معركة نيقوبلي / محمود ثروت أبو الفضل

Nabil

خـــــبراء المنتـــــدى
إنضم
19 أبريل 2008
المشاركات
22,428
التفاعل
17,569 41 0
معركة نيقوبلي / يوم غلب المسلمون التحالف الأوروبي

محمود ثروت أبو الفضل


"معركة نيقوبلي 1396م، تحالُف أوروبيٌّ مكوَّن من 130 ألف جندي، يواجه جيشًا عثمانيًّا في عهد "بايزيد الصاعقة"، لم ينجُ منه سوى 20 ألفًا...".

ظلَّت دولة الخلافة العثمانية شوكة في حلوق ملوكِ أوروبا منذ قيامها، يحاولون بشتَّى الطُّرق القضاءَ على نفوذها وتوسُّعاتها السَّريعة على حساب ممالِكهم وموانيهم وإماراتهم، وزاد فَزع ملوكِ أوروبا مع تولِّي السُّلطان العثماني "بايزيد الأول"، الذي لُقِّب بـ"بايزيد الصاعقة"؛ نظرًا لاندفاعه الرَّهيب في مهاجمة النصارى الأوروبيين وتجريعهم مرارات الهزَائم المتكرِّرة على يد جيوشِه، التي لم تكلَّ ولم تملَّ من مهاجمة مدن أوروبا طيلة فَترة حكمه الرغيدة.

ونظرًا للرُّعب الذي تملَّك ملوكَ أوروبا من بايزيد الصاعقة وطموحاتِه الكبيرة لجَعْل أوروبا بأكملها إمارةً عثمانيَّة تحت سلطانه؛ فقد قرَّروا التجمُّع في حِلف أوروبي واحدٍ لمحاربته والقضاء عليه، وكان في ذلك مخاطرة كبيرة؛ لكنَّها - في نظرهم - كانت تستحقُّ كلَّ ما سيلاقونه؛ لأنَّهم يعلمون صعوبة لقاء بايزيد منفردين؛ ليقِينهم التامِّ بأنَّ جنودهم لن يقفوا أمام جيوش الدولة العثمانيَّة؛ نظرًا لحالة الهزيمة النفسيَّة التي كان عليها الأوروبيُّون وقتذاك.

قام "سيجسموند" ملك المَجَر والبابا "بونيفاس التاسع" بالدعوة لتكتُّلٍ أوروبي صلِيبي ضدَّ الدولة العثمانيَّة، فلبَّى هذه الدعوةَ أغلبُ ملوك أوروبا وفرسانها، وانضمَّ لهذه الحملة 120.000 مقاتل من مختلف الجنسيَّات (من ألمانيا وفرنسا وإنجلترا وإسكتلندا وسويسرا ولوكسمبرج والأراضي المنخفضة الجنوبيَّة وبعض الإمارات الإيطالية)، وفي رواية: أنَّ عدد الجيش الأوروبي بلغ 130 ألف مقاتل.

يصف الدكتور "إسماعيل أحمد ياغي" في كتابه " الدولة العثمانية في التاريخ الإسلامي الحديث" هذا التكتُّل فيقول: "كان هذا التكتُّل من أكبر التكتُّلات التي واجهَتْها الدولةُ العثمانية في القرن الرابع عشر؛ من حيث عدد الدُّول التي اشتركَت فيه، ثمَّ أسهمَت فيه بالسلاح والعتاد والأموال والقوَّات".
وقيل: إنَّ هذا التحالف اشتركت فيه 15 دولة أوروبيَّة، كان على رأسها المجَر وفرنسا وإنجلترا وبلغاريا، إلى جانب بعض التكتُّلات المسلَّحة؛ مثل جبهة فرسان رودس، وفرسان الإسبتارية... وغيرها.

ونتيجة لهذا العدد الكبير من جنودِ التحالف الأوروبيِّ التي لم تَجتمع مِن قبل بهذه الهيئة؛ رَكب الغرورُ ملوكَ أوروبا، وتسارعوا في إطلاق التصريحات العدائيَّة بغرور وعنجهيَّة، حتى إنَّ سجسموند ملك المجر كان يقول: "لو انقضَّت السماء من عليائها، لأمسكناها بحرابنا"، ونتيجة لهذه العنجهيَّة سرعان ما وقع الخلاف بين سجسموند قائد التحالف وباقي ملوك الحَمْلة، وكان الاختلاف على إستراتيجية حرب الدولة العثمانية؛ حيث كان سجسموند يُؤْثِر الانتظار حتى تأتي القوَّات العثمانية، وباقي القوَّاد يرون المبادرة بالهجوم، وبالفعل لم يستمعوا لرأي سجسموند وانحدروا مع نَهر الدانوب حتى وصلوا إلى مدينة نيقوبولس في شمال البلقان على حدود رومانيا سنة 800 هـ/ 1396م.

وكان بايزيد الداهية مدركًا لكافَّة هذه التحرُّكات، وكان يرسل جواسيسه في كلِّ مكانٍ ليأتوه بخبر تحرُّك الحملة الأكبر في تاريخ أوروبا؛ حيث سارع بالمسير خفيةً، وظهر فجأة في سَهل نيقوبوليس ومعه حوالي مائة ألف جندي، وهو عدد يقلُّ عن جيش التحالف، لكنَّه أكثر تنظيمًا وأكفأ سلاحًا، وباغَتَهم بالهجوم السَّريع الذي اضطرب معه الجيشُ الصليبي ولاذ أغلبُهم بالهرب، وأعمل فيهم بايزيد وجنودُه القتلَ والذَّبح، إلى جانب أنَّه أسر أربعةً من رؤساء دُول التَّحالف وقادة الجيش خلال هذه الحَمْلة الخاطفة.
أمَّا المغرور سجسموند، فقد ولَّى هاربًا ومعه رئيس فرسان رودس، ولما بلغا في فرارهما شاطِئ البحر الأسود، وجد هناك الأسطول النصراني، فوثبا على إحدى السُّفن وفرَّت بهما مسرعة لا تلوي على شيء.
وقد خرج بايزيد الصاعقة من معركة نيقوبوليس بغنائم غزيرة، واستولى على معظَم ذخائر الجيش التي أحضرها معه، واسترقَّ كثيرًا من الجنود مِن أسرى المعركة.

وبعد نهاية المعركة اقتصَّ من حكَّام شبه جزيرة المورة (اليونان) الذين قدَّموا مساعدةً عسكريَّة للجيش الصليبي، فدمَّر أراضيهم واسترقَّ منهم.

وتتَّضح مكانةُ بايزيد الصاعقة فيما فعله مع شريف فرنسا أمير لوكسمبرج "الكونت دي نيفر"، الذي وقع في الأَسْر ضمن مَن وقع من أشراف وفرسان أوروبا؛ حيث طلب مِن السلطان دَفْع الفدية مقابل إِطلاق قيده، فقبِل السلطان بايزيد دَفْع الفدية وأطلق سراحَ الكونت دي نيفر مع عددٍ من أَسْراه، وكان قد أَلزم "دي نيفر" بالقسَم على أن لا يعود لمحاربتِه، وبعد أن أَقسم الكونت قال له بايزيد في استهانةٍ واضحة: "إنِّي أُجيز لك أن لا تحفظ هذا اليمين، فأنت في حلٍّ من الرجوع لمحاربتي؛ إذ لا شيء أحب إليَّ من محاربة جميعِ مسيحيي أوروبا والانتصار عليهم"!
وفي نشوةِ النصر والظَّفر قال السلطان "بايزيد": إنَّه سيفتح إيطاليا ويطعم حصانه الشَّعير في مذبح القديس بطرس بروما أرض البابا.

وقد أسفرَت هذه المعركة عن هزيمة جيش التحالف المَجَري البلغاري الويلزي الفرنسي البرغندي الألماني وقوات متنوعة (بمساعدة من البندقيَّة بالبحر) ونهاية الإمبراطورية المجرية الثانية.

وكانت المجر أكبر الخاسرين في هذه الحرب؛ فقد تضاءلَت مكانة المجر في عيون المجتمعِ الأوروبي بعد معركة نيقوبوليس، وتبخَّر ما كان يحيط بها من هَيبة ورَهْبة، وكانت هذه المعركة بمثابة نهاية لملوكِها في تِلك الحقبة حيث فقدَت الكثيرَ من أملاكها لصالح بولندا وألمانيا، وبعد قليلٍ انهارَت تلك المملكة الكبيرة.

وقد أرسل بايزيد لممالك العالم الإسلامي وقتها يبشِّرهم بهذا النَّصر العظيم، فسرَّ جميعُ المسلمين، واصطحب الرُّسلُ معهم إلى بلاطات حكَّام المسلمين مجموعةً منتقاة من الأسرى المسيحيِّين باعتبارهم هدايا من المنتصِر، كما أرسل إلى الخليفة العباسي المقيم بالقاهرة يطلب منه أن يقرَّ له لقب "سلطان الروم"؛ حتى يتسنَّى له بذلك أن يسبغ على السُّلطة التي مارسها هو وأجداده من قَبلُ طابعًا شرعيًّا رسميًّا فتزداد هيبتُه في العالم الإسلامي، وبالطبع وافق السلطان المملوكي برقوق حامِي الخليفة العباسي على هذا الطلب؛ نظرًا لإدراكه أنَّ بايزيد هو الوحيد القادر على مواجهةِ قوات تيمور لنك القائد المغولِي على العالم الإسلامي، واتَّخذ بايزيد لقبَ "سلطان الروم" نتيجةً لهذا الانتصار، ودلالةً على وراثته لدولة السلاجقة وسيطرته على كلِّ منطقة الأناضول.

وفتح هذا الانتصارُ البابَ أمام جموع المسلمين في مختلف أنحاء العالَم الإسلامي الرَّاغبين في مشاركة جيش الدَّولة العثمانيَّة تلك الفتوحات الكبيرة - أن يهاجروا إلى الأناضول مقرِّ الدولة العثمانية، وكانت الهجرة مليئةً بالجنود وممَّن أسهموا في الحياة الاقتصادية والعلمية والحكومية في فارس والعراق وما وراء النهر.
وكانت هذه المعركة أكبرَ صفعةٍ على وجه أوروبا في تاريخها كلِّه دون مبالغة.


رابط الموضوع:
 
عودة
أعلى