الله لايشرفها ولا يشرف من وقف معهاموقف مشرف لتركيا
Follow along with the video below to see how to install our site as a web app on your home screen.
ملاحظة: This feature may not be available in some browsers.
الله لايشرفها ولا يشرف من وقف معهاموقف مشرف لتركيا
وماهي افضالهم علينا ؟
اذا سنحسب افضال كل طرف فان اعظم الافضال يكون للعرب وليس هناك ند لهم فالعرب هم من ارسلوا الجيوش واستشهدوا في سبيل نشر الاسلام في اصقاع الارض واخراج الناس من الظلمات الى النور.العرب هم مادة الاسلام ومقدم جنده
أعظمَ خدمة أسدتها الدولة العثمانية للإسلام، أنها وقفت في وجه الزحف الصليبيّ الاستعماريّ البرتغاليّ للبحر الأحمر، والأماكن المقدسة الإسلامية، في أوائل القرن السادسَ عَشَرَ الميلادي، فعلى الرغم من أن الدولة أخفقت في طرد الاستعمار البرتغالي من مراكزه في المحيط الهندي ومنطقة الخليج العربي، إلا أنها نجحت في منع تغلغله إلى الحجاز، حيث كان البرتغاليون يعتزمون تنفيذ مخطط صليبي فظٍّ في قسوته ووحشيته، وهو دخول البحر الأحمر واجتياح إقليم الحجاز باحتلال ميناء جدة، ثم الزحف على مكة المكرمة، واقتحام المسجد الحرام، وهدم الكعبة المشرَّفة، ثم موالاة الزحف منها على المدينة المنورة؛ لنَبْش قبر الرسول صلى الله عليه وسلم ثم استئناف الزحف على تبوك، ومنها إلى بيت المقدس، والاستيلاء على المسجد الأقصى؛ وبذلك تقع هذه المساجد الثلاثة في أيدي البرتغاليين [1]، وكان الأسطول البرتغاليّ قد نجح في دخول البحر الأحمر، وقام بمحاولتين لاحتلال ميناء جدة، كانت الأولى في عام (923هـ / 1517م)، والثانية في عام (926هـ / 1520م)؛ ولكنه أخفق في محاولتيه؛ فأرسل البرتغاليون حملة كبرى إلى ميناء السويس باعتباره قاعدةَ الأسطول العثماني في البحر الأحمر، واستهدفوا تدميره هذه القاعدة، ولما بلغوا الطُّور علموا أن الأسطول العثماني يقف في حالة تأهب، وارتدوا على أعقابهم دون أن يلتحموا به [2].
وقررتِ الدولة اتخاذ اليمن قاعدةً حربية للدفاع عن البحر الأحمر، ومنع السفن البرتغالية من دخوله، ثم عمَّمت هذا المنْع على جميع السفن المسيحيَّة، بحيث كان على هذه السفن أن تفرغ شحناتها في ميناء "المخا" في اليمن، وتعود أَدْرَاجَهَا إلى المحيط الهندي، وكانت حجة الدولة العثمانية في هذا المنع هي أن الأماكن الإسلامية المقدسة في الحجاز تُطِلُّ على مياه البحر الأحمر، ويجب ألا تُدَنِّسَ مياهه بوجود سفن مسيحية تَمْخُر عَباب هذا البحر، وقد ظل هذا الحظر معمولاً به حتى القرن الثامن عشر [3].
وجدير بالذِّكر أن المشروع البرتغالي الصليبي لم يكن الأوَّلَ من نَوْعه، فقد حدث في أثناء الحروب الصليبية في الشرق العربي أن تجرأ أحد أمراء الصليبيين واسمه أرناط، وكان صاحب حصن الكرك، وقام بمشروع خطير سنة (578 هـ، 1182م) لغزو الحرمين الشريفين، فبنى عدة سفن حملت أجزاؤها مفكَّكَةً على ظهور الجمال، حتى "إيله" (العقبة) على خليج العقبة، وأعيد تركيبها، ثم قامت بهجوم على ساحل الحَوْراء قرب ينبع، وأغار الصليبيون على القوافل وأصبحوا على مسيرة يوم واحد من المدينة المنورة، واعتزموا الزحف عليها، ونَبْش قبر الرسول صلى الله عليه وسلم وإخراج جسده الطاهر ونقله إلى بلادهم، غير أن العالم الإسلامي في الشرق وقتذاك كانت تجمعه وَحْدَةٌ سياسية قويَّة على رأسها صلاح الدين الأيوبي، ووجب على مصر حماية الأماكن المقدسة في الحجاز، فما كادت تصل إليه -وهو في الشام- هذه الأخبار، حتى عهد إلى نائبة في مصر العادل سيف الدين بتجهيز قائد الأسطول الأمير حسام الدين لؤلؤ، وتعقب هؤلاء الصليبين في الحجاز، وعمل على إبادتهم أو أَسْرِهم، وأصرَّ صلاح الدين بقتل الأسرى؛ ليكونوا عبرة لكل من يتجرأ على الاعتداء على حَرَم الله وحَرَم رسوله [4].
ثانيًا: الدولة العثمانية تحافظ على إسلام وعروبة شمالي إفريقيا
من الخدمات الجليلة التي قدمتها الدولة العثمانية للإسلام والعروبة أنها حافظت على إسلام وعروبة سكان شمالي إفريقيا من أخطار الغزو الصليبي الاستعماري الأوروبيّ، الذي حملت لواءه البرتغال وإسبانيا، والمنظمة الصليبية المعروفة باسم فرسان القديس يوحنا، والتي اتخذت من جزيرة مالطة مستقرًّا ومقامًا، وكان من أهداف هذا الغزو أيضًا إنشاء ممالكَ مسيحيةٍ تتناثر على الساحل الشمالي لإفريقيا كمرحلة ثالثة، وبذلك يغدو البحر المتوسط في المدى البعيد بُحيرة مسيحية أوروبية، ويعقب ذلك تغلغل صليبي أوروبي جنوبًا في داخل القارة الإفريقية، ولكن تصدت الدولة العثمانية لهذه المشروعات الصليبية الاستعمارية، فأصبحت أحلامًا، وغدت هباءً منبثًّا.
بسطت الدولة العثمانية سيادتها على ثلاثة أقاليمَ في شمالي إفريقيا في القرن السادس عشر، وكانت حَسَبَ ترتيب دخولها تحت السيادة العثمانية، الجزائر وطرابلس وتونس، ولم تمد الدولة نفوذها إلى مراكشَ لرفض الأسرة السعْدِيَّة التي تنتمي إلى سلالة الرسول - صلى الله عليه وسلم - الدخول في تَبَعِيَّة الحكم العثماني.
وكان سكان تلك الأقاليم، وبخاصة الجزائر وطرابلس، قد استنجدوا بالدولة العثمانية على أساس أنها أكبر وأقوى دولة إسلامية اكتسحت دُولاً أوروبية عديدة، وفتحت مصرَ والشرق العربي الآسيوي، وطالبَ سكان شمال إفريقيا بإنقاذهم من الزحف الصليبي الاستعماري، الذي كان خطره يتفاقم يومًا بعد يوم، واستجابت الدولة لاستغاثاتهم.
ولذلك لم يكن دخول العثمانيين إلى شمالي إفريقيا نتيجةَ معاركَ حربيةٍ خاضتها القوات المسلحة العثمانية ضد أهالي البلاد، أو تدخُّل مباشر من حكومة إستانبول، على غرار ما حدث في الشام أو مصرَ أو العراق؛ ولكنهم فتحوها مُنْقذين للسكان من أخطار القضاء على دينهم، وطَمْس عروبتهم، وتحويل بلادهم إلى جزء من العالم المسيحي.
أما تونس فكان الوضع فيها يختلف، حيث اشتد الصراع عليها بين الدولة العثمانية والإمبراطورية المقدسة، وتبادلت الدولتان الهزيمة والانتصار أكثر من مرة، حتى عادت تونس للحكم العثماني عام (982 هـ / 1574م) واستقر الحكم العثماني فيها، وتأسست النيابة الثالثة والأخيرة في شمالي إفريقيا [5].
ثالثًا: الدولة العثمانية وإيجاد وحدة طبيعية بين الولايات العربية
أوجدت الدولة العثمانية وحدة بين الولايات العربية التي دخلت تحت سيادتها، فاحتفظت هذه الولايات بمقوماتها الأساسية:
• الدين الإسلامي.
• واللغة العربية.
• والثقافة العربية الإسلامية.
• والتقاليد والعادات الموروثة عبر العصور.
وكان سكانها تجمعهم دولة إسلامية واحدة، هي الدولة العثمانية، وتضمهم رعوية واحدة بصفتهم رعايا عثمانيين، ويشتركون في تبعيتهم لحاكم واحد، هو السلطان العثماني، ولم تلجأ الدولة العثمانية إلى إقامة حدود مغلقة بين الولايات العربية، أو حواجزَ مصطنعةٍ بين سكانها، فكانت حرية الانتقال والسفر أمامهم مكفولةً ومحترمةً في جميع الأوقات، وكانت فرص العمل متاحةً لهم في كل الأوقات، وكان في مقدور العربي في دمشق مثلاً أن ينتقل إلى بغداد، أو مكة المكرمة، أو المدينة المنورة، أو القاهرة، أو القيروان أو غيرها من مدن الولايات العربية، ويعيش فيها ويمارس ألوانًا من النشاط الاقتصادي أو الثقافي، دون أن يحصل على إذن بالخروج أو الإقامة، وكانت هذه هي أوَّلَ وَحْدَةٍ تتحقق للعالم العربي إبان الحكم العثماني، بعد تفتُّت وَحْدَتُهُ بسقوط الدولة العباسية في منتصف القرن الثالث عشر الميلادي عقب غزو المغول، وتخريب مدينة بغداد، وانسياحهم في وادي الرافدين، ثم شمالي بلاد الشام إلى جنوب فِلَسطين؛ ولذلك يرى عدد من المؤرخين والباحثين أن الوَحْدَة التي تمت على أيدي العثمانين تعتبر نقطةَ البداية في تاريخ العرب الحديث [6].
وفضلاً عن تلك التَّبَعِيَّة السياسية، كانت وشيجةُ الدين تربط سكان الولايات العربية بالسلطان العثماني، باستثناء أهل الذمة، وكانوا قلة عددية يعيشون على هامش المجتمعات الإسلامية في الولايات العربية [7].
وكانت وشيجة الدين من أقوى الوشائج التي ربطت الجماهير العربية بالدولة العثمانية، فأخلصوا لها واشتركوا في حروبها ضد التكتلات الصليبية التي واجهتها، وكان يزداد ولاؤهم لها، والتصاقهم بها إذا تعرضت الدولة لهزيمة عسكرية من دولة أوروبية، وكان الدين يعمل في تلك العصور في تقرير الأوضاع السياسية، والحربية لشعوب الولايات العربية [8].
ولعل خير مثال للترابط الديني بين سكان الولايات العربية إبَّان الحكم العثماني، ما حدث في مصر عندما نزلت الحملة الفرنسية أرض مصر عام (1213هـ / 1798م) بقيادة نابليون بونابرت، وكانت هذه الحملة هي أوَّلَ غزو عسكري مسيحي أوروبي لولاية عربية من ولايات الدولة العثمانية في الشرق الإسلامي في التاريخ الحديث، وقد أعلن السلطان سليم الثالث (1204 – 1224 هـ/ 1789 – 1807م) الجهاد الديني ضد الفرنسيين، واستجاب لدعوة الجهاد الدينيّ عربُ الحجاز والشام وشمالي إفريقيا، وقد صمموا على الظفر بإحدى الحُسْنَيَيْنِ، الاستشهادِ أوِ الانتصارِ، واتخذوا شعارًا لهم الآية الكريمة: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}[9].
وهكذا فإن سكان الولايات العربية لم ينظروا إلى السلطان العثماني على أنه سلطان المسلمين فَحَسْبُ؛ بل نظروا إليه أيضًا على أنه خليفة المسلمين، يستظلون بظل خِلافته، وكانت السمةُ البارزة في تاريخ الولايات العربية وقتذاك أنها كانت مجتمعاتٍ دينيةً إسلاميةً، بكل ما تحمله هذه الكلمة من معانٍ، ولم ينظر العرب للدولة العثمانية على أنها دولة أجنبية، ولم ينظروا إلى الحكم العثماني على أنه استعمار، وظلت هذه الفكرة السياسية الدينية مسيطرةً على أذهان الغالبية العظمى من الشعب العربي إلى أوائل القرن العشرين، ولم تتدخل الدولة في شؤون الحكم إلا في نطاق ضئيل، وبقدر يسير، فاعتبرت نفسها مسؤولة عن حماية الولايات العربية، وتوفير الأمن فيها، وإقامة الشعائر الدينية، والحفاظ على مبادئ الشريعة الإسلامية، وتنظيم وحماية قوافل الحج إلى إقليم الحجاز، والإشراف على القضاء، وجمع الضرائب بواسطة شيوخ الطوائف على هذه المجالات في الولايات العربية، وتركت سكانها يعيشون على النحو الذي كانوا يألفون [10].
إن الوَحْدَةَ التي قامت بين الولايات العربية إبَّان الحكم العثماني، تبدو أكثر إشراقًا، إذا قورنت بالتفتيت السياسي الذي اصطنعته الدول الأوروبية الاستعمارية عقب استيلائها على معظم هذه البلاد، تحت اسم الاحتلال أو الانتداب أو الحماية من قبل عُصبة الأُمم، أو مناطق النفوذ [11].
وهكذا عملت بريطانيا على تفرقة وتجزئة الشعب العربي في الشرق العربي الآسيوي، ففصلت بريطانيا شرقي الأردن عن فلسطين، وفصلت شرقيَّ الأردن وفلسطين عن سوريا، وفرقت بين سوريا والعراق. ونهجت فرنسا نَهْج بريطانيا في تفتيت سوريا ولبنان.
أما مصر وشمالي إفريقيا، فقد أبقى الاستعمار على التفتيت السياسي الذي كان قائمًا بينها قبل الحرب العالمية الأولى تحت الاستعمار البريطاني والإيطالي والفرنسي والإسباني، وظهرت الخلافات والأطماع الشخصية بين رؤساء وقادة العرب؛ مما عرقل سيرة الاستقلال والوحدة العربية [12].
رابعًا: إبعاد الزحف الاستعماري عن الوطن العربي
ظلت الولايات العربية زهاء فترة تراوحت بين ثلاثة وأربعة قرون، من القرن السادس عشر إلى أوائل القرن العشرين، بمنأى عن الزحف الأوروبي الاستعماري عليها ما بقيت الدولة العثمانية قويةً، مَهِيبَةَ الجانب، فلما دخلت الدولة في دور الاضمحلال، وتبين للدول الأوروبية أن الدولة العثمانية عاجزة عن التصدي للدول الاستعمارية؛ تعرض العالم العربي للغزو الأوروبي النصرانيّ الاستعماريّ، كما تعرضت أقاليمُ أخرى، إسلاميةٌ وغير إسلامية، في قارات آسيا وإفريقيا وأستراليا.
وكانت فرنسا من أسبق الدول الأوربية في الزحف والسيطرة على الأقاليم العربية، فنجحت في احتلال نيابة الجزائر عام (1246 هـ / 1830م)، ولا شك أن من أهم العوامل التي شجعت فرنسا على احتلال الجزائر أن الدولة العثمانية كانت قد فقدت أسطولها في معركة نفارين البحرية (20 أكتوبر 1827 / 1243هـ)، ولما كان اقتطاع فرنسا للجزائر بصفة الأخيرة إقليمًا إسلاميًّا عربيًّا من أقاليم الدولة العثمانية ـ: سابقةً خطيرة، قد تحتذيها دولة استعمارية أخرى تجاه الوطن العربي، لم تستسلم الدولة العثمانية لانتزاع الجزائر منها [13].
حاولت الدولة العثمانية بالطرق الدبلوماسية استرداد الجزائر، وبذلت مساعيَ مكثفةً لدى بريطانيا والنمسا وروسيا، ولدى فرنسا أيضًا، تؤكد حقها في بقاء هذا الإقليم في إطار الدولة، تأسيسًا على أن السيادة العثمانية عليه معترَفٌ بها من المجموعة الدولية، وأن الجزائريين هم رعايا السلطان، ولم تجد الدولة العثمانية تأييدًا من بريطانيا؛ لوقوع أحداث هامة في أوروبا شغلت بريطانيا عن كل شيء.
وهكذا فشلت الدولة العثمانية في اتصالاتها مع الدول الأوروبية، وحاولت استخدام القوة لاسترداد الجزائر، إلا أنها عَدَلَتْ عن ذلك بسبب عدم تمكنها من شن حرب على فرنسا؛ لضعف الأسطول العثماني، والجيش العثماني كذلك.
وأدى ذلك إلى قيام حرب باردة بين الجزائر والدولة العثمانية، ونجحت الدولة العثمانية في إنهاء حكم القرمانليين في طرابلس عام (1251 هـ / 1835م)، وإعادة هذه النيابة إلى الحكم العثماني، واستغلت الدولة هذا الوضع الجديد، فتظاهرت بإرسال قوات برية من الأناضول إلى طرابلس، ومنها إلى الجزائر عبر تونس، ولكن فرنسا هددت الدولة العثمانية بإرسال أسطولها، وخشي الأسطول العثماني من الاحتكاك بالأسطول الفرنسي، فغادر طرابلس إلى مالطة، ثم إلى إستانبول، وبذلك قنعت الدولة العثمانية بهذه الحرب الباردة، والتي انتهت عند هذا الحد [14].
وبعد الاحتلال الفرنسي للجزائر عام (1246 هـ /1830م) توقف الزحف الأوروبي الاستعماري على الولايات العربية مدة ناهزت الخمسين عامًا؛ بسبب اشتداد حدة التنافس بين الدول الأوروبية على تقسيم ممتلكات الدولة العثمانية، وتوزيعها أسلابًا فيما بينها، وما صحب هذا التنافس من حروب ومؤتمرات ومعاهدات، ازدحم بها تاريخ الدولة العثمانية في القرن التاسعَ عَشَرَ ومطلعِ القرن العشرين، وانتهجت هذه الدولة سياسة التعويض، وسياسة المصالحة على حساب الدولة العثمانية في مؤتمر برلين عام (1295 هـ / 1878م)، وبسطت فرنسا حمايتها على تونس عام (1299 هـ / 1881م)، واحتلت بريطانيا مصر عام (1300 هـ / 1882م)، وكان قد سَبَقَ فَرْضَ الحماية والاحتلال على هذين البلدين العربيين الإسلاميين، انتهاجُ سياسة التغلغل السِّلْمِيّ، عن طريق تقديم قروض أوروبية ضخمة، بحيث عجزتا عن سداد القروض وفوائدها؛ مما أدى إلى التدخل في الشؤون المالية، وبعد ذلك في الشؤون السياسية، وانتهت بالغزو العسكري [15].
واشتركت بريطانيا مع مصر في حملة مشتركة عام (1314 هـ / 1896م)، لاسترداد السودان، واتخذت من هذا الاشتراك ذريعة لإقامة حكم ثنائي بريطاني مصري في السودان عام (1317 هـ/ 1899م)، وكان هذا الحكم الثنائي في لحمته وسداه فصلاً فعليًّا بين شطري الوادي، واستئثارًا من بريطانيا بالانفراد في حكم السودان [16]، وما لبثت بريطانيا أن عصفت بالمظهر الشكلي لهذا الحكم الثنائي. ثم احتلت إيطاليا طرابلس وبَرْقَةَ في عام (1330هـ/ 1911م).
وفي مطلع الحرب العالمية الأولى احتلت القوات البريطانية البصرة في العراق، واستمرت القوات البريطانية تواصل زحفها في العراق وقتالها، حتى تمكنت من احتلال العراق احتلالاً كاملاً عام (1337 هـ / 1918م).
وبانتهاء الحرب العالمية الأولى وسقوط الدولة العثمانية، تقاسمت الدول الغربية ما تبقى من أقاليم عربية بموجب قرارات مؤتمر الصلح (1338 هـ / 1919م)، ومؤتمر سان ريمو (1339 هـ / 1920)؛ فسيطرت بريطانيا على العراق وفلسطين وشرق الأردن، كما سيطرت فرنسا على سوريا ولبنان في شكل انتداب، وغدت هذه الأقاليمُ تحت الحكم الأجنبي بقرارات تصدر من لندن وباريس وروما [17].
خامسًا: الدولة تضفي الهدوء والاستقرار على الولايات العربية
أضفت الدولة العثمانية على ولاياتها العربية نوعًا من الهدوء والاستقرار السياسي، وكانت بلاد الشام والعراق تعانيان الكثير من المتاعب، والفوضى، والتخريب من آثار غزوات المغول المدمرة، والتي نجحت مصر في صدها عندما أوقعت بالمغول هزيمة حاسمة في معركة "عين جالوت"، شتتت شملهم، وأنقذت أقاليم الشرق والمغرب العربي من شرورهم.
خضع السكان في الولايات العربية للحكم العثماني، وقد كان العثمانيون مسلمين مثلَهم، ويعتنقون مذهب السُّنة مثلهم، ويحرصون على تطبيق مبادئ الشرعية الإسلامية، ويحافظون على الشعائر الدينية؛ مثل الاحتفال برؤية الهلال لشهر رمضان وغيرها، ولم تضيق السلطات العثمانية عليهم، كما أنها لم تتدخل في شؤونهم إلا في نطاق محدود؛ مثل جَمْع الضرائب، والإشراف على القضاء، وتوفير الأمن، وتركت للشعب العربي شؤون التعليم، والصحة، والمواصلات، والتي تعتبر في الوقت الحاضر من صميم واجبات الحكومات، وعلى العموم، فقد تركت السلطات العثمانية الجماهير العربية تحيا على النحو الذي أَلِفَتْهُ من قبل، دون تغيير جوهري مسَّ حياتهم.
ومع ذلك تعرضت بعض الولايات العربية لهزات سياسية وسط الهدوء الذي كانت تعيش في ظلاله الوارفة، وكان يجتاح الولايات العربية من وقت إلى آخر نوعان من الاضطرابات:
أولاهما: انتفاضات شعبية، وكان يقوم بها سكان حي أو مدينة ضد الحكام المحليين؛ احتجاجًا على ظلم حكامهم، ورفع شكواهم للسلطان العثماني.
ثانيهما: حركات سياسية وعسكرية، يقوم بها أفراد طَمُوحون؛ مثل حركة علي بك الكبير، وحركة ظاهر العمر، والتي لم تلقَ استجابة واستحسانًا من الجماهير [18].
سادسًا: الدولة تمنع انتشار المذهب الشيعي إلى ولايتها العربية
من المعروف أن المذهب الرسمي للدولة العثمانية كان المذهب السُّني، واعتبرت الدولة العثمانية نفسها حامية لهذا المذهب، وتأسيسًا على هذه الحقيقة فإنها منعت انتشار المذهب الشيعيّ إلى ولاياتها العربية في آسيا وإفريقيا باستثناء العراق، الذي كانت الدولة الصفوية قد نشرت المذهب الشيعيّ فيه قبل الدولة العثمانية، بحيث أصبح أهل السُّنة وأهل الشيعة قوتين متوازيتينِ تقريبًا من حيث تَعْدَادُهم، وقد أبقت الدولة العثمانية على هذا الوضع، وذهبت إلى أبعدَ من ذلك فاحترمت مشاعر أهل الشيعة، واهتمت بتعمير مناطق العتبات المقدسة في النجف وكربلاء في العراق، ويسَّرت زيارتها أمام شيعة العراق وفارس والهند وأفغانستان، ولذلك فإن أهل السنة ينظرون إلى الدولة العثمانية على أنها قدمت خدمة جليلة بحصر المذهب الشيعيّ في فارس، بحيث لم تسمح بتَسَرُّبه إلى الأقاليم العربية التي دخلت تحت السيادة العثمانية، ولا تزال إيران هي المعقل الأول للشيعة في العالم الإسلامي [19].
سابعًا: الدولة العثمانية تمنع اليهود من استيطان سيناء
لما فتح السلطان سليم الأول مصر عام (923 هـ / 1517م) أصدر فرمانًا بمنع اليهود من الهجرة إلى سيناء، وواضحٌ من صدور هذا المرسوم بأن اليهود كانوا يريدون الهجرة إلى هذا الإقليم المصري واستيطانه، على أساس أنه يضم الوادي المقدس طُوى، الذي كلم الله سبحانه وتعالى فيه موسى عليه السلام تكليمًا، ومن ثَمَّ أصدر السلطان سليم الأول الفَرَمانَ الذي سدَّ الطريق في وجوه اليهود، ولما تولي ابنه سليمان المشرع (القانوني) عرش الدولة عام (926 هـ / 1520م) أصدر فَرَمانًا لاحقًا، أكد فيه ما جاء في الفرمان السابق، مما يدل على أن الخطر اليهودي كان لا يزال ماثلاً من حيث رغبتُهم في استيطان سيناء، واستعمارهم لها، الأمر الذي كان يقلق الدولة العثمانية، واستطال حكم سليمان القانوني زهاء ستة وأربعين عامًا (927 – 974 هـ / 1520 – 1566م)، ولم يجرؤِ اليهود على تنفيذ ما كانوا يبيِّتون.
فلما جاز إلى ربه جاء بعده ابنه السلطان سليم الثاني، وكان منحرفًا خُلُقيًّا (933 – 982 / 1526 – 1574)، ومنذ حُكْمه بدأت النُّذُر الأولى لاضمحلال الدولة، وخَلَفَهُ سلاطينُ على شاكلته، وكان أولهم مراد الثالث (982 – 1005 هـ /1574 – 1596)، وتنفس اليهود الصعداء، وأدركوا أن الفرصة سانحة لهم لتحقيق حُلْمٍ راودهم طويلاً، فنَزَحوا في هجرات متقطعة على فترات متقاربة إلى سيناء لاستيطانها، وتركزت إقامتهم في مدينة الطور؛ ليسهل على اليهود إيجاد اتصالات خارجية عن طريق ميناء المدينة، بحيث يتمكن اليهود من الهجرة والقدوم إلى سيناء من بلدان مجاورة [20].
وقد تزعم حركة التهجير رجل يهودي يدعى إبراهام، استوطن الطور مع أفراد أسرته وأولاده، وكان من المحتمل أن تمر سنوات دون أن تدري بهم السلطات العثمانية، لولا أنهم تعرضوا بالأذى لرهبان دير سانت كاترين؛ مما حمل الأخيرين على إرسال شكاوى مكتوبة، كلها تؤكد على عدم أحقية اليهود للسكن في هذه المنطقة، وإيذاء رهبان الدير بأي حال من الأحوال، وصدرت أوامر الدولة العثمانية بطرد اليهود من دير سانت كاترين، ومنعهم من العودة إليه مستقبلاً، وهذا يدل على حرص الدولة العثمانية على منع اليهود من استيطان سيناء، وإشعارهم بقوة الدولة العثمانية ويَقَظَتِها لأهدافهم [21].
وعندما احتلت بريطانيا مصر عام (1300 هـ / 1882م)، عاود اليهود مطالبهم في سيناء، بعد أن رفض السلطان عبد الحميد الثاني فتح أبواب الهجرة أمامهم إلى فلسطين، وكان تيودور هرتزل زعيم المنظمة الصهيونية العالمية قد أطلق على سيناء اسمًا مُعَبِّرًا هو فلسطين المصرية؛ ليتخذ منها في المستقبل نقطة وثوب إلى فلسطين الآسيوية (فلسطين الحالية)، ولذلك دخل هرتزل في مفاوضات عام (1316 هـ / 1898م) مع بعض أعضاء الوزارة البريطانية، وبخاصة جوزيف تشمبرلين وزير المستعمرات، ولورد لانزدون وزير الخارجية، من أجل توطين اليهود في سيناء على أساس إقامة دولة يهودية فيها، تتمتع بالحكم الذاتي في نطاق الإمبراطورية البريطانية، ووافق الوزيران على الاقتراح؛ لأنه يحقق لبريطانيا أهدافًا استراتيجية؛ منها: ضمان حماية شرقي قناة السويس، وعزل مصر عن الولايات العربية في غربي آسيا، وإضعاف الدولة العثمانية، وإقامة دولة موالية لبريطانيا؛ غير أن هذا المشروع بعد بحثه فشل بسبب معارضة السلطان عبد الحميد الثاني له أولاً، وبسبب معارضة اللورد كرومر حاكم مصر، ومعتمَد بريطانيًا لدى مصر، وتوقف بحث مشروع استيطان اليهود في سيناء [22].
ثامنًا: الدولة تحد من هجرة اليهود إلى فلسطين
تطلَّع اليهود على مر العصور التاريخية إلى فلسطين؛ كإقليم يجمع شتاتهم، ويُنشئون فيه دولة، متذرِّعِين بادعاءات دينية وتاريخية؛ فقد أسس اليهود الحركة الصهيونية، ونجحت في استقطاب الدول الكبرى وتأييدها، وكان على الدولة العثمانية أن تخوض -دفاعًا عن فلسطين- صراعًا سياسيًّا مريرًا ضد القوى الصهيونية، والدول الأوروبية المناصرة، ونجح الصهاينة في توقيت حركتهم ونجاحها نجاحًا باهرًا، فاختاروا فترة عصيبة من فترات الاضمحلال التي كانت تمر بها الدولة العثمانية، ولكن الدولة العثمانية عملت في حدود إمكانياتها على الحدِّ من الهجرة إلى فلسطين، وقاومت بذلك الحركة الصهيونية، وقد رفض السلطان عبد الحميد الإغراءات الصهيونية التي عرضها عليها هرتزل، رغم الضائقة المالية التي تمر بها الدولة العثمانية، وبذلك حافظ على عروبة وإسلامية فلسطين [23].
المصدر: إسماعيل أحمد ياغي: الدولة العثمانية في التاريخ الإسلامي الحديث، الناشر: مكتبة العبيكان 1995م، ص235- 249.
[1] عبد العزيز الشناوي، "الدولة العثمانية دولة إسلامية مفترى عليها"، جـ 2 ، القاهرة 1980، ص 862.
[2] نفس المرجع، ص 862 – 863.
[3] نفس المرجع، ص 862 – 863.
[4] عبد العزيز الشناوي: "الدولة العثمانية دولة إسلامية مفترى عليها"، جـ 2 ، ص 863.
[5] د . محمد أنيس، "الدولة العثمانية والشرق العربي"، القاهرة 1977، ص 45 – 46.
[6] عبد العزيز الشناوي، "الدولة العثمانية ..." مرجع سبق ذكره، جـ 2، ص 936.
[7] يرى الدكتور أنيس الصايغ أن العلاقات بين الأكثرية المسلمة السُّنية في الولايات العربية، والأقليات المذهبية والعنصرية فيها قد خلقتْ مشكلة شائكة ومزمنة بشكل عام، وقد أسهمت بريطانيا وفرنسا في توسيع شُقَّة الخلاف بين الأكثرية والأقلية، وشجعت الأقلية على عدم الاختلاط والاندماج، ونتج عن ذلك انكماش من الأقليات، وانقلابها على نفسها، مما عزلها عن الأكثرية. أنيس الصايغ، "الهاشميون وقضية فلسطين"، بيروت 1966، ص 95.
[8] المرجع السابق.
[9] [التوبة: 41].
[10] عبد العزيز الشناوي، "الوحدة العربية في التاريخ الحديث والمعاصر"، القاهرة 1975، ص 8 وانظر كذلك: الجبرتي "عجائب الآثار في التراجم والأخبار"، القاهرة 1980، ج3، ص 88 ص 107.
[11] عبد العزيز الشناوي، "الدولة العثمانية ..." ص 946 – 947.
[12] أنيس الصايغ، "الهاشميون ، وقضية فلسطين"، بيروت 1966، ص 93 – 94.
[13] د/ محمد أنيس، "الدولة العثمانية والشرق العربي"، ص 88 – 89.
[14] د. عبد العزيز الشناوي "الدولة العثمانية دولة إسلامية مفترى عليها"، ص 953 – 958.
[15] د/ عبد العزيز الشناوي، المرجع السابق ص 958 – 959.
[16] د/ محمد فؤاد شكري، "مصر والسودان"، دار المعارف بمصر 1958، ص 473 – 518.
[17] دكتور محمد بديع شريف وآخرون، "دراسات تاريخية في النهضة العربية الحديثة"، القاهرة 1963، ص 269 – 275.
[18] د/ عبدالعزيز الشناوي، المرجع السابق، ص 961 – 963.
[19] د/ عبد العزيز الشناوي، المرجع السابق، جـ 2 ص 964 – 966.
[20] نفس المرجع ص 966.
[21] د/ أنيس صايغ، "الهاشميون وقضية فلسطين"، بيروت 1966، ص 22.
[22] Stein Leonard. The Balfour DeclarationLondon1967, PP. 26 - 93
[23] "مذكرات هرتزل"، ص 275.
أعظمَ خدمة أسدتها الدولة العثمانية للإسلام، أنها وقفت في وجه الزحف الصليبيّ الاستعماريّ البرتغاليّ للبحر الأحمر، والأماكن المقدسة الإسلامية، في أوائل القرن السادسَ عَشَرَ الميلادي، فعلى الرغم من أن الدولة أخفقت في طرد الاستعمار البرتغالي من مراكزه في المحيط الهندي ومنطقة الخليج العربي، إلا أنها نجحت في منع تغلغله إلى الحجاز، حيث كان البرتغاليون يعتزمون تنفيذ مخطط صليبي فظٍّ في قسوته ووحشيته، وهو دخول البحر الأحمر واجتياح إقليم الحجاز باحتلال ميناء جدة، ثم الزحف على مكة المكرمة، واقتحام المسجد الحرام، وهدم الكعبة المشرَّفة، ثم موالاة الزحف منها على المدينة المنورة؛ لنَبْش قبر الرسول صلى الله عليه وسلم ثم استئناف الزحف على تبوك، ومنها إلى بيت المقدس، والاستيلاء على المسجد الأقصى؛ وبذلك تقع هذه المساجد الثلاثة في أيدي البرتغاليين [1]، وكان الأسطول البرتغاليّ قد نجح في دخول البحر الأحمر، وقام بمحاولتين لاحتلال ميناء جدة، كانت الأولى في عام (923هـ / 1517م)، والثانية في عام (926هـ / 1520م)؛ ولكنه أخفق في محاولتيه؛ فأرسل البرتغاليون حملة كبرى إلى ميناء السويس باعتباره قاعدةَ الأسطول العثماني في البحر الأحمر، واستهدفوا تدميره هذه القاعدة، ولما بلغوا الطُّور علموا أن الأسطول العثماني يقف في حالة تأهب، وارتدوا على أعقابهم دون أن يلتحموا به [2].
وقررتِ الدولة اتخاذ اليمن قاعدةً حربية للدفاع عن البحر الأحمر، ومنع السفن البرتغالية من دخوله، ثم عمَّمت هذا المنْع على جميع السفن المسيحيَّة، بحيث كان على هذه السفن أن تفرغ شحناتها في ميناء "المخا" في اليمن، وتعود أَدْرَاجَهَا إلى المحيط الهندي، وكانت حجة الدولة العثمانية في هذا المنع هي أن الأماكن الإسلامية المقدسة في الحجاز تُطِلُّ على مياه البحر الأحمر، ويجب ألا تُدَنِّسَ مياهه بوجود سفن مسيحية تَمْخُر عَباب هذا البحر، وقد ظل هذا الحظر معمولاً به حتى القرن الثامن عشر [3].
وجدير بالذِّكر أن المشروع البرتغالي الصليبي لم يكن الأوَّلَ من نَوْعه، فقد حدث في أثناء الحروب الصليبية في الشرق العربي أن تجرأ أحد أمراء الصليبيين واسمه أرناط، وكان صاحب حصن الكرك، وقام بمشروع خطير سنة (578 هـ، 1182م) لغزو الحرمين الشريفين، فبنى عدة سفن حملت أجزاؤها مفكَّكَةً على ظهور الجمال، حتى "إيله" (العقبة) على خليج العقبة، وأعيد تركيبها، ثم قامت بهجوم على ساحل الحَوْراء قرب ينبع، وأغار الصليبيون على القوافل وأصبحوا على مسيرة يوم واحد من المدينة المنورة، واعتزموا الزحف عليها، ونَبْش قبر الرسول صلى الله عليه وسلم وإخراج جسده الطاهر ونقله إلى بلادهم، غير أن العالم الإسلامي في الشرق وقتذاك كانت تجمعه وَحْدَةٌ سياسية قويَّة على رأسها صلاح الدين الأيوبي، ووجب على مصر حماية الأماكن المقدسة في الحجاز، فما كادت تصل إليه -وهو في الشام- هذه الأخبار، حتى عهد إلى نائبة في مصر العادل سيف الدين بتجهيز قائد الأسطول الأمير حسام الدين لؤلؤ، وتعقب هؤلاء الصليبين في الحجاز، وعمل على إبادتهم أو أَسْرِهم، وأصرَّ صلاح الدين بقتل الأسرى؛ ليكونوا عبرة لكل من يتجرأ على الاعتداء على حَرَم الله وحَرَم رسوله [4].
ثانيًا: الدولة العثمانية تحافظ على إسلام وعروبة شمالي إفريقيا
من الخدمات الجليلة التي قدمتها الدولة العثمانية للإسلام والعروبة أنها حافظت على إسلام وعروبة سكان شمالي إفريقيا من أخطار الغزو الصليبي الاستعماري الأوروبيّ، الذي حملت لواءه البرتغال وإسبانيا، والمنظمة الصليبية المعروفة باسم فرسان القديس يوحنا، والتي اتخذت من جزيرة مالطة مستقرًّا ومقامًا، وكان من أهداف هذا الغزو أيضًا إنشاء ممالكَ مسيحيةٍ تتناثر على الساحل الشمالي لإفريقيا كمرحلة ثالثة، وبذلك يغدو البحر المتوسط في المدى البعيد بُحيرة مسيحية أوروبية، ويعقب ذلك تغلغل صليبي أوروبي جنوبًا في داخل القارة الإفريقية، ولكن تصدت الدولة العثمانية لهذه المشروعات الصليبية الاستعمارية، فأصبحت أحلامًا، وغدت هباءً منبثًّا.
بسطت الدولة العثمانية سيادتها على ثلاثة أقاليمَ في شمالي إفريقيا في القرن السادس عشر، وكانت حَسَبَ ترتيب دخولها تحت السيادة العثمانية، الجزائر وطرابلس وتونس، ولم تمد الدولة نفوذها إلى مراكشَ لرفض الأسرة السعْدِيَّة التي تنتمي إلى سلالة الرسول - صلى الله عليه وسلم - الدخول في تَبَعِيَّة الحكم العثماني.
وكان سكان تلك الأقاليم، وبخاصة الجزائر وطرابلس، قد استنجدوا بالدولة العثمانية على أساس أنها أكبر وأقوى دولة إسلامية اكتسحت دُولاً أوروبية عديدة، وفتحت مصرَ والشرق العربي الآسيوي، وطالبَ سكان شمال إفريقيا بإنقاذهم من الزحف الصليبي الاستعماري، الذي كان خطره يتفاقم يومًا بعد يوم، واستجابت الدولة لاستغاثاتهم.
ولذلك لم يكن دخول العثمانيين إلى شمالي إفريقيا نتيجةَ معاركَ حربيةٍ خاضتها القوات المسلحة العثمانية ضد أهالي البلاد، أو تدخُّل مباشر من حكومة إستانبول، على غرار ما حدث في الشام أو مصرَ أو العراق؛ ولكنهم فتحوها مُنْقذين للسكان من أخطار القضاء على دينهم، وطَمْس عروبتهم، وتحويل بلادهم إلى جزء من العالم المسيحي.
أما تونس فكان الوضع فيها يختلف، حيث اشتد الصراع عليها بين الدولة العثمانية والإمبراطورية المقدسة، وتبادلت الدولتان الهزيمة والانتصار أكثر من مرة، حتى عادت تونس للحكم العثماني عام (982 هـ / 1574م) واستقر الحكم العثماني فيها، وتأسست النيابة الثالثة والأخيرة في شمالي إفريقيا [5].
ثالثًا: الدولة العثمانية وإيجاد وحدة طبيعية بين الولايات العربية
أوجدت الدولة العثمانية وحدة بين الولايات العربية التي دخلت تحت سيادتها، فاحتفظت هذه الولايات بمقوماتها الأساسية:
• الدين الإسلامي.
• واللغة العربية.
• والثقافة العربية الإسلامية.
• والتقاليد والعادات الموروثة عبر العصور.
وكان سكانها تجمعهم دولة إسلامية واحدة، هي الدولة العثمانية، وتضمهم رعوية واحدة بصفتهم رعايا عثمانيين، ويشتركون في تبعيتهم لحاكم واحد، هو السلطان العثماني، ولم تلجأ الدولة العثمانية إلى إقامة حدود مغلقة بين الولايات العربية، أو حواجزَ مصطنعةٍ بين سكانها، فكانت حرية الانتقال والسفر أمامهم مكفولةً ومحترمةً في جميع الأوقات، وكانت فرص العمل متاحةً لهم في كل الأوقات، وكان في مقدور العربي في دمشق مثلاً أن ينتقل إلى بغداد، أو مكة المكرمة، أو المدينة المنورة، أو القاهرة، أو القيروان أو غيرها من مدن الولايات العربية، ويعيش فيها ويمارس ألوانًا من النشاط الاقتصادي أو الثقافي، دون أن يحصل على إذن بالخروج أو الإقامة، وكانت هذه هي أوَّلَ وَحْدَةٍ تتحقق للعالم العربي إبان الحكم العثماني، بعد تفتُّت وَحْدَتُهُ بسقوط الدولة العباسية في منتصف القرن الثالث عشر الميلادي عقب غزو المغول، وتخريب مدينة بغداد، وانسياحهم في وادي الرافدين، ثم شمالي بلاد الشام إلى جنوب فِلَسطين؛ ولذلك يرى عدد من المؤرخين والباحثين أن الوَحْدَة التي تمت على أيدي العثمانين تعتبر نقطةَ البداية في تاريخ العرب الحديث [6].
وفضلاً عن تلك التَّبَعِيَّة السياسية، كانت وشيجةُ الدين تربط سكان الولايات العربية بالسلطان العثماني، باستثناء أهل الذمة، وكانوا قلة عددية يعيشون على هامش المجتمعات الإسلامية في الولايات العربية [7].
وكانت وشيجة الدين من أقوى الوشائج التي ربطت الجماهير العربية بالدولة العثمانية، فأخلصوا لها واشتركوا في حروبها ضد التكتلات الصليبية التي واجهتها، وكان يزداد ولاؤهم لها، والتصاقهم بها إذا تعرضت الدولة لهزيمة عسكرية من دولة أوروبية، وكان الدين يعمل في تلك العصور في تقرير الأوضاع السياسية، والحربية لشعوب الولايات العربية [8].
ولعل خير مثال للترابط الديني بين سكان الولايات العربية إبَّان الحكم العثماني، ما حدث في مصر عندما نزلت الحملة الفرنسية أرض مصر عام (1213هـ / 1798م) بقيادة نابليون بونابرت، وكانت هذه الحملة هي أوَّلَ غزو عسكري مسيحي أوروبي لولاية عربية من ولايات الدولة العثمانية في الشرق الإسلامي في التاريخ الحديث، وقد أعلن السلطان سليم الثالث (1204 – 1224 هـ/ 1789 – 1807م) الجهاد الديني ضد الفرنسيين، واستجاب لدعوة الجهاد الدينيّ عربُ الحجاز والشام وشمالي إفريقيا، وقد صمموا على الظفر بإحدى الحُسْنَيَيْنِ، الاستشهادِ أوِ الانتصارِ، واتخذوا شعارًا لهم الآية الكريمة: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}[9].
وهكذا فإن سكان الولايات العربية لم ينظروا إلى السلطان العثماني على أنه سلطان المسلمين فَحَسْبُ؛ بل نظروا إليه أيضًا على أنه خليفة المسلمين، يستظلون بظل خِلافته، وكانت السمةُ البارزة في تاريخ الولايات العربية وقتذاك أنها كانت مجتمعاتٍ دينيةً إسلاميةً، بكل ما تحمله هذه الكلمة من معانٍ، ولم ينظر العرب للدولة العثمانية على أنها دولة أجنبية، ولم ينظروا إلى الحكم العثماني على أنه استعمار، وظلت هذه الفكرة السياسية الدينية مسيطرةً على أذهان الغالبية العظمى من الشعب العربي إلى أوائل القرن العشرين، ولم تتدخل الدولة في شؤون الحكم إلا في نطاق ضئيل، وبقدر يسير، فاعتبرت نفسها مسؤولة عن حماية الولايات العربية، وتوفير الأمن فيها، وإقامة الشعائر الدينية، والحفاظ على مبادئ الشريعة الإسلامية، وتنظيم وحماية قوافل الحج إلى إقليم الحجاز، والإشراف على القضاء، وجمع الضرائب بواسطة شيوخ الطوائف على هذه المجالات في الولايات العربية، وتركت سكانها يعيشون على النحو الذي كانوا يألفون [10].
إن الوَحْدَةَ التي قامت بين الولايات العربية إبَّان الحكم العثماني، تبدو أكثر إشراقًا، إذا قورنت بالتفتيت السياسي الذي اصطنعته الدول الأوروبية الاستعمارية عقب استيلائها على معظم هذه البلاد، تحت اسم الاحتلال أو الانتداب أو الحماية من قبل عُصبة الأُمم، أو مناطق النفوذ [11].
وهكذا عملت بريطانيا على تفرقة وتجزئة الشعب العربي في الشرق العربي الآسيوي، ففصلت بريطانيا شرقي الأردن عن فلسطين، وفصلت شرقيَّ الأردن وفلسطين عن سوريا، وفرقت بين سوريا والعراق. ونهجت فرنسا نَهْج بريطانيا في تفتيت سوريا ولبنان.
أما مصر وشمالي إفريقيا، فقد أبقى الاستعمار على التفتيت السياسي الذي كان قائمًا بينها قبل الحرب العالمية الأولى تحت الاستعمار البريطاني والإيطالي والفرنسي والإسباني، وظهرت الخلافات والأطماع الشخصية بين رؤساء وقادة العرب؛ مما عرقل سيرة الاستقلال والوحدة العربية [12].
رابعًا: إبعاد الزحف الاستعماري عن الوطن العربي
ظلت الولايات العربية زهاء فترة تراوحت بين ثلاثة وأربعة قرون، من القرن السادس عشر إلى أوائل القرن العشرين، بمنأى عن الزحف الأوروبي الاستعماري عليها ما بقيت الدولة العثمانية قويةً، مَهِيبَةَ الجانب، فلما دخلت الدولة في دور الاضمحلال، وتبين للدول الأوروبية أن الدولة العثمانية عاجزة عن التصدي للدول الاستعمارية؛ تعرض العالم العربي للغزو الأوروبي النصرانيّ الاستعماريّ، كما تعرضت أقاليمُ أخرى، إسلاميةٌ وغير إسلامية، في قارات آسيا وإفريقيا وأستراليا.
وكانت فرنسا من أسبق الدول الأوربية في الزحف والسيطرة على الأقاليم العربية، فنجحت في احتلال نيابة الجزائر عام (1246 هـ / 1830م)، ولا شك أن من أهم العوامل التي شجعت فرنسا على احتلال الجزائر أن الدولة العثمانية كانت قد فقدت أسطولها في معركة نفارين البحرية (20 أكتوبر 1827 / 1243هـ)، ولما كان اقتطاع فرنسا للجزائر بصفة الأخيرة إقليمًا إسلاميًّا عربيًّا من أقاليم الدولة العثمانية ـ: سابقةً خطيرة، قد تحتذيها دولة استعمارية أخرى تجاه الوطن العربي، لم تستسلم الدولة العثمانية لانتزاع الجزائر منها [13].
حاولت الدولة العثمانية بالطرق الدبلوماسية استرداد الجزائر، وبذلت مساعيَ مكثفةً لدى بريطانيا والنمسا وروسيا، ولدى فرنسا أيضًا، تؤكد حقها في بقاء هذا الإقليم في إطار الدولة، تأسيسًا على أن السيادة العثمانية عليه معترَفٌ بها من المجموعة الدولية، وأن الجزائريين هم رعايا السلطان، ولم تجد الدولة العثمانية تأييدًا من بريطانيا؛ لوقوع أحداث هامة في أوروبا شغلت بريطانيا عن كل شيء.
وهكذا فشلت الدولة العثمانية في اتصالاتها مع الدول الأوروبية، وحاولت استخدام القوة لاسترداد الجزائر، إلا أنها عَدَلَتْ عن ذلك بسبب عدم تمكنها من شن حرب على فرنسا؛ لضعف الأسطول العثماني، والجيش العثماني كذلك.
وأدى ذلك إلى قيام حرب باردة بين الجزائر والدولة العثمانية، ونجحت الدولة العثمانية في إنهاء حكم القرمانليين في طرابلس عام (1251 هـ / 1835م)، وإعادة هذه النيابة إلى الحكم العثماني، واستغلت الدولة هذا الوضع الجديد، فتظاهرت بإرسال قوات برية من الأناضول إلى طرابلس، ومنها إلى الجزائر عبر تونس، ولكن فرنسا هددت الدولة العثمانية بإرسال أسطولها، وخشي الأسطول العثماني من الاحتكاك بالأسطول الفرنسي، فغادر طرابلس إلى مالطة، ثم إلى إستانبول، وبذلك قنعت الدولة العثمانية بهذه الحرب الباردة، والتي انتهت عند هذا الحد [14].
وبعد الاحتلال الفرنسي للجزائر عام (1246 هـ /1830م) توقف الزحف الأوروبي الاستعماري على الولايات العربية مدة ناهزت الخمسين عامًا؛ بسبب اشتداد حدة التنافس بين الدول الأوروبية على تقسيم ممتلكات الدولة العثمانية، وتوزيعها أسلابًا فيما بينها، وما صحب هذا التنافس من حروب ومؤتمرات ومعاهدات، ازدحم بها تاريخ الدولة العثمانية في القرن التاسعَ عَشَرَ ومطلعِ القرن العشرين، وانتهجت هذه الدولة سياسة التعويض، وسياسة المصالحة على حساب الدولة العثمانية في مؤتمر برلين عام (1295 هـ / 1878م)، وبسطت فرنسا حمايتها على تونس عام (1299 هـ / 1881م)، واحتلت بريطانيا مصر عام (1300 هـ / 1882م)، وكان قد سَبَقَ فَرْضَ الحماية والاحتلال على هذين البلدين العربيين الإسلاميين، انتهاجُ سياسة التغلغل السِّلْمِيّ، عن طريق تقديم قروض أوروبية ضخمة، بحيث عجزتا عن سداد القروض وفوائدها؛ مما أدى إلى التدخل في الشؤون المالية، وبعد ذلك في الشؤون السياسية، وانتهت بالغزو العسكري [15].
واشتركت بريطانيا مع مصر في حملة مشتركة عام (1314 هـ / 1896م)، لاسترداد السودان، واتخذت من هذا الاشتراك ذريعة لإقامة حكم ثنائي بريطاني مصري في السودان عام (1317 هـ/ 1899م)، وكان هذا الحكم الثنائي في لحمته وسداه فصلاً فعليًّا بين شطري الوادي، واستئثارًا من بريطانيا بالانفراد في حكم السودان [16]، وما لبثت بريطانيا أن عصفت بالمظهر الشكلي لهذا الحكم الثنائي. ثم احتلت إيطاليا طرابلس وبَرْقَةَ في عام (1330هـ/ 1911م).
وفي مطلع الحرب العالمية الأولى احتلت القوات البريطانية البصرة في العراق، واستمرت القوات البريطانية تواصل زحفها في العراق وقتالها، حتى تمكنت من احتلال العراق احتلالاً كاملاً عام (1337 هـ / 1918م).
وبانتهاء الحرب العالمية الأولى وسقوط الدولة العثمانية، تقاسمت الدول الغربية ما تبقى من أقاليم عربية بموجب قرارات مؤتمر الصلح (1338 هـ / 1919م)، ومؤتمر سان ريمو (1339 هـ / 1920)؛ فسيطرت بريطانيا على العراق وفلسطين وشرق الأردن، كما سيطرت فرنسا على سوريا ولبنان في شكل انتداب، وغدت هذه الأقاليمُ تحت الحكم الأجنبي بقرارات تصدر من لندن وباريس وروما [17].
خامسًا: الدولة تضفي الهدوء والاستقرار على الولايات العربية
أضفت الدولة العثمانية على ولاياتها العربية نوعًا من الهدوء والاستقرار السياسي، وكانت بلاد الشام والعراق تعانيان الكثير من المتاعب، والفوضى، والتخريب من آثار غزوات المغول المدمرة، والتي نجحت مصر في صدها عندما أوقعت بالمغول هزيمة حاسمة في معركة "عين جالوت"، شتتت شملهم، وأنقذت أقاليم الشرق والمغرب العربي من شرورهم.
خضع السكان في الولايات العربية للحكم العثماني، وقد كان العثمانيون مسلمين مثلَهم، ويعتنقون مذهب السُّنة مثلهم، ويحرصون على تطبيق مبادئ الشرعية الإسلامية، ويحافظون على الشعائر الدينية؛ مثل الاحتفال برؤية الهلال لشهر رمضان وغيرها، ولم تضيق السلطات العثمانية عليهم، كما أنها لم تتدخل في شؤونهم إلا في نطاق محدود؛ مثل جَمْع الضرائب، والإشراف على القضاء، وتوفير الأمن، وتركت للشعب العربي شؤون التعليم، والصحة، والمواصلات، والتي تعتبر في الوقت الحاضر من صميم واجبات الحكومات، وعلى العموم، فقد تركت السلطات العثمانية الجماهير العربية تحيا على النحو الذي أَلِفَتْهُ من قبل، دون تغيير جوهري مسَّ حياتهم.
ومع ذلك تعرضت بعض الولايات العربية لهزات سياسية وسط الهدوء الذي كانت تعيش في ظلاله الوارفة، وكان يجتاح الولايات العربية من وقت إلى آخر نوعان من الاضطرابات:
أولاهما: انتفاضات شعبية، وكان يقوم بها سكان حي أو مدينة ضد الحكام المحليين؛ احتجاجًا على ظلم حكامهم، ورفع شكواهم للسلطان العثماني.
ثانيهما: حركات سياسية وعسكرية، يقوم بها أفراد طَمُوحون؛ مثل حركة علي بك الكبير، وحركة ظاهر العمر، والتي لم تلقَ استجابة واستحسانًا من الجماهير [18].
سادسًا: الدولة تمنع انتشار المذهب الشيعي إلى ولايتها العربية
من المعروف أن المذهب الرسمي للدولة العثمانية كان المذهب السُّني، واعتبرت الدولة العثمانية نفسها حامية لهذا المذهب، وتأسيسًا على هذه الحقيقة فإنها منعت انتشار المذهب الشيعيّ إلى ولاياتها العربية في آسيا وإفريقيا باستثناء العراق، الذي كانت الدولة الصفوية قد نشرت المذهب الشيعيّ فيه قبل الدولة العثمانية، بحيث أصبح أهل السُّنة وأهل الشيعة قوتين متوازيتينِ تقريبًا من حيث تَعْدَادُهم، وقد أبقت الدولة العثمانية على هذا الوضع، وذهبت إلى أبعدَ من ذلك فاحترمت مشاعر أهل الشيعة، واهتمت بتعمير مناطق العتبات المقدسة في النجف وكربلاء في العراق، ويسَّرت زيارتها أمام شيعة العراق وفارس والهند وأفغانستان، ولذلك فإن أهل السنة ينظرون إلى الدولة العثمانية على أنها قدمت خدمة جليلة بحصر المذهب الشيعيّ في فارس، بحيث لم تسمح بتَسَرُّبه إلى الأقاليم العربية التي دخلت تحت السيادة العثمانية، ولا تزال إيران هي المعقل الأول للشيعة في العالم الإسلامي [19].
سابعًا: الدولة العثمانية تمنع اليهود من استيطان سيناء
لما فتح السلطان سليم الأول مصر عام (923 هـ / 1517م) أصدر فرمانًا بمنع اليهود من الهجرة إلى سيناء، وواضحٌ من صدور هذا المرسوم بأن اليهود كانوا يريدون الهجرة إلى هذا الإقليم المصري واستيطانه، على أساس أنه يضم الوادي المقدس طُوى، الذي كلم الله سبحانه وتعالى فيه موسى عليه السلام تكليمًا، ومن ثَمَّ أصدر السلطان سليم الأول الفَرَمانَ الذي سدَّ الطريق في وجوه اليهود، ولما تولي ابنه سليمان المشرع (القانوني) عرش الدولة عام (926 هـ / 1520م) أصدر فَرَمانًا لاحقًا، أكد فيه ما جاء في الفرمان السابق، مما يدل على أن الخطر اليهودي كان لا يزال ماثلاً من حيث رغبتُهم في استيطان سيناء، واستعمارهم لها، الأمر الذي كان يقلق الدولة العثمانية، واستطال حكم سليمان القانوني زهاء ستة وأربعين عامًا (927 – 974 هـ / 1520 – 1566م)، ولم يجرؤِ اليهود على تنفيذ ما كانوا يبيِّتون.
فلما جاز إلى ربه جاء بعده ابنه السلطان سليم الثاني، وكان منحرفًا خُلُقيًّا (933 – 982 / 1526 – 1574)، ومنذ حُكْمه بدأت النُّذُر الأولى لاضمحلال الدولة، وخَلَفَهُ سلاطينُ على شاكلته، وكان أولهم مراد الثالث (982 – 1005 هـ /1574 – 1596)، وتنفس اليهود الصعداء، وأدركوا أن الفرصة سانحة لهم لتحقيق حُلْمٍ راودهم طويلاً، فنَزَحوا في هجرات متقطعة على فترات متقاربة إلى سيناء لاستيطانها، وتركزت إقامتهم في مدينة الطور؛ ليسهل على اليهود إيجاد اتصالات خارجية عن طريق ميناء المدينة، بحيث يتمكن اليهود من الهجرة والقدوم إلى سيناء من بلدان مجاورة [20].
وقد تزعم حركة التهجير رجل يهودي يدعى إبراهام، استوطن الطور مع أفراد أسرته وأولاده، وكان من المحتمل أن تمر سنوات دون أن تدري بهم السلطات العثمانية، لولا أنهم تعرضوا بالأذى لرهبان دير سانت كاترين؛ مما حمل الأخيرين على إرسال شكاوى مكتوبة، كلها تؤكد على عدم أحقية اليهود للسكن في هذه المنطقة، وإيذاء رهبان الدير بأي حال من الأحوال، وصدرت أوامر الدولة العثمانية بطرد اليهود من دير سانت كاترين، ومنعهم من العودة إليه مستقبلاً، وهذا يدل على حرص الدولة العثمانية على منع اليهود من استيطان سيناء، وإشعارهم بقوة الدولة العثمانية ويَقَظَتِها لأهدافهم [21].
وعندما احتلت بريطانيا مصر عام (1300 هـ / 1882م)، عاود اليهود مطالبهم في سيناء، بعد أن رفض السلطان عبد الحميد الثاني فتح أبواب الهجرة أمامهم إلى فلسطين، وكان تيودور هرتزل زعيم المنظمة الصهيونية العالمية قد أطلق على سيناء اسمًا مُعَبِّرًا هو فلسطين المصرية؛ ليتخذ منها في المستقبل نقطة وثوب إلى فلسطين الآسيوية (فلسطين الحالية)، ولذلك دخل هرتزل في مفاوضات عام (1316 هـ / 1898م) مع بعض أعضاء الوزارة البريطانية، وبخاصة جوزيف تشمبرلين وزير المستعمرات، ولورد لانزدون وزير الخارجية، من أجل توطين اليهود في سيناء على أساس إقامة دولة يهودية فيها، تتمتع بالحكم الذاتي في نطاق الإمبراطورية البريطانية، ووافق الوزيران على الاقتراح؛ لأنه يحقق لبريطانيا أهدافًا استراتيجية؛ منها: ضمان حماية شرقي قناة السويس، وعزل مصر عن الولايات العربية في غربي آسيا، وإضعاف الدولة العثمانية، وإقامة دولة موالية لبريطانيا؛ غير أن هذا المشروع بعد بحثه فشل بسبب معارضة السلطان عبد الحميد الثاني له أولاً، وبسبب معارضة اللورد كرومر حاكم مصر، ومعتمَد بريطانيًا لدى مصر، وتوقف بحث مشروع استيطان اليهود في سيناء [22].
ثامنًا: الدولة تحد من هجرة اليهود إلى فلسطين
تطلَّع اليهود على مر العصور التاريخية إلى فلسطين؛ كإقليم يجمع شتاتهم، ويُنشئون فيه دولة، متذرِّعِين بادعاءات دينية وتاريخية؛ فقد أسس اليهود الحركة الصهيونية، ونجحت في استقطاب الدول الكبرى وتأييدها، وكان على الدولة العثمانية أن تخوض -دفاعًا عن فلسطين- صراعًا سياسيًّا مريرًا ضد القوى الصهيونية، والدول الأوروبية المناصرة، ونجح الصهاينة في توقيت حركتهم ونجاحها نجاحًا باهرًا، فاختاروا فترة عصيبة من فترات الاضمحلال التي كانت تمر بها الدولة العثمانية، ولكن الدولة العثمانية عملت في حدود إمكانياتها على الحدِّ من الهجرة إلى فلسطين، وقاومت بذلك الحركة الصهيونية، وقد رفض السلطان عبد الحميد الإغراءات الصهيونية التي عرضها عليها هرتزل، رغم الضائقة المالية التي تمر بها الدولة العثمانية، وبذلك حافظ على عروبة وإسلامية فلسطين [23].
المصدر: إسماعيل أحمد ياغي: الدولة العثمانية في التاريخ الإسلامي الحديث، الناشر: مكتبة العبيكان 1995م، ص235- 249.
[1] عبد العزيز الشناوي، "الدولة العثمانية دولة إسلامية مفترى عليها"، جـ 2 ، القاهرة 1980، ص 862.
[2] نفس المرجع، ص 862 – 863.
[3] نفس المرجع، ص 862 – 863.
[4] عبد العزيز الشناوي: "الدولة العثمانية دولة إسلامية مفترى عليها"، جـ 2 ، ص 863.
[5] د . محمد أنيس، "الدولة العثمانية والشرق العربي"، القاهرة 1977، ص 45 – 46.
[6] عبد العزيز الشناوي، "الدولة العثمانية ..." مرجع سبق ذكره، جـ 2، ص 936.
[7] يرى الدكتور أنيس الصايغ أن العلاقات بين الأكثرية المسلمة السُّنية في الولايات العربية، والأقليات المذهبية والعنصرية فيها قد خلقتْ مشكلة شائكة ومزمنة بشكل عام، وقد أسهمت بريطانيا وفرنسا في توسيع شُقَّة الخلاف بين الأكثرية والأقلية، وشجعت الأقلية على عدم الاختلاط والاندماج، ونتج عن ذلك انكماش من الأقليات، وانقلابها على نفسها، مما عزلها عن الأكثرية. أنيس الصايغ، "الهاشميون وقضية فلسطين"، بيروت 1966، ص 95.
[8] المرجع السابق.
[9] [التوبة: 41].
[10] عبد العزيز الشناوي، "الوحدة العربية في التاريخ الحديث والمعاصر"، القاهرة 1975، ص 8 وانظر كذلك: الجبرتي "عجائب الآثار في التراجم والأخبار"، القاهرة 1980، ج3، ص 88 ص 107.
[11] عبد العزيز الشناوي، "الدولة العثمانية ..." ص 946 – 947.
[12] أنيس الصايغ، "الهاشميون ، وقضية فلسطين"، بيروت 1966، ص 93 – 94.
[13] د/ محمد أنيس، "الدولة العثمانية والشرق العربي"، ص 88 – 89.
[14] د. عبد العزيز الشناوي "الدولة العثمانية دولة إسلامية مفترى عليها"، ص 953 – 958.
[15] د/ عبد العزيز الشناوي، المرجع السابق ص 958 – 959.
[16] د/ محمد فؤاد شكري، "مصر والسودان"، دار المعارف بمصر 1958، ص 473 – 518.
[17] دكتور محمد بديع شريف وآخرون، "دراسات تاريخية في النهضة العربية الحديثة"، القاهرة 1963، ص 269 – 275.
[18] د/ عبدالعزيز الشناوي، المرجع السابق، ص 961 – 963.
[19] د/ عبد العزيز الشناوي، المرجع السابق، جـ 2 ص 964 – 966.
[20] نفس المرجع ص 966.
[21] د/ أنيس صايغ، "الهاشميون وقضية فلسطين"، بيروت 1966، ص 22.
[22] Stein Leonard. The Balfour DeclarationLondon1967, PP. 26 - 93
[23] "مذكرات هرتزل"، ص 275.
يجب تفريق ذائما بين شعوب و حكام
كلنا نعلرف السبب العدى بين حكومة السعودية وحكومة التركيا حول منافسة على زعامة العالم الاسلامي ام من حيت الشعوب كلنا مسلمين يجب ان لا ننسى ذلك .
أعظمَ خدمة أسدتها الدولة العثمانية للإسلام، أنها وقفت في وجه الزحف الصليبيّ الاستعماريّ البرتغاليّ للبحر الأحمر، والأماكن المقدسة الإسلامية، في أوائل القرن السادسَ عَشَرَ الميلادي، فعلى الرغم من أن الدولة أخفقت في طرد الاستعمار البرتغالي من مراكزه في المحيط الهندي ومنطقة الخليج العربي، إلا أنها نجحت في منع تغلغله إلى الحجاز، حيث كان البرتغاليون يعتزمون تنفيذ مخطط صليبي فظٍّ في قسوته ووحشيته، وهو دخول البحر الأحمر واجتياح إقليم الحجاز باحتلال ميناء جدة، ثم الزحف على مكة المكرمة، واقتحام المسجد الحرام، وهدم الكعبة المشرَّفة، ثم موالاة الزحف منها على المدينة المنورة؛ لنَبْش قبر الرسول صلى الله عليه وسلم ثم استئناف الزحف على تبوك، ومنها إلى بيت المقدس، والاستيلاء على المسجد الأقصى؛ وبذلك تقع هذه المساجد الثلاثة في أيدي البرتغاليين [1]، وكان الأسطول البرتغاليّ قد نجح في دخول البحر الأحمر، وقام بمحاولتين لاحتلال ميناء جدة، كانت الأولى في عام (923هـ / 1517م)، والثانية في عام (926هـ / 1520م)؛ ولكنه أخفق في محاولتيه؛ فأرسل البرتغاليون حملة كبرى إلى ميناء السويس باعتباره قاعدةَ الأسطول العثماني في البحر الأحمر، واستهدفوا تدميره هذه القاعدة، ولما بلغوا الطُّور علموا أن الأسطول العثماني يقف في حالة تأهب، وارتدوا على أعقابهم دون أن يلتحموا به [2].
وقررتِ الدولة اتخاذ اليمن قاعدةً حربية للدفاع عن البحر الأحمر، ومنع السفن البرتغالية من دخوله، ثم عمَّمت هذا المنْع على جميع السفن المسيحيَّة، بحيث كان على هذه السفن أن تفرغ شحناتها في ميناء "المخا" في اليمن، وتعود أَدْرَاجَهَا إلى المحيط الهندي، وكانت حجة الدولة العثمانية في هذا المنع هي أن الأماكن الإسلامية المقدسة في الحجاز تُطِلُّ على مياه البحر الأحمر، ويجب ألا تُدَنِّسَ مياهه بوجود سفن مسيحية تَمْخُر عَباب هذا البحر، وقد ظل هذا الحظر معمولاً به حتى القرن الثامن عشر [3].
وجدير بالذِّكر أن المشروع البرتغالي الصليبي لم يكن الأوَّلَ من نَوْعه، فقد حدث في أثناء الحروب الصليبية في الشرق العربي أن تجرأ أحد أمراء الصليبيين واسمه أرناط، وكان صاحب حصن الكرك، وقام بمشروع خطير سنة (578 هـ، 1182م) لغزو الحرمين الشريفين، فبنى عدة سفن حملت أجزاؤها مفكَّكَةً على ظهور الجمال، حتى "إيله" (العقبة) على خليج العقبة، وأعيد تركيبها، ثم قامت بهجوم على ساحل الحَوْراء قرب ينبع، وأغار الصليبيون على القوافل وأصبحوا على مسيرة يوم واحد من المدينة المنورة، واعتزموا الزحف عليها، ونَبْش قبر الرسول صلى الله عليه وسلم وإخراج جسده الطاهر ونقله إلى بلادهم، غير أن العالم الإسلامي في الشرق وقتذاك كانت تجمعه وَحْدَةٌ سياسية قويَّة على رأسها صلاح الدين الأيوبي، ووجب على مصر حماية الأماكن المقدسة في الحجاز، فما كادت تصل إليه -وهو في الشام- هذه الأخبار، حتى عهد إلى نائبة في مصر العادل سيف الدين بتجهيز قائد الأسطول الأمير حسام الدين لؤلؤ، وتعقب هؤلاء الصليبين في الحجاز، وعمل على إبادتهم أو أَسْرِهم، وأصرَّ صلاح الدين بقتل الأسرى؛ ليكونوا عبرة لكل من يتجرأ على الاعتداء على حَرَم الله وحَرَم رسوله [4].
ثانيًا: الدولة العثمانية تحافظ على إسلام وعروبة شمالي إفريقيا
من الخدمات الجليلة التي قدمتها الدولة العثمانية للإسلام والعروبة أنها حافظت على إسلام وعروبة سكان شمالي إفريقيا من أخطار الغزو الصليبي الاستعماري الأوروبيّ، الذي حملت لواءه البرتغال وإسبانيا، والمنظمة الصليبية المعروفة باسم فرسان القديس يوحنا، والتي اتخذت من جزيرة مالطة مستقرًّا ومقامًا، وكان من أهداف هذا الغزو أيضًا إنشاء ممالكَ مسيحيةٍ تتناثر على الساحل الشمالي لإفريقيا كمرحلة ثالثة، وبذلك يغدو البحر المتوسط في المدى البعيد بُحيرة مسيحية أوروبية، ويعقب ذلك تغلغل صليبي أوروبي جنوبًا في داخل القارة الإفريقية، ولكن تصدت الدولة العثمانية لهذه المشروعات الصليبية الاستعمارية، فأصبحت أحلامًا، وغدت هباءً منبثًّا.
بسطت الدولة العثمانية سيادتها على ثلاثة أقاليمَ في شمالي إفريقيا في القرن السادس عشر، وكانت حَسَبَ ترتيب دخولها تحت السيادة العثمانية، الجزائر وطرابلس وتونس، ولم تمد الدولة نفوذها إلى مراكشَ لرفض الأسرة السعْدِيَّة التي تنتمي إلى سلالة الرسول - صلى الله عليه وسلم - الدخول في تَبَعِيَّة الحكم العثماني.
وكان سكان تلك الأقاليم، وبخاصة الجزائر وطرابلس، قد استنجدوا بالدولة العثمانية على أساس أنها أكبر وأقوى دولة إسلامية اكتسحت دُولاً أوروبية عديدة، وفتحت مصرَ والشرق العربي الآسيوي، وطالبَ سكان شمال إفريقيا بإنقاذهم من الزحف الصليبي الاستعماري، الذي كان خطره يتفاقم يومًا بعد يوم، واستجابت الدولة لاستغاثاتهم.
ولذلك لم يكن دخول العثمانيين إلى شمالي إفريقيا نتيجةَ معاركَ حربيةٍ خاضتها القوات المسلحة العثمانية ضد أهالي البلاد، أو تدخُّل مباشر من حكومة إستانبول، على غرار ما حدث في الشام أو مصرَ أو العراق؛ ولكنهم فتحوها مُنْقذين للسكان من أخطار القضاء على دينهم، وطَمْس عروبتهم، وتحويل بلادهم إلى جزء من العالم المسيحي.
أما تونس فكان الوضع فيها يختلف، حيث اشتد الصراع عليها بين الدولة العثمانية والإمبراطورية المقدسة، وتبادلت الدولتان الهزيمة والانتصار أكثر من مرة، حتى عادت تونس للحكم العثماني عام (982 هـ / 1574م) واستقر الحكم العثماني فيها، وتأسست النيابة الثالثة والأخيرة في شمالي إفريقيا [5].
ثالثًا: الدولة العثمانية وإيجاد وحدة طبيعية بين الولايات العربية
أوجدت الدولة العثمانية وحدة بين الولايات العربية التي دخلت تحت سيادتها، فاحتفظت هذه الولايات بمقوماتها الأساسية:
• الدين الإسلامي.
• واللغة العربية.
• والثقافة العربية الإسلامية.
• والتقاليد والعادات الموروثة عبر العصور.
وكان سكانها تجمعهم دولة إسلامية واحدة، هي الدولة العثمانية، وتضمهم رعوية واحدة بصفتهم رعايا عثمانيين، ويشتركون في تبعيتهم لحاكم واحد، هو السلطان العثماني، ولم تلجأ الدولة العثمانية إلى إقامة حدود مغلقة بين الولايات العربية، أو حواجزَ مصطنعةٍ بين سكانها، فكانت حرية الانتقال والسفر أمامهم مكفولةً ومحترمةً في جميع الأوقات، وكانت فرص العمل متاحةً لهم في كل الأوقات، وكان في مقدور العربي في دمشق مثلاً أن ينتقل إلى بغداد، أو مكة المكرمة، أو المدينة المنورة، أو القاهرة، أو القيروان أو غيرها من مدن الولايات العربية، ويعيش فيها ويمارس ألوانًا من النشاط الاقتصادي أو الثقافي، دون أن يحصل على إذن بالخروج أو الإقامة، وكانت هذه هي أوَّلَ وَحْدَةٍ تتحقق للعالم العربي إبان الحكم العثماني، بعد تفتُّت وَحْدَتُهُ بسقوط الدولة العباسية في منتصف القرن الثالث عشر الميلادي عقب غزو المغول، وتخريب مدينة بغداد، وانسياحهم في وادي الرافدين، ثم شمالي بلاد الشام إلى جنوب فِلَسطين؛ ولذلك يرى عدد من المؤرخين والباحثين أن الوَحْدَة التي تمت على أيدي العثمانين تعتبر نقطةَ البداية في تاريخ العرب الحديث [6].
وفضلاً عن تلك التَّبَعِيَّة السياسية، كانت وشيجةُ الدين تربط سكان الولايات العربية بالسلطان العثماني، باستثناء أهل الذمة، وكانوا قلة عددية يعيشون على هامش المجتمعات الإسلامية في الولايات العربية [7].
وكانت وشيجة الدين من أقوى الوشائج التي ربطت الجماهير العربية بالدولة العثمانية، فأخلصوا لها واشتركوا في حروبها ضد التكتلات الصليبية التي واجهتها، وكان يزداد ولاؤهم لها، والتصاقهم بها إذا تعرضت الدولة لهزيمة عسكرية من دولة أوروبية، وكان الدين يعمل في تلك العصور في تقرير الأوضاع السياسية، والحربية لشعوب الولايات العربية [8].
ولعل خير مثال للترابط الديني بين سكان الولايات العربية إبَّان الحكم العثماني، ما حدث في مصر عندما نزلت الحملة الفرنسية أرض مصر عام (1213هـ / 1798م) بقيادة نابليون بونابرت، وكانت هذه الحملة هي أوَّلَ غزو عسكري مسيحي أوروبي لولاية عربية من ولايات الدولة العثمانية في الشرق الإسلامي في التاريخ الحديث، وقد أعلن السلطان سليم الثالث (1204 – 1224 هـ/ 1789 – 1807م) الجهاد الديني ضد الفرنسيين، واستجاب لدعوة الجهاد الدينيّ عربُ الحجاز والشام وشمالي إفريقيا، وقد صمموا على الظفر بإحدى الحُسْنَيَيْنِ، الاستشهادِ أوِ الانتصارِ، واتخذوا شعارًا لهم الآية الكريمة: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}[9].
وهكذا فإن سكان الولايات العربية لم ينظروا إلى السلطان العثماني على أنه سلطان المسلمين فَحَسْبُ؛ بل نظروا إليه أيضًا على أنه خليفة المسلمين، يستظلون بظل خِلافته، وكانت السمةُ البارزة في تاريخ الولايات العربية وقتذاك أنها كانت مجتمعاتٍ دينيةً إسلاميةً، بكل ما تحمله هذه الكلمة من معانٍ، ولم ينظر العرب للدولة العثمانية على أنها دولة أجنبية، ولم ينظروا إلى الحكم العثماني على أنه استعمار، وظلت هذه الفكرة السياسية الدينية مسيطرةً على أذهان الغالبية العظمى من الشعب العربي إلى أوائل القرن العشرين، ولم تتدخل الدولة في شؤون الحكم إلا في نطاق ضئيل، وبقدر يسير، فاعتبرت نفسها مسؤولة عن حماية الولايات العربية، وتوفير الأمن فيها، وإقامة الشعائر الدينية، والحفاظ على مبادئ الشريعة الإسلامية، وتنظيم وحماية قوافل الحج إلى إقليم الحجاز، والإشراف على القضاء، وجمع الضرائب بواسطة شيوخ الطوائف على هذه المجالات في الولايات العربية، وتركت سكانها يعيشون على النحو الذي كانوا يألفون [10].
إن الوَحْدَةَ التي قامت بين الولايات العربية إبَّان الحكم العثماني، تبدو أكثر إشراقًا، إذا قورنت بالتفتيت السياسي الذي اصطنعته الدول الأوروبية الاستعمارية عقب استيلائها على معظم هذه البلاد، تحت اسم الاحتلال أو الانتداب أو الحماية من قبل عُصبة الأُمم، أو مناطق النفوذ [11].
وهكذا عملت بريطانيا على تفرقة وتجزئة الشعب العربي في الشرق العربي الآسيوي، ففصلت بريطانيا شرقي الأردن عن فلسطين، وفصلت شرقيَّ الأردن وفلسطين عن سوريا، وفرقت بين سوريا والعراق. ونهجت فرنسا نَهْج بريطانيا في تفتيت سوريا ولبنان.
أما مصر وشمالي إفريقيا، فقد أبقى الاستعمار على التفتيت السياسي الذي كان قائمًا بينها قبل الحرب العالمية الأولى تحت الاستعمار البريطاني والإيطالي والفرنسي والإسباني، وظهرت الخلافات والأطماع الشخصية بين رؤساء وقادة العرب؛ مما عرقل سيرة الاستقلال والوحدة العربية [12].
رابعًا: إبعاد الزحف الاستعماري عن الوطن العربي
ظلت الولايات العربية زهاء فترة تراوحت بين ثلاثة وأربعة قرون، من القرن السادس عشر إلى أوائل القرن العشرين، بمنأى عن الزحف الأوروبي الاستعماري عليها ما بقيت الدولة العثمانية قويةً، مَهِيبَةَ الجانب، فلما دخلت الدولة في دور الاضمحلال، وتبين للدول الأوروبية أن الدولة العثمانية عاجزة عن التصدي للدول الاستعمارية؛ تعرض العالم العربي للغزو الأوروبي النصرانيّ الاستعماريّ، كما تعرضت أقاليمُ أخرى، إسلاميةٌ وغير إسلامية، في قارات آسيا وإفريقيا وأستراليا.
وكانت فرنسا من أسبق الدول الأوربية في الزحف والسيطرة على الأقاليم العربية، فنجحت في احتلال نيابة الجزائر عام (1246 هـ / 1830م)، ولا شك أن من أهم العوامل التي شجعت فرنسا على احتلال الجزائر أن الدولة العثمانية كانت قد فقدت أسطولها في معركة نفارين البحرية (20 أكتوبر 1827 / 1243هـ)، ولما كان اقتطاع فرنسا للجزائر بصفة الأخيرة إقليمًا إسلاميًّا عربيًّا من أقاليم الدولة العثمانية ـ: سابقةً خطيرة، قد تحتذيها دولة استعمارية أخرى تجاه الوطن العربي، لم تستسلم الدولة العثمانية لانتزاع الجزائر منها [13].
حاولت الدولة العثمانية بالطرق الدبلوماسية استرداد الجزائر، وبذلت مساعيَ مكثفةً لدى بريطانيا والنمسا وروسيا، ولدى فرنسا أيضًا، تؤكد حقها في بقاء هذا الإقليم في إطار الدولة، تأسيسًا على أن السيادة العثمانية عليه معترَفٌ بها من المجموعة الدولية، وأن الجزائريين هم رعايا السلطان، ولم تجد الدولة العثمانية تأييدًا من بريطانيا؛ لوقوع أحداث هامة في أوروبا شغلت بريطانيا عن كل شيء.
وهكذا فشلت الدولة العثمانية في اتصالاتها مع الدول الأوروبية، وحاولت استخدام القوة لاسترداد الجزائر، إلا أنها عَدَلَتْ عن ذلك بسبب عدم تمكنها من شن حرب على فرنسا؛ لضعف الأسطول العثماني، والجيش العثماني كذلك.
وأدى ذلك إلى قيام حرب باردة بين الجزائر والدولة العثمانية، ونجحت الدولة العثمانية في إنهاء حكم القرمانليين في طرابلس عام (1251 هـ / 1835م)، وإعادة هذه النيابة إلى الحكم العثماني، واستغلت الدولة هذا الوضع الجديد، فتظاهرت بإرسال قوات برية من الأناضول إلى طرابلس، ومنها إلى الجزائر عبر تونس، ولكن فرنسا هددت الدولة العثمانية بإرسال أسطولها، وخشي الأسطول العثماني من الاحتكاك بالأسطول الفرنسي، فغادر طرابلس إلى مالطة، ثم إلى إستانبول، وبذلك قنعت الدولة العثمانية بهذه الحرب الباردة، والتي انتهت عند هذا الحد [14].
وبعد الاحتلال الفرنسي للجزائر عام (1246 هـ /1830م) توقف الزحف الأوروبي الاستعماري على الولايات العربية مدة ناهزت الخمسين عامًا؛ بسبب اشتداد حدة التنافس بين الدول الأوروبية على تقسيم ممتلكات الدولة العثمانية، وتوزيعها أسلابًا فيما بينها، وما صحب هذا التنافس من حروب ومؤتمرات ومعاهدات، ازدحم بها تاريخ الدولة العثمانية في القرن التاسعَ عَشَرَ ومطلعِ القرن العشرين، وانتهجت هذه الدولة سياسة التعويض، وسياسة المصالحة على حساب الدولة العثمانية في مؤتمر برلين عام (1295 هـ / 1878م)، وبسطت فرنسا حمايتها على تونس عام (1299 هـ / 1881م)، واحتلت بريطانيا مصر عام (1300 هـ / 1882م)، وكان قد سَبَقَ فَرْضَ الحماية والاحتلال على هذين البلدين العربيين الإسلاميين، انتهاجُ سياسة التغلغل السِّلْمِيّ، عن طريق تقديم قروض أوروبية ضخمة، بحيث عجزتا عن سداد القروض وفوائدها؛ مما أدى إلى التدخل في الشؤون المالية، وبعد ذلك في الشؤون السياسية، وانتهت بالغزو العسكري [15].
واشتركت بريطانيا مع مصر في حملة مشتركة عام (1314 هـ / 1896م)، لاسترداد السودان، واتخذت من هذا الاشتراك ذريعة لإقامة حكم ثنائي بريطاني مصري في السودان عام (1317 هـ/ 1899م)، وكان هذا الحكم الثنائي في لحمته وسداه فصلاً فعليًّا بين شطري الوادي، واستئثارًا من بريطانيا بالانفراد في حكم السودان [16]، وما لبثت بريطانيا أن عصفت بالمظهر الشكلي لهذا الحكم الثنائي. ثم احتلت إيطاليا طرابلس وبَرْقَةَ في عام (1330هـ/ 1911م).
وفي مطلع الحرب العالمية الأولى احتلت القوات البريطانية البصرة في العراق، واستمرت القوات البريطانية تواصل زحفها في العراق وقتالها، حتى تمكنت من احتلال العراق احتلالاً كاملاً عام (1337 هـ / 1918م).
وبانتهاء الحرب العالمية الأولى وسقوط الدولة العثمانية، تقاسمت الدول الغربية ما تبقى من أقاليم عربية بموجب قرارات مؤتمر الصلح (1338 هـ / 1919م)، ومؤتمر سان ريمو (1339 هـ / 1920)؛ فسيطرت بريطانيا على العراق وفلسطين وشرق الأردن، كما سيطرت فرنسا على سوريا ولبنان في شكل انتداب، وغدت هذه الأقاليمُ تحت الحكم الأجنبي بقرارات تصدر من لندن وباريس وروما [17].
خامسًا: الدولة تضفي الهدوء والاستقرار على الولايات العربية
أضفت الدولة العثمانية على ولاياتها العربية نوعًا من الهدوء والاستقرار السياسي، وكانت بلاد الشام والعراق تعانيان الكثير من المتاعب، والفوضى، والتخريب من آثار غزوات المغول المدمرة، والتي نجحت مصر في صدها عندما أوقعت بالمغول هزيمة حاسمة في معركة "عين جالوت"، شتتت شملهم، وأنقذت أقاليم الشرق والمغرب العربي من شرورهم.
خضع السكان في الولايات العربية للحكم العثماني، وقد كان العثمانيون مسلمين مثلَهم، ويعتنقون مذهب السُّنة مثلهم، ويحرصون على تطبيق مبادئ الشرعية الإسلامية، ويحافظون على الشعائر الدينية؛ مثل الاحتفال برؤية الهلال لشهر رمضان وغيرها، ولم تضيق السلطات العثمانية عليهم، كما أنها لم تتدخل في شؤونهم إلا في نطاق محدود؛ مثل جَمْع الضرائب، والإشراف على القضاء، وتوفير الأمن، وتركت للشعب العربي شؤون التعليم، والصحة، والمواصلات، والتي تعتبر في الوقت الحاضر من صميم واجبات الحكومات، وعلى العموم، فقد تركت السلطات العثمانية الجماهير العربية تحيا على النحو الذي أَلِفَتْهُ من قبل، دون تغيير جوهري مسَّ حياتهم.
ومع ذلك تعرضت بعض الولايات العربية لهزات سياسية وسط الهدوء الذي كانت تعيش في ظلاله الوارفة، وكان يجتاح الولايات العربية من وقت إلى آخر نوعان من الاضطرابات:
أولاهما: انتفاضات شعبية، وكان يقوم بها سكان حي أو مدينة ضد الحكام المحليين؛ احتجاجًا على ظلم حكامهم، ورفع شكواهم للسلطان العثماني.
ثانيهما: حركات سياسية وعسكرية، يقوم بها أفراد طَمُوحون؛ مثل حركة علي بك الكبير، وحركة ظاهر العمر، والتي لم تلقَ استجابة واستحسانًا من الجماهير [18].
سادسًا: الدولة تمنع انتشار المذهب الشيعي إلى ولايتها العربية
من المعروف أن المذهب الرسمي للدولة العثمانية كان المذهب السُّني، واعتبرت الدولة العثمانية نفسها حامية لهذا المذهب، وتأسيسًا على هذه الحقيقة فإنها منعت انتشار المذهب الشيعيّ إلى ولاياتها العربية في آسيا وإفريقيا باستثناء العراق، الذي كانت الدولة الصفوية قد نشرت المذهب الشيعيّ فيه قبل الدولة العثمانية، بحيث أصبح أهل السُّنة وأهل الشيعة قوتين متوازيتينِ تقريبًا من حيث تَعْدَادُهم، وقد أبقت الدولة العثمانية على هذا الوضع، وذهبت إلى أبعدَ من ذلك فاحترمت مشاعر أهل الشيعة، واهتمت بتعمير مناطق العتبات المقدسة في النجف وكربلاء في العراق، ويسَّرت زيارتها أمام شيعة العراق وفارس والهند وأفغانستان، ولذلك فإن أهل السنة ينظرون إلى الدولة العثمانية على أنها قدمت خدمة جليلة بحصر المذهب الشيعيّ في فارس، بحيث لم تسمح بتَسَرُّبه إلى الأقاليم العربية التي دخلت تحت السيادة العثمانية، ولا تزال إيران هي المعقل الأول للشيعة في العالم الإسلامي [19].
سابعًا: الدولة العثمانية تمنع اليهود من استيطان سيناء
لما فتح السلطان سليم الأول مصر عام (923 هـ / 1517م) أصدر فرمانًا بمنع اليهود من الهجرة إلى سيناء، وواضحٌ من صدور هذا المرسوم بأن اليهود كانوا يريدون الهجرة إلى هذا الإقليم المصري واستيطانه، على أساس أنه يضم الوادي المقدس طُوى، الذي كلم الله سبحانه وتعالى فيه موسى عليه السلام تكليمًا، ومن ثَمَّ أصدر السلطان سليم الأول الفَرَمانَ الذي سدَّ الطريق في وجوه اليهود، ولما تولي ابنه سليمان المشرع (القانوني) عرش الدولة عام (926 هـ / 1520م) أصدر فَرَمانًا لاحقًا، أكد فيه ما جاء في الفرمان السابق، مما يدل على أن الخطر اليهودي كان لا يزال ماثلاً من حيث رغبتُهم في استيطان سيناء، واستعمارهم لها، الأمر الذي كان يقلق الدولة العثمانية، واستطال حكم سليمان القانوني زهاء ستة وأربعين عامًا (927 – 974 هـ / 1520 – 1566م)، ولم يجرؤِ اليهود على تنفيذ ما كانوا يبيِّتون.
فلما جاز إلى ربه جاء بعده ابنه السلطان سليم الثاني، وكان منحرفًا خُلُقيًّا (933 – 982 / 1526 – 1574)، ومنذ حُكْمه بدأت النُّذُر الأولى لاضمحلال الدولة، وخَلَفَهُ سلاطينُ على شاكلته، وكان أولهم مراد الثالث (982 – 1005 هـ /1574 – 1596)، وتنفس اليهود الصعداء، وأدركوا أن الفرصة سانحة لهم لتحقيق حُلْمٍ راودهم طويلاً، فنَزَحوا في هجرات متقطعة على فترات متقاربة إلى سيناء لاستيطانها، وتركزت إقامتهم في مدينة الطور؛ ليسهل على اليهود إيجاد اتصالات خارجية عن طريق ميناء المدينة، بحيث يتمكن اليهود من الهجرة والقدوم إلى سيناء من بلدان مجاورة [20].
وقد تزعم حركة التهجير رجل يهودي يدعى إبراهام، استوطن الطور مع أفراد أسرته وأولاده، وكان من المحتمل أن تمر سنوات دون أن تدري بهم السلطات العثمانية، لولا أنهم تعرضوا بالأذى لرهبان دير سانت كاترين؛ مما حمل الأخيرين على إرسال شكاوى مكتوبة، كلها تؤكد على عدم أحقية اليهود للسكن في هذه المنطقة، وإيذاء رهبان الدير بأي حال من الأحوال، وصدرت أوامر الدولة العثمانية بطرد اليهود من دير سانت كاترين، ومنعهم من العودة إليه مستقبلاً، وهذا يدل على حرص الدولة العثمانية على منع اليهود من استيطان سيناء، وإشعارهم بقوة الدولة العثمانية ويَقَظَتِها لأهدافهم [21].
وعندما احتلت بريطانيا مصر عام (1300 هـ / 1882م)، عاود اليهود مطالبهم في سيناء، بعد أن رفض السلطان عبد الحميد الثاني فتح أبواب الهجرة أمامهم إلى فلسطين، وكان تيودور هرتزل زعيم المنظمة الصهيونية العالمية قد أطلق على سيناء اسمًا مُعَبِّرًا هو فلسطين المصرية؛ ليتخذ منها في المستقبل نقطة وثوب إلى فلسطين الآسيوية (فلسطين الحالية)، ولذلك دخل هرتزل في مفاوضات عام (1316 هـ / 1898م) مع بعض أعضاء الوزارة البريطانية، وبخاصة جوزيف تشمبرلين وزير المستعمرات، ولورد لانزدون وزير الخارجية، من أجل توطين اليهود في سيناء على أساس إقامة دولة يهودية فيها، تتمتع بالحكم الذاتي في نطاق الإمبراطورية البريطانية، ووافق الوزيران على الاقتراح؛ لأنه يحقق لبريطانيا أهدافًا استراتيجية؛ منها: ضمان حماية شرقي قناة السويس، وعزل مصر عن الولايات العربية في غربي آسيا، وإضعاف الدولة العثمانية، وإقامة دولة موالية لبريطانيا؛ غير أن هذا المشروع بعد بحثه فشل بسبب معارضة السلطان عبد الحميد الثاني له أولاً، وبسبب معارضة اللورد كرومر حاكم مصر، ومعتمَد بريطانيًا لدى مصر، وتوقف بحث مشروع استيطان اليهود في سيناء [22].
ثامنًا: الدولة تحد من هجرة اليهود إلى فلسطين
تطلَّع اليهود على مر العصور التاريخية إلى فلسطين؛ كإقليم يجمع شتاتهم، ويُنشئون فيه دولة، متذرِّعِين بادعاءات دينية وتاريخية؛ فقد أسس اليهود الحركة الصهيونية، ونجحت في استقطاب الدول الكبرى وتأييدها، وكان على الدولة العثمانية أن تخوض -دفاعًا عن فلسطين- صراعًا سياسيًّا مريرًا ضد القوى الصهيونية، والدول الأوروبية المناصرة، ونجح الصهاينة في توقيت حركتهم ونجاحها نجاحًا باهرًا، فاختاروا فترة عصيبة من فترات الاضمحلال التي كانت تمر بها الدولة العثمانية، ولكن الدولة العثمانية عملت في حدود إمكانياتها على الحدِّ من الهجرة إلى فلسطين، وقاومت بذلك الحركة الصهيونية، وقد رفض السلطان عبد الحميد الإغراءات الصهيونية التي عرضها عليها هرتزل، رغم الضائقة المالية التي تمر بها الدولة العثمانية، وبذلك حافظ على عروبة وإسلامية فلسطين [23].
المصدر: إسماعيل أحمد ياغي: الدولة العثمانية في التاريخ الإسلامي الحديث، الناشر: مكتبة العبيكان 1995م، ص235- 249.
[1] عبد العزيز الشناوي، "الدولة العثمانية دولة إسلامية مفترى عليها"، جـ 2 ، القاهرة 1980، ص 862.
[2] نفس المرجع، ص 862 – 863.
[3] نفس المرجع، ص 862 – 863.
[4] عبد العزيز الشناوي: "الدولة العثمانية دولة إسلامية مفترى عليها"، جـ 2 ، ص 863.
[5] د . محمد أنيس، "الدولة العثمانية والشرق العربي"، القاهرة 1977، ص 45 – 46.
[6] عبد العزيز الشناوي، "الدولة العثمانية ..." مرجع سبق ذكره، جـ 2، ص 936.
[7] يرى الدكتور أنيس الصايغ أن العلاقات بين الأكثرية المسلمة السُّنية في الولايات العربية، والأقليات المذهبية والعنصرية فيها قد خلقتْ مشكلة شائكة ومزمنة بشكل عام، وقد أسهمت بريطانيا وفرنسا في توسيع شُقَّة الخلاف بين الأكثرية والأقلية، وشجعت الأقلية على عدم الاختلاط والاندماج، ونتج عن ذلك انكماش من الأقليات، وانقلابها على نفسها، مما عزلها عن الأكثرية. أنيس الصايغ، "الهاشميون وقضية فلسطين"، بيروت 1966، ص 95.
[8] المرجع السابق.
[9] [التوبة: 41].
[10] عبد العزيز الشناوي، "الوحدة العربية في التاريخ الحديث والمعاصر"، القاهرة 1975، ص 8 وانظر كذلك: الجبرتي "عجائب الآثار في التراجم والأخبار"، القاهرة 1980، ج3، ص 88 ص 107.
[11] عبد العزيز الشناوي، "الدولة العثمانية ..." ص 946 – 947.
[12] أنيس الصايغ، "الهاشميون ، وقضية فلسطين"، بيروت 1966، ص 93 – 94.
[13] د/ محمد أنيس، "الدولة العثمانية والشرق العربي"، ص 88 – 89.
[14] د. عبد العزيز الشناوي "الدولة العثمانية دولة إسلامية مفترى عليها"، ص 953 – 958.
[15] د/ عبد العزيز الشناوي، المرجع السابق ص 958 – 959.
[16] د/ محمد فؤاد شكري، "مصر والسودان"، دار المعارف بمصر 1958، ص 473 – 518.
[17] دكتور محمد بديع شريف وآخرون، "دراسات تاريخية في النهضة العربية الحديثة"، القاهرة 1963، ص 269 – 275.
[18] د/ عبدالعزيز الشناوي، المرجع السابق، ص 961 – 963.
[19] د/ عبد العزيز الشناوي، المرجع السابق، جـ 2 ص 964 – 966.
[20] نفس المرجع ص 966.
[21] د/ أنيس صايغ، "الهاشميون وقضية فلسطين"، بيروت 1966، ص 22.
[22] Stein Leonard. The Balfour DeclarationLondon1967, PP. 26 - 93
[23] "مذكرات هرتزل"، ص 275.
تاريخ حمد الله موجود في كل رفوف من يبحث يجدقص ولزق يصدق وصف حافظ بس مش فاهم
أعظمَ خدمة أسدتها الدولة العثمانية للإسلام، أنها وقفت في وجه الزحف الصليبيّ الاستعماريّ البرتغاليّ للبحر الأحمر، والأماكن المقدسة الإسلامية، في أوائل القرن السادسَ عَشَرَ الميلادي، فعلى الرغم من أن الدولة أخفقت في طرد الاستعمار البرتغالي من مراكزه في المحيط الهندي ومنطقة الخليج العربي، إلا أنها نجحت في منع تغلغله إلى الحجاز، حيث كان البرتغاليون يعتزمون تنفيذ مخطط صليبي فظٍّ في قسوته ووحشيته، وهو دخول البحر الأحمر واجتياح إقليم الحجاز باحتلال ميناء جدة، ثم الزحف على مكة المكرمة، واقتحام المسجد الحرام، وهدم الكعبة المشرَّفة، ثم موالاة الزحف منها على المدينة المنورة؛ لنَبْش قبر الرسول صلى الله عليه وسلم ثم استئناف الزحف على تبوك، ومنها إلى بيت المقدس، والاستيلاء على المسجد الأقصى؛ وبذلك تقع هذه المساجد الثلاثة في أيدي البرتغاليين [1]، وكان الأسطول البرتغاليّ قد نجح في دخول البحر الأحمر، وقام بمحاولتين لاحتلال ميناء جدة، كانت الأولى في عام (923هـ / 1517م)، والثانية في عام (926هـ / 1520م)؛ ولكنه أخفق في محاولتيه؛ فأرسل البرتغاليون حملة كبرى إلى ميناء السويس باعتباره قاعدةَ الأسطول العثماني في البحر الأحمر، واستهدفوا تدميره هذه القاعدة، ولما بلغوا الطُّور علموا أن الأسطول العثماني يقف في حالة تأهب، وارتدوا على أعقابهم دون أن يلتحموا به [2].
وقررتِ الدولة اتخاذ اليمن قاعدةً حربية للدفاع عن البحر الأحمر، ومنع السفن البرتغالية من دخوله، ثم عمَّمت هذا المنْع على جميع السفن المسيحيَّة، بحيث كان على هذه السفن أن تفرغ شحناتها في ميناء "المخا" في اليمن، وتعود أَدْرَاجَهَا إلى المحيط الهندي، وكانت حجة الدولة العثمانية في هذا المنع هي أن الأماكن الإسلامية المقدسة في الحجاز تُطِلُّ على مياه البحر الأحمر، ويجب ألا تُدَنِّسَ مياهه بوجود سفن مسيحية تَمْخُر عَباب هذا البحر، وقد ظل هذا الحظر معمولاً به حتى القرن الثامن عشر [3].
وجدير بالذِّكر أن المشروع البرتغالي الصليبي لم يكن الأوَّلَ من نَوْعه، فقد حدث في أثناء الحروب الصليبية في الشرق العربي أن تجرأ أحد أمراء الصليبيين واسمه أرناط، وكان صاحب حصن الكرك، وقام بمشروع خطير سنة (578 هـ، 1182م) لغزو الحرمين الشريفين، فبنى عدة سفن حملت أجزاؤها مفكَّكَةً على ظهور الجمال، حتى "إيله" (العقبة) على خليج العقبة، وأعيد تركيبها، ثم قامت بهجوم على ساحل الحَوْراء قرب ينبع، وأغار الصليبيون على القوافل وأصبحوا على مسيرة يوم واحد من المدينة المنورة، واعتزموا الزحف عليها، ونَبْش قبر الرسول صلى الله عليه وسلم وإخراج جسده الطاهر ونقله إلى بلادهم، غير أن العالم الإسلامي في الشرق وقتذاك كانت تجمعه وَحْدَةٌ سياسية قويَّة على رأسها صلاح الدين الأيوبي، ووجب على مصر حماية الأماكن المقدسة في الحجاز، فما كادت تصل إليه -وهو في الشام- هذه الأخبار، حتى عهد إلى نائبة في مصر العادل سيف الدين بتجهيز قائد الأسطول الأمير حسام الدين لؤلؤ، وتعقب هؤلاء الصليبين في الحجاز، وعمل على إبادتهم أو أَسْرِهم، وأصرَّ صلاح الدين بقتل الأسرى؛ ليكونوا عبرة لكل من يتجرأ على الاعتداء على حَرَم الله وحَرَم رسوله [4].
ثانيًا: الدولة العثمانية تحافظ على إسلام وعروبة شمالي إفريقيا
من الخدمات الجليلة التي قدمتها الدولة العثمانية للإسلام والعروبة أنها حافظت على إسلام وعروبة سكان شمالي إفريقيا من أخطار الغزو الصليبي الاستعماري الأوروبيّ، الذي حملت لواءه البرتغال وإسبانيا، والمنظمة الصليبية المعروفة باسم فرسان القديس يوحنا، والتي اتخذت من جزيرة مالطة مستقرًّا ومقامًا، وكان من أهداف هذا الغزو أيضًا إنشاء ممالكَ مسيحيةٍ تتناثر على الساحل الشمالي لإفريقيا كمرحلة ثالثة، وبذلك يغدو البحر المتوسط في المدى البعيد بُحيرة مسيحية أوروبية، ويعقب ذلك تغلغل صليبي أوروبي جنوبًا في داخل القارة الإفريقية، ولكن تصدت الدولة العثمانية لهذه المشروعات الصليبية الاستعمارية، فأصبحت أحلامًا، وغدت هباءً منبثًّا.
بسطت الدولة العثمانية سيادتها على ثلاثة أقاليمَ في شمالي إفريقيا في القرن السادس عشر، وكانت حَسَبَ ترتيب دخولها تحت السيادة العثمانية، الجزائر وطرابلس وتونس، ولم تمد الدولة نفوذها إلى مراكشَ لرفض الأسرة السعْدِيَّة التي تنتمي إلى سلالة الرسول - صلى الله عليه وسلم - الدخول في تَبَعِيَّة الحكم العثماني.
وكان سكان تلك الأقاليم، وبخاصة الجزائر وطرابلس، قد استنجدوا بالدولة العثمانية على أساس أنها أكبر وأقوى دولة إسلامية اكتسحت دُولاً أوروبية عديدة، وفتحت مصرَ والشرق العربي الآسيوي، وطالبَ سكان شمال إفريقيا بإنقاذهم من الزحف الصليبي الاستعماري، الذي كان خطره يتفاقم يومًا بعد يوم، واستجابت الدولة لاستغاثاتهم.
ولذلك لم يكن دخول العثمانيين إلى شمالي إفريقيا نتيجةَ معاركَ حربيةٍ خاضتها القوات المسلحة العثمانية ضد أهالي البلاد، أو تدخُّل مباشر من حكومة إستانبول، على غرار ما حدث في الشام أو مصرَ أو العراق؛ ولكنهم فتحوها مُنْقذين للسكان من أخطار القضاء على دينهم، وطَمْس عروبتهم، وتحويل بلادهم إلى جزء من العالم المسيحي.
أما تونس فكان الوضع فيها يختلف، حيث اشتد الصراع عليها بين الدولة العثمانية والإمبراطورية المقدسة، وتبادلت الدولتان الهزيمة والانتصار أكثر من مرة، حتى عادت تونس للحكم العثماني عام (982 هـ / 1574م) واستقر الحكم العثماني فيها، وتأسست النيابة الثالثة والأخيرة في شمالي إفريقيا [5].
ثالثًا: الدولة العثمانية وإيجاد وحدة طبيعية بين الولايات العربية
أوجدت الدولة العثمانية وحدة بين الولايات العربية التي دخلت تحت سيادتها، فاحتفظت هذه الولايات بمقوماتها الأساسية:
• الدين الإسلامي.
• واللغة العربية.
• والثقافة العربية الإسلامية.
• والتقاليد والعادات الموروثة عبر العصور.
وكان سكانها تجمعهم دولة إسلامية واحدة، هي الدولة العثمانية، وتضمهم رعوية واحدة بصفتهم رعايا عثمانيين، ويشتركون في تبعيتهم لحاكم واحد، هو السلطان العثماني، ولم تلجأ الدولة العثمانية إلى إقامة حدود مغلقة بين الولايات العربية، أو حواجزَ مصطنعةٍ بين سكانها، فكانت حرية الانتقال والسفر أمامهم مكفولةً ومحترمةً في جميع الأوقات، وكانت فرص العمل متاحةً لهم في كل الأوقات، وكان في مقدور العربي في دمشق مثلاً أن ينتقل إلى بغداد، أو مكة المكرمة، أو المدينة المنورة، أو القاهرة، أو القيروان أو غيرها من مدن الولايات العربية، ويعيش فيها ويمارس ألوانًا من النشاط الاقتصادي أو الثقافي، دون أن يحصل على إذن بالخروج أو الإقامة، وكانت هذه هي أوَّلَ وَحْدَةٍ تتحقق للعالم العربي إبان الحكم العثماني، بعد تفتُّت وَحْدَتُهُ بسقوط الدولة العباسية في منتصف القرن الثالث عشر الميلادي عقب غزو المغول، وتخريب مدينة بغداد، وانسياحهم في وادي الرافدين، ثم شمالي بلاد الشام إلى جنوب فِلَسطين؛ ولذلك يرى عدد من المؤرخين والباحثين أن الوَحْدَة التي تمت على أيدي العثمانين تعتبر نقطةَ البداية في تاريخ العرب الحديث [6].
وفضلاً عن تلك التَّبَعِيَّة السياسية، كانت وشيجةُ الدين تربط سكان الولايات العربية بالسلطان العثماني، باستثناء أهل الذمة، وكانوا قلة عددية يعيشون على هامش المجتمعات الإسلامية في الولايات العربية [7].
وكانت وشيجة الدين من أقوى الوشائج التي ربطت الجماهير العربية بالدولة العثمانية، فأخلصوا لها واشتركوا في حروبها ضد التكتلات الصليبية التي واجهتها، وكان يزداد ولاؤهم لها، والتصاقهم بها إذا تعرضت الدولة لهزيمة عسكرية من دولة أوروبية، وكان الدين يعمل في تلك العصور في تقرير الأوضاع السياسية، والحربية لشعوب الولايات العربية [8].
ولعل خير مثال للترابط الديني بين سكان الولايات العربية إبَّان الحكم العثماني، ما حدث في مصر عندما نزلت الحملة الفرنسية أرض مصر عام (1213هـ / 1798م) بقيادة نابليون بونابرت، وكانت هذه الحملة هي أوَّلَ غزو عسكري مسيحي أوروبي لولاية عربية من ولايات الدولة العثمانية في الشرق الإسلامي في التاريخ الحديث، وقد أعلن السلطان سليم الثالث (1204 – 1224 هـ/ 1789 – 1807م) الجهاد الديني ضد الفرنسيين، واستجاب لدعوة الجهاد الدينيّ عربُ الحجاز والشام وشمالي إفريقيا، وقد صمموا على الظفر بإحدى الحُسْنَيَيْنِ، الاستشهادِ أوِ الانتصارِ، واتخذوا شعارًا لهم الآية الكريمة: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}[9].
وهكذا فإن سكان الولايات العربية لم ينظروا إلى السلطان العثماني على أنه سلطان المسلمين فَحَسْبُ؛ بل نظروا إليه أيضًا على أنه خليفة المسلمين، يستظلون بظل خِلافته، وكانت السمةُ البارزة في تاريخ الولايات العربية وقتذاك أنها كانت مجتمعاتٍ دينيةً إسلاميةً، بكل ما تحمله هذه الكلمة من معانٍ، ولم ينظر العرب للدولة العثمانية على أنها دولة أجنبية، ولم ينظروا إلى الحكم العثماني على أنه استعمار، وظلت هذه الفكرة السياسية الدينية مسيطرةً على أذهان الغالبية العظمى من الشعب العربي إلى أوائل القرن العشرين، ولم تتدخل الدولة في شؤون الحكم إلا في نطاق ضئيل، وبقدر يسير، فاعتبرت نفسها مسؤولة عن حماية الولايات العربية، وتوفير الأمن فيها، وإقامة الشعائر الدينية، والحفاظ على مبادئ الشريعة الإسلامية، وتنظيم وحماية قوافل الحج إلى إقليم الحجاز، والإشراف على القضاء، وجمع الضرائب بواسطة شيوخ الطوائف على هذه المجالات في الولايات العربية، وتركت سكانها يعيشون على النحو الذي كانوا يألفون [10].
إن الوَحْدَةَ التي قامت بين الولايات العربية إبَّان الحكم العثماني، تبدو أكثر إشراقًا، إذا قورنت بالتفتيت السياسي الذي اصطنعته الدول الأوروبية الاستعمارية عقب استيلائها على معظم هذه البلاد، تحت اسم الاحتلال أو الانتداب أو الحماية من قبل عُصبة الأُمم، أو مناطق النفوذ [11].
وهكذا عملت بريطانيا على تفرقة وتجزئة الشعب العربي في الشرق العربي الآسيوي، ففصلت بريطانيا شرقي الأردن عن فلسطين، وفصلت شرقيَّ الأردن وفلسطين عن سوريا، وفرقت بين سوريا والعراق. ونهجت فرنسا نَهْج بريطانيا في تفتيت سوريا ولبنان.
أما مصر وشمالي إفريقيا، فقد أبقى الاستعمار على التفتيت السياسي الذي كان قائمًا بينها قبل الحرب العالمية الأولى تحت الاستعمار البريطاني والإيطالي والفرنسي والإسباني، وظهرت الخلافات والأطماع الشخصية بين رؤساء وقادة العرب؛ مما عرقل سيرة الاستقلال والوحدة العربية [12].
رابعًا: إبعاد الزحف الاستعماري عن الوطن العربي
ظلت الولايات العربية زهاء فترة تراوحت بين ثلاثة وأربعة قرون، من القرن السادس عشر إلى أوائل القرن العشرين، بمنأى عن الزحف الأوروبي الاستعماري عليها ما بقيت الدولة العثمانية قويةً، مَهِيبَةَ الجانب، فلما دخلت الدولة في دور الاضمحلال، وتبين للدول الأوروبية أن الدولة العثمانية عاجزة عن التصدي للدول الاستعمارية؛ تعرض العالم العربي للغزو الأوروبي النصرانيّ الاستعماريّ، كما تعرضت أقاليمُ أخرى، إسلاميةٌ وغير إسلامية، في قارات آسيا وإفريقيا وأستراليا.
وكانت فرنسا من أسبق الدول الأوربية في الزحف والسيطرة على الأقاليم العربية، فنجحت في احتلال نيابة الجزائر عام (1246 هـ / 1830م)، ولا شك أن من أهم العوامل التي شجعت فرنسا على احتلال الجزائر أن الدولة العثمانية كانت قد فقدت أسطولها في معركة نفارين البحرية (20 أكتوبر 1827 / 1243هـ)، ولما كان اقتطاع فرنسا للجزائر بصفة الأخيرة إقليمًا إسلاميًّا عربيًّا من أقاليم الدولة العثمانية ـ: سابقةً خطيرة، قد تحتذيها دولة استعمارية أخرى تجاه الوطن العربي، لم تستسلم الدولة العثمانية لانتزاع الجزائر منها [13].
حاولت الدولة العثمانية بالطرق الدبلوماسية استرداد الجزائر، وبذلت مساعيَ مكثفةً لدى بريطانيا والنمسا وروسيا، ولدى فرنسا أيضًا، تؤكد حقها في بقاء هذا الإقليم في إطار الدولة، تأسيسًا على أن السيادة العثمانية عليه معترَفٌ بها من المجموعة الدولية، وأن الجزائريين هم رعايا السلطان، ولم تجد الدولة العثمانية تأييدًا من بريطانيا؛ لوقوع أحداث هامة في أوروبا شغلت بريطانيا عن كل شيء.
وهكذا فشلت الدولة العثمانية في اتصالاتها مع الدول الأوروبية، وحاولت استخدام القوة لاسترداد الجزائر، إلا أنها عَدَلَتْ عن ذلك بسبب عدم تمكنها من شن حرب على فرنسا؛ لضعف الأسطول العثماني، والجيش العثماني كذلك.
وأدى ذلك إلى قيام حرب باردة بين الجزائر والدولة العثمانية، ونجحت الدولة العثمانية في إنهاء حكم القرمانليين في طرابلس عام (1251 هـ / 1835م)، وإعادة هذه النيابة إلى الحكم العثماني، واستغلت الدولة هذا الوضع الجديد، فتظاهرت بإرسال قوات برية من الأناضول إلى طرابلس، ومنها إلى الجزائر عبر تونس، ولكن فرنسا هددت الدولة العثمانية بإرسال أسطولها، وخشي الأسطول العثماني من الاحتكاك بالأسطول الفرنسي، فغادر طرابلس إلى مالطة، ثم إلى إستانبول، وبذلك قنعت الدولة العثمانية بهذه الحرب الباردة، والتي انتهت عند هذا الحد [14].
وبعد الاحتلال الفرنسي للجزائر عام (1246 هـ /1830م) توقف الزحف الأوروبي الاستعماري على الولايات العربية مدة ناهزت الخمسين عامًا؛ بسبب اشتداد حدة التنافس بين الدول الأوروبية على تقسيم ممتلكات الدولة العثمانية، وتوزيعها أسلابًا فيما بينها، وما صحب هذا التنافس من حروب ومؤتمرات ومعاهدات، ازدحم بها تاريخ الدولة العثمانية في القرن التاسعَ عَشَرَ ومطلعِ القرن العشرين، وانتهجت هذه الدولة سياسة التعويض، وسياسة المصالحة على حساب الدولة العثمانية في مؤتمر برلين عام (1295 هـ / 1878م)، وبسطت فرنسا حمايتها على تونس عام (1299 هـ / 1881م)، واحتلت بريطانيا مصر عام (1300 هـ / 1882م)، وكان قد سَبَقَ فَرْضَ الحماية والاحتلال على هذين البلدين العربيين الإسلاميين، انتهاجُ سياسة التغلغل السِّلْمِيّ، عن طريق تقديم قروض أوروبية ضخمة، بحيث عجزتا عن سداد القروض وفوائدها؛ مما أدى إلى التدخل في الشؤون المالية، وبعد ذلك في الشؤون السياسية، وانتهت بالغزو العسكري [15].
واشتركت بريطانيا مع مصر في حملة مشتركة عام (1314 هـ / 1896م)، لاسترداد السودان، واتخذت من هذا الاشتراك ذريعة لإقامة حكم ثنائي بريطاني مصري في السودان عام (1317 هـ/ 1899م)، وكان هذا الحكم الثنائي في لحمته وسداه فصلاً فعليًّا بين شطري الوادي، واستئثارًا من بريطانيا بالانفراد في حكم السودان [16]، وما لبثت بريطانيا أن عصفت بالمظهر الشكلي لهذا الحكم الثنائي. ثم احتلت إيطاليا طرابلس وبَرْقَةَ في عام (1330هـ/ 1911م).
وفي مطلع الحرب العالمية الأولى احتلت القوات البريطانية البصرة في العراق، واستمرت القوات البريطانية تواصل زحفها في العراق وقتالها، حتى تمكنت من احتلال العراق احتلالاً كاملاً عام (1337 هـ / 1918م).
وبانتهاء الحرب العالمية الأولى وسقوط الدولة العثمانية، تقاسمت الدول الغربية ما تبقى من أقاليم عربية بموجب قرارات مؤتمر الصلح (1338 هـ / 1919م)، ومؤتمر سان ريمو (1339 هـ / 1920)؛ فسيطرت بريطانيا على العراق وفلسطين وشرق الأردن، كما سيطرت فرنسا على سوريا ولبنان في شكل انتداب، وغدت هذه الأقاليمُ تحت الحكم الأجنبي بقرارات تصدر من لندن وباريس وروما [17].
خامسًا: الدولة تضفي الهدوء والاستقرار على الولايات العربية
أضفت الدولة العثمانية على ولاياتها العربية نوعًا من الهدوء والاستقرار السياسي، وكانت بلاد الشام والعراق تعانيان الكثير من المتاعب، والفوضى، والتخريب من آثار غزوات المغول المدمرة، والتي نجحت مصر في صدها عندما أوقعت بالمغول هزيمة حاسمة في معركة "عين جالوت"، شتتت شملهم، وأنقذت أقاليم الشرق والمغرب العربي من شرورهم.
خضع السكان في الولايات العربية للحكم العثماني، وقد كان العثمانيون مسلمين مثلَهم، ويعتنقون مذهب السُّنة مثلهم، ويحرصون على تطبيق مبادئ الشرعية الإسلامية، ويحافظون على الشعائر الدينية؛ مثل الاحتفال برؤية الهلال لشهر رمضان وغيرها، ولم تضيق السلطات العثمانية عليهم، كما أنها لم تتدخل في شؤونهم إلا في نطاق محدود؛ مثل جَمْع الضرائب، والإشراف على القضاء، وتوفير الأمن، وتركت للشعب العربي شؤون التعليم، والصحة، والمواصلات، والتي تعتبر في الوقت الحاضر من صميم واجبات الحكومات، وعلى العموم، فقد تركت السلطات العثمانية الجماهير العربية تحيا على النحو الذي أَلِفَتْهُ من قبل، دون تغيير جوهري مسَّ حياتهم.
ومع ذلك تعرضت بعض الولايات العربية لهزات سياسية وسط الهدوء الذي كانت تعيش في ظلاله الوارفة، وكان يجتاح الولايات العربية من وقت إلى آخر نوعان من الاضطرابات:
أولاهما: انتفاضات شعبية، وكان يقوم بها سكان حي أو مدينة ضد الحكام المحليين؛ احتجاجًا على ظلم حكامهم، ورفع شكواهم للسلطان العثماني.
ثانيهما: حركات سياسية وعسكرية، يقوم بها أفراد طَمُوحون؛ مثل حركة علي بك الكبير، وحركة ظاهر العمر، والتي لم تلقَ استجابة واستحسانًا من الجماهير [18].
سادسًا: الدولة تمنع انتشار المذهب الشيعي إلى ولايتها العربية
من المعروف أن المذهب الرسمي للدولة العثمانية كان المذهب السُّني، واعتبرت الدولة العثمانية نفسها حامية لهذا المذهب، وتأسيسًا على هذه الحقيقة فإنها منعت انتشار المذهب الشيعيّ إلى ولاياتها العربية في آسيا وإفريقيا باستثناء العراق، الذي كانت الدولة الصفوية قد نشرت المذهب الشيعيّ فيه قبل الدولة العثمانية، بحيث أصبح أهل السُّنة وأهل الشيعة قوتين متوازيتينِ تقريبًا من حيث تَعْدَادُهم، وقد أبقت الدولة العثمانية على هذا الوضع، وذهبت إلى أبعدَ من ذلك فاحترمت مشاعر أهل الشيعة، واهتمت بتعمير مناطق العتبات المقدسة في النجف وكربلاء في العراق، ويسَّرت زيارتها أمام شيعة العراق وفارس والهند وأفغانستان، ولذلك فإن أهل السنة ينظرون إلى الدولة العثمانية على أنها قدمت خدمة جليلة بحصر المذهب الشيعيّ في فارس، بحيث لم تسمح بتَسَرُّبه إلى الأقاليم العربية التي دخلت تحت السيادة العثمانية، ولا تزال إيران هي المعقل الأول للشيعة في العالم الإسلامي [19].
سابعًا: الدولة العثمانية تمنع اليهود من استيطان سيناء
لما فتح السلطان سليم الأول مصر عام (923 هـ / 1517م) أصدر فرمانًا بمنع اليهود من الهجرة إلى سيناء، وواضحٌ من صدور هذا المرسوم بأن اليهود كانوا يريدون الهجرة إلى هذا الإقليم المصري واستيطانه، على أساس أنه يضم الوادي المقدس طُوى، الذي كلم الله سبحانه وتعالى فيه موسى عليه السلام تكليمًا، ومن ثَمَّ أصدر السلطان سليم الأول الفَرَمانَ الذي سدَّ الطريق في وجوه اليهود، ولما تولي ابنه سليمان المشرع (القانوني) عرش الدولة عام (926 هـ / 1520م) أصدر فَرَمانًا لاحقًا، أكد فيه ما جاء في الفرمان السابق، مما يدل على أن الخطر اليهودي كان لا يزال ماثلاً من حيث رغبتُهم في استيطان سيناء، واستعمارهم لها، الأمر الذي كان يقلق الدولة العثمانية، واستطال حكم سليمان القانوني زهاء ستة وأربعين عامًا (927 – 974 هـ / 1520 – 1566م)، ولم يجرؤِ اليهود على تنفيذ ما كانوا يبيِّتون.
فلما جاز إلى ربه جاء بعده ابنه السلطان سليم الثاني، وكان منحرفًا خُلُقيًّا (933 – 982 / 1526 – 1574)، ومنذ حُكْمه بدأت النُّذُر الأولى لاضمحلال الدولة، وخَلَفَهُ سلاطينُ على شاكلته، وكان أولهم مراد الثالث (982 – 1005 هـ /1574 – 1596)، وتنفس اليهود الصعداء، وأدركوا أن الفرصة سانحة لهم لتحقيق حُلْمٍ راودهم طويلاً، فنَزَحوا في هجرات متقطعة على فترات متقاربة إلى سيناء لاستيطانها، وتركزت إقامتهم في مدينة الطور؛ ليسهل على اليهود إيجاد اتصالات خارجية عن طريق ميناء المدينة، بحيث يتمكن اليهود من الهجرة والقدوم إلى سيناء من بلدان مجاورة [20].
وقد تزعم حركة التهجير رجل يهودي يدعى إبراهام، استوطن الطور مع أفراد أسرته وأولاده، وكان من المحتمل أن تمر سنوات دون أن تدري بهم السلطات العثمانية، لولا أنهم تعرضوا بالأذى لرهبان دير سانت كاترين؛ مما حمل الأخيرين على إرسال شكاوى مكتوبة، كلها تؤكد على عدم أحقية اليهود للسكن في هذه المنطقة، وإيذاء رهبان الدير بأي حال من الأحوال، وصدرت أوامر الدولة العثمانية بطرد اليهود من دير سانت كاترين، ومنعهم من العودة إليه مستقبلاً، وهذا يدل على حرص الدولة العثمانية على منع اليهود من استيطان سيناء، وإشعارهم بقوة الدولة العثمانية ويَقَظَتِها لأهدافهم [21].
وعندما احتلت بريطانيا مصر عام (1300 هـ / 1882م)، عاود اليهود مطالبهم في سيناء، بعد أن رفض السلطان عبد الحميد الثاني فتح أبواب الهجرة أمامهم إلى فلسطين، وكان تيودور هرتزل زعيم المنظمة الصهيونية العالمية قد أطلق على سيناء اسمًا مُعَبِّرًا هو فلسطين المصرية؛ ليتخذ منها في المستقبل نقطة وثوب إلى فلسطين الآسيوية (فلسطين الحالية)، ولذلك دخل هرتزل في مفاوضات عام (1316 هـ / 1898م) مع بعض أعضاء الوزارة البريطانية، وبخاصة جوزيف تشمبرلين وزير المستعمرات، ولورد لانزدون وزير الخارجية، من أجل توطين اليهود في سيناء على أساس إقامة دولة يهودية فيها، تتمتع بالحكم الذاتي في نطاق الإمبراطورية البريطانية، ووافق الوزيران على الاقتراح؛ لأنه يحقق لبريطانيا أهدافًا استراتيجية؛ منها: ضمان حماية شرقي قناة السويس، وعزل مصر عن الولايات العربية في غربي آسيا، وإضعاف الدولة العثمانية، وإقامة دولة موالية لبريطانيا؛ غير أن هذا المشروع بعد بحثه فشل بسبب معارضة السلطان عبد الحميد الثاني له أولاً، وبسبب معارضة اللورد كرومر حاكم مصر، ومعتمَد بريطانيًا لدى مصر، وتوقف بحث مشروع استيطان اليهود في سيناء [22].
ثامنًا: الدولة تحد من هجرة اليهود إلى فلسطين
تطلَّع اليهود على مر العصور التاريخية إلى فلسطين؛ كإقليم يجمع شتاتهم، ويُنشئون فيه دولة، متذرِّعِين بادعاءات دينية وتاريخية؛ فقد أسس اليهود الحركة الصهيونية، ونجحت في استقطاب الدول الكبرى وتأييدها، وكان على الدولة العثمانية أن تخوض -دفاعًا عن فلسطين- صراعًا سياسيًّا مريرًا ضد القوى الصهيونية، والدول الأوروبية المناصرة، ونجح الصهاينة في توقيت حركتهم ونجاحها نجاحًا باهرًا، فاختاروا فترة عصيبة من فترات الاضمحلال التي كانت تمر بها الدولة العثمانية، ولكن الدولة العثمانية عملت في حدود إمكانياتها على الحدِّ من الهجرة إلى فلسطين، وقاومت بذلك الحركة الصهيونية، وقد رفض السلطان عبد الحميد الإغراءات الصهيونية التي عرضها عليها هرتزل، رغم الضائقة المالية التي تمر بها الدولة العثمانية، وبذلك حافظ على عروبة وإسلامية فلسطين [23].
المصدر: إسماعيل أحمد ياغي: الدولة العثمانية في التاريخ الإسلامي الحديث، الناشر: مكتبة العبيكان 1995م، ص235- 249.
[1] عبد العزيز الشناوي، "الدولة العثمانية دولة إسلامية مفترى عليها"، جـ 2 ، القاهرة 1980، ص 862.
[2] نفس المرجع، ص 862 – 863.
[3] نفس المرجع، ص 862 – 863.
[4] عبد العزيز الشناوي: "الدولة العثمانية دولة إسلامية مفترى عليها"، جـ 2 ، ص 863.
[5] د . محمد أنيس، "الدولة العثمانية والشرق العربي"، القاهرة 1977، ص 45 – 46.
[6] عبد العزيز الشناوي، "الدولة العثمانية ..." مرجع سبق ذكره، جـ 2، ص 936.
[7] يرى الدكتور أنيس الصايغ أن العلاقات بين الأكثرية المسلمة السُّنية في الولايات العربية، والأقليات المذهبية والعنصرية فيها قد خلقتْ مشكلة شائكة ومزمنة بشكل عام، وقد أسهمت بريطانيا وفرنسا في توسيع شُقَّة الخلاف بين الأكثرية والأقلية، وشجعت الأقلية على عدم الاختلاط والاندماج، ونتج عن ذلك انكماش من الأقليات، وانقلابها على نفسها، مما عزلها عن الأكثرية. أنيس الصايغ، "الهاشميون وقضية فلسطين"، بيروت 1966، ص 95.
[8] المرجع السابق.
[9] [التوبة: 41].
[10] عبد العزيز الشناوي، "الوحدة العربية في التاريخ الحديث والمعاصر"، القاهرة 1975، ص 8 وانظر كذلك: الجبرتي "عجائب الآثار في التراجم والأخبار"، القاهرة 1980، ج3، ص 88 ص 107.
[11] عبد العزيز الشناوي، "الدولة العثمانية ..." ص 946 – 947.
[12] أنيس الصايغ، "الهاشميون ، وقضية فلسطين"، بيروت 1966، ص 93 – 94.
[13] د/ محمد أنيس، "الدولة العثمانية والشرق العربي"، ص 88 – 89.
[14] د. عبد العزيز الشناوي "الدولة العثمانية دولة إسلامية مفترى عليها"، ص 953 – 958.
[15] د/ عبد العزيز الشناوي، المرجع السابق ص 958 – 959.
[16] د/ محمد فؤاد شكري، "مصر والسودان"، دار المعارف بمصر 1958، ص 473 – 518.
[17] دكتور محمد بديع شريف وآخرون، "دراسات تاريخية في النهضة العربية الحديثة"، القاهرة 1963، ص 269 – 275.
[18] د/ عبدالعزيز الشناوي، المرجع السابق، ص 961 – 963.
[19] د/ عبد العزيز الشناوي، المرجع السابق، جـ 2 ص 964 – 966.
[20] نفس المرجع ص 966.
[21] د/ أنيس صايغ، "الهاشميون وقضية فلسطين"، بيروت 1966، ص 22.
[22] Stein Leonard. The Balfour DeclarationLondon1967, PP. 26 - 93
[23] "مذكرات هرتزل"، ص 275.
تاريخ حمد الله موجود في كل رفوف من يبحث يجد
يجب الفصل بين القيادات السياسية والشعب نفسه. لا يليق وصم شعب كامل بأنه من السفلة.
معقدين من المغرب سبحان الله رغم ان المغرب كان دائما معكم في حروبكماذا اردنا اعادة التاريخ وكلاً يعمل به ويكون استدلالاً واثبات حجة فالتاريخ يقول أن الصحراء الغربية ليست للمغرب وهي تخص للجمهورية العربية الصحراوية الكبرى ومن حق الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب المطالبه بأرضها من الاحتلال المغربي لها هذا التاريخ ويجب على المغرب ان لا ينسى افضال الصحراويون ابأن الاحتلال الاسباني والفرنسي فهم من دحروا الاسبان والفرنسيين ولكن كان الرد بأحتلال اراضيهم وهذه حدودهم وهذا شعارهم الذي يحفظه التاريخ جيداً
مشاهدة المرفق 312236
مع علمي الأكيد بأن ماكتبت سيحذف لأن البعض يخاف من التاريخ الحقيقي ولا يحب ظهوره للعلن ..
على نفس نهج الجزيرة واخواتها تقريبا نفس الممولقناة ألمانية موجهة إلى العالم العربي
هذا حتى مو حافظقص ولزق يصدق وصف حافظ بس مش فاهم