مقال عن مناظرتي مع الجنرال شارون علي شبكة B.B.C عام 1975
من الصحفي محمد القصبي جريدة الدستور بذكري السادس من أكتوبر 73.
✍د. سمير فرج
المقال كامل
محمد القصبي يكتب: ماذا فعل سمير فرج بالجنرال الدموي؟
حين وجه لي كاتبنا الكبير محمد سلماوي رئيس اتحاد كتاب مصر السابق الدعوة لحضور مؤتمر طيبة الثقافي بالأقصر عام 2008، انتابتني حالة من الفرح الطفولي وكأنها المرة الأولى التي أشارك فيها في مؤتمر.. أما سبب فرحتي فليس فقط صحبة سلماوي الذي أحب.. بل فرصة أيضًا للقاء أحد النابهين المخلصين لهذا البلد.. اللواء سمير فرج رئيس المجلس الأعلى لمدينة الأقصر آنذاك.
كان مجرد لقائي بهذا البطل- حتى ولو صمتًا لدقائق- معلمًا لن يبارح ذاكرتي أبدًا.
وبالفعل أتيح لي لقاؤه.. وأتيح لي الحديث معه عن الأقصر التي ما عادت بالأقصر السابقة التي تختزن معالمها الذاكرة.
حيث فوضى الشوارع وبدائيتها والأسواق التي لا تليق بمكانة عروس العالم القديم.
حدثنا سمير فرج عما أنجز لتحويل المدينة إلى أحد أهم المدائن المصرية.. حدثنا عن طموحاته التي لم تتحقق بعد ويأمل أن تتحقق.. وما كان ثمة وقت وهو يتحدث عن ملحمة الأقصر ليتحدث عن ملحمة أخرى أتوق لأسمع منه تفاصيلها.. حرب أكتوبر.. ليس ما حدث ظهيرة السبت 6 أكتوبر 1973.. بل تلك المناظرة التي نظمتها شبكة B.B.C عام 1975 عن الحرب ولاذت بخبراء معهد لندن للدراسات الاستراتيجية IISS.
ليكونوا حكامًا.. مثل مصر في تلك المناظرة ضابط صغير في مواجهة الغول الإسرائيلي أرئيل شارون..ومع ذلك كانت النتيجة مذهلة..
تلك المناظرة.. قليل من المصريين.. خاصة من الأجيال الجديدة.. من يعرفون بأمرها.
ومنذ ثلاث سنوات دعت الأخبار المسائي اللواء سمير فرج لندوة شرفتُ بإدارتها حول ما يتعرض له الأمن القومي المصري من تهديدات.. وفي مستهل تقديمي للندوة أشرت لمناظرة B.B.C.
حول حرب أكتوبر، والتي كانت تستهدف الإجابة على سؤال مهم: من الذي انتصر في الحرب.. مصر أم إسرائيل؟!!
كان هدفي من الإشارة للمناظرة محاولة إغواء ضيفنا الكبير للحديث عنها.. لكن أيضًا لم يتسع الوقت.
ولماذا اللواء سمير فرج الذي كنت أتمنى- وما زلت- أن أستمع إليه متحدثًا عن تلك المناظرة بالغة الأهمية..؟
لأنه هو ذاته الرائد سمير فرج الذي واجه الغول أرئيل شارون خلال تلك المناظرة التي نظمت عام 1975
في تلك الفترة كان سمير فرج.. كما ذكر في مقال له.. طالبًا في كلية كمبرلى الملكية بإنجلترا.. وهى كلية من أعرق وأقدم كليات القادة والأركان في العالم.. وكانت مصر قد أوقفت إرسال مبعوثيها لهذه الكلية منذ أزمة السويس عام 1956... وبعد عشرين عامًا.. كان أول دارس مصري التحق بهذه الكلية لمدة عام كامل.. سمير فرج.. بل وكان أول دارس يجري تعيينه أستاذًا في الكلية من خارج دول حلف الناتو!!
في مستهل المناظرة عرض "فرج" خطة القوات المصرية في اقتحام قناة السويس.. وكيف نجح الجيش المصري في اقتحام أكبر مانع مائى في التاريخ.. وسقوط خط بارليف.. حيث شدد على أن التخطيط للعملية الهجومية لاقتحام خط بارليف وعبور القناة.. كان تخطيطًا مصريًا خالصًا.. نابعًا عن الفكر العسكرى المصرى.. ونتاج خبرات طويلة في حرب الاستنزاف.. وتدريبات شاقة على عمليات العبور في دلتا نهر النيل لمدة 5 سنوات كاملة.. ووجه له أحد أساتذة معهد الدراسات الاستراتيجية سؤالا مباغتًا: كيف كان التخطيط مصريًا، والذى رأيناه.. أنكم التزمتم بتكتيكات وأساليب القتال في العقيدة السوفيتية عن أعماق المهام القتالية.. كالمهمة المباشرة والمهمة التالية..!!
هل فوجئ فرج بالسؤال؟ على أي حال قدمت له محطة BBC- وبغير قصد- دعمًا أعانه على الإجابة.. حيث عرضت صورة لميدان القتال حصلت عليها من مصادر أمريكية.. واعتبرته انفرادًا في هذا الوقت.. فأشار إلى الخط الذي وصلت إليه القوات المصرية شرق القناة في رأس الكوبرى من فرق المشاة المصرية الخمس، وقال أن هذه الخطوط التي وصلت إليها قوات رأس الكوبرى لم تكن مبنية على أساس أعماق المهام كما في العقيدة السوفيتية.. وإنما تم التخطيط لها على أساس مدى حماية خط حائط الصواريخ للدفاع الجوى غرب القناة.. فهناك بطاريات للصواريخ في الأمام وأخرى في الخلف.. اختلفت مواقعها حسب طبيعة الأرض في البر الغربى.. الأمر الذي حال دون أن تتجاوز القوات المصرية في رأس الكوبرى.. خط حماية حائط الصواريخ.. مما أدى إلى حرمان القوات الجوية الإسرائيلية من التدخل نهائيًا.. بأى أعمال قتالية ضد قوات رأس الكوبرى المصرية.. شرق قناة السويس.. وكان خير دليل على ذلك.. الأوامر الصريحة الواضحة التي صدرت من قائد القوات الجوية الإسرائيلية لقواته الجوية يوم 6 أكتوبر.. فور عبور قواتنا قناة السويس.. بعدم الاقتراب من القناة لمسافة 15 كيلومترًا.. أي مسافة عمل وتغطية حائط الصواريخ المصرى.. ومن هذا المنطلق تم حرمان الذراع الطويلة للجيش الإسرائيلى «قواته الجوية» من العمل ضد القوات المصرية طوال عملية اقتحام قناة السويس وإنشاء رءوس الكبارى.. وهو ما دفع الخبراء العسكريون في العالم آنذاك.. إلى القول إن المصريين طبقوا مبدأ جديدًا في أشكال عمليات القوات الجوية.. وهو تحييد القوات الجوية المعادية «Neutralizing Enemy Air Force» وما كان هذا الأسلوب مطبقًا من قبل.
عرض فرج خطة العبور واقتحام خط بارليف بالتفصيل.. حيث اقتحم الجيش المصري القناة بخمس فرق مشاة مترجلة على مواجهة واسعة.. مما أربك حسابات وتقديرات القوات الإسرائيلية.. فعجزت الاحتياطيات المدرعة الإسرائيلية عن القيام بالهجمات المضادة ضد قوات رءوس الكبارى المصرية في انتظار تحديد المجهود الرئيسى لهذه القوات.. وذلك طبقًا لخطة الدفاع المتحرك التي كانت إسرائيل تطبقها للدفاع عن سيناء.. وبدا مع نجاح القوات المصرية أن خطة الدفاع الإسرائيلية التي اعتمدت على نقاط خط بارليف القوية.. ومعها احتياطيات على أعماق متعددة.. فقدت الاتزان الدفاعى.. ووقفت عاجزة أمام مفاجأة هجوم الفرق الخمس على مواجهة واسعة.. وعدم قدرة القوات الجوية الإسرائيلية على تقديم أي معاونة للاحتياطيات المدرعة الإسرائيلية.
وقد تحطمت الهجمات المضادة التي شنتها الاحتياطيات الإسرائيلية لخط بارليف أمام الخطة الرائعة المضادة للدبابات التي نفذتها لأول مرة في التاريخ عناصر مشاة مترجلة..
أظنه ضابطنا سمير فرج وكل عربي تابع المناظرة اجتاحته حالة من النشوة حين عقب خبراء معهد الدراسات الاسترايجية بقولهم إن توقف القوات المصرية وتعزيز رءوس الكبارى.. تحت مظلة صواريخ الدفاع الجوى المصرى.. حرم الإسرائيليين من تنفيذ خطتهم الدفاعية التي تعتمد على أسلوب الدفاع المتحرك Mobile Defense من استدراج القوات المصرية إلى مناطق احتواء وقتل لتدميرها في العمق..
مسار المناظرة لم يأت على هوى شارون.. فاندفع يكيل الاتهامات لرئيس الأركان الإسرائيلي الجنرال حاييم بارليف وخطته للدفاع عن قناة السويس.. وبناء هذا الخط.. الذي وصفه شارون أنه مثل الجبن السويسرى ذات الثقوب.. وصاح الجنرال الإسرائيلي أن إسرائيل دفعت الثمن باهظًا عندما لم تستمع لآرائه حول تنظيم الدفاعات في سيناء.. ونفذت خطة الجنرال بارليف..
وما قاله شارون استفز على ما يبدو أستاذ من معهد الدراسات الاستراتيجية فصاح: سيادة الجنرال.. أشبعتمونا فكرًا وآراءً ونظريات بعد حرب 1967.. نظرًا إلى خبراتكم وتطبيقكم هذه النظريات التي حققت النصر عام 1967.. والآن نسمع أن كل هذه المفاهيم والنظريات الإسرائيلية خاطئة.. أعتقد سيادة الجنرال شارون.. أن ما فعله المصريون كان ردًا عمليًا على أن هذه النظريات لم تكن دقيقة.. أو صحيحة..
فقال شارون إنه من ذلك المنطلق وبعد إعلان موشيه ديان ومائير هزيمة إسرائيل يوم 9 أكتوبر.. جاء هو منقذًا.. من خلال تنفيذ «عملية الغزالة».. حيث بدأ في التفكير في ثغرة الدفرسوار.
وانتهى خبراء معهد الدراسات الاستراتيجية إلى أن الخطة الدفاعية الإسرائيلية المبنية على خط بارليف كانت ذات مفهوم دفاعى غير متزن.. وافتقدت عدم بناء الأنساق والخطوط الدفاعية المتتالية.. سواء بالاحتياطيات أو المواقع الدفاعية، مما سمح للقوات المصرية بكل سهولة أن تقتحم القناة.. وتنشئ رءوس الكبارى.. وأن هذه النقاط الحصينة في خط بارليف لم تؤد أي دور دفاعى لها.. خاصة أنه لم يكن هناك أي تعاون نيرانى أو تكتيكى بين نقاط خط بارليف.. ولذلك عندما اقتحم المصريون القناة.. تم عزل نقاط خط بارليف.. التي تهاوت أو استسلمت خلال ساعات.
واستعاد خبراء معهد الدراسات الاستراتيجية ما حدث لخط ماجينو الفرنسي الذي سقط في بدايات الحرب العالمية الثانية.. وقالوا أن هذا ما حدث بالضبط لخط بارليف مع اختلاف الأسلوب.
وماذا عن مرحلة تطوير الهجوم المصرى بالقوات المدرعة للوصول إلى خط المضايق في سيناء.. لتخفيف الضغط على القوات السورية في جبهة الجولان؟
خبراء IISS عقبوا على تلك الخطة مستعينين بالتعليق الكلاسيكى الذي يدرس للقادة في كل المعاهد العسكرية في العالم: لا تدع السياسى يجبرك على القيام بعمل عسكرى.. ما دمت غير قادر على تنفيذه.. أو غير مقتنع به.. أو أنه خارج التخطيط المسبق للعمليات.
وجاءت اللحظة التي يتوق إليها شارون.. الحديث عن الثغرة التي يراها باعتباره مهندسها قلبت الأوضاع في سيناء رأسًا على عقب.. حيث استعرض بزهو الانهيار الذي كانت عليه الجبهة الدفاعية الإسرائيلية في سيناء.. والتي دفعت موشيه ديان لإعلان هزيمة إسرائيل.. وبدأت الولايات المتحدة في إرسال الإمدادات من خلال جسر جوى عاجل مباشرة إلى مطار العريش في سيناء..وركزت إسرائيل في طلباتها على الصواريخ المضادة للدبابات من الجيل الجديد من طراز TOW.. ذات الدقة العالية في تدمير الدبابات وهو تطوير للجيل القديم «المالوتيكا» الروسى الذي كانت تستخدمه القوات المصرية.. وفعلًا وصل إلى العريش يوم 13 أكتوبر أول دفعة من المقذوفات الموجهة المضادة للدبابات..
شرح شارون خطته لاختراق رأس الكوبرى في الدفاعات المصرية للوصول إلى غرب القناة.. ليندفع إلى عمق الدفاعات المصرية.. مطبقًا نظرية ليدل هارت «الاقتراب غير المباشر» Indirect Approach.. وهى نفس النظرية التي كان يطبقها روميل في الصحراء الغربية.. وأيضًا طبقها الجيش الألمانى في اختراق الدفاعات الفرنسية على خط ماجينو في الحرب العالمية الثانية.. بتجنب الهجوم المباشر والاختراق من اتجاه وغابات الأردين في بلجيكا.. وبعدها انهارت الدفاعات الفرنسية تمامًا.
وقال شارون إنه بدأ بمحاولة اختراق الجانب الأيمن للجيش الثانى.. والذى كانت تؤمنه الفرقة 16 مشاة المصرية.. حيث هاجم بشراسة هذه المواقع لمدة ثلاثة أيام.. وهي المعركة التي اشتهرت باسم «معركة المزرعة الصينية».. حيث استخدم في هجومه القوات المدرعة ووحدات المظلات.. والتى تعد أكثر الوحدات القتالية الإسرائيلية تدريبًا وكفاءة.. ومع ذلك فشلت كل هذه الهجمات الإسرائيلية أمام صلابة الكتائب الأمامية للفرقة 16.. وكان قائدا كتائب المشاة التي أوقفت هذا الهجوم لمدة 3 أيام المقدم محمد حسين طنطاوى.. والمقدم أحمد إسماعيل عطية..
وبعدما فشل الجنرال آدان.. والجنرال ماجن في اقتحام دفاعات الفرقة 16 مشاة- يقول شارون- أنه لم يجد أمامه إلا أن يعبر من البحيرات متجنبًا هذه الدفاعات المصرية الشرسة في المزرعة الصينية.. ليندفع بمجموعة قتال من سرية دبابات ومشاة إلى عمق منطقة الدفرسوار خلف رأس كوبرى الجيش الثانى الميدانى؛ حيث بدأ بمهاجمة قواعد صواريخ الدفاع الجوى.. وكان يكتفى بالاشتباك عن بعد من مسافة 3 كيلومترات ليدمر رادار القاعدة.. فتتوقف بطارية الدفاع الجوى عن العمل.. حتى نجح في عمل ثغرة في حائط صواريخ الدفاع الجوى المصرى.. لكى تندفع القوات الجوية الإسرائيلية لأول مرة يوم 17 أكتوبر لتهاجم القوات المصرية.. كما هاجمت قوات شارون مواقع المدفعية المصرية غرب القناة، وبذلك تم حرمان قوات رأس الكوبرى من المعاونة النيرانية من البر الغربى.. وذكر شارون أن هدفه من العبور إلى غرب القناة في البداية كان الاستيلاء على مدينة الإسماعيلية.. بصفتها هدفا ذات أهمية استراتيجية والتى لو تم الاستيلاء عليها.. يمكن للجانب الإسرائيلى.. عندما يتوقف القتال في أي مفاوضات قادمة.. أن يستخدمها ورقة للحصول على مكاسب يوقف بها نزيف الخسائر أمام النصر الكبير الذي حققته القوات المصرية شرق القناة.
لكنه فوجئ كما يقول.. بمقاومة شرسة وعنيدة من رجال الصاعقة المصرية غرب القناة في منطقة الدفرسوار الذين كانوا يظهرون في كل مكان وسط مزارع المانجو...مما اضطره إلى تغيير خطته للاندفاع جنوبًا نحو السويس بدلا من الإسماعيلية.
ماذا لديك من تعقيب على ما قاله الجنرال الإسرائلي؟ سؤال وجهه خبراء معهد الدراسات الاستراتيجية لسمير فرج.. فقال الضابط المصري بثقة إن القيادة العامة المصرية أمرت بتحريك اللواء 25 مدرع من الجيش الثالث شرق القناة.. وكان هذا اللواء مسلح بالدبابة ت 72 التي كانت أحدث الدبابات في الجيش المصرى هذا الوقت.. كان هذا اللواء كاملًا بدون أي خسائر.. لأنه حتى ذلك الوقت لم يدخل أي معركة.. واندفع اللواء 25 مدرع وتقدم ببطء وحذر شديد من رأس كوبرى الجيش الثالث في اتجاه الدفرسوار على البر الشرقى.. ليقفل الثغرة بين الجيشين الثالث والثانى.. وقبل وصول اللواء 25 مدرع إلى رأس كوبرى الجيش الثانى بنحو 20 كيلومترًا، كان قد وصل إلى ميدان القتال قبلها بساعة واحدة الملازم «جوفى» ومعه كتيبة صواريخ «تو» الأمريكية الجديدة التي كانت قد وصلت إلى العريش منذ ثلاثة أيام وتم تدريب الأطقم الإسرائيلية عليها هناك..
وتم توجيه سؤال للضابط الإسرائيلى «جوفى» في مقابلة تمت معه في إسرائيل.. عما حدث.. فقال إنه وخلال توجهه لمنطقة القناة، شاهد غبار تحركات اللواء 25 المدرع المصرى.. فأمره قائد الجبهة بعمل ستارة مضادة للدبابات.. ونجح في إيقاف تقدم اللواء المدرع المصرى نظرًا لدقة الإصابة العالية لهذا النوع من الصواريخ الذي كان مفاجأة للمصريين.
وعقب خبراء معهد الدراسات الاستراتيجية بأن عملية الثغرة تستحق نقطتين فقط.. على أساس تطبيق شارون لنظرية الاقتراب غير المباشر.. كنظرية عسكرية علمية سليمة.. أما التطبيق فكان لا يتماشى مع أسس ومبادئ القتال.. وذكر الخبراء أن شارون لم يؤمن منطقة العبور بأى قوات.. وأن التنفيذ أشبه بعملية خاصة يطلق عليها إغارة بالقوة.. أو إغارة عسكرية.. يمكن أن تنفذها وحدات خاصة وليست عملية عسكرية رئيسية لها هدف هو الاستيلاء على مدينة ذات أهمية استراتيجية.
خبراء معهد الدراسات الاستراتيجية نوهوا أيضًا إلى أن قرار القيادة العامة المصرية بدفع اللواء 25 مدرع كان سليمًا.. يستحق عليه نقطتين.. ولكن دخول بطاريات الصواريخ تو.. غيرت من ميزان القتال.. ولو كان اللواء 25 مدرع قد نجح في معركته شرق القناة.. ولو تحرك بسرعة أكبر منذ خروجه من رأس كوبرى الجيش الثالث.. لكان شارون وقواته قد تم تدميرهم أو أسرهم غرب القناة.. ولتغير الموقف العسكرى.. والسياسى.. في الشرق الأوسط.. لعدة أعوام..
وانتهى خبراء معهد الدراسات الاستراتيجية بتوجيه اللوم لشارون لقيامه بتلك المغامرة غير المحسوبة وغير المؤمنة.. وقالوا أن عليه أن يوجه الشكر للملازم جوفى وأمريكا على صواريخ تو التي لولا تدخلهم لفشلت العملية بالكامل.
وعلى ما يبدو فقد شارون السيطرة على انضباطه وصاح منفعلا:أنا الذي حولت هزيمة إسرائيل المهينة إلى نصر على ضفاف القناة.. أنا الذي رفعت العلم الإسرائيلى فوق أفريقيا.. أنا الذي جعلت المفاوض الإسرائيلى في مباحثات الكيلو 101 قادرًا على أن يكون ندًا للمفاوض المصرى، وبعد العار الذي جلبه ديان يوم 9 أكتوبر 1973.
إلا أن خبراء معهد الدراسات الاستراتيجية فاجأوه:جنرال شارون.. إن خسائر إسرائيل في معركة الدفرسوار فقط تساوى خسائر إسرائيل كلها في حرب 1956 و1967.. ولذلك فإن من أطلق عليك الجنرال الدموى.. لم يكن مخطئًا!!
وما يراه سمير فرج معلما مهما للغاية في تلك المناظرة ونراه نحن كذلك.. ختام المناظرة..سؤال وجهه أحد أساتذة معهد الدراسات الاستراتيجية لشارون:الجنرال شارون. في رأيك..ما هي مفاجأة حرب أكتوبر بالنسبة لك من المصريين.. هل هجومهم يوم عيد الغفران والحياة متوقفة في إسرائيل؟ هل هجومهم في منتصف النهار وهو أمر لم يكن متوقعا؟ هل قيامهم بغلق مضيق باب المندب في مفاجأة أذهلت إسرائيل؟ هل لأنهم نجحوا في التنسيق مع سوريا لشن الهجوم في توقيت مشترك؟ هل لأنهم هاجموا بطول مواجهة القناة.. وهو أمر لم يكن في تخطيط وحسابات وتوقعات الجانب الإسرائيلى؟ هل.. هل..؟ فأتت إجابات شارون بعيدا عن كل هذا وغيره..حيث قال: إن ذلك كله لم يكن مفاجأة لنا.. إن بعض ما ذكرته ربما كان خارج توقعاتنا.. وحساباتنا.. مثل إغلاق مضيق باب المندب.. لكن المفاجأة لى شخصيًا في حرب 1973.. هي الجندى المصرى.. هذا الجندى المصرى.. لم يكن الذي قابلته في حرب 1956 أو 1967، الجندى المصرى في الحروب السابقة كان لا يعرف القراءة والكتابة.. هذه المرة عندما كنت أستجوب الأسرى المصريين بنفسى فرأيت لأول مرة خريجى كليات التجارة والهندسة والحقوق.. إلخ. أيضًا الروح المعنوية لهذا الجندى.. هذه المرة كانت مختلفة تمامًا.. ويستحضر شارون واحدة من وقائع الحرب حين قال:بينما كنت متقدما بسرية الدبابات نحو الإسماعيلية.. بعشر دبابات.. فجأة خرج من بين الأشجار 5 جنود من الصاعقة المصرية.. خمسة جنود ضد عشر دبابات.. الأمر واضح أنهم جميعًا قتلى.. إلا أن المفاجأة أنهم أصابوا خمس دبابات إسرائيلية.. وتم القضاء على الكوماندوز المصريين.
ويختتم شارون إجابته: هذه كانت مفاجأة حرب أكتوبر.. الجندى المصرى الجديد..المتعلم خريج الجامعات، هذا الجندى المسلح بروح معنوية عالية.. تعلم شراسة القتال..لم يعد يرهبه جيش الدفاع الإسرائيلى كما كان من قبل.. لقد صنعت منه هزيمة 1967 إنسانًا جديدًا..عكس توقعاتنا بعد 1967.. إننا قضينا على الجيش المصرى، وأصبح جثة هامدة غير قادر على القتال مرة أخرى.
وأنهى شارون حديثه قائلا: هذه كانت مفاجأة حرب أكتوبر لى شخصيًا.. الجندى المصرى الجديد.
فماذا كانت النتيجة النهائية لتلك المناظرة بالغة الأهمية؟
8 نقاط لصالح مصر مقابل نقطتين لإسرائيل..
ليت كل المشككين في انتصار القيادة المصرية.. الضابط المصري.. الجندي المصري.. الشعب المصري.. أن يصمتوا!!!!
وما كانت المسألة هكذا.. ملحمة لندن وما حققه خلالها "الرائد" سمير فرج معلم وطني.. مدعاة فخر كل مصري..
✍د. سمير فرج
#الأفوكاتو
من الصحفي محمد القصبي جريدة الدستور بذكري السادس من أكتوبر 73.
✍د. سمير فرج
المقال كامل
محمد القصبي يكتب: ماذا فعل سمير فرج بالجنرال الدموي؟
حين وجه لي كاتبنا الكبير محمد سلماوي رئيس اتحاد كتاب مصر السابق الدعوة لحضور مؤتمر طيبة الثقافي بالأقصر عام 2008، انتابتني حالة من الفرح الطفولي وكأنها المرة الأولى التي أشارك فيها في مؤتمر.. أما سبب فرحتي فليس فقط صحبة سلماوي الذي أحب.. بل فرصة أيضًا للقاء أحد النابهين المخلصين لهذا البلد.. اللواء سمير فرج رئيس المجلس الأعلى لمدينة الأقصر آنذاك.
كان مجرد لقائي بهذا البطل- حتى ولو صمتًا لدقائق- معلمًا لن يبارح ذاكرتي أبدًا.
وبالفعل أتيح لي لقاؤه.. وأتيح لي الحديث معه عن الأقصر التي ما عادت بالأقصر السابقة التي تختزن معالمها الذاكرة.
حيث فوضى الشوارع وبدائيتها والأسواق التي لا تليق بمكانة عروس العالم القديم.
حدثنا سمير فرج عما أنجز لتحويل المدينة إلى أحد أهم المدائن المصرية.. حدثنا عن طموحاته التي لم تتحقق بعد ويأمل أن تتحقق.. وما كان ثمة وقت وهو يتحدث عن ملحمة الأقصر ليتحدث عن ملحمة أخرى أتوق لأسمع منه تفاصيلها.. حرب أكتوبر.. ليس ما حدث ظهيرة السبت 6 أكتوبر 1973.. بل تلك المناظرة التي نظمتها شبكة B.B.C عام 1975 عن الحرب ولاذت بخبراء معهد لندن للدراسات الاستراتيجية IISS.
ليكونوا حكامًا.. مثل مصر في تلك المناظرة ضابط صغير في مواجهة الغول الإسرائيلي أرئيل شارون..ومع ذلك كانت النتيجة مذهلة..
تلك المناظرة.. قليل من المصريين.. خاصة من الأجيال الجديدة.. من يعرفون بأمرها.
ومنذ ثلاث سنوات دعت الأخبار المسائي اللواء سمير فرج لندوة شرفتُ بإدارتها حول ما يتعرض له الأمن القومي المصري من تهديدات.. وفي مستهل تقديمي للندوة أشرت لمناظرة B.B.C.
حول حرب أكتوبر، والتي كانت تستهدف الإجابة على سؤال مهم: من الذي انتصر في الحرب.. مصر أم إسرائيل؟!!
كان هدفي من الإشارة للمناظرة محاولة إغواء ضيفنا الكبير للحديث عنها.. لكن أيضًا لم يتسع الوقت.
ولماذا اللواء سمير فرج الذي كنت أتمنى- وما زلت- أن أستمع إليه متحدثًا عن تلك المناظرة بالغة الأهمية..؟
لأنه هو ذاته الرائد سمير فرج الذي واجه الغول أرئيل شارون خلال تلك المناظرة التي نظمت عام 1975
في تلك الفترة كان سمير فرج.. كما ذكر في مقال له.. طالبًا في كلية كمبرلى الملكية بإنجلترا.. وهى كلية من أعرق وأقدم كليات القادة والأركان في العالم.. وكانت مصر قد أوقفت إرسال مبعوثيها لهذه الكلية منذ أزمة السويس عام 1956... وبعد عشرين عامًا.. كان أول دارس مصري التحق بهذه الكلية لمدة عام كامل.. سمير فرج.. بل وكان أول دارس يجري تعيينه أستاذًا في الكلية من خارج دول حلف الناتو!!
في مستهل المناظرة عرض "فرج" خطة القوات المصرية في اقتحام قناة السويس.. وكيف نجح الجيش المصري في اقتحام أكبر مانع مائى في التاريخ.. وسقوط خط بارليف.. حيث شدد على أن التخطيط للعملية الهجومية لاقتحام خط بارليف وعبور القناة.. كان تخطيطًا مصريًا خالصًا.. نابعًا عن الفكر العسكرى المصرى.. ونتاج خبرات طويلة في حرب الاستنزاف.. وتدريبات شاقة على عمليات العبور في دلتا نهر النيل لمدة 5 سنوات كاملة.. ووجه له أحد أساتذة معهد الدراسات الاستراتيجية سؤالا مباغتًا: كيف كان التخطيط مصريًا، والذى رأيناه.. أنكم التزمتم بتكتيكات وأساليب القتال في العقيدة السوفيتية عن أعماق المهام القتالية.. كالمهمة المباشرة والمهمة التالية..!!
هل فوجئ فرج بالسؤال؟ على أي حال قدمت له محطة BBC- وبغير قصد- دعمًا أعانه على الإجابة.. حيث عرضت صورة لميدان القتال حصلت عليها من مصادر أمريكية.. واعتبرته انفرادًا في هذا الوقت.. فأشار إلى الخط الذي وصلت إليه القوات المصرية شرق القناة في رأس الكوبرى من فرق المشاة المصرية الخمس، وقال أن هذه الخطوط التي وصلت إليها قوات رأس الكوبرى لم تكن مبنية على أساس أعماق المهام كما في العقيدة السوفيتية.. وإنما تم التخطيط لها على أساس مدى حماية خط حائط الصواريخ للدفاع الجوى غرب القناة.. فهناك بطاريات للصواريخ في الأمام وأخرى في الخلف.. اختلفت مواقعها حسب طبيعة الأرض في البر الغربى.. الأمر الذي حال دون أن تتجاوز القوات المصرية في رأس الكوبرى.. خط حماية حائط الصواريخ.. مما أدى إلى حرمان القوات الجوية الإسرائيلية من التدخل نهائيًا.. بأى أعمال قتالية ضد قوات رأس الكوبرى المصرية.. شرق قناة السويس.. وكان خير دليل على ذلك.. الأوامر الصريحة الواضحة التي صدرت من قائد القوات الجوية الإسرائيلية لقواته الجوية يوم 6 أكتوبر.. فور عبور قواتنا قناة السويس.. بعدم الاقتراب من القناة لمسافة 15 كيلومترًا.. أي مسافة عمل وتغطية حائط الصواريخ المصرى.. ومن هذا المنطلق تم حرمان الذراع الطويلة للجيش الإسرائيلى «قواته الجوية» من العمل ضد القوات المصرية طوال عملية اقتحام قناة السويس وإنشاء رءوس الكبارى.. وهو ما دفع الخبراء العسكريون في العالم آنذاك.. إلى القول إن المصريين طبقوا مبدأ جديدًا في أشكال عمليات القوات الجوية.. وهو تحييد القوات الجوية المعادية «Neutralizing Enemy Air Force» وما كان هذا الأسلوب مطبقًا من قبل.
عرض فرج خطة العبور واقتحام خط بارليف بالتفصيل.. حيث اقتحم الجيش المصري القناة بخمس فرق مشاة مترجلة على مواجهة واسعة.. مما أربك حسابات وتقديرات القوات الإسرائيلية.. فعجزت الاحتياطيات المدرعة الإسرائيلية عن القيام بالهجمات المضادة ضد قوات رءوس الكبارى المصرية في انتظار تحديد المجهود الرئيسى لهذه القوات.. وذلك طبقًا لخطة الدفاع المتحرك التي كانت إسرائيل تطبقها للدفاع عن سيناء.. وبدا مع نجاح القوات المصرية أن خطة الدفاع الإسرائيلية التي اعتمدت على نقاط خط بارليف القوية.. ومعها احتياطيات على أعماق متعددة.. فقدت الاتزان الدفاعى.. ووقفت عاجزة أمام مفاجأة هجوم الفرق الخمس على مواجهة واسعة.. وعدم قدرة القوات الجوية الإسرائيلية على تقديم أي معاونة للاحتياطيات المدرعة الإسرائيلية.
وقد تحطمت الهجمات المضادة التي شنتها الاحتياطيات الإسرائيلية لخط بارليف أمام الخطة الرائعة المضادة للدبابات التي نفذتها لأول مرة في التاريخ عناصر مشاة مترجلة..
أظنه ضابطنا سمير فرج وكل عربي تابع المناظرة اجتاحته حالة من النشوة حين عقب خبراء معهد الدراسات الاسترايجية بقولهم إن توقف القوات المصرية وتعزيز رءوس الكبارى.. تحت مظلة صواريخ الدفاع الجوى المصرى.. حرم الإسرائيليين من تنفيذ خطتهم الدفاعية التي تعتمد على أسلوب الدفاع المتحرك Mobile Defense من استدراج القوات المصرية إلى مناطق احتواء وقتل لتدميرها في العمق..
مسار المناظرة لم يأت على هوى شارون.. فاندفع يكيل الاتهامات لرئيس الأركان الإسرائيلي الجنرال حاييم بارليف وخطته للدفاع عن قناة السويس.. وبناء هذا الخط.. الذي وصفه شارون أنه مثل الجبن السويسرى ذات الثقوب.. وصاح الجنرال الإسرائيلي أن إسرائيل دفعت الثمن باهظًا عندما لم تستمع لآرائه حول تنظيم الدفاعات في سيناء.. ونفذت خطة الجنرال بارليف..
وما قاله شارون استفز على ما يبدو أستاذ من معهد الدراسات الاستراتيجية فصاح: سيادة الجنرال.. أشبعتمونا فكرًا وآراءً ونظريات بعد حرب 1967.. نظرًا إلى خبراتكم وتطبيقكم هذه النظريات التي حققت النصر عام 1967.. والآن نسمع أن كل هذه المفاهيم والنظريات الإسرائيلية خاطئة.. أعتقد سيادة الجنرال شارون.. أن ما فعله المصريون كان ردًا عمليًا على أن هذه النظريات لم تكن دقيقة.. أو صحيحة..
فقال شارون إنه من ذلك المنطلق وبعد إعلان موشيه ديان ومائير هزيمة إسرائيل يوم 9 أكتوبر.. جاء هو منقذًا.. من خلال تنفيذ «عملية الغزالة».. حيث بدأ في التفكير في ثغرة الدفرسوار.
وانتهى خبراء معهد الدراسات الاستراتيجية إلى أن الخطة الدفاعية الإسرائيلية المبنية على خط بارليف كانت ذات مفهوم دفاعى غير متزن.. وافتقدت عدم بناء الأنساق والخطوط الدفاعية المتتالية.. سواء بالاحتياطيات أو المواقع الدفاعية، مما سمح للقوات المصرية بكل سهولة أن تقتحم القناة.. وتنشئ رءوس الكبارى.. وأن هذه النقاط الحصينة في خط بارليف لم تؤد أي دور دفاعى لها.. خاصة أنه لم يكن هناك أي تعاون نيرانى أو تكتيكى بين نقاط خط بارليف.. ولذلك عندما اقتحم المصريون القناة.. تم عزل نقاط خط بارليف.. التي تهاوت أو استسلمت خلال ساعات.
واستعاد خبراء معهد الدراسات الاستراتيجية ما حدث لخط ماجينو الفرنسي الذي سقط في بدايات الحرب العالمية الثانية.. وقالوا أن هذا ما حدث بالضبط لخط بارليف مع اختلاف الأسلوب.
وماذا عن مرحلة تطوير الهجوم المصرى بالقوات المدرعة للوصول إلى خط المضايق في سيناء.. لتخفيف الضغط على القوات السورية في جبهة الجولان؟
خبراء IISS عقبوا على تلك الخطة مستعينين بالتعليق الكلاسيكى الذي يدرس للقادة في كل المعاهد العسكرية في العالم: لا تدع السياسى يجبرك على القيام بعمل عسكرى.. ما دمت غير قادر على تنفيذه.. أو غير مقتنع به.. أو أنه خارج التخطيط المسبق للعمليات.
وجاءت اللحظة التي يتوق إليها شارون.. الحديث عن الثغرة التي يراها باعتباره مهندسها قلبت الأوضاع في سيناء رأسًا على عقب.. حيث استعرض بزهو الانهيار الذي كانت عليه الجبهة الدفاعية الإسرائيلية في سيناء.. والتي دفعت موشيه ديان لإعلان هزيمة إسرائيل.. وبدأت الولايات المتحدة في إرسال الإمدادات من خلال جسر جوى عاجل مباشرة إلى مطار العريش في سيناء..وركزت إسرائيل في طلباتها على الصواريخ المضادة للدبابات من الجيل الجديد من طراز TOW.. ذات الدقة العالية في تدمير الدبابات وهو تطوير للجيل القديم «المالوتيكا» الروسى الذي كانت تستخدمه القوات المصرية.. وفعلًا وصل إلى العريش يوم 13 أكتوبر أول دفعة من المقذوفات الموجهة المضادة للدبابات..
شرح شارون خطته لاختراق رأس الكوبرى في الدفاعات المصرية للوصول إلى غرب القناة.. ليندفع إلى عمق الدفاعات المصرية.. مطبقًا نظرية ليدل هارت «الاقتراب غير المباشر» Indirect Approach.. وهى نفس النظرية التي كان يطبقها روميل في الصحراء الغربية.. وأيضًا طبقها الجيش الألمانى في اختراق الدفاعات الفرنسية على خط ماجينو في الحرب العالمية الثانية.. بتجنب الهجوم المباشر والاختراق من اتجاه وغابات الأردين في بلجيكا.. وبعدها انهارت الدفاعات الفرنسية تمامًا.
وقال شارون إنه بدأ بمحاولة اختراق الجانب الأيمن للجيش الثانى.. والذى كانت تؤمنه الفرقة 16 مشاة المصرية.. حيث هاجم بشراسة هذه المواقع لمدة ثلاثة أيام.. وهي المعركة التي اشتهرت باسم «معركة المزرعة الصينية».. حيث استخدم في هجومه القوات المدرعة ووحدات المظلات.. والتى تعد أكثر الوحدات القتالية الإسرائيلية تدريبًا وكفاءة.. ومع ذلك فشلت كل هذه الهجمات الإسرائيلية أمام صلابة الكتائب الأمامية للفرقة 16.. وكان قائدا كتائب المشاة التي أوقفت هذا الهجوم لمدة 3 أيام المقدم محمد حسين طنطاوى.. والمقدم أحمد إسماعيل عطية..
وبعدما فشل الجنرال آدان.. والجنرال ماجن في اقتحام دفاعات الفرقة 16 مشاة- يقول شارون- أنه لم يجد أمامه إلا أن يعبر من البحيرات متجنبًا هذه الدفاعات المصرية الشرسة في المزرعة الصينية.. ليندفع بمجموعة قتال من سرية دبابات ومشاة إلى عمق منطقة الدفرسوار خلف رأس كوبرى الجيش الثانى الميدانى؛ حيث بدأ بمهاجمة قواعد صواريخ الدفاع الجوى.. وكان يكتفى بالاشتباك عن بعد من مسافة 3 كيلومترات ليدمر رادار القاعدة.. فتتوقف بطارية الدفاع الجوى عن العمل.. حتى نجح في عمل ثغرة في حائط صواريخ الدفاع الجوى المصرى.. لكى تندفع القوات الجوية الإسرائيلية لأول مرة يوم 17 أكتوبر لتهاجم القوات المصرية.. كما هاجمت قوات شارون مواقع المدفعية المصرية غرب القناة، وبذلك تم حرمان قوات رأس الكوبرى من المعاونة النيرانية من البر الغربى.. وذكر شارون أن هدفه من العبور إلى غرب القناة في البداية كان الاستيلاء على مدينة الإسماعيلية.. بصفتها هدفا ذات أهمية استراتيجية والتى لو تم الاستيلاء عليها.. يمكن للجانب الإسرائيلى.. عندما يتوقف القتال في أي مفاوضات قادمة.. أن يستخدمها ورقة للحصول على مكاسب يوقف بها نزيف الخسائر أمام النصر الكبير الذي حققته القوات المصرية شرق القناة.
لكنه فوجئ كما يقول.. بمقاومة شرسة وعنيدة من رجال الصاعقة المصرية غرب القناة في منطقة الدفرسوار الذين كانوا يظهرون في كل مكان وسط مزارع المانجو...مما اضطره إلى تغيير خطته للاندفاع جنوبًا نحو السويس بدلا من الإسماعيلية.
ماذا لديك من تعقيب على ما قاله الجنرال الإسرائلي؟ سؤال وجهه خبراء معهد الدراسات الاستراتيجية لسمير فرج.. فقال الضابط المصري بثقة إن القيادة العامة المصرية أمرت بتحريك اللواء 25 مدرع من الجيش الثالث شرق القناة.. وكان هذا اللواء مسلح بالدبابة ت 72 التي كانت أحدث الدبابات في الجيش المصرى هذا الوقت.. كان هذا اللواء كاملًا بدون أي خسائر.. لأنه حتى ذلك الوقت لم يدخل أي معركة.. واندفع اللواء 25 مدرع وتقدم ببطء وحذر شديد من رأس كوبرى الجيش الثالث في اتجاه الدفرسوار على البر الشرقى.. ليقفل الثغرة بين الجيشين الثالث والثانى.. وقبل وصول اللواء 25 مدرع إلى رأس كوبرى الجيش الثانى بنحو 20 كيلومترًا، كان قد وصل إلى ميدان القتال قبلها بساعة واحدة الملازم «جوفى» ومعه كتيبة صواريخ «تو» الأمريكية الجديدة التي كانت قد وصلت إلى العريش منذ ثلاثة أيام وتم تدريب الأطقم الإسرائيلية عليها هناك..
وتم توجيه سؤال للضابط الإسرائيلى «جوفى» في مقابلة تمت معه في إسرائيل.. عما حدث.. فقال إنه وخلال توجهه لمنطقة القناة، شاهد غبار تحركات اللواء 25 المدرع المصرى.. فأمره قائد الجبهة بعمل ستارة مضادة للدبابات.. ونجح في إيقاف تقدم اللواء المدرع المصرى نظرًا لدقة الإصابة العالية لهذا النوع من الصواريخ الذي كان مفاجأة للمصريين.
وعقب خبراء معهد الدراسات الاستراتيجية بأن عملية الثغرة تستحق نقطتين فقط.. على أساس تطبيق شارون لنظرية الاقتراب غير المباشر.. كنظرية عسكرية علمية سليمة.. أما التطبيق فكان لا يتماشى مع أسس ومبادئ القتال.. وذكر الخبراء أن شارون لم يؤمن منطقة العبور بأى قوات.. وأن التنفيذ أشبه بعملية خاصة يطلق عليها إغارة بالقوة.. أو إغارة عسكرية.. يمكن أن تنفذها وحدات خاصة وليست عملية عسكرية رئيسية لها هدف هو الاستيلاء على مدينة ذات أهمية استراتيجية.
خبراء معهد الدراسات الاستراتيجية نوهوا أيضًا إلى أن قرار القيادة العامة المصرية بدفع اللواء 25 مدرع كان سليمًا.. يستحق عليه نقطتين.. ولكن دخول بطاريات الصواريخ تو.. غيرت من ميزان القتال.. ولو كان اللواء 25 مدرع قد نجح في معركته شرق القناة.. ولو تحرك بسرعة أكبر منذ خروجه من رأس كوبرى الجيش الثالث.. لكان شارون وقواته قد تم تدميرهم أو أسرهم غرب القناة.. ولتغير الموقف العسكرى.. والسياسى.. في الشرق الأوسط.. لعدة أعوام..
وانتهى خبراء معهد الدراسات الاستراتيجية بتوجيه اللوم لشارون لقيامه بتلك المغامرة غير المحسوبة وغير المؤمنة.. وقالوا أن عليه أن يوجه الشكر للملازم جوفى وأمريكا على صواريخ تو التي لولا تدخلهم لفشلت العملية بالكامل.
وعلى ما يبدو فقد شارون السيطرة على انضباطه وصاح منفعلا:أنا الذي حولت هزيمة إسرائيل المهينة إلى نصر على ضفاف القناة.. أنا الذي رفعت العلم الإسرائيلى فوق أفريقيا.. أنا الذي جعلت المفاوض الإسرائيلى في مباحثات الكيلو 101 قادرًا على أن يكون ندًا للمفاوض المصرى، وبعد العار الذي جلبه ديان يوم 9 أكتوبر 1973.
إلا أن خبراء معهد الدراسات الاستراتيجية فاجأوه:جنرال شارون.. إن خسائر إسرائيل في معركة الدفرسوار فقط تساوى خسائر إسرائيل كلها في حرب 1956 و1967.. ولذلك فإن من أطلق عليك الجنرال الدموى.. لم يكن مخطئًا!!
وما يراه سمير فرج معلما مهما للغاية في تلك المناظرة ونراه نحن كذلك.. ختام المناظرة..سؤال وجهه أحد أساتذة معهد الدراسات الاستراتيجية لشارون:الجنرال شارون. في رأيك..ما هي مفاجأة حرب أكتوبر بالنسبة لك من المصريين.. هل هجومهم يوم عيد الغفران والحياة متوقفة في إسرائيل؟ هل هجومهم في منتصف النهار وهو أمر لم يكن متوقعا؟ هل قيامهم بغلق مضيق باب المندب في مفاجأة أذهلت إسرائيل؟ هل لأنهم نجحوا في التنسيق مع سوريا لشن الهجوم في توقيت مشترك؟ هل لأنهم هاجموا بطول مواجهة القناة.. وهو أمر لم يكن في تخطيط وحسابات وتوقعات الجانب الإسرائيلى؟ هل.. هل..؟ فأتت إجابات شارون بعيدا عن كل هذا وغيره..حيث قال: إن ذلك كله لم يكن مفاجأة لنا.. إن بعض ما ذكرته ربما كان خارج توقعاتنا.. وحساباتنا.. مثل إغلاق مضيق باب المندب.. لكن المفاجأة لى شخصيًا في حرب 1973.. هي الجندى المصرى.. هذا الجندى المصرى.. لم يكن الذي قابلته في حرب 1956 أو 1967، الجندى المصرى في الحروب السابقة كان لا يعرف القراءة والكتابة.. هذه المرة عندما كنت أستجوب الأسرى المصريين بنفسى فرأيت لأول مرة خريجى كليات التجارة والهندسة والحقوق.. إلخ. أيضًا الروح المعنوية لهذا الجندى.. هذه المرة كانت مختلفة تمامًا.. ويستحضر شارون واحدة من وقائع الحرب حين قال:بينما كنت متقدما بسرية الدبابات نحو الإسماعيلية.. بعشر دبابات.. فجأة خرج من بين الأشجار 5 جنود من الصاعقة المصرية.. خمسة جنود ضد عشر دبابات.. الأمر واضح أنهم جميعًا قتلى.. إلا أن المفاجأة أنهم أصابوا خمس دبابات إسرائيلية.. وتم القضاء على الكوماندوز المصريين.
ويختتم شارون إجابته: هذه كانت مفاجأة حرب أكتوبر.. الجندى المصرى الجديد..المتعلم خريج الجامعات، هذا الجندى المسلح بروح معنوية عالية.. تعلم شراسة القتال..لم يعد يرهبه جيش الدفاع الإسرائيلى كما كان من قبل.. لقد صنعت منه هزيمة 1967 إنسانًا جديدًا..عكس توقعاتنا بعد 1967.. إننا قضينا على الجيش المصرى، وأصبح جثة هامدة غير قادر على القتال مرة أخرى.
وأنهى شارون حديثه قائلا: هذه كانت مفاجأة حرب أكتوبر لى شخصيًا.. الجندى المصرى الجديد.
فماذا كانت النتيجة النهائية لتلك المناظرة بالغة الأهمية؟
8 نقاط لصالح مصر مقابل نقطتين لإسرائيل..
ليت كل المشككين في انتصار القيادة المصرية.. الضابط المصري.. الجندي المصري.. الشعب المصري.. أن يصمتوا!!!!
وما كانت المسألة هكذا.. ملحمة لندن وما حققه خلالها "الرائد" سمير فرج معلم وطني.. مدعاة فخر كل مصري..
✍د. سمير فرج
#الأفوكاتو