"صفقة" الأسلحة الأميركية للخليج ... الدواعي والتداعيات؟! ... بقلم : باسكال بونيفاس مقالات واراء
لم تكن الزيارة المشتركة التي حملت وزيري الدفاع والخارجية الأميركيين إلى منطقة الشرق الأوسط أمراً عادياً، أو أنها أتت لأغراض دبلوماسية صرفة، بل جاءت زيارة "كوندوليزا رايس" و"روبرت جيتس" للدفع بمشروع ضخم يقضي بعقد صفقة سلاح كبيرة مع دول المنطقة بمبلغ إجمالي يصل إلى 20 مليار دولار،
وتستفيد منها دول مجلس التعاون الخليجي الست. والهدف حسب وزيرة الخارجية "رايس" هو مساعدة القوى المعتدلة في المنطقة على النهوض بالتحديات الأمنية المحدقة بالخليج، علاوة على إرساء استراتيجية عالمية ترمي إلى مواجهة النفوذ المتنامي لقوى بات لها حضور خطير في الشرق الأوسط مثل "القاعدة" و"حزب الله"، فضلاً عن سوريا وإيران، اللتين تملكان نفوذاً يقلق الولايات المتحدة. ويبدو أن الدول المعتدلة وجدت نفسها أمام معضلة حقيقية، فبرفضها لشراء الأسلحة ستحرم نفسها من وسائل مفيدة للدفاع المشروع عن النفس في حال تعرضها لاعتداء. وقد تنتقد الولايات المتحدة هذا الرفض وتحمِّلها مسؤولية الامتناع عن امتلاك الأسلحة ووسائل الدفاع.
لكن في المقابل سيؤدي قبول دول الخليج الصفقة المعروضة والسعي إلى امتلاك المزيد من التسلح إلى مفاقمة الوضع الجيوسياسي في المنطقة، الذي يعاني أصلاً من تعقيدات لا حصر لها. وليس مرد التعقيدات إلى عجز الدول المعنية عن تمويل صفقات السلاح، ذلك أن ارتفاع أسعار النفط كفيل بتوفير ما تحتاجه الصفقة المعروضة من أموال ويضمن لدول الخليج الاستمرار في وضع مالي مريح، بل مردها إلى مدى وجود أولوية لتلك الأسلحة، وفوائدها المحتملة على دول المنطقة. ولا بد في هذا السياق من طرح مجموعة من الأسئلة، لأن في الإجابة عليها توضيحاً لبعض الأمور. فهل يكون مثلاً لهذا المشروع الأميركي دور في حل القضايا المستعصية في الشرق الأوسط، أم أنه بالعكس من ذلك سيقود إلى مزيد من التدهور في المنطقة؟ فما يبدو أنه ينقص المنطقة فعلاً ليس اقتناء الأسلحة وتخزينها، بل غياب تصور سياسي واضح قادر على إرساء الاستقرار الاستراتيجي في الشرق الأوسط، وتجنيبه الصراعات المحدقة به.
أما المخاوف المشروعة لدول الخليج العربية من التهديدات الإيرانية فهي تتركز بالخصوص على امتلاكها السلاح النووي، الذي لن تجدي الأسلحة التقليدية، التي تقترحها أميركا على دول المنطقة، في الحد من خطورته، أو ردع إيران عن استخدامه. ولا ننسى أيضاً أن التهديد الآخر الذي يؤرق الدول الخليجية إلى جانب الدول الأخرى في الشرق الأوسط، هو الإرهاب وقدرته على زعزعة استقرار الأمن العام والسلم الأهلي للمجتمعات. وبالطبع لن تنفع الصواريخ الموجهة بالأقمار الاصطناعية والطائرات المقاتلة في مواجهة العناصر الإرهابية التي تتربص بدول وشعوب المنطقة. وهنالك من يرى أن السعي إلى امتلاك المزيد من الأسلحة، والحرص على اقتناء المتطور منها، قد يفضي إلى تأزيم العلاقات بين دول المنطقة، لاسيما بين إيران وجيرانها العرب.
ما يبدو أنه ينقص الشرق الأوسط فعلاً ليس اقتناء الأسلحة وتخزينها، بل غياب تصور سياسي واضح قادر على إرساء الاستقرار الاستراتيجي في المنطقة·
ومن جهتها لا تبذل إيران ما يكفي من جهد لطمأنة الدول المجاورة، أو تهدئة مخاوفها، بل لقد كانت على الدوام توجِّه تهديدات لجيرانها، وهو ما يبرر في جزء كبير منه التواجد العسكري الأميركي في الخليج. غير أن إطلاق سباق للتسلح، كما تشي بذلك الصفقة الأميركية الأخيرة، سيأتي بنتائج عكسية لجهة تعزيز موقف الجناح المتشدد في المشهد السياسي الإيراني على حساب الخط المعتدل. وفي ظل هذا الوضع يخشى المراقبون أن يحتدم السباق بين دول المنطقة نحو حيازة الأسلحة المتطورة، وصرف أموال طائلة على اقتنائها سيكون المستفيد الأول منها في المحصلة النهائية هو المُركَّب العسكري الصناعي الأميركي، بينما ستظل المنطقة تجترُّ مخاوفها، وسيبقى التوتر ماثلاً باستمرار، وستبقى الأصابع على الزناد. فهل تكون الولايات المتحدة بصدد الانخراط في تصور جديد لـ"صراع حضارات"، لا يكون طرفاه العالم الإسلامي والغرب، بل السُّنة والشيعة؟ وهل من الممكن المجازفة بتصدير الصراع الطائفي المتأجج في العراق إلى باقي دول المنطقة، حيث إن المستفيد قطعاً لن يكون دول وشعوب المنطقة؟
وهل من المعقول الخلط بين تنظيم "القاعدة" الإرهابي الذي يدعو صراحة إلى العنف ويتخذ من الإرهاب وسيلة، وتنظيم سياسي مثل "حزب الله" يتمتع بشعبية في أوساط بعض شرائح الشعب اللبناني، يقول البعض؟ وهل يمكن إدراج سوريا وإيران، على رغم التحفظات الدولية على بعض تصرفاتهما، ضمن خانة الدول الإرهابية، في الوقت الذي يتعين فيه إدماجهما في المنتظم الدولي بدل شيطنتهما واستعداء شعوبهما، يقول بعض آخر؟
وسيترافق هذا المشروع التسليحي الضخم لدول المنطقة مع رفع المساعدات العسكرية الأميركية لإسرائيل بنسبة 25% حتى تحافظ إسرائيل على تفوقها العسكري مقارنة بالدول العربية، وحتى يوافق الكونجرس الأميركي، وهو الأهم، على تمرير الصفقة. وبموجب الاتفاق ستحصل إسرائيل على ثلاثة مليارات دولار من المساعدات العسكرية سنوياً على امتداد العشر سنوات المقبلة. وقد أشارت إلى ذلك صراحة مقالة نشرت في صحيفة "هيرالد تريبيون" أفادت بأن إسرائيل وافقت على صفقة الأسلحة مع دول المنطقة، وهو ما يدلِّل مرة أخرى على طبيعة العلاقة الخاصة التي تجمع الولايات المتحدة وإسرائيل.
وهنا يبرز سؤال آخر يتمثل في الفائدة المرجوة من تزويد أميركا لإسرائيل بأسلحة إضافية، وما إذا كان ذلك سيدعم الاستقرار في المنطقة، أم سيزيدها وتوتراً. وحتى لو افترضنا أن ضرورة الحفاظ على التوازن العسكري بين إسرائيل وجيرانها العرب يتطلب المساعدة العسكرية الأميركية، فهل إسرائيل بحاجة فعلاً إلى ذلك التوازن المزعوم، بينما هي تمتلك، في الواقع، من الأسلحة النووية ما ينسف أي استقرار؟ بالطبع لا. لكنَّ ما يبدو أن المنطقة في حاجة إليه هو الرؤية السياسية، أو بالأحرى الإرادة السياسية، إذ كيف يمكن تفسير أن المبادرة العربية للسلام ظلت مطروحة على الطاولة منذ عام 2002، مع ما قد تحققه من حلول للصراع العربي- الإسرائيلي، دون أن يرد عليها أحد، حتى الآن؟
المصدر : الاتحاد
لم تكن الزيارة المشتركة التي حملت وزيري الدفاع والخارجية الأميركيين إلى منطقة الشرق الأوسط أمراً عادياً، أو أنها أتت لأغراض دبلوماسية صرفة، بل جاءت زيارة "كوندوليزا رايس" و"روبرت جيتس" للدفع بمشروع ضخم يقضي بعقد صفقة سلاح كبيرة مع دول المنطقة بمبلغ إجمالي يصل إلى 20 مليار دولار،
وتستفيد منها دول مجلس التعاون الخليجي الست. والهدف حسب وزيرة الخارجية "رايس" هو مساعدة القوى المعتدلة في المنطقة على النهوض بالتحديات الأمنية المحدقة بالخليج، علاوة على إرساء استراتيجية عالمية ترمي إلى مواجهة النفوذ المتنامي لقوى بات لها حضور خطير في الشرق الأوسط مثل "القاعدة" و"حزب الله"، فضلاً عن سوريا وإيران، اللتين تملكان نفوذاً يقلق الولايات المتحدة. ويبدو أن الدول المعتدلة وجدت نفسها أمام معضلة حقيقية، فبرفضها لشراء الأسلحة ستحرم نفسها من وسائل مفيدة للدفاع المشروع عن النفس في حال تعرضها لاعتداء. وقد تنتقد الولايات المتحدة هذا الرفض وتحمِّلها مسؤولية الامتناع عن امتلاك الأسلحة ووسائل الدفاع.
لكن في المقابل سيؤدي قبول دول الخليج الصفقة المعروضة والسعي إلى امتلاك المزيد من التسلح إلى مفاقمة الوضع الجيوسياسي في المنطقة، الذي يعاني أصلاً من تعقيدات لا حصر لها. وليس مرد التعقيدات إلى عجز الدول المعنية عن تمويل صفقات السلاح، ذلك أن ارتفاع أسعار النفط كفيل بتوفير ما تحتاجه الصفقة المعروضة من أموال ويضمن لدول الخليج الاستمرار في وضع مالي مريح، بل مردها إلى مدى وجود أولوية لتلك الأسلحة، وفوائدها المحتملة على دول المنطقة. ولا بد في هذا السياق من طرح مجموعة من الأسئلة، لأن في الإجابة عليها توضيحاً لبعض الأمور. فهل يكون مثلاً لهذا المشروع الأميركي دور في حل القضايا المستعصية في الشرق الأوسط، أم أنه بالعكس من ذلك سيقود إلى مزيد من التدهور في المنطقة؟ فما يبدو أنه ينقص المنطقة فعلاً ليس اقتناء الأسلحة وتخزينها، بل غياب تصور سياسي واضح قادر على إرساء الاستقرار الاستراتيجي في الشرق الأوسط، وتجنيبه الصراعات المحدقة به.
أما المخاوف المشروعة لدول الخليج العربية من التهديدات الإيرانية فهي تتركز بالخصوص على امتلاكها السلاح النووي، الذي لن تجدي الأسلحة التقليدية، التي تقترحها أميركا على دول المنطقة، في الحد من خطورته، أو ردع إيران عن استخدامه. ولا ننسى أيضاً أن التهديد الآخر الذي يؤرق الدول الخليجية إلى جانب الدول الأخرى في الشرق الأوسط، هو الإرهاب وقدرته على زعزعة استقرار الأمن العام والسلم الأهلي للمجتمعات. وبالطبع لن تنفع الصواريخ الموجهة بالأقمار الاصطناعية والطائرات المقاتلة في مواجهة العناصر الإرهابية التي تتربص بدول وشعوب المنطقة. وهنالك من يرى أن السعي إلى امتلاك المزيد من الأسلحة، والحرص على اقتناء المتطور منها، قد يفضي إلى تأزيم العلاقات بين دول المنطقة، لاسيما بين إيران وجيرانها العرب.
ما يبدو أنه ينقص الشرق الأوسط فعلاً ليس اقتناء الأسلحة وتخزينها، بل غياب تصور سياسي واضح قادر على إرساء الاستقرار الاستراتيجي في المنطقة·
ومن جهتها لا تبذل إيران ما يكفي من جهد لطمأنة الدول المجاورة، أو تهدئة مخاوفها، بل لقد كانت على الدوام توجِّه تهديدات لجيرانها، وهو ما يبرر في جزء كبير منه التواجد العسكري الأميركي في الخليج. غير أن إطلاق سباق للتسلح، كما تشي بذلك الصفقة الأميركية الأخيرة، سيأتي بنتائج عكسية لجهة تعزيز موقف الجناح المتشدد في المشهد السياسي الإيراني على حساب الخط المعتدل. وفي ظل هذا الوضع يخشى المراقبون أن يحتدم السباق بين دول المنطقة نحو حيازة الأسلحة المتطورة، وصرف أموال طائلة على اقتنائها سيكون المستفيد الأول منها في المحصلة النهائية هو المُركَّب العسكري الصناعي الأميركي، بينما ستظل المنطقة تجترُّ مخاوفها، وسيبقى التوتر ماثلاً باستمرار، وستبقى الأصابع على الزناد. فهل تكون الولايات المتحدة بصدد الانخراط في تصور جديد لـ"صراع حضارات"، لا يكون طرفاه العالم الإسلامي والغرب، بل السُّنة والشيعة؟ وهل من الممكن المجازفة بتصدير الصراع الطائفي المتأجج في العراق إلى باقي دول المنطقة، حيث إن المستفيد قطعاً لن يكون دول وشعوب المنطقة؟
وهل من المعقول الخلط بين تنظيم "القاعدة" الإرهابي الذي يدعو صراحة إلى العنف ويتخذ من الإرهاب وسيلة، وتنظيم سياسي مثل "حزب الله" يتمتع بشعبية في أوساط بعض شرائح الشعب اللبناني، يقول البعض؟ وهل يمكن إدراج سوريا وإيران، على رغم التحفظات الدولية على بعض تصرفاتهما، ضمن خانة الدول الإرهابية، في الوقت الذي يتعين فيه إدماجهما في المنتظم الدولي بدل شيطنتهما واستعداء شعوبهما، يقول بعض آخر؟
وسيترافق هذا المشروع التسليحي الضخم لدول المنطقة مع رفع المساعدات العسكرية الأميركية لإسرائيل بنسبة 25% حتى تحافظ إسرائيل على تفوقها العسكري مقارنة بالدول العربية، وحتى يوافق الكونجرس الأميركي، وهو الأهم، على تمرير الصفقة. وبموجب الاتفاق ستحصل إسرائيل على ثلاثة مليارات دولار من المساعدات العسكرية سنوياً على امتداد العشر سنوات المقبلة. وقد أشارت إلى ذلك صراحة مقالة نشرت في صحيفة "هيرالد تريبيون" أفادت بأن إسرائيل وافقت على صفقة الأسلحة مع دول المنطقة، وهو ما يدلِّل مرة أخرى على طبيعة العلاقة الخاصة التي تجمع الولايات المتحدة وإسرائيل.
وهنا يبرز سؤال آخر يتمثل في الفائدة المرجوة من تزويد أميركا لإسرائيل بأسلحة إضافية، وما إذا كان ذلك سيدعم الاستقرار في المنطقة، أم سيزيدها وتوتراً. وحتى لو افترضنا أن ضرورة الحفاظ على التوازن العسكري بين إسرائيل وجيرانها العرب يتطلب المساعدة العسكرية الأميركية، فهل إسرائيل بحاجة فعلاً إلى ذلك التوازن المزعوم، بينما هي تمتلك، في الواقع، من الأسلحة النووية ما ينسف أي استقرار؟ بالطبع لا. لكنَّ ما يبدو أن المنطقة في حاجة إليه هو الرؤية السياسية، أو بالأحرى الإرادة السياسية، إذ كيف يمكن تفسير أن المبادرة العربية للسلام ظلت مطروحة على الطاولة منذ عام 2002، مع ما قد تحققه من حلول للصراع العربي- الإسرائيلي، دون أن يرد عليها أحد، حتى الآن؟
المصدر : الاتحاد