بعيداً عن أفكار مسبقة او حتى توقعات وقراءات سياسية، نصب رجب طيب اردوجان المصيدة لذاته بشكل يفتقر الى الحنكة السياسية... في آخر مؤتمر انتخابي في إسطنبول، قال اردوجان نصاً: "على إسطنبول ان تختار.. هل تنتخبون عبد الفتاح السيسي ام بن على يلدريم؟"!
نصب اردوجان لنفسه مصيدة تنفى كل اساطير الذكاء السياسي التي يشدو بها البعض حيال اردوجان، وفى الواقع ان اردوجان كان يلاعب قادة خرجوا من الخدمة وبقوا في موقعهم، او أنظمة ساقطة، لم يكن الامر مهارة منه بل فشل من الآخرين، ولكن مع اول مواجهة حقيقة مع قائد بثقل عبد الفتاح السيسي، راح يتخبط وينزف استراتيجياً حتى خسر إسطنبول ومن قبلها انقرة.
هل تنتخبون عبد الفتاح السيسي ام بن على يلدريم؟.. بينما سكان إسطنبول انتخبوا أكرم إمام اوغلو بالفعل في انتخابات ملغاة!.. أي اندفاعة بلهاء تلك التي فعلها اردوجان!
هل تنتخبون عبد الفتاح السيسي ام بن على يلدريم؟.. هكذا جعل اردوجان سكان إسطنبول ينتخبون عبد الفتاح السيسي لا أكرم إمام اوغلو.
وبعيداً عن حقيقة انه اغلبنا توقع سقوط اردوجان يوماً ما، حتى لم يعد هنالك سبق ما في هذا المضمار، أتذكر أنى توقعت سقوطه منذ صيف 2011، ولكن هذه المرة فأن اردوجان هو من حاصر ذاته، لقد جعل إسطنبول التي بدأ منها تصوت ضده مرتين، وفى الثانية حول اردوجان انتخابات محلية الى معركة إقليمية وقام بتدويل الانتخابات فاذا بإسطنبول تنتخب غريمه المصري بشكل ضمني.
ماذا عن اردوجان بعد إسطنبول؟ الأمور ابسط مما نتصور واعقد مما نتصور في آن واحد، هنالك محاولات من اخوان تركيا للتخلص من رجب طيب اردوجان بأعتباره ورقة محروقة، وتشكيل حزب جديد بقيادة على بابان او عبد الله جول او احمد داود اوغلو، على ان يقوم الحزب الجديد باستقطاب عدداً من نواب البرلمان، والبدء في إجراءات عزل الرئيس اردوجان، ثم الدعوة لانتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة دون مشاركة اردوجان وحزب العدالة والتنمية.
الرئيس التركي الجديد سوف يتواصل فوراً مع الخليج العربي ويطلب وساطة خليجية للتواصل مع مصر والولايات المتحدة الأمريكية، لتسوية الصراع الإقليمي وإخراج تركيا من النفق المظلم.
السيناريو الأصعب هو لجوء اردوجان لأطلاق ميلشياته ولعبة "انا او الفوضى"، وهو ليس بالأمر الجديد، اذ سبق لاردوجان ان خسر الانتخابات البرلمانية عام 2015 بينما هو في موقعه الرئاسي، وبعد بضعة ساعات بدأت داعش تركيا تضرب الجنوب التركي، وبدأ الاكراد في العودة للعمل المسلح، وبحلول الخريف من العام ذاته كانت الانتخابات تعاد وانتصر حزب اردوجان بالتزوير.
نفس الميلشيات هي التي اعادته لقصره الرئاسي في يوليو 2016، او ربما يلجأ الى تحرش عسكري بقبرص او اليونان، او الخطاب الديماجوجي باسم القضية الفلسطينية او حتى اشعال الموقف عبر إرهاب الإسلام السياسي في العراق، سوريا، ليبيا او حتى سيناء.
وقد يتطور الامر لتفعيل خطة غربية تحدثت عنها في كتاب "خريف العولمة الامريكية" تهدف الى تفجير تركيا في وجه روسيا، عبر تصدير الفوضى السورية للداخل التركي، وفى الكتاب ذاته تحدثت ايضاً عن حقيقة ان تركيا اردوجان تعتبر ورقة محروقة بالنسبة لفلاديمير بوتين ودونالد ترامب وسوف يسعيان الى اعتصار الورقة الى آخر قطرة والاستفادة منها لآخر نفس قبل التخلص منها وبالتالي فأن هنالك ترتيبات بين واشنطن وموسكو حول بدائل اردوجان بل وبدائل تركيا قد تفرض نفسها.
من إسطنبول بدأ ومن إسطنبول ينتهي، ما جرى في يونيو 2019 يعتبر الخطوة ما قبل الأخيرة لسقوط اردودجان، مهما طال الوقت.
ايهاب عمر