كابوس "محمد الفاتح" والدولة العثمانية في أوروبا كان رجل اسمه "فلاد الثالث دراكيول Vlad III Dracul".. ابن "فلاد الثاني دراكول".. وحفيد "ميرتشا العظيم Mircea the Elder" مؤسس الدولة الرومانية وحاكم "واليكيا Wallachia".
في ناس بتقول عليها "والاشيا".. ودي تسمية خاطئة.. اسمها "واليكيا" أو "والاكيا".
العائلة دي كبيرة جداً ولها فروع في رومانيا وبلغاريا والمجر.
مع وفاة "ميرتشا"، سنة 1418، "فلاد الثاني" مابيقدرش يطالب بالعرش لأنه كان ابن غير شرعي لـ"ميرتشا".. فبيقفز إلى حكم واليكيا، أخو فلاد.. "ألكسندر Alexander I Aldea".. ودا بيخضع للإمبراطورية العثمانية ويدفع لها الجزية ويبقى تابع لها.
مع وفاة "ألكسندر" بيجلس "فلاد الثاني" على العرش.. وبيواصل خضوعه للدولة العثمانية.. وبيبعت ابنه الصغير، كرهينة لدى الإمبراطور العثماني، تثبت ولائه وتضمن عدم خيانته.
والابن دا هو بطل قصتنا.. "فلاد الوالاكي".
لو عايز تتخيل "فلاد" فهو كان شبه "أمير كرارة" لما عمل "سليم الأنصاري" بنفس شنبه ده.. لو ماشفتش "سليم الأنصاري".. أعمل عليه بحث على جوجل.
"فلاد" اتربي كرهينة عند الإمبراطور العثماني في أدرنة، الحقيقة هو اتربى مع "محمد الفاتح".. وكانوا طفلين مع بعض.. وكان "الفاتح" في طفولته طفل مزعج متكبر متنمر، فنشأ "فلاد" بيكرهه بالتالي.
محروم من أهله طيلة الوقت.. محروم من ملك أبيه وحياة الأطفال العادية.. عاش "فلاد" لوحده في بلد مايعرفش فيها حد.. لكن كان عنده شغف كبير بالتعلم.. فبدأ من صغره يندمج وسط الجنود العثمانيين ويتعلم منهم.. واتعلم لغتهم ونظمهم العسكرية.. اتعلم الفروسية والقتال.. حفظ القرآن رغم كونه مسيحي، تابع لكنيسة الإسكندرية الأرثوكسية، وطور نفسه بسرعة مذهلة.. ودا معجبش الإمبراطور العثماني.. فرماه وسط مجموعة من الصيادين.. عشان يشتغل في مهنة وضيعة ويتعلم الخضوع.. فاتعلم من الصيادين دول الصيد والقنص وصنع الفخاخ.
بعد وفاة أبوه، وبعد مشاكل وصراعات على عرش "والاكيا".. وبعد فتح القسطنطينية بتلات سنين.. بيجلس "فلاد" على عرش "والاكيا".. في 22 أغسطس 1456.. وبيلاقيها ممزقة منهارة بسبب الصراعات والحروب.. فبيبدأ يبنيها وينهض بيها من جديد.. وبيتوقف عن دفع الجزية للسلطان العثماني.. كان هدفه الوحيد أن "والاكيا" ترجع حرة مستقلة.. زي ما كانت قبل العثمانيين.
وفي العام 1460، "محمد الفاتح" بعت له جنود يطالبوه بالجزية المتأخرة عليه بقالها أربع سنين.. ومعاها تطبيق "قانون الخُمس".. يعني نسبة من الأطفال الذكور اللي اتولدوا من كل عام.. عشان يلتحقوا بالإنكشارية.. فطلب منهم "فلاد" يبلغوا السلطان يمهله للسنة الجاية.. وهو حيفاجئه بشيء يبهره.
وبعد عام.. وفي نوفمبر من العام 1461.. بيرجع الجنود العثمانيين يطالبوا "فلاد" بالجزية.. بس كان خلاص بقى قوي وكون جيش معقول وعمل تحالف مع المجر.. فأمر بتسمير طرابيش الجنود العثمانيين على رؤوسهم بمسامير حديدية.. وبعت لـ"محمد الفاتح" أنه "خلاص مفيش تكية يا حبيبي.. مفيش جزية".. أبناء والاكيا مش حيتربوا كعبيد للسلطان العثماني.
لما بتوصل جثث الجنود العثمانيين لـ"محمد الفاتح".. بيطلب من "فلاد" التفاوض في "جورجيو" مع مبعوثه "حمزة باشا".. ودي كانت خدعة.. لأن "محمد الفاتح" أمر "حمزة" إنه ينقض عى "فلاد" ويأسره ويجيبه للقسطنطينية في قفص.
وبيتحرك "حمزة باشا" مع خمسة آلاف فارس إلى جورجيو.. عشان يلتقي بـ"فلاد".. لكن "فلاد" اللي اتربى مع "محمد الفاتح" كان عارفه كويس أوي.. فانتظر "حمزة باشا" في منطقة ممر جبلي في شمال جورجيو قبل موقع اللقاء.. وانقض عليه بقوة من الجيش وأسرهم جميعًا.. وأمر بإعدامهم بطريقة فريدة.
الخوازيق.
"فلاد" أجلس العثمانيين على خوازيف خشبية مدببة.. بدأت تنفذ من مؤخراتهم في بطء مع أوزانهم.. وتمزق أمعائهم.. لحد ما يخرج طرف الخازوق المدبب في النهاية من الكتف أو العنق أو الفم.
وفي حصن جورجيو القريب.. حيث عسكرت القوات العثمانية في انتظار "حمزة باشا".. فوجيء الجنود العثمانيين بأحد القادة على جواده أمام الحصن، بيأمرهم بفتح الأبواب.. وبيتعرفوا فيه الزي المميز للقادة العثمانيين.
وكان القائد دا هو "فلاد الوالاكي".. متنكر في زي قائد من اللي أسرهم مع "حمزة باشا".. مستغلًا طلاقة لسانه في اللغة التركية العثمانية.. عشان يخدع جنود الحصن.. اللي بيفتحوا أبواب الحصن بالفعل.. وبيدخل القائد.. ووراه بينقض بغتة، خمسة آلاف جندي من جنود والاكيا.
وبيدمر "فلاد" الحصن العثماني عن آخره.. وبيقتل كل الجنود اللي فيه حتى آخر جندي.. وبعدين بينقض على القرى المحيطة.. وكانت محتلة من الإنكشارية.. وبيقتل منهم أكتر من 25 ألف جندي.. وبيساويها بالتراب.. وبعدين بيعلن التعبئة العامة في البلاد.. فبينضم له معظم الناس.. حتى النساء والمرضى والعجائز.. بيطلبوا الانضمام للجيش.
وكان "محمد الفاتح" وقتها محاصر "كورينت" في اليونان.. فبيجن جنونه.. وبيبعت الصدر الأعظم "محمود باشا" على رأس 30 ألف جندي.. لتدمير "برايلا".. ميناء والاكيا الساحلي.
وانطلق "محمود باشا" لتنفيذ المهمة.. ولم يعد.
رجع من الـ30 ألف جندي، 6 آلاف فقط على قيد الحياة.. عشان يبلغوا السلطان العثماني أن "فلاد" انتصر مرة أخرى.. والمصيبة أن "فلاد" هاجم بعدها معسكرات الأتراك في كل المناطق المحيطة.. وكان فيها حوالي 18 ألف جندي.. رجع منهم لـ"محمد الفاتح" تسع جنود.
وهنا بيرفع "محمد الفاتح" الحصار عن كورينت.. وبيرسل إلى أرجاء السلطنة العثمانية، داعيًا إلى الجهاد المقدس، ضد الشيطان الروماني "فلاد دراكيول".
وفي 26 إبريل، من العام 1462 ميلادية.. بيتحرك 250 ألف جندي عثماني، مع سلاح المدفعية الرهيب، صوب والاكيا.. اللي كل قوام جيشها 30 ألف جندي.
وكانت مدفعية "الفاتح" ثقيلة للغاية.. بيجرها الثيران.. وعايزة طرق ممهدة تمشي فيها.. فأرسل جواسيسه يراقبوا السكة.. ومالقوش أي أثر لـ"فلاد" وجنوده.. لكن لقوا "فلاد" ملأ الطرق بالأعشاب وألياف الشجر.. اللي حتلتف على عجلات المدفعية.. وتعيق تقدمها.. فأرسل بعدهم 10 آلاف جندي يمهدوا الطريق للفرسان والمدفعية قبل والاكيا.. لحد ما يحصلوهم.
لكن الجنود دي مارجعتش...
الحقيقة أن أسفل الأعشاب اللي مالية الطريق.. "فلاد" صنع آلاف الفخاخ.. من كلابات معدنية حادة زي فخاخ الدببة.. بتقفل على أقدام الجنود وتبترها.. إلى حفر عميقة مليئة بأوتاد حادة مدببة.. إلى حبال تقفل أنشوطة على السيقان وتعلق الجنود مقلوبين على جذوع الاشجار.
ووصل "محمد الفاتح" ووجد جنوده موتى أو معاقين.. أو معلقين على جذوع الأشجار.
بيضطر "محمد الفاتح" يلتف حول الطريق دا.. وكان قدامه سبيلين تانيين.. بيحاول يعبر من أولهم.. لكن "فلاد" كان حول مجرى نهر صغير.. وحول له الأرض دي إلى مستنقعات طينية لزجة كثيفة.. الطين يصل إلي ركبتي الجندي.. ويتحرك فيه بصعوبة بالغة.. ودا يعني أن المدفعية مش حتمر من هنا إلا لما يحل موسم الجفاف السنة الجاية وعليك خير.. والأرض تنشف.
هنا قرر "الفاتح" يعود أدراجه، ويمر من الطريق الآخر عند "مدينة فيدن".. لكن فوجيء بسهام الوالاكيين بتنهال عليه وعلى رجاله كالمطر، فاضطر ينسحب وهو يكاد ينفجر من الغيظ.
وبعد أيام قليلة، بتقتحم قوات الإنكشارية جنوب غرب رومانيا، وبالتحديد مدينة "تورنو سيفرين".. وبيفوجئوا أن فيها حامية والاكية ضعيفة للغاية.. قذفتهم شوية بالسهام.. وقتلت منهم 500 جندي.. وفرت هاربة.. فاقتحم الإنكشارية المدينة ودخلها "محمد الفاتح" ظافرًا.. وأدهشه إن المدينة خاوية على عروشها.. حتى مفيهاش قطة شريدة.. بس مع احساس الزهو اللي ملأ نفسه، ماشغلش باله بالقصة دي.. وأمر جنوده بالعسكرة والراحة.
وعسكر الجنود وارتاحوا وأحضروا ميه للشرب من البحيرة.. وما مرش وقت طويل لحد ما انثنى أول جندي عثماني على نفسه.. وتقيأ في عنف.. ولقى مصرعه على الفور.
وبعدين تبعه جنود آخرين.. وآخرين.. آلاف الجنود بتمسك بطنها وتنثني على نفسها وتتقيأ وتموت.
وفوجيء "الفاتح" أن معسكره غارق في القيء والجثث.. وانتبه بغتة إلى الحقيقة المخيفة.
"فلاد الوالاكي" أعد له كمين محكم.. وهجّر أهل المدينة وحيواناتها وقطعانها.. واستدرجه إليها، بعدما سمم مياه الشرب فيها.
وبيصرخ "محمد الفاتح" في جنوده أن محدش يشرب.. وبيبدأ يفكر في التراجع.. لكن الوقت كان قد فات.. وانهار سد صغير من الخشب والطين من خلفهم.. تدفقت مع انهياره مياه نهر آخر صغير.. كان "فلاد" حوّل مساره.. وأغرق الأرض تماما.. واكتسح في طريقه الكثير من المؤن والجنود.
فخ آخر وليلة سوداء ومفيش مفر إلا التقدم.. مينفعش يعسكروا هنا.
وبيتقدم "محمد الفاتح" عبر جنوب رومانيا.. بيتقدم سبع أيام من غير أكل ولا مياه هو وجنوده.. وبيوصلوا أخيرًا لمشارف المدينة.. وهنا.. بيلاقوا مجموعة بيوت.. مفيهاش غير نساء رومانيات وغجريات بيرعوا بعض الدواجن والقطعان.. فبيقبض عليهن وبيأمرهن بالشرب من النهر الصغير هناك.. فلما شربن ولقا محدش منهن تقيأ ولا مات.. انقض هو وجنوده على الماء وشربوا.. وذبحوا القطعان واكلوا وخلدوا للراحة أخيرا.
بعد الراحة، جه دور المتعة.. فجابوا النساء اللي قبضوا عليهن.. وبدأت الحفلات الحميمة وسط الجنود.. وكان النساء الرومانيات والغجر مرحبين بالموضوع للغاية.. وبينتقلوا من خيمة إلى أخرى بنشاط كبير لسبب مش مفهوم.. واستمرت حفلة الأنس دي لعدة أيام.. وحاولن يتقربن من "الفاتح".. لكن مزاجه كان متعكر بشكل لا يطاق... لأنه اكتشف انه فقد حوالي 50 ألف جندي.. من دون قتال.. من غير ما يلتقي بقوات "فلاد" أصلًا! فقرر يستغل الأيام دي لأعادة ترتيب صفوفه.. ويسيب الجنود تنبسط عشان ميثوروش عليه.
وبعد بضعة أيام، بيقرر يواصل الزحف.. لكنه بيفاجأ بمصيبة أخرى...
حمّى ورجفة وقيء واسهال حاد وسط جنوده.. وضعف عام.. ونزيف ودماء لا تتجلط.
ولوهلة مافهمش "محمد الفاتح" اللي بيحصل وتصور أن الجنود تسمموا من جديد.
وبعدين أضاء عقله بالحقيقة بغتة.. لما لقا النساء اللي لقوهم بيعانوا من نفس الأعراض.
الطاعون.
المرضى ببكتيريا الطاعون من النساء اللي انضممن للجيش لما أعلن "فلاد" التعبئة العامة.. كانوا هن النساء دول.. راحوا لـ"فلاد" وتطوعن بالمهمة دي.. وكان "فلاد" عارف كويس أن الجنود العثمانيين مش حتقدر تمسك نفسها أمامهن.. فنقلن لجنود "الفاتح" عدوى الطاعون.
وانتشر الطاعون في معسكر العثمانيين كالنار في الهشيم.. ومن شدة غيظه بيأمر "الفاتح" بتحريك الاسطول.. وتدمير مدينتي برايلا وكيليا الساحليتين.. لكن بتوصله الأخبار السوداء.. أن "فلاد" استغل انهماكه في الطين والفخاخ والمياه المسممة والطاعون والقيء والغلب الأزلي.. ودمر كل المواني العثمانية القريبة وساواها بالأرض.
بيتحرك "الفاتح" بسرعة وبيسيب معظم الجنود المرضى خلفه.. وأخيرًا بيوصل إلى جنوب العاصمة الوالاكية.. بعدما فقد 100 الف جندي.. وبيعسكر هناك في نفس اليوم.. 16 يونيو، 1462.
وأثناء المعسكر الليلي.. بيجلس مجموعة جنود عثمانيين خارج خيمتهم.. ويشعلوا جذوة نار.. ويبدأوا يتسامروا.. لكنهم بيفوجئوا بقائد عثماني بيصرخ فيهم في صرامة.. بأنه طبقًا للنظم العسكرية العثمانية.. ممنوع منعًا باتًا تواجد اي جندي خارج خيمته اثناء الليل.. وكان ذلك صحيحًا.. وبيأمرهم باصطحابه.. عشان يمر على المعسكر ويتأكد من النظام فيه.. وبالفعل بيروحوا معاه ويمر على المعسكر ويتأكد من تأمين خيمة السلطان.. وبعدين بيأمرهم بالعودة للخيمة وبيعود أدراجه.
وكان القائد دا مرة أخرى هو "فلاد الوالاكي" نفسه.. متنكر مرة ثانية في زي قائد عثماني.. ومستغلًا معرفته التامة باللغة والنظم العسكرية العثمانية.. وتمكن خلال مغامرته دي من تحديد خيمة "محمد الفاتح".. ودرس حراستها.. وعاد أدراجه إلى جنوده.
وبعد ساعات.. وقبيل فجر 17 يونيو.. بينقض "فلاد" على رأس 7000 جندي على المعسكر وسط الظلام.. وبيطلقوا سراح الخيول والجمال العثمانية ويدفعوها للهرب بعيدًا.. وبيشعلوا النار في الخيام، ويقتلوا الجنود.. وبينطلق "فلاد" نحو خيمة "محمد الفاتح".. وهو بينتوي تحويله إلى عجين.. لكن مع الهرج والمرج.. "محمد الفاتح" كان بلغ فرار وهرب من الخيمة.. وملقاش "فلاد" فيها غير الصدر الأعظم "اسحق باشا".
بيستيقظ الجنود على النار وضربات السيوف وصوت البنادق.. وبيقود الانكشارية هجمة مضادة.. وبينسحب "فلاد" بقواته.. بعدما قتل 15 ألف عثماني.. وخسر 4 آلاف جندي.
وفي الصباح ظهر "محمد الفاتح".. وأمر جنوده بالتقدم إلى مدينة "ترجوفيشت " ومحاصرتها.. وبالفعل بيوصل هناك.. لكنه بيلاقي أبواب المدينة مفتوحة على مصراعيها.. فبيدخلها مع جنوده في حذر.. وبيتقدم فيها قرابة الساعة.. لحد ما بتبدوا له في الأفق أشكال غريبة مش مفهومة.. فبيقترب منها.. بعد مسيرة نصف ساعة أخرى.
مدينة خاوية صامتة.. تكاد تسمع الصمت نفسه فيها.. حفيف الرياح اللي بيدفع بعض أوراق الشجر الجافة بين قدميه واقدام جنوده.. وهم بيمروا من وسط الاشكال اللي شافوها عن بعد.
الخوازيق.
الآلاف من الحراب الخشبية الطويلة المغروسة في الأرض.. متخوزق عليها أكتر من 30 ألف جندي وضابط عثماني.. تمرح فوق جثثهم الحشرات.. وقد برزت الأطراف الخشبية المدببة من أفواههم.. ورأى "محمد الفاتح" جثة "حمزة باشا" على أطول خازوق خشبي.. باعتباره أعلاهم رتبة.. وكانت الجثة متعفنة متحللة تمامًا.. ماعرفهاش "الفاتح" إلا من زيها العسكري.
غابة من الخوازيق.. حفظها لنا التاريخ بالاسم دا "غابة المخوزَقين forest of the impaled".. ودخل "فلاد" التاريخ بلقب جديد.
لقب "فلاد المخوزِق Vlad the Impaler".
وبيرتجف "محمد الفاتح" وبترتعد فرائص جنوده من المشهد المروع.. وقد تخيل كل منهم نفسه يلاقي نفس المصير الرهيب.. وأدرك "الفاتح" أنه من المحتمل أن ينتهي به الأمر على خازوق خشبي.. أطول من خازوق "حمزة باشا".. فبيأمر جنوده بالتراجع ببطء.. على انهم يباتوا خارج المدينة دي النهاردة.. وعمل خارج المدينة معسكر حفر حوله خندق كبير.. عشان ميهجمش عليه "فلاد" تاني ويأسره ويخوزقه.. ومرت عليه الليلة سوداء كضمير موظف في الحي.. وفي الصباح الباكر.. يوم 22 يونيو ، أمر جنوده بفض المعسكر والانسحاب التام إلى القسطنطينية...
مع انسحاب "الفاتح".. وعودته.. بيجيب من بلغاريا أخو "فلاد".. وكان اسمه "رادو Radu ".. ويوعده بحكم والاكيا لو هزم أخوه.. "رادو" بيقود القوات العثمانية ضد "فلاد" كتير جدًا.. وبينتصر وبيتهزم كتير جدًا.. وفي النهاية بيحاصر قلعة "فلاد".. وبيقتحمها.. وبتلقي زوجة "فلاد" نفسها من فوق أسوار القلعة.. مفضلة الموت على أنها تصبح جارية لـ"محمد الفاتح".. ورغم اللي حصل.. قدر "فلاد" يهرب من القتل.. ويختفي.
بيظل "فلاد" في حربه مع العثمانيين بقيادة "رادو".. لكن في النهاية "فلاد" مع كل الحروب دي بيفلس.. ومبيبقاش قادر يمول الجنود.. فبيروح لملك المجر يطلب منه الدعم المادي.
وكان البابا في أوروبا اهتم جدًا باللي بيعمله "فلاد" رغم أنه أرثوذوكسي.. خاصة أن تحركات "فلاد" خلت "الفاتح" يرفع الحصار عن "كورينت".. ودلوقتي مذعور منكمش على نفسه.. فاتواصل مع ملك المجر.. وطلب منه تقديم الدعم لـ"فلاد".
لكن ملك المجر كان بيجيله أموال ثابتة من البابا بيصرفها على ملذاته.. ومكانش ناوي يحارب ولا نيلة.. ومش ناوي يقسم المبالغ دي مع "فلاد".. كان عايزها كلها لنفسه.. فقبض على "فلاد" وسجنه.
ولاحظ البابا أن "فلاد" اختفى.. و"رادو" احتل "والاكيا".. وبقى تابع لـ"محمد الفاتح".. فتحرى الأمر.. واكتشف الموضوع.. وغضب في شدة.. وأمر ملك المجر بطلاق سراح "فلاد" عشان يرجع لعرشه.. ويحجم العثمانيين.. بعد ثلاثة أشهر.. اطلقت المجر سراح "فلاد" واعتذر له العاهل المجري في غيظ..
وبعد مناوشات ومعارك كثيرة.. بيموت "رادو" وبيرجع "فلاد" إلى عرش والاكيا في 26 نوفمبر 1476.
وكانت القوات العثمانية وقتئذ بتزحف علي المجر.. فتوجه لها "فلاد" والتحم معها في معارك عنيفة قرب بوخارست.. وبسبب خيانة مجرية.. اتهزم "فلاد" وانسحبت قواته.. واختفى.
وبعد أيام طاف "محمد الفاتح" القسطنطينية بخازوق خشبي.. عليه رأس مشوه غير واضح المعالم لرجل.. قال أنه رأس "فلاد الوالاكي".
وتنهد العثمانيين في ارتياح.. واعتقدوا أن كابوسهم انتهى.. ولكن بعد الواقعة دي بشهر.. اتأسرت حامية عثمانية قرب بوخارست.. وماتت كلها إعدامًا على الخوازيق.
وعادت أسطورة "فلاد" تتردد.. هو فين.. هو حي وللا مات؟ وتشكك الناس في السلطان "الفاتح".. فأمر بالقبض على أي حد يجيب سيرة "فلاد" أصلًا.. واصدر منشور بأن رجاله قتلوا "فلاد".. وفصلوا رأسه وجيء بها إلي القسطنطينية.. ودفنوا جسده في دير جزيرة سناجوف...
لكن في العام 1855، عالم الآثار الروماني "ألكسندر أودوبيسكو".. راح حفر القبر المزعوم لـ"فلاد".. وملقاش غير عظام خيول.. ولا وجود لأية رفات آدمية.
وتهامس البعض أن "فلاد" فضل حي بيقاوم العثمانيين سرًا ويخوزقهم.. حتى توفي بشكل طبيعي.. في زمن غير معلوم.
وتحول "فلاد" إلى أسطورة وبطل قومي شعبي.. في رومانيا وبلغاريا والمجر.. لسه عايشة لحد النهاردة.. و في أكتوبر 2011، ادّعى الأمير الإنجليزي "تشارلز" نسبه إلى "فلاد دراكيول" الوالاكي...
في العام 1477 بيتوجه وفد من الخلافة الأموية في الأندلس إلى "محمد الفاتح" وبيطلبوا دعمه كي لا تسقط الأندلس.. لكن بيطردهم ومابيهتمش بالموضوع.. وكان أصيب في آخر أيامه ببارانويا متقدمة.. وتصور أن كل المحيطين به حيسلموه لـ"فلاد" يخوزقه - مع إنه قال إنه قتله - وبقى بيصحى صارخًا من الكوابيس.
هنا قرر " بايزيد الثاني" ابنه، أنه يريح أبوه من سيرة "فلاد" دا تمامًا.. فدفع رشوة إلى طبيبه الخاص "يعقوب باشا".. فدس السم لـ"محمد الفاتح" عشان يلقي حتفه في يوم 3 مايو عام 1481 ميلادية.. ويصعد "بايزيد الثاني" إلى العرش بداله.
في ناس بتقول عليها "والاشيا".. ودي تسمية خاطئة.. اسمها "واليكيا" أو "والاكيا".
العائلة دي كبيرة جداً ولها فروع في رومانيا وبلغاريا والمجر.
مع وفاة "ميرتشا"، سنة 1418، "فلاد الثاني" مابيقدرش يطالب بالعرش لأنه كان ابن غير شرعي لـ"ميرتشا".. فبيقفز إلى حكم واليكيا، أخو فلاد.. "ألكسندر Alexander I Aldea".. ودا بيخضع للإمبراطورية العثمانية ويدفع لها الجزية ويبقى تابع لها.
مع وفاة "ألكسندر" بيجلس "فلاد الثاني" على العرش.. وبيواصل خضوعه للدولة العثمانية.. وبيبعت ابنه الصغير، كرهينة لدى الإمبراطور العثماني، تثبت ولائه وتضمن عدم خيانته.
والابن دا هو بطل قصتنا.. "فلاد الوالاكي".
لو عايز تتخيل "فلاد" فهو كان شبه "أمير كرارة" لما عمل "سليم الأنصاري" بنفس شنبه ده.. لو ماشفتش "سليم الأنصاري".. أعمل عليه بحث على جوجل.
"فلاد" اتربي كرهينة عند الإمبراطور العثماني في أدرنة، الحقيقة هو اتربى مع "محمد الفاتح".. وكانوا طفلين مع بعض.. وكان "الفاتح" في طفولته طفل مزعج متكبر متنمر، فنشأ "فلاد" بيكرهه بالتالي.
محروم من أهله طيلة الوقت.. محروم من ملك أبيه وحياة الأطفال العادية.. عاش "فلاد" لوحده في بلد مايعرفش فيها حد.. لكن كان عنده شغف كبير بالتعلم.. فبدأ من صغره يندمج وسط الجنود العثمانيين ويتعلم منهم.. واتعلم لغتهم ونظمهم العسكرية.. اتعلم الفروسية والقتال.. حفظ القرآن رغم كونه مسيحي، تابع لكنيسة الإسكندرية الأرثوكسية، وطور نفسه بسرعة مذهلة.. ودا معجبش الإمبراطور العثماني.. فرماه وسط مجموعة من الصيادين.. عشان يشتغل في مهنة وضيعة ويتعلم الخضوع.. فاتعلم من الصيادين دول الصيد والقنص وصنع الفخاخ.
بعد وفاة أبوه، وبعد مشاكل وصراعات على عرش "والاكيا".. وبعد فتح القسطنطينية بتلات سنين.. بيجلس "فلاد" على عرش "والاكيا".. في 22 أغسطس 1456.. وبيلاقيها ممزقة منهارة بسبب الصراعات والحروب.. فبيبدأ يبنيها وينهض بيها من جديد.. وبيتوقف عن دفع الجزية للسلطان العثماني.. كان هدفه الوحيد أن "والاكيا" ترجع حرة مستقلة.. زي ما كانت قبل العثمانيين.
وفي العام 1460، "محمد الفاتح" بعت له جنود يطالبوه بالجزية المتأخرة عليه بقالها أربع سنين.. ومعاها تطبيق "قانون الخُمس".. يعني نسبة من الأطفال الذكور اللي اتولدوا من كل عام.. عشان يلتحقوا بالإنكشارية.. فطلب منهم "فلاد" يبلغوا السلطان يمهله للسنة الجاية.. وهو حيفاجئه بشيء يبهره.
وبعد عام.. وفي نوفمبر من العام 1461.. بيرجع الجنود العثمانيين يطالبوا "فلاد" بالجزية.. بس كان خلاص بقى قوي وكون جيش معقول وعمل تحالف مع المجر.. فأمر بتسمير طرابيش الجنود العثمانيين على رؤوسهم بمسامير حديدية.. وبعت لـ"محمد الفاتح" أنه "خلاص مفيش تكية يا حبيبي.. مفيش جزية".. أبناء والاكيا مش حيتربوا كعبيد للسلطان العثماني.
لما بتوصل جثث الجنود العثمانيين لـ"محمد الفاتح".. بيطلب من "فلاد" التفاوض في "جورجيو" مع مبعوثه "حمزة باشا".. ودي كانت خدعة.. لأن "محمد الفاتح" أمر "حمزة" إنه ينقض عى "فلاد" ويأسره ويجيبه للقسطنطينية في قفص.
وبيتحرك "حمزة باشا" مع خمسة آلاف فارس إلى جورجيو.. عشان يلتقي بـ"فلاد".. لكن "فلاد" اللي اتربى مع "محمد الفاتح" كان عارفه كويس أوي.. فانتظر "حمزة باشا" في منطقة ممر جبلي في شمال جورجيو قبل موقع اللقاء.. وانقض عليه بقوة من الجيش وأسرهم جميعًا.. وأمر بإعدامهم بطريقة فريدة.
الخوازيق.
"فلاد" أجلس العثمانيين على خوازيف خشبية مدببة.. بدأت تنفذ من مؤخراتهم في بطء مع أوزانهم.. وتمزق أمعائهم.. لحد ما يخرج طرف الخازوق المدبب في النهاية من الكتف أو العنق أو الفم.
وفي حصن جورجيو القريب.. حيث عسكرت القوات العثمانية في انتظار "حمزة باشا".. فوجيء الجنود العثمانيين بأحد القادة على جواده أمام الحصن، بيأمرهم بفتح الأبواب.. وبيتعرفوا فيه الزي المميز للقادة العثمانيين.
وكان القائد دا هو "فلاد الوالاكي".. متنكر في زي قائد من اللي أسرهم مع "حمزة باشا".. مستغلًا طلاقة لسانه في اللغة التركية العثمانية.. عشان يخدع جنود الحصن.. اللي بيفتحوا أبواب الحصن بالفعل.. وبيدخل القائد.. ووراه بينقض بغتة، خمسة آلاف جندي من جنود والاكيا.
وبيدمر "فلاد" الحصن العثماني عن آخره.. وبيقتل كل الجنود اللي فيه حتى آخر جندي.. وبعدين بينقض على القرى المحيطة.. وكانت محتلة من الإنكشارية.. وبيقتل منهم أكتر من 25 ألف جندي.. وبيساويها بالتراب.. وبعدين بيعلن التعبئة العامة في البلاد.. فبينضم له معظم الناس.. حتى النساء والمرضى والعجائز.. بيطلبوا الانضمام للجيش.
وكان "محمد الفاتح" وقتها محاصر "كورينت" في اليونان.. فبيجن جنونه.. وبيبعت الصدر الأعظم "محمود باشا" على رأس 30 ألف جندي.. لتدمير "برايلا".. ميناء والاكيا الساحلي.
وانطلق "محمود باشا" لتنفيذ المهمة.. ولم يعد.
رجع من الـ30 ألف جندي، 6 آلاف فقط على قيد الحياة.. عشان يبلغوا السلطان العثماني أن "فلاد" انتصر مرة أخرى.. والمصيبة أن "فلاد" هاجم بعدها معسكرات الأتراك في كل المناطق المحيطة.. وكان فيها حوالي 18 ألف جندي.. رجع منهم لـ"محمد الفاتح" تسع جنود.
وهنا بيرفع "محمد الفاتح" الحصار عن كورينت.. وبيرسل إلى أرجاء السلطنة العثمانية، داعيًا إلى الجهاد المقدس، ضد الشيطان الروماني "فلاد دراكيول".
وفي 26 إبريل، من العام 1462 ميلادية.. بيتحرك 250 ألف جندي عثماني، مع سلاح المدفعية الرهيب، صوب والاكيا.. اللي كل قوام جيشها 30 ألف جندي.
وكانت مدفعية "الفاتح" ثقيلة للغاية.. بيجرها الثيران.. وعايزة طرق ممهدة تمشي فيها.. فأرسل جواسيسه يراقبوا السكة.. ومالقوش أي أثر لـ"فلاد" وجنوده.. لكن لقوا "فلاد" ملأ الطرق بالأعشاب وألياف الشجر.. اللي حتلتف على عجلات المدفعية.. وتعيق تقدمها.. فأرسل بعدهم 10 آلاف جندي يمهدوا الطريق للفرسان والمدفعية قبل والاكيا.. لحد ما يحصلوهم.
لكن الجنود دي مارجعتش...
الحقيقة أن أسفل الأعشاب اللي مالية الطريق.. "فلاد" صنع آلاف الفخاخ.. من كلابات معدنية حادة زي فخاخ الدببة.. بتقفل على أقدام الجنود وتبترها.. إلى حفر عميقة مليئة بأوتاد حادة مدببة.. إلى حبال تقفل أنشوطة على السيقان وتعلق الجنود مقلوبين على جذوع الاشجار.
ووصل "محمد الفاتح" ووجد جنوده موتى أو معاقين.. أو معلقين على جذوع الأشجار.
بيضطر "محمد الفاتح" يلتف حول الطريق دا.. وكان قدامه سبيلين تانيين.. بيحاول يعبر من أولهم.. لكن "فلاد" كان حول مجرى نهر صغير.. وحول له الأرض دي إلى مستنقعات طينية لزجة كثيفة.. الطين يصل إلي ركبتي الجندي.. ويتحرك فيه بصعوبة بالغة.. ودا يعني أن المدفعية مش حتمر من هنا إلا لما يحل موسم الجفاف السنة الجاية وعليك خير.. والأرض تنشف.
هنا قرر "الفاتح" يعود أدراجه، ويمر من الطريق الآخر عند "مدينة فيدن".. لكن فوجيء بسهام الوالاكيين بتنهال عليه وعلى رجاله كالمطر، فاضطر ينسحب وهو يكاد ينفجر من الغيظ.
وبعد أيام قليلة، بتقتحم قوات الإنكشارية جنوب غرب رومانيا، وبالتحديد مدينة "تورنو سيفرين".. وبيفوجئوا أن فيها حامية والاكية ضعيفة للغاية.. قذفتهم شوية بالسهام.. وقتلت منهم 500 جندي.. وفرت هاربة.. فاقتحم الإنكشارية المدينة ودخلها "محمد الفاتح" ظافرًا.. وأدهشه إن المدينة خاوية على عروشها.. حتى مفيهاش قطة شريدة.. بس مع احساس الزهو اللي ملأ نفسه، ماشغلش باله بالقصة دي.. وأمر جنوده بالعسكرة والراحة.
وعسكر الجنود وارتاحوا وأحضروا ميه للشرب من البحيرة.. وما مرش وقت طويل لحد ما انثنى أول جندي عثماني على نفسه.. وتقيأ في عنف.. ولقى مصرعه على الفور.
وبعدين تبعه جنود آخرين.. وآخرين.. آلاف الجنود بتمسك بطنها وتنثني على نفسها وتتقيأ وتموت.
وفوجيء "الفاتح" أن معسكره غارق في القيء والجثث.. وانتبه بغتة إلى الحقيقة المخيفة.
"فلاد الوالاكي" أعد له كمين محكم.. وهجّر أهل المدينة وحيواناتها وقطعانها.. واستدرجه إليها، بعدما سمم مياه الشرب فيها.
وبيصرخ "محمد الفاتح" في جنوده أن محدش يشرب.. وبيبدأ يفكر في التراجع.. لكن الوقت كان قد فات.. وانهار سد صغير من الخشب والطين من خلفهم.. تدفقت مع انهياره مياه نهر آخر صغير.. كان "فلاد" حوّل مساره.. وأغرق الأرض تماما.. واكتسح في طريقه الكثير من المؤن والجنود.
فخ آخر وليلة سوداء ومفيش مفر إلا التقدم.. مينفعش يعسكروا هنا.
وبيتقدم "محمد الفاتح" عبر جنوب رومانيا.. بيتقدم سبع أيام من غير أكل ولا مياه هو وجنوده.. وبيوصلوا أخيرًا لمشارف المدينة.. وهنا.. بيلاقوا مجموعة بيوت.. مفيهاش غير نساء رومانيات وغجريات بيرعوا بعض الدواجن والقطعان.. فبيقبض عليهن وبيأمرهن بالشرب من النهر الصغير هناك.. فلما شربن ولقا محدش منهن تقيأ ولا مات.. انقض هو وجنوده على الماء وشربوا.. وذبحوا القطعان واكلوا وخلدوا للراحة أخيرا.
بعد الراحة، جه دور المتعة.. فجابوا النساء اللي قبضوا عليهن.. وبدأت الحفلات الحميمة وسط الجنود.. وكان النساء الرومانيات والغجر مرحبين بالموضوع للغاية.. وبينتقلوا من خيمة إلى أخرى بنشاط كبير لسبب مش مفهوم.. واستمرت حفلة الأنس دي لعدة أيام.. وحاولن يتقربن من "الفاتح".. لكن مزاجه كان متعكر بشكل لا يطاق... لأنه اكتشف انه فقد حوالي 50 ألف جندي.. من دون قتال.. من غير ما يلتقي بقوات "فلاد" أصلًا! فقرر يستغل الأيام دي لأعادة ترتيب صفوفه.. ويسيب الجنود تنبسط عشان ميثوروش عليه.
وبعد بضعة أيام، بيقرر يواصل الزحف.. لكنه بيفاجأ بمصيبة أخرى...
حمّى ورجفة وقيء واسهال حاد وسط جنوده.. وضعف عام.. ونزيف ودماء لا تتجلط.
ولوهلة مافهمش "محمد الفاتح" اللي بيحصل وتصور أن الجنود تسمموا من جديد.
وبعدين أضاء عقله بالحقيقة بغتة.. لما لقا النساء اللي لقوهم بيعانوا من نفس الأعراض.
الطاعون.
المرضى ببكتيريا الطاعون من النساء اللي انضممن للجيش لما أعلن "فلاد" التعبئة العامة.. كانوا هن النساء دول.. راحوا لـ"فلاد" وتطوعن بالمهمة دي.. وكان "فلاد" عارف كويس أن الجنود العثمانيين مش حتقدر تمسك نفسها أمامهن.. فنقلن لجنود "الفاتح" عدوى الطاعون.
وانتشر الطاعون في معسكر العثمانيين كالنار في الهشيم.. ومن شدة غيظه بيأمر "الفاتح" بتحريك الاسطول.. وتدمير مدينتي برايلا وكيليا الساحليتين.. لكن بتوصله الأخبار السوداء.. أن "فلاد" استغل انهماكه في الطين والفخاخ والمياه المسممة والطاعون والقيء والغلب الأزلي.. ودمر كل المواني العثمانية القريبة وساواها بالأرض.
بيتحرك "الفاتح" بسرعة وبيسيب معظم الجنود المرضى خلفه.. وأخيرًا بيوصل إلى جنوب العاصمة الوالاكية.. بعدما فقد 100 الف جندي.. وبيعسكر هناك في نفس اليوم.. 16 يونيو، 1462.
وأثناء المعسكر الليلي.. بيجلس مجموعة جنود عثمانيين خارج خيمتهم.. ويشعلوا جذوة نار.. ويبدأوا يتسامروا.. لكنهم بيفوجئوا بقائد عثماني بيصرخ فيهم في صرامة.. بأنه طبقًا للنظم العسكرية العثمانية.. ممنوع منعًا باتًا تواجد اي جندي خارج خيمته اثناء الليل.. وكان ذلك صحيحًا.. وبيأمرهم باصطحابه.. عشان يمر على المعسكر ويتأكد من النظام فيه.. وبالفعل بيروحوا معاه ويمر على المعسكر ويتأكد من تأمين خيمة السلطان.. وبعدين بيأمرهم بالعودة للخيمة وبيعود أدراجه.
وكان القائد دا مرة أخرى هو "فلاد الوالاكي" نفسه.. متنكر مرة ثانية في زي قائد عثماني.. ومستغلًا معرفته التامة باللغة والنظم العسكرية العثمانية.. وتمكن خلال مغامرته دي من تحديد خيمة "محمد الفاتح".. ودرس حراستها.. وعاد أدراجه إلى جنوده.
وبعد ساعات.. وقبيل فجر 17 يونيو.. بينقض "فلاد" على رأس 7000 جندي على المعسكر وسط الظلام.. وبيطلقوا سراح الخيول والجمال العثمانية ويدفعوها للهرب بعيدًا.. وبيشعلوا النار في الخيام، ويقتلوا الجنود.. وبينطلق "فلاد" نحو خيمة "محمد الفاتح".. وهو بينتوي تحويله إلى عجين.. لكن مع الهرج والمرج.. "محمد الفاتح" كان بلغ فرار وهرب من الخيمة.. وملقاش "فلاد" فيها غير الصدر الأعظم "اسحق باشا".
بيستيقظ الجنود على النار وضربات السيوف وصوت البنادق.. وبيقود الانكشارية هجمة مضادة.. وبينسحب "فلاد" بقواته.. بعدما قتل 15 ألف عثماني.. وخسر 4 آلاف جندي.
وفي الصباح ظهر "محمد الفاتح".. وأمر جنوده بالتقدم إلى مدينة "ترجوفيشت " ومحاصرتها.. وبالفعل بيوصل هناك.. لكنه بيلاقي أبواب المدينة مفتوحة على مصراعيها.. فبيدخلها مع جنوده في حذر.. وبيتقدم فيها قرابة الساعة.. لحد ما بتبدوا له في الأفق أشكال غريبة مش مفهومة.. فبيقترب منها.. بعد مسيرة نصف ساعة أخرى.
مدينة خاوية صامتة.. تكاد تسمع الصمت نفسه فيها.. حفيف الرياح اللي بيدفع بعض أوراق الشجر الجافة بين قدميه واقدام جنوده.. وهم بيمروا من وسط الاشكال اللي شافوها عن بعد.
الخوازيق.
الآلاف من الحراب الخشبية الطويلة المغروسة في الأرض.. متخوزق عليها أكتر من 30 ألف جندي وضابط عثماني.. تمرح فوق جثثهم الحشرات.. وقد برزت الأطراف الخشبية المدببة من أفواههم.. ورأى "محمد الفاتح" جثة "حمزة باشا" على أطول خازوق خشبي.. باعتباره أعلاهم رتبة.. وكانت الجثة متعفنة متحللة تمامًا.. ماعرفهاش "الفاتح" إلا من زيها العسكري.
غابة من الخوازيق.. حفظها لنا التاريخ بالاسم دا "غابة المخوزَقين forest of the impaled".. ودخل "فلاد" التاريخ بلقب جديد.
لقب "فلاد المخوزِق Vlad the Impaler".
وبيرتجف "محمد الفاتح" وبترتعد فرائص جنوده من المشهد المروع.. وقد تخيل كل منهم نفسه يلاقي نفس المصير الرهيب.. وأدرك "الفاتح" أنه من المحتمل أن ينتهي به الأمر على خازوق خشبي.. أطول من خازوق "حمزة باشا".. فبيأمر جنوده بالتراجع ببطء.. على انهم يباتوا خارج المدينة دي النهاردة.. وعمل خارج المدينة معسكر حفر حوله خندق كبير.. عشان ميهجمش عليه "فلاد" تاني ويأسره ويخوزقه.. ومرت عليه الليلة سوداء كضمير موظف في الحي.. وفي الصباح الباكر.. يوم 22 يونيو ، أمر جنوده بفض المعسكر والانسحاب التام إلى القسطنطينية...
مع انسحاب "الفاتح".. وعودته.. بيجيب من بلغاريا أخو "فلاد".. وكان اسمه "رادو Radu ".. ويوعده بحكم والاكيا لو هزم أخوه.. "رادو" بيقود القوات العثمانية ضد "فلاد" كتير جدًا.. وبينتصر وبيتهزم كتير جدًا.. وفي النهاية بيحاصر قلعة "فلاد".. وبيقتحمها.. وبتلقي زوجة "فلاد" نفسها من فوق أسوار القلعة.. مفضلة الموت على أنها تصبح جارية لـ"محمد الفاتح".. ورغم اللي حصل.. قدر "فلاد" يهرب من القتل.. ويختفي.
بيظل "فلاد" في حربه مع العثمانيين بقيادة "رادو".. لكن في النهاية "فلاد" مع كل الحروب دي بيفلس.. ومبيبقاش قادر يمول الجنود.. فبيروح لملك المجر يطلب منه الدعم المادي.
وكان البابا في أوروبا اهتم جدًا باللي بيعمله "فلاد" رغم أنه أرثوذوكسي.. خاصة أن تحركات "فلاد" خلت "الفاتح" يرفع الحصار عن "كورينت".. ودلوقتي مذعور منكمش على نفسه.. فاتواصل مع ملك المجر.. وطلب منه تقديم الدعم لـ"فلاد".
لكن ملك المجر كان بيجيله أموال ثابتة من البابا بيصرفها على ملذاته.. ومكانش ناوي يحارب ولا نيلة.. ومش ناوي يقسم المبالغ دي مع "فلاد".. كان عايزها كلها لنفسه.. فقبض على "فلاد" وسجنه.
ولاحظ البابا أن "فلاد" اختفى.. و"رادو" احتل "والاكيا".. وبقى تابع لـ"محمد الفاتح".. فتحرى الأمر.. واكتشف الموضوع.. وغضب في شدة.. وأمر ملك المجر بطلاق سراح "فلاد" عشان يرجع لعرشه.. ويحجم العثمانيين.. بعد ثلاثة أشهر.. اطلقت المجر سراح "فلاد" واعتذر له العاهل المجري في غيظ..
وبعد مناوشات ومعارك كثيرة.. بيموت "رادو" وبيرجع "فلاد" إلى عرش والاكيا في 26 نوفمبر 1476.
وكانت القوات العثمانية وقتئذ بتزحف علي المجر.. فتوجه لها "فلاد" والتحم معها في معارك عنيفة قرب بوخارست.. وبسبب خيانة مجرية.. اتهزم "فلاد" وانسحبت قواته.. واختفى.
وبعد أيام طاف "محمد الفاتح" القسطنطينية بخازوق خشبي.. عليه رأس مشوه غير واضح المعالم لرجل.. قال أنه رأس "فلاد الوالاكي".
وتنهد العثمانيين في ارتياح.. واعتقدوا أن كابوسهم انتهى.. ولكن بعد الواقعة دي بشهر.. اتأسرت حامية عثمانية قرب بوخارست.. وماتت كلها إعدامًا على الخوازيق.
وعادت أسطورة "فلاد" تتردد.. هو فين.. هو حي وللا مات؟ وتشكك الناس في السلطان "الفاتح".. فأمر بالقبض على أي حد يجيب سيرة "فلاد" أصلًا.. واصدر منشور بأن رجاله قتلوا "فلاد".. وفصلوا رأسه وجيء بها إلي القسطنطينية.. ودفنوا جسده في دير جزيرة سناجوف...
لكن في العام 1855، عالم الآثار الروماني "ألكسندر أودوبيسكو".. راح حفر القبر المزعوم لـ"فلاد".. وملقاش غير عظام خيول.. ولا وجود لأية رفات آدمية.
وتهامس البعض أن "فلاد" فضل حي بيقاوم العثمانيين سرًا ويخوزقهم.. حتى توفي بشكل طبيعي.. في زمن غير معلوم.
وتحول "فلاد" إلى أسطورة وبطل قومي شعبي.. في رومانيا وبلغاريا والمجر.. لسه عايشة لحد النهاردة.. و في أكتوبر 2011، ادّعى الأمير الإنجليزي "تشارلز" نسبه إلى "فلاد دراكيول" الوالاكي...
في العام 1477 بيتوجه وفد من الخلافة الأموية في الأندلس إلى "محمد الفاتح" وبيطلبوا دعمه كي لا تسقط الأندلس.. لكن بيطردهم ومابيهتمش بالموضوع.. وكان أصيب في آخر أيامه ببارانويا متقدمة.. وتصور أن كل المحيطين به حيسلموه لـ"فلاد" يخوزقه - مع إنه قال إنه قتله - وبقى بيصحى صارخًا من الكوابيس.
هنا قرر " بايزيد الثاني" ابنه، أنه يريح أبوه من سيرة "فلاد" دا تمامًا.. فدفع رشوة إلى طبيبه الخاص "يعقوب باشا".. فدس السم لـ"محمد الفاتح" عشان يلقي حتفه في يوم 3 مايو عام 1481 ميلادية.. ويصعد "بايزيد الثاني" إلى العرش بداله.