تحوّل المغرب في غضون سنوات قليلة لمنصة صناعية إقليمية محورية في مجال تصنيع السيارات، مما انعكس بشكل إيجابي على الاقتصاد المحلي وتوفير فرص الشغل ضمن إستراتيجية وضعت نصب عينيها إنتاج مليون سيارة بحلول العام 2020.
وشهدت صناعة السيارات نموا متسارعا مع استقرار شركات عالمية في البلاد مثل رونو وبوجو الفرنسيتين وشركة "بي واي دي" الصينية لصناعة السيارات الكهربائية، في وقت تتجه شركات عالمية أخرى مثل مجموعة فولسفاغن الألمانية وتويوتا اليابانية إلى الدخول في هذا السباق وإحداث مصانع لها.
وتعززت إستراتيجية المغرب الخاصة بالقطاع بإطلاق 26 استثمارا صناعيا في قطاع السيارات بداية الأسبوع الحاري، في حفل ترأسه الملك محمد السادس بكلفة مالية فاقت قيمتها 13.78 مليار درهم (حوالي 1.5 مليار دولار) حيث من المقرر أن تخلق المشاريع الجديدة أكثر من 11 ألف منصب شغل مباشر.
وحافظ قطاع السيارات على مكانته كأول قطاع مصدر بالمغرب بحصة 24.4% من مجموع الصادرات خلال العام 2016، مما يعادل 54.6 مليار درهم (نحو 5.8 مليارات دولار)، متقدما على صادرات القطاعات التقليدية مثل الفلاحة والفوسفاط. وبعد السياحة، تأتي صناعة السيارات ضمن القطاعات التي تجلب العملة الصعبة للبلاد.
وأعلن وزير الصناعة المغربي مولاي حفيظ العلمي في أكتوبر/تشرين الأول الماضي أن المغرب بلغ سلفا القدرة على إنتاج 650 ألف وحدة عبر مصنعي رونو و"بي أس أي"، وبذلك يتصدر قائمة الدول المصدرة لمنتجات السيارات في منطقة شمالأفريقيا والشرق الأوسط، متوقعا تجاوز هدف مليون سيارة المبرمج في أفق 2020.
وانعكست الدينامية التي يشهدها القطاع بشكل إيجابي على مؤشر فرص العمل بحيث بلغ متوسط معدل النمو السنوي لفرص العمل في قطاع صناعة السيارات 11% ما بين عامي 2008 و 2016، أي ما يقارب 92 ألفا و500 فرصة.
وتمثل صناعة وتركيب أسلاك السيارات 50% من قطاع السيارات في المغرب، والنسبة المتبقية تمثلها صناعة قطع السيارات الداخلية وتجميعها.
أحد مصانع إنتاج السيارات بمدينة طنجة شمالي المغرب(رويترز)
حصان رابح
ورأى المحلل الاقتصادي المهدي فقير أن قطاع صناعة السيارات هو "الحصان الرابح" في إستراتيجية التسريع الصناعي التي أطلقها المغرب في أبريل/نيسان 2014، مضيفا في حديثللجزيرة نت أن المغرب يراهن على هذا القطاع من أجل إعادة هيكلة المنظومة الاقتصادية الوطنية لكي تنتقل من منظومة تقوم على الفلاحة المعتمدة على الأمطار المتذبذبة إلى منظومة اقتصادية تعتمد على الصناعة التصديرية ذات القيمة المضافة العالية.
في السياق ذاته، أوضح المحلل الاقتصادي والأستاذ الجامعي عبد النبي أبو العرب أن المغرب يتخذ كل الإجراءات اللازمة ويحشد كل الوسائل لتحقيق الانتقال الاقتصادي من بوابة التصنيع والتحول إلى أرضية صلبة في هذا المجال بهدف الوصول إلى لائحة العشر أقوى دول في العالم في صناعة السيارات في أفق 2020.
محفزات استثمارية
ووضع مخطط التسريع الصناعي للمغرب 2014-2020 ثلاثة أهداف رئيسية، ويتعلق الأمر ببلوغ القدرة على إنتاج مليون عربة سنويا، ورقم معاملات سنوي يناهز 12 مليار دولار، وتوفير 160 ألف فرصة عمل.
ولتحقيق هذه الأهداف، يوفر المغرب تحفيزات متنوعة لجذب المستثمرين الأجانب لخّص بعضها المهدي فقير في "توفير وعاء عقاري أي إمكانية الولوج إلى مناطق صناعية كاملة التجهيز وبأسعار تفضيلية، وإعفاءات ضريبية، إلى جانب توفير البنية التحتية اللازمة للتصدير" على غرار ميناء طنجة المتوسط وميناء القنيطرة الذي يخضع حاليا للتطوير.
أبو العرب: المغرب يهدف لأن يكون ضمن أقوى عشر دول بصناعة السيارات (الجزيرة)
وأضاف أبو العرب إلى تلك التحفيزات، الاستقرار السياسي الذي تشهده المملكة، ومناخ الأعمال الذي يبعث الثقة لدى المستثمرين، إلى جانب اتفاقيات التبادل الحر التي وقعها المغرب مع عدد من دول العالم وفتحه مراكز لتكوين اليد العاملة في مجال صناعة السيارات.
فالمغرب -حسب أبو العرب- يحاول تسويق مجموعة مركبة من العناصر، يتداخل فيها السياسي والجغرافي والاقتصادي والتجاري، من أجل أن يصبح وجهة مفضلة للمستثمرين.
عين على أفريقيا
ويراهن مخطط التسريع الصناعي على السوق الأفريقية، فعودة المغرب إلى الاتحاد الأفريقي وقرب انضمامه للمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (سيدياو)، إلى جانب الاتفاقيات الاقتصادية التي وقعها مع جل الدول الأفريقية والتي تجاوزت 1400 اتفاقية، ثم الوجود المالي والبنكي المغربي في القارة السمراء، وهي مقومات "توفر عرضا متكاملا لكل الشركاء الذين يريدون الاستثمار والتوغل في العمق الأفريقي" بحسب أبو العرب.
ووفق المعطيات السالفة الذكر، فإن المغرب يسهل على المستثمرين الأجانب إيجاد موطئ قدم في أفريقيا حيث إن "الذي يستثمر في المغرب اليوم إنما يستثمر في أفريقيا كلها"، وفق المهدي فقير.
ومع اتجاه المغرب لأن يكون قطبا لصناعة السيارات في العالم، يرى فقير أن جهود المسؤولين يجب أن لا تتوقف عند توفير بيئة جاذبة للاستثمارات الأجنبية، بل عليهم العمل على تشجيع وتوجيه الرأسمال الوطني لأن يشارك ويستفيد من الثورة التي يشهدها هذا القطاع.