كلمات جزائرية أصلها من قبائل بني هلال
فاروق كداش
ح.م
لايزال الكثير من دعاة التطبيع اللغوي يدعّون أن اللهجة الجزائرية ليست عربية بل هجينة، لكنها حسب دراسات لغوية عديدة تعد من بين أقرب اللهجات إلى الفصحى… نحن لا ندعي، بل نورد هاهنا دلائل على تأثر لهجتنا باللهجات العربية التي جلبتها القبائل على رأسها قبيلة بني هلال.
نشأت اللهجة الجزائرية في القرن الثامن، مرتكزة على اللغة العربية والأمازيغية والبونيقية واللاتينية، بشكل أقل… ودخلت العربية مع الفتح الإسلامي إلى شمال إفريقيا، بعد أن كانت اللغة السائدة هي البربرية الأمازيغية. وعند اختلاط البربر بالناطقين بالعربية من أهل الدين والحكم، تغير النطق وتحول وأصاب العربية الفصحى تهجين بربري. ويقول الرحالة المقدسي عن لهجتنا إنها كانت منغلقة وتشبه اللسان الرومي. وبعدها ترك الاستعمار الإسباني ومن بعده الفرنسي آثارهما على لهجتنا.
عربية العرب الرحالة
لكننا نخطئ حين نعتقد أن العرب الذين كانوا يهاجرون إلى الجزائر، إما فتحا أو سفرا، كانوا ينشرون اللغة العربية الفصحى، بل كانت كل قبيلة تنشر لهجتها. وهذا ما حدث في الجزائر مع هجرة قبائل بني هلال، التي نشرت لغتها ومفرداتها والاختصار واختزال الحروف الذي كان يميزها، إما بإدماج كلمتين أو حذف بعض الحروف، كقولنا: “كي راك اليوم”، أي “كيف أراك اليوم”. ولا يزال البعض يقول: “كيفراك” أو “اشكون” وأصلها أيش يكون، وهي نفس الكلمة التي لا تزال قبائل قيس تنطقها في سوريا.
وفي الكويت تستعمل كلش التي نعرفها لكن للنفي أحيانا يعني دائما أيضا.
من هم بنو هلال؟
هي قبيلة عربية هوازنية قيسية مضرية عدنانية من وسط نجد. ويقال إن العدنانية منهم أصلهم يعود إلى سيدنا إسماعيل عليه السلام…
وتشكل هذه القبيلة الأغلبية الساحقة من عرب الجزائر، ودخلوا المغرب الكبير سنة 1052. من بين أشهر قبائلهم زغبة ورياح والأثبج وقرة وبنو عدي.
ولكن، لماذا هاجروا إلى الجزائر؟ وصلت الدولة الفاطمية إلى أوج قوتها في عهد المعز لدين الله، الذي اختار القاهرة عاصمة له، وخلف على منطقة المغرب العربي بلكين بن زيري… غير أن أحفاد بلكين أرادوا الخروج عن الدولة الفاطمية، فتمردوا. وبعد أن عجزت الدولة الفاطمية في إرسال من يردهم إلى طاعتها، أرسلوا قبائل بني هلال وبني سليم واستوطنت مناطق سهول وهضاب وصحاري الجزائر، وتلتها قبائل أخرى مثل طرود وعدوان في القرن الرابع عشر… وإن وضعنا خارطة لغوية للجزائر في تلك الفترة، نجد أن لهجة أهل الشرق متأثرة بقبيلة بني رياح الهلالية، وقبيلة بني عامر بن زغبة الهلالية أيضا كان لها تأثير واضح على منطقة الغرب الجزائري… بينما وضعت قبيلة بني سليم بصمتها على لهجة أهل ميزاب، وقبائل الطرود وعدوان التي غذت لهجة وادي سوف حتى إن بعض القبائل اليمانية أثرت في اللهجة الجزائرية في أقصى غرب الجزائر، على الحدود المغربية، على رأسهم عرب المعقل.
والدليل على تأثر اللغة العربية باللهجات القبلية خاصة الهلالية منها، كلمات متداولة في أكثر من بلد، مثل كلمة اخزر، أو انظر، التي تنتشر في الجنوب العراقي.
قاموس جزائري عربي
كثيرة هي الكلمات الجزائرية من أصل عربي هلالي، مثل “حتان”، وهي “حتى أن” و”فاين” وهي “في أين” وبزاف وهي “بجزاف” أي كثرة و”موراك” وهي “ما وراءك” و”ماعلاباليش” و”هي ما على بالي شيء”، و”علاش”، وهي “على ايش” وهي لهجة بدوية و”كيفاش” وهي “كيف إيش” في المشرق تنطق منفصلة و”فاش؛ يعني في “أي شيء”، وفي جيجل هناك كلمات حلوة وتنطق بكسر الحرف الأول وفتح الياء، مثل “ديش” أي “ذا أي شيء” و”بيش” وهي “بأي شيء” و”عليش” وهي “على أي شيء”… وكلمات لا تستعمل كثيرا في اللهجات المشرقية لكنها تجد مكانها في لهجتنا مثل يستقصي وأصبحت يسقسي. وحتى في تصريف الأفعال مثل مانكلش ومانهدرش وتنقسم إلى ما -الفعل- الشيء.
وهناك كلمات نرددها دوما ولا ندري أنها ذكرت في قصائد عربية فصحى، مثل كلمة جفنة أو قصعة، جاءت في بيت للشاعر الجاهلي الكندي يقول فيه: “وفي جفنة ما يغلق الباب دونها مكللة لحما مذاقه ثردى”، وتورد الكثير من المعاجم كلمات من الدارجة الجزائرية، هي من أصل عربي هلالي أو قبلي، منها لسان العرب وجمهرة اللغة والمحيط والوسيط، مثل خراط أو كذاب والزنقة، أي السكة الضيقة، و”فريتها” أي فريتها فريا أي عمل شيئا فأجاده و”باين” بمعنى بائن أو ظاهر… وكلمات كثيرة أخرى مثل عفس أي داس برجله، والْجَبَّانة وهي الصَّحراء، وَتُسَمَّى بها المقابر؛ لأنها تكون في الصَّحراء.
وفي لهجة السطايفية، مثلا دنق بمعنى حدق في الشيء، وفي لسان العرب دنق إليه النظر، ويقول الحسن البصري لا تدنقوا فيدنق عليكم، وفي اللهجة الأوراسية كلمة جعجع بمعنى ذا صوت عال مزعج، وهي مأخوذة من الجعجعة أو صوت الرحى..
من الكلمات العربية أيضا “الطابونة”، وفي القاموس المحيط طبن النار يطبنها أي يدفنها كي لا تنطفئ، و”الفروج” هو الفتي من ولد الدجاج، وياسر أو كثير، وفي لسان العرب يقال الياسر من الغنى والسعة، وهرد يعني بالفصحى أفسد ومزق وهو أيضا بمعنى الطعن في العرض، أما كلمة كراع فهي مادون الركبة إلى الكعب.
في الأخير…
قد ألّف الشيخ البشير الإبراهيمي- رحمه الله- رسالة في هذا الباب سماها الألفاظ العربية في الدارجة الجزائرية، لكنها مفقودة حسب بعض المصادر ربما كنا اعتمدنا عليها في هذا البحث البسيط. وفي الأخير، لا يسعنا إلا أن نعشق أكثر لهجتنا في كل شبر من هذا التراب الغالي.. وآخر ما نقوله “تبقاو على خير” أو ابقوا على خير
لايزال الكثير من دعاة التطبيع اللغوي يدعّون أن اللهجة الجزائرية ليست عربية بل هجينة، لكنها حسب دراسات لغوية عديدة تعد من بين أقرب اللهجات إلى الفصحى… نحن لا ندعي، بل نورد هاهنا دلائل على تأثر لهجتنا باللهجات العربية التي جلبتها القبائل على رأسها قبيلة بني هلال. نشأت اللهجة الجزائرية في القرن...
www.echoroukonline.com