الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فمن اعتقاد أهل السنة والجماعة، ومما يتعلق بأمور الإيمان، هذه الأركان الستة للإيمان.
-(الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله والإيمان باليوم الآخر وبالقدر خيره وشره)-
والنبي ﷺ كما جاء في حديث جبريل أن للإيمان ستة أركان، هذا الكلام نقوله الآن بعد أن عرفنا موضوع التوحيد، وما يقابله من الشرك، وأن الشرك منه ما هو أكبر ومنه ما هو أصغر، والشرك الأكبر عرفناه؛ سواء كان في توحيد الربوبية، أو الألوهية، أو الأسماء والصفات.
أنواع الشرك والموقف من المشركين
وانقسام الشرك إلى أكبر وأصغر، هذا فيه معيار عظيم في مسألة المواقف والأحكام ممن يعتقد هذا أو هذا، فالمشرك شركًا أكبر معلوم الموقف منه.
وأن النبي ﷺ لما بُعث فإنه بُعث لهؤلاء المشركين الذين وقعوا في الشرك الأكبر.
وكان مع هذا شرك أصغر بأنواعه، والنبي ﷺ حذر منها كلها، فضد التوحيد هو الشرك، وضد توحيد الربوبية اعتقاد أنه يوجد إله مع الله، فإذا قلت مثلاً: شرك النصارى في الربوبية أم في الألوهية؟ في الاثنين، لكن كيف كان شركهم في الربوبية؟ أن بعضهم يقول: عيسى هو الله.
وكذلك القول أن عيسى ابن الله، ويجعلون لعيسى خصائص ربوبية، كذلك أيضاً شرك الباطنية الذين يقولون اثنا عشر إمامًا يعلمون الغيب، هذا من شرك الربوبية؛ لأن علم الغيب من صفات الربوبية، صرف عبادات لغير الله، هذا شرك الألوهية، فإذًا، ما يتعلق بأفعال الله هذا شرك ربوبية وهذا أسوأ.
وكذلك بعض شرك غلاة الصوفية شرك ربوبية؛ لأنهم يقولون: القطب الأعظم، أو الغوث الأعظم، يتصرف في الكون بدون أن يصرف، حتى لو لم يصرف له أي عبادة، ولو لم يستغيثوا به، ولم يذبحوا له، ولم يطوفوا بقبره، كونه يعتقد أن الغوث الأعظم أو القطب الأعظم هذا يعلم الغيب، أو أنه مطلع على اللوح المحفوظ، أو أنه يستطيع أن يغير في اللوح المحفوظ، أو أنه كما يقولون مثلاً: عبد القادر يا جيلاني يا متصرف في الأكوان من بعض أهازيج بعض العامة، عبد القادر يا جيلاني يا متصرف في الأكوان ما معناها؟
هذا طعن في صميم توحيد الربوبية، هذا شرك ربوبية، الآن موضوع شرك الربوبية.
إذًا، سواء كان إنكار وجود الله، أو آلهة مع الله، أو اعتقاد أن للبعض خصائص ربوبية، علم غيب، إحياء، إماتة، خلق، رزق، شفاء، وهكذا صرف أنواع من العبادة لغير الله شرك في الألوهية، كالاستغاثة بغير الله، ذبح لغير الله، نذر لغير الله، ونحو ذلك، كان بداية ظهور الشرك في البشرية في شرك الألوهية؛ لأن الشيطان قال لهم: هؤلاء الصالحون الخمسة، وضعوا لهم صورًا، ثم رؤيتهم تحمسكم العبادة، حتى صاروا يصرفون لهم أنواعًا من العبادة.
فما هو أول انحراف في البشر في الشرك؟ كان هناك شرك الألوهية، يعني: ما جاءهم الشيطان مباشرة نقلهم إلى الإلحاد، وأنه لا يوجد إله مثلاً، أو أنه يوجد عدة آلهة خلافًا لما يقوله بعض الذين يزعمون اشتغال بتاريخ البشرية يقولون مثلاً: الإنسان الأول أول شيء خاف من الطبيعة، فعبدها بعض الكفرة، وبعض المسلمين الذين يكتبون في تاريخ البشرية يقولون: الإنسان الأول إنسان الكهف، الإنسان البدائي والعصر الحجري أول شيء خاف من الطبيعة، وعبدها، فعبد الشمس، والكواكب، والرعد، والأعاصير، والرياح، والنار مثلاً، طبعًا هذا باطل؛ لأن الله خلق أول البشرية آدم على التوحيد، فأول البشرية على التوحيد، وعشرة قرون بين آدم ونوح كلها على التوحيد، ما حصل عندهم أي نوع من أنواع الشرك، لا عبد إنسان الكهف، وإنسان العصر الحجري عبدوا هذه الأشياء أو الكواكب.
وبعضهم يقول: أن البشرية أول شيء عبدت آلهة كثيرة، وبعد ذلك صارت تختصر الآلهة إلى أن صارت إلهًا واحدًا، وهذا أيضاً ضلال مبين؛ لأن آدم أبو البشر كان يعبد إلهًا واحدًا لا شريك له، وهو أول واحد على الأرض من البشر، وكذلك ذريته، فابن آدم الأول القاتل الأول كان موحدًا، يعني: لما صار بين هابيل وقابيل ما حدث بين ابني آدم كانا على التوحيد، وكان هذا الذي حصل كبيرة من الكبائر، وهي كبيرة القتل.
أما الدين التوحيد العقيدة سليمة، ليس في أولاد آدم مشرك، ثم طرأ الشرك، أيّ شرك الذي طرأ على البشرية في توحيد الألوهية؟ في صرف أنواع من العبادة لغير الله، بالتأكيد أن الشيطان كان حريصًا من قبل على إيقاعهم في كل أنواع الشرك والكفر: فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ [ص: 82-83].
قال ابن عباس كما في البخاري في وَدًّا وسُوَاعًا، ويغوث ويعوق ونسرا: "رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصابًا، وسموها بأسمائهم ففعلوا، ولم تُعبد حتى إذا هلك أولئك وتنوسي العلم عُبدت" [رواه البخاري: 4539].
إذًا، أول ما اتخذت، اتخذت تماثيل للتحميس، الشيطان جاءهم من هذا الباب تحمسوا أنفسكم على العبادة، كل ما رأيتم هؤلاء الصالحين، رأيتهم تماثيلهم، تتذكرون عبادتهم، فتتحمسون للعبادة، وتزدادون خيرًا، ما كان الشيطان يشتغل على المدى الطويل، هذا الجيل لا يقع فيه الشرك، فقد عملوا أنصابًا، وسموا الأنصاب بأسماء الصالحين الخمسة، هذا تمثال اسمه: يغوث، وهذا تمثال اسمه: يعوق، وهذا التمثال اسمه: نسر، هذا التمثال اسمه: ود، وهذا التمثال اسمه: سواع، وهكذا لما هلك الجيل الذي صنع التماثيل، ولأي غرض صنع التماثيل؟ جاء الجيل الذي بعده تنوسي العلم فعبدت.
إذًا علم التوحيد حصل له نسيان، فعبدت هذه التماثيل فهذه التماثيل المصورة على صور ذوات الأرواح في شريعتنا حرام، وفتح الباب حرام، يعني: من كمال هذه الشريعة أنها تسد الأبواب الموصلة إلى الشرك، صنع تماثيل ذوات الأرواح مما يوصل إلى الشرك، وحصل عمليًا في قوم نوح لو جاءهم اللعين من أول مرة بعبادتهم لم يقبلوا ولم يطيعوا الجيل الذي صنع التماثيل، فلذلك أتاهم من باب أنها تحمسكم على الصلاة والعبادة.
وعرفنا بعد ذلك مثلاً كل ما مضى شرك في البشرية الله يرسل رسولاً، فتقع المواجهة بينه وبين قومه حتى يفتح الله بينه وبينهم، فيهلك الله المشركين، ويبقى النبي ومن معه ينجيهم الله، فتقوم حياة جديدة على التوحيد، ثم يحصل ما يحصل من نسيان العلم، واندراس معالم النبوة، فيقعون في الشرك مرة أخرى بعد أجيال، فيبعث الله رسولاً، وهكذا.
كان من قبل يأتي العذاب: حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا [يوسف: 110]، إلى عهد موسى صار هناك جهاد، يعني: ما صارت المواجهة بين النبي والمؤمنين معه، وبين المشركين تنتهي بعذاب سماوي أو أرضي أو شيء يرسله الله، وإنما صار هناك جهاد إلى عصر النبي ﷺ، وعرفنا قصة عمرو بن لحي الخزاعي.
أسباب تلاعب الشياطين بالمشركين
ما هي أسباب تلاعب الشياطين بالمشركين في عبادة الأصنام؟ تارة من جهة تعظيم الموتى، وهذا الذي حصل في قوم نوح، وتارة أن هذا المعبود له فائدة كبيرة، فلماذا لا نعبده كعبادة الشمس والقمر؟ وتارة الغلو في المخلوق، وإعطاؤه فوق منزلته حتى شبهوه بالله تعالى الشرك الأكبر، ويكون بعدة أسباب: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ [البقرة: 165].
فقد يكون شركًا في المحبة، ليس فقط قضية الركوع والسجود، أو الصلاة للصنم. الشرك له صور كثيرة يكفي في الاعتقاد قد يشرك اعتقاداً، حتى لو لم يعمل أي شعيرة تعبدية، حتى لو لم يقم بأي شعيرة تعبدية، المعبودون من دون الله ما هي عاقبتهم إذا كانوا من البشر، ورضوا بذلك، فالله يعذبهم مع عابديهم: إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ [الأنبياء: 98].
ولو كانوا غير راضين كعيسى عبد من دون الله، فلا ذنب له في هذا، فيعذب من عبده، ويوم القيامة يتبرأ منهم، فهم غلوا فيه، يرجون يوم القيامة أنه سيكون معهم وينفعهم، ويكون معك عيسى، فيوم القيامة يتبرأ منهم، فيكون في ذلك خزي لهم، وأما بالنسبة للمعبودات من الأصنام الجمادات، فتكون مع عابديها في النار تبكيتًا لهم، الشمس، القمر، أشجار، أحجار، تكون معهم في النار؛ لأنه إذا رأى معبوده في النار كان في ذلك خزي، وكان في ذلك ألم نفسي، بالإضافة لما يتعذب به من الألم البدني، والتبرؤ يتم كما ورد في كتاب الله من جميع من عبد من دون الله من ملائكة وعيسى -عليه السلام- سبحانك: مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُم [المائدة: 17].
أنواع الشرك الأصغر
الرياء:
بالنسبة لأنواع الشرك الأصغر، والرياء درجات، فإذا كان هو الباعث على العمل أصلاً، فالعمل حابط، وإذا طرأ على العمل أثناء العمل يعني الباعث على العمل وجه الله، ثم طرأ عليه طارئ الرياء، فإن كان مجرد خاطر ودفعه صاحبه فلا يضر، أما إذا استرسل معه، واستكان إليه، وأحبه، وأطل في الصلاة من أجله، فإن كان في عمل يتصل أوله بآخره كالصلاة بطلت كلها، ماذا يفعل إذا تاب؟، يعني واحد كان يقرأ القرآن لله، ثم دخل شخص فطول من أجله، الآن طرأ الرياء، وما دافعه، وإنما استرسل معه، وأطال من أجله العمل، ماذا يفعل إذا تاب في لحظتها؟ قالوا: يقطع العمل، ويجدد النية.
إذًا، إذا كان خاطر ودفعه لا يضر، يكمل عمله، وعادي مثل ما بدأه، ولا يضره ذلك، وإذا طرأ عليه واسترسل معه يقطع العمل، ويجدد النية، ويبدأ، قال بعضهم: إنه لا يحبط، ولكن ينقص من ثوابه بقدره بقدر الرياء، هذا إذا كان قصده الرياء كما قال العلماء قصدًا خفيفًا كان الغالب وجه الله؛ لأن أحيانًا ي العمل شيء لا يصرف عن الله بالكلية لكن يصبح فيه حظ للمخلوق، لكن هو لا زال عمله لله، فقال بعضهم: ينقص من أجر العمل بحسب ما طرأ من الرياء، هناك رياء خفيف، ورياء أخف، ورياء أثقل، هذا معلوم واضح، وقالوا: إذا تساوى قصد الله مع قصد المخلوق يحبط العمل، وأيضاً صاحبه معرض للعقوبة، إذا جمع الله الأولين والآخرين ليوم لا ريب فيه، نادى مناد: من كان أشرك في عمل عمله لله فليطلب ثوابه من عند غير الله ، فإن الله أغنى الشركاء عن الشرك.
الحلف بغير الله:
هذا الحال يوم القيامة مسألة الحلف بغير الله فيها درجتان، إذا اعتقد أن غير الله المحلوف به مثل الله هذا شرك أكبر مخرج عن الملة، وإذا لم يعتقد أنه مثل الله، وإنما عظمه تعظيمًا حلف به، لكن لا يعتقد أنه مثل الله في الصفات، فهذا شرك أصغر، إثمه عظيم، لكنه لا يخرج عن الملة.
ما هي كفارة من حلف بغير الله؟ لو واحد حلف بالأمانة، برأس أبيه، بحياة أولاده، بشرفه، عليه أن يقول لا إله إلا الله، هذه الكفارة ومسألة التشريك: ما شاء الله وشئت، ولولا الله وفلان خطورتها من جعل المخلوق مثل الخالق في التسوية، وإن كان هو لا يعتقد أن المخلوق مثل الخالق في الصفات، لكن مالي إلا الله وأنت، واضح فيها الغلو في المخلوق، والانتقاص من حق الله في تسوية غير الله مع الله، وإن كان لا يخرج عن الملة، لكن الحرمة واضحة، والشرك الأصغر فيه واضح.
التمائم والرقى الشركية:
العلماء يذكرون في موضوع الشرك الأصغر مثلاً أبواب التمائم، والرقى الشركية، وغيرها، والتعاليق، وذلك لما ورد: من علق تميمة فقد أشرك [رواه أحمد: 17558، وصححه الألباني في صحيح الجامع: 6394].
سواء كان الودع الذي يجلب من البحر، ويعلقونه يزعمون أنه يرد العين، أو ناب الضبع الذي يعلق، ويزعمونه أنه يرد العين، ويأخذون عين الذئب، ويضعونه على الصبيان زعمًا أن الجن تفر من ذلك أو الحلقة التي تجعل في اليد مثلاً، وبعض الموضات الحديثة مأخوذ من وثنيات شرقية أو غربية.
المهم أن وضعهم لها ليس لمجرد الزينة، يعني لو وضع شاب إسورة في يده للزينة نقول: هذا معصية للتشبه بالنساء لا يجوز للرجل أن يتشبه بالمرأة، وحلي اليد الأساور، والخلاخل، والقلائد هذه من شأن النساء، فمن وضعها من الرجال فمعصيته معصية تشبه، فهو آثم على فعله لتشبهه بالمرأة: لعن الله الرجل يلبس لبسة المرأة، لعن الله المرأة تلبس لبسة الرجل [رواه الترمذي: 4100، وأبو داود: 4098، والنسائي: 9253، وصححه الألباني في صحيح الجامع: 5095]، الرجل له الخاتم، يستثنى من الحلي للرجل الخاتم.
والذين يضعون الآن الأساور في أيديهم من الذكور بعضهم يقول: إنني أضعها بقصد علاجي، فهذا يحتاج إلى إثباته طبيًا؛ لأن الشركات تسوق بضائعها مع دعايات طبية كاذبة مزعومة، وقد يدفعون لبعض الأطباء ليقولوا أو يشرحوا في مقطع يوتيوب مثلاً فائدة هذه الأساور الطبية؛ مع أنها لم تثبت عند المعتمدين أو الهيئات العالمية المعتمدة فائدتها طبيًا، فيحذر، يقال له: لا بدّ أن تتثبت من زعم أن لها فائدة طبية، فإن قال بعضهم: أنا علقتها أو وضعت هذه الأسوارة لأجل التعليم، يعني بعض الحجاج حتى لا يضيع المطوّف والحملة يضعون له مثل السوار لكن من البلاستيك أحيانًا جلد أي مادة، كذلك مرضى المستشفيات، وهذه أشياء فيها الاسم، ورقم، ومعلومات طبية.
أحيانًا قد يكون فيها شريحة فيها معلومات للحاجة، لا مانع للحاجة، لكن بعضهم يضعونها تعويذات، ويقولون: تجلب السعادة، تجلب السكينة النفسية، تدفع العين ونحو ذلك، هنا دخلنا في موضوع الشرك.
كانت العرب تعلق الخيط طلبًا للشفاء، الوتر، وتر القوس يعلقونه على الصبيان والدواب دفعًا للعين، عضو من النسر كالعظم يجعلونه خرزًا، يعلقونه على الصبيان دفعًا للعين، كان هذا عند العرب في الجاهلية، الشيطان فتح لهم أبوابًا فكان عندهم قضية التعليق، والاعتقاد بالمعلقات، وأنها تدفع وتحمي، وتنفع، هذا شيء أساسي واضح في أعمالهم، واليوم يوجد عدد من الذين يتبعون مثلاً يقول: هذه أساورة الطاقة، العلاج، ومعروف أن هذا من شركيات هذا الزمان؛ لأنهم يعتقدون بوجود الكلي مصدر الطاقة، وأنه تخرج من الطاقة، وعليك أن تتحدد مع الطاقة، وتأخذ منها، وتستمد منها، والشكرات، وفتح الطاقة، والهالة، والجسم الأثيري الذي يأخذ الطاقة، وتدخل جسمك، وتعمل إلى آخره، هذه من أنواع الشركيات العصرية.
بالنسبة للتمائم لا يكتب للنفع والضر كذلك: من علق تميمة فقد أشرك [رواه أحمد: 17558، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة: 1/889]، لو قال: القرآن؟ نقول: تعليقه يؤدي إلى امتهان، ويؤدي إلى تعلق بالمعلق، والذي ينفع هو القراءة والنفث وليس مجرد وضع الكتابة من الحبر على جلد، أو على ورق، أي شيء ينفع في هذا؟ الذي ينفع الرقية بالقرآن، قراءة القرآن، نفث بالقرآن، هذا الذي ينفع، أما أن تعلق مصحف في مرآة سيارة، أو على باب البيت، أو تحت مخدة النوم، هذا لا يدفع عنك شيئًا، بل فيه امتهان للمصحف، أما بالنسبة للرقى فإنها يجب أن تكون من الكتاب والسنة، وأن تكون باللغة العربية معروفة المعنى، وألا يعتقد أنها تشفي بذاتها، ولكن بإذن الله تعالى.
التبرك بالأشجار والأحجار والقبور
ومما يدخل في موضوع الشركيات ما يذكره العلماء في مسألة التبرك بالأشجار، بالأحجار، بالبقاع، بالقبور، بتربة القبور، واتخاذ القبور عيدًا، وتعليتها، والبناء عليها، وإيقاد الشموع عندها، وجعل القباب والستور عليها، وجعل الموالد عندها والاجتماعات البدعية، هذه أشياء كلها من أسباب تعظيم المقبور.
ومما يؤدي إلى الوقوع في الشرك حتى أنهم يزورون القبور، ويدعون أصحابها من دون الله: وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ [المؤمنون : 117]، وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ [يونس : 106]، وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ [يونس : 107].
منع الشريعة للأسباب المؤدية للشرك
والشريعة تمنع الأسباب الموقعة في الشرك، مثل التمادي في إطراء الأشخاص، حتى إطراء النبي ﷺ، أو الغلو في الصالحين، فالإطراء المذموم هو الإطراء المؤدي إلى إنزال النبي في غير المنزلة التي أنزله الله إياها، أو رفعه إلى درجة الألوهية، أو بعض صفات الألوهية: قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا[الجن: 20 - 22].
فقوله: لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا، واضح جداً في أن النبيﷺ لا يجوز أن يُعتقد أنه يضر بذاته، وينفع، فيؤتى مثلا في القبر، ويُدعى رجاء النفع والضر، فهذا نوع من الشرك.
صناعة السحر وخطر ذلك
ويذكر العلماء موضوع السحر في هذا الباب، والسحر الآن عالميًا صناعة كاملة، وسحرة على الشاشات في القنوات كتب أفلام ألعاب تنشر ثقافة السحر، مثل هاري بوتر مثلاً مثال صارخ في العصر الحاضر على الترويج للسحر، وجذب الناس للسحر، وأن هناك ساحر سحرة أخيار، وسحرة أشرار، فكأن عندهم السحرة الأخيار، هذا شيء محبوب، يقولون: هاري بوتر شخصية محبوبة، وماذا يفعل؟ يقوم بالسحر، وعندهم قضية قلب الإيمان والأشخاص، قلب الشخص مثلاً إلى حيوان، ودابة مثلاً قلب الحيوان جماد، والجماد حيًا مثلاً، وتؤلّف الأفلام على هذا.
إذًا، مضمون عدد من الأفلام والروايات المعاصرة مضمون يصادم التوحيد مصادمة واضحة، والسحر يصل إلى درجة الكفر، وضرره عظيم، والساحر يُقتل كما ورد في النصوص الشرعية، وفك السحر لا يكون إلا بالقرآن، والأدعية، والكهانات قد صارت اليوم أيضاً أنواع.
وقد ذكرنا أمثلة لذلك في الدورات السابقة في المخالفات المعاصرة للتوحيد، والوافدات الأجنبية المصادمة للتوحيد فيها أمثلة كثيرة للشعوذة المعاصرة، مثل قضية المعالجة بالهرم، وهرم الطاقة والأحجار الكريمة، ونحو ذلك.
بدعة الخوارج والمرجئة
ننتقل الآن إلى موضوع الإيمان الذي ذكرنا حديث جبريل في أن أركانه الستة فيها ذكر الإيمان بالله أولاً، وتوحيده قد عرفنا هذا سابقًا، ولكن موضوع الإيمان يذكره أهل السنة في كتب الاعتقاد، والتحذير أيضاً من بدعة الخوارج، وبدعة المرجئة، وهما بدعتان متقابلتان.
والتركيز على موضوع الإيمان في هذا الباب مهم للغاية، لأجل قضية الحذر من مسالك الغلاة، وما يروجونه اليوم من أنواع غلوهم كقضية التكفير بالمعصية، والتكفير بالرأي المخالف، وتكفير من يكون حول الكافر، يعني القضية فيها -كما قلنا- مزالق خطيرة في سراية التكفير، تكفير بالمجاورة، والتكفير بالانتقال، والتكفير باللازم من القول، وهكذا، وموضعه فيما سبق ذكره على أنه يقابل هذا بدعة الإرجاء؛ لأننا عندما نفصل في مسألة الإيمان قول القلب، وعمل القلب، وقول اللسان، وعمل الجوارح.
سيتضح في بدعة الإرجاء في قضية عدم اعتبارهم لعمل الجوارح من الإيمان، وأدى ذلك إلى التسيب، وإلى قضية الوقوع في أنواع من المعاصي التي ربما تصل إلى الكفر، ويقولون: هذا مؤمن، والكفر فيه منه كفر جهل، وتكذيب، وجحود، وكتمان وإنكار، واستكبار، ونفاق، والنفاق الأكبر، وإذا انتفى عمل القلب، وانتفى عمل الجوارح، فإن مجرد المعرفة لا تصير الإنسان مؤمنًا كما ذكر العلماء، وإبليس يعرف ربه؛ ومع ذلك هو كافر، وحلف بصفات الله، ومع ذلك هو كافر، ويقسم: فَبِعِزَّتِكَ [ص: 82]، وكذلك يسأل الله: أَنْظِرْنِي[الأعراف: 14]، ومع ذلك هو كافر، لكن بدعة أن مجرد الإيمان والتصديق كافي، هذه كانت خطة واضحة من الباطنية لإدخال التمييع على دين الإسلام، والجهمية، يعني: الجهم بن صفوان وغيره من كبار المنحرفين، قد دسوا هذه البدعة أنه يكفي معرفة الله فقط لتكون مؤمنًا.
أشراط الساعة الصغرى والكبرى
وبالنسبة لموضوع الإيمان فيه مسألة الإيمان بالله، والملائكة، والكتب، والرسل، واليوم الآخر، وسنتكمل عن موضوع الإيمان باليوم الآخر قليلاً، نقف عندها وقفات، أما بالنسبة لليوم الآخر فإن بدايته بالأشراط، أشراط الساعة الذين يتحدثون عن اليوم الآخر من أهل العلم يبدؤون الكلام عن ذلك بالأشراط؛ سواء كانت الأشراط الصغرى بعثة النبي ﷺ، وما بعدها، وسبق أن ذكرنا أن أشراط الساعة منها ما بدأ وانتهى، مثل بعثة النبي ﷺ، ومنها ما بدأ واستمر، مستمر، ترى الحفاة رعاء الشاة يتطاولون في البنيان مستمر.
ومنها ما بدأ أوله ولم يستحكم، يعني البداية الخفيفة، كالهرج؛ كثرة القتل، بدأ واضحًا، لكن ما وصل إلى درجة فتنة الدهيماء، وفتنة الأحلاس لا تدع بيتًا إلا دخلته، ولا أحدًا إلا لطمته، لا بدّ أن تكون في كل بيت مصيبة شيء عام، ويصبح الناس في هرَب وحرَب، والحرب أن يسلبه أهله وماله، ولا يبقي له شيئًا، محروب، والهرب يهرب الناس من بعضهم البعض فما وصلنا إلى مرحلة أن يهرب الناس من بعضهم البعض، وأن كل واحد يلقى الآخر يأخذ أهله وماله، ولا يبقي له شيئًا، وقضية يقتل الرجل أخاه، وابن عمه، وهذه بداياتها حصلت، لكن ما استحكمت، بمعنى أنها دخلت في أوجها، مرحلة الأوج لم تأت بعد، أما البدايات حصلت شواهد هذه حصلت.
وهناك من أشراط الساعة الصغرى قليلة لم تبدأ بعد أو لم تحدث بعد، مثل: يحسر الفرات عن جبل من ذهب[رواه مسلم: 7454]، تكلم السباع الإنسان، حصل لها مثال في العهد النبوي، لكن سيأتي لها بعد لك أمثلة كثيرة، وينطق الحديد، تكلم الرجل فخذه وسوطه بما فعله أهله من بعده، هناك أشياء لم تحصل بعد، أن فخذ الإنسان تخبره بما فعل أهله من بعده ستحدث، وهناك أشياء قد يختلف فيها العلماء أنها حصلت أو لا ؟ تكون بيوت للشياطين ما هي؟ قال بعضهم: هذه البيوت الكبيرة التي لا تستعمل مَن الذي يبيت على الفراش؟ من الذي يبيت فيها؟ الشيطان: فراش للرجل، وفراش لامرأته، وفراش للضيف، والرابع للشيطان [رواه أبو داود: 5882، وصححه الألباني: 4142].
لكن قد تكون أشياء ستأتي لاحقًا، يعني لو قيل: هذه ناطحات السحاب، والعمائر مستقبلاً إذا انقطعت الكهرباء، ولا طاقة، قد تكون هذه المباني كلها للشياطين من يصعد إلى الأعلى بدون مصاعد، وبدون كهرباء، فلا ندري، الله أعلم، أشياء لا نتصورها الآن قد تحدث بعد ذلك.
وبالنسبة للخسف نحن نعرف أن الرسول ﷺ أخبر أنه سيكون خسف، ومسخ، وقذف، القذف بحجارة من السماء، هذه صارت الآن أحيانًا في بعض الأماكن، يقولون: نيازك.
وأحيانًا يقولون: يعني أسباب أخرى، لكن صار على نطاق ضيق، حصل، لكن سيكون بعد ذلك على نطاق يعني ستحدث منه أشياء كبيرة، مثل الذين يبيتون على لهو ولعب، ويأتيهم الفقير فيصرفونه، والراعي يأخذ ماشيتهم يرعاها يسرح بها، ويبيتون على قيان ومعازف، وخمور، فيخسف بهم الله فهناك خسف ومسخ، وهذا المسخ أيضاً مما لم يشاهد مشاهدة واسعة، ذكر لبعض المبتدعة الغلاة أنه لما مات وجد شكله وجه خنزير أو كلب.
قد تكون حصلت حالات نادرة، لكن ستأتي حالات واضحة خسف، ومسخ، وقذف من السماء.
وبالنسبة للخسف معروفة في أشراط الساعة الكبرى الخسوفات الثلاثة الكبيرة جداً الضخمة، لكن هناك خسوفات أقل منها، وهذه الآن من تتبع، يعني يجد أنه وجد خسوفات صغيرة في أماكن من العالم، يعني يخسف ببيت، يُخسف بصالة أفراح، يخسف هذا حصل موجود حتى مقاطع لهذا لكن الخسوفات العظيمة خسف بالمشرق، ممكن يشمل بلدان شعوب يعني تغيب تحت الأرض، هذا لم يحصل بعد حصل، ومن أشراطها أنه لا يفرح بغنيمة، ولا يقسم ميراث بعد مقتلة عظيمة بين المسلمين والروم، يقتل كثير من المسلمين، ثلث من الشهداء عند الله، وثلث ينهزمون، وثلث يفتح الله على أيديهم القسطنطينية، ويخرج بعد ذلك الدجال.
وقد حدثت أشياء من أشراط الساعة، مثل عبادة الأوثان، وستحدث أكثر وأكثر، فهناك أوثان عُبدت، وهناك مناطق في بلاد المسلمين وجد فيها صنم يعبد!، وهذه العبادة للأوثان سيأتي وقت على الأمة كما أخبر ﷺ، يتمثل لهم الشيطان في صورة إنسان فيقول لهم: ألا تستجيبون؟ فيقولون: فما تأمرنا؟ فيأمرهم بعبادة الأوثان، فعليهم تقوم الساعة.
وقد أخبر النبي ﷺ عن أشراطها الكبار، والتي منها تزامن ثلاث شخصيات في الظهور المهدي، والدجال، وعيسى ابن مريم، وموضوع يأجوج ومأجوج، وخروج هؤلاء، وبعد ذلك تكون الصعقة، وقيام الساعة مع قيام الساعة هنا بعض الوقفات التربوية والدعوية، قيام الساعة غيب لا يعلمه إلا الله ، وقد حاول بعض أو هناك بعض الانحرافات المعاصرة حاول أشخاص أن ينشروا أوقات في موضوع قيام الساعة مثلما حدث في عام 2012 الملايين يترقبون نهاية العالم 21 ديسمبر، شهدت خمس دول من أمريكا الجنوبية احتفالات غير مسبوقة، وأشاعوا أنها ستقوم يوم الأحد عندهم تارة يربطونها بارتطام جسم ضخم بالأرض ونحو ذلك، وأخذت هذه المسألة أبعاد كبيرة، ففي بعض الإحصاءات قالوا: أن نحو 10% من سكان الولايات المتحدة يؤمنون بذلك قبل أن يأتي هذا التاريخ، ويتضح أنه كذبة كبرى، ولا يوجد شيء: قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ [النمل: 65].
فإذًا، كل ما يقال لمن حدد وقت معين فهو كذب، مع أن الأخبار في هذا تفوق الحصر، وتتورط فيها وكالات أنباء عالمية، وتذيعها: يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ [الأحزاب: 63]، يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً[الأعراف: 187]، هذا صفة مهمة من صفات الساعة، أنها تأتي فجأة: لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً، إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ [لقمان: 34]، فإذًا، هو اختص بذلك، والساعة لها أمارات لا تقوم إلا بعدها، ولذلك لو قال قائل الآن: هل ممكن أن تقوم الساعة الأسبوع القادم بدون أن ندخل في قضية ادعاء علم الغيب؟ لن يحدث، لماذا؟ لأنه ذكر قبلها أن الدجال يظهر، ويجلس في الأرض أربعين يومًا، فالآن –قطعًا- ما دام أن الدجال ظهر، من هنا إلى أربعين يوم أنت تعلم أنه لن تكون الساعة، هذه ليست مجازفة، هذا شيء من العلم الشرعي، وتعلم أنه لن تقوم الساعة قبل سبع سنوات مثلاً؛ لأن عيسى بن مريم إذا نزل يمكث سبع سنين: يخرج الدجال في أمتي فيمكث أربعين لا أدري أربعين يومًا أو أربعين شهرًا أو أربعين عامًا [رواه مسلم: 7568].
ثم فصّل ﷺ، وذكر أنها أربعين يومًا، ويوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كأسبوع كجمعة، وسائر أيامه كأيامكم، فيبعث الله عيسى ابن مريم كأنه عروة بن مسعود -يعني في شكله- فيطلبه فيهلكه، ثم يمكث الناس سبع سنين ليس بين اثنين عداوة.
إذًا، هذه السبع السنوات ليس فيها دعاوى ليس فيها محاكم أبدًا، ولا فيها أحد يرفع دعوى على أحد، قطعًا فلو قيل: هل يوجد وقت؟ القضاة ليس عندهم شغل في موضوع النزاعات بين الناس نقول: نعم هناك سبع سنوات القضاة ليس عندهم شغل أبدًا في النزاعات بين الناس، ليس بين اثنين عداوة: ثم يرسل الله ريحًا باردة من قبل الشام، فلا يبقى على وجه الأرض أحد في قلبه مثقال ذرة من خير أو إيمان إلا قبضته[رواه مسلم: 7568].
إذًا، كون شخص يجزم، يقول: لن تقم الساعة قبل أربعين يوم، ولا قبل سبع سنوات، نعم، هذا اعتماد على نصوص من الدروس التربوية في قيام الساعة، حديث الفسيلة: إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة، وهي النخلة الصغيرة: فإن استطاع ألا يقوم حتى يغرسها فليفعل، ومعروف أن كل إنسان إذا مات قامت قيامته؛ لأنه بدأ اليوم الآخر في حقه، ما بعد الموت من البرزخ، وهذه في القبر سيفتح له طاقتان، طاقة إلى الجنة، وطاقة إلى النار، إذا كان من أهل الخير والصلاح يغلق هذه طاقة النار، وتأتيه من طاقة الجنة من ريحانها وروحها ما يأتيه، وكذلك الآخر يأتيه من سمومها، وحميمها ما يأتيه، فاتصال أهل القبور بالآخرة فيه مباشر، يأتيه من روحها، وريحانها، ويأتيه من سمومها، وحميمها، ثم النار: يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا [غافر : 46]، هم يرون فرعون وقومه، يعرضون على النار، ليس يدخلون لكن يعرضون: أرواح الشهداء في حواصل طير خضر تسرح في الجنة [رواه الترمذي: 3282، وصححه الألباني في صحيح الجامع: 1/324]، وورد نفس المؤمن تعلق من شجر الجنة، يعني تأكل، فهناك اتصال مباشر ي في الروح بين البرزخ والآخرة ، والجنة والنار، لكن دخولها جسدًا وروحًا لا يكون إلا بعد قيام الساعة.
ومن الأمور المهمة أن الإنسان ينبغي أن يحسن العمل؛ لكي تقوم ساعته وهو من أهل النعيم، في الواقع الحاضر يوجد أنواع من الإلحاد، وأنواع من الكفر في مسألة قيام الساعة، فمنهم من ينكر ذلك، يقول: لا تقوم الساعة، ينكرون البعث، وقد فعل ذلك كفار العرب بالنسبة لكفارنا نحن، فقد قالوا: العلم الحديث في طريقه إلى حل مشكلة الموت، وإن التقدم الطبي في موضوع الخلايا الجذعية سيؤدي إلى أنه لا يكون فيه هرم، وبالتالي لا يكون فيه موت، وبالخلايا الجذعية سنحل مشكلة الأمراض، ومشكلة الهرم، ولن يكون هناك موت، وبالتالي صار بعضهم يوصي، وفتحت شركات في هذا بتجميد الجثة ريثما يتقدم الطب، فتعود الروح إلى الجسد بتقدم طبي قادم، وبالتالي لا أحد يموت، والذي مات وقد جمدت جثته سيعود للحياة.
إذًا، الكفر في مسألة الموت ولقاء الله حاصل في زماننا، فهذه اعتقادات، وبعضهم يذكر تفصيل آخر، يقول: درجة حرارة 197 تحت الصفر هي التي يمكن أن يعود فيها الجسد بعد ذلك إلى الحياة، والله قال: حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [المؤمنون: 100]، وقال: يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [المنافقون: 11].
ونحن في كلامنا مع الناس يجب أن نوضح لهم أن الموت حق، ولا بدّ منه، وأنه مهما تقدمت البشرية في الطب، ولن يأتوا بحل لهذا، والنبي ﷺ أخبر إن لكل داء دواء أنزله الله علمه من عمله وجهله من جهله إلا السام خلاص الموت ماله دواء إلا الهرم ماله دواء، لن يكون لدى البشرية في أي وقت من الأوقات ما تدفع به الموت. أما بالنسبة لما يحدث بعده فهنالك أنواع من النعيم والعذاب، وحياة كاملة ستكون، وهذه الحياة البزرخية فيها نوم طويل كما ثبت في الحديث، يُقال للرجل من أهل الجنة في قبره: نم كنومة العروس لا يوقظها إلا أحب أهله إليه [رواه الترمذي: 1071، وصححه الألباني في صحيح الجامع: 1/186]، فهناك نوم طويل في القبر.
وكان بعض الصالحين يجتهد ويدأب في العمل، فيقال له في ذلك، فيقول: إنه وراءكم نومًا طويلاً، ففي القبر نوم طويل لأهل الخير والصلاح، يقال: نم كنومة العروس، قال ابن القيم -رحمه الله-: "أصحاب القبور يعذبون على جهلهم بالله، وإضاعتهم لأمره، وارتكابهم لمعاصيه".
عقوبة الجهل بتوحيد الله وأسمائه وصفاته
فالذي يجهل توحيد الله وأسمائه وصفاته، وأفعاله يعذب على جهله بربه؛ لأن من العلوم الواجبة العلم بالله بأسمائه وصفاته، وتوحيده، وتعظيمه، وشريعته، ودينه، وما أنزل من الأحكام، وهذه المسألة تتعلق بالعقيدة، يعني الآن طرق الأبواب هذه في العقيدة من فوائده دفع العقوبة عن ترك التعلم، تعلم ما يتعلق بالله؛ لأن من أسباب العذاب الجهل بالله، وهذه مسألة ربما لا يفكر فيها الكثير أن الجهل بالله من أسباب العذاب؛ لأن أول ما يجب على الإنسان أن يتعلمه العلم بربه، ويقال لأي كافر يسلم: لا بدّ أن تتعلم هناك أشياء تتعلق بربك لا بدّ تتعلمها من توحيد الله.
قال ابن القيم -رحمه الله-: فلا يعذب الله روحًا عرفته وأحبته، وامتثلت أمره، واجتنبت نهيه، ولا بدنًا كانت فيه أبدًا، فإن عذاب القبر وعذاب الآخرة أثر غضب الله وسخطه على عبده، فمن أغضب الله وأسخطه في هذه الدار، ثم لم تب، ومات على ذلك كان له من عذاب البرزخ بقدر غضب الله وسخطه عليه فمستقل، ومستكثر، ومصدق، ومكذب، وقال عن أسباب نعيم القبر: " تكون بتجنب الأسباب التي تقتضي عذاب القبر، ومن أنفعها يعني من أنفع الأشياء التي تؤدي إلى نعيم القبر أن يجلس الرجل لله عندما يريد النوم ساعة يحاسب نفسه فيها على ما خسره وربحه في يومه، ثم يجدد له توبة نصوحًا بينه وبين الله، فينام على تلك التوبة، فهذه المحاسبة قبل النوم يقول: مثلاً اليوم ماذا فعلت؟ أغتبت، كذا، نظرت نظرة محرمة، كذا وكذا، فيحدث توبة لكل الأعمال السيئة التي مرت به في يومه، هذا قال، ثم يجدد له توبة نصوحًا بينه وبين الله فينام على تلك التوبة، ويعزم ألا يعاود الذنب إذا استيقظ، ويفعل هذا كل ليلة، فإن مات من ليلته مات على توبة، وإن استيقظ استيقظ مستقبلا العمل، يعني أن الذنب محي بالتوبة، وهذا سجل جديد مسرورًا بتأخير أجله حتى يستقبل ربه، ويستدرك ما فاته، وليس للعبد أنفع من هذه النومة، ولاسيما إذا أعقب ذلك بذكر الله، واستعمال السنن التي وردت عن رسول اللهﷺ عند النوم حتى ينام: "فمن أراد الله به خيرًا وفقه لذلك" [الروح: 1/77-78]، هذا من كتاب الروح لابن القيم رحمه الله.
ونحن قصدنا من خلال هذه الدورة الربط بالأشياء المعاصرة اعتقادات عجيبة بالقبر، شركة تصمم تابوت يتماشى مع الثورة التكنولوجيا، سماعات، حافظات أغاني، مشغلات شاشات كبيرة، أشياء توضع في القبر، ويدفع هؤلاء الأغنياء المجانين، والجهلة بالله وبدينه ما يدفعون، ويقول: مثل التابوت 23,000 يورو: وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ [فاطر : 22]، لكن هؤلاء كذا كأن عندهم القبر مثل الدنيا، فوضعوا فيه اعتقدوا اعتقادات، بعضهم وضع غرفة نوم، وبعضهم وضعوا أشياء، وبعض الفراعنة دفنوا حليهم وكنوزهم معهم، ولا تنفع، فمن أحسن اعتقاده بالله وقاه الله فتنة القبر.
نسأل الله أن يقينا وإياكم عذاب جهنم، وعذاب القبر، وفتنة القبر، وفتنة المحيا والممات.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
الشيخ محمد بن صالح المنجد
أما بعد:
فمن اعتقاد أهل السنة والجماعة، ومما يتعلق بأمور الإيمان، هذه الأركان الستة للإيمان.
-(الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله والإيمان باليوم الآخر وبالقدر خيره وشره)-
والنبي ﷺ كما جاء في حديث جبريل أن للإيمان ستة أركان، هذا الكلام نقوله الآن بعد أن عرفنا موضوع التوحيد، وما يقابله من الشرك، وأن الشرك منه ما هو أكبر ومنه ما هو أصغر، والشرك الأكبر عرفناه؛ سواء كان في توحيد الربوبية، أو الألوهية، أو الأسماء والصفات.
أنواع الشرك والموقف من المشركين
وانقسام الشرك إلى أكبر وأصغر، هذا فيه معيار عظيم في مسألة المواقف والأحكام ممن يعتقد هذا أو هذا، فالمشرك شركًا أكبر معلوم الموقف منه.
وأن النبي ﷺ لما بُعث فإنه بُعث لهؤلاء المشركين الذين وقعوا في الشرك الأكبر.
وكان مع هذا شرك أصغر بأنواعه، والنبي ﷺ حذر منها كلها، فضد التوحيد هو الشرك، وضد توحيد الربوبية اعتقاد أنه يوجد إله مع الله، فإذا قلت مثلاً: شرك النصارى في الربوبية أم في الألوهية؟ في الاثنين، لكن كيف كان شركهم في الربوبية؟ أن بعضهم يقول: عيسى هو الله.
وكذلك القول أن عيسى ابن الله، ويجعلون لعيسى خصائص ربوبية، كذلك أيضاً شرك الباطنية الذين يقولون اثنا عشر إمامًا يعلمون الغيب، هذا من شرك الربوبية؛ لأن علم الغيب من صفات الربوبية، صرف عبادات لغير الله، هذا شرك الألوهية، فإذًا، ما يتعلق بأفعال الله هذا شرك ربوبية وهذا أسوأ.
وكذلك بعض شرك غلاة الصوفية شرك ربوبية؛ لأنهم يقولون: القطب الأعظم، أو الغوث الأعظم، يتصرف في الكون بدون أن يصرف، حتى لو لم يصرف له أي عبادة، ولو لم يستغيثوا به، ولم يذبحوا له، ولم يطوفوا بقبره، كونه يعتقد أن الغوث الأعظم أو القطب الأعظم هذا يعلم الغيب، أو أنه مطلع على اللوح المحفوظ، أو أنه يستطيع أن يغير في اللوح المحفوظ، أو أنه كما يقولون مثلاً: عبد القادر يا جيلاني يا متصرف في الأكوان من بعض أهازيج بعض العامة، عبد القادر يا جيلاني يا متصرف في الأكوان ما معناها؟
هذا طعن في صميم توحيد الربوبية، هذا شرك ربوبية، الآن موضوع شرك الربوبية.
إذًا، سواء كان إنكار وجود الله، أو آلهة مع الله، أو اعتقاد أن للبعض خصائص ربوبية، علم غيب، إحياء، إماتة، خلق، رزق، شفاء، وهكذا صرف أنواع من العبادة لغير الله شرك في الألوهية، كالاستغاثة بغير الله، ذبح لغير الله، نذر لغير الله، ونحو ذلك، كان بداية ظهور الشرك في البشرية في شرك الألوهية؛ لأن الشيطان قال لهم: هؤلاء الصالحون الخمسة، وضعوا لهم صورًا، ثم رؤيتهم تحمسكم العبادة، حتى صاروا يصرفون لهم أنواعًا من العبادة.
فما هو أول انحراف في البشر في الشرك؟ كان هناك شرك الألوهية، يعني: ما جاءهم الشيطان مباشرة نقلهم إلى الإلحاد، وأنه لا يوجد إله مثلاً، أو أنه يوجد عدة آلهة خلافًا لما يقوله بعض الذين يزعمون اشتغال بتاريخ البشرية يقولون مثلاً: الإنسان الأول أول شيء خاف من الطبيعة، فعبدها بعض الكفرة، وبعض المسلمين الذين يكتبون في تاريخ البشرية يقولون: الإنسان الأول إنسان الكهف، الإنسان البدائي والعصر الحجري أول شيء خاف من الطبيعة، وعبدها، فعبد الشمس، والكواكب، والرعد، والأعاصير، والرياح، والنار مثلاً، طبعًا هذا باطل؛ لأن الله خلق أول البشرية آدم على التوحيد، فأول البشرية على التوحيد، وعشرة قرون بين آدم ونوح كلها على التوحيد، ما حصل عندهم أي نوع من أنواع الشرك، لا عبد إنسان الكهف، وإنسان العصر الحجري عبدوا هذه الأشياء أو الكواكب.
وبعضهم يقول: أن البشرية أول شيء عبدت آلهة كثيرة، وبعد ذلك صارت تختصر الآلهة إلى أن صارت إلهًا واحدًا، وهذا أيضاً ضلال مبين؛ لأن آدم أبو البشر كان يعبد إلهًا واحدًا لا شريك له، وهو أول واحد على الأرض من البشر، وكذلك ذريته، فابن آدم الأول القاتل الأول كان موحدًا، يعني: لما صار بين هابيل وقابيل ما حدث بين ابني آدم كانا على التوحيد، وكان هذا الذي حصل كبيرة من الكبائر، وهي كبيرة القتل.
أما الدين التوحيد العقيدة سليمة، ليس في أولاد آدم مشرك، ثم طرأ الشرك، أيّ شرك الذي طرأ على البشرية في توحيد الألوهية؟ في صرف أنواع من العبادة لغير الله، بالتأكيد أن الشيطان كان حريصًا من قبل على إيقاعهم في كل أنواع الشرك والكفر: فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ [ص: 82-83].
قال ابن عباس كما في البخاري في وَدًّا وسُوَاعًا، ويغوث ويعوق ونسرا: "رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصابًا، وسموها بأسمائهم ففعلوا، ولم تُعبد حتى إذا هلك أولئك وتنوسي العلم عُبدت" [رواه البخاري: 4539].
إذًا، أول ما اتخذت، اتخذت تماثيل للتحميس، الشيطان جاءهم من هذا الباب تحمسوا أنفسكم على العبادة، كل ما رأيتم هؤلاء الصالحين، رأيتهم تماثيلهم، تتذكرون عبادتهم، فتتحمسون للعبادة، وتزدادون خيرًا، ما كان الشيطان يشتغل على المدى الطويل، هذا الجيل لا يقع فيه الشرك، فقد عملوا أنصابًا، وسموا الأنصاب بأسماء الصالحين الخمسة، هذا تمثال اسمه: يغوث، وهذا تمثال اسمه: يعوق، وهذا التمثال اسمه: نسر، هذا التمثال اسمه: ود، وهذا التمثال اسمه: سواع، وهكذا لما هلك الجيل الذي صنع التماثيل، ولأي غرض صنع التماثيل؟ جاء الجيل الذي بعده تنوسي العلم فعبدت.
إذًا علم التوحيد حصل له نسيان، فعبدت هذه التماثيل فهذه التماثيل المصورة على صور ذوات الأرواح في شريعتنا حرام، وفتح الباب حرام، يعني: من كمال هذه الشريعة أنها تسد الأبواب الموصلة إلى الشرك، صنع تماثيل ذوات الأرواح مما يوصل إلى الشرك، وحصل عمليًا في قوم نوح لو جاءهم اللعين من أول مرة بعبادتهم لم يقبلوا ولم يطيعوا الجيل الذي صنع التماثيل، فلذلك أتاهم من باب أنها تحمسكم على الصلاة والعبادة.
وعرفنا بعد ذلك مثلاً كل ما مضى شرك في البشرية الله يرسل رسولاً، فتقع المواجهة بينه وبين قومه حتى يفتح الله بينه وبينهم، فيهلك الله المشركين، ويبقى النبي ومن معه ينجيهم الله، فتقوم حياة جديدة على التوحيد، ثم يحصل ما يحصل من نسيان العلم، واندراس معالم النبوة، فيقعون في الشرك مرة أخرى بعد أجيال، فيبعث الله رسولاً، وهكذا.
كان من قبل يأتي العذاب: حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا [يوسف: 110]، إلى عهد موسى صار هناك جهاد، يعني: ما صارت المواجهة بين النبي والمؤمنين معه، وبين المشركين تنتهي بعذاب سماوي أو أرضي أو شيء يرسله الله، وإنما صار هناك جهاد إلى عصر النبي ﷺ، وعرفنا قصة عمرو بن لحي الخزاعي.
أسباب تلاعب الشياطين بالمشركين
ما هي أسباب تلاعب الشياطين بالمشركين في عبادة الأصنام؟ تارة من جهة تعظيم الموتى، وهذا الذي حصل في قوم نوح، وتارة أن هذا المعبود له فائدة كبيرة، فلماذا لا نعبده كعبادة الشمس والقمر؟ وتارة الغلو في المخلوق، وإعطاؤه فوق منزلته حتى شبهوه بالله تعالى الشرك الأكبر، ويكون بعدة أسباب: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ [البقرة: 165].
فقد يكون شركًا في المحبة، ليس فقط قضية الركوع والسجود، أو الصلاة للصنم. الشرك له صور كثيرة يكفي في الاعتقاد قد يشرك اعتقاداً، حتى لو لم يعمل أي شعيرة تعبدية، حتى لو لم يقم بأي شعيرة تعبدية، المعبودون من دون الله ما هي عاقبتهم إذا كانوا من البشر، ورضوا بذلك، فالله يعذبهم مع عابديهم: إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ [الأنبياء: 98].
ولو كانوا غير راضين كعيسى عبد من دون الله، فلا ذنب له في هذا، فيعذب من عبده، ويوم القيامة يتبرأ منهم، فهم غلوا فيه، يرجون يوم القيامة أنه سيكون معهم وينفعهم، ويكون معك عيسى، فيوم القيامة يتبرأ منهم، فيكون في ذلك خزي لهم، وأما بالنسبة للمعبودات من الأصنام الجمادات، فتكون مع عابديها في النار تبكيتًا لهم، الشمس، القمر، أشجار، أحجار، تكون معهم في النار؛ لأنه إذا رأى معبوده في النار كان في ذلك خزي، وكان في ذلك ألم نفسي، بالإضافة لما يتعذب به من الألم البدني، والتبرؤ يتم كما ورد في كتاب الله من جميع من عبد من دون الله من ملائكة وعيسى -عليه السلام- سبحانك: مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُم [المائدة: 17].
أنواع الشرك الأصغر
الرياء:
بالنسبة لأنواع الشرك الأصغر، والرياء درجات، فإذا كان هو الباعث على العمل أصلاً، فالعمل حابط، وإذا طرأ على العمل أثناء العمل يعني الباعث على العمل وجه الله، ثم طرأ عليه طارئ الرياء، فإن كان مجرد خاطر ودفعه صاحبه فلا يضر، أما إذا استرسل معه، واستكان إليه، وأحبه، وأطل في الصلاة من أجله، فإن كان في عمل يتصل أوله بآخره كالصلاة بطلت كلها، ماذا يفعل إذا تاب؟، يعني واحد كان يقرأ القرآن لله، ثم دخل شخص فطول من أجله، الآن طرأ الرياء، وما دافعه، وإنما استرسل معه، وأطال من أجله العمل، ماذا يفعل إذا تاب في لحظتها؟ قالوا: يقطع العمل، ويجدد النية.
إذًا، إذا كان خاطر ودفعه لا يضر، يكمل عمله، وعادي مثل ما بدأه، ولا يضره ذلك، وإذا طرأ عليه واسترسل معه يقطع العمل، ويجدد النية، ويبدأ، قال بعضهم: إنه لا يحبط، ولكن ينقص من ثوابه بقدره بقدر الرياء، هذا إذا كان قصده الرياء كما قال العلماء قصدًا خفيفًا كان الغالب وجه الله؛ لأن أحيانًا ي العمل شيء لا يصرف عن الله بالكلية لكن يصبح فيه حظ للمخلوق، لكن هو لا زال عمله لله، فقال بعضهم: ينقص من أجر العمل بحسب ما طرأ من الرياء، هناك رياء خفيف، ورياء أخف، ورياء أثقل، هذا معلوم واضح، وقالوا: إذا تساوى قصد الله مع قصد المخلوق يحبط العمل، وأيضاً صاحبه معرض للعقوبة، إذا جمع الله الأولين والآخرين ليوم لا ريب فيه، نادى مناد: من كان أشرك في عمل عمله لله فليطلب ثوابه من عند غير الله ، فإن الله أغنى الشركاء عن الشرك.
الحلف بغير الله:
هذا الحال يوم القيامة مسألة الحلف بغير الله فيها درجتان، إذا اعتقد أن غير الله المحلوف به مثل الله هذا شرك أكبر مخرج عن الملة، وإذا لم يعتقد أنه مثل الله، وإنما عظمه تعظيمًا حلف به، لكن لا يعتقد أنه مثل الله في الصفات، فهذا شرك أصغر، إثمه عظيم، لكنه لا يخرج عن الملة.
ما هي كفارة من حلف بغير الله؟ لو واحد حلف بالأمانة، برأس أبيه، بحياة أولاده، بشرفه، عليه أن يقول لا إله إلا الله، هذه الكفارة ومسألة التشريك: ما شاء الله وشئت، ولولا الله وفلان خطورتها من جعل المخلوق مثل الخالق في التسوية، وإن كان هو لا يعتقد أن المخلوق مثل الخالق في الصفات، لكن مالي إلا الله وأنت، واضح فيها الغلو في المخلوق، والانتقاص من حق الله في تسوية غير الله مع الله، وإن كان لا يخرج عن الملة، لكن الحرمة واضحة، والشرك الأصغر فيه واضح.
التمائم والرقى الشركية:
العلماء يذكرون في موضوع الشرك الأصغر مثلاً أبواب التمائم، والرقى الشركية، وغيرها، والتعاليق، وذلك لما ورد: من علق تميمة فقد أشرك [رواه أحمد: 17558، وصححه الألباني في صحيح الجامع: 6394].
سواء كان الودع الذي يجلب من البحر، ويعلقونه يزعمون أنه يرد العين، أو ناب الضبع الذي يعلق، ويزعمونه أنه يرد العين، ويأخذون عين الذئب، ويضعونه على الصبيان زعمًا أن الجن تفر من ذلك أو الحلقة التي تجعل في اليد مثلاً، وبعض الموضات الحديثة مأخوذ من وثنيات شرقية أو غربية.
المهم أن وضعهم لها ليس لمجرد الزينة، يعني لو وضع شاب إسورة في يده للزينة نقول: هذا معصية للتشبه بالنساء لا يجوز للرجل أن يتشبه بالمرأة، وحلي اليد الأساور، والخلاخل، والقلائد هذه من شأن النساء، فمن وضعها من الرجال فمعصيته معصية تشبه، فهو آثم على فعله لتشبهه بالمرأة: لعن الله الرجل يلبس لبسة المرأة، لعن الله المرأة تلبس لبسة الرجل [رواه الترمذي: 4100، وأبو داود: 4098، والنسائي: 9253، وصححه الألباني في صحيح الجامع: 5095]، الرجل له الخاتم، يستثنى من الحلي للرجل الخاتم.
والذين يضعون الآن الأساور في أيديهم من الذكور بعضهم يقول: إنني أضعها بقصد علاجي، فهذا يحتاج إلى إثباته طبيًا؛ لأن الشركات تسوق بضائعها مع دعايات طبية كاذبة مزعومة، وقد يدفعون لبعض الأطباء ليقولوا أو يشرحوا في مقطع يوتيوب مثلاً فائدة هذه الأساور الطبية؛ مع أنها لم تثبت عند المعتمدين أو الهيئات العالمية المعتمدة فائدتها طبيًا، فيحذر، يقال له: لا بدّ أن تتثبت من زعم أن لها فائدة طبية، فإن قال بعضهم: أنا علقتها أو وضعت هذه الأسوارة لأجل التعليم، يعني بعض الحجاج حتى لا يضيع المطوّف والحملة يضعون له مثل السوار لكن من البلاستيك أحيانًا جلد أي مادة، كذلك مرضى المستشفيات، وهذه أشياء فيها الاسم، ورقم، ومعلومات طبية.
أحيانًا قد يكون فيها شريحة فيها معلومات للحاجة، لا مانع للحاجة، لكن بعضهم يضعونها تعويذات، ويقولون: تجلب السعادة، تجلب السكينة النفسية، تدفع العين ونحو ذلك، هنا دخلنا في موضوع الشرك.
كانت العرب تعلق الخيط طلبًا للشفاء، الوتر، وتر القوس يعلقونه على الصبيان والدواب دفعًا للعين، عضو من النسر كالعظم يجعلونه خرزًا، يعلقونه على الصبيان دفعًا للعين، كان هذا عند العرب في الجاهلية، الشيطان فتح لهم أبوابًا فكان عندهم قضية التعليق، والاعتقاد بالمعلقات، وأنها تدفع وتحمي، وتنفع، هذا شيء أساسي واضح في أعمالهم، واليوم يوجد عدد من الذين يتبعون مثلاً يقول: هذه أساورة الطاقة، العلاج، ومعروف أن هذا من شركيات هذا الزمان؛ لأنهم يعتقدون بوجود الكلي مصدر الطاقة، وأنه تخرج من الطاقة، وعليك أن تتحدد مع الطاقة، وتأخذ منها، وتستمد منها، والشكرات، وفتح الطاقة، والهالة، والجسم الأثيري الذي يأخذ الطاقة، وتدخل جسمك، وتعمل إلى آخره، هذه من أنواع الشركيات العصرية.
بالنسبة للتمائم لا يكتب للنفع والضر كذلك: من علق تميمة فقد أشرك [رواه أحمد: 17558، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة: 1/889]، لو قال: القرآن؟ نقول: تعليقه يؤدي إلى امتهان، ويؤدي إلى تعلق بالمعلق، والذي ينفع هو القراءة والنفث وليس مجرد وضع الكتابة من الحبر على جلد، أو على ورق، أي شيء ينفع في هذا؟ الذي ينفع الرقية بالقرآن، قراءة القرآن، نفث بالقرآن، هذا الذي ينفع، أما أن تعلق مصحف في مرآة سيارة، أو على باب البيت، أو تحت مخدة النوم، هذا لا يدفع عنك شيئًا، بل فيه امتهان للمصحف، أما بالنسبة للرقى فإنها يجب أن تكون من الكتاب والسنة، وأن تكون باللغة العربية معروفة المعنى، وألا يعتقد أنها تشفي بذاتها، ولكن بإذن الله تعالى.
التبرك بالأشجار والأحجار والقبور
ومما يدخل في موضوع الشركيات ما يذكره العلماء في مسألة التبرك بالأشجار، بالأحجار، بالبقاع، بالقبور، بتربة القبور، واتخاذ القبور عيدًا، وتعليتها، والبناء عليها، وإيقاد الشموع عندها، وجعل القباب والستور عليها، وجعل الموالد عندها والاجتماعات البدعية، هذه أشياء كلها من أسباب تعظيم المقبور.
ومما يؤدي إلى الوقوع في الشرك حتى أنهم يزورون القبور، ويدعون أصحابها من دون الله: وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ [المؤمنون : 117]، وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ [يونس : 106]، وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ [يونس : 107].
منع الشريعة للأسباب المؤدية للشرك
والشريعة تمنع الأسباب الموقعة في الشرك، مثل التمادي في إطراء الأشخاص، حتى إطراء النبي ﷺ، أو الغلو في الصالحين، فالإطراء المذموم هو الإطراء المؤدي إلى إنزال النبي في غير المنزلة التي أنزله الله إياها، أو رفعه إلى درجة الألوهية، أو بعض صفات الألوهية: قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا[الجن: 20 - 22].
فقوله: لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا، واضح جداً في أن النبيﷺ لا يجوز أن يُعتقد أنه يضر بذاته، وينفع، فيؤتى مثلا في القبر، ويُدعى رجاء النفع والضر، فهذا نوع من الشرك.
صناعة السحر وخطر ذلك
ويذكر العلماء موضوع السحر في هذا الباب، والسحر الآن عالميًا صناعة كاملة، وسحرة على الشاشات في القنوات كتب أفلام ألعاب تنشر ثقافة السحر، مثل هاري بوتر مثلاً مثال صارخ في العصر الحاضر على الترويج للسحر، وجذب الناس للسحر، وأن هناك ساحر سحرة أخيار، وسحرة أشرار، فكأن عندهم السحرة الأخيار، هذا شيء محبوب، يقولون: هاري بوتر شخصية محبوبة، وماذا يفعل؟ يقوم بالسحر، وعندهم قضية قلب الإيمان والأشخاص، قلب الشخص مثلاً إلى حيوان، ودابة مثلاً قلب الحيوان جماد، والجماد حيًا مثلاً، وتؤلّف الأفلام على هذا.
إذًا، مضمون عدد من الأفلام والروايات المعاصرة مضمون يصادم التوحيد مصادمة واضحة، والسحر يصل إلى درجة الكفر، وضرره عظيم، والساحر يُقتل كما ورد في النصوص الشرعية، وفك السحر لا يكون إلا بالقرآن، والأدعية، والكهانات قد صارت اليوم أيضاً أنواع.
وقد ذكرنا أمثلة لذلك في الدورات السابقة في المخالفات المعاصرة للتوحيد، والوافدات الأجنبية المصادمة للتوحيد فيها أمثلة كثيرة للشعوذة المعاصرة، مثل قضية المعالجة بالهرم، وهرم الطاقة والأحجار الكريمة، ونحو ذلك.
بدعة الخوارج والمرجئة
ننتقل الآن إلى موضوع الإيمان الذي ذكرنا حديث جبريل في أن أركانه الستة فيها ذكر الإيمان بالله أولاً، وتوحيده قد عرفنا هذا سابقًا، ولكن موضوع الإيمان يذكره أهل السنة في كتب الاعتقاد، والتحذير أيضاً من بدعة الخوارج، وبدعة المرجئة، وهما بدعتان متقابلتان.
والتركيز على موضوع الإيمان في هذا الباب مهم للغاية، لأجل قضية الحذر من مسالك الغلاة، وما يروجونه اليوم من أنواع غلوهم كقضية التكفير بالمعصية، والتكفير بالرأي المخالف، وتكفير من يكون حول الكافر، يعني القضية فيها -كما قلنا- مزالق خطيرة في سراية التكفير، تكفير بالمجاورة، والتكفير بالانتقال، والتكفير باللازم من القول، وهكذا، وموضعه فيما سبق ذكره على أنه يقابل هذا بدعة الإرجاء؛ لأننا عندما نفصل في مسألة الإيمان قول القلب، وعمل القلب، وقول اللسان، وعمل الجوارح.
سيتضح في بدعة الإرجاء في قضية عدم اعتبارهم لعمل الجوارح من الإيمان، وأدى ذلك إلى التسيب، وإلى قضية الوقوع في أنواع من المعاصي التي ربما تصل إلى الكفر، ويقولون: هذا مؤمن، والكفر فيه منه كفر جهل، وتكذيب، وجحود، وكتمان وإنكار، واستكبار، ونفاق، والنفاق الأكبر، وإذا انتفى عمل القلب، وانتفى عمل الجوارح، فإن مجرد المعرفة لا تصير الإنسان مؤمنًا كما ذكر العلماء، وإبليس يعرف ربه؛ ومع ذلك هو كافر، وحلف بصفات الله، ومع ذلك هو كافر، ويقسم: فَبِعِزَّتِكَ [ص: 82]، وكذلك يسأل الله: أَنْظِرْنِي[الأعراف: 14]، ومع ذلك هو كافر، لكن بدعة أن مجرد الإيمان والتصديق كافي، هذه كانت خطة واضحة من الباطنية لإدخال التمييع على دين الإسلام، والجهمية، يعني: الجهم بن صفوان وغيره من كبار المنحرفين، قد دسوا هذه البدعة أنه يكفي معرفة الله فقط لتكون مؤمنًا.
أشراط الساعة الصغرى والكبرى
وبالنسبة لموضوع الإيمان فيه مسألة الإيمان بالله، والملائكة، والكتب، والرسل، واليوم الآخر، وسنتكمل عن موضوع الإيمان باليوم الآخر قليلاً، نقف عندها وقفات، أما بالنسبة لليوم الآخر فإن بدايته بالأشراط، أشراط الساعة الذين يتحدثون عن اليوم الآخر من أهل العلم يبدؤون الكلام عن ذلك بالأشراط؛ سواء كانت الأشراط الصغرى بعثة النبي ﷺ، وما بعدها، وسبق أن ذكرنا أن أشراط الساعة منها ما بدأ وانتهى، مثل بعثة النبي ﷺ، ومنها ما بدأ واستمر، مستمر، ترى الحفاة رعاء الشاة يتطاولون في البنيان مستمر.
ومنها ما بدأ أوله ولم يستحكم، يعني البداية الخفيفة، كالهرج؛ كثرة القتل، بدأ واضحًا، لكن ما وصل إلى درجة فتنة الدهيماء، وفتنة الأحلاس لا تدع بيتًا إلا دخلته، ولا أحدًا إلا لطمته، لا بدّ أن تكون في كل بيت مصيبة شيء عام، ويصبح الناس في هرَب وحرَب، والحرب أن يسلبه أهله وماله، ولا يبقي له شيئًا، محروب، والهرب يهرب الناس من بعضهم البعض فما وصلنا إلى مرحلة أن يهرب الناس من بعضهم البعض، وأن كل واحد يلقى الآخر يأخذ أهله وماله، ولا يبقي له شيئًا، وقضية يقتل الرجل أخاه، وابن عمه، وهذه بداياتها حصلت، لكن ما استحكمت، بمعنى أنها دخلت في أوجها، مرحلة الأوج لم تأت بعد، أما البدايات حصلت شواهد هذه حصلت.
وهناك من أشراط الساعة الصغرى قليلة لم تبدأ بعد أو لم تحدث بعد، مثل: يحسر الفرات عن جبل من ذهب[رواه مسلم: 7454]، تكلم السباع الإنسان، حصل لها مثال في العهد النبوي، لكن سيأتي لها بعد لك أمثلة كثيرة، وينطق الحديد، تكلم الرجل فخذه وسوطه بما فعله أهله من بعده، هناك أشياء لم تحصل بعد، أن فخذ الإنسان تخبره بما فعل أهله من بعده ستحدث، وهناك أشياء قد يختلف فيها العلماء أنها حصلت أو لا ؟ تكون بيوت للشياطين ما هي؟ قال بعضهم: هذه البيوت الكبيرة التي لا تستعمل مَن الذي يبيت على الفراش؟ من الذي يبيت فيها؟ الشيطان: فراش للرجل، وفراش لامرأته، وفراش للضيف، والرابع للشيطان [رواه أبو داود: 5882، وصححه الألباني: 4142].
لكن قد تكون أشياء ستأتي لاحقًا، يعني لو قيل: هذه ناطحات السحاب، والعمائر مستقبلاً إذا انقطعت الكهرباء، ولا طاقة، قد تكون هذه المباني كلها للشياطين من يصعد إلى الأعلى بدون مصاعد، وبدون كهرباء، فلا ندري، الله أعلم، أشياء لا نتصورها الآن قد تحدث بعد ذلك.
وبالنسبة للخسف نحن نعرف أن الرسول ﷺ أخبر أنه سيكون خسف، ومسخ، وقذف، القذف بحجارة من السماء، هذه صارت الآن أحيانًا في بعض الأماكن، يقولون: نيازك.
وأحيانًا يقولون: يعني أسباب أخرى، لكن صار على نطاق ضيق، حصل، لكن سيكون بعد ذلك على نطاق يعني ستحدث منه أشياء كبيرة، مثل الذين يبيتون على لهو ولعب، ويأتيهم الفقير فيصرفونه، والراعي يأخذ ماشيتهم يرعاها يسرح بها، ويبيتون على قيان ومعازف، وخمور، فيخسف بهم الله فهناك خسف ومسخ، وهذا المسخ أيضاً مما لم يشاهد مشاهدة واسعة، ذكر لبعض المبتدعة الغلاة أنه لما مات وجد شكله وجه خنزير أو كلب.
قد تكون حصلت حالات نادرة، لكن ستأتي حالات واضحة خسف، ومسخ، وقذف من السماء.
وبالنسبة للخسف معروفة في أشراط الساعة الكبرى الخسوفات الثلاثة الكبيرة جداً الضخمة، لكن هناك خسوفات أقل منها، وهذه الآن من تتبع، يعني يجد أنه وجد خسوفات صغيرة في أماكن من العالم، يعني يخسف ببيت، يُخسف بصالة أفراح، يخسف هذا حصل موجود حتى مقاطع لهذا لكن الخسوفات العظيمة خسف بالمشرق، ممكن يشمل بلدان شعوب يعني تغيب تحت الأرض، هذا لم يحصل بعد حصل، ومن أشراطها أنه لا يفرح بغنيمة، ولا يقسم ميراث بعد مقتلة عظيمة بين المسلمين والروم، يقتل كثير من المسلمين، ثلث من الشهداء عند الله، وثلث ينهزمون، وثلث يفتح الله على أيديهم القسطنطينية، ويخرج بعد ذلك الدجال.
وقد حدثت أشياء من أشراط الساعة، مثل عبادة الأوثان، وستحدث أكثر وأكثر، فهناك أوثان عُبدت، وهناك مناطق في بلاد المسلمين وجد فيها صنم يعبد!، وهذه العبادة للأوثان سيأتي وقت على الأمة كما أخبر ﷺ، يتمثل لهم الشيطان في صورة إنسان فيقول لهم: ألا تستجيبون؟ فيقولون: فما تأمرنا؟ فيأمرهم بعبادة الأوثان، فعليهم تقوم الساعة.
وقد أخبر النبي ﷺ عن أشراطها الكبار، والتي منها تزامن ثلاث شخصيات في الظهور المهدي، والدجال، وعيسى ابن مريم، وموضوع يأجوج ومأجوج، وخروج هؤلاء، وبعد ذلك تكون الصعقة، وقيام الساعة مع قيام الساعة هنا بعض الوقفات التربوية والدعوية، قيام الساعة غيب لا يعلمه إلا الله ، وقد حاول بعض أو هناك بعض الانحرافات المعاصرة حاول أشخاص أن ينشروا أوقات في موضوع قيام الساعة مثلما حدث في عام 2012 الملايين يترقبون نهاية العالم 21 ديسمبر، شهدت خمس دول من أمريكا الجنوبية احتفالات غير مسبوقة، وأشاعوا أنها ستقوم يوم الأحد عندهم تارة يربطونها بارتطام جسم ضخم بالأرض ونحو ذلك، وأخذت هذه المسألة أبعاد كبيرة، ففي بعض الإحصاءات قالوا: أن نحو 10% من سكان الولايات المتحدة يؤمنون بذلك قبل أن يأتي هذا التاريخ، ويتضح أنه كذبة كبرى، ولا يوجد شيء: قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ [النمل: 65].
فإذًا، كل ما يقال لمن حدد وقت معين فهو كذب، مع أن الأخبار في هذا تفوق الحصر، وتتورط فيها وكالات أنباء عالمية، وتذيعها: يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ [الأحزاب: 63]، يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً[الأعراف: 187]، هذا صفة مهمة من صفات الساعة، أنها تأتي فجأة: لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً، إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ [لقمان: 34]، فإذًا، هو اختص بذلك، والساعة لها أمارات لا تقوم إلا بعدها، ولذلك لو قال قائل الآن: هل ممكن أن تقوم الساعة الأسبوع القادم بدون أن ندخل في قضية ادعاء علم الغيب؟ لن يحدث، لماذا؟ لأنه ذكر قبلها أن الدجال يظهر، ويجلس في الأرض أربعين يومًا، فالآن –قطعًا- ما دام أن الدجال ظهر، من هنا إلى أربعين يوم أنت تعلم أنه لن تكون الساعة، هذه ليست مجازفة، هذا شيء من العلم الشرعي، وتعلم أنه لن تقوم الساعة قبل سبع سنوات مثلاً؛ لأن عيسى بن مريم إذا نزل يمكث سبع سنين: يخرج الدجال في أمتي فيمكث أربعين لا أدري أربعين يومًا أو أربعين شهرًا أو أربعين عامًا [رواه مسلم: 7568].
ثم فصّل ﷺ، وذكر أنها أربعين يومًا، ويوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كأسبوع كجمعة، وسائر أيامه كأيامكم، فيبعث الله عيسى ابن مريم كأنه عروة بن مسعود -يعني في شكله- فيطلبه فيهلكه، ثم يمكث الناس سبع سنين ليس بين اثنين عداوة.
إذًا، هذه السبع السنوات ليس فيها دعاوى ليس فيها محاكم أبدًا، ولا فيها أحد يرفع دعوى على أحد، قطعًا فلو قيل: هل يوجد وقت؟ القضاة ليس عندهم شغل في موضوع النزاعات بين الناس نقول: نعم هناك سبع سنوات القضاة ليس عندهم شغل أبدًا في النزاعات بين الناس، ليس بين اثنين عداوة: ثم يرسل الله ريحًا باردة من قبل الشام، فلا يبقى على وجه الأرض أحد في قلبه مثقال ذرة من خير أو إيمان إلا قبضته[رواه مسلم: 7568].
إذًا، كون شخص يجزم، يقول: لن تقم الساعة قبل أربعين يوم، ولا قبل سبع سنوات، نعم، هذا اعتماد على نصوص من الدروس التربوية في قيام الساعة، حديث الفسيلة: إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة، وهي النخلة الصغيرة: فإن استطاع ألا يقوم حتى يغرسها فليفعل، ومعروف أن كل إنسان إذا مات قامت قيامته؛ لأنه بدأ اليوم الآخر في حقه، ما بعد الموت من البرزخ، وهذه في القبر سيفتح له طاقتان، طاقة إلى الجنة، وطاقة إلى النار، إذا كان من أهل الخير والصلاح يغلق هذه طاقة النار، وتأتيه من طاقة الجنة من ريحانها وروحها ما يأتيه، وكذلك الآخر يأتيه من سمومها، وحميمها ما يأتيه، فاتصال أهل القبور بالآخرة فيه مباشر، يأتيه من روحها، وريحانها، ويأتيه من سمومها، وحميمها، ثم النار: يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا [غافر : 46]، هم يرون فرعون وقومه، يعرضون على النار، ليس يدخلون لكن يعرضون: أرواح الشهداء في حواصل طير خضر تسرح في الجنة [رواه الترمذي: 3282، وصححه الألباني في صحيح الجامع: 1/324]، وورد نفس المؤمن تعلق من شجر الجنة، يعني تأكل، فهناك اتصال مباشر ي في الروح بين البرزخ والآخرة ، والجنة والنار، لكن دخولها جسدًا وروحًا لا يكون إلا بعد قيام الساعة.
ومن الأمور المهمة أن الإنسان ينبغي أن يحسن العمل؛ لكي تقوم ساعته وهو من أهل النعيم، في الواقع الحاضر يوجد أنواع من الإلحاد، وأنواع من الكفر في مسألة قيام الساعة، فمنهم من ينكر ذلك، يقول: لا تقوم الساعة، ينكرون البعث، وقد فعل ذلك كفار العرب بالنسبة لكفارنا نحن، فقد قالوا: العلم الحديث في طريقه إلى حل مشكلة الموت، وإن التقدم الطبي في موضوع الخلايا الجذعية سيؤدي إلى أنه لا يكون فيه هرم، وبالتالي لا يكون فيه موت، وبالخلايا الجذعية سنحل مشكلة الأمراض، ومشكلة الهرم، ولن يكون هناك موت، وبالتالي صار بعضهم يوصي، وفتحت شركات في هذا بتجميد الجثة ريثما يتقدم الطب، فتعود الروح إلى الجسد بتقدم طبي قادم، وبالتالي لا أحد يموت، والذي مات وقد جمدت جثته سيعود للحياة.
إذًا، الكفر في مسألة الموت ولقاء الله حاصل في زماننا، فهذه اعتقادات، وبعضهم يذكر تفصيل آخر، يقول: درجة حرارة 197 تحت الصفر هي التي يمكن أن يعود فيها الجسد بعد ذلك إلى الحياة، والله قال: حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [المؤمنون: 100]، وقال: يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [المنافقون: 11].
ونحن في كلامنا مع الناس يجب أن نوضح لهم أن الموت حق، ولا بدّ منه، وأنه مهما تقدمت البشرية في الطب، ولن يأتوا بحل لهذا، والنبي ﷺ أخبر إن لكل داء دواء أنزله الله علمه من عمله وجهله من جهله إلا السام خلاص الموت ماله دواء إلا الهرم ماله دواء، لن يكون لدى البشرية في أي وقت من الأوقات ما تدفع به الموت. أما بالنسبة لما يحدث بعده فهنالك أنواع من النعيم والعذاب، وحياة كاملة ستكون، وهذه الحياة البزرخية فيها نوم طويل كما ثبت في الحديث، يُقال للرجل من أهل الجنة في قبره: نم كنومة العروس لا يوقظها إلا أحب أهله إليه [رواه الترمذي: 1071، وصححه الألباني في صحيح الجامع: 1/186]، فهناك نوم طويل في القبر.
وكان بعض الصالحين يجتهد ويدأب في العمل، فيقال له في ذلك، فيقول: إنه وراءكم نومًا طويلاً، ففي القبر نوم طويل لأهل الخير والصلاح، يقال: نم كنومة العروس، قال ابن القيم -رحمه الله-: "أصحاب القبور يعذبون على جهلهم بالله، وإضاعتهم لأمره، وارتكابهم لمعاصيه".
عقوبة الجهل بتوحيد الله وأسمائه وصفاته
فالذي يجهل توحيد الله وأسمائه وصفاته، وأفعاله يعذب على جهله بربه؛ لأن من العلوم الواجبة العلم بالله بأسمائه وصفاته، وتوحيده، وتعظيمه، وشريعته، ودينه، وما أنزل من الأحكام، وهذه المسألة تتعلق بالعقيدة، يعني الآن طرق الأبواب هذه في العقيدة من فوائده دفع العقوبة عن ترك التعلم، تعلم ما يتعلق بالله؛ لأن من أسباب العذاب الجهل بالله، وهذه مسألة ربما لا يفكر فيها الكثير أن الجهل بالله من أسباب العذاب؛ لأن أول ما يجب على الإنسان أن يتعلمه العلم بربه، ويقال لأي كافر يسلم: لا بدّ أن تتعلم هناك أشياء تتعلق بربك لا بدّ تتعلمها من توحيد الله.
قال ابن القيم -رحمه الله-: فلا يعذب الله روحًا عرفته وأحبته، وامتثلت أمره، واجتنبت نهيه، ولا بدنًا كانت فيه أبدًا، فإن عذاب القبر وعذاب الآخرة أثر غضب الله وسخطه على عبده، فمن أغضب الله وأسخطه في هذه الدار، ثم لم تب، ومات على ذلك كان له من عذاب البرزخ بقدر غضب الله وسخطه عليه فمستقل، ومستكثر، ومصدق، ومكذب، وقال عن أسباب نعيم القبر: " تكون بتجنب الأسباب التي تقتضي عذاب القبر، ومن أنفعها يعني من أنفع الأشياء التي تؤدي إلى نعيم القبر أن يجلس الرجل لله عندما يريد النوم ساعة يحاسب نفسه فيها على ما خسره وربحه في يومه، ثم يجدد له توبة نصوحًا بينه وبين الله، فينام على تلك التوبة، فهذه المحاسبة قبل النوم يقول: مثلاً اليوم ماذا فعلت؟ أغتبت، كذا، نظرت نظرة محرمة، كذا وكذا، فيحدث توبة لكل الأعمال السيئة التي مرت به في يومه، هذا قال، ثم يجدد له توبة نصوحًا بينه وبين الله فينام على تلك التوبة، ويعزم ألا يعاود الذنب إذا استيقظ، ويفعل هذا كل ليلة، فإن مات من ليلته مات على توبة، وإن استيقظ استيقظ مستقبلا العمل، يعني أن الذنب محي بالتوبة، وهذا سجل جديد مسرورًا بتأخير أجله حتى يستقبل ربه، ويستدرك ما فاته، وليس للعبد أنفع من هذه النومة، ولاسيما إذا أعقب ذلك بذكر الله، واستعمال السنن التي وردت عن رسول اللهﷺ عند النوم حتى ينام: "فمن أراد الله به خيرًا وفقه لذلك" [الروح: 1/77-78]، هذا من كتاب الروح لابن القيم رحمه الله.
ونحن قصدنا من خلال هذه الدورة الربط بالأشياء المعاصرة اعتقادات عجيبة بالقبر، شركة تصمم تابوت يتماشى مع الثورة التكنولوجيا، سماعات، حافظات أغاني، مشغلات شاشات كبيرة، أشياء توضع في القبر، ويدفع هؤلاء الأغنياء المجانين، والجهلة بالله وبدينه ما يدفعون، ويقول: مثل التابوت 23,000 يورو: وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ [فاطر : 22]، لكن هؤلاء كذا كأن عندهم القبر مثل الدنيا، فوضعوا فيه اعتقدوا اعتقادات، بعضهم وضع غرفة نوم، وبعضهم وضعوا أشياء، وبعض الفراعنة دفنوا حليهم وكنوزهم معهم، ولا تنفع، فمن أحسن اعتقاده بالله وقاه الله فتنة القبر.
نسأل الله أن يقينا وإياكم عذاب جهنم، وعذاب القبر، وفتنة القبر، وفتنة المحيا والممات.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
الشيخ محمد بن صالح المنجد