مبارك و حرب اكتوبر

إنضم
7 يونيو 2019
المشاركات
6,721
التفاعل
15,329 40 0
الدولة
Egypt
بعد 11 فبراير 2011، فوجئت كتب التاريخ بمن يقول أن الضربة الجوية الأولى لم تحدث، و منهم من قال لم تكن ناجحة، و منهم من قال أن حسنى مبارك لم يكن مخططاً لها !.
و كان الهم الأكبر لـ هؤلاء جميعاً و من صدقهم هو القول أن حسنى مبارك لم يفعل شيئاً فى حرب 6 أكتوبر و أنه كذب بخصوص مجد الضربة الجوية.
وقبل أن أوضح أن الضربة الجوية حقيقة، أشير هنا الى الخط الفاصل بين ما هو منسوب الى مبارك و ما هو منسوب الى مصر ..
الضربة الجوية الأولى و كل ما جرى فى ملحمة أكتوبر 1973 هو ملك للتاريخ المصري، و فخر للحربية المصرية و الجندي المصري ..
و ليس معنى أن اعلام حسنى مبارك حاول توظيف هذه المحطة لإضفاء شرعية دستورية لحكمه أن نقول أن الضربة الجوية لم تحدث .. فهذا الأمر أشبه بمن قام بمحو جزءاً من تاريخه لمجرد أن طرف ما يحاول أن يستغله .
الضربة الجوية الأولى حقيقية تاريخية، خطط لها اللواء محمد حسنى السيد السيد إبراهيم مبارك، و معه باقى أركان القوات الجوية، و نفذها فرقة من أمهر الطيارين فى تاريخ مسرح العمليات فى الشرق الأوسط برمته، و نال الشهادة فى هذه الضربة عدداً من الأبطال منهم البطل عاطف السادات .
و هنا لابد من الإشارة الى نقطة بالغة الأهمية .. حسنى مبارك واحد من أبطال حرب 6 أكتوبر .. أخطا أثناء توليه الرئاسة و لكن هذا لا يمنع أنه كان أحد قادة نصر 6 أكتوبر ، و ليس من الشجاعة أو البطولة أو الثورة أن نقوم بمحو أسم أحد أبطال هذه الحرب.
ولكن علينا فى نفس الوقت أن نضع هذه البطولة فى حجمها الطبيعي، فحرب أكتوبر شهدت أدائاً إستراتيجياً حربياً مذهلاً من قبل الرئيس أنور السادات، و وزير الحربية الفريق أول أحمد إسماعيل ، و رئيس أركان حرب القوات المسلحة الفريق سعد الدين الشاذلي ، و قائد القوات البحرية اللواء فؤاد ذكري، و عشرات غيرهم من قادة الفرق والأبطال الذين نفذوا هذه الملحمة.
.........
.........
أول من تفهم قدرات مبارك العسكرية كان الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، أذ عقب نكسة يونيو 1967 تفهم عبد الناصر أنه بحاجة الى معلم حقيقي يقوم بتخريج دفعة متطورة من الطياريين من أجل الحرب المقبلة، و التى اتضح بعد نصب خط بارليف أن للطيران الكلمة عليا، و لا ننس أن عبد الناصر بدوره كان ضابطاً فذاً، له من البطولات فى معركة الفالوجة ما يملاً كتب التاريخ، لذا فالرجل كان قائداً فعلياً للجيش و ليس مجرد منصب صوري.
هكذا وقع عبد الناصر اختياره على العقيد حسنى مبارك فى نوفمبر 1967 ، لشغل منصب مدير الكلية الجوية، كان مبارك قد قام بـ دراسات عليا بأكاديمية فرونز العسكرية بالاتحاد السوفيتي (1964ـ 1965) ، كما تلقى تدريبات ميدانية على استعمال القذائف السوفيتية المتطورة ، لذا فوجئ عبد الناصر بالقائد الجديد للكلية الجوية يقوم بتخريج خمس دفعات مرة واحدة خلال سنة دراسية واحدة !.
وكانت هذه الدفعات و غيرها هى التى أخرجت النسور الأبطال الذين عبروا قناة السويس بطائراتهم ظهر 6 أكتوبر .. لم يكن حسنى مبارك قائداً للقوات الجوية فحسب، و لكنه كان معلماً و استاذاً لمعظم الضباط الذين عبروا بطائرتهم قناة السويس.
فى عام 1969 جرى اللقاء الذى لا يقصه أو يعرف تفاصيله الا قلة نادرة، و لم يقصه مبارك فى حياته و لا مرة واحدة امام شاشات التلفزيون، و لم يذكر ألا مرة واحدة فحسب فى تاريخ الصحافة المصرية، حيث أجتمع عبد الناصر مع العقيد حسنى مبارك، و ذلك على ضوء قيام عبد الناصر بتكليف مبارك بترأس أركان حرب القوات الجوية.
فى هذا اللقاء طلب مبارك من عبد الناصر أن يسمح له بالكلام، و سمح له ناصر، وأنطلق مبارك بالحديث عن مشاكل جمة يتعرض لها قطاع الطيران الحربى فى مصر وأنه يجب أن يتم فعل كيت و كيت، و لما اقتنع عبد الناصر بكلام مبارك تمت ترقية مبارك الى رتبة عميد مع توليه المنصب الجديد.
وفى سنوات حكم مبارك الأولي، كان الناصريين يغمزون للساداتيين أن مبارك "أكتشاف عبد الناصر " و ليس أنور السادات كما كان الاعلام الحكومى يغرد وقتذاك.
الترتيب للضربة الجوية الأولى أستدعى تنسيقاً ثلاثياً ما بين مصر و سوريا و العراق، وفى عام 1972 تمت ترقية اللواء حسنى مبارك لمنصب قائد القوات الجوية و نائب وزير الحربية.
التنسيق مع سوريا كان سهل نسبياً، و لكن مع العراقيين كان صعباً بعض الشئ، رغم أن الرئيس أحمد حسن البكر و نائبه صدام حسين كانا متأهبين للحرب و لكن الأثنين كانوا على خلاف مكتوم مع الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، و أستدعى قيام مبارك برحلة حربية سرية الى العراق، لم يتحدث مبارك عن هذه الرحلة يوماً ما بشكل علنى الا مرة واحدة فحسب، حيث قضى 14 يوماً مع القادة العراقيين يبحث معهم كيفية مشاركة القوات الجوية العراقية فى الضربة الجوية الأولي، و وافق الزعيم العراقي أحمد حسن البكر على إمداد مصر بطائرات عراقية و معها فخر السلاح الجوي العراقي .. مجموعة من امهر الطياريين العراقيين شاركوا أخوتهم المصريين فى الضربة الجوية الأولي.
جرى الأتفاق بين القاهرة و دمشق على أن تكون الضربة الجوية الأولى على سيناء والجولان فى توقيت واحد، فلم تكن الضربة الجوية المصرية الأولى منفردة عن ما يجرى فى الجولان، بل قام الجيش السوري بعمل عسكري مشابه و ناجح.
كان مقرراً أن تكون الضربة الجوية فى مصر على مرحلتين، خاصة فى ظل توقع نسبة الخسارة الكبري، و كثرة الأهداف المطلوبة قبل بدء الزحف البحري و البرى على سيناء، و لكن ما أذهل المراقبين خاصة السوفيت أن الضربة الجوية الاولى فى مصر تحديداً حققت الهدف المطلوب منها لدرجة أن الرئيس السادات ألغى الضربة الجوية الثانية بعد أن حققت الضربة الأولى مجمل الأهداف العسكرية المطلوبة.
السوفيت ذهلوا وقتذاك لان خبرائهم الذين خاضوا حروباً بالوكالة مراراً مع الولايات المتحدة الأمريكية، و قدروا أن الضربة الجوية الاولى المصرية سوف تخسر 40 % من طائراتها، فاذا بمعدل الخسارة يبلغ 2.5 % فحسب .. لقد أجاد اللواء حسنى مبارك تدريب أبنائه، و صنع بهم وقتذاك حدثاً عسكرياً نادراً ، أدهش اصحاب الدم البارد فى موسكو.

الطائرات المصرية استهدفت محطات التشويش والإعاقة في أم خشيب وأم مرجم ومطار المليز ومطارات أخرى ومحطات الرادار وبطاريات الدفاع الجوي وتجمعات الأفراد والمدرعات والدبابات والمدفعية والنقاط الحصينة في خط بارليف ومصاف البترول ومخازن الذخيرة.
صعوبة الانجاز الذى جرى أن الولايات المتحدة الأمريكية مدت اسرائيل بأحدث الرادارات، و التى تستطيع رصد الطائرات المصرية، و من عدم قيام الرادار برصد الطائرة ، يجب على الطائرة أن تنطلق على إرتفاع منخفض، و هو أمر بالغ الصعوبة على الطياريين بوجه عام، نظراً لقرب الأرض، كما أن منطقة سيناء و الممر المائى لقناة السويس تجعل الأمور أصعب، أذ يكفى أن يختل مركز القيادة فى يد الطيار حتى تضرب الطائرة بجناحها سطح مياه قناة السويس و تنكشف العملية برمتها.
درب مبارك جنوده جيداً على كيفية الطيران بشكل منخفض، الى درجة أن المراجع العسكرية السوفيتية التى درست هذه الضربة الجوية بعد ذلك قالت أن الطائرات السوفيتية التى قادها الطياريين المصريين كانت كأنها "تزحف" على الأرض من شدة قربها و من شدة تماسك الطيار المصري مهارياً و نفسياً.
و لا يوجد أى مرجع حربي الا و يذكر هذه التفاصيل الحربية بالكامل، ربما الجديد أو النادر فى السطور الماضية هو لقاء عبد الناصر و حسنى مبارك، و الرحلة السرية لمبارك الى العراق عام 1973.


من كتاب الثورة المصرية الكبري - يونيو 2011

 
عودة
أعلى