إهلاك الله لقوم ثمود
أرسل الله نبيه صالحاً عليه السلام إلى ثمود الذين آتاهم الله من القوة والبأس ما كانوا به يقطعون الصخر وينحتون الجبال ويتخذونها بيوتًا, وأرسل معه الناقة آية بينة مبصرة على صدق نبوته، فكذبوه واستهزئوا بعذاب الله وقتلوا الناقة, فعاقبهم الله بما أخبر في كتابه, فأمهلهم صالح عليه السلام ثلاثة أيام أصابهم بعدها عذاب الله وانتقامه {إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِر}. وقال تعالى: {فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِين} "وإنما عنى بـ(الرجفة) ها هنا الصيحة التي زعزعتهم وحركتهم للهلاك، لأن ثمود هلكت بالصيحة، فيما ذكر أهل العلم" (الطبري 12/545).
وقال تعالى: {فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَة} أي بالصيحة التي طغت وفاقت كل الصيحات كما رجح ابن جرير، فكان عذابهم بالصيحة {فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِين} أي: صرعى لا أرواح فيهم وكانوا{كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِر} قال السدي: "هو المرعى بالصحراء حين يبيس ويحرق وتنسفه الريح" (ابن كثير 7/480).
إشكالات حول المكان:
يستشكل بعض الناس ما يقوله بعض علماء الآثار من معلومات قد يظن لأول وهلة أنها تدفع أن تكون مدينة الحجر -أو ما يسمى اليوم مدائن صالح- هي ديار ثمود وقوم نبي الله صالح عليه السلام, ومن تلك الإشكالات:
الكتابات في الحجر نبطية
يستشكل بعض الناس كون الرسوم والكتابات في الحجر من صنع الأنباط في القرن الثاني قبل الميلاد فكيف تكون هي ديار ثمود؟
لا مانع من أن يكون سكن الحجر بعد ثمود اللحيانيون قبل ميلاد المسيح عليه السلام بتسعة قرون, ثم احتلها الأنباط في القرن الثاني قبل الميلاد, واتخذوا من بيوت الحجر معابد ومقابر وأعادوا زخرفتها ونسبوها لأنفسهم في نقوشهم وكتاباتهم, وجعلوها عاصمتهم الجنوبية, والبتراء عاصمتهم الشمالية.
ومع ذلك يبقى لها أحكامها وتنسب لأهلها الأوائل؛ كما نسبها لهم النبي صلى الله عليه وسلم "أن الناس نزلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أرض ثمود الحجر.... فقال:لا تدخلوا بيوت الذين ظلموا أنفسهم" (البخاري 3379).
لا توجد آثار زلزال في الحجر
يقول البعض إنه لا توجد آثار زلزال في منطقة الحجر وما يسمى مدائن صالح، مع وجود آثار لزلزال في منطقة أخرى قريبة من الساحل.
ولتوضيح ذلك يقال: إن ديار ثمود التي مر عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحجر، كما قال الله تعالى: {وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِين} وعرفها الناس قبل الإسلام وبعده إلى اليوم.
وعذاب الله لثمود قوم صالح كان الصيحة وليست الزلزلة، كما في الآيات الصريحة الدالة على ذلك.
أما قوله تعالى: {فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَة} فمعناه الصيحة القوية التي زعزعتهم وحركتهم للهلاك, وهو قول مجاهد والسدي وجمهور المفسرين, كما يسمي العرب الشيء العظيم بأسماء مختلفة, كل اسم دال على معنى فيه, كما سميت الصيحة أيضاً بالطاغية؛ لأنها طغت وتجاوزت غيرها.
قال ابن جرير"القول في تأويل قوله: {فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِين}.
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فأخذت الذين عقروا الناقةَ من ثمود الرجفة، وهي الصيحة.
والرجفة: الفعلة، من قول القائل: رجَف بفلان كذا يرجُفُ رجْفًا، وذلك إذا حرَّكه وزعزعه... وإنما عنى بـ(الرجفة) ها هنا الصيحة التي زعزعتهم وحركتهم للهلاك؛ لأن ثمود هلكت بالصيحة، فيما ذكر أهل العلم" (جامع البيان 12/545).
وإذا قيل بأن الرجفة هي الزلزلة كما قال بعض المفسرين، فالله قادر على إبقاء الديار كآية, وظاهر القرآن أن دورهم لم يصبها شيء, على الخلاف في معنى الدار في قوله تعالى: {فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِين} (انظر: الطبري2/545). وربما أصلح الأنباط بعض آثار الزلزال، على أن الراجح أن الرجفة بمعنى الصيحة كما سبق.
كانت الحجر طريقاً للحجاج
يشكل على البعض وجود عدد من أمارات التواجد والحراك السكاني في الحجر, كوجود سكة الحديد والقلعة، إضافة إلى أن فيها محطة لقوافل الحجيج واستراحاتهم, فكيف تكون هي المنطقة المنهي عن دخولها إلا على حال البكاء؟
ولتوضيح ذلك يقال: أما كونها طريقاً للحجاج فلا مانع من ذلك، وقد مرَّ بها النبي صلى الله عليه وسلم -وإن لم ينزل-, وزيارة الناس لديار ثمود وكون الحجاج يقصدونها أثناء سيرهم للاعتبار والعظة لا بأس فيه كما ذكرنا, بل قال تعالى عن موقع عذاب قوم لوط: {وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ • وَبِاللَّيْلِ} {وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيم}, ووجود عدد من القلاع هناك لا شك في جوازه إذا وجدت مصلحة راجحة, كالمحافظة على ماء بئر الناقة, أو حماية قوافل الحجاج, وجعل القلعة كمحطة راحة لهم.
ثم إنه لا يسوغ الاستدلال بفعل الناس على الحكم الشرعي, فقد ضيع البعض أهم شعائر الدين وأصوله، ولا يستدل أحد على صحة الفعل بوقوعه وكثرة فاعليه, فتجد الشركيات تنتشر في كثير من الأصقاع, ولا يمكن بحال الاستدلال بانتشار الطواف على القبور مثلاً على جواز ذلك {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّه}, فالمرجع في ذلك للكتاب والسنة.
أن تسميتها بمدائن صالح في العصور المتأخرة
سمى الله المنطقة بالحِجْر, وهو اسمها القديم المعروف إلى اليوم, ويمكن تسميتها بديار ثمود كما نسبها إليهم القرآن }فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِين{، ويسميها كثير من الناس اليوم مدائن صالح, وهي تسمية حادثة في العصور المتأخرة، وقد يكون ذلك من نسبة العوام المباني لنبي الله صالح عليه السلام المرسل إلى ثمود، أو يكون ما ذكره البرزالي صحيحاً في أنها نسبة لرجل اسمه صالح من بني العباس, والله أعلم بالصواب.
قال ابن ناصر الدين: "ومدائن صالح التي بالقرب من العلا في طريق الحاج من الشام بلد إسلامي, وصالح المنسوبة إليه من بني العباس بن عبد المطلب, وفيها قبور عليها نصائب تاريخها بعد الثلاث مئة, ذكره الحافظ أبو محمد القاسم ابن البرزالي فيما وجدته بخطه" (توضيح المشتبه 8/97).