تاريخ العسكري للقوات المسلحة الملكية مغربية في دفاع عن الجدار الحربي المغربي في صحراء المغربية

إنضم
4 مارس 2020
المشاركات
4,424
التفاعل
7,618 85 0
الدولة
Morocco
يعد ببناء سور فاصل في الصحراء كتكتيك كبح هجمات البوليساريو نهائيا بل وفرض أسلوب المعارك العسكرية مستقبلا على مقاس التي تريده العقيدة العسكرية المغربية فيما يتعلق بتأمين وحماية حدوده الجنوبية. وهو ما جعل هذا الجدار من المعجزات العسكرية المعدودة في العالم، حتى أنه يشكل مثالا يدرس في المدارس العسكرية الدولية.
فهو في الإستراتيجية العسكرية أسلوبا تكتيكيا أفقد البوليساريو فعالية حرب العصابات التي اعتمدتها ضد الجيش المغربي، ولذلك بات المغرب في وضع أريح، حيث مكنه ذلك من ضمان مقدرة دفاعية لمعارك عسكرية طويلة الأمد في انتظار حسم الحرب لصالحه.
فبالنظر إلى حجم هذا المشروع العسكري، يتبين بأن رؤية المغرب العسكرية لم تكن متوقع الحسم على الأمد القريب، الأمر الذي استدعى منه بناء مشروع يستوعب كافة المخاطر الأمنية في منطقة متوقعة أنها لن تعرف استقرارا عسكريا ولا أمنية في الأمد المنظور.
كما أن حجم وطبيعة الجدار الأمني فرضتها كلفة الخسائر البشرية قبل بناء الجدار في الثمانينات، وهو أمر فرض على المغرب تخفيض خسائره البشرية في معركة لم تكن متوازنة من حيث أسلوب القتال الذي (حرب العصابات) التي كانت تعتمدها مليشيات البوليساريو ضد قوات عسكرية نظامية.
وتبعا لذلك، فإن الجدار الأمني حل مشكلة استراتيجية من حيث مبادئ فن إدارة الحروب التي يستمد المغرب تكتيكاتها من الاستراتيجية العسكرية للغرب والتي تقوم على مبدأ قليل من الأفراد كثير من النيران. ووفقا لذلك فإن الجدار الأمني عوض الكثير من الجنود المغاربة المرابطين على الحدود الجنوبية، وهو ما جعل المغرب يتخلى عن التجنيد الإجباري الذي كان لازما في الثمانينيات إلى حدود التسعينيات.
2- يصف بعض المراقبين الجدار الرملي المغربي برمز للقوة العسكرية المغربية في ظروف سياسي واقتصادية كان يمر منها المغرب لكنه شيد جدار مكلف في بنائه، هل تتفق مع هذا الرأي؟.
بكل تأكيد إن بناء جدار رملي معجزة نظرا لطوله 2720 كلم، وللفترة الزمنية القياسية التي أنشئ فيها بين سنتي 1980 و1987. وكذا بالنظر للغاية التي انجز من أجلها وكذا بالنظر إلى حجم متطلباته من الامكانيات اللوجستيكية والفنية في بيئة جد صعبة، يجعل منه معجزة عسكرية مهمة ومتفردة، في المنطقة بل وفي العالم. أن الجدار الرملي الدفاعي المغربي يدخل ضمن أحد الجدران العالمية المحسوبة على رؤوس الأصابع.
ويكمن إعجاز الجدار الرملي المغربي أيضا في كونه ذا صبغة انسانية، لحماية المدنيين من غدر ملشيات جبهة البوليساريو، إذ لم تكن الغاية منه سوى انجاز خطوط دفاعية ثابتة للحد من هجمات البوليساريو، التي كانت تستهدف الأفراد من الجنوب المغاربية وتهدد أمن الساكنة في المدن الصحراوية.
كما أن الجدار أنشئ بغرض دفاعي صرف، حتى تقرير الأمين العام للأمم في 20 أكتوبر 1998 وصفه ب"الجدار الرملي الدفاعي". وبذلك كسب الجدار شرعية القانونية الدولية خلافا لأي جدار في العالم، حيث لم تتم إدانته بأي قرار أممي. بل ولم يتضمن أي مقرر لمجلس الأمن أو الجمعية العامة للأمم يعتبر أن الجدار غير شرعي.
وفضلا عن ذلك، فإن الجدار من الناحية الأمنية والإنسانية فقد ساهم في تعزيز قيم السلم الأمن العالميين في المنطقة، لكونه جنب المنطقة من صراع عسكري بين المغرب حين اتسم الجدار بالدفاع عن المغرب بعيدا عن الحدود وقد حد فعلا من هجمات.
ويسجل للجدار أنه صديق للبيئة، بحيث لم تحدث عمليات بناء وتشييده أي تداعيات خطيرة على الخصائص الطبيعية للبيئة الصحراوية، لأنه استغل مكونات المنطقة بأن وظف الرمال لتشييد الجدار مدعوما بأحجار المنطقة.
3- ما هي تداعيات السياسية والجيوسياسي والاستراتيجي على ملف نزاع الصحراء وعلى أمن واستقرار منطقة الساحل والصحراء؟
يشكل اليوم الجدار الرملي المغربي إنهاء للتهديد العسكري لجماعة البوليساريو الإنفصالية، وحماية للمدنيين في ساكنة الأقاليم الجنوبية، بل وتأميننا للمشاريع الحيوية المغربية في الأقاليم الجنوبية. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن الجدار يقوي الموقف التفاوضي المغربي ممن نزاع الصحراء، بل وحتى من أسلوب إدارتها أمميا. وهو ما منح المغرب الشجاعة الكافية للتهديد بوقف التعامل مع بعثة المينورسو كمراقب لشروط تطبيق اتفاق وقف النار منذ سنة 1991.
أما من الناحية الجيوسياسية، فإنه يوفر قوة أمنية على مستوى مراقبة أنشطة التهريب والإرهاب ما وراء الجدار بالنظر إلى حجم الاستثمارات التقنية والعسكرية لرادارات المستخدمة على طول الجدار لرصد كافة التحركات لما وراء الجدار فضلا عن المراقبة عبر طائرات اف 16 التي اقتناها المغرب من لأطوار استطلاعية، فضلا عن تجهيزات مراقبة أخرى أكثر تطورا.
4- لما يتحفظ على فكرة بنائه وكلفته حتى بعد مرور على تشييده؟
إن حدودا طويلة جدا في الصحراء، وأمام ضعف ميزانية المغرب الخارج للتو من ربقة الاستعمار، لم يكن بإمكان المغرب تأمين حدود جغرافية طويلة على أراض صحراوية وبدون بنية تحتية تيسر عملية تأمينها عسكريا، كل ذلك فرض عليه، استغلال الخصائص البيئة للمنطقة ليقي أمنه من غارات جبهة البوليساريو، ولذلك تم تشييد جدار رملي كحصن يحد من الأنشطة العسكرية للعدو.
لا أحد يمكنه التكهن بحجم الكلفة المالية لمشروع عسكري هائل، بل إنه يعد من أكبر الجدران العسكرية في العالم. والتي تعد منجزا عسكرية عملاقا، وكل هذه الاعتبارات ظلت كلفة بنائه المالية مجهولة وكذا مصادر تمويله، والجهات التي مدت للمغرب يد العون. حتى أنها هناك تكهنات غير موثوق بصحتها من أن وإسرائيل هي التي قدمت الخبرة الفنية للمغرب في هذا المجال إلا أن مثيل هذه الدعايات روجت لها والبوليساريو للإساءة إلى جدار مكن المغرب من فرض أسلوبه في الحرب على الخصم، فاستسلم بقبول توقيع اتفاق وقف اطلاق النار في سنة 1991 وظهور بعثة المينورشو لتراقب وقف إطلاق النار.
أعتقد وكعادتها، فإن المؤسسة العسكرية لا تزال تحيط الجدار بالكثير من السرية، حتى أننا لا نعرف الشيء الكثير عنه، وهو أمر يرجع إلى حساسية القضية لأن تبقى من أسرار الدولة، وأعتقد أن هذا الأسلوب سيبقى متواصلا مضبوطا بكثير من الحزم، حتى الواقع كشف انتفاضة المؤسسة العسكرية ضد بعض المعلومات العسكرية على بساطتها
5- كيف قلب الجدار الرملي المغربي موازين القوى بالصحراء، وأثره على اتفاق وقف إطلاق النار بين المغرب والبوليساريو سنة 1991؟.
كانت للجدار فعالية كبيرة في صد هجمات وتسللات مقاتلي جبهة البوليساريو. ومكن المغرب من كسر إيقاع العمليات والتحكم في ميدان القتال بل وفرض نوعية القتال على العدو، مما حد من مجال المناورة العسكرية لملشيات البوليساريو، وسمح للمغرب بفرض قواعد لعبة جديدة على أرض الواقع، الأمر الذي أمن المغرب المناطق والمدن المغربية.
لقد حد الجدار من فعالية الهجمات العسكرية للبوليساريو على المغرب، فاضطرت إلى قبول وقف اطلاق النار في سنة 1991 توسلا للحل السياسي في نزاع الصحراء يقي وجهها من خسارة معركتها أمام المغرب.
6- يراقب ما وراء الجدار الرملي بوحدات مراقبة للجيش وعبر رادارات، وحقول ألغام... لرصد أي تحركات مشبوهة هل هناك وظائف للجدار غير الحماية العسكرية للحدود؟.
بالتأكيد، ففضلا عن الأدوار العسكرية الصرفة التي شيد من أجلها الجدار ولطبيعة السياق الدولي والسياسي وللحيثيات التاريخية في تلك الفترة، والتي تركزت على اعتماده تكتيكا عسكرية لحرب طويلة الأمد، لكن تمكن المغرب من فرض أسلوب القتال الذي يريده في الميدان. إلا أنه مع توالي السنين وتطور قيمة المنطقة جيواستراتيجيا لاسيما بعد تزايد الشركات المهتمة بمصادر الطاقة باتت للجدار الرملي أدوار استراتيجية أخرى وأعمق وأكبر من تلك التي شيد من أجلها.
ولم يعد الجدار الرملي اليوم سياجا لحماية المدن الصحراوية كما حدد له من قبل، بل يشكل حزاما أمنيا للمغرب والجنوب الأوربي من تهديدات الجماعات الارهابية المسلحة ولا سيما مع تنامي القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي.
فعلى مستوى الأمن القومي المغربي وقبل حماية الصحراء؛ يعد الجدار فعال استراتيجيا وعسكريا للتحكم جبهة البوليساريو، فإنه وسيلة لتأمين الجنوب الأوربي من التهديد الإرهابي، إنه جدار استراتيجي لها فعاليته في الاستراتيجية الدولية لمحاربة الإرهاب. وهو ما يجعل الحدود المغربية في مأمن من اختراقات الجماعات الإرهابية خلافا لجنوب باقي الدول المغاربية المهددة بهجمات الجماعات الإرهابية.
وفضلا عن ذلك، فإن الجدار بفضل أجهزة الرادار المتطورة مكن القوات المغرب من الحد من أنشطة الجماعات الناشطة في مجال التهريب والجريمة الدولية من تهريب المخدرات والمتاجرة في السلاح والبشر.
 
hamer_951141_large.jpg
moroccanwall-gettyimages.jpg
 


خارج البيانات الرسمية والحرب الإعلامية الدعائية، بين المغرب والبوليساريو، لا يكاد يعرف الكثير عن حرب الصحراء التي امتدت 16 سنة، وشهدت العشرات من المعارك وخلفت أعدادا غير معروفة من الضحايا، وأبطالا منسيين لحرب أصبحت منسية.



منذ عام 1991، تاريخ وقف إطلاق النار بين المغرب والبوليساريو، لم يعد أي أحد يتحدث عن حرب الصحراء التي ما زالت مستمرة بطريقة أخرى عن طريق حرب الاستنزاف بين الطرفين اللذين ما زالت قواتهما ترابط على الجبهات. فوقف إطلاق النار يمكن أن يخرق في أية لحظة، والبوليساريو نفسها ما زالت تلوح بين الفينة والأخرى بالعودة الى حمل السلاح. لغة السلاح جعلت من هذه الحرب اليوم أطول حرب في العالم دامت أكثر من ثلاثين سنة، شهدت 16 سنة منها معارك طاحنة وخلفت المئات من الضحايا بين الطرفين لا أحد يعرف عددهم اليوم. أسماء بعض معارك الصحراء ما زالت تحملها اليوم داخل المدن المغربية بعض الساحات والشوارع والمدارس مثل >بئر إنزران< و>الحوزة< و>الفارسية< وغيرها من أسماء المواقع في الصحراء التي شهدت معارك طاحنة.
لكن هذه مجرد أسماء المعارك التي انتصرت فيها القوات المسلحة الملكية المغربية، أما المعارك التي كانت تمنى فيها هذه القوات بخسائر فقد حولتها جبهة البوليساريو الى ملاحم كانت تتغنى بها على أمواج إذاعتها مثل معارك المسايل والواركزير والمحبس وام دريكة، والتي يقال إن آخرها كانت هي معركة أم الدكن التي يحكى أنه اعتقل فيها ضابط مغربي كبير برتبة رائد هو القائد العبدي عبدالسلام، أحد أبطال قوات الجيش الملكي المغربي الذي كان يقود الفيلق الثالث، أحد أشهر الفيالق المغربية التي كبدت البوليساريو خسائر فادحة في العديد من المعارك التي جمعتهما.
لم يعرف مصير العبدي حتى اليوم، ويقال إنه توفي بعد اعتقاله ورفض المغرب تسلم جثته، والعبدي ليس سوى واحد من قادة الجيش المغربي الذين لمعت أسماؤهم أثناء احتدام فترة الحرب ضد البوليساريو، لكن أغلب هؤلاء لا أحد يسمع بهم اليوم، فمنهم من انتهى مبعدا منسيا مثل محمد الغجدامي ومنهم من ما زال يمشي في الأسواق ويأكل الخبز مثل أيها الناس مثل القائد المحجوب الطوبجي الذي أبلى البلاء الحسن طيلة مشواره العسكري الحربي ولا أحد يذكره اليوم! أما عند البوليساريو، فلمع اسم القائد لحبيب أيوب بدون منازع بعد وفاة القائدين الميدانيين حمادة محمد الوالي ومحمد لمين ابّا الشيخ ابّا علي.
كتائب المسيرة الخضراء

عندما قرر الملك الحسن الثاني تنظيم المسيرة الخضراء عام 1975، لم يكن الجيش المغربي مستعدا لخوض حروب طويلة الأمد مع إسبانيا التي كانت تحتل آنذاك الصحراء، فالجيش المغربي تعرض الى تصفية كبيرة على إثر المحاولتين الانقلابيتين الفاشلتين في بداية السبعينيات، وتمخض عن فشل ذينك المحاولتين إعدام العديد من الجنرالات وكبار الضباط واعتقال العشرات وتسريح المئات وزرع جو من عدم الثقة بين أفراد الجيش وقيادته العليا التي كانت متمثلة في الملك الراحل الحسن الثاني. ولأول مرة في التاريخ سيخوض جيش نظامي حربا طويلة الأمد بدون وزير حرب، وقيادة عسكرية عليا؛ فالتنسيق كما قال ضابط متقاعد لـ"الجريدة الأخرى" كان يتم مباشرة بين الملك الحسن الثاني شخصيا وبعض كبار قادة الجيش الذين كانوا يكلفون بمهام محددة في الزمان والمكان. وخلال فترة الحرب الأولى اشتهر اسم العقيد أحمد الدليمي كقائد ميداني للقوات المسلحة المتمركزة في الصحراء، وظل كذلك حتى سنة وفاته التي ما تزال غامضة في حادثة سير عام 1981، ليخلفه في الموقع نفسه الجنرال عبدالعزيز بناني الذي ظل يتولى منصب قائد قيادة المنطقة الجنوبية المتمركزة في أكادير حتى تاريخ تعيينه مفتشا عاما للقوات المسلحة الملكية قبل سنتين.
الجنرال بناني، الذي يعتبر اليوم أرفع ضابط عسكري مغربي، كان عقيدا عندما اندلعت الحرب أول مرة في الصحراء، ويتذكر أحد الضباط الذين تحدثوا الى "الجريدة الأخرى" أنه رأى عبدالعزيز بناني لأول مرة في الصحراء على متن طائرة مروحية عندما جاء لتفقد خسائر قواته في أول معركة نشبت بين مقاتلي البوليساريو والقوات المسلحة المغربية بمنطقة الحوزية، كان ذلك عام 1975، وكانت تلك أول الشرارة في حرب ستطول ثلاثة عقود. تيمنا بفكرة المسيرة الخضراء، أطلق الملك الراحل الحسن الثاني اسم "كتائب المسيرة الخضراء" على أولى الكتائب التي رافقت المسيرة وتقدمت المتطوعين. بلغ عدد تلك الكتائب أكثر من خمس كتائب كانت كل واحدة منها تضم نحو 450 شخصا، وأسندت قياداتها الى ضباط صحراويين وقدماء جيش التحرير أمثال أب الشيخ وباعلي والخر محمد ولحبيب حبوها والشريف المختار ولد الغيلاني ومحمد قشار… وكلهم كانوا برتبة رائد (كابتن)، وكانت مهمة هذه الكتائب التقدم للاستكشاف وفتح الطريق أمام الفيالق العسكرية، وقد ساعدها كون جل أفرادها من أبناء المنطقة على تحقيق انتصارات خاطفة في كل هجماتها التي كانت تشنها، وأدت الى فتح الطريق أمام قوات الجيش المغربي للدخول الى السمارة والعيون وبوجدور. وخلف هذه الكتائب كانت توجد فيالق يتعدى عدد أفراد الفيلق الواحد منها 2000 فرد، من بينها فيلق السمارة وفيلق بوكراع وفيلق طرفاية وفيالق متجولة للإسناد والنجدة، وقد أسندت قيادة هذه الفيالق الى ضباط عسكريين مخضرمين من بينهم من شارك في حرب الرمال عام 1963، ومن بينهم من شارك في حرب عام 1973 بالجولان في سوريا ومن بينهم خريجين من مدارس عسكرية غربية. واشتهر من بين قادة هذه الفيالق الرائد الطوبجي المحجوب، قائد الفيلق الرابع المتجول، والعقيد محمد العجدامي قائد الفيلق السادس المتجول، والعقيد محمد العابدين، قائد الفيلق الثاني المتجول… ومع احتدام المعارك واتساع نطاق مواقعها التي وصلت الى منطقة آسا الزاك بالقرب من الحدود الجزائرية المغربية، شكل المغرب قوات ما يسمى بالوحدات المتنقلة التي كانت مشكلة من القوات المسلحة والقوات المساعدة، وأغلب أفرادها من أبناء المناطق الجنوبية المغربية ممن كانوا يعرفون المنطقة ولهم قدرة كبيرة على تحمل قساوة مناخها وصلابة طبيعتها، واشتهرت من بين هذه الوحدات وحدات أيدة التامك وامحمد مولاي والخرشي وغيرهم…
حرب بدون جبهات

لم تكن القيادة العسكرية المغربية تتوقع أن يطول أمد الحرب، لذلك خططت لهجمات خاطفة تقودها الكتائب والوحدات تعقبها الفيالق لتقوم بالتمشيط والتطهير قبل أن تبسط سيطرتها على المنطقة التي توجد فيها.
ومن جانب البوليساريو لم تكن الأمور تسير على أحسن ما يرام، فعند اندلاع الحرب عام 1975 لم يكن الجيش الشعبي لتحرير الصحراء قد تأسس بعد، وما كان موجودا آنذاك هو مجموعة من المقاتلين يدفعهم حماسهم الثوري لمقاتلة المغاربة والإسبان والموريتانيين في الآن نفسه من خلال تتنفيذ حرب عصابات خاطفة. بدأت أولى معارك القوات المسلحة الملكية المغربية بعملية "أحد" تيمنا باسم ثاني حرب في عهد الإسلام. وأدت تلك المعركة الى دخول القوات المسلحة المغربية الى مناطق الفارسية واجديرية والحوزة والمحبس والوصول الى السمارة في وقت كانت القوات الإسبانية ما زالت تحتل مدينة العيون وبوكراع، وبعد توقيع اتفاقات مدريد عام 1975 بين المغرب وموريتانيا ومدريد، دخلت القوات المسلحة المغربية الى العيون وبوجدور، بينما بسطت موريتانيا سيطرتها على منطقة وادي الذهب الممتدة من شمال الداخلة حتى منطقة الكويرة جنوبا، في حين تراجعت قوات البوليساريو الى الداخل الجزائري وبدأت في تشييد معسكراتها بمنطقة تندوف وتسليح مقاتليها استعدادا للحرب التي بدأت تدق طبولها بقوة ضد جيشين نظاميين هما الجيش المغربي والجيش الموريتاني. في عام 1976 بدأت فعليا وعلى أرض الواقع حرب الصحراء، فالانتصارات السريعة التي حققتها القوات المغربية وأحيانا بدون خسائر، بل وحتى بدون طلقة نار واحدة، سرعان ما سيتبين أنها لم تكن سوى معارك بنهايات سعيدة ضمن حرب طويلة الأمد بلا نهاية.
أولى المعارك

كانت أول معركة حقيقية خاضتها القوات المسلحة الملكية هي تلك التي شهدتها منطقة أمكالة في يناير عام 1976، وشاركت فيها قوات جزائرية الى جانب مقاتلي جبهة البوليساريو، وتمخضت تلك الحرب عن انتصار باهر للمغرب وأسر نحو 100 عسكري جزائري من بينهم ضباط، لكن الحسن الثاني قرر تسليمهم الى الجزائر لتفادي وقوع حرب كبيرة بين المغرب والجزائر، ومنذ تلك المعركة لم يحدث أي اشتباك على بين المغرب والجزائر التي ظلت تدعم مقاتلي جبهة البوليساريو بالعتاد والسلاح. لكن القوات الجزائرية التي خرجت مهزومة من أمكالة ظلت تراودها الرغبة في الانتقام، وبعد أسابيع من الموقعة الأولى شن مقاتلو البوليساريو، مدججين بأحدث الأسلحة الجزائرية، هجوما كبيرا على القوات المسلحة المغربية في المعركة التي ستحمل اسم أمكالة2، والتي كان فيها التفوق لمقاتلي البوليساريو. ومنذ هاتين الواقعتين، دخلت قوات الجانبين المغربي والبوليساريو في حرب عصابات طويلة الأمد، مما أدى بالقوات المسلحة المغربية الى التراجع الى المدن لتحصينها ضد الهجمات وحماية طرق القوافل لضمان وصول الإمدادات العسكرية والغذائية لها، وهكذا تحولت مهام هذه القوات الى حماية قوافل الإمدادات، مما فسح المجال أمام مقاتلي البوليساريو للتحرك بحرية في باقي مناطق الصحراء التي كانوا يخبرون تضاريسها وطبيعتها. وخلال هذه الفترة حققت البوليساريو أكثر انتصاراتها في الهجومات الخاطفة التي كانت تقودها ضد قوافل الإمدادات والكمائن التي كانت تنصبها لها، وأيضا من خلال هجوماتها المباغتة على المواقع المدنية، مثل هجومها على مدينة طانطان عام 1979. فمقاتلو البوليساريو، كما يقول خبير عسكري مغربي تحدث الى "الجريدة الأخرى"، سرعان ما انسجموا مع حرب العصابات التي كانوا يتقنونها، لمعرفتهم الكبيرة بتضاريس المنطقة وقدرتهم على تحمل قساوة مناخها. أما الجيش المغربي الذي تلقى التدريب على خوض حرب تقليدية، فقد فوجئ قادته بحرب بدون جبهات للقتال. من هنا -يضيف نفس الخبير- كانت فكرة إنشاء وحدات وكتائب مستقلة لمطاردة فلول مقاتلي البوليساريو ولخوض حرب عصابات
مضادة ضدهم
الفرج يأتي من السماء

يقول ضابط صف مغربي متقاعد خاض العديد من معارك الصحراء >عندما كانت تشتد المعركة، كان الفرج يأتينا من السماء< وما يقصده ضابط الصف هو تدخل الطيران المغربي، الذي غالبا ما كان يحسم المعركة لصالح المغرب أو ينهيها بصفة درامية عندما يجهز على كل ما يتحرك بأرض المعركة. وطوال فترة المعارك، لعب سلاح الطيران المغربي دورا كبيرا في تلك المعارك، لم يكن يخلو من مخاطر، إذ نجح مقاتلو البوليساريو بفضل صواريخ سام السوفياتية الصنع التي سلمتها لهم الجزائر في إسقاط أكثر من طائرة حربية مغربية. وسجلت معركة الوركزيز في بداية الثمانينيات أكبر ملحمة في حرب الطيران المغربي، لكنها تسببت لسلاح الجو في أفدح الخسائر تمثلت في سقوط طائرتين حربيتين من نوع F5 وناقلة جنود طائرة ومروحية وأسر طيارين مغاربة. وأمام قوة سلاح نيران مقاتلي البوليساريو، الذين كانوا مزودين بدبابات تعمل بنظام الأشعة ما فوق الحمراء، التي تجعلها تعمل حتى في عتمة الليل، لعب سلاح الطيران المغربي دورا بارزا في حسم المعركة لصالح المغربي.
الجدار بديلا عن الجبهة
عام 1979، انسحبت موريتانيا من منطقة واد الذهب، وفي يوم خروج القوات الموريتانية كانت أولى فيالق الجيش المغربي قد دخلت الى مدينة الداخلة ونشرت قواتها بالمناطق التي كانت القوات الموريتانية تنسحب منها. وفي عام 1980 وجدت القوات المغربية نفسها أمام مهمة حماية وحراسة مساحة شاسعة هي مساحة الصحراء التي تقدر بنحو 270 ألف كيلو متر مربع! كان على قيادة الجيش المغربي أن تغير من خططها الحربية، وهكذا تقرر خروج قوات الجيش من المدن وتشكيل أحزمة أمن خارجية لحراستها، وعندما أعطت الخطة الجديدة أولى ثمارها بدأ التفكير جديا في بناء جدار أمني طويل داخل الصحراء، ويقال إن الفكرة جاءت من أجهزة مخابرات أجنبية من بينها جهاز الموساد الإسرائيلي. وهكذا بدأت حرب جديدة هي حرب بناء الجدار التي استمرت من 1980 حتى 1987، وخاضت هذه الحرب ثلاثة فيالق مدرعة هي أحد والزلاقة ولاراك، التي كان كل فيلق منها يتكون من 20 ألف رجل. وبدأ بناء أول جدار أمني عام 1980 حول محور بوجدور السمارة بوكراع، ومع نجاح تجربة الجدار بدأت القوات المسلحة الملكية المغربية في استعادة سيطرتها على أرض المعركة، وفي أوج انتصاراتها في الصحراء سيعلن عن الوفاة المفاجئة للجنرال أحمد الدليمي في حادثة سير ما تزال ملابساتها غامضة، حدث ذلك ذات يوم من بدايات عام 1983، وتلت تلك الوفاة المفاجئة لمن كان يعتبر قائد القوات المسلحة الملكية في الصحراء إزاحة العديد من القيادات والضباط من صفوف الجيش ممن كانوا محسوبين على الدليمي! في عام 1987، أنهت القوات المسلحة الملكية المغربية بناء آخر شطر من الجدار الأمني الذي أصبح طوله 2500 كيلومتر، وشعر القادة الميدانيون بتحقيق أول انتصار معنوي لهم، فقد أصبح للحرب في نهاية المطاف جبهة، وأصبحت القوات المغربية هي التي تسيطر على هذه الجبهة، وفي القاموس العسكري السيطرة على الجبهة تعني تحقيق التفوق العسكري.
لم تنته هجمات مقاتلي البوليساريو، لكنها لم تعد بالحدة نفسها التي كانت عليها من قبل وأصبح على هؤلاء المقاتلين اللذين كان يقدر عددهم ما بين 30 و40 ألف رجل عبور مئات الكيلومترات من أجل شن هجوم غير مضمون العواقب، كما أن هامش تحركهم تقلص الى منطقة صغيرة في الشمال الموريتاني، وفي المنطقة العازلة الفاصلة ما بين الجدار الأمني والحدود الجزائرية، والتي لم يرد من خططوا لبناء الجدار إيصاله الى الحدود الجزائرية، تلافيا لكل تماس مع القوات المسلحة الجزائرية. وهذه المنطقة العازلة هي ما تعتبرها البوليساريو اليوم >مناطق محررة<.
آخر المعارك

أنهى الجدار الأمني المغربي حرب العصابات التي كان يشنها مقاتلو البوليساريو، وبدأت حرب جديدة هي حرب الاستنزاف من الجانبين، وهكذا عرفت أعوام 1987 و1988 و1989، هجومات متكررة على أكثر من منطقة من الجدار كانت تخلف خسائر فادحة في الأرواح من الجانبين، لكن بدون فائدة بالنسبة للبوليساريو التي كانت تستغلها فقط للدعاية الإعلامية. وكانت آخر المعارك التي شنها مقاتلو البوليساريو بقيادة القائد لحبيب أيوب في أكتوبر عام 1989 على كلتة زمور، وقد حشد البوليساريو أكبر عدد من العتاد للمشاركة في تلك المعركة التي أسفرت عن مقتل نحو مائة من مقاتليها.
وقد علق على تلك المعركة آنذاك عمر الحضرمي، العائد لتوه الى المغرب، بوصفها >آخر طلقة<، وبالفعل كانت تلك هي الطلقة الأخيرة، ففي شهر غشت عام 1991 ستوقع البوليساريو والمغرب على اتفاق لوقف إطلاق النار ما زال ساري المفعول حتى يومنا هذا أنهى المعارك لكنه لم ينه الحرب..
 

أعتقد لو كان بإمكان أنس أن يعيش في فترة إنشاء الجدار لكانت مساهمته فعالة في هندسته.... ورحمة الله على المهندس الأول جلالة الملك الحسن الثاني وكل الضباط وضباط الصف والجنود.
 
عودة
أعلى