التصريحات الأخيرة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حول الخروج اليهودي من مصر، وتشبيهه صمود اليهود الآن ضد كورونا بصمودهم ضد فرعون مصر، فتحت باب الجدل التاريخي مرة أخرى حول الأصول التاريخية للقصص الدينية المؤسسة لدولة إسرائيل اليوم.
والحاصل أن التراث اليهودي كان محل دراسة ومناقشة العلماء بكل حرية حتى أربعينات القرن العشرين، حينما قامت دولة إسرائيل على التراث اليهودي، وسلحها الغرب بقوانين معاداة السامية، التهمة المعلبة والجاهزة لكل من يفتح سيرة التناقضات في التراث اليهودي أو يجري أبسط مناقشة تاريخية حول هذا الكم من الوقائع التاريخية التي لم نجد لها اثرًا واحدًا حتى اليوم.
لقد وجد علماء الآثار في جوف فلسطين ومصر آثارًا تعود إلى عصر الديناصورات حتى أحداث الحرب العالمية الثانية، ومع ذلك لم يجدوا ملعقة واحدة عليها نقش ولو من كلمة واحدة تتفق مع الأساطير الدينية التي قامت عليها دولة إسرائيل.
ومع شعب مثل الشعب المصري وحضارة مثل الحضارة المصرية القديمة التي دونت تاريخها كاملًا، لا نجد كلمة واحدة عن البحر الذي انشق، والجيش الذي غرق، والملك الذي اختفى، وابن الملك سواء اعتبروه ولى عهد او ابنًا متبنى، ثار ثورة دينية عارمة؟، عن إبراهيم الذي تزوج ابنة ملك مصري، أو سليمان الذي صاهر عاهلاً مصريا؟ ولا كلمة واحدة عن سلطان جبار في الجوار مثل داود وسليمان؟
ثم إن التاريخ ينقل لنا رفض بل واحتقار القدماء المصريين للأجانب عمومًا، وعدم ترحيبهم لفكرة المصاهرة مع عاهل أجنبي أو أسرة أجنبية فما بالك بتعيين أجنبي رئيسًا للوزراء كما يرى البعض في قصة يوسف. بل ولا يوجد أي أثر واحد لهذا الوجود الإسرائيلي على أرض مصر، سواء في الوادي أو سيناء؟
وتمتد أسئلة العلماء إلى أنه لا يوجد أثر واحد لمملكة إسرائيلية في أرض فلسطين، حتى الحروب التي يقولون إنها جرت مع المصريين والآشوريين لا ذكر لها في نقوش البلدين، لقد انتصرنا وهزمنا دون أن ندون ذلك، بينما الحضارة المصرية القديمة وصلت الى مرحلة من الدقة في تدوين التاريخ لدرجة إنك تجد في البرديات المصرية أخبار الملك بسماتيك الثالث عقب أسره وحمله إلى بلاد فارس في المرحلة الاولي من الغزو الفارسي لمصر.
بل وللدقة المصرية فإن البرديات المصرية تحدد كيف تراسل الملك الأسير مع المقاومة المصرية وكيف دعمها وتاليًا كيف أصدر الفرس حال اكتشاف تواصله مع المقاومة المصرية أمرًا بإعدامه وتنفيذ حكم الإعدام ودفن العاهل المصري في بلاد فارس في مكان مجهول حتى اليوم.
علماء يهود وبريطانيين ينفون فكرة مملكة إسرائيل
ثم يأتي اليهود أنفسهم في علم الآثار الحداثي، كـ”إسرائيل فنكلشتاين” عالم الآثار بجامعة تل أبيب و”نيل سيلبرمان” عالم الآثار بجامعة نيوهافن الأمريكية في كتاب بعنوان “التوراة اليهودية مكشوفة على حقيقتها ” حيث أكدا بعد بحوث استمرت ربع قرن أن “بني إسرائيل لم يدخلوا مصر حتى يخرجوا منها”، وأن الدخول والخروج من مصر التاريخية خرافة لا أصل ديني قبل تاريخي أو جغرافي لها.
ثم تزداد الدهشة حينما يصدر الباحث البريطاني رالف اليس كتابه “سليمان ملك مصري”، بعد أن جاب سيناء وفلسطين المحتلة 15 عامًا، كتب “أنه يستحيل أن يكون هنالك مملكة أو دولة لبنى إسرائيل يوماً على أرض فلسطين، وأن السلالة الملكية في التوراة هي سلالة مصرية، حكمت مصر وفلسطين وكانت فلسطين مجرد ولاية مصرية وكان اليهود وقتذاك رعايا مصريين”، وتساءل كيف يتواجد حاكم مستقل في فلسطين بهذه القوة ولا يوجد له أثر في السجلات المصرية والأشورية والفينيقية المجاورة رغم ادعاء التوراة أنه سليمان قد ناسب تلك السلالات الحاكمة.
ولكن – والحديث لرالف – كافة أوصاف داود وابنه سليمان تنطبق على حاكمين من مصر، وكتب “هناك تشابهات مقنعة بين ديفيد (داود) وسليمان، وبسوسينس وشيشنق” و”الرواية التورانية خيالية تمامًا، أو أننا نبحث عن الأشياء الخطأ في المكان الخطأ “.
ويشير المؤلف إلى أن اليهود لا يعترفون بسليمان نبياً في التوراة رغم إعترافهم بأنه كان ملكاً قوياً ما يعزز أنه كان شخصاً أجنبياً لا ينتمي إلى القبائل الإسرائيلية.
ويبقى السؤال.. هل ذكر القرآن أين يقع حكم سليمان بالضبط؟ بداية ونهاية أرضه؟ هل القرآن كتاب جغرافيا يحمل ملحق من الخرائط يوضح أين كانت تلك السلالة الملكية؟، هل الحديث في القرآن عن حكم سليمان في فلسطين يعني أنها ملكه الوحيد او أنها عاصمة ملكه؟
نظرية الجغرافيا البديلة
ومن أجل إجابات أكثر ارتباطًا بالتاريخ، يعرض “المرصد المصري” في السطور المقبلة واحدة من اهم نظريات المؤرخين في الوقت الحالي هو الالتباس التاريخي حيال قصة النبي موسي، وذلك نقلًا من مؤلفات أصحابها دون أن يعبر هذا النص عن رأى “المرصد المصري” في هذه القضية.
المؤرخ اللبناني كمال صليبي (1929 – 2011) ثم العالم العراقي فاضل الربيعي قررا كل على حده حسم الأمر بقراءة التوراة وتبين المزيف من الصادق، الحقيقي من المشبوه، لنقرأ التوراة بلغتها الأصلية دون ترجمة تحمل رؤية صاحبها، مثل أغلب الفرنسيين الذين يترجمون يهودي باعتباره إسرائيلي حتى أن الطوائف اليهودية في البلاد والأقاليم الفرنكوفونية تسمي الطوائف الإسرائيلية.
يقول الربيعي: إنك تكتشف في أسفار التوراة أن القدس وأورشليم مدينتان منفصلتان تمامًا، كلاهما تواجد في نفس الزمن وبالتالي القصة الساذجة أن بئر سليم الذي تحولت إلى أورشليم – القصة التي لم أهضمها يوماً لسطحيتها – ليست حقيقة.
ويكمل الربيعي أن أسفار التوراة تصف القدس وأورشليم وصفًا جغرافيًا دقيقًا، لا مثيل له في فلسطين وسوريا ولبنان، كذلك الامر بالنسبة لسيناء في النسخة التوراتية التي لا توائم جغرافياً مع سيناء المصرية.
هذه الجغرافيا لا تمت بمصر أو فلسطين بصلة، وهنا بحث الربيعي في كتب الرحالة العرب عن جغرافيا تتضمن أسماء الجبال والوديان والقبائل التي تشير لها التوراة والتي تشير بجلاء إلى أن القبائل الإسرائيلية في أجيالها الأولى لم تطأ قدم سيناء المصرية أو فلسطين السورية، ليصل الربيعي وقبله صليبي إلى الاكتشاف الذي يتحدث عنه العالم اليوم باستثناء مصر، قدس التوراة، قدس اليهود تقع مخلاف المعافر نحو 80 كلم إلى الجنوب من تعز باتجاه عدن.
وقد كتب بحثه التاريخي هذا في كتاب بعنوان “القدس ليست اورشليم”، ولعب هذا الكتاب دورًا مهمًا في عدم اعتراف اليونسكو بالوصاية الإسرائيلية على القدس عام 2016 ما أدى لانسحاب إسرائيل من المنظمة الدولية.
في سفر عزرا حيث القبائل العبرية العائدة الى أراضيها من السبي البابلي، كافة أسماء القبائل هي قبائل من اليمن، فلسطين التاريخية لا تعرف اسم قبيلة واحدة من هؤلاء، بل أن المؤرخ والجغرافي العربي أبو محمد الهمداني (893-945) الذي نقل منه الغرب مرارا، والذي أكد كروية الأرض، وثق في كتابه “الإكليل من أنساب اليمن وأخبار حمير” الأصول اليمنية لكافة القبائل العائدة من السبي البابلي كما ذكر اسمها في أسفار التوراة.
إن التطابق المذهل بين النصوص التي سجلها الهمداني لجغرافيا اليمن ونصوص التوراة بلغتها الاصلية، سفر نحميا وسفر يشوع يقر بحقيقة أن التوراة تروي أحداثًا لا علاقة لها بالتاريخ الفلسطيني، كما تروى وتصف أماكن لا صلة بينها وبين جغرافيا فلسطين، بل جرت في اليمن.
التوراة عامرة بأسماء قبائل ومناطق يمنية، مثل عدن وحضرموت ووادي الرمة، وإمعانًا في البحث ذهب الربيعي الى الإنتاج الادبي للقبائل العربية قبل الإسلام، فوجد وقدم نصوصًا في كتابه لشعراء عرب يتغنون بأسماء مناطق وقبائل ذكرتها التوراة باعتبارها في فلسطين وأنها قبائل إسرائيلية بينما هي قبائل عربية في اليمن.
الأعشى ذكر إسم جبل صهيون في اليمن يوم تغنى بالحروب بين حمير ونجران، العديد من شعراء الجاهلية تغنوا بقدس اليمن في أشعارهم وأتى لسان العرب لابن منظور والأصمعي في وصف قدس باعتبارها في اليمن، كذا أبو ذؤيب الهذلي وكعب بن زهير والبحتري.
ولكن كيف انتقل جبل صهيون وباقي المسميات التورانية من اليمن الى فلسطين؟:
نكتشف أن الرحالة العرب واليونانيين الذين سيطروا على هذه المناطق يومًا لم يسجلوا قط أيًا من تلك الأسماء اليهودية في فلسطين وقت الحكم اليوناني أو العربي لفلسطين قبل الحروب الصليبية، لا جبل صهيون ولا كافة الأسماء اليهودية التي تتسمي بها بعض المناطق في فلسطين اليوم، هذه مسميات قامت بها جماعات مسيحية متطرفة لهذه المناطق في زمن الاحتلال الصليبي لفلسطين، ولما رحلت ظلت تلك الأسماء باقية كما هي، ولم يكن فيما فعله الصليبين نصرة لليهود بل نصرة للاهوت المسيحي دون أن يدركوا أنهم قدموا أهم هدية لليهود لاحقًا.
قبل الغزو الصليبي لفلسطين لم يكن هنالك أثر أو منطقة واحدة في فلسطين تتسمي بالمسمى اليهودي أو التوراني أو المسيحي لها.
ماذا عن طور سيناء وعيون موسي؟:
قام اليهود في بلاط البطالمة بإطلاق مسمياتهم على تلك المناطق تنفيذاً للنص التوراني، تلك الجبال والمناطق المصرية لم تكن أصلًا بهذا الاسم في زمن موسي والقدماء المصريين فكيف يكون لها اسم مختلف لدى شعب جاء لمصر ضيفًا أو هاربًا او مستعمرًا؟
هل يطلق اللاجئ السوري على نهر الراين في المانيا اسمًا مختلف؟ هل يطلق على جبال الألب في وسط أوروبا اسمًا مختلفًا؟
هل يعقل أن يمر بنى إسرائيل على جبل للمرة الأولى ويطلقون عليه اسمًا مختلفًا عن الاسم المتداول لدى أبناء المنطقة التي اختلطوا بها؟
أما عيون موسى، فإنه من السهل للغاية أن نبحث في الصحراء عن بضعة آبار ونطلق عليهم هذا الاسم، لم نجد في واحة عيون موسي السيناوية إلا خمسة آبار لا يعمل منهم الا واحداً ولكن اليهود في عصر البطالمة أكدوا ان باقي الأعين مطمورة وسوف نجدها وإلى اليوم بعد قرابة 1800 عامًا لم نجد آبارهم المزعومة في رمال سيناء عكس بئر زمزم الثابت في شبه الجزيرة العربية لأنه معجزة حقيقة بجغرافيا معروفة.
القبائل التي شاركت في بناء أورشليم بعد العودة من السبي على يد الفرس، كلها قبائل عربية في اليمن، المر وشنوءة وحور والحارق والمخاريف وزانح، لا يوجد أي أثر لهذا القبائل في تاريخ فلسطين قبل او بعد.
إلى اليوم هنالك لغز لا يعرف التاريخ إجابته.. كيف وصل الدين اليهودي إلى اليمن؟ الإجابة يقدمها الربيعي.. لأن اليمن مهبط الدين اليهودي.
مصر الموجودة في التوراة ليست مصر التاريخية، هى مخلاف في اليمن، لا تزال بعض آثاره التاريخية موجودة اليوم، ومملكة إسرائيل المزعومة لم تكن في فلسطين بل مخلاف آخر في اليمن أيضًا، الخروج والدخول وجبل الطور والتيه وفرعون كانوا في المخلاف المصري في اليمن، كل هذا مثبت من التوراة في نصوصها الجغرافية.
هكذا نصعد ونهبط في دروب التاريخ والعلم والآثار لنصل إلى حقيقة هامة، أن مصر التاريخية سواء كان اسمها مصر أو كيميت أو ايجيبت، في النهاية هي ليست مصر التورانية أو الابراهيمية، مصر الإبراهيمية مخلاف في اليمن اليوم، له اثاره ومكانه، وبني إسرائيل لم يدخلوا مصر حتى يخرجوا منها فالدخول والخروج والعبور كان في اليمن عبر إحدى انهارها، ومملكة إسرائيل لا وجود لها في فلسطين بل دويلة قبائلية صغري كانت في اليمن، فقط هاجر بعض اليهود شمالًا إلى فلسطين وكانوا تحت الحكم المصري.
هل القرآن الكريم كتاب جغرافيا ملحق به خرائط جغرافية حتى نعتبر مصر في القرآن هم مصر التاريخية اليوم؟ هل إذا ما قلنا إن مصر التي في القرآن هي مصر أخري يعتبر خروجًا عن الدين؟ هل هنالك كلمة واحدة فيما سبق تتعارض مع القرآن الكريم؟ الأجابة هي لا.
سيرة الألف سيناريو
هذه السطور البسيطة واحدة من مئات السيناريوهات حول الحقيقة التاريخية لقصة النبي موسي، والغرض من عرض بعضها هو الإشارة إلى أن العلم
والحاصل أن التراث اليهودي كان محل دراسة ومناقشة العلماء بكل حرية حتى أربعينات القرن العشرين، حينما قامت دولة إسرائيل على التراث اليهودي، وسلحها الغرب بقوانين معاداة السامية، التهمة المعلبة والجاهزة لكل من يفتح سيرة التناقضات في التراث اليهودي أو يجري أبسط مناقشة تاريخية حول هذا الكم من الوقائع التاريخية التي لم نجد لها اثرًا واحدًا حتى اليوم.
لقد وجد علماء الآثار في جوف فلسطين ومصر آثارًا تعود إلى عصر الديناصورات حتى أحداث الحرب العالمية الثانية، ومع ذلك لم يجدوا ملعقة واحدة عليها نقش ولو من كلمة واحدة تتفق مع الأساطير الدينية التي قامت عليها دولة إسرائيل.
ومع شعب مثل الشعب المصري وحضارة مثل الحضارة المصرية القديمة التي دونت تاريخها كاملًا، لا نجد كلمة واحدة عن البحر الذي انشق، والجيش الذي غرق، والملك الذي اختفى، وابن الملك سواء اعتبروه ولى عهد او ابنًا متبنى، ثار ثورة دينية عارمة؟، عن إبراهيم الذي تزوج ابنة ملك مصري، أو سليمان الذي صاهر عاهلاً مصريا؟ ولا كلمة واحدة عن سلطان جبار في الجوار مثل داود وسليمان؟
ثم إن التاريخ ينقل لنا رفض بل واحتقار القدماء المصريين للأجانب عمومًا، وعدم ترحيبهم لفكرة المصاهرة مع عاهل أجنبي أو أسرة أجنبية فما بالك بتعيين أجنبي رئيسًا للوزراء كما يرى البعض في قصة يوسف. بل ولا يوجد أي أثر واحد لهذا الوجود الإسرائيلي على أرض مصر، سواء في الوادي أو سيناء؟
وتمتد أسئلة العلماء إلى أنه لا يوجد أثر واحد لمملكة إسرائيلية في أرض فلسطين، حتى الحروب التي يقولون إنها جرت مع المصريين والآشوريين لا ذكر لها في نقوش البلدين، لقد انتصرنا وهزمنا دون أن ندون ذلك، بينما الحضارة المصرية القديمة وصلت الى مرحلة من الدقة في تدوين التاريخ لدرجة إنك تجد في البرديات المصرية أخبار الملك بسماتيك الثالث عقب أسره وحمله إلى بلاد فارس في المرحلة الاولي من الغزو الفارسي لمصر.
بل وللدقة المصرية فإن البرديات المصرية تحدد كيف تراسل الملك الأسير مع المقاومة المصرية وكيف دعمها وتاليًا كيف أصدر الفرس حال اكتشاف تواصله مع المقاومة المصرية أمرًا بإعدامه وتنفيذ حكم الإعدام ودفن العاهل المصري في بلاد فارس في مكان مجهول حتى اليوم.
علماء يهود وبريطانيين ينفون فكرة مملكة إسرائيل
ثم يأتي اليهود أنفسهم في علم الآثار الحداثي، كـ”إسرائيل فنكلشتاين” عالم الآثار بجامعة تل أبيب و”نيل سيلبرمان” عالم الآثار بجامعة نيوهافن الأمريكية في كتاب بعنوان “التوراة اليهودية مكشوفة على حقيقتها ” حيث أكدا بعد بحوث استمرت ربع قرن أن “بني إسرائيل لم يدخلوا مصر حتى يخرجوا منها”، وأن الدخول والخروج من مصر التاريخية خرافة لا أصل ديني قبل تاريخي أو جغرافي لها.
ثم تزداد الدهشة حينما يصدر الباحث البريطاني رالف اليس كتابه “سليمان ملك مصري”، بعد أن جاب سيناء وفلسطين المحتلة 15 عامًا، كتب “أنه يستحيل أن يكون هنالك مملكة أو دولة لبنى إسرائيل يوماً على أرض فلسطين، وأن السلالة الملكية في التوراة هي سلالة مصرية، حكمت مصر وفلسطين وكانت فلسطين مجرد ولاية مصرية وكان اليهود وقتذاك رعايا مصريين”، وتساءل كيف يتواجد حاكم مستقل في فلسطين بهذه القوة ولا يوجد له أثر في السجلات المصرية والأشورية والفينيقية المجاورة رغم ادعاء التوراة أنه سليمان قد ناسب تلك السلالات الحاكمة.
ولكن – والحديث لرالف – كافة أوصاف داود وابنه سليمان تنطبق على حاكمين من مصر، وكتب “هناك تشابهات مقنعة بين ديفيد (داود) وسليمان، وبسوسينس وشيشنق” و”الرواية التورانية خيالية تمامًا، أو أننا نبحث عن الأشياء الخطأ في المكان الخطأ “.
ويشير المؤلف إلى أن اليهود لا يعترفون بسليمان نبياً في التوراة رغم إعترافهم بأنه كان ملكاً قوياً ما يعزز أنه كان شخصاً أجنبياً لا ينتمي إلى القبائل الإسرائيلية.
ويبقى السؤال.. هل ذكر القرآن أين يقع حكم سليمان بالضبط؟ بداية ونهاية أرضه؟ هل القرآن كتاب جغرافيا يحمل ملحق من الخرائط يوضح أين كانت تلك السلالة الملكية؟، هل الحديث في القرآن عن حكم سليمان في فلسطين يعني أنها ملكه الوحيد او أنها عاصمة ملكه؟
نظرية الجغرافيا البديلة
ومن أجل إجابات أكثر ارتباطًا بالتاريخ، يعرض “المرصد المصري” في السطور المقبلة واحدة من اهم نظريات المؤرخين في الوقت الحالي هو الالتباس التاريخي حيال قصة النبي موسي، وذلك نقلًا من مؤلفات أصحابها دون أن يعبر هذا النص عن رأى “المرصد المصري” في هذه القضية.
المؤرخ اللبناني كمال صليبي (1929 – 2011) ثم العالم العراقي فاضل الربيعي قررا كل على حده حسم الأمر بقراءة التوراة وتبين المزيف من الصادق، الحقيقي من المشبوه، لنقرأ التوراة بلغتها الأصلية دون ترجمة تحمل رؤية صاحبها، مثل أغلب الفرنسيين الذين يترجمون يهودي باعتباره إسرائيلي حتى أن الطوائف اليهودية في البلاد والأقاليم الفرنكوفونية تسمي الطوائف الإسرائيلية.
يقول الربيعي: إنك تكتشف في أسفار التوراة أن القدس وأورشليم مدينتان منفصلتان تمامًا، كلاهما تواجد في نفس الزمن وبالتالي القصة الساذجة أن بئر سليم الذي تحولت إلى أورشليم – القصة التي لم أهضمها يوماً لسطحيتها – ليست حقيقة.
ويكمل الربيعي أن أسفار التوراة تصف القدس وأورشليم وصفًا جغرافيًا دقيقًا، لا مثيل له في فلسطين وسوريا ولبنان، كذلك الامر بالنسبة لسيناء في النسخة التوراتية التي لا توائم جغرافياً مع سيناء المصرية.
هذه الجغرافيا لا تمت بمصر أو فلسطين بصلة، وهنا بحث الربيعي في كتب الرحالة العرب عن جغرافيا تتضمن أسماء الجبال والوديان والقبائل التي تشير لها التوراة والتي تشير بجلاء إلى أن القبائل الإسرائيلية في أجيالها الأولى لم تطأ قدم سيناء المصرية أو فلسطين السورية، ليصل الربيعي وقبله صليبي إلى الاكتشاف الذي يتحدث عنه العالم اليوم باستثناء مصر، قدس التوراة، قدس اليهود تقع مخلاف المعافر نحو 80 كلم إلى الجنوب من تعز باتجاه عدن.
وقد كتب بحثه التاريخي هذا في كتاب بعنوان “القدس ليست اورشليم”، ولعب هذا الكتاب دورًا مهمًا في عدم اعتراف اليونسكو بالوصاية الإسرائيلية على القدس عام 2016 ما أدى لانسحاب إسرائيل من المنظمة الدولية.
في سفر عزرا حيث القبائل العبرية العائدة الى أراضيها من السبي البابلي، كافة أسماء القبائل هي قبائل من اليمن، فلسطين التاريخية لا تعرف اسم قبيلة واحدة من هؤلاء، بل أن المؤرخ والجغرافي العربي أبو محمد الهمداني (893-945) الذي نقل منه الغرب مرارا، والذي أكد كروية الأرض، وثق في كتابه “الإكليل من أنساب اليمن وأخبار حمير” الأصول اليمنية لكافة القبائل العائدة من السبي البابلي كما ذكر اسمها في أسفار التوراة.
إن التطابق المذهل بين النصوص التي سجلها الهمداني لجغرافيا اليمن ونصوص التوراة بلغتها الاصلية، سفر نحميا وسفر يشوع يقر بحقيقة أن التوراة تروي أحداثًا لا علاقة لها بالتاريخ الفلسطيني، كما تروى وتصف أماكن لا صلة بينها وبين جغرافيا فلسطين، بل جرت في اليمن.
التوراة عامرة بأسماء قبائل ومناطق يمنية، مثل عدن وحضرموت ووادي الرمة، وإمعانًا في البحث ذهب الربيعي الى الإنتاج الادبي للقبائل العربية قبل الإسلام، فوجد وقدم نصوصًا في كتابه لشعراء عرب يتغنون بأسماء مناطق وقبائل ذكرتها التوراة باعتبارها في فلسطين وأنها قبائل إسرائيلية بينما هي قبائل عربية في اليمن.
الأعشى ذكر إسم جبل صهيون في اليمن يوم تغنى بالحروب بين حمير ونجران، العديد من شعراء الجاهلية تغنوا بقدس اليمن في أشعارهم وأتى لسان العرب لابن منظور والأصمعي في وصف قدس باعتبارها في اليمن، كذا أبو ذؤيب الهذلي وكعب بن زهير والبحتري.
ولكن كيف انتقل جبل صهيون وباقي المسميات التورانية من اليمن الى فلسطين؟:
نكتشف أن الرحالة العرب واليونانيين الذين سيطروا على هذه المناطق يومًا لم يسجلوا قط أيًا من تلك الأسماء اليهودية في فلسطين وقت الحكم اليوناني أو العربي لفلسطين قبل الحروب الصليبية، لا جبل صهيون ولا كافة الأسماء اليهودية التي تتسمي بها بعض المناطق في فلسطين اليوم، هذه مسميات قامت بها جماعات مسيحية متطرفة لهذه المناطق في زمن الاحتلال الصليبي لفلسطين، ولما رحلت ظلت تلك الأسماء باقية كما هي، ولم يكن فيما فعله الصليبين نصرة لليهود بل نصرة للاهوت المسيحي دون أن يدركوا أنهم قدموا أهم هدية لليهود لاحقًا.
قبل الغزو الصليبي لفلسطين لم يكن هنالك أثر أو منطقة واحدة في فلسطين تتسمي بالمسمى اليهودي أو التوراني أو المسيحي لها.
ماذا عن طور سيناء وعيون موسي؟:
قام اليهود في بلاط البطالمة بإطلاق مسمياتهم على تلك المناطق تنفيذاً للنص التوراني، تلك الجبال والمناطق المصرية لم تكن أصلًا بهذا الاسم في زمن موسي والقدماء المصريين فكيف يكون لها اسم مختلف لدى شعب جاء لمصر ضيفًا أو هاربًا او مستعمرًا؟
هل يطلق اللاجئ السوري على نهر الراين في المانيا اسمًا مختلف؟ هل يطلق على جبال الألب في وسط أوروبا اسمًا مختلفًا؟
هل يعقل أن يمر بنى إسرائيل على جبل للمرة الأولى ويطلقون عليه اسمًا مختلفًا عن الاسم المتداول لدى أبناء المنطقة التي اختلطوا بها؟
أما عيون موسى، فإنه من السهل للغاية أن نبحث في الصحراء عن بضعة آبار ونطلق عليهم هذا الاسم، لم نجد في واحة عيون موسي السيناوية إلا خمسة آبار لا يعمل منهم الا واحداً ولكن اليهود في عصر البطالمة أكدوا ان باقي الأعين مطمورة وسوف نجدها وإلى اليوم بعد قرابة 1800 عامًا لم نجد آبارهم المزعومة في رمال سيناء عكس بئر زمزم الثابت في شبه الجزيرة العربية لأنه معجزة حقيقة بجغرافيا معروفة.
القبائل التي شاركت في بناء أورشليم بعد العودة من السبي على يد الفرس، كلها قبائل عربية في اليمن، المر وشنوءة وحور والحارق والمخاريف وزانح، لا يوجد أي أثر لهذا القبائل في تاريخ فلسطين قبل او بعد.
إلى اليوم هنالك لغز لا يعرف التاريخ إجابته.. كيف وصل الدين اليهودي إلى اليمن؟ الإجابة يقدمها الربيعي.. لأن اليمن مهبط الدين اليهودي.
مصر الموجودة في التوراة ليست مصر التاريخية، هى مخلاف في اليمن، لا تزال بعض آثاره التاريخية موجودة اليوم، ومملكة إسرائيل المزعومة لم تكن في فلسطين بل مخلاف آخر في اليمن أيضًا، الخروج والدخول وجبل الطور والتيه وفرعون كانوا في المخلاف المصري في اليمن، كل هذا مثبت من التوراة في نصوصها الجغرافية.
هكذا نصعد ونهبط في دروب التاريخ والعلم والآثار لنصل إلى حقيقة هامة، أن مصر التاريخية سواء كان اسمها مصر أو كيميت أو ايجيبت، في النهاية هي ليست مصر التورانية أو الابراهيمية، مصر الإبراهيمية مخلاف في اليمن اليوم، له اثاره ومكانه، وبني إسرائيل لم يدخلوا مصر حتى يخرجوا منها فالدخول والخروج والعبور كان في اليمن عبر إحدى انهارها، ومملكة إسرائيل لا وجود لها في فلسطين بل دويلة قبائلية صغري كانت في اليمن، فقط هاجر بعض اليهود شمالًا إلى فلسطين وكانوا تحت الحكم المصري.
هل القرآن الكريم كتاب جغرافيا ملحق به خرائط جغرافية حتى نعتبر مصر في القرآن هم مصر التاريخية اليوم؟ هل إذا ما قلنا إن مصر التي في القرآن هي مصر أخري يعتبر خروجًا عن الدين؟ هل هنالك كلمة واحدة فيما سبق تتعارض مع القرآن الكريم؟ الأجابة هي لا.
سيرة الألف سيناريو
هذه السطور البسيطة واحدة من مئات السيناريوهات حول الحقيقة التاريخية لقصة النبي موسي، والغرض من عرض بعضها هو الإشارة إلى أن العلم