تُعتبر ثورة 1920 من الاحداث البارزة في القرن العشرين في العراق تلك الثورة التي توحد العراقيين فيها جميعاً من الجنوب الى الشمال لمقاتلة المحتلين الانكليز بِعد انطلاق شرارتها في الجنوب على خلفية اعتقال شيخ عشيرة الظوالم شعلان ابو الجون ولها اسباباً عديدة ونتائج مهمة كان من بينها اعادة نظر البرطانيين بحكم العراق المباشر من قبلهم الى تشكيل دولة حديثة يتول قيادتها ملك يختاره العراقيين ، وكذلك من نتائج ثورة العشرين اجهاض مشروع تهنيد العراق وهو موضع بحثنا الاساس ..
صرح الكولونيل أرنولد ويلسون الحاكم المدني للعراق(1918-1920) لأحد أصدقائه في البرلمان انه من الضروري ضم بلاد مابين النهرين -العراق- الى الهند وجعلها مستعمرة للهند و الهنود بحيث تقوم الهند بإدارتها وزراعة سهولها الواسعة و بالتدريج و توطين الپنجاب او الاجناس المحاربة فيها ويبداً هذا المشروع من البصرة جنوبي العراق حيث تكون هدفاً لهجرة هندية واسعة تبلغ خلال مدة غير طويلة عدة ملايين هندي و هندية تبداً من البصرة ثم تمتد منها شمالاً حتى تشمل قسماً كبيراً من وادي الرافدين وتحويل الخليج العربي الى أمتداد المحيط الهندي وعلى وفق هذا المشروع لو تم يكون العراق تابعاً للهند الدرة اللامعة للتاج البريطاني ..
كانت تقارير دوائر الاستخبارات البريطانية في العراق تدل ان العراق مقبل على احداث خطيرة تقلب موازين ويلسون رأساً على عقب ، أصدرت الحكومة البريطانية بلاغاً في 17 تموز 1920 تضمن به جعل العراق حكومة مستقلة تضمن استقلاله جمعية عصبة الامم وتوكل بريطانيا وكالة بها وتحفظ بريطانيا الامن الداخلي و الخارجي وتشكيل قانون أساسي تستشير اهل العراق فيه على ان يكلف السير بيرسي كوكس بتنفيذ هذه المهمة خلفاً لويسلون بعد انتهاء مهمته وترتيب تنظيم موقت من مجلس شورى تحت رئاسة عربي و مؤتمر عراقي يشمل جميع أهالي العراق ..
بعد فقدان الامير فيصل عرشه في سوريا وإجلائه من قبل الفرنسيين في 25 تموز 1920 بعث اللورد كرزن وزير خارجية بريطانيا الى ويلسون حول الأوضاع الجارية وتتضمن اسئلة عديدة منها بعد خروج فيصل من عرش سوريا هل سيذهب الى الحجاز او يبقى في درعا ضمن النفوذ البريطاني فيها ان بقي والتف حوله موظفيه السابقين سيكون مصدر ازعاج للفرنسيين بمطالبته بعرش سوريا اما اذا تنازل عنه سيطالب بزعامة فلسطين وسيخلق هنا المتاعب لفرنسا و يضعنا في موقف صعب فهل لحكومة التاج البريطاني ان تفكر في إسناد إمارة العراق اليه وان فيصل الوحيد بين زعماء العرب الذي يدرك مشاكل المتعلقة بإدراة حكومة متمدنة بطرق غربية ولايوجد منافس محلي يمكنه ان يقوم بمهمته ولايخطئ التقدير ان المساعدات الأجنبية امر حيوي لاستمرار وجود دولة عربية كما يدرك الخطر في الاعتماد على جيش عربي فإذا قدمنا اليه عرش العراق لانستعين مكانتنا في العالم العربي وحسب بل القضاء على تهمة خيانة فيصل وأهل هذه البلاد و واذا عزمت الحكومة انقاص نفقاتها في هذه البلاد لايام الا بوجود فيصلاً دون اي حلول اخرى ..
وهكذا تحول موقف الكولونيل ويلسون من داعية كبير لضم العراق الى الهند الى مسوؤل يرى وجود اغتنامها بعد اخراج الفرنسيين لفيصل من سوريا وتقويض الحكومة العربية التي أقامها الى إسناد عرس العراق الى هذا الامير العربي ، ولو نجح مشروع ويلسون الجهنمي لكانت أسست في الواقع اسرائيل اخرى ، اسرائيل هندية مؤلفة من عدة ملايين هندي و هندية ويمكن تخيل الاخطار هذه المستعمرة الهندية على الوجود العربي في غرب الخليج بعد اكتشاف الموجودات النفطية الهائلة فيه ولو كانت تحققت هذه الخطة البريطانية لكانت قلبت الوضع السياسي ليست فقط في الخليج وإنما في الشرق الأوسط برمته رأساً على عقب ولكانت غيرت موازين القوى في تغيير اساسياً في غير صالح الأمة العربية ، وان تقويض و تحطيم هذا المشروع لم يكن يحدث لولا ثورة العشرين التي أنهته الى الأبد ..
للمراجعة
—————————————
عبد الرزاق الحسني احداث عاصرتها ( ج 1 ) ..
عبد الكريم الأزري مشكلة الحكم في العراق ..
عزمي بشارة الطائفة، الطائفية، الطوائف المتخيلة ..