مذكرات ضابط عراقي شارك في حرب تشرين 1973
كنا مجموعة من الضباط العراقيين الذين شاركوا في حرب تشرين نتحدث عن هذه الحرب ومشاركة الجيش العراقي الباسل فيها بثقل كبير تلبية لنداء الواجب القومي.. قادنا حديث الذكريات الى ظهر ذلك اليوم (1973/10/6) الذي بدأت فيه القوات السورية والمصرية تعرضها الواسع ضد القوات الاسرائيلية على الجبهتين الغربية والشمالية.. وفي صباح اليوم الثاني من الحرب كانت القطعات العسكرية العراقية المشاركة ومنها الدبابات تتحرك من مواقعها العسكرية ومنها معسكر التاجي شمال بغداد ومعسكر الورار في الرمادي باتجاه الحدود السورية على السرفات.. وقد ذكر لي أحد الضباط العراقيين أن الحكومة السورية كانت تؤكد على (اهمية وصول القطعات العسكرية العراقية باسرع وقت وباكبر حجم ممكن وان لايقل عن فرقتين بكامل دروعهما).. ومنذ يوم 10/7 وحتى يوم 10/24 وهو يوم تكامل القوات العراقية في سوريا بلغ حجم هذه القوات فرقتين مدرعتين وثلاثة الوية مشاة، اي ما يعادل فيلق وبلغ مجموع هذه القوات (60) الف مقاتل و(700) دبابة ومئات العربات المدرعة والاف سيارات النقل و(12) كتيبة مدفعية، كما شارك في المعارك أسراب من مختلف أنواع الطائرات المقاتلة.
استنفار القوات العراقية
في يوم 8 تشرين أول 1973 فتح مقر عمليات في ديوان وزارة الدفاع العراقية ثم نقل الى مقر بديل اخر وحشدت(5) اسراب من الطائرات في مطاري الضمير ودمشق الدوليين وارسلت على الفور الى العاصمة السورية ايضا ناقلات حوضية لمشتقات النفط وصدرت الاوامر للقطعات العسكرية بالحركة من مناطق تحشدها او تدريبها الى سوريا وكان اولها ارسال فوج حماية قاعدة ابن الوليد ثم تبعه لواء مشاه الي وكان التنقل على سرفات الدبابات ايضا وعجلات القتال المدرعة لكسب الوقت في الوصول بسرعة الى الجبهة السورية لان الموقف العسكري ، كما اخبرنا ضابط الارتباط السوري،، كان يتطور بسرعة بعد يوم 8 تشرين الاول 1973.
وقد قامت ارتال عجلات الادامة بنقل (50) الف طن من مواد الادامة المختلفة كالارزاق والعتاد والوقود والمواد الاحتياطية والملابس والتجهيزات.. الخ وحسب معلوماتنا لم يتعرض خلال عملية التحشد هذه جندي واحد للعطش او الجوع ولم تتوقف اية عجلة لنقص الوقود ولم يفتقر اي سلاح للعتاد.. لقد انجزت معركة التحشد بشكل رائع اعترف بها الاعداء قبل الاصدقاء حتى لقد ذكرت اذاعة لندن يوم 1973/10/20 نقلا عن احد المعلقين العسكريين لصحيفة تايمس اللندنية ما يلي: (ان احدى المفاجآت الكبرى في حرب الشرق الاوسط هي استطاعة العراق تحشيد فرقة مدرعة عبر مسافة الف كيلومتر وزجها في المعركة مما قلب خطط الاسرائيليين ومنعهم من تحقيق كل اهدافهم في هذه الجبهة) واكد هذا التحليل المعلق العسكري الاسرائيلي (زئيف شيف) حيث اورد في صحيفة هاارتس الاسرائيلية يوم 1973/10/29 تحليلاً لنتائج الحرب القى فيها مسؤولية الفشل على الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية في اعطاء انذار مبكر للهجوم على الجبهتين المصرية والسورية. واورد شيف رأياً حول اشتراك القوات العراقية في الحرب قمت بترجمته في حينه من العبرية الى العربية انقل للقارئ الكريم نصه بالحرف.. حيث يقول: (لقد شكل اشتراك القوات العراقية في الحرب من جهة الشرق مفاجأة للقيادة العسكرية الاسرائيلية التي لم تكن تعرف ميدانيا قدرة القوات العراقية الا من خلال ما ذكر في مصادر المعلومات العلنية عن كفاءتها العسكرية.. ان هذه المفاجأة العراقية التي اجبرت القوات العسكرية الاسرائيلية على فرز قوات كبيرة لمواجهة القوات العراقية احدث تحولا في مسيرة الحرب وابعد دمشق عن مطارق المدفعية الاسرائيلية).
ثم دارت الحرب وقامت القوات الجوية والبرية العراقية بواجبها بشكل مشرف ضمن مشاركتها ولكن كفاءتها القتالية وارتفاع روحها المعنوية ودقة الخطط المعدة لتدخلها جعلتها تقلل نتائج السلبيات المفروضة الىالحد الادنى وتؤمن النتائج القصوى من الجهد الذي امكن تقديمه.. وكان لدور القوات المدرعة العراقية الاثر البارز في تلاشي زخم الهجمات المتواصلة التي شنتها القوات الاسرائيلية وارادت بها الوصول لتطويق دمشق فتحولت جهودها نحو اتجاهات اخرى ولم تنجح ايضا نتيجة تصدي الهجمات العراقية المقابلة والشديدة وقتال الدروع المسند بالقوة الجوية مما احبط مساعي القوات الاسرائيلية في هذه الجبهة.. وكانت تضحيات قواتنا البرية الباسلة التي ضربت اروع الامثلة في الشجاعة والتضحية والايثار في القتال835) شهيداً من بينهم (11) ضابطاً (73) مفقوداً من بينهم (36) ضابطاً (26) طائرة مقاتلة (111) دبابة وناقلة اشخاص مدرعة (249) سيارة عسكرية (738) قطعة سلاح.
حجم وأنواع القطعات العسكرية التي شاركت في حرب تشرين 1973.
فيما يأتي حجم وانواع القوات العسكرية العراقية التي شاركت في الحرب باسناد ودعم القوات السورية والمصرية على الجبهتين الشمالية والجنوبية:
1- القوات البرية
أ-الفرقة المدرعة الثالثة وقائدها العميد الركن محمد فتحي امين الكواز وتالفت من :
أولا: اللواء المدرع /12 (ابن الوليد) / وامر اللواء العقيد الركن سليم شاكر الامام وشارك في بداية المعارك بكتيبة دبابة المعتصم وكتيبة دبابات قتيبة ومشاة الالي ثم اعقبها كتيبة دبابات القادسية بسبب قلة ناقلات الدبابات.
ثانياً: اللواء المدرع السادس / امر اللواء المقدم الركن غازي محمود العمر حيث كانت وحدات اللواء في مناطق التدريب بالورار غرب الفرات وعند صدور الامر تحركت على سرف الدبابات والناقلات الى الكيلو 160 بسبب قلة ناقلات الدبابات.
ثالثاُ: لواء المشاة الالي /8/امر اللواء العقيد الركن محمود وهيب وشاركت جميع وحداته في المعارك بالرغم من تاخر وصول فوج ناقص سرية يوم 10/16 .
ب- الفرقة المدرعة السادسة حيث وصلت الفرقة وفتحت مقرها التعبوي في(جب الصفا) وشاركت باغلب المعارك
أولا. لواء المدرع / 30
ثانياً .لواء المدرع/ 16
ثالثاُ. لواء المشاة الالي /25
ج- فرقة المشاة الالية الخامسة لواء المشاة الالي/ 20 امر اللواء العقيد الركن سلمان باقر شارك في اغلب المعارك وكان يتحشد في مدينة العمارة جنوبي العراق وتحرك على السرفة لساعات طويلة بدون اي استراحة ولمدة 18 ساعة حيث وصل(الغوطة) يوم 10/15 ودخل اللواء ايضا في خطة الهجوم الاستراتيجي الذي خطط له يوم 10/24 وكانت خسائر اللواء 15 شهيدا و 40 جريحا.
د. فرقة المشاة الرابعة
لواء المشاة الخامس الجبلي / امر اللواء المقدم الركن عبدالجواد ذنون وكانت معارك مشهود لها في الجولان وجبل الشيخ .
2- القوة الجوية
اما بالنسبة لمشاركة القوة الجوية العراقية في الحرب فقدتم ادخال القوة الجوية العراقية بالانذار الفوري و خصصت القيادة العامة للقوات المسلحة العراقية جهدا جويا كبيرا لاسناد وخدمة القوات المشاركة في العمليات العسكرية وكما ياتي :
90 مطاردة معترضة ميك 21
60 قاذفة مقاتلة هجوم ارض سوخوي/7
30 قاذفة للهجوم الارضي ميك /17
36 قاذفة مقاتلة هجوم ارضي هوكر هنتر 24 طائرة قوامها (2) سرب كانت موجودة في مصر قبل بدا الحرب وشاركت في الضربة الجوية الاولى ضد الاهداف الاسرائيلية في سيناء .
8 قاذفات متوسطة /تي يو 16
اما بالنسبة لطيران النقل فكان العراق يمتلك 31 طائرة وكما يلي :
4 طائرات خفيفة انتونوف2
7 طائرات نقل ثقيلة انتونوف/ 12
10 طائرات خفيفة انتونوف/24
8 طائرات نقل اليوشن /14
2 طائرة نقل خفيفة هيروف /16 (بريطانية)
وقد بلغ عدد ساعات طيران النقل الجوي لصالح العمليات من 10/7 -11/3 هو (862) ساعة منها (121)ساعة على الجانب المصري و (394) ساعة على الجانب السوري والجهد الجوي الاخر كان مخصصا لاغراض الادامة والارتباط والواجبات الاخرى حيث تم نقل(1800) شخص وحمولات بزنة(671) طن موزعة(452) طن لاسناد الجناح العراقي في مصر و(219) لاسناد الاسراب العاملة في سورية .
وكان العراق يمتلك 8 قاذفات قنابل تي يو 16 حمولة كل منها 72 طن بالطلعة الواحدة ولم يشترك سرب القاذفات تي يو22 في الحرب بسبب عدم استلام اجهزتها من الاتحاد السوفيتي السابق الا بعد انتهاء الحرب.
اما الطائرات السمتية التي كانت تمتلكها القوة الجوية العراقية فكانت :
83 طائرة خفيفة (مي/1)
35 طائرة مهمات (مي/4)
29 طائرة نقل متوسط (مي/8)
10 طائرة بركس(بريطانية الصنع )
5 طائرات الويت (فرنسية الصنع) . وقد شاركت اعدد من هذه الطائرات في مهمات قتالية ولوجستية .
خسائر القوة الجوية العراقية
استشهاد (12) طيار وسقوط (26) طائرة.
ان هذا السفر الخالد للضباط والجنود العراقيين الذين وقفوا الى جانب اخواتهم في الجيوش العربية الاخرى في حرب تشرين 1973 سوف تذكره الاجيال بفخر المآثر التي سطروها وتلك الدماء التي سالت في كفر ناسج وتل عنتر وجبل الشيخ وصحراء سيناء دفاعاً عن قضيتهم القومية وعن شرف الماجدات العربيات.وسوف لن تغيب عن البال ايضاً تلك الملحمة الوطنية العراقية عندما مرت (24) طائرة عراقية مقاتلة مع عدد اكبر من الطائرات المصرية فوق قناة السويس على ارتفاع منخفض وبسرعة هائلة لتقوم بتدمير المطارات الاسرائيلية في سيناء وهي (المليز، ثمادة، راس نصراني) وتضرب عشرة مواقع لصواريخ (هوك) والمقر المتقدم لقيادة المنطقة الجنوبية الاسرائيلية في (ام خشب) ومقرها الرئيسي في (العريش).كما لا ننسى ايضا ذلك الاستقبال الرائع الذي كان يستقبل به اهلنا في سوريا اخوانهم وابناءهم من ابطال الجيش العراقي وهم يتوجهون الى جبهات القتال وبالزغاريد بعد عودتهم وهم يحملون اكاليل الغار والنصر .
ان ماحصل في حرب تشرين يجسد الارادة العربية الواحدة في مواجهة الخطر المحدق بالامة العربية وان مشاركةالجندي العراقي في هذه الحرب الى جانب اخوته في الجيوش العربية يدل دلالة قاطعة ان الخطر الذي يتعرض له أي عضو في الجسد العربي انما هو خطر يهدد كل الجسد وان تضحيات الجيش العراقي الباسل في هذه الحرب وكل الحروب العربية الاسرائيلية انما هي تاكيد للمصير المشترك الذي يربط ابناء الامة الواحدة فضلا عن كونه جيشا له خبرات طويلة في الدفاع عن قضايا امته مما ساعد على تحقيق النصر في الحرب على العدو الاسرائيلي ..
وان هذا يدل على ان الجندي العربي من اي جيش كان ومن اي بلد عربي كان هو جندي مؤمن بقضيته متمرس في استخدام سلاحه متقن لعقيدته القتالية اذا ما توفرت له كل المقومات والامكانيات المطلوبة لخوض حرب حديثة مهما كانت ظروف المعركة صعبة