عالج نفسه بنفسه
بعد رحلة تزلج في إيطاليا عاد أندرو وأصدقاؤه إلى بريطانيا محملين بذكريات جميلة قضوها في إجازتهم ولكن هذه الذكريات كانت تحمل معها شيئا اسمه كورونا. بعد رجوعهم بدأ كل واحد منهم يعاني من أعراض تعب وإرهاق قبل أن يكتشفوا أنهم مصابين بفيروس كورونا. سبعة عشر فردا من مجموعتهم المكونة من ٢٤ فردا أصيبوا بهذا الفيروس وبعضهم نقلوه لأهليهم.
وقبل أن يكتشف أندرو إصابته بالفيروس قرر عزل نفسه فور عودته من باب الاحتياط، وخلال هذا العزلة بدأ بكتابة يومياته وكيف قضى وقته في صراع مباشر مع كورونا. لم أتردد حين قرأت يومياته في
صحيفة مانشستر إيفينينق نيوز أن أترجمها، فالترجمة سبيلنا لمعرفة كيف يواجه الناس حول العالم هذا الهم المشترك والوباء الذي لم يميز بلدا عن آخر. أترككم الآن مع يوميات أندرو.
الأحد – ١ مارس
جلست في البيت طول النهار وقضيت وقتي في مراجعة الإيميلات ومشاهدة التلفاز. في هذا الوقت لم تظهر علي أية أعراض، وكنت بأحسن حال. وفي نفس الوقت كنت أتابع الأخبار لمعرفة ما الذي يحدث في إيطاليا.
الإثنين – ٢ مارس
اليوم عرفنا أن اثنين من مجموعتنا يشعرون بالمرض، وانتهى بهم المطاف في المستشفى وكانوا ضمن العشرة الأوائل الذين أظهرت فحوصاتهم إصابة مؤكد بالفيروس. أحد الصديقين ظهرت عليه علامات التعب بسرعة، وكلاهما لديه مشاكل صحية متعلقة بالقلب ولذلك نُقلوا للمستشفى.
الثاني كان من أصغر أفراد المجموعة، فلذلك تفاجأنا عندما أصيب بالمرض، فهو في العشرينيات وأصيب بتعب شديد أيضا. كنا نعرف كل ما يستجد لأننا في مجموعة واتساب واحدة.
لدي طفل عمره تسع سنوات ويسكن قريبا مني، ويعرف أني لست بخير وقد شاهد ما يتعلق بفيروس كورونا في الأخبار. لست متأكدا إن كان يفهم ما يعني ذلك ولكنه يدري أن والده يجب أن يلزم بيته لأسبوعين. تحدثت معه عبر فيستايم عندما عاد من المدرسة لأخبره أني بخير.
الثلاثاء – ٣ مارس
اتصل بي ولدي في الصباح وقال إنه عند موقف الحافلة في ناحية الشارع المقابلة لشقتي، وأخبرني أنه كان يمنحني ضمة كبيرة وهو يلف ذراعيه حول جسده، ففعلت الشيء نفسه وأخبرته أني أحبه. كانت دفعة معنوية رائعة بعد عدة أيام أعيشها وحيدا في الشقة.
في هذا الحين كان مخزون الغذاء يوشك أن ينتهي، وقد عرضت جارتي المساعدة في التسوق، فأعطيتها قائمة الأساسيات لتنقذني حين أمرض. كانت أشياء عادية مثل الموز والكورنفليكس، ومعلبات شوربة وفاصوليا، ومسكنات ألم وكولا دايت. أشياء بسيطة كهذه. أنا صديق لجيراني وهذا أمر ساعدني حقا.
في هذه المرحلة أشعر أني طيب ومن دون أية أعراض ولكني لم أغادر المنزل.
الأربعاء – مارس ٤
هذا أول يوم أتصل فيه بالطوارئ لأن أصدقاء أكثر من مجموعتنا تأكدت إصابتهم بالفيروس. انتظرت ٤٠ دقيقة للتحدث مع المرشد الصحي. شرحت له أني كنت على تواصل مباشر مع أناس مصابين بكورونا، وأني عائد من شمال إيطاليا.
اتصل بي مرشد متخصص بعد ساعة ونصف تقريبا، وأوصاني بعزل نفسي، وهذا شيء أفعله حاليا، وأنهم سيرسلون ممرضة لتأخذ عينة الفحص.
اتصلت بي ممرضتان قبل الموعد المحدد وقالتا إن الاتصال مخصص للأسئلة بدلا من السؤال عند الوصول، وذلك تجنبا لأي عدوى من رذاذ اللعاب عند الكلام.
وعند الثالثة مساء وصلتا بسيارة عادية، وكانتا ترتديان بدلة الوقاية. طرقتا الباب، ثم دخلتا وأخذتا عينات من خلف حنجرتي وغادرتا. لم يستغرق الأمر بضع ثوان.
الخميس – مارس ٥
استيقظت، وأكلت ثم قضيت بعض شؤون حياتي كالعادة. لم أشعر بضعف أو أي شيء في هذا الوقت، ولكني كنت أعلم أن قد أكون حاملا الفيروس. واصلت العزلة الذاتية بحسب التعليمات، وجلست أنتظر النتيجة. أخبروني أن مركز الرعاية الأولية سيتصل بي ليخبرني بها أيا كانت.
الجمعة – ٦ مارس
ما زلت أشعر بخير وبهجة. شاهدت التلفاز وأنجزت بعض الأعمال من المنزل. ولم تكن هنالك مؤشرات حول النتيجة، ولم تظهر علي أية أعراض كذلك.
السبت – ٧ مارس
مر الآن أسبوع منذ رجوعنا من جبال دولمايت، وستة عشر فردا من مجموعتنا تأكدت إصابتهم بفيروس كورونا. وفي هذا اليوم عرفت أني السابع عشر من المصابين.
عند الثامنة مساء تقريبا تلقيت اتصالا من استشاري في مستشفى ساينت جورج في لندن يؤكد أني أحمل فيروس كوفيد١٩. وكنت متيقن منذ مدة باحتمالية إصابتي، وقد أكد أني فعلت الشيء الصحيح منذ البداية. كنت آخر من يعرف نتيجته في مجموعتنا، ومن يعيش منهم في مانشستر كانوا أول من يُشخصون بالإصابة هناك.
كلنا في مجموعة واتساب واحدة، وتبادلنا بعض النكت والضحك حول الموضوع. أحيانا تحتاج لكوميديا سوداء لتتجاوز هذه الظروف.
الأحد – ٨ مارس
اليوم بدأت أشعر بالأعراض. عانيت من كحة بسيطة. كانت متقطعة جدا. كنت أكح لدقائق معدودة بعد مرور سويعات. لم أكترث بذلك كثيرا حينئذ، ولكني الآن لو عدت بذاكرتي لعرفت أنها كانت بداية الأعراض.
طلبت من جاري أن يشتري لي مقياس حرارة ويدخله من فتحة البريد لأقيس حرارتي. وباستثناء الكحة كنت آكل وأشرب كالعادة.
الإثنين – ٩ مارس
هذا أول يوم بدأت أشعر فيه بالحمّى. فحصت حرارتي عند الساعة ١٢:٣٠ ظهرا وكانت ٣٦.٤. وعند الرابعة عصرا كانت ٣٧.٧ وعند الخامسة مساء كانت ٣٨.١. كنت أحس بارتفاعها وحينها شعرت بالتعب الجسدي. الكحة المتقطعة بدأت تزيد وتيرتها وصارت تدوم مدة أطول. كنت أعاني من ١٥-٢٠ نوبة سعال ومشقة في التنفس.
وقبل الساعة السادسة مساء وصلت حرارتي ٣٨.٢ والكحة لم تهدأ. وعند السادسة والنصف قررت الاتصال بالطوارئ للإسعاف لأني لم أستطع التقاط أنفاسي. طلب مني المرشد حزم حقيبتي وترك الباب مفتوحا. وطلب مني ألا أشرب أو آكل أي شيء، وسيتصل بي متخصص لاحقا.
وبعد ساعتين لم يصل الإسعاف بعد، فأغلقت الباب وصعدت لحجرتي. وتجاهلت كذلك النصيحة الأخرى وأكلت لأني مريض سكري، وقد ارتفع معدل السكر وأحتاج جرعة الإنسولين.
عند العاشرة والنصف اتصل بي الأخصائي وكنت حينئذ قد بدأت في التحسن. وقد أخبرني أن نصيحة الامتناع عن الأكل والشرب كانت خاطئة وأني أحسنت حين أكلت شيئا.
هدأت الكحة، والتنفس صار أسهل وحرارتي تهاوت حتى ٣٥.٨ في منصف الليل، فذهبت للنوم.
الثلاثاء – ١٠ مارس
عندما استيقظت شعرت أني بأفضل حال، وهذا شعر مفاجئ لما كنت عليه في اليوم السابق. أخذت نورفين وباراسيتيمول على فترات متقطعة خلال اليوم.
ولكن عند السادسة مساء بدأت أشعر برعشة برد حقيقية، فأشعلت المدفأة والسخانات، ولبست سترة وقبعة التزلج وتلحفت، وما زلت أشعر بالتجمد.
كنت أرتعش وأنتفض كرجل ثلج، وعند الثامنة كانت حرارتي حوالي ٣٨.٢.
كان الشعور شديدا، ولكن عند العاشرة بدأت الحرار تزول، وفي منتصف الليل رجعت حرارتي إلى ٣٦.٢ فخلدتُ للنوم.
الأربعاء – ١١ مارس
لم أنم كثيرا فشعرت بالترنح، وعانيت من التهاب في الحنجرة بسبب كل ذلك السعال. اتصل بي أحدهم من الخدمة الصحية الوطنية ١١١ لفحوصات الرعاية لأني مريض سكري. أخبرته عن الحرارة والكحة، فأخبرني أنهم سيرسلون أحدا ليفحص حالتي في البيت. عند الثانية ظهرا وصلوا في سيارة إسعاف يرتدون بدلة الوقاية، وقرروا نقلي لمستشفى ساينت هلير لإجراء فحص كامل.
عندما وصلنا لم يستطيعوا إدخالي لسبب ما. فخرجت لي ممرضة للتحدث معي، وكنت حينها بخير. بعدها أعادوني للبيت وطلبوا أن أواصل العزلة الذاتية.
الخميس – ١٢ مارس
أجريت في الصباح مقابلة مع هيو بايم من قناة بي بي سي، وكنت أشعر بخير. وحينما حل المساء عادت الكحة وارتفعت الحرارة مرة أخرى.
يبدو أنها تصيبك في نوبات متفرقة. قد تشعر بصحة طيبة لساعات معدودة ثم فجأة تضربك. كانت هذه أول ليلة يتعكر فيها نومي جدا لأني كنت أكح كثيرا.
من المهم أن أقول أنها
ليست كحة عادية، بل هي كحة شديدة لا إرادية تُسقطك على ركبتيك وأنت تكح بصوت تكاد تخرج معه حنجرتك. تكح كأنك أربعيني يدخن ٤٠ سيجارة في اليوم.
كنت أحضن المرحاض لأني ظننت أني سأتقيأ. هذا هو الذي يسبب لك الصداع. وقد وجدت أن المسكنات مثل النورفين تساعد كثيرا في تسكين الكحة.
الجمعة – ١٣ مارس
اليوم أشعر أني عدت لحالتي الطبيعية، وكل من دخل المستشفى من مجموعتنا قد خرجوا. أحد الأصدقاء جلب لي وصفة الإنسولين من الصيدلية وبعض الأمهات من المدرسة اتصلن للسؤال إن كنت أريد قهوة. وقد كنت بغرابة تجنبت مشروبات الكافيين خلال هذه الفترة، ولا أشتهي سوى الغازيات والسموذي.
قلقي الوحيد الآن أنني لن أُفحص للتأكد من أن النتيجة سلبية. كيف تعرف أنك لا تحمل الفيروس بعد الآن؟ أعتقد جديا أن هذا أمر ينبغي النظر فيه لاحتواء الوباء.
ما هي نصيحتك لمن يعتقدون أنهم مصابون بفيروس كورونا (كوفيد١٩) ومن يعيشون عزلة ذاتية؟
أنت تحتاج لمساعدة الأصدقاء كي تتجاوز هذه الأزمة. كنت محظوظا لأن جيراني وأصدقائي يجلبون المقاضي والعلاج لي. كنت سأتورط من دونهم. أعرف بعض الأصدقاء في رحلتنا ممن عانوا بعض التجارب السيئة مع التسوق عبر الإنترنت. بعض المتاجر ترفض التوصيل عندما يُطلب منهم وضع الأغراض عند الباب بسبب فيروس كورونا.