بقلم المؤرخ الجزائري محمد عباس :
تبدو فرضية "الخطأ المبرمج"، في إسقاط طائرة وزير الخارجية محمد الصديق بن يحيى والوفد المرافق له، على الحدود التركية الإيرانية بعد ظهر 3 مايو 1982، قوية استنادا إلى جملة من العناصر أهمها:
1 - سابقة سقوط طائرة تقل الفقيد، بالقرب من مطار باماكو (مالي) في 30 مايو 1981. وكانت السلطات الجزائرية بالمناسبة قد أعدت تابوتا لاستعادة جثمانه! وبدأت تبث القرآن الكريم في الإذاعة والتلفزة تأهبا لنعيه! لكنه نجا بأعجوبة، رغم هلاك ثلاثة من عناصر طاقم الطائرة في الحادث.
2 - قناعة الفقيد سليمان هوفمان الشخصية الأمنية البارزة في عهد الرئيس بومدين.
3 - مصلحة أمريكا - وحلفائها - في إطالة الحرب العراقية الإيرانية، بعد أن شجعت بغداد على العدوان وأمدتها بوسائله.
4 - سعي أطراف داخلية بالجزائر لاحتواء الرئيس بن جديد، واتخاذه مطية لضرب المشروع الوطني الثوري، والتمكين للثورة المضادة بالتعاون مع أطراف خارجية، وحالة الجزائر اليوم تؤكد نتائج تلك المساعي بكل وضوح.
هل اعترفت بغداد "بالخطأ غير المقصود"؟!
وضعت صحيفة "الشعب" - في عدد الثلاثاء 4 مايو 1982 - زيارة وزير الخارجية محمد الصديق بن يحيى لإيران في خانة الزيارات الرسمية "لدعم علاقات التعاون بين البلدين" وأنها تأتي تلبية لدعوة من نظيره الإيراني علي أكبر ولاياتي الذي سبق بزيارة الجزائر في منتصف فبراير الماضي.
واعتبرت الصحيفة زيارة وزير الخارجية الأولى من نوعها، لمسؤول جزائري كبير منذ ثورة الخميني مطلع 1979. وأضافت وكالة الأنباء الجزائرية في نفس اليوم - وهي تعلق على فاجعة الوزير ورفاقه مساء الإثنين - أن مهمة الوفد كانت أيضا بمثابة "مسعى للتوسط، من أجل حل سلمي للنزاع الخطير الذي يمزق المنطقة".(*)
وذكر المرحوم بشير بومعزة في حديثه عن الموضوع (1)، أن بن يحيى كان قد زار بغداد في 17 أبريل من نفس السنة، وتناول مع الرئيس صدام حسين موضوع الوساطة تحديدا.. بهدف الاطلاع على آخر مستجدات الموقف العراقي، وتوفير أحسن شروط النجاح لتلك المهمة الدقيقة التي قبلت الجزائر القيام بها، بطلب من صدام (2) نفسه، استنادا إلى نجاح وساطة سابقة في خلاف بغداد وطهران، حول بعض النقاط الحدودية ومنها شط العرب، وقد توجت هذه الوساطة في ربيع 1975 باتفاقية الجزائر الشهيرة، على هامش قمة منظمة البلدان المصدرة للبترول.
وكان العراق - حسب بومعزة دائما - قد راجع منذ سنة تقريبا موقفه المتشدد، فأصبح لا يمانع في قيام بلد عربي بدور الوسيط، بعد أن كان يرفض ذلك بحدة، على أساس أن أي بلد عربي ينبغي أن يكون إلى جانبه في حربه مع إيران!
وتعني هذه المراجعة أن بغداد أصبحت تقبل التفاوض، على أساس إيقاف القتال والانسحاب من الأراضي الإيرانية. للتذكير، إن أطرافا أخرى حاولت التوسط قبل ذلك في النزاع العراقي الإيراني، لكن بدون نتيجة من هذه الأطراف:
- أحمد سيكوتوري (غينيا) باسم منظمة المؤتمر الإسلامي.
- كوبا باسم حركة عدم الانحياز، بعد أن آلت إليها رئاسة الحركة في المؤتمر السادس.
- أولوف بالم (السويد) باسم منظمة الأمم المتحدة...
وبخصوص زيارة بن يحيى لإيران، يقول لخضر الإبراهيمي - المستشار الديبلوماسي للرئيس بن جديد يومئذ - إنه كان مع الفقيد في وفد رئاسي عائد من زيارة بلد آسيوي. وأثناء توقف الوفد في أبو ظبي أواخر أبريل 1982 خطر له أن يستريح قليلا، ليسافر إلى طهران من هناك مباشرة.. لكنه تذكر أن أسرته تتأهب للاحتفال بعيد ميلاد ابنه، فقرر العودة إلى الجزائر للمشاركة في الفرح.
غادرت طائرة "غرومان 2" مطار الجزائر صباح 3 مايو على الساعة السابعة و15 دقيقة، وقد حدد لها مخطط طيران، يمر على مالطا فقبرص، ثم تركيا ومنها إلى إيران، مع توقف تقني في مطار "لارناكا".
وبخصوص مرحلة مالطا يتذكر سفير الجزائر بليبيا آنذاك صالح بن قبي أن سلطات "لافاليت" لفتت انتباهه بطلب غير مألوف، عند الاستئذان لعبور الطائرة في مجالها الجوي: طلب قائمة الركاب!
أقلعت الطائرة الجزائرية من مطار "لارناكا" (قبرص) على الساعة 11 و43 دقيقة، حسب المصادر التركية، بينما تؤكد المصادر الإيرانية أن طاقم الطائرة اتصل على الساعة الثانية و50 دقيقة ببرج مراقبة مطار طهران، يعلن وصوله في حدود الثالثة و42 دقيقة.
لكن عندما كانت الطائرة تحلق فوق منطقة "فان" التركية على بعد 67 كلم من الحدود الإيرانية، تلقت تحذيرا من برج المراقبة بمطار تبريز، بإقلاع طائريتين عراقيتين (3) وتحركهما في اتجاهها.
وكان التحذير مشفوعا بدعوة ملحة، للعودة فورا إلى المجال الجوي التركي، وحسب لجنة التحقيق الجزائرية أن الطيار امتثل للتحذير، وأخذ يناور للعودة فعلا، وفي تلك اللحظة بالذات أصاب مؤخرة الطائرة صاروخ جو - جو، فتساقطت شظايا معدنية وأشلاء بشرية.
ما لبث تأخر طائرة الوفد الجزائري أن أثار قلق سفارة الجزائر بطهران فأجرت اتصالا أولا بالخارجية، تخبرها بأن الطائرة لم تصل بعد.. وكان هذا الاتصال على الساعة الخامسة و10 دقائق.
وعلى الساعة السادسة و45 دقيقة بدأت السلطات الإيرانية في التحرك بحثا عن الطائرة، بمساعدة تركيا وسوريا والاتحاد السوفياتي.. وبعد تمام ساعتين تلقت سفارة تركيا برقية من أنقرة، تفيد بأن الطائرة تكون سقطت بالتراب الإيراني، على بعد 3 كلم من الحدود التركية، وفي برقية ثانية من أنقرة على الساعة العاشرة و45 دقيقة، جاء تأكيد للحادث الأليم، مع رصد حطام الطائرة، على بعد المسافة المذكورة داخل التراب الإيراني.
وفي اليوم الموالي على الساعة الثانية و10 دقائق فجرا، عثر الدرك الإيراني على جزء من حطام الطائرة مع جثث ثلاثة رجال وامرأة.
وانتظرت السلطات الإيرانية حتى الساعة الواحدة والنصف، لتخبر رسميا سفارة الجزائر، بتحطم الطائرة ومقتل جميع ركابها.
سارعت الجزائر بتشكيل لجنة تحقيق، في هذه الفاجعة التي أودت بوزير الخارجية و13 من الإطارات السامية، فضلا عن طاقم الطائرة (4). ومن النتائج الأولى التي انتهت إليها أن الصاروخ الذي نسف الطائرة من صنع سوفياتي، بيع ضمن صفقة أسلحة إلى العراق، وأن التحاليل التي أجريت على شظايا الصاروخ - التي عثر عليها قرب مكان الحادث - تحمل آثار طلاء الطائرة الجزائرية.
فالمتهم الأول في الحادث إذاً هو العراق، بناء على القرائن السابقة. وتكون السلطات العراقية اعترفت بذلك، مع تفسير الحادث بالخطأ غير المقصود، من باب الاعتقاد بأن الطائرة إيرانية، لتحليقها عمليا في منطقة حرب.
والسؤال الجوهري الذي يفرض نفسه في هذا الصدد هو: هل أن الخطأ فعلا غير مقصود؟ أم كان "خطأ مبرمجاً"؟!
ضحية مبكرة.. لمعركة احتواء بن جديد؟!
عقب تأكد حادث الطائرة ومقتل جميع ركابها، اجتمع المكتب السياسي لجبهة التحرير الوطني في ساعة مبكرة من يوم الثلاثاء 4 ماي 1982، وأصدر بيانا مما جاء فيه: "ستظل الجزائر دائما وفية لمبادئها، حريصة على تحمل مسؤولياتها بكل أمانة ونزاهة، مهما كانت المؤمرات، ومهما كانت التضحيات".
وبعد سنتين من الحادث أصدر الرئيس المناضل البشير بومعزة كتابا بعنوان "لا أمير ولا آية الله"، ضمنه ملحقا عنوانه: "من برندوت(5).. إلى بن يحيى".
وأخيرا بمناسبة الذكرى الثلاثين لهذا الحادث الأليم، اعتبر عضو في لجنة التحقيق الجزائرية (6) الموضوع "لغزا.. بدون حل"!
نسوق مثل هذه الإشارات، لأنها تؤكد باختصار أن احتمال الخطأ المبرمج قوي، بل قوي جدا، كما توحي بذلك ألفاظ "المؤامرات" و"برندوت"، "ولغز"... إلخ، وهي إيحاءات تستبعد أول وهلة فرضية "الخطأ غير المقصود".
طرح الرئيس بومعزة في ملحقه السؤال التقليدي في مثل هذا الموقف: "من المستفيد من الجريمة؟"، واجتهد انطلاقا من قناعاته في محاولة البحث عن إجابة عنه (7). ونحاول بدورنا البحث عن إجابة، انطلاقا من فرضية "الخطأ المبرمج" التي تعرض نفسها بإلحاح في هذا السياق.
كان التحالف الغربي بقيادة الولايات المتحدة أول من شجع نظام الرئيس صدام حسين - مباشرة وبواسطة "الأشقاء العرب" - على شن حرب وقائية على ثورة الخميني، بدون قضية واضحة، إذا استثنينا خسارة التحالف الغربي لموقع هام في حصار الاتحاد السوفياتي - بسقوط نظام الشاه مطلع 1979 - وهاجس عدوى الثورة بالمنطقة ومن ورائها "المد الشيعي".
للتذكير فإن "اتفاقية الجزائر" الموقعة بين الشاه وصدام على هامش قمة منظمة البلدان المصدرة للبترول في ربيع 1975، كانت قد توصلت إلى تسوية مرضية لمشكلة الحدود بين البلدين، لا سيما بمنطقة "شط العرب". وأكثر من ذلك أراحت هذه الاتفاقية العراق الشقيق من مشكلة مزمنة: مشكلة الأكراد بقيادة الملا البرزاني الذي اضطر إلى طي خيامه فورا، واللجوء إلى صُنّاعه بعيدا عن المنطقة.
كان الهدف إذاً من حرب صدام الوقائية على نظام الخميني أن يكسر شوكته، أو يعجل بسقوطه، أو يمكّن فلول نظام الشاه من تنظيم صفوفها، واستغلال عملية إضعاف النظام الجديد للانقضاض عليه، لذا كان التخطيط منذ البداية أن تطول الحرب، إلى أن تحقق أهدافها بكيفية أو بأخرى - بما في ذلك إضعاف نظام صدام نفسه لفائدة إسرائيل والوجود الغربي في الوطن العربي بصفة عامة.
في هذا السياق لا يمكن للوساطة الجزائرية أن تكون محبذة ولا مرغوبة من أمريكا وحلفائها، وأحرى وأولى أن تنجح هذه الوساطة في وقف عجلة حرب مدمرة بلا قضية، حرب لا يمكن إلا أن تكون وخيمة العواقب على التضامن العربي الإسلامي، وعلى القضايا المشتركة خاصة بدءا بالقضية الفلسطينية.
لكن ترى لماذا التمس الرئيس صدام وساطة الجزائر، بعد أن كان يرفض في بداية "حربه الوقائية" أية وساطة عربية رفضا قاطعا؟
هناك احتمالان لهذا الإلتماس:
1 - أن يكون صدام استجاب في ذلك لمحيطه الوطني الذي كان يقدر ربما منذ البداية، أن لا معنى للحرب على إيران، ولا جدوى ترجى منها للعراق ؛ بل لا يمكن أن يجني منها غير الدمار البشري والمادي.
2 - أن يكون ذهب ضحية عمل تضليلي من محيطه الذي كان على صلة بحلفائه الظرفيين - من الأمريكان وغيرهم - لاستبعاد وساطة الجزائر بالذات، عن طريق جريمة "الخطأ المبرمج" لضرب عصفورين بحجر: المد في عمر الحرب لإنهاك قوات الخصمين قدر المستطاع، ووضع حد لتطفل الجزائر على شؤون كبار العالم، بدون كبير وزن على الصعيدين الاقتصادي والعسكري.
وهناك سؤال محرج كثيرا ما يخامر الأذهان دون التجرؤ على طرحه ألا وهو: أليس هناك دور جزائري ما في هذا "الخطأ المبرمج"؟!
لا شك أن هناك خطأ في تقدير خطورة التوسط ذاته، وانعكاسات النجاح المحتمل فيه على استراتيجية المد في عمر الحرب، بالنظر إلى أهمية النتائج المترتبة على ذلك لصالح إسرائيل والتحالف الغربي عامة. فشخصية محمد الصديق بن يحيى وكفاءته فضلا عن خبرته ومهارته في إدارة الملفات المعقدة تؤهله للنجاح في مهمته التي تستند كذلك إلى رصيد الجزائر لدى كل من العراق وإيران، نتيجة تدخلها الموفق من خلال اتفاقية الجزائر، وحل مشكلة الرهائن الأمريكيين مطلع 1981.
وهناك أيضا خطأ واضح في خط سير الطائرة الذي اختار عبور المجال الجوي التركي إلى إيران من نقطة قريبة من فضاء الاقتتال الجوي: مقاطعة الموصل شمال غرب العراق، ومن شأن هذا الخطأ أن يسهل بكل تأكيد تنفيذ "الخطأ المبرمج" في نقطة مثالية.
والسؤال المحرج - الأخير - المتولد عن مثل هذه الأخطاء الخطيرة هو: هل أن مثل هذه الأخطاء نتيجة جهل وغفلة؟! أم ثمرة تدبير وتآمر؟!
- كان الفقيد سليمان هوفمان وهو شخصية أمنية معروفة ومن رجال المهام الصعبة في عهد الرئيس - بومدين - كان من الذين يرجحون الشطر الثاني من السؤال.
- ولعل أكبر ما يرجح هذا الافتراض التحولات الخطيرة التي تعيشها الجزائر منذ مطلع الثمانينات من القرن الماضي، تعطيل حركة التنمية الشاملة وضرب استقرار البلاد.
هذه الانتكاسة الخطيرة يلخصها الوزير الوسيط الأممي لخضر الإبراهيمي في ملاحظتين:
- أن المؤشرات الاقتصادية لجزائر بداية السبعينات من القرن الماضي كانت أحسن من مؤشرات كوريا الجنوبية.
- أن الجزائر مضت خطوات في مجال الإعلام الآلي، في وقت لم تكن الهند تهتم بعد بهذا القطاع التكنولوجي الحيوي! فأين الجزائر اليوم من كوريا والهند؟!
وبناء على المعطيات الأخيرة، يمكن أن نستنتج بأن الفقيد بن يحيى ذهب ضحية تآمر داخلي أيضا: تآمر مبني منذ رحيل بومدين على احتواء الرئيس بن جديد، واتخاذه غطاء لتعطيل حركة التنمية الشاملة التي كان نجاحها - شبه المؤكد - يعني باختصار ظهور دولة مصنعة في الحوض الغربي للبحر المتوسط، وما يمكن أن ينجر عن ذلك من تغييرات سياسية وجيواستراتيجية.
وبعبارة أوضح: إن تمرير المشروع المضاد لاختيار التنمية الشاملة - بقاطرة صناعية - باحتواء الرئيس بن جديد، كان يستوجب تحييد أهم رموز مرحلة بومدين بطريقة أو بأخرى.. واللجوء إلى التصفية الجسدية مع الفقيد يعني أنه كان عقبة رئيسية في طريق مشروع الاحتواء وما بني عليه.. أي أخطر من رموز أخرى أمثال: عبد السلام، يحياوي، طالب، لخضر الإبراهيمي، آيت شعلال، نايت بلقاسم، وهلم جرا...
(انتهى)
(*) طالع الحلقتين 1 و2 في عددي 30 ماي و6 يونيو 2012 من "الفجر".
1 - بومعزة، "لا أمير ولا آية الله.." منشورات "كان" باريس 1984 (بالفرنسية).
2 - محمد الصالح دمبري وزير الخارجية الأسبق في منتدى "المجاهد" بمناسبة الذكرى ال30 لرحيل بن يحيى.
3 - من محافظة الموصل المتاخمة للحدود التركية
والإيرانية.
4 - قائمة الضحايا:
- من الخارجية: أحمد بغلي، سعد الدين بن ونيش، محند لونيس، عبد القادر بالعزوڤ.
- من التجارة: سليم خلادي.
- من الطاقة: محمد رضا بن زاغو.
- من النقل: عبد الحميد طالبي.
- من البنك المركزي: محمد بوسخواد.
- من وكالة الأنباء: مولود آيت قاسي.
- طاقم الطائرة: النقيب لخضر عبد المومن، النقيب مصطفى سياحي، الملازم عبد المومن معتوقي، المضيفة فتحية سيبان.
5 - وسيط أممي قتله الصهاينة لأن السلم لا يحقق طموحاتهم التوسعية.
6 - الزبير برارحي، صحيفة "الوطن"، 3 مايو 2012.
7 - في محاولة بومعزة الجواب عن سؤال "من المستفيد من الجريمة؟" قدم فرضيتين:
- الضربة كانت من
إيران بمساعدة سوريا.
- الضربة من المخابرات الإسرائيلية، مع عناصر
إيرانية في سلاح الجو.
شهادة دحلب في بن يحيى
بعد منتصف ليلة 19 مارس 1962 وكنت أتأهب للنوم - بفندق الوفد
الجزائري في لوزان - جاءني بن يحيى يخبرني بقدوم "الخمسة" (*)، مرفوقين بسفير الغرب في باريس محمد الغزاوي والخطيب مدير الشرطة المغربية.
.. بعد التحية هممت بالعودة إلى الغرفة، فلحقني بن بلة وضمني إليه بقوة هامسا في أذني: "لقد أعجبت بجهودك (في المفاوضات)، لذا أعرض عليك أن تعمل معي"! لم أجب في الحين، ولما ارتميت على السرير بقيت أفكر قرابة الساعة، ومر بذهني ما كان يشاع حول خلافات "الخمسة" وكنت قبل ذلك قد سألت بن يحيى - الذي زارهم في السجن - عن قدراتهم كرجال دولة مرشحين لخلافة الحكومة المؤقتة، وكنت أثق في حكمه على الأشخاص والأحداث، فأكد لي أنهم أهل لذلك.
لكن ما سمعت من بن بلة جعلني أراجع الصورة، تماما مثل فعل بن يحيى الذي أكد لي أنهم كانوا يتظاهرون أمامه بقصر "أونوا" في صورة مختلفة كل الاختلاف.
(1) يقصد القادة السجناء: بن بلة، بوضياف، بيطاط، خيضر، آيت أحمد.