رسالة من جبهة علماء الأزهر لحجاج بيت الله الحرام

عبدَ الله

<b><font color="#FF00FF">فرسان النهار</font></b>
إنضم
5 يناير 2008
المشاركات
559
التفاعل
6 0 0
رسالة من جبهة علماء الأزهر لحجاج بيت الله الحرام


6 - 12 - 2008




فيما يلي نص رسالة جبهة علماء الأزهر الموجهة لحجاج بيت الله الحرام:
إليكم جميعًا وأنتم في السفوح المقدسة، والثياب الطاهرة، بعد أن طويتم المراحل بشوق، ونلتم من شرف الحظوة بالأرض المقدسة التي فيها أول بيت وضع للناس نوالكم.
إليكم جميعًا وإلى كل من شغله ما يشغلكم الآن من العواطف السامية، والآمال العالية وقد لفكم جميعًا الثيابُ الأبيض، ولمعت في جوانحكم القلوب الفياضة باليقين، والجياشة بالحنين، حيث توالون بين التلبية، والتكبير، والتهليل، وتجأرون في ممساكم وصبحكم وغدوكم ورواحكم بالدعاء المستجاب إن شاء الله.
اذكروا جميعًا حق إخوانكم في فلسطين، والأهواز، والصومال، والسودان، والفلبين، وكل موطن يهان فيه مسلم، ويذل حرٌّ، واجعلوا للمحاصرين في غزة النصيب الأوفي من ذكركم ودعائكم، فقد لفَّهم الظلم بسواده، وعضهم الغدر بنابه، وتأله الشرُّ عليهم، وتحكَّم الشيطان فيهم بجنده ورَجِلِه.
أَشركوهم معكم في دعائكم أن يديل الله لهم ممن تكالب بخسة السياسة الماكرة عليهم، ووضيع الأخلاق السافلة فيهم، اسألوا الله لهم وأنتم موقنون بالإجابة أن يفضح أسرار ويهتك أستار من غدر بهم، واستأسد عليهم في حصارهم، وأراد لديارهم أن تكون سجنًا يضطرب فيه العزيز اضطراب المهيض في قفصه؛ حتى يعطوا الدنية في دينهم وكرامتهم كما أعطوها هم من قبل {فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ} [البقرة:16].
اذكروهم واذكرونا معهم مثل ذكرانا لكم، ولا تنسوا حق أمتكم عليكم بالدعاء لهم بأن يعينهم الله على فكِّ ما ابتلاهم به من قيد، ويضع عنهم من أغلالهم وأوزارهم، حتى يُمكنوا من أداء ما وجب عليهم نحو إخوانهم وأبنائهم، وفلذات أكبادهم المحاصرين في غزة، المحاصرون من ذات اليمين وذات الشمال، ومن فوقهم ومن أسفل منهم، ومن كل صاحب ومن كل جار.
وكلهم من الذين استأسدت فيهم الغرائز، وأسرفت عليهم المطامع، وتفرقت بهم السبل، حتى تنادوا إلى خراب بيوتهم ببيع أصولهم، {يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ}، وأنظمتهم بعد أن ذاقت شعوبهم من فساد النظام وطغيان الحكم ما لم يذقه الحيوان الأدنى.
حيث أصبح التحريق، والتغريق، والتجويع بعد اعتماد التعذيب وإهدار الآدمية سبيلًا غير منكور من أساليب الإدارة، ولغة مألوفة من لغة الهيمنة والسياسة، وقد غشي الجميع ظلام الحكومات بعد ظلام الشرق والغرب.
ولفَّهم الليل الأليل بسواده، وغامت المعالم وانبهم السبيل، وتأزم الأمر، وضاقت على الناس الأرض برحبها، فلا أرض بظلم الظالمين تُغِلُّ ما يكفي بعد أن كانت هي سلة الغذاء العالمي، ولا تزال مذخورة بخيرات الله فيها، ولا بحرٌ يسد ما نقص على وفرة خيراته، وتلاطم أمواجه، حتى صار تمثيل الحال في الخيال أمرًا مرعبًا، فكيف بتقرير الحس وتصوير الواقع؟
والأزهر الذي قام للدين، وعاش بالدين ـ كما قال الأستاذ الزيات ـ كان الظن به أن يكون لأمواج الوحي الخالد محطة استقبال وإذاعة؛ لكنه انقطع عن ركب الحياة، فخضع لعوادي الدهر القاهر، خضوع القلعة المحصورة للمغير الغادر.
حتى أضحي الدين يعني مخادعة الله بالحيل، ومهاواة القادة بالنفاق، وتجميل الظاهر، وتخريب الباطن، وإعطاء الدنية بالفتاوى الرسمية وشبه الرسمية، وليس هذا هو الدين على الحقيقة الذي بعث به محمد صلى الله عليه وسلم، إنما هو دين الأوزاع والأتباع، الذين ضلوا وذلوا، فمزقتهم الأحداث، وأكلتهم المطامع، وأصبحوا نهبًا تتقاتل عليه الدول، وتستخف بهم الشراذم، ويسحبهم الساحبون على وجوههم إلى مواطن الخزي والندامة.
ألحوا على الله بالدعاء وأنتم آمنون من شياطين الإنس الذين يعدُّون عليكم أنفاسكم، وشياطين الجان الذين يفسدون عليكم عباداتكم، ((فإن الشيطان ما رئي يومًا هو فيه أصغرُ؛ ولا أدحرُ؛ ولا أحقرُ؛ ولا أغيظ منه في يوم عرفة، وما ذلك إلا لما رأى من تنزل الرحمة وتجاوز الله عن الذنوب العِظام، إلا ما أريى يوم بدر))، قيل: (وما رأى يوم بدر يارسول الله؟)، قال: ((أما إنه رأى جبريل يزع الملائكة))، [رواه البيهقي، (4069)، وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب والترهيب، (739)].
قال الإمام ابن عبد البر: وفيه دليل على أن كل من شهد تلك المشاهد يغفر له إن شاء الله.
ادعوا الله كما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الموقف وتلك الأيام، وادعوه على الحال الذي يُحِبُّ؛ فإن أحبَّ الأعمال إليه جل جلاله في يوم الحج الأكبر (العجُّ والثجُّ) والعجُّ هو: رفع الصوت بالدعاء والتكبير، والثجُّ هو: ثج دماء الهدي والأضاحي بنحرها يوم النحر.
ادعوه وأنتم موقنون بالإجابة على هذا الحال فإن القلوب أوعية، وبعضها أوعى من بعض، فإذا سألتم الله فاسألوه وأنتم موقنون بالإجابة، فإن الله لا يستجيب لعبد دعاه عن ظهر غافل كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ادعوه جل جلاله على هذا الحال حتى لا يأمن بعد اليوم ظالم ولو مدَّ الله له ومنحه قوة وأعطاه مالًا، وحتى لا ييأس مظلوم ولو ابتلاه الله بالحصار، وكتب عليه إلى حين الفقر، فإن الظالم مهما كبر فالله أكبر، ومهما طالت يده وعلت فإن يد الله فوق يده، ومهما ملك الظالم من أمر يومه فإن غده الفاضح له عن قريب وراء بابٍ مغلق، ومفتاحه عند الله.
وما يدري أحد بماذا يطلع عليه غدُه، {مَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}[لقمان:34]، والنازلات امتحان للهمم، وتمحيص للأمم، والغادر مغلول، والناكث مخذول.
ادعوه دعوة المضطر ليعلم الظالمون أنَّ حقَّ الأخوة الإيمانية لا يزال بخير رغم أنف سادتهم وكبرائهم، وأنَّ لهذا الكون إلهًا منتقمًا، جبارًا، عادلًا، يمهل ولا يهمل، ويمد للظالم حتى يستجير بأعدائه ويستأنف على أوليائه، ليكثر لاعنوه، ويعظم شاكوه ويقل وينعدم شاكروه، ثم يأخذه أخذ عزيز منتقم قبل أن يسعد بجرمه، أو يهنأ بغدره، فإن الأيام دول، والدهر دولاب، يهبط العالي ويعلو الذي هبط، ويذل العزيز، ويعز الذي ذلَّ {وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا}[الإسراء:51].
"اللهم إنك ترى مكاني، وتسمع كلامي، وترى سري وعلانيتي، لا يخفى عليك شيء من أمري، وأنا البائس الفقير، المستغيث المستجير، الوجل المشفق، المقرُّ بذنبه، أسألك مسألة المسكين، وأتضرَّع إليك تضرع الخائف الذليل، ذلَّ لك جسمه، ورغم لك أنفه، اللهم لا تجعلني بدعائك شقيًا، وكن بي رؤوفًا رحيمًا، يا خير المسؤلين ويا خير المعطين"
صدر عن جبهة علماء الأزهر غرة ذي الحجة 1429هـ
الموافق 29 من نوفمبر 2008م.
 
التعديل الأخير:
عودة
أعلى