من قرارات المجمع الفقهي بمكة المكرمة
القرار الثالث ( في عدم جواز استبدال رسم الأرقام العربية برسم الأرقام المستعملة في أوروبا ):
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده سيدنا ونبينا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا - أما بعد :
فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي قد نظر في الكتاب الواردة إلى الأمانة العامة لرابطة العالم الإسلامي من معالي وزير الأوقاف والشئون الإسلامية في الأردن الاستاذ كامل الشريف ، والبحث المقدم من معاليه إلى مجلس الوزراء الأردني بعنوان " الأرقام العربية من الناحية التاريخية " والمتضمن أن هناك نظرية تشيع بين بعض المثقفين ، مفادها أن الأرقام العربية في رسمها الراهن (1-2-3-4 ألخ) هي أرقام هندية ، وأن الأرقام الأوربية (etc 4-3-2-1 ) هي الأرقام العربية الأصلية ، ويقودهم هذا الاستنتاج إلى خطوة أخرى هي الدعوة إلى اعتماد الأرقام في رسمها الأوروبي في البلاد العربية ، داعمين هذا المطلب بأن الأرقام الأوربية أصبحت وسيلة للتعامل الحسابي مع الدول والمؤسسات الأجنبية التي باتت تملك نفوذاً واسعاً في المجالات الإقتصادية والاجتماعية في البلدان العربية ، وأن ظهور أنواع الآلات الحسابية و(الكمبيوتر) التي لاتستخدم إلا هذه الأرقام يجعل اعتماد رسم الأرقام الأوربي في البلاد العربية أمراً مرغوباً فيه إن لم يكن شيئاً محتوماً لا يمكن تفاديه .
ونظرا أيضا فيما تضمنه البحث المذكور من بيان للجذور التاريخية لرسم الأرقام العربية والأوروبية .
واطلع أيضا على قرار مجلس هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية في دورته الحادية والعشرين المنعقدة في مدينة الرياض ما بين 17 - 28 من شهر ربيع الآخر عام 1403 هـ في هذا الموضوع ، والمتضمن أنه لا يجوز تغيير رسم الأرقام العربية المستعملة حاليا إلى رسم الأرقام المستعملة في العالم الغربي للأسباب التالية :
أولا : أنه لم يثبت ما ذكره دعاة التغيير من أن الأرقام المستعملة في الغرب هي الأرقام العربية ، بل إن المعروف غير ذلك ، والواقع يشهد له ، كما أن مضيّ القرون الطويلة على استعمال الأرقام الحالية في مختلف الأحوال والمجالات يجعلها أرقاما عربية ، وقد وردت في اللغة العربية كلمات لم تكن في أصولها عربية وباستعمالها أصبحت من اللغة العربية ، حتى أنه يوجد شيء منها في كلمات القرآن الكريم ( وهي الكلمات التي توصف بأنها كلمات معربة )
ثانياً : أن الفكرة لها نتائج سيئة ، وآثار ضارة ، فهي خطوة من خطوات التغريب للمجتمع الإسلامي تدريجياً ، يدل لذلك ما ورد في الفقرة الرابعة من التقرير المرفق بالمعالمة ونصها " صدرت وثيقة من ورزاء الإعلام تفيد بضرورة تعميم الأرقام المستخدمة في أوروبا لأسباب أساسها وجوب التركيز على دواعي الوحد الثقافية والعلمية وحتى السياحية على الصعيد العالمي " .
ثالثاً : أنها " أي هذه الفكرة " ستكون ممهدة لتغيير الحروف العربية واستعمال الحروف اللاتينية بدل العربية ولو على المدى البعيد .
رابعاً : أنها " أيضا " مظهر من مظاهر التقليد للغرب واستحسان طرائقه .
خامساً : أن جميع المصاحف والتفاسير ، والمعاجم ، والكتب المؤلفة كلها تستعمل الأرقام الحالية في ترقيمها أو في الإشارة إلى المراجع ، وهي ثروة عظيمة هائلة ، وفي استعمال الأرقام الافرنجية الحالية (عوضاً عنها) ما يجعل الأجيال القادمة لا تستفيد من ذلك التراث بسهولة ويسر.
سادساً : ليس من الضروري متابعة بعض البلاد العربية التي درجت على استعمال رسم الأرقام الأوروبية ، فإن كثيراً من تلك البلاد قد عطلت ما هو أعظم من هذا وأهم وهو تحكيم شريعة الله كلها مصدر العز والسيادة والسعادة في الدنيا والآخرة ، فليس عملها حجة .
وفي ضوء ما تقدم يقرر مجلس المجمع الفقهي الإسلامي ما يلي :
أولا : التأكيد على مضمون القرار الصادر عن مجلس هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية في هذا الموضوع والمذكور آنفا ، والمتضمن عدم جواز تغيير رسم الأرقام العربية المستعملة حاليا برسم الأرقام الأوروبية المستعملة في العالم الغربي للأسباب المبينة في القرار المذكور .
ثانيا : عدم جواز قبول الرأي القائل بتعميم رسم الأرقام المستخدمة في أوروبا بالحجة التي استند إليها من قال ذلك ، وذلك أن الأمة لا ينبغي أن تدع ما اصطلحت عليه قرونا طويلة لمصلحة ظاهرة وتتخلى عنه تبعا لغيرها .
ثالثا : تنبيه ولاة الأمور في البلاد العربية إلى خطورة هذا الأمر ، والحيلولة دون الوقوع في شرك هذه الفكرة الخطيرة العواقب على التراث العربي والإسلامي .
والله ولي التوفيق وصلى الله علي سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم .
المصدر : فتاوى إسلامية (4/528 - 530).اهـ
والله أعلم.