رجال أمن يتفقدون موقع انفجار سيارة في حي كفر سوسة في دمشق مساء أول أمس (أ.ف.ب)
الخرطوم: «الشرق الأوسط»
وصف خبراء عسكريون سودانيون، اغتيال عماد مغنية أحد القادة العسكريين في حزب الله في
سورية، اول من أمس، بأنه «لعبة مخابرات»، أشبه بالطريقة التي سلمت بها الحكومة السودانية
في عام 1994 الإرهابي الدولي المعروف باسم
كارلوس الى السلطات الفرنسية، والتي تمت في
ظل ملابسات غامضة. لكن
كارلوس نفسه وصفها بأنها «
صفقة» بين الدكتور حسن عبد الله
الترابي زعيم الاسلاميين السودانيين، الذي كان يدير حكومة الرئيس عمر البشير من وراء الأبواب
والإدارة الاميركية انذاك. واعاد حادث الاغتيال للأذهان تضارب تقارير أجهزة المخابرات العالمية
انذاك، حول ما اذا كان الشخص الموجود في الخرطوم
كارلوس أم عماد مغنية. وحسب كتاب
للصحافي صديق محيس ينشر هذه الأيام في الخرطوم على حلقات، فإن
كارلوس دخل الخرطوم على
متن طائرة الخطوط الجوية السودانية القادمة من العاصمة الأردنية عمان في 14 أكتوبر 1994،
وكان يحمل جوازاً دبلوماسياً غير مزور من اليمن الجنوبي باسم عربي هو (عبد الله بركات) وكانت
بصحبته زوجته الأردنية، وهي طالبة في السنة النهائية في كلية طب الأسنان في الجامعة السورية،
وثلاثة من مرافقيه الذين ظل اثنان منهم على الأقل معه دائماً في الخرطوم، حتى ساعة تسليمه
إلى فرنسا في 12 أكتوبر 1995.
توجه
كارلوس ومجموعته من المطار بسيارة أجرة إلى الفندق الكبير المطل على النيل ـ وهو أقدم
صرح سياحي منذ أن أسسه البريطانيون عام 1904 ـ وقضوا نحو اسبوع قبل ان يؤسسوا مكتبا
تجاريا بوسط الخرطوم، حيث تم تقديمهم الى بعض رجال الأعمال السودانيين، باعتبارهم رجال
أعمال قدموا إلى
السودان للاستثمار.
وقدم
كارلوس نفسه خاصة على أنه عربي من أم أميركية لاتينية لتلافي الحرج، الذي قد يثيره
السؤال عن لكنته غير العربية الواضحة، وقد اقترح عليهم العمل في مجال الحبوب، وسافر معهم
بعض رجال الأعمال السودانيين إلى منطقة الدمازين جنوب النيل الأزرق، لتعريفهم مباشرة على
أكبر المناطق إنتاجاً للذرة، وهي السلعة الرائجة من صادرات
السودان. واستطاعت المجموعة
استئجار شقة من أربع غرف في منطقة العمارات جنوب الخرطوم في الشارع الذي يحمل رقم 33.
ولاحظ
كارلوس إحكام الرقابة عليه، وأبدى ضيقاً وتبرماً من ذلك. وبعد فترة قصيرة أعلن
كارلوس
عن شخصيته الحقيقية، مبدياً استعداده للتعاون فيما اذا طلب منه أداء أي عمل تريده السلطة
(الثورية) في
السودان، مسخراً لذلك إمكاناته ومواهبه وعلاقاته. لكن مفاجأة
كارلوس كانت كبيرة،
حين نقل إليه مسؤول ان الحكومة لا تقر فكرياً بأساليب الإرهاب، وترفض مواقفه سياسياً، ومن ثم
فهي لا تستطيع التعامل معه، بل تطلب منه مغادرة
السودان إلى أي جهة يريدها. لم يقتنع
كارلوس
نهائياً برد صديقه المسؤول الأمني، وحمل خطاه ليجرب أسلوب الاتصال المباشر، وليأت بنفسه إلى
مكتب الاستقبال الخاص بالمؤتمر الشعبي العربي الإسلامي، ليطلب مقابلة الشيخ حسن الترابي،
حاملا معه نسخة من كتاب «إلى نهاية الأرض» الذي كتبه الصحافي البريطاني ديفيد يلوب حول
قصة
كارلوس من البداية، وحتى سنوات بيروت، وطلب تقديم نسخة الكتاب إلى الدكتور الترابي،
وتحديد موعد لمقابلته، الأمر الذي لم يتم إلى حين تسليم
كارلوس. لم يمض شهران على وصول
كارلوس إلى
السودان، حتى وصل إلى مطار الخرطوم مسؤول فرنسي رفيع في جهاز الاستخبارات
الفرنسية الداخلية (D.S.T) وهو فيليب روندو، على متن طائرة الخطوط الجوية الفرنسية، وقابل
بعد ساعات من وصوله مدير جهاز الأمن الخارجي حول مجموعة وصلت إلى الخرطوم من عمان،
وأن الذي يعنيهم من المجموعة، شخص واحد فقط مطلوب للعدالة الفرنسية، كما أن منظمة
الشرطة الدولية الإنتربول، اصدرت قراراً بالقبض عليه، وأن القسم المختص بذلك في كل أنحاء
العالم يملك نسخة من ذلك القرار، بما في ذلك الشرطة السودانية. عند مقارنة المعلومات الفرنسية
بالمعلومات التي يملكها السودانيون، تأكد أن الشخص المعني هو نفسه الموجود في الخرطوم. في
أغسطس 1995 غادر الدكتور الترابي الخرطوم إلى إسبانيا، لتقديم محاضرة في جامعة مدريد،
وفي رحلة العودة على متن الخطوط الجوية الفرنسية، وعند توقفه في مطار شارل ديغول لتبديل
الرحلة، اجتمع لوقت قصير مع مسؤول فرنسي كبير، أبلغه فيه مخاوف فرنسا من تردد
السودان
في تسليم
كارلوس، وهل ترى السلطات السودانية أن تتم
صفقة سياسية بين البلدين، حتى يمكن حل
هذا الموضوع، فرد الترابي بوضوح أن
السودان ملتزم نهجاً مبدئياً. بعد ذلك اتخذت السلطات
السودانية منحًى جديداً في التعاطي مع موضوع
كارلوس، وقد أجرى الترابي بعد عودته الخرطوم،
مشاورات في أضيق الحدود حول هذه الأزمة والتي كانت نهايتها ابلاغ فرنسا أن
السودان مستعد
الآن لتسليم الصيد الفنزويلي عن طريق الإنتربول، وقد تزامن تاريخ 12 أغسطس 1995 مع
تعافي
كارلوس من عملية جراحية من الدرجة الثانية، أجريت له في مستشفى خاص بالخرطوم.
ولم يكن معه ساعتئذ سوى زوجته الأردنية التي استدعيت إلى مباني جهاز الأمن في ساعة متأخرة
من تلك الليلة، وتم ابلاغها باعتقال زوجها، وطلب إليها أن تحزم أمتعتها لمغادرة
السودان، وبعد
اقل من ساعة نحو منتصف الليل بتوقيت
السودان، حطت طائرة فرنسية خاصة في مطار الخرطوم،
وعلى متنها طاقم من الشرطة الفرنسية تسلم مطلوبه في أقل من نصف ساعة، بعد توقيع الأوراق
الرسمية. وقال
كارلوس في لقاء صحافي أخير معه من داخل محبسه في فرنسا: «سوف يطلق
سراحي، لكي يتم اغتيالي بعد ذلك، إنها قناعة نابعة من الاستنتاج التالي: حين باعني حسن الترابي
للأميركيين، عبر وسطاء خليجيين، أوهمهم بأنهم سيتسلمون حطاما بشريا، وصورني لهم كمرتزقة
في سن التقاعد، و(زير مومسات) مدمن على الخمور، وربما على المخدرات أيضا».