يُعرف الحصار بأنه تكتيك عسكري يتمثل بفرض حصار عسكري على مدينة أو مكان محصّنٍ لإجبار سكانه على الاستسلام. بالتالي، يكون الحصار إحدى جوانب الحرب القديمة قد التاريخ المسجل نفسه، ولا يزال مستمراً حتى يومنا هذا.
وُصف الحصار في الكتاب المقدس، وكذلك في قصص (هوميروس) والسجلات التاريخية للمؤرخين القدماء مثل (يوسيفوس فلافيوس) و(تاسيتس). خلال الحرب العالمية الثانية، عانت عدة مناطق في الجبهة الشرقية لأوروبا من حصارات ملحمية، مثل حصار ستالينغراد ولينينغراد، حيث استمر حصار الأخيرة ما يقارب 900 يوم.
على مرّ التاريخ، وقع الحصار العسكري في جميع قارات كوكبنا، وانتهى بعضها بإبادة العدو حتى بعد استسلامه عن طريق قتل الرجال والصبية واستعباد النساء، حتى أن بعضها ذُكر في الكتاب المقدس. انتهى بعض أشكال الحصار الأخرى بانتصار العدو لكن بثمنٍ باهظٍ جداً، وشهدت بعض أشكال الحصار تفشي الأمراض والأوبئة مثل التيفوس والجدري والكوليرا. إليكم أطول وأسوأ الحصارات التي تعرض لها البشر عبر التاريخ:
1. حصار مجيدو
يُعتبر هذا الحصار واحداً من أوائل الاشتباكات العسكرية المسجلة في التاريخ، ونتج عن معركة مجيدو حصار وحشي استمر لشهور. وقعت المعركة في القرن الخامس عشر قبل الميلاد، عندها قاد الفرعون المصري (تحتمس الثالث) جيوشه إلى فلسطين ليخمد تمرداً قاده تحالفٌ من دول المدن في بلاد الرافدين. وفقاً للسجلات المصرية العسكرية القديمة، تواجه الجيشان خارج مدينة مجيدو في معركة دموية شارك فيها المشاة والعربات، وجاء أيضاً أن الفرعون نفسه شارك في القتال.
أحاط الجيش المصري بقوات التحالف، لكنهم انشغلوا بسرقة غنائم الحرب من أحد معسكرات العدو، ما سمح للآخرين بالانسحاب والتراجع إلى مدينة مجيدو والاحتماء بتحصيناتها.
لم يتراجع الفرعون المصري، بل قرر حصار المدينة ليمنع جميع أشكال الحركة ويمنع خروج أو دخول أحد منها أو إليها. صمدت المدينة أمام 7 شهور من الحصار، وعانت من المجاعة والأمراض بشدة. فأرسل زعماء المدينة أطفالهم الذكور والإناث كي يتوسلوا من أجل الاستسلام. في النهاية، قبل (تحتمس) إعفاء المدينة مقابل تقديم الولاء له.
2. حصار فيكسبيرغ
يُعتبر حصار فيكسبيرغ، إلى جانب معركة غيتيسبيرغ أيضاً، إحدى المواجهات العسكرية الحاسمة التي أدت إلى تغيّر مجرى الأمور في الحرب الأهلية الأمريكية. بدأ الحصار في شهر مايو عام 1863، فكان الجنرال (يوليسيس غرانت) قائد جيش الاتحاد، فحاصر القوات الكونفدرالية تحت قيادة (جون سي. بامبرتون) داخل مدينة فيكسبيرغ بولاية مسيسيبي. حاول (غرانت) اختراق صفوف عدوه عن طريق عدة غارات، لكنها باءت بالفشل، فقرر في نهاية المطاف، مُرغماً على ذلك، حفر خنادق وحصار المدينة.
اضطر الكثير من المدنيين الذين أرادوا تفادي هول الحصار إلى الاحتماء داخل شبكة من الكهوف الطينية، التي عُرفت لاحقًا بـ «قرية كلب البراري». سعياً لتفادي القتال، حفرت قوات (غرانت) نفقاً وفجّرت ألغاماً تحت تحصينات المدينة، وعلى الرغم من أن سكان المدينة في جنوب أمريكا كانوا أقل عدداً بكثير من قوات جيش الاتحاد، لكنهم صمدوا وأغلقوا الفجوات التي قد يتمكن جنود (غرانت) من العبور خلالها، لكن هذه الروح القوية لم تدم طويلاً.
كان سكان المدينة بلا مؤن كثيرة ولن تأتي تعزيزات إضافية لإنقاذهم، لذا قرر (بامبرتون) الاستسلام في الرابع من يوليو، ومع سقوط فيكسبيرغ، استطاعت قوات الاتحاد السيطرة على كامل نهر المسيسيبي، ما أدى إلى انشطار أراضي وممتلكات الكونفدرالية إلى نصفين، واستمر هذا الخط الفاصل حتى نهاية الحرب.
3. حصار صور
في عام 332 قبل الميلاد، اتجهت أنظار القائد العسكري الشهير (الاسكندر المقدوني) نحو مدينة صور الفينيقية الواقعة على البحر المتوسط، والتي كانت من المدن الفينيقية المزدهرة في مجال التجارة، ويجدر بنا التنويه إلى أن صور كانت جزيرة على البحر المتوسط قبل أن تصبح شبه جزيرة، وسنأتي على ذكر ذلك لاحقاً.
كان تعداد جيش (الاسكندر) نحو 35 ألف جندي، وهو رقم ضخم جداً مقارنة بجيش صور، على الرغم من أن المدينة امتلكت قوة بحرية لا بأس بها والكثير من الموارد والمؤن كي تستطيع الصمود في حال الحصار، وفوق ذلك، كان للمدينة أسوار قوية بلغ ارتفاعها نحو 45 متر.
لم يتمكن (الاسكندر) من الوصول إلى المدينة بشكل كافٍ كي يتمكن من اقتحامها بالطرق التقليدية، لذا لجأ إلى الحصار. يُعتبر حصار صور واحداً من الأمثلة التاريخية عن البراعة الهندسية في المجال العسكري، خاصة إذا ما أخذنا في عين الاعتبار الفترة التاريخية التي جرى فيها هذا الحصار، إذ أمر (الاسكندر) جنوده باستخدام الأخشاب والحجارة لبناء معبر يصله بالجزيرة التي تقع عليها مدينة صور. وهكذا، استطاع (الاسكندر) الوصول إلى الجزيرة عبر هذا الجسر الاصطناعي، وبدأ جنوده حصار المدينة وقصف أسوارها.
استمر الحصار سبع أشهر كاملة، واستطاعت قوات (الاسكندر) خرق التحصينات واستولت على صور بعد مذبحة دموية وعنيفة.
المثير للاهتمام أن هذا المعبر المؤقت الذي بناه (الاسكندر) هو الذي وصل المدينة بالبر وساحل لبنان، حيث تجمعت الرمال وحبيبات الغرين (أو الطمي) ما أدى إلى تغيير شكل الجزيرة إلى الأبد وتحولها إلى شبه جزيرة كما نعرفها اليوم.
4. حصار كانديا
بدأ هذا الحصار، والذي استمر لعقدين من الزمن بالمناسبة، في القرن السابع عشر. في البداية، قامت فرقة من فرسان مالطا بالإغارة على سفنٍ عثمانية، فاضطرت الأخيرة إلى الهرب واللجوء إلى مدينة كانديا التابعة لجمهورية البندقية في إيطاليا، وتقع كانديا على جزيرة كريت. لم يكن الوضع السياسي بين البندقية والعثمانيين جيداً من الأساس، واندلعت حرب شاملة بين الطرفين، وبحلول عام 1645، وصل جيش تركي تعداده 60 ألف مقاتل إلى سواحل كريت، وبدأ بتدمير واحتلال الأرياف في البداية، ثم استطاع احتلال كامل الجزيرة.
في عام 1648، وصل العثمانيون إلى مدينة كانديا التي كانت حاضرة كبرى حينها، وحاصرها العثمانيون مطوقين جميع المنافذ. شنّ العثمانيون عدة غزوات وعمليات قصف مراراً وتكراراً، لكنهم لم يتمكنوا من إحراز ضربة حاسمة. استطاع سكان كانديا، الذين عاشوا تحت هذا الحصار، إجبار الجيش العثماني على التقهقر في كل مرة يتقدم فيها هؤلاء، وكانوا يصلحون الأسوار ويغلقون الثغرات في كلّ مرة كي لا تسقط المدينة المحصنة بأيدي العثمانيين.
وصل أسطول فرنسي عام 1669 للدفاع عن المدينة والمساعدة في كسر الحصار، لكنه اضطر إلى الانسحاب فوراً بعدما دُمرت أقوى سفن الأسطول في إحدى المعارك البحرية. كانت كانديا في حالة يرثى لها، ولم يبقى فيها سوى بضعة آلاف من الجنود، لذا استسلم المدافعون بعد فترة قصيرة. رُفع الحصار في نهاية المطاف في شهر سبتمبر عام 1669، أي بعد مرور 21 عاماً و4 أشهر على بدايته، ما يجعله واحداً من أطول الحصارات في التاريخ.
5. حصار قرطاج
كان هذا الحصار جزءاً من الحرب البونيقية الثالثة، الحرب الأخيرة ضمن سلسلة من الصراعات العنيفة بين روما القديمة ومدينة قرطاج الفينيقية. في عام 149 قبل الميلاد، قاد (سكيبيو أميليانوس) جيشاً رومانياً ووصل إلى شمال أفريقيا سعياً لتدمر قرطاج مرة أخيرة وإلى الأبد. لكن (أميليانوس) واجه أسواراً يبلغ ارتفاعها نحو 20 متر، فاضطر إلى حصار المدينة وإقامة معسكر حولها.
في المقابل، جهّز القرطاجيون أنفسهم لهكذا حصار، فتسلّح جميع من في المدينة، حتى السجناء والعبيد، ووفقاً للمؤرخ الروماني (أبيان)، قطعت نساء قرطاج شعرهن كي يستخدمه الرجال بديلاً عن المنجنيق. عندما واجه الرومان هذه المقاومة، اضطروا لإبقاء الحصار والانتظار، فدام حصارهم 3 سنوات كاملة.
عندما تمكن الرومان من اختراق الأسوار عام 146 قبل الميلاد، واجهت قوات (أميليانوس) المدافعين في شوارع المدينة في معركة استمرت 6 أيام كاملة، ثم تمكنوا في نهاية المطاف من سحق المقاومة القرطاجية. عند انتهاء تلك المعركة، كانت قرطاج مدمرة، واستُعبد نحو 50 ألف شخص من السكان المتبقين في المدينة.
6. حصار لينينغراد
يُعتبر حصار لينينغراد واحداً من المعالم الشهيرة للحرب العالمية الثانية، وبمثابة ذكرى مؤلمة عما يسببه الحصار من إزهاق في الأرواح وبؤس شديدين، تحديداً أولئك المدنيون الذين لا يملكون سبيلاً سوى العيش تحت الحصار الخانق.
وصلت القوات الألمانية النازية إلى المدينة في عام 1941، كجزء من عملية بارباروسا، وهي عملية غزو مفاجئة للاتحاد السوفياتي. حاول الألمان تفادي العمليات الحربية في المدينة، ولم يسعوا جدياً إلى أخذها بالقوة، بل لجأ (أدولف هتلر) إلى خيارٍ بديلٍ أكثر وحشية، وهو حصار المدينة وتجويع سكانها حتى تعلن الاستسلام.
كان عدد سكان المدينة نحو 3 مليون شخص، ولم يكونوا جاهزين أبداً لهكذا حصار، ولم يملكوا حتى المؤن الكافية التي يُفترض أن تبقيهم على قيد الحياة. لم يقتصر الأمر على حصار المدينة، بل كانت الطائرات الألمانية تقصفها يوميًا، أضف إلى ذلك الجوع الشديد الذي عانى منه السكان ودرجات الحرارة المنخفضة وانتشار الأمراض.
يُقال أن الناس تناولوا أي شيء في تلك الفترة بالإضافة إلى مخصصاتهم اليومية الضئيلة من الخبز، كجلد الأحذية ولواصق ورق الجدران، وبرزت أيضاً شهادات تفيد بتناول البعض لحوم البشر. على الرغم من تلك الظروف المروعة والعصيبة، استطاع سكان لينينغراد تحمّل الحياة تحت الحصار، وصمدوا 872 يوماً، أي منذ شهر سبتمبر عام 1941 وحتى شهر يناير عام 1944.
لكن حتى بعد تحقيق النصر، كانت النتيجة مأساوية، فعندما تمكن الجيش الأحمر من تحرير المدينة في نهاية المطاف، قُدر عدد ضحايا الحصار الذين فقدوا أرواحهم، ومعظمهم من المدنيين، بمليون شخص، بينما تقدر مصادر أخرى أن عدد الوفيات بالمجمل جراء الحصار قد يصل إلى مليونين و500 ألف.
7. حصار بغداد
اجتاح المغول في عصرهم الذهبي معظم أنحاء آسيا وقسماً كبيراً من الشرق الأوسط وأوروبا الشرقية، وقاد هذه الحملات أحفاد وأقارب (جنكيز خان). إحدى تلك الحملات العسكرية جاءت على يد (هولاكو خان)، أحد أحفاد (جنكيز خان).
أراد (هولاكو) حصار مدينة بغداد في العراق، وصمم على تدمير ما يُعرف بأكبر مراكز الحضارة التي تهدد حكم المغول، وأحد أشهر وأكبر مدن المسلمين. زحف نحو العراق أكثر من 100 ألف مغولي بعدما رفض الخليفة المستعصم بالله، آخر الخلفاء العباسيين في بغداد، الاستسلام للمغول. لم يهجم المغول وحدهم، إذ قيل أن بعض الشيعة التي أساء المستعصم لهم قد شاركوا أيضاً في الغزو، كما أن أحد وزراء الخليفة، وهو مؤيد الدين بن العلقمي، شارك شخصياً في مساعدة المغول. بدأ الحصار في 29 يناير عام 1258، وانتهى رسمياً في 10 فبراير من العام ذاته.
ليس طول مدة الحصار ما يجعل الأخير شهيراً، بل الدمار الذي جلبه المغول للمدينة، فعندما اخترق هؤلاء الأسوار والحصون، ذبحوا كل من رأوه أمامهم، باستثناء مسيحيي بغداد الذين احتموا بإحدى الكنائس. كان المغول متوحشين لدرجة أنهم، ومثلما يقال، لفوا الخليفة المستعصم ضمن سجادة وجعلوا الخيول تدوسه، كما دمر المغول معالم المدينة وأماكنها الدينية المقدسة، مثل مقابر الخلفاء.
لم تقف وحشيتهم عند هذا الحد، بل أمر (هولاكو) شخصياً بتدمير مكتبة بيت الحكمة، إحدى أكبر وأحدث مراكز العلم والحضارة في تلك الفترة الزمنية. لا يمكن تقدير كمية العلوم والكتابات التي ضاعت أو أُتلفت خلال غزو بغداد، حيث قام المغول برمي جميع الكتب تقريباً في نهر دجلة حتى اسودّ لونه من حبر الكتب.
يترافق كل حصار مع انتشار الأوبئة والأمراض تقريباً، بسبب الظروف غير الصحية التي يعيش بها الناس، وهذا ما حصل في بغداد أيضاً، حيث كانت الجثث تُرمى في الشوارع والطرقات، ما أدى بدون شك إلى تلوّث الهواء وانتشار الروائح من جثث الموتى، لدرجة أن الوباء والأمراض وصلت إلى الشام، ويمكن أن يكون هذا السبب الذي دفع (هولاكو) إلى إحراق المدينة قبل أن يغادرها ويتوجه إلى إلى غزو بلاد الشام.
8. حصار سيفاستوبول
وقع هذا الحصار بين عامي 1854 و1855، وكان جزءاً من حرب القرم التي اندلعت بين الإمبراطوريتين الروسية والعثمانية، والأخيرة تلقت دعماً من قوات فرنسية وبريطانية. احتوى هذا الحصار إحدى الأمثلة المبكرة عن حرب الخنادق التي امتازت بها الحرب العالمية.
امتد الحصار لـ 11 شهراً، وعندما أدرك الروس أنهم لن يستطيعوا هزيمة أعدائهم في ساحات المعركة المفتوحة، نقلوا معظم جيوشهم إلى المدينة وحصنوا أنفسهم في مواقع دفاعية. كانت المعارك في البداية تدور خلال النهار، وكان الروس يتلقون ضربات جراء القصف المدفعي في النهار، ثم يعودون ليلاً لتحصين مراكزهم الدفاعية.
لسوء حظ الطرفين، كان الشتاء قارس البرودة، فعانى المحاربون جميعهم من الأمراض، تحديداً الكوليرا والزحار. تأثر الجيش الفرنسي بالأمراض أكثر من غيره، وكانت معظم وفيات الجنود جراء الأمراض التي أُصيبوا بها.
دافع الروس بقوة عن المدينة وخسروا الكثير من الأرواح، وفي معارك القصف الأخيرة، كان يسقط يوميًا نحو 2000 جندي روسي. في نهاية المطاف، قرر الروس الانسحاب من المدينة معلنين بذلك خسارتهم حرب القرم، فدخلت قوات الحلفاء المدينة في التاسع من شهر سبتمبر، وانتهت الحرب بعد فترة قصيرة.
خلّد عدد من الفنانيين والأدباء هذه الحرب، من بينهم (ليف تولستوي) الذي عايشها، كما صدر أول فيلم روسي طويل بعنوان «دفاع سيفاستوبول» عام 1911 بخصوص هذه المعارك والحصار، وشاركت أيضًا الممرضة البريطانية الشهيرة (فلورنس نايتينجيل) وكذلك (ماري سيكول) في تضميد ومعالجة الجرحى على جانب الحلفاء.
9. حصار تينوتشتيتلان
كان حصار تينوتشتيتلان عام 1521 آخر معركة حاسمة بين شعب الأزتك الذي دافع عن أرضه ضد المستعمرين الإسبان، فكان السكان الأصليون ساخطين بشدة على المستعمر الذي قمعهم. قاد المغامر، أو الفاتح كما يُسمى بالإسبانية، (إرنان كورتيس) جيشاً قوامه 200 ألف رجل ضد مدينة تينوتشتيتلان، عاصمة حضارة الأزتك آنذاك، مصمماً على إبادة الأزتك واستعمار أراضيهم لإثراء المملكة الإسبانية.
كان عدد المدافعين عن المدينة يقارب الـ 300 ألف رجل، لكن تقنيات الشعوب الأصلية لأمريكا لم تماثل على الإطلاق التقنيات التي امتلكها الأوروبيون، ما ساهم في تحقيقهم نصراً حاسماً واستعمار معظم أنحاء القارتين الأمريكيتين.
لكن الأزتك لم يستسلموا، بل قاوموا بضراوة، وهنا يأتي دور الطبيعة في التدخل لمصلحة الفاتحين الأوروبيين، إذ ساهمت الأمراض، وتحديداً الجدري، في إضعاف دفاعات الأزتك بشدة وإهلاك السكان. عندما أدرك الإسبان أن الغزو والاقتحام أمران ليسا عمليين، أمر (كورتيس) بقصف المدينة، فدكت المدافع حصونها حتى استسلم أهلها.
لم يستمر الحصار سوى 3 أشهر تقريباً، لكنه خلّف عدداً مهولاً من الموتى، تحديداً المدنيون في المدينة، والذي بلغ عددهم نحو نصف الضحايا، بينما يُقدر عدد الضحايا الإجمالي بـ 200 ألف قتيل.
يقول بعض المؤرخون أن الأزتك في تينوتشتيتلان وحاكمهم (مونتيزوما) اعتقدوا ان (كورتيس) كان تجسيداً للإله (كيتزالكواتل)، وهو إله الرياح والحكمة، وبالتالي هو مصدر الأعاصير الشريرة، لكن مصادراً أخرى تقول أن (مونتيزوما) عرف أنه مجرد رجل عادي وليس تجسيداً لأي إله.
10. حصار القدس
تعرضت القدس لحصار في عدة مرات من تاريخ وجودها، وكذلك الاجتياحات منذ أيام الفرعون المصري (شيشنق الأول) عام 925 قبل الميلاد، وفقاً لما جاء في العهد القديم بالطبع، ولاحقاً برزت الحروب اليهودية الرومانية، والتي تُسمى بالمصادر العبرية بالثورة اليهودية وفقاً للطابع التمردي لهذه الثورات على الحكام الجائرين.
بعد تمرد اليهود عام 66 ميلادي، حاول الرومان قمع هذا التمرد مرة واحدة وإلى الأبد، لذا أُرسل القائد العسكري (تيتوس) بصحبة 70 ألف مقاتل لحصار مدينة القدس، والتي لم تملك حينها سوى 40 ألف جندي للدفاع عنها.
أحاط القائد المدينة بـ 4 فيالق في شهر فبراير، وحاول التفاوض مع المدافعين عنها، فأرسل المؤرخ اليهودي (يوسيفوس) للتحدث والتفاوض مع زعماء المدينة، لكن (يوسيفوس) أُصيب بجراح جراء سهم أصابه، فأكمل الرومان حصارهم.
تعرض سكان المدينة للتجويع البطيء جراء الحصار الرومانين واضطروا إلى تناول أي شيء يجدونه، مثل جلود الحيوانات، حتى أن البعض لجأ إلى لحم البشر، وهذا ما أورده (يوسيفوس) حينما شاهد أماً قتلت طفلها الصغير.
في نهاية المطاف، اخترقت القوات الرومانية أسوار المدينة ونظمت هجوماً مباغتاً في الليل، وعندما دخل الرومان، ذبحوا كل شخص يظهر في طريقهم، معظمهم من المدنيين. كما دُمر أيضاً عدد من الأبنية ونهب الكثير منها، من بينها المعبد الثاني الذي دمره الرومان مخالفين أوامر (تيتوس) بحدّ ذاته.
عند الانتهاء من الاجتياح، جمع الرومان معظم الناجيين وقيدوهم وباعوهم على شكل عبيد، بعد قتل نسبة كبيرة من المدنيين في الشوارع. وبحلول السابع من شهر سبتمبر، كانت المدينة رسمياً تحت سيطرة الرومان.
إن الحروب بحد ذاتها جزء من مآسي البشر، لكن الحصار الذي يُفرض على مجموعة من المدنيين هو من أقسى أشكال الحرب، إذ أن أثره النفسي المتمثل بالجوع والبؤس لا يحتمل.