وأرشد الله في آخرها الذين آمنوا لينجوا من عذاب الله ولعلهم يفلحون وعلمهم كيف يتقون ربهم فقال تعالى :
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آ مَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (77) وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78)}
وهذه من مظاهر التقوى التي أمر الله بها في أول السورة بقوله :
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ ... (1)} وأرشد أنها تنجي من عذاب الله الشديد .
وكرر الله الطلب في آخر آية فقال :
{ ... فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78)} فهو يتولى أمركم في الدنيا وفي الآخرة عند زلزلة الساعة .وهذه هي من لوازم التقوى التي ذكرها في المتقين وذلك قوله سبحانه :
{ لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177)}(البقرة)
فقوله جل في علاه :
{ ... وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ... (177)}(البقرة) ، يقابله في سورة الحج قوله عزّ من قائل :
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ ... (77)} فإن لم يؤمن المرء بما ذكره الله في سورة البقرة فليس بمؤمن .
وقال تعالى في أواخرها :
{ ... فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63)}
فذكر في أول السورة قسما ممن يخالفون عن أمره ، والعذاب الذي يصيبهم .
2 ـ وذكر عزّ وجل في أوائل السورة الذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم .
وذكر من ينكر الفعلة وتكذب زوجها مما رماها به ، وذكر الذين يقذفون المحصنات الغافلات .
وقال تعالى في آخر السورة :
{ أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (64)} .
فربنا سبحانه يعلم ما فعلوا وما أنكروا وما قذفوا وسوف ينبئهم بما عملوا والله بكل شئ عليم .
1 ـ قال الله سبحانه في أول السورة :
{ تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (1) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا (2)}
وقال تعالى في أواخرها :
{ تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاء بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُّنِيرًا (61)}
فذكر الذي له ملك السماوات والأرض في البدء ، وذكر في الأواخر أنه جعل فيها سراجا وقمراً منيرا فهو مالكها وهو الذي جعل فيها سراجا وقمرا منيرا .
2 ـ ثم انتقل في بداية السورة إلى ذكر الكافرين والمشركين فقال عزّ وجل :
{ وَاتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لَّا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا (3) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاؤُوا ظُلْمًا وَزُورًا (4) وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (5)} ..... { وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا (7) أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَّسْحُورًا (8) انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا (9)} .
وذكر في أواخرها عباد الرحمن ابتداءا من قوله جلّ في علاه :
{ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63)} إلى أواخر السورة أي من الآية 63 إلى الآية 76 ، وذلك بمقابل من ذكرهم في البدء الذين اتخذوا من دونه آلهة ، فهؤلاء عباد الرحمن وأُولئك اتخذوا من دونه آلهة لا يخلقون شيئا وهم يُخلقون .
3 ـ ختم السورة بقوله سبحانه : { قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا (77)} ،
وكأنها استكمال لما بدأ به السورة وهو قوله عزّ من قائل :
{ ... لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (1)} .
فهو رسول الله للعالمين ولا يعبأ بهم ربه لولا دعاؤهم فقد كذبوا فسوف يكون العذاب لزاما . وذلك من مقتضيات الإنذار ونتائجه .
ثم أُنظر إلى مناسبة قوله تعالى في البدء :
{ ... عَلَى عَبْدِهِ ... (1)}
وقوله في الخاتمة : { ... قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي ...(77)} .
فالعبد له رب فهو (صلى الله عليه وسلم) عَبْدُه واللهُ رَبُه .
ومن التناسب في البدء والختام :
1 ـ إنه ذكر القرآن الكريم في أول السورة وآخرها ،
فقال عزّ وجل في أول السورة :
{ ... تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُّبِينٍ (1)}
وقال جلّ في علاه :
{ وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ (6)}
وقال سبحانه في أواخرها :
{ وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ ... (92)}
2 ـ ذكر في أول السورة من أمور العبادة ما ذكر وذلك قوله تعالى :
{ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ ... (3)} .
وقال في أواخرها إنه أمره ربه بعبادته وذلك قوله جلّ في علاه :
{ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا ... (91)}
فذكر العبادة في اليدء والختام
3 ـ قال عزّ وجل في أوائل السورة :
{ إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ (4) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذَابِ وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (5)} .
وذكر في أواخرها أنواع العمل وعاقبته في الآخرة ، وذلك قوله سبحانه :
{ مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَهُم مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ (89) وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (90)}
فذكر الله في أوائل السورة من لا يؤمن بالآخرة وذكر أنه زين لهم أعمالهم .
وذكر الله في أواخر السورة من آمن بالآخرة ومن لم يؤمن ، وذكر عمل كل من الفريقين وجزاءه .
4 ـ قوله تعالى في آخر السورة :
{ ... وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (93)}
يناسب قوله عزّ وجل في أوائل السورة :
{ ... مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ (6)} ،
فإن الحكيم العليم ليس بغافل عما يعملون .
1 ـ قال الله سبحانه في أول السورة :
{ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (2)}
فذكر الكتاب أولا .
وقال تعالى في أواخرها :
{ إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ مَن جَاء بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (85) وَمَا كُنتَ تَرْجُو أَن يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِّلْكَافِرِينَ (86)} .
حيث ذكره بلفظ القرآن والكتاب .
ثم ذكر في أواخر السورة أن الله راده صلى الله عليه وسلم إلى معاد بقوله :
{ ... لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ ... (85) ،
أي إلى بلده وذلك كما ردّ موسى عليه السلام إلى أمه وذلك قوله عزّ وجل في أوائل السورة :
{ ... إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ ... (7)}
وكما ردّ موسى إلى بلده بعد فراره إلى مدين .
2 ـ قال الله جّل في علاه لنبيه صلى الله عليه وسلم في آخر السورة :
{ ... فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِّلْكَافِرِينَ (86)} ،
وذلك مناسب لما ذكره في أول السورة من قصة فرعون الذي ادعى الأُلوهية ثم أهلكه الله هو ومن كان ظهيراً له وذلك قوله سبحانه :
{ فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (40)}
وهو مناسب لقول سيدنا موسى عليه السلام :
{ قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ (17)} .
وقال تعالى في أواخرها :
{ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69)} .
فالبداية في الفتنة والجهاد
وكذلك الخاتمة فإن الفتنة في سبيل الله من الجهاد .
فذكر في أول السورة الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم يوقنون بالآخرة .
وقال عزّ وجل في أواخرها :
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ ... (33)} ومن التقوى ما ذكر في أول السورة من إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والإيمان باليوم الآخر كما ذكر ذلك في سورة البقرة وفيها قوله جل في علاه : { ... وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ... وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ ... } وقال سبحانه فيها : { ... أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177)}(البقرة) .
وقد أكد الإيمان باليوم الآخر في أول السورة فقال عزّ من قائل :
{ ... وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4)} .
وذكر اليوم الآخر في آخر السورة فقال تعالى :
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ (33)} .
وذكر الساعة في آخر السورة فقال عزّ وجل :
{ إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ ... (34)} .
2 ـ ذكر في أول السورة قسما ممن غرتهم الحياة الدنيا فقال جلّ في علاه :
{ وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ (6) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (7)} .
فحذّر الله سبحانه هؤلاء وأضرابهم في ذلك اليوم الذي لا تجزي نفس عن نفس شيئا من أن تغرهم الحياة الدنيا وأن يغرهم بالله الغرور فناسب آخر السورة أولها .
ـ قال الله سبحانه في أول السورة : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (1)} .
1 ـ فقد قال الله تعالى في أول السورة : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ ... (1)} .
وقال عزّ من قائل في أواخرها : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ ... (70)} ، فقد أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أولا بالتقوى ثم أمر المؤمنين بها بعد ذلك .
2 ـ قال الله سبحانه في أول السورة : { ... وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ ... (1)} .
وقال تعالى في خاتمة السورة : { ... وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71)} .
فنهى عن إطاعة الكافرين والمنافقين في البدء . وبين في الآخر عاقبة طاعة الله ورسوله من الفوز العظيم .
3 ـ قال الله عزّ وجل في خاتمة السورة : { لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (73)} .
فذكر الكافرين والمنافقين في بداية السورة .
وذكر المنافقين والمشركين في الخاتمة .
وقدم المنافقين في الآخر لأن السياق كان فيهم وذلك ابتداءا من قوله تقدست أسماؤه : { لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلاً (60) مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا (61)} .
ثم ذكر الكافرين بعدهم فقال جلّ في علاه : { إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا (64) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَّا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (65)} ... {(68)} .
وهذا مناسب لقوله تقدست أسماؤه في أوائل السورة :
{ ... وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ ... (2)} .
فإنه لو أمسك رحمته ما ترك عليها من دابة .
هذا وإن عدم مؤاخذته للناس بما كسبوا من رحمته ونعمته سبحانه عليهم .
وهو مناسب لقوله جلّ في علاه :
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ... (3)} .
3 ـ قال الله سبحانه في أوائل السورة :
{ وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (4)} .
وقال تعالى في أواخرها :
{ أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً ... (44)} .
فهو في الآية الثانية يوجههم إلى النظر في عاقبة الذين كذبوا رسلهم وإلى السير في الأرض ليتبين ذلك لهم .
1 ـ قال تعالى في بداية السورة :
{ يس (1) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (2)} .
وقال في أواخرها :
{ وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ (69)} .
فذكر القرآن في البدء والختام ، ووصفه أولاً بأنه حكيم ، ووصفه فيما بعد بأنه مبين ، فالقرآن حكيم مبين
2 ـ قال عزّ وجل في أول السورة :
{ لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ (6)} .
وقال في أواخرها :
{ لِيُنذِرَ مَن كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ (70)} .
فبدأ الله بإنذار قوم الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وانتهى بإنذار من كان حياًّ من المكلفين . وهو الأمر الطبيعي فيبدأ أولا بالأقرب إليه ثم ينتهي بعموم الخلق .
3 ـ قال جلّ وعلا في أول السورة :
{ تَنزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (5)} .
وقال في آخر السورة :
{ وَاتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنصَرُونَ (74)} .
فقد ذكر أولاً أنه حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون . ثم ذكر عقيدتهم بعد ذلك فذكر أنهم مشركون اتخذوا من دون الله آلهة . فهم مصرون على اعتقادهم .
5 ـ قال تعالى في أول السورة :
{ إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ (12)} .
وقال في آخر السورة :
{ وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (79)} .
فذكر في أول السورة أنه يحيي الموتى . وقال في آخرها إن الذي يحيي العظام هو الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم .
فذكر أنه همت كل أمة برسولهم ليأخذوه وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق غير أنهم لما رأوا بأسه سبحانه قالوا آمنا بالله وحده وكفروا بالباطل الذي كانوا يجادلون به ، غير أنهم لم ينفعهم إيمانهم حينذاك وخسر هنالك الكافرون