حياك الله إستاذي، معلش أنا دخولي للمنتدى متقطع بعد أن تحول لمنبر سياسي عموما حسب فهمي المتواضع فأنت تسأل عن مستويات الإضرار بمنطقة الهدف ، وتحصيل المساحة إستاذي يكون بضرب الطول بالعرض لتحصل على مساحة المنطقة التي تسقط بها القذائف ضمن إحداثيات ثابتة !! بالنسبة لمستويات الإعطاب والإضرار بالهدف damage criteria والتي يستطيع سلاح المدفعية تسجيلها، فهذه تقيد ضمن معايير وحسابات خاصة مدروسة. إذ تتحدد مقاييس الأضرار الملحقة بالهدف العسكري عادة بمفاهيم الخسارة المؤقتة أو الجزئية أو الكلية. وبشكل عام، الفاعلية والتأثير القتالي للهدف يمكن أن يحيد ويخفض وفق أصناف من الأضرار، تتمحور مفاهيمها حول (1) السحق والإفناء annihilation (2) التدمير والتحطيم demolition (3) التحييد والتعطيل neutralization (4) الإزعاج والمضايقة harassment. النوع الأول أو نيران السحق والإفناء يقصد منها ولأقصى حد جعل الأهداف غير المنظورة أو غير المرئية عديمة الفاعلية والتأثير القتالي، بحيث تحتاج هذه لجهود كبيرة لإعادة البناء والإصلاح لكي تكون صالحة للاستعمال. على سبيل المثال، للأهداف النقطوية point targets مثل مواضع إطلاق الصواريخ الموجهة المضادة للدبابات، القوة المقابلة يجب أن تنفق وتستهلك قذائف كافية لضمان تحقيق نسبة 70 إلى 90% من احتمالية قتل. أما بالنسبة لأهداف المنطقة area targets مثل مواضع الكتائب والفصائل المحصنة، فإنهم يجب أن يطلقوا قذائف كافية لتدمير ما نسبته 50 إلى 60% من الأهداف المقصودة. هذه النيران بطبيعة الحال ستؤدي إلى خروج الوحدات من ساحة المعركة كقوة قتالية فاعلة. المفهوم الآخر أو التدمير والتحطيم، يشير إلى تحصيل مستويات من حالات الإعطاب والإتلاف destruction للتجهيزات والمباني والأعمال الهندسية (جسور، تحصينات، طرق) والأهداف الأخرى المقصودة. تحقيق هذا النوع من الأضرار يتطلب إطلاق وتوجيه قذائف كافية لجعل مثل هذه الأهداف غير صالحة للاستخدام. المفهوم الثالث يتحدث عن نيران التحييد، والتي تهدف إلى إيقاع خسائر كافية في الأهداف المقصودة، للحد الذي يتسبب في فقدانها تأثيرها المقاتل combat effectiveness بشكل مؤقت، أو يحيد ويقيد قدراتها على المناورة، أو يعرقل قابليتها على القيادة والسيطرة. ولإنجاز هذه المعادلة، المدفعية يجب أن تسدد قذائف كافية لتحطيم 30% من مجموع الأهداف غير المنظورة. المفهوم الأخير للأضرار يستعين بعدد أقل من قطع وذخيرة المدفعية، وعادة ضمن وقت موصوف ومعين لتسديد نيران المضايقة. إن هدف هذه النيران يتركز حول تسليط ضغط عصبي ونفسي psychological pressure على أفراد العدو في المواضع الدفاعية المحصورة، ومواقع القيادة والإمدادات في الخطوط الخلفية. نيران المضايقة الناجحة تمنع وتعرقل قابليات العدو على المناورة، وتخفض روحه المعنوية، كما أنها تضعف استعداده القتالي بشكل تدريجي.
إن مبدأ طلب واستدعاء النيران أو application fire يمكن أن يعرض ويقدم وفق عدة مفاهيم . المفهوم الأول يتحدث عن توجيه النيران ضد ما يطلق عليه "الهدف الفرصة" opportunity target وهو المعني بتوجيه نيران سريعة ضد هدف غير متوقع أو غير معد سابقاً لمهاجمته ، تم رصده مثلاً من قبل المراقب الأمامي . المفهوم الثاني يتحدث عن توجيه نيران ضد هدف مرتب له مسبقاً Prearranged target ، وهذه النيران إما أن تكون تحت الطلب أو مدرجة ومنوية سلفا . حلف شمال الأطلسي على سبيل المثال يصنف طلبات الدعم الناري لأغراض تكتيكية لعدة أنواع ، مثل (1) نيران البطارية المضادة ، والتي يهدف منها تسديد وتسليم نيران كثيفة لتحطيم أو تحييد neutralizing نظام الدعم الناري للعدو (2) نيران التمهيد والتحضير المضادة ، والتي يهدف منها تسليم نيران مركزة عندما هجوم معادي وشيك تم اكتشافه أو الإبلاغ عنه (3) نيران التغطية أو الإخفاء ، وهذه تستعمل لحماية القوات الصديقة متى ما كانت ضمن مجال ونطاق أسلحة العدو الخفيفة (4) النيران الدفاعية ، وهذه تسدد وتسلم لإسناد الوحدات المساعدة supporting units وحماية وحدة مشتبكة في عمل دفاعي (5) النيران الوقائية النهائية ، وهي نيران فورية ومباشرة معدة مسبقاً ، يهدف منها عرقلة حركة العدو عبر المناطق أو الخطوط الدفاعية defensive lines (6) نيران المضايقة والإزعاج ، وهي عدد عشوائي من القذائف يطلق على فترات غير منتظمة ، دون إشعار العدو بزمانها أو مكانها . هذه العملية تصمم لإعاقة وعرقلة حركة قوات العدو، ومع الإجهاد المفروض بشكل ثابت على مواضعه وخوفه من الخسائر المحتملة، فإنه العدو يفتقد للراحة أو للنوم، مما يخفض معه من روح قواته المعنوية (7) نيران التحريم، وهي التي تنصب على منطقة أو نقطة لمنع العدو من استعمال هذه المنطقة أو الاستفادة منها (8) نيران التحضير، وهذه تسدد قبل الهجوم لإضعاف موقف العدو وقدراته.
إشارة أخيرة إستاذي وأعتذر عن الإطالة، وهي خاصة بمصطلح أو تعبير درجت بعض الجيوش على استخدامه ، يطلق عليه "الوقت على الهدف" Time on Target . وهو عبارة عن أسلوب أو وسيلة تحقق طورت من قبل الجيش الأمريكي ، تستخدم التثبت والتقرير الدقيق precise determination لزمن طيران قذائف كل بطارية مدفعية تطلق نيرانها باتجاه منطقة هدف محددة . فعندما يتم تعيين وتحديد الوقت على الهدف ، فإن كل بطارية ستنضم إلى عملية إطلاق النار على ذلك الهدف سوف تطرح زمن الطيران من الوقت على الهدف لحساب وتحديد وقت إطلاق النار . ويتم تدريب بطاريات المدفعية المستقلة أو الفردية على إطلاق قذائفها قدر الإمكان على نحو متقارب وبشكل آني simultaneously في نفس الوقت . وعندما تطلق كل بطارية نيران قذائفها في وقتها المحدد ، فإن كل قذيفة ستصل منطقة الهدف تقريبا في نفس الوقت .. نظرية الوقت على الهدف TOT ، طورت أولاً من قبل الجيش الأمريكي قبل فترة قليلة من نشوب الحرب العالمية الثانية ، وذلك للمساعدة في تحسين وتعزيز فاعلية القوة النارية لسلاح المدفعية . لكن نتيجة القصور في مستويات وسائل الاتصال والتنسيق المتطلب لإنجاز مهامها ، فإنها لم ترسخ وتؤسس بشكل موثوق حتى انتهاء الحرب العالمية الثانية . البداية كانت مع الحرب العالمية الأولى عندما وجد أن أغلب الإصابات الناتجة عن القصف المدفعي artillery bombardment تحدث ضمن الثواني القليلة الأولى من بدء عمل المدفعية . أثناء تلك الثواني الأولى المعدودة ، قوات العدو قد تكون في العراء وقد لا تكون منكفئة أو في وضع الانبطاح . لكن بعد ذلك ، هذه القوات ستلجأ إلى وضعية الانبطاح أو البحث عن غطاء وملجأ آمن . لقد تبين مع هذا التسلسل وردود الأفعال ، انخفاض معدل الإصابات بشكل مثير عند استخدام القذائف شديدة الانفجار المتشظية . لذا ، وحدات المدفعية لقوات التحالف في الحرب العالمية الثانية دربت ومرنت في أغلب الأحيان على إطلاق نيران مدافعهم بنظام وتقدير دقيق precise order ، لكي تضرب جميع القذائف الهدف المقصود في نفس الوقت ، ومن ثم تعريضه للأضرار المحتملة القصوى .. في الحقيقة مفهوم الوقت على الهدف يمثل تنسيقاً عسكرياً لنيران المدافع ، يهدف إلى ايصال كم هائل من النيران إلى منطقة الهدف في وقت واحد . حيث يتراوح المعيار أو المقياس العسكري بين زائد أو ناقص ثلاثة ثواني من الوقت الموصوف والمعين للتأثير time of impact . من ناحية المكان والموقع ، فإن هذا المفهوم يهدف إلى تحصيل التأثير لأقل مستوى من احتمالية الخطأ الدائري CEP (circular error probable) على الهدف المعين . إن مصطلح CEP هو مقياس حدسي لدقة نظام السلاح (مؤشر لدقة التسليم) ، يحدد ويعرف بأنه نصف قطر الدائرة التي يتوقع أن يتضمن حدها وحافتها نقاط أو مواقع إنزال 50% من القذائف المطلقه والمحررة . وللتبسيط ، هو يتحدث عن المنطقة التي يتواجد فيها أو حولها الهدف حيث نصف القذائف ستبلغه وتنفجر خلاله ، وبالتالي ستلحق به أقصى الأضرار . عموماً ، مع وصول "الذخيرة الذكية" smart munitions وتقنيات الإطلاق الأكثر دقة ، فإن عامل CEP أصبح الآن أقل قيمة وتأثيراً في منطقة الهدف عما سبق .. تحياتي وإن شاء الله تكون وجدت ضالتك !!!