مناعة القطيع هي نوع من المناعة الطبيعية التي تحدث لأفراد المجتمع بعد تعرضهم للأمراض المعدية مثل الأنفلونزا وغيرها. وهي في أغلب الأحيان تحدث حينما يتعرض الإنسان للفيروس أو الجرثومة المعدية، فيتم دراسة تركيبته من خلال خلايا جهاز المناعة مثل الخلايا الليمفاوية التي تسمى "تي ليمفوسيتس"، وبعد أن تتم دراسة تركيب الجرثومة ومكوناتها تغير خلايا المناعة من أحماضها النووية حتى تستطيع إفراز مواد مضادة تكبح جموح المرض.
وفي الكثير ـ إن لم يكن معظم ـ الأحيان فإن المصاب بالجرثومة لا تظهر عليه أعراض المرض، أو تظهر عليه الأعراض فقط بصورة بسيطة، وفي البعض الآخر تكون الإصابة بالمرض شديدة.
وفي حالة حدوث "مناعة القطيع" عند نسبة كبيرة من السكان يقل بشدة انتشار المرض وسط المجتمع، وقد تقل حدته كثيرا حتى لو ظهرت أعراض المرض على المريض.
والمدافعون عن "مناعة القطيع" يرون أنها أكبر ضامن لحماية المجتمع، فحين يخالط مريض 10 أفراد ليس لديهم مناعة فإنه قد ينقل المرض لـ 10 أفراد آخرين، أما إذا انتشرت المناعة الطبيعية عند أفراد المجتمع بنسبة 80 في المئة (أي 8 أفراد في حالة مخالطته لـ 10 أفراد) فإن نفس الشخص سينقل المرض فقط في هذه الحالة إلى شخصين، وبذلك يقل انتشار المرض ويقل تأثيره على المجتمع.
ما الرافضون لها فيعتقدون أن تعريض المجتمع للجرثومة قد يعرض حياة بعضهم للخطر. يبدو أن هؤلاء نسوا أو تناسوا أن حبس المجتمع داخل منازلهم وحرمانهم من التعرض التدريجي للفيروس ومن ثم عدم حدوث مناعة طبيعية عندهم قد يعرض حياتهم لخطر أكثر حينما يتعرضون لهذا الفيروس ـ وهو أمر حتمي ـ في وقت لاحق مما يجعل الفيروس أكثر وحشية وفتكا بالمجتمع.
الأمر المثير للحيرة هنا أن الدول التي رفضت مبدأ "المناعة الطبيعية" أو مناعة القطيع لديهم أسوأ معدلات وفاة من مرض كورونا حتى يومنا هذا.
ولتوضيح هذا الأمر علينا أن نقارن معدلات الوفاة لكل مليون نسمة بين 3 مجموعات من الدول:
المجموعة الأولى
دول لم تأخذ أي إجراء خاص وتركت المطاعم والمدارس والتجمعات مفتوحة تماما منذ البداية، مع إعطاء عناية فقط لكبار السن والمرضى، ومن أمثلة هذه الدول دولة "روسيا البيضاء" في أوروبا، وهي بلد باردة تقع بشرق أوروبا ولها حدود مع روسيا وتعداد سكانها قرابة الـ 10 مليون نسمة.
وقد أصرت حكومة "روسيا البيضاء" على عدم إغلاق أي شيء تقريبا، فالمطاعم والمدارس والحانات مفتوحة، والتجمعات مباحة، حتى أن دوري "روسيا البيضاء" لكرة القدم هو الدوري الوحيد بأوروبا الذي لم يتم إيقافه! ولم يتم إجبار الناس على المكوث في بيوتهم بل وشجعهم رئيس الدولة على الذهاب إلى صالات التمارين الرياضية وغرف السونا وشرب الفودكا!
وكانت نتيجة هذا: معدلات الوفاة لكل مليون نسمة 10 حالات فقط في دولة بيلاروسيا.
المجموعة الثانية
دول أخذت إجراءات محدودة مثل منع التجمعات الكبيرة، وتشجيع التعليم عن بعد للجامعات ـ ولكنها لم تجبر الناس على الإغلاق المطلق أو المكوث بالمنازل، ومن أمثلة هذه الدول: السويد. وكانت نتيجة هذا هو هذه النتيجة: 263 حالة وفاة لكل مليون نسمة بالسويد.
ولكن بالإضافة إلى ذلك فقد وصلت "درجة مناعة المجتمع" كنتيجة للتعرض للفيروس في السويد إلى 30 في المئة ومن المتوقع وصولها إلى 60 في المئة بنهاية شهر مايو الحالي، ولم تستطع أي دولة أوروبية أو غربية أخرى أن تعلن عن الوصول لمثل هذه الدرجة من المناعة خاصة بعد أن قاومت فكرة المناعة الطبيعية بأن أجبرت الناس على المكوث في منازلهم.
ويبدو أن هذا الأمر الأخير ـ أي زيادة درجة المناعة في المجتمع ـ هو ما دعا منظمة الصحة العالمية إلى أن تعتبر "النموذج السويدي" هو أفضل مثل يحتذى به في مواجهة فيروس كورونا، بالرغم من أن أعداد الوفيات عندهم أكثر من أعداد الوفيات في الدول الإسكندنافية الأخرى مثل فنلندا والنرويج والدنمارك.
المجموعة الثالثة
دول أغلقت تقريبا كل شيء وأجبرت الناس على البقاء بالمنازل (حظر تجوال)، ومن الأمثلة المعروفة لهذه الدول إيطاليا وإسبانيا وفرنسا.
وجاءت نتيجة هذه السياسة على الشكل التالي:
إيطاليا 467 حالة وفاة لكل مليون نسمة.
إسبانيا 531 حالة وفاة لكل مليون نسمة.
فرنسا 377 حالة وفاة لكل مليون نسمة.
أما بريطانيا فلها قصة خاصة حيث اتبعت فكرة مناعة القطيع في البداية وعندما وصلت الوفيات لديها إلى 158 حالة في الدولة بأكملها وفيه 66 مليون نسمة ـ أي أقل من 3 حالات وفاة لكل مليون نسمة! ـ ارتعدت قيادات الدولة السياسية، واتبعت فورا اتجاه إيطاليا وإسبانيا وفرنسا برفض مناعة القطيع، وبعد هذا القرار أصبحت أرقام بريطانيا اليوم: 27500 حالة وفاة في الدولة بأكملها وأكثر من 400 حالة وفاة لكل مليون نسمة.
وتتشابه ولاية نيويورك الأميركية مع بريطانيا في هذا الأمر، فبعد أن كانت أعداد الوفيات فيها 46 وفاة يوم 20 مارس، قرر حاكم نيويورك إغلاق ومنع معظم الأعمال والنشاطات في الولاية، أصبحت اليوم عدد الوفيات أكثر من 18000 وفاة وزيادة مرعبة تقدر بالمئات يوميا.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو هل رفض "مناعة القطيع" بصورة هيستيرية والاتجاه إلى الإغلاق وحظر التجوال كما حدث مع إيطاليا وإسبانيا وفرنسا وبريطانيا وولاية نيويورك جاء بنتائج جيدة أم أن العكس تماما هو الذي حدث؟!
الأمر جلي لا يحتاج إلى إيضاح فالأرقام تشرح نفسها!
الأكثر إيلاما من ذلك أن الهدف من رفض "مناعة القطيع" لم يكن تقليل أعداد الإصابات والوفيات على الإطلاق، بل كان فقط لتقليل معدل الإصابات وتأجيل حدوثها حتى تكون المستشفيات ومراكز العناية المركزة وأجهزة التنفس الصناعي كافية لاستيعاب أعداد المصابين بالمرض، وبعد أن ثبت فشل أجهزة التنفس الصناعي في علاج المرض بل وتسببها بزيادة أعداد الوفيات في العديد من الحالات انتفى السبب الرئيسي لرفض مناعة القطيع.
ثم جاء البحث العلمي الأخير لرئيس هيئة البحث العلمي في هيئة الأمن القومي الأميركية ليهز أركان فكر الذين رفضوا "مناعة القطيع"، فقد أظهر البحث العلمي الذي لا يقبل الجدل بالأدلة اليقينية أن فيروس كورونا كوفيد-19 يتم تدميره بكفاءة بأشعة الشمس وعند حرارة 35 درجة مئوية (70 درجة فهرنهيت)، خاصة في وجود رطوبة وهذا كما ذكر العالم الجليل يشجع على النزول إلى الشوارع والشواطئ والحدائق العامة ـ بدلا من المكوث داخل بيوتهم ـ كي يتعرضوا للضوء والشمس.
ويدعم نتائج هذا البحث ما أعلن عنه حديثا حاكم ولاية نيويورك أن 66 في المئة من الحالات الجديدة في الولاية والمصابة بفيروس كورونا حدثت بين أفراد ماكثين في بيوتهم أو بمعنى آخر فإن عملية جلوس الناس في البيوت كانت عقيمة ولم تمنع أو تقلل إصابتهم بالمرض.
فهل يا ترى ستندم بعض الدول على المبالغة في رفض "مناعة القطيع" والإصرار على حظر التجول والإغلاق التام مما قد يكون قد أدى إلى فقدان المناعة عند الناس ومن ثم الزيادة المرعبة في معدلات الوفاة لديهم.
سؤال يحتاج لجواب!
وللحديث بقية!
هل ستندم بعض الدول على رفضها لـ"مناعة القطيع"؟
www.alhurra.com
وليش ما فادت مناعة القطيع من فيروس نقص المناعة