"ما الذي يمكن أن يفعله سياسي لمخاطبة الشعب حين يجد شبكة مثل تويتر تمارس عليه "الرقابة"، وتحجب تغريداته، بدعوى منع التأثير في الانتخابات؟ كيف يمكنه التصرف حين يمارس الاعلام الرقابة وتسمح قنوات تلفزيونية بقطع بث خطاب ترامب، ومنع "الشعب" من الاستماع لشخص لا يزال في مقام الرئيس ويدافع هذا الإعلام عن انقلابه على مبادئ حرية التعبير بأن عملها هو نقل الحقيقة وليس الأكاذيب؟ كيف يمكن للشعب أن يعرف الحقيقة إن كان الرئيس نفسه ممنوعا من التواصل؟؟!!!".
ما يحدث في
#أمريكا اليوم مثير ليس فقط لأنه يبرز أن الصراع الحقيقي ليس بين ترامب وبايدن، ولا بين الجمهوريين والديمقراطيين، لكنه صراع بين المؤسسات (الدولة العميقة)، وبين"النبي
#ترامب". بل هو مثير أيضا لأنه يطرح سؤالا في عالم التواصل السياسي:"كيف يمكن تمرير الخطاب إلى الشعب حين تقفل المؤسسات (الدولة العميقة) كل منافذ التواصل في وجه السياسي؟؟!".
في ظل كل هذه الثورة التي يعرفها عالم التواصل السياسي في أمريكا، وفي ظل فقدان الثقة في الاعلام الديمقراطي والجمهوري معا، وفي مختلف الشبكات الاجتماعية، وحتى في ال Soft Data(استطلاعات الرأي، والاستبيان، والتصويت، والتصنيف، وغيرها)، برز نجم الHard Data وبات الجميع اليوم ينتظر ما يقول به ال Robot ليصدق ما يقوله الانسان، وكأن الإنسان خلق ليكذب، والRobot خلق ليقول الحقيقة.
ينقل الHard data الحقيقة بالكم، وتنقل الSoft data الكذب بالكيف، الأول موثوق فيه لأنه منسلخ عن المشاعر، والثاني متقلب لأنه يعتمد المشاعر، وأمريكا تتشبث اليوم بالحقيقة من ال Robot اكثر من الانسان لتحافظ على ولاياتها التي جعلتها متحدة بعد حرب أهلية طويلة.
تعتمد أمريكا اليوم على ال Robot لحماية المجمع الانتخابي، ذاك النظام الانتخابي الذي لجأت اليه امريكا لتحقق الوحدة بين ولايات الجنوب، والشمال، وتحمي الفيدرالية من التمزق، وتحقق التوازن بين الولايات الكبيرة، والولايات الصغيرة، وتغليب التصويت حسب الولاية على احتساب الصوت بالفرد.
نظام انتخابي يحاول "النبي ترامب" الانقلاب عليه بالتشكيك فيه، والتهديد، والوعيد، فترامب مصر أن يكون "مسيح أمريكا المنتظر" الذي بعث بدين جديد لا هو ديمقراطي، ولا جمهوري، وهو ما يفسر لماذا الإعلام المحسوب على الجمهوريين على رأسه قناة فوكس نيوز لم ينحز كلية لترامب، فالتسجيل المسرب لصهر ترامب جيرالد كوشنير والذي قال فيه ان الحزب الديمقراطي والحزب الجمهوري هما كقبيلتين كبيرتين متناحرتين وأن ترامب أتى لينقلب على "القبيلتين" لم يكن الحزب الجمهوري ليجعله يمر مرور الكرام.
أمريكا المؤسسات تحاول انقاذ نفسها من الدين الجديد، دين ترامب القائم على "القانون والنظام"، فيه رئيس يؤمن أنه رسول الله، وفيه مريدون عليهم أن ينصاعوا له لأنه "المخلص"، أما الإعلام، والشبكات الاجتماعية فهم مجرد "مارقين"، وكل من يشكك في ترامب هو يخالف إرادة الله!!
يبدو خطاب ترامب متطرفا، لكن ما تحاول امريكا بايدن اخفاءه ان ترامب ليس وحيدا، ليس فردا، ليس شخصا، بل سيتحول إلى "حركة فكرية"، وقد نسمع عن The Trumpists، وعن القس ترامب، وعن كنيسة القس ترامب، وعن أمور يفضحها حدة هذا الصراع بين المؤسسات وترامب من أجل تخليص أمريكا من "الدين الجديد".
هذا الصراع لا يفضح فقط أن الالية الديمقراطية لا تنتج بالضرورة ديمقراطية، بل تكشف تخوف أمريكا من أن هؤلاء ال "مؤمنين الجدد" قد يتكاثرون حتى مع رحيل ترامب طوعا أو كرها، وهو ما نشرته صحيفة بلومبرغ على غلافها تحت عنوان"ترامب راحل لكن الترامبيين باقون"، وهو الصراع الحقيقي الذي ستواجهه أمريكا ما بعد ترامب، ولن يمنعه صعود بايدن الرئاسة.
______
شامة درشول