رفض المسلمون لسب الرسول وتجسيده معروف لدينا، هم مستعدون لتجاوز أي شيء بما في ذلك سب الله وانتقاد الإسلام بألذع الألفاظ، بل قد يتجاوز أحدهم عن شتم والديه، لكن الرسول يبقى خط أحمر لديهم، وهذا ما لا يفهمه الأوروبيون ولا يريدون فهمه، وفي الحقيقة ليس عليهم فهمه، لولا أنهم قيدوا أنفسهم بشعار "حرية، إخاء، مساواة" المتناقض في حد ذاته والذي لن يتوقف عن وضعهم في حالة تناقض، فهم من جهة رفعوا خلال سبعين سنة شعار "الإخاء" الذي يعني إحترام الآخر والتعايش السلمي معه، وبالتالي لابد من التنازل ولو جزئيًا أمامه. وعلى أساس شعارات الإخاء والتعايش هته التي رفعتها أوروبا منذ الحرب العالمية، إستقر المسلمون فيها برضا من الأوروبيين.
من جهة أخرى رفعت أوروبا شعار الحرية الذي لابد له أن يدخل في تناقض مع الإخاء، حرية تعبير مطلقة لابد لها أن تتصادم مع إحترام الآخر والتعايش السلمي معه، وهذا ما فهمه حتى الليبراليون ومن أجل ذلك يُمنع الإقتراب من بعض المقدسات مثل الهو،لوكوسـ،ت أو انتقاد بعض الأقليات مثل الشوا،ذ أو السود والمرأة، وهذا ما يعرف بالصواب السياسي. كل ذلك قد يضعهم في حرج أمام شعار المساواة، فإما أن يكون الجميع متساوون وعندئذ يجب أن تحترم مقدسات الجميع وتعاقب كل من لا يحترمها حتى لا يحاول البعض تحقيق ذلك خارج القانون، أو أن المساواة لا تشمل الجميع ويجب أن تصرح بذلك وتتقبل أنه سيغير تمامًا من البنية الاجتماعية.
في كل الأحوال ومهما كان السيناريو الذي ستختاره أوروبا (أو ربما فرنسا فقط) سيكون من المثير للاهتمام مشاهدة نهاية التمثيلية من الضفة الأخرى، أوروبا أمام أحد الأمّرين، إما أن تتخلى عن ما تدعوه بهويتها (في الحقيقة لم يبقى منها شيء وهي مجرد وهم لدى اليمين... والمهاجرين ليسوا سوى حلقة أخيرة) أو أن تتنكر لأيديولوجياتها الليبرالية والعلمانية التي تفرض من خلالها ومن خلال ما تمنحها من تفوق "أخلاقي" سلطتها على العالم. صحيح قد لن يكون لذلك نهاية سعيدة للمسلمين الأوروبيين، لكن أغلبهم اختار العيش هناك، والمسلمين خارج أوروبا الذين يمثلون الغالبية العظمى ليس عليهم تحمل التدخل الغربي ومواعظه وتمثيلياته عن "الحرية، الإخاء، المساواة" التي يريد فرضها على العالم فقط من أجل سواد عيون بضعة ملايين من المسلمين هاجروا بحثًا عن الرفاهية.
«اندلعت الثورة الفرنسية باسم شعار متناقض بطبيعته وغير قابل للتحقيق: الحرية والمساواة والأخوة. لكن في الحياة الاجتماعية ، تميل الحرية والمساواة إلى أن تكونا متعارضتين، معاديتين لبعضهما البعض! الحرية تقضي على المساواة الاجتماعية - وهذا أحد أدوار الحرية - بينما المساواة تقيد الحرية، وإلا فلا يمكن تحقيقها. أما الأخوة فهي ليست من عائلتهم، بل هي مجرد شعار أضافه شخص مغامر، فليست الترتيبات الاجتماعية هي التي يمكن أن تصنع الأخوة الحقيقية. لأنها لا تكون إلا روحية..»
― ألكسندر سولجنيتسين
منقول