وحدها لتعطيل الاقتصاد التونسي بشكل خطير، إلا أنه من الممكن تماما – والجدير بالتصديق – أن المظالم الموجهة ضد قطاعي الفوسفات والنفط قد تعزز بعضها البعض لتخلق صورة من الاضطراب الاجتماعي تنقص الحكومة التونسية الإمكانيات للتعامل معها.
ليس المقصود أن الإجراءات المركزة على الجانب الأمني التي يروج لها حلفاء مثل الولايات المتحدة غير مهمة. بل إن إعلان تونس دولة حليفة غير عضوة بالناتو، تسهل شراء مروحيات "بلاك هوك"، وتسليم عربات "هامفي" وقوارب تأمين، جميعها تمثل بعض أقوى الإشارات للدعم الأمريكي، أكثر من أي وقت مضى. إلا أن ذلك لا يعني أن التركيز على الأمن يجب أن يأتي على حساب المشكلات الأخرى التي تهدد انتقال تونس الكامل نحو دولة ديمقراطية مستقرة ومسالمة.
مع استمرار الأزمة الاقتصادية التونسية في التعمق، من المرجح أن تواجه تونس المزيد من الاضطراب الاجتماعي العميق. رغم أنه لا يزال من غير الواضح إن كان الهبوط الموجه نحو قطاع الموارد الطبيعية التونسي والمصاحب له يمكن أن يصبح قويا كفاية ليربك النظام الحالي، إلا أنه يمثل خطرا محتملا بالتأكيد. ويمثل الفشل في وضع ذلك العامل في الاعتبار استراتيجية مضللة.
 
الدولة العربية للاسف بلا موارد طبيعية ولا صناعات والسياحة مش ولا بد لذالك اقتصادها سيء

السلطة والثروات الطبيعية في تونس.. عن الفساد والمحسوبية​

يرتبط "النمو الاقتصادي" بمداخيل الناتج من تصدير المواد الأساسية الخام مثل الفوسفات والثروة السمكية والمنتوجات الفلاحية. تقلص التصدير يعني تقلص النمو. لكن النمو المتأتي من تصدير الثروات الطبيعية لم يحقق تنمية مستقلة.
2019-07-26

فؤاد غربالي


باحث في علم الاجتماع، من تونس

شارك

من دفتر:
إدارة الموارد الطبيعية: نهب وتبديد وزبائنية وقلة كفاءة!
DS9.jpg
دلير شاكر - العراق
RLS.jpg

تم انتاج هذا المقال بدعم من مؤسسة روزا لكسمبورغ. يمكن استخدام محتوى المقال أو جزء منه طالما تتم نسبته للمصدر.
رسخت الدولة الوطنية في أذهان جلّ التونسيين سردية مفادها أن تونس بلد فقير لم تهبه الطبيعة ثروات كثيرة على غرار جارتيه ليبيا والجزائر الغنيتين بالنفط والغاز. كل ما يملكه التونسيون، مثلما كان يردد بورقيبة، هو ''المادة الشخماء'' والتي تعني الذكاء واستخدام العقل من أجل تحقيق النماء إلى الحد الذي راجت معه فكرة مفادها أن ثمة "ذكاء تونسي خالص". لم يجر تناول الثروات الطبيعية التي من المحتمل أن تكون تونس تمتلكها. حتى دروس الجغرافيا المدرسية لا تقدم الكثير عن هذا الجانب، حيث يتم الاكتفاء بالإشارة إلى أن تونس بلد يطل على المتوسط، ويعتمد السياحة كمصدر أساسي للدخل الاقتصادي إلى الحد الذي بات الكل يردد أننا بلد فقير يعيش على السياحة والقليل من الفلاحة والكثير من الديون الخارجية.
جاءت الثورة في 2011 لتقطع مع ''قانون الصمت"، ففُتح النقاش حول الثروات الطبيعية، ولكنه نقاش غلبت عليه المناكفات السياسية بين قوى تعتبر أن في تونس ثروات كثيرة من بينها النفط، وأنها بلد غني لكنه لا يملك السيطرة الكاملة على ثرواته، وقوى تستعيد السردية المؤسِّسة للدولة الوطنية، وقوامها أن تونس لا تملك غير ذكاء أبنائها.
وفي سنة 2013، انطلقت حملة اسمها "وينو البترول" (أين النفط؟) يقودها شبان عاطلون عن العمل وناشطون سياسيون، لتطالب بفتح ملف التنقيب عن النفط ومراجعة عقود الشركات النفطية، والكشف عن الكميات الحقيقية التي تنتجها البلاد منه. كانت الحملة تطالب بالشفافية. أجبرت الحكومة حينها على الخروج إلى العلن لتؤكد أن تونس لا تملك الكثير من النفط، ولا تنام على بحيرات من البترول، وإنما هي بضع آلاف من البراميل فحسب. ووصل الأمر بالباجي قايد السبسي، رئيس البلاد، أن ردد أمام مجموعة من التلاميذ الذين كانوا يقدمون امتحان البكالوريا "أنتم المادة الشخمة. أنتم البترول"، مستعيداً بذلك "نظرية" بورقيبة كرد على خصومه السياسيين، اللذين اعتبر "مطالبتهم بالبترول" بمثابة الاعتداد بنموذج ريعي مبني على التواكل، وتبخيس الجهد والعمل.
كان بورقيبة يردد أن تونس لا تملك غير ''المادة الشخماء'' التي تعني الذكاء، واستخدام العقل لتحقيق النماء إلى الحد الذي راجت معه فكرة مفادها أنّ ثمة "ذكاء تونسي خالص".
المقصود بالثروات الطبيعية هي تلك التي تملك قيمة تبادلية وتحويلية عالية في الأسواق العالمية على غرار النفط، المناجم، الطاقات المتجددة، المياه، والمنتوجات الفلاحية.
لكن، وبغض النظر عن المناكفات السياسية حول الثروات الطبيعية، وعدم رغبة الحكومات التونسية المتعاقبة بُعَيد الثورة الخوض كثيراً في الموضوع لأسباب عديدة، لعل أهمها شرعنة السياسات الاقتصادية القائمة والتي تعتمد أساساً على جباية الضرائب وعلى المديونية. إلا أن سؤال الثروات الطبيعية مهم لكونه مدخلاً لفهم كيفية التعاطي الحكومي مع هذا المعطى الاقتصادي الذي يضمن موارداً مالية. لكن الأهم هو كيفية الإدارة الرسمية للثروات الطبيعية، في ظل الحدود والشروط التي ترسمها الشركات متعددة الجنسيات المشتغلة في قطاعي الفوسفات والطاقة، وأي معنى لهذه الموارد في ظل نماذج اقتصادية تابعة وغير منتجة؟ وكيف تدار بغياب الشفافية ومنظوماتها.

ماذا تملك تونس؟​

على خلاف السردية الرسمية، وعلى الرغم من نسب الفقر المرتفعة في البلاد والتي تصل إلى حدود 30 في المئة من السكان، فلدى تونس ثرواتها. والمقصود بالثروات الطبيعية هي تلك التي تمتلك قيمة تبادلية وتحويلية عالية في الأسواق العالمية على غرار النفط، المناجم، الطاقات المتجددة، المياه، والمنتوجات الفلاحية. تشير أرقام وزارة الصناعة التونسية أن إنتاج تونس المرتبط بالنفط وصل خلال سنة 2012 إلى حدود 70 ألف برميل يومياً، و جرى أكثر من 750 عملية تنقيب عن النفط. لكن 115 منها فقط أدت إلى اكتشاف آبار لها قابلية للاستغلال، ويحوز حقلي "البورمة" و"عشتارت" في جنوب البلاد على ما نسبته 85 في المئة من إنتاج النفط في البلاد، ويصنف البترول التونسي من قبل خبراء النفط على أنه الأعلى جودة في العالم. يباع هذا الإنتاج في السوق العالمية خاماً، في حين تستورد البلاد المنتوجات النفطية الأقل جودة، ليعاد تكريرها في معامل تكرير النفط في محافظة بنزرت وفي مدينة الصخيرة التابعة لمحافظة صفاقس. وتحتاج تونس لاستهلاكها الداخلي إلى حوالي 90 ألف برميل يومياً. 40 بالمئة منها تُغطّى عن طريق الإنتاج المحلي في حين يتم استيراد البقية. أما بخصوص الغاز الطبيعي فيصل الإنتاج إلى 56 ألف برميل يومياً. تحتكر الشركة البريطانية للغاز (British Gaz) إنتاج الغاز من خلال استغلالها لحقلي "حنبعل" و"عشتار" وهي تغطي 60 في المئة من الاستهلاك المحلي. في حين توفر الجزائر الباقي، فيُشترى منها جزء وتعطي الجزائر جزءاً آخر مجاناً مقابل استعمالها الأراضي التونسية لتصدير الغاز نحو إيطاليا.
TU2.jpg

TU1.jpg

TU3.jpg

TU4.jpg

الثروة الأهم هي الفوسفات حيث تحتل تونس المرتبة الخامسة عالمياً في إنتاجه. وتوجد مناجمه الرئيسية في محافظة قفصة جنوب غرب البلاد، تديرها إنتاجياً "شركة فسفاط قفصة"، أما التحويل فيتكفل به "المجمع الكيميائي التونسي" في مدينة صفاقس. وصل إنتاج الفوسفات في تونس خلال الفترة الممتدة من سنة 1998 إلى سنة 2010 إلى حوالي ثمانية ملايين طن، تجني منها "شركة فسفاط قفصة" حوالي مليار دولار سنوياً، ويتميز قطاع الفوسفات بطاقة تشغيلية عالية ما جعل السكان المحليين يتظاهرون للمطالبة بنصيبهم من التشغيل فيه، خاصة بعد سقوط نظام بن علي.
%D9%85%D9%8A%D8%A7%D9%87-%D8%AA%D9%88%D9%86%D8%B3.jpg

إدارة الثروة المائية أيضاً غامضة، وتثير الغضب والاحتجاجات الاجتماعية. فبعض المناطق، وبالأخص في الجزء الداخلي من البلاد، تعاني من العطش بينما هي تحوي المائدة المائية الأكبر في البلاد (مناطق الشمال والوسط تحديداً). تشير الأرقام إلى وجود 30 سداً من الحجم الكبير لها قابلية تجميع لما مقداره 1.85 مليون متر مكعب في السنة، إضافة إلى 250 سداً صغيراً و750 بحيرة توفر سنوياً وتباعاً ما مقداره 0.15 مليون متر المكعب و 1.5 مليون متر مكعب من احتياطي المياه. تضمن هذه البنية التحتية توفير 70 في المئة من الماء الصالح للشرب، ومن مياه الري. لكن السؤال الأهم هو كيفية توزيع الموارد المائية؟ وفي أي قطاعات يتم استغلالها؟ وما الذي يجعل تونس على الرغم من مواردها المائية الكبيرة "مهددة دائماً بالعطش"؟
وبخلاف الماء والبترول والفوسفات يوجد الملح والطاقات المتجددة.

ثروات على حساب السكان​

لا يمكن معالجة مسألة الثروات الطبيعية في تونس - وفي بلدان العالم الثالث عموماً - دون ربطها بالتقسيم العالمي للعمل القائم على مركز صناعي يمتلك التكنولوجيا، وهامش طرفي لا يملك سوى تصدير المواد الخام بأثمان بخسة، ووفق ما يقرر في البورصات العالمية. "النمو الاقتصادي" الذي كثيراً ما يشار إليه، يُربط عادة بمداخيل الناتج من تصدير المواد الأساسية الخام مثل الفوسفات والثروة السمكية والمنتوجات الفلاحية. تقلص التصدير يعني تقلص النمو. لكن النمو المتأتي من تصدير الثروات الطبيعية لم يحقق تنمية مستقلة. وهذا يعود أساساً لكون التنمية لا يمكن أن تتحقق في ظل اقتصاديات ريعية. النمو كمي في حين أن التنمية هي نوعية، ولها تأثيرات إيجابية على المجتمعات المحلية. الحالة التونسية تظهر أن المناطق المنتجة للثروات الطبيعية هي الأكثر فقراً وتهميشاً، على غرار منطقة قفصة المنتجة للفوسفات، ومناطق الجنوب المنتجة للنفط.
الاقتصاد الوطني المتشكل بعيد الاستقلال لا يزال إذاً يحافظ على سمته الكولونيالية السالفة، حيث تشكل المناطق الداخلية مصدراً للثروات الموجهة كلياً للتصدير نحو الخارج دون أن يستفيد سكانها منها تنموياً، بل هم غالباً ما يتضررون بشكل مضاعف. فمن ناحية نجد نسب بطالة مرتفعة في صفوف الشبان، حيث تقدر نسبة البطالة في ولاية قفصة مثلاً بحوالي 30 بالمئة من قوة العمل المحتملة، وهي ضعف المعدل الوطني. ونجد الأمر نفسه في مناطق الجنوب التي تقتات على التهريب، ومن ناحية أخرى يعاني السكان المحليون من التلوث جراء العمليات الاستخراجية للفوسفات ولمعالجته، خاصة في منطقة الحوض المنجمي ومدينة قابس وصفاقس. بينت تقارير صحافية خلال الأشهر الماضية أن الوحدات الصحية في مدينة قفصة قد سجلت ارتفاعاً في حالات الأمراض المزمنة والخبيثة، و تضرراً للواحات والمائدة المائية بسبب الغازات السامة المنبعثة من مصانع معالجة الفوسفات، وبقايا مادة الفسفوجين التي أضرت كثيراً بالقطاع الفلاحي. ويتكرر ذلك في مدينتي قابس وصفاقس بسبب المجمع الكيميائي التونسي، ولا تمتلك تلك المناطق بنية تحتية صحية جيدة لمجابهة التأثيرات السلبية للتلوث الناتج عن استغلال الثروات الباطنية. يدرك الفاعلون الحكوميون هذا الأمر منذ الاستقلال – وقد ازداد الوعي به بعد الثورة - لكن لا أحد يريد تغيير الواقع، كل ما تريده الحكومات هو "شراء السلم الإجتماعي" عبر تحويل ما تمنحه الطبيعة إلى اقتصاد ريعي يتم بواسطته ترسيخ آليات الحكم.
تُظهر الحالة التونسية كيف أن المناطق المنتجة للثروات الطبيعية هي الأكثر فقراً وتهميشاً، على غرار منطقة قفصة المنتجة للفوسفات، ومناطق الجنوب المنتجة للنفط. وهذه خاصية نمط الإنتاج الريعي.
يحافظ الاقتصاد الوطني المتشكل بعيد الاستقلال على سمته الكولونيالية، حيث تشكل المناطق الداخلية مصدراً للثروات الموجهة كلياً للتصدير دون أن يستفيد سكانها منها تنموياً، بل هم غالباً ما يتضررون بشكل مضاعف.
وقد تجسد ذلك خلال عدة مراحل: انتفاضة الحوض المنجمي سنة 2008 التي بينت مفارقة المناطق التي تنتج الثروات الطبيعية دون أن يكون لها نصيب منها. جوبهت الانتفاضة حينها بقمع من نظام بن علي الذي نجح في إخمادها، وتكرر الموقف بعد الثورة من خلال حركات مشابهة على غرار "احتجاج الكامور" بولاية تطاوين أقصى جنوب البلاد، حيث قام شبان محتجون جلهم من العاطلين عن العمل بغلق مصافي النفط التي تستغلها شركات أجنبية، مطالبين بتشغيلهم فيها، ثم في جزيرة قرقنة التي عرفت احتجاجات عنيفة ضد شركة "بتروفاك" الإنكليزية التي تقوم بالاستغلال المفرط للثروات وتلويث البحر. أجبرت تلك الاحتجاجات السلطة على فتح ملف الثروات الطبيعية، ولكن ليس من باب التفكير في إدراتها وفق نموذج تنموي جديد وعادل، بل بفتح باب التشغيل للمحتجين في "شركات البيئة والغراسة"، وهي صيغة تقارب الاحتجاز في حظائر حيث يتلقى المستخدَمون أجوراً دون أن يشتغلوا بشكل فعلي. التعامل الرسمي يخضع أساساً لإكراهات العقود مع الشركات، خاصة تلك المستغِلة للحقول النفطية أو العاملة في مجال التنقيب والتي تفرض مبدأ النجاعة والربحية. وهو يخضع من جهة أخرى لإكراهات المطالبات الاجتماعية. تنحاز الحكومات أكثر للالتزامات التعاقدية على حساب مطالب الأهالي، إلى الحد الذي أقحمت فيه المؤسسة العسكرية من أجل حماية حقول النفط أثناء اعتصام الكامور، وكذلك مطالبة بعض الفاعلين الحكوميين بالتدخل العسكري لقمع المحتجين الذين يعطلون إنتاج الفوسفات.
على هذا النحو تظهر الثروات الطبيعية كجزء من الاقتصاد السياسي للتحكم، في ظل غياب سياسات عمومية واضحة لإدارتها. فما تريده الشركات الأجنبية هو مزيد من الربح. في حين تريد الدولة ضمان أكثر ما يمكن من "السلم الاجتماعي" عن طريق التشغيل غير المنتج في القطاعات المرتبطة بالطاقة والمناجم، وهو أقرب للرشاوي الاجتماعية منه لاستيعاب اليد العاملة. كما يغلب على السلطات التعامل المناسباتي الذي كثيراً ما تفرضه المطالبات وحالات الاحتقان الاجتماعي.
هناك "لوبيات" قوية لها ارتباطات "عروشية" (قبلية) وسياسية تعرف كيف تستفيد من الاحتقان الاجتماعي، حيث ازدهر نقل الفوسفات بواسطة شاحنات الخواص المملوكة لرجال أعمال متنفذين، وهم جزء من دوائر الحكم، بعدما توقف نقله بواسطة شبكة السكك الحديد التي عُطِّلت خلال التحركات.
أما على مستوى الطاقة (الكهرباء والغاز والمحروقات) فيؤكد الخطاب الرسمي بشكل مستمر أن تونس تعاني من عجز طاقي كبير، وهو عجز يلتهم ثلث ميزانية الدولة، وذلك على الرغم من الخطاب الرسمي المتعلق باللجوء أكثر فأكثر للطاقات المتجددة. تبرر الحكومة هذا العجز الذي يضطرها في كل مرة لزيادة أسعار الوقود والكهرباء والغاز وربطه بالارتفاع العالمي لأسعار النفط ، وتوقف إنتاج الفوسفات. لكن بالمقابل تغلّف قضايا الفساد في مجال الطاقة بالصمت، وفي أحسن الحالات بالتضحية بموظفين صغار كأكباش فداء.

فساد ومناطق رمادية​

كشفت قضية كاتب الدولة المكلف بالطاقة في حكومة يوسف الشاهد، والذي تورط في قضية رشوة مقابل تمكين رجل أعمال عراقي من صفقة أسمدة من شركة فوسفات قفصة عن كيفية التصرف بالثروات الطبيعية. أودع كاتب الدولة السجن واستقال الوزير. قبلها أعلن الناطق الرسمي للحكومة أن أحد المستثمرين دعا رئيس الحكومة سنة 2018 لتدشين بئر نفط في مدينة المنستير الساحلية، ليتبين فيما بعد أن المستثمر يقوم باستغلال الحقل منذ سنة 2009 دون وجه حق، وقد قدرت القيمة الإجمالية لإنتاج الحقل بحوالي 15 مليون برميل يومياً، فتمت إقالة الوزير وفتح تحقيق بالقضية.
في سنة 2019 وفي سياق مشابه، بيّن تقرير دائرة المحاسبات أن أكثر من 11 مليار دينار هي كلفة استهلاك الطاقة مجاناً من قبل أعوان الشركة التونسية للكهرباء والغاز. وقد بيّن التقرير أن الدولة لا تملك استراتيجية وطنية للتحكم في الطاقة، بعكس ما تدعي الوكالة الوطنية لهذا القطاع. وتبين المعطيات كذلك أن التراجع في إنتاج الفوسفات لا يتعلق بالضرورة بالضغوط الاجتماعية التي تواجهها الشركة (أي التحركات المطلبية) بل بالفساد الذي يخترق "شركة فسفاط قفصة" وهو فساد مالي مباشر. لكن الأهم هو أن إنتاج الفوسفات يخضع أيضاً إلى التعامل مع الشركة كغنيمة. وهو ما كان يفعله الحزب الحاكم في زمن بن علي، حيث يتم الحصول على أموال من الشركة كالتمويلات الوهمية للرياضة، إضافة إلى سياسة الانتداب التي تقوم على المحاباة والمحسوبية مع البحث الدائم عن التوافق بين المنطق الحزبي والمنطق العروشي (أو القبائلي). فبعد 2011 انكشف أن هناك "لوبيات" لها ارتباطات "عروشية" وسياسية قوية تعرف كيف تستفيد من الاحتقان الاجتماعي، حيث ازدهر نقل الفوسفات بواسطة شاحنات الخواص المملوكة لرجال أعمال متنفذين، وهم جزء من دوائر الحكم، بعدما توقف نقله بواسطة شبكة السكك الحديد التي تعطلت نتيجة التحركات. والثروات الطبيعية هي حقل لتشكل اللوبيات والقوى المالية

الدولة تتخلى عن ثرواتها: لمن؟​

منذ انخراط تونس في سياسة التعديل الهيكلي سنة 1986 ووضعها موضع التنفيذ، أعيد التفكير في كيفية التصرف في الثروات الطبيعية، وتقرر تشجيع السلطات العمومية على التصرف المباشر بها لفائدة المستثمرين الخواص. فكان من نتائج هذا القرار مثلاً هو التفريط سنة 1998 بأربعة مصانع مختصة في إنتاج الإسمنت الرمادي، وهي معمل "الإسمنت الصناعي التونسي" لصالح شركة إيطالية و"إسمنت جبل الوسط" لمجمع برتغالي، و"إسمنت النفيضة" لمجمع إسباني و"مصنع إسمنت قابس" لمجمع برتغالي، والتفريط بمصنع إسمنت أبيض بجهة القصرين لفائدة مجمع برتغالي. السياسة ذاتها طبقت في قطاع الموارد المائية، حيث تخلت الدولة عن التصرف في المياه لفائدة "مجمعات التنمية الفلاحية" المكونة من منتخبين خواص. الشعار المرفوع في هذا الصدد هو دعم المقاربة التشاركية، لكن النتيجة كانت مزيداً من الفساد داخل تلك المجمعات، ومزيداً من إهدار الموارد المائية نتيجة سوء التصرف، ويتم ذلك على حساب الفلاحين الصغار. في السياق ذهبت الدولة إلى منح عقود طويلة الأمد لشركات استغلال النفط والتنقيب عنه، لكن كل المعطيات تشير إلى أن العلاقة التعاقدية بين الدولة وتلك الشركات لا تتسم بالشفافية، ولا أحد يعرف كيف تُمنح عقود الاستغلال. حتى التشريعات تبدو غامضة.
غياب سياسة عمومية للتصرف بالثروات الطبيعية يجعلها موضع مزايدات سياسية من ناحية، وحقلاً من حقول الفساد والمحسوبية من ناحية أخرى. والفساد هنا لا يتعارض كثيراً مع أجندات رأس المال العالمي الذي يبحث عن مزيد من الربح.
 
الدولة العربية للاسف بلا موارد طبيعية ولا صناعات والسياحة مش ولا بد لذالك اقتصادها سيء
ثروات تونس الطبيعية ! .. تاريخ من النهب.. وآخر من الاحتيال (فصل من كتاب المعادلة التونسية: كيف نصنع المستقبل؟ للصافي سعيد)
هل تمتلك تونس فعلا ثروات طبيعية؟ وما هي تلك الثروات إن وجدت؟ ثم ما هو حجمها المتاح؟ وهل تملك الدولة التونسية القدرة للسيطرة عليها واستغلالها. وتحويلها إلى عملية إنتاجية؟ أم هي غير قادرة لا على اكتشافها ولا على استغلالها وبالتالي فهي مضطرة لتقاسمها مع من يملك القدرات المالية والتكنولوجية؟ وهل كل هذه الثروات/الموارد ناضبة ومحدودة أم منها ما هو ناضب ومنها ما هو متجدد ودائم؟ وأخيرا كيف يمكن لنا أن ندمج كل هذه الثروات/الموارد (بشر + أرض + فضاء + قدرات) في معادلة كبرى لإنتاج الثروة الدائمة؟!
إن الثروات أو الموارد الطبيعية لا تعد عوامل إنتاج طالما لم تهيأ أو تستغل للمساهمة في الإنتاج. وعليه فإن الثروة الطبيعية لا تعتبر ثروة اقتصادية إلا إذا دخلت حيز الإنتاج والاستغلال والتخطيط. إن غنى أو فقر أية دولة لا يتحدد بما هو في حوزتها أو في باطن أرضها (لأنه أحيانا غير مكتشف أو غير مستغل أو غير مسيطر عليه) ولكن أولا وبالأساس بقدرتها على استغلال تلك الثروات بكفاءة وحكمة وتناغم مع حاجات السكان الحالية والمستقبلية..
إن تونس لا تعاني فقط من ندرة ثرواتها الطبيعية (كما هي أغلب الدول الفقيرة) وإنما هي تعاني أيضا من عجز التحكم في المتاح لديها من هذه الثروات.. لقد ظل هذا الملف مغلقا وشبه أبكم وكل من يقترب منه لا يجد غير المراوغات وخداع الشركات المشبوهة.. فمنذ الإستقلال وحتى الآن لم نقف على الأرقام الحقيقية لتلك الثروات التي تم استغلالها والتي لا تزال في طور الاكتشاف ولا على حجمها ولا حتى على تنوعها أو مواقع تواجدها.. فالخرائط غير متوفرة والمواقع غير محددة ومستوى البحث والتنقيب ضعيف وبطيء وقانون الصمت هو سيّد الموقف. فقد كشفت مناقشات المجلس التأسيسي الأخيرة مدى الفساد الذي ينخر هذا القطاع ومدى الغموض الذي يلفه ومدى التواطؤ بين الإدارة التونسية والشركات الأجنبية وكذلك مدى الغبن الذي لحق ولازال يلحق بالثروات الطبيعية التونسية.. إن الدولة التونسية لا تبدو فقط عاجزة عن استغلال مواردها، بل هي عاجزة على حماية تلك الموارد من النهب أو السرقة أو التلاعب بها. وبالتالي، فهي ليست متخلفة فقط لأنها غير قادرة على استغلال ثرواتها، بل هي فاقدة للسيادة لأنها عاجزة عن حمايتها وحماية مستقبل أجيالها (مواطنيها).
إن الكفاءة تأتي من القدرة على الحماية والاستغلال والإنتاج. وإذا كانت الحماية غير مؤمنة فإن لا معنى هنا للتخطيط أو الكفاءة. إن كل عملية إنتاج تحتاج إلى طريقة للاستخدام الأمثل. وبما أن الموارد مجهولة الحجم أو هي ليست تحت سيطرة الدولة، فإن أية عملية استخدام ستكون ناقصة ومشوهة. إن كل استخدام جيد لا بدّ أن يتولد عنه إنتاج أوفر، على أن أي استخدام جيد لن يكون ممكنا إلا إذا تمت السيطرة على الموارد التي سيقع استخدامها.
وترتبط هنا عملية التنمية بحجم المتاح من الموارد وطريقة استخدامها والتحكم فيها وكذلك القدرة على حمايتها من الفساد أو النهب المقنن.. وهذا يفرض في البدء على كل دولة ضرورة التعرف على مواردها وحصرها والشروع في استغلالها والرفع من قيمتها لكي تتمكن من جعلها ثروة اقتصادية. لقد أعطى العلم قيمًا مضافة لكثير من الثروات التي كانت في زمن آخر مهملة أو غير ذات جدوى. وأضافت احتياجات السوق العالمية من تأجيج الصراعات على مثل تلك الثروات. وهذا ما أدّى ببعض اللوبيات والكارتلات أن تخفي أو تطمس ثروات بلد ما على حساب بلد آخر، غير أنه ليس من اللائق على أي شعب أن يغرق في الأحلام أو يركب مصعد التوقعات العالية. فالجغرافيا قد تكون كريمة هنا وبخيلة هناك، كما أن ثرواتها من الممكن أن تكون بخسة في زمن ما لتصبح ذات شأن وقيمة أخرى في زمن آخر. إن الموارد الطبيعية بطبعها نادرة، كما أن السوق تجعلها أكثر ندرة من أجل الربحية. وبالتالي فإن الصراع على امتلاكها قد يصل إلى حروب وحشية. أما حمايتها فتحتاج إلى إرادة سياسية وقدرات بشرية وحصانة إدارية وتحكم تكنولوجي..
يعرف الاقتصاديون الموارد أو الثروات الطبيعية عادة "بأنها كل المواد التي لها قيمة اقتصادية دون أن يكون للإنسان دخل في وجودها.. ولأن الإنسان كان ولا يزال المحرك الأول للطبيعة، فإن الثروات تأخذ قيمتها أولا وأخيرا من نشاط ومن وجود الإنسان". إن سطح الأرض وبطنها وما حولها وفوقها وكذلك مناخها وتضاريسها ومساقط مياهها وموقعها الجغرافي هو ما يقصده الاقتصاديون بالثروات الطبيعية.. وهذا كله لا يتحول إلى ثروة قومية إلا بتدخل الإنسان الواعي والمحكم. فإذا ما كان هذا الإنسان متخلفا أو مهملا أو غير حريص أو لا يمتلك المؤهلات والقدرات أو كسولا معتمدا على غيره، فإنه غالبا ما يدمر أو يبدد تلك الثروات الطبيعية أو يفرط فيها لمن هو أقوى منه.
إن الموارد الطبيعية المحدودة (كالفحم والحديد والفوسفاط والغاز) أو غير المحدودة والمتمددة والمتجددة كالمياه والتربة والشمس والرياح والأوكسجين هي جزء أو ضلع من مثلث أية ثروة قومية. فالضلع الثاني يقوم على الموارد البشرية ونوعية العنصر البشري الذاتية وكذلك صفاته المكتسبة كالخبرات والمهارات والكفاءة ومستوى تأهيله ووعيه بذاته ومحيطه. وهنا لا بد أيضا من مراعاة كمية أو حجم السكان ومعدل تزايدهم وتوزيعهم الجغرافي ونوعية نشاطهم وهرمية أعمارهم. أما الضلع الثالث من هرم الثروة القومية فتمثله الموارد المصنعة. وهي موارد من نتاج تفاعل الإنسان مع الطبيعة. وتعرف عادة برأس المال المادي. إن مكونات عديدة مستخرجة من الأرض بعد معالجتها صناعيا بالإضافة إلى تجهيزات أساسية كالمباني والجسور أو منتجات زراعية تدخل في بعض الصناعات هي أشكال من رأس المال المادي. وينسحب ذلك على الرأس المال الاجتماعي أو ما يعرف بالبنية التحتية كالطرق والمواصلات وسكك الحديد والموانئ والسدود. وهنا يمكن إضافة البعد التكنولوجي وكذلك البعد التاريخي. فمن بين الموارد أو الثروات القومية هناك ثروة التاريخ والآثار والمقدسات الدينية لتنمية صناعة السياحة.
إن الثروة القومية هي حصيلة كرم الجغرافيا ونشاط الشعب وسيادة الدولة ومخططات الحكومات. وهذه المكونات ذاتها قابلة للتطور والتجدد والاستمرارية كما للنضوب والتصحر. فلو أن الشعب هاجر أو تعرض لوباء أو تناقص بسبب حرب أو غزو، فإن هرم الثروة لن يتصاعد. ولو أن الجغرافيا تعرضت لغزو أو لعملية اعتداء وضم، فإن الشعب سيفقد حريته وكرامته واختياراته وموارد عيشه. ولو أن مخططات الحكومات كانت ارتجالية أو ناقصة أو ممولة من الخارج، فإن أجزاء كبيرة من تلك الثروة سيضمحل ويبدد ويهدر. وهذا كله لا يمكن أن يتوفر لو أن الدولة فقدت سيادتها على ثروتها القومية.. إن مستوى الرفاه لأي شعب يقوم على تحصين السيادة وحسن استخدام كل الموارد والرفع من الإنتاجية والتحكم في التكنولوجيات. فماهي الموارد المتاحة أمام الدولة التونسية؟. وهل حان الوقت لاكتشافها واكتشاف قيمتها؟ وكيف يمكن استغلالها بالطرق الأفضل والأكثر حكمة ورشدا؟ وهل تملك الإرادة والتخطيط والقدرات على ذلك؟
*** *** ***
ليس لدى من يتحدث عن ثروات تونس الباطنية بصوت عال أي مسح جيولوجي ولا أية خارطة محددة لمواقع تلك الثروات. وحتى أعضاء المجلس التأسيسي لم يعطوا أية براهين واضحة على وجود وحجم تلك الثروات. وملخص القول أن ما قيل حتى الآن لا يعدّ إلا "مضاربات" سياسية تصل إلى حدّ المهاترات. وعلى أية حال إذا كانت ثروات تونس الباطنية لا نعرف خرائطها ومواقعها ومعدنها وأحجامها إلا بقسط ضئيل، فإن ثروات تونس السطحية (على سطح الأرض) تبدو ظاهرة للعيان مثل الفوسفاط وشمس الصحراء والملح والآثار التاريخية والبحر.
تعتبر تونس سادس منتج للفوسفاط في العالم (8 مليون طن سنويا). وتبيع سنويا بما قيمته نحو ملياري دولار، غير أن تلك المبيعات قد انخفضت إلى أكثر من النصف ما بين 2011 و2012. ويعتبر قطاع الفوسفاط المورد الأول للعملات الصعبة والمشغل الأول لليد العاملة فيما يتعلق بالقطاعات المنجمية (ما بين 13 و15 ألف)، غير أن هذه الثروة الكبيرة كثيرا ما تعرضت للهدر والفساد وكثرة الإضرابات الأمر الذي جعلها باستمرار بؤرة للخصومات واللا استقرار والانتفاضات. لم تعرف حكومات ما بعد الثروة كيف تضع حلولا عادلة لتلك الإشكالات ولا برنامج إصلاح وتأهيل وإعادة اعتبار لتلك الثروة. فأسعار المبيعات التونسية لاتزال متدنية بالمقارنة مع مثيلاتها في المغرب أو الأردن. وعقود المبيعات معتم عليها بعناية، وهي لا تعقد في أغلبها مباشرة مع الحكومة أو الشركة المنتجة الأم وإنما عبر وسطاء آخرين. كما أن أسواق هذه المبيعات غير مؤمنة لا عن طريق الالتزام الثنائي ولا حتى بالنسبة لتدفق المنتجات. بالإضافة إلى ذلك فإن ما تجمعه الحكومة التونسية من مبيعات قد لا يفي في بعض السنوات بتغطية كلفة الإنتاج والاستخراج. إن الفوسفاط ثروة ولكنه لا يزال بعد أكثر من قرن ثروة مهملة وغير مكيفة مع الأسواق العالمية وغير مؤهلة للتطور في ظل عجز الحكومة وغضب الأهالي والمنتجين. ولو قارنا حجم المبيعات بكلفة الإنتاج (آلات + عمال + بيئة) لوجدنا أن قطاع الفوسفاط قد تحول إلى عبء على كل طرف وخاصة على الحكومة. ومن أجل أن يصبح هذا القطاع أكثر مردودية لا بد لأية حكومة أن تتصدى لكل المشاكل وتتخذ القرارات الأكثر جرأة للدفع بهذا القطاع المنجمي..
إن مخزون الثروة سيظل متدفقا على نفس الوتيرة لأكثر من قرن آخر حسب الاستطلاعات والاستقراءات الحالية، كما أن اكتشافات أخرى قد بدأت تتأكد في أقاليم أخرى من الجمهورية بالإضافة إلى أن حاجة السوق الدولية ما انفكت تتزايد للفوسفاط. وعليه فإنه من الممكن للحكومة التونسية أن تضاعف من مبيعاتها وإنتاجها وتعدل من أسعارها وتبعد كل الوسطاء والطفيليين عن أسواقها. وهذا كله من شأنه أن يجلب للخزينة التونسية ضعف ما تحصل عليه الآن.. وسوف يظل قطاع الفوسفاط واعدا إذا ما اختارت الحكومة التونسية الشفافية وإعادة التأهيل وإدماج كل المنتجين في برنامج تنموي كبير تعود فوائده على الجميع وفي مقدمتهم أهالي المنطقة. أما إذا استمر التلكؤ والتعتيم والتجاهل، فإنه من المحتمل أن تتحول تلك الثروة إلى نكبة على الحكومة وسكان المنطقة والبيئة. إن أية ثروة قد تتحول إلى مصدر لإنتاج الخصومات والعنف إذا لم تجد من يحصنها ويرفع من قيمتها ويحولها إلى مصدر للرفاه.
وتبرز المفارقة هنا في أن أكثر الأقاليم حرمانا وتخلفا هي الأقاليم الأكثر ثراء من حيث الموارد الطبيعية. فمناجم الفوسفاط ومناجم الملح والغاز والنفط وكذلك الشموس والرياح لتوليد الطاقة النظيفة كلها تقع في الأقاليم الجنوبية من الأراضي التونسية الأكثر حاجة وحرمانا. وتشير آخر التقارير العلمية الصادرة عن مراكز البحث الأوروبية أن الصحراء التونسية (ثلث المساحة العامة) تعتبر من أفضل المواقع لإنتاج الطاقة الشمسية خاصة لقربها من أوروبا. وقد تعاقدت الجزائر في العام 2010 مع ألمانيا لإنتاج مثل هذه الطاقة بدءا من العام 2015، غير أن تونس لم تهتم بتلك الطاقة المهملة. رغم أن عراقيل كثيرة قد اعترضت المشروع الألماني/الجزائري (إذ تراجعت الجزائر بسبب التقدير في الأسعار) إلا أن تونس لم تتحرك لاستكشاف آفاق ذلك المخزون الاستراتيجي. إن شمس الصحراء التونسية بإمكانها أن تستطع على أوروبا على نحو دائم لتوفر للخزينة التونسية مداخيل خيالية تقدر بأكثر من 20 مليار في السنوات العشر الأولى ثم ترتفع إلى نحو 50 مليار دولار في كل عشر سنوات. وهذه المبالغ تعادل مداخيل الفوسفاط والنفط والغاز والحديد مجتمعة بالأسعار الحالية.
إن إنتاج الطاقة النظيفة والدائمة هي مستقبل الشعوب. ولكي نحتل مكانتنا اللائقة في هذه السوق الجديدة والناشئة لابد أن نهيئ التصورات والمشاريع والخطط والبرامج لجعل تونس مصدرا متقدما في إنتاج هذه الطاقة النظيفة.. إن مثل هذه المشاريع الكبرى والمستقبلية تحتاج إلى تكنولوجيات عالية واستثمارات ضخمة، لذلك فإن مبدأ التشارك لابد أن يكون جاهزا من الآن. فالصحراء التونسية المحاذية للصحراء الليبية والجزائرية قد تكون مدخلا جديدا للتعاون والشراكة والاندماج الإقليمي. فإذا ما أضاعت هذه الدول الثلاثة فرص الشراكة والتعاون في القرن العشرين، فإن ليس من حقها ولا من حق شعوبها عليها أن تبدد القرن الحادي والعشرين في التجاهل والنكران والخصومات. إن الطاقة المتجددة قد تقوم بتجديد خلايا هذا الجسم الجغرافي الكبير القريب من أوروبا، والذي بات على نحو كبير من الإغراء لاحتوائه على عصير الطاقة الذي لا ينضب.
وإلى جانب الفوسفاط والمياه الجوفية والطاقة الشمسية، ثمة مخزون من الملح يحتاج إلى إعادة تشريع وتشريح. إن تونس تعتبر مصدرا كبيرا لإنتاج ما يطلق عليه "بالذهب الأبيض". فالملح موجود وبكثرة في الشمال والوسط والجنوب الشرقي والغربي. وهو مادة مطلوبة في الأسواق العالمية لاستعمالها في الطعام والأدوية وإذابة الثلوج وبعض الصناعات الأخرى. وقد تبالغ بعض الدراسات في قيمة هذه المادة التي ما انفكت تتراجع بسبب كثرتها في مناطق عديدة من العالم. ولكن المخزون التونسي القريب من أوروبا والذي يعتبر من المواد الإستراتيجية لايزال غير مؤمم حسب كراسات الشروط والتشريعات التي تعود إلى ما قبل الإستقلال. فالشركات المستغلة لهذه المادة، أجنبية ولا تملك الدولة التونسية فيها الحصة الكافية لجعلها صاحبة السيادة. وبمقتضى اتفاقية تعود إلى العام 1949 لاتزال الشركات الفرنسية صاحبة اليد الطولى على مناجم الذهب الأبيض. وحسب تقديرات الخبراء (ومن بينهم مسؤولون حكوميون) فإن الحكومة التونسية تخسر ومنذ عقود ما قيمته 700 مليون دولار سنويا (ثلث مداخيل الفوسفاط). وتعتبر الشركة العامة للملاحات التونسية المتهم الأساسي في نهب هذه الثروة إذ تتستر على هذا الملف بالاشتراك مع شركات أجنبية مثل "كوتزال" الفرنسية منذ الإدارة الاستعمارية. و"تونسيال" التي يملكها شريكان (إيطالي ونرويجي). وتعمل هذه الشركات في مناطق كثيرة قرب البحر والسباخ وبن قردان وشط الجريد. وهي مختصة في الإنتاج والتعليب والتسويق الغذائي والصناعي والبيئي (تشتري أوروبا سنويا ما يعادل 40 مليون كيس من فضلات الملح لتذويب الثلوج. ويبلغ سعر الكيس الواحد نحو 16 دولار – أي نحو 650 مليون دولار).
ورغم أن المسؤولين في شركة كوتزال يتكتمون على أرقام الإنتاج والمعاملات وينفون تلك الأهمية المبالغ فيها لهذه المادة ويقولون أن الملح موجود بكثرة في العالم، إلا أنهم لا ينفون استحواذ الشركات الأجنبية على هذه الثروة الوطنية. كما تعترف الحكومة التونسية بضرورة تحيين كراسات الشروط لإنتاج هذه المادة تحت السيطرة الوطنية. وسواء تمت المبالغة في تقدير هذه المادة وحجمها أو لم تتم، فإن سبب كل ذلك هو الغموض والتكتم الذي ينسحب على قطاعات أخرى مثل النفط والغاز.
*** *** ***
من الصعب الاعتماد على بيانات المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية. ولو صدقنا رقم الإنتاج اليومي الذي يظهر في مواقع الانترنت، فإن ذلك يدفعنا إلى التساؤل: كم تبلغ مبيعات تونس يوميا بحساب البراميل المنتجة (95 ألف برميل يوميا)؟
في أقل التقديرات بأسعار العام 2012 و2013، فإن هذه المبيعات من المفترض أن تبلغ نحو 3 مليار ونصف المليار دولار في أقل التقديرات (حوالي 5 مليار دينار) غير أن البنك المركزي لا يعترف أبدا بمثل تلك الأرقام. هل ثمة مغالطة في حجم الإنتاج؟ هل ثمة تلاعب في الفوترة؟ أم أن النفط التونسي غير مؤمم ويخضع للشركات الأجنبية إنتاجا وتسويقا وتصنيعا؟ (لا يعود للدولة التونسية أكثر من 20% من سعر كل برميل)
إن العقود المبرمة بين الشركات الأجنبية سواء للاستكشاف أو للتنقيب أو للإنتاج لا تعرض أبدا على مجلس النواب سابقا. وحتى العقود المبرمة في السنوات الثلاث الأخيرة لم تعرض ولم تناقش في المجلس التأسيسي. فهي من اختصاص وزارة الصناعة والشركاء الأجانب الذين يفرضون شروطا تصل إلى حدّ عدم الكشف عن محتوى هذه العقود. وما يمكن أن يلاحظه أي مراقب، ذلك الإصرار على التعتيم والاكتفاء بالإشارة إلى "أن حصص الإنتاج سيتم تقاسمها بين الشركة الأجنبية والمؤسسة التونسية".. فعلى أي أساس يتم تقاسم الحصص؟ وبالتحديد ما هي حصص المؤسسة التونسية من كل عملية إنتاج؟ ولماذا تقبل تونس بمثل هذه المشاركة المغشوشة، وهي تحتاج إلى كل قطرة نفط؟! الأجوبة تكاد تكون غائبة لأن لا أحد ينطق بها. فقانون الصمت في تونس يبدو ضاربا في القدم ويعود إلى السنوات الأولى من الإستقلال. فقد عاشت تونس إلى حدود العام 92 على مجلة محروقات قديمة لا تحفظ حق التونسيين في ثروتهم. وحين تم تنقيحها خضعت لمزايدات وصراعات خفية لم يكن للحكومة التونسية أية قدرة على مواجهتها لأسباب تتعلق بالفساد والارتباط والخضوع لإرادة الشركات الكبرى.
ويقدر خبراء الطاقة في تونس المخزون الوطني من النفط الخام والقابل للاستخراج حاليا بحوالي 450 مليون برميل. وهذا الرقم قابل للارتفاع ليصل إلى احتياطي مستكشف وقابل للاستخراج يقدر بنحو 600 مليون برميل أي بمعدل 30 مليون برميل سنويا على مدى عقدين (20 عاما) أي وبأسعار اليوم ما يعادل 3 مليارات من الدولارات سنويا. وهي ضعف فاتورة النفط التونسية سنويا. ولو أن الحكومة التونسية باتت قادرة على امتلاك ثرواتها بلا منازع وبلا شركاء، فإنها ستوفر فاتورة نفطها كاملة مع مداخيل إضافية تصل إلى حدود الملياري دولار سنويا بحساب ارتفاع الأسعار للعقدين المقبلين. (من المحتمل أن يصل سعر برميل النفط إلى حدود 140 دولار كمتوسط للعقد المقبل)
وتأتي تونس حاليا في المرتبة 55 عالميا من حيث الإنتاج بواقع 95 ألف برميل يوميا. وتقوم بهذا الإنتاج نحو ستة شركات عالمية كبرى على رأسها "بريتش بتروليوم" البريطانية، فيما تتوزع حاليا نحو 50 شركة أجنبية للاستكشاف والتنقيب. ويوجد من بين هذه الشركات الكثيرة، شركات صورية تعمل في الوساطة وبيع الحقول في مرحلة الاستكشاف أو عند بدء التنقيب. كما أن عددا من هذه الشركات غير قادرة أساسًا على الاستثمار الكبير في البحث والتنقيب. ومن هنا غالبا ما تقع مضاربات تذهب بحقوق التونسيين في ثروتهم أو تطمس بعض آبارهم بدعوى أنها غير مربحة ليقع بيعها لاحقا لشركات أخرى كبرى. ويبدو أن مردّ ذلك كله هو فساد الإدارة التونسية وضعف الإرادة السياسية وعدم الاهتمام بالثروات الوطنية. ورغم ذلك فإن آخر تقارير الأوبيك تشير إلى أنه من المحتمل أن تصبح تونس عضوا من أعضاء الأوبيك (المنظمة المصدرة) بواقع نصف مليون برميل يوميا. (ما يعادل من المبيعات سنويا نحو 18 مليار دولار، أي أقل بقليل من حجم الميزانية الحالية لعام 2014)
إن الهدر الذي ألحق بهذه الثروة الوطنية يعود كله إلى مبدأ نهب الثروات الذي يحكم سياسات الشركات والدول الأجنبية. وفيما استطاعت دول كثيرة أن تقوم بتأميم وتحصين ثرواتها. وقد خاضت حروبا وصراعات شرسة من أجل استرداد حقوقها، استسلمت تونس للنهب المنظم تحت قانون الخوف تارة وتحت قانون الابتزاز تارة أخرى. ولم يعد خافيا اليوم ما مدى نفوذ شركة مثل شركة "بريتش بتروليوم" التي تعمل في تونس (في حقول النفط والغاز) منذ نحو 35 عاما. وقد فاحت بعض الفضائح مؤخرا حين تحدثت بعض التقارير عن منح هذه الشركات مساعدات مالية لرجال سياسيين جدد في تونس بعد الثورة، وذلك حفاظا على العلاقات الخاصة التي تربطها بتونس. ولايزال من الصعب تأكيد مثل تلك التقارير، ولكن أعضاء من المجلس التأسيسي قد أثاروا الشبهات حول تلك الشركة. ولا شك أن شركات أخرى مثل توتال الفرنسية وشال الهولندية واينا الإيطالية تشارك في صناعة – الفقر والفساد – في تونس، ولكن ثورة لاسترجاع تلك الثروة الوطنية تحتاج إلى إرادة سياسية لاتزال غير متوفرة. فالاتهامات الأخيرة قد طالت حتى رئيس الوزراء الجديد مهدي جمعة الذي حشر إسمه في صفقات مشبوهة مع شركات تنقيب نفطية تونسية وأجنبية. إن الدولة التونسية لا تكاد تحصل على أكثر من 20% من كل عملية إنتاج، وهو أقل مستوى من السيطرة والفائدة في جميع أنحاء العالم. ولو أن النفط أو الغاز قد ظل في باطن الأرض، فإن مستقبل الأجيال التونسية سيكون محصنا أكثر مما هو عليه الآن..
إن ملف الغاز الطبيعي في تونس أكثر غموضا من ملف البترول.. فرغم أن تونس تعتبر منتجة لهذه المادة بما يكفي احتياجاتها، إلا أن الدولة التونسية تضطر إلى شرائها من شركات منتجة على أرضها. فالتقارير تشير إلى أن تونس تشتري بنحو 700 مليون دولار سنويا من شركة بتروليوم من حاجياتها الغازية. ويعني هذا حسب هذه التقارير أن هذه الشركة تستحوذ على نحو 90% من الإنتاج مقابل 10% فقط للدولة التونسية، صاحبة السيادة على حقول الإنتاج. وإذا صحت مثل تلك التقارير فإن لا نظام يشبهها غير نظام العبيد أو السخرة. وكان زمن الاستحواذ على ثروات الشعوب قد ذهب ما بين الخمسينات والسبعينات خلال حروب التأميم، إلا أنه لايزال يتمدد في الصحراء التونسية. إن الاحتياطي المؤكد من الغاز الطبيعي في تونس يقدر حاليا بنحو 85 مليار متر مكعب (المرتبة الـ50 عالميا) وهو يكفي لاحتياجات البلاد لمدة تزيد عن 25 عاما بمعدل 3,4 مليار متر مكعب (الاحتياجات المقدرة).. إن فقر الدول هو فقر وعجز حكوماتها. فقد عاش الشعب التونسي طويلا على اسطوانة قديمة تقول: "إن تونس بلد صغير وفقير الموارد بشكل عام". وحين جاءت ساعة قول الحقيقة، كان لا بد من الحصول على المعلومات الصحيحة. ولأن البيروقراطية الفجة والرثة هي التي صنعت فقر بلدها، فهي لا تزال ممعنة في إخفاء الحقائق والأرقام الصحيحة. فتونس تحتوي على الفوسفاط والغاز والبترول والحديد والرصاص والزنك والملح والجبس والمياه الجوفية بكميات هائلة، ومع ذلك فإنها لاتزال فقيرة!
وما لم نخض معركة استرداد السيادة على ثرواتنا الطبيعية والباطنية، فإن ثورتها في كتاب تاريخها الطويل سيظهر كخدعة أخرى من خداعات الاستعمار. إن الحرب على الفساد هي الحرب على الفقر والتفقير والإرهاب والتهريب.. وفي هذه الحقول توجد مفاعيل الثورة والثروة..

 
مع البنك الدولي على الأشقاء في تونس شد الاحزمه (أكثر) وكان الله في عونكم
 
عودة
أعلى