مفهوم المجتمع المدني

إنضم
14 يناير 2008
المشاركات
1,144
التفاعل
367 0 0
أن الأساسي بالنسبة لمفهوم المجتمع المدني ليس هو فقط جانبه المؤسساتي، بل بالخصوص القيم والأخلاقيات والثقافة المدنية التي يساهم في نشرها داخل الجسم الاجتماعي بحيث تتحول إلى معايير وأسس تحكم السلوكيات وتوجهها.
مقدمة :
يستهدف هذا المقال، التأريخ لمفهوم المجتمع المدني، عبر مراحل ومحطات فكرية أساسية، ساهمت في بلورة وتشكيل معالمه ومحدداته الرئيسية. وهو لا يدعي بأي حال من الأحوال، الإحاطة الشاملة والكاملة بكل المقتضيات المعرفية والتاريخية المرتبطة بهذا المفهوم. فتلك غاية لا يستطيع باحث واحد ولا مقال بهذا الحجم تحقيقها. لذلك كان التقيد بمنهج صارم وخطة محكمة، الضامن الوحيد، بالنسبة لنا، لنجاح هذه المحاولة التركيبية التي نزعم القيام بها. أما عناصر هذه الخطة فنجملها فيما يلي:
1 ـ التركيز على أبرز الدلالات والمعاني التي استعمل بها مفهوم المجتمع المدني، دون الاهتمام بمساءلتها، أو ربطها وتفسيرها بسياقاتها التاريخية والاجتماعية.
2 ـ حصر مجال البحث في الفلسفة السياسية الغربية ممثلة في: نظرية التعاقد أولا، ثم في الفكر السياسي الهيجلي والماركسي والغرامشي ثانيا، مع الانفتاح في الأخير على التداول السوسيولوجي المعاصر للمفهوم.
3 ـ الابتعاد عن كل محاولة لمقاربة المفهوم انطلاقا من مرجعية فكرية عربية إسلامية، وذلك لما يثيره هذا المسعى، من إشكالات وقضايا، لا نعتبر أن هذا المقال، يشكل إطارا مناسبا لمعالجتها.
وهكذا فإن محاولتنا التركيبية هذه ستكون عبارة عن حصيلة إجمالية لأهم دلالات مفهوم المجتمع المدني. ولا يخفى أن الدراسات والأبحاث الكثيرة المنشورة، سواء في المجلات العلمية المتخصصة، أو في أعمال الندوات قد حاولت فعلا مقاربة المفهوم، من وجهة نظر تاريخية. إلا أن أهم ما يعاب عليها في نظرنا هو:
1 ـ غياب المنظور الشمولي والتركيبي عند أصحابها، فهم غالبا ما يركزون على مرجعية واحدة دون غيرها.
2 ـ الاختزال الشديد للمواقف والأطروحات، التي عبر عنها فلاسفة ومنظرو فكرة المجتمع المدني.
3 ـ الخوض في إشكالات فرعية عديدة، يفقد هذه الأبحاث في الأخير القدرة على ضبط الخيط الناظم الذي يحكم نشأة وتطور مفهوم المجتمع المدني في سيرورته العامة.
إن هذا المقال سيكون قد حقق هدفه، إذا ما تمكن من أن يتجاوز، ولو جزءا صغيرا من هذه العيوب، خاصة وأن المفهوم الذي نؤرخ له، يواجه في الأوضاع الراهنة لمجتمعاتنا، تحديات ورهانات متعددة بل ومتعارضة، بعضها معرفي فكري وبعضها الآخر سياسي تاريخي.
مفهوم المجتمع المدني في الفلسفة السياسية الغربية:
يسود الإجماع بين مختلف الباحثين في مجال الفكر السياسي، على اعتبار التجربة التاريخية التي مرت بها المجتمعات الأوروبية في القرنين 17 و18، خاصة في فرنسا وإنجلترا، وكذا الأفق الثقافي والفكري الجديد الذي ساهم فلاسفة عصر الأنوار في رسم معالمه الأساسية، بمثابة الإطار العام الذي احتضن ظهور فرضية المجتمع المدني لأول مرة، بكيفية واضحة ومتميزة. ومن المعلوم أن أهم نتيجة تمخضت عن هذه التجربة التاريخية، على المستوى الفكري، وعلى مستوى فلسفات الحكم السياسية، هو ما يعرف بنظرية التعاقد. وهي نظرية قعد لها، وأرسى مبادئها الأولى، مفكرون كبار، أهمهم: توماس هوبز وجون لوك في إنجلترا، وجان جاك روسو في فرنسا.
أهم ما حاولت هذه النظرية أن تقوم به، هو نقد وتجاوز نظرية الحق الإلاهي للملوك، التي كانت تستمد مشروعيتها من حقل القداسة (الدين المسيحي والمؤسسة الكنسية). وبطبيعة الحال، فإن هذه النظرية كانت تمثل إلى حدود الفترة التي ظهرت فيها فلسفة عصر الأنوار أساس الحكم بالنسبة للدولة الأوروبية. غير أن الأطروحة الأساسية التي ستدافع عنها نظرية التعاقد، هي أن انتقال المجتمعات المتحضرة من "حالة الطبيعة"، كيفما كانت الفرضيات الفلسفية الواصفة لها، إلى "حالة المجتمع" أو "الثقافة" أو "الدولة"، تم بموجب اتفاق حر وإرادي بين الناس، من أهم نتائجه التوقف عن الاحتكام إلى قانون "الحق الطبيعي"، الذي يتأسس على مبدأي القوة والشهوة. لأنه لا يحضر على الشخص إلا الأشياء التي لا يرغب فيها، أو لا يستطيع القيام بها. فالنزوع إلى الكراهية والغضب، والخداع والنفاق، والقوة والاستبداد، أمور مبررة بحكم القواعد التي تنتظم وفقها طبيعة كل فرد، بل نظام الطبيعة في حد ذاته والدعوة إلى ممارسة الحكم، على أساس الإرادة العامة أو إرادة الكل، التي يمكن أن تتجسد على شكل مجالس منتخبة، خاصة في المنظور الذي دافع عنه جون لوك.
إن هذا التصور الأولي لنظرية التعاقد، لا ينفي وجود بعض الاختلافات بين منظريها الثلاثة. فلقد كان الهم الأساسي عند توماس هوبز، هو الإسراع بتجاوز حالة الطبيعة كيفما كان الثمن، خاصة وأن الشرور الناتجة عنها، تهدد السلم الاجتماعي، والاستقرار السياسي، الضروريان معا، لكل نشاط اقتصادي وعمران بشري. أكثر من اهتمامه بمساءلة نموذج التعاقد الذي يجب أن يسعى إليه الأفراد. لذلك سيعتبر أن تنازل الإرادات الخاصة والمتعددة عن حقوقها الطبيعية إلى طرف ثالث يمثله شخص واحد أو جمع من الناس، تنتج عنه سلطة كاملة مطلقة، لا يمكن ولا يجوز الاعتراض عليها بأي شكل من الأشكال. فهو يشبه هذه السلطة تارة بالتنين، ذلك الحيوان الأسطوري الضخم، وتارة أخرى بالساعة الكبيرة التي تسعى إلى التحكم وضبط سلوك الأفراد…الخ. وهي كلها مجازات القصد منها ترسيخ الصورة الجديدة لمفهوم الدولة. هذا في الوقت الذي حاول فيه كل من جون لوك وجان جاك روسو التركيز بالخصوص على الغايات والأهداف البعيدة لفلسفة التعاقد، وهي الحماية والمحافظة والدفاع عن الحقوق الأساسية للفرد المواطن، خاصة حق الحياة، وحق الحرية، وحق الملكية الفردية. لذلك فإن السلطة السياسية للدول والحكومات الناشئة عن نظرية التعاقد، ليست سلطة مطلقة في نظر الفيلسوفين، بل هي مقيدة بشرط أساسي، وهو استخدامها من أجل خير وأمن واستقرار المجتمع الجديد، الذي لم يقبل أفراده التخلي عن سلطتهم الطبيعية، لطرف ثالث محايد، إلا به.
في هذا المناخ الفكري العام إذن، وفي هذه المساءلة الفلسفية للنماذج والتجارب التاريخية في الحكم، ظهر مفهوم المجتمع المدني، وانتشر استعماله حتى أضحى بديهية من بديهيات المعجم السياسي. فلقد استخدمه جون لوك على الأقل في الموضعين التاليين من كتابه رسالة في الحكم المدني:
"حيث يؤلف عدد من الناس جماعة واحدة، ويتخلى كل منهم عن سلطة تنفيذ السنة الطبيعية التي تخصه، ويتنازل عنها للمجتمع، ينشأ عندنا آنذاك فقط، مجتمع سياسي أو مدني".
"إن الذين يؤلفون جسدا واحدا، ويمتلكون قانونا عاما، ويمكنهم العودة إلى قضاة يمتلكون السلطات الضرورية لرفع المظالم ومعاقبة المجرمين، هؤلاء يشكلون مجتمعا مدنيا". كما استخدمه جان جاك روسو في كتاب العقد الاجتماعي بارتباط وثيق مع مفهوم الملكية الفردية حين تحدث عن الواقعة الافتراضية التالية: "في اليوم الذي عن فيه لإنسان ما أن يسور أرضا ويقول: هذا لي. ثم إنه وجد أناسا كانوا من السذاجة والبساطة بحيث أنهم صدقوه. في ذلك اليوم كان ذلك الإنسان هو المؤسس الفعلي للمجتمع المدني". أما عند هوبز فإننا نجد الإشارة التالية التي تؤكد ربما ارتباط المفهوم بل وتداخله مع نظرية التعاقد ذاتها. فهو يعتبر أن "أصل المجتمع المدني هو ضرورة الخروج من الصراع اللامتناهي الذي يتولد عن قانون "حالة الطبيعة" أي عن حق كل شخص في أن يفعل ما يظهر له أنه مناسب لحماية نفسه". وهكذا يتبين أن دخول الأفراد تجربة المجتمع المدني، دخول طوعي هدفه الأساسي الحفاظ على حقوقهم المتساوية، التي كانوا يتمتعون بها في ظل القانون الطبيعي. على أن تتكلف سلطة قوية تتموقع فوق الجميع بحماية هذه الحقوق وتسهيل ممارستها. فيكون بذلك التزام الأفراد بطاعة هذه السلطة والخضوع لها بمثابة المقابل الضروري لنجاح السلطة (الدولة) في القيام بوظيفتها.
فما هي الدروس والخلاصات الأساسية الناتجة عن هذا التصور التعاقدي لمفهوم المجتمع المدني، سواء على المستوى الفكري أو السياسي؟
أول هذه الدروس، هو إلحاح أغلب فلاسفة عصر الأنوار على ارتباط الظاهرة المدنية بمبدأ الملكية الفردية، الذي كان يدافع عنه في نفس الفترة تقريبا، المنظرون الأوائل للاقتصاد الليبرالي، والبورجوازية الصاعدة، خاصة آدم سميث في كتابه بحث في أسباب ثروات الأمم. وهذا يعني أن المجتمع المدني، كممارسة يومية، وكخيار اجتماعي ورهان سياسي، ضد الدولة الشمولية، الدولة الراعية والموجهة لفعاليات البشر. كما يعني أن دور القطاع الخاص المنظم والقوي، كحام فعلي لهذا المجتمع، دور حاسم وأساسي.
وثاني هذه الدروس، هو المنظور الاستثنائي الذي عبر عنه هوبز، بكيفية ميزته عن باقي فلاسفة عصر الأنوار. ففي التحليل الأخير الذي تبناه، يمكن القول إنه طابق في النهاية بين الدولة والمجتمع المدني. بحيث يستحيل الفصل بينهما. وهذا ما يقلل من إسهامه في بلورة الحقل الخاص بهذا المفهوم. أما الدرس الثالث، فهو اغتناء المعجم السياسي، بمفاهيم حديثة، لم يطرأ على استعمالها أي تغيير جوهري يذكر إلى الآن، كمفهوم المواطن في الصياغة الإسبينوزية له، وكمفهوم الديموقراطية وحقوق الإنسان، والسيادة والإرادة العامة والحقوق المدنية، والاجتماع المدني…الخ.
يمكن إذن، أن نلخص إسهام نظرية التعاقد الاجتماعي في التأسيس لمفهوم المجتمع المدني، في ذلك التركيز على ثلاثة حدود أو قيم كبرى، حولت بكيفية جذرية آفاق التفكير في مسألة السلطة وفي السياسة، وفي أنظمة الحكم التي تبنتها الدول الأوروبية. هذه القيم هي:
ـ قيمة الفرد المواطن: وهي قيمة عليا مطلقة، لأن حقوق الفرد في الفلسفة والمنظور التعاقدي حقوق مقدسة، خاصة حق الحياة وحرمة الجسد والملكية، وحرية التفكير.
ـ قيمة المجتمع المتضامن: المتميز بقدرة أفراده على الالتزام بالمقتضيات الأخلاقية والقانونية الضرورية لتأسيس الجماعة المدنية.
ـ قيمة الدولة ذات السيادة: وهي سيادة لا يتم بلوغها إلا إذا اعترف المجتمع بها، واعتبر السلط والحقوق الناتجة عنها حقوقا مشروعة مقبولة.
إن توفق نظرية التعاقد مع فلاسفتها الثلاثة الكبار في رسم المعالم الأساسية لمفهوم المجتمع المدني، سيكون له الأثرالعميق فيما بعد في تحول بعض المفكرين للانشغال كلية بقضايا المجتمع المدني وحقوق الإنسان. بحيث سيظهر في إسكتلندا مثلا، سنة 1767 كتاب مقال في تاريخ المجتمع المدني لآدم فريجسون. تتلخص أطروحته الرئيسية في اعتقاد صاحبه بأن كل المجتمعات البشرية مرت بمسار حضاري طبيعي، يتجلى في ذلك الانتقال التدريجي من الأشكال الخشنة للحياة الوحشية البربرية إلى مجتمع متحضر متمدن. أهم علامات تحضره، انتشار المبادلات التجارية، وتطبيق مبدأ تقسيم العمل، وظهور التكثلات الصناعية الحرفية واليدوية… كما سيظهر في نفس السياق، كتاب توماس بين حقوق الإنسان Rights of Man سنة 1791، حاملا لدعوة تقليص هيمنة الدولة لصالح المجتمع المدني، الذي يحب أن يدير بنفسه شؤونه الذاتية. مدافعا في نفس الوقت، عن مبدأ حكومة بسيطة غير مكلفة، ولا تقتضي فرض ضرائب كثيرة، تصبح فيما بعد سببا في تفجير ثورات وحروب غير مجدية.
إلا أن المثير للانتباه حقا في هذا الصدد، هو أن كل المجهود التنظيري الضخم الذي بذله فلاسفة عصر الأنوار، لن يجد له صدى في التفكير السياسي الهيجلي والماركسي، خاصة ما يتعلق منه بفرضية المجتمع المدني. ففي كتاب مبادئ فلسفة الحق، سيعتبر هيجل أن مفهوم المجتمع المدني في صياغته التعاقدية قاصر على تحقيق أمن الأفراد وعلى حماية مصالحهم الخاصة، فضلا عن المصالح العامة للدولة. ولعل السبب في ذلك يرجع حسب هيجل إلى ما تتميز به مكونات هذا المجتمع من تمزق شديد، وتناقض في المصالح المادية والطبقية، وتصارع في الرؤى والغايات. بحيث يستحيل الوصول إلى استقرار سياسي ضروري لتحقيق التقدم والتطور الحضاري اعتمادا على هذا المجتمع. لذلك سيميل هيجل إلى تفضيل الدولة على المجتمع المدني، بل وسيذهب إلى تبني مفهوم خاص لها، بموجبه ستمثل ذلك الجوهر والأصل، وذلك المنبع والمصدر الذي يكاد يتحكم تحكما شموليا في جميع الفعاليات الإنسانية، سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية، بل وحتى ثقافية.

هناك من يفسر هذا الميل الهيجلي بالسياق الخاص بهذا الفيلسوف الذي كان منشغلا بالبحث عن دولة قوية قادرة على تجاوز التأخر التاريخي والهوة الفاصلة بين الدولة الألمانية ومثيلاتها من الدول الأوروبية، التي كانت قد أنجزت ثوراتها الأولى، خاصة في فرنسا وإنجلترا. ولكن هذا الاعتراض لا يمنع مع ذلك من ملاحظة وتسجيل التصور السلبي والنظرة المتعالية التي استقبل بها مفهوم المجتمع المدني في الفلسفة السياسية الهيجلية.
على أن هذه النظرة لا تعني التهميش الكلي والرفض المطلق للمفهوم. فمن المعروف أن هيجل جعل المؤسسات المدنية تحتل موقعا وسطا بين مؤسسة العائلة من جهة أولى، ومؤسسة الدولة من جهة ثانية. تتركز وظيفتها الرئيسية في الإنتاج الاقتصادي وإشباع الحاجيات المادية وتبادل الخيرات والمنافع. على أن تتحمل ذلك طبقة بورجوازية صاعدة، يجب تشجيعها باستمرار. ولم يفت هيجل أن يلاحظ ما يمكن أن ينتج عن هذا التوجه الليبرالي من آثار سلبية، كإنتاج التراتبيات الطبقية، والتهميش الاجتماعي والفقر. لذلك سيلح على دور الدولة في مراقبة وضبط جموح المجتمع المدني، في نفس الوقت الذي يجب عليها أن تساعد على خلق تكثلات واتحادات وطوائف تعمل دائما على مقاومة هذه النتائج السلبية، وذلك بتقديمها لخدمات اجتماعية في مجال التعليم والصحة والعمل. بحيث نعود هكذا إلى أطروحة الدولة المطلقة، الدولة المثل الأعلى، ذلك الثابت الروحي والعقلاني، الراعي للنظام والانسجام، والمحافظ عليه.
أما بالنسبة لماركس، فقد استعمل هذا المفهوم لأول مرة سنة 1843 في مؤلفات الشباب، وذلك بمعنى قريب من المعنى الذي استعمله به هيجل. وذلك راجع لتأثر ماركس الشديد في هذه الفترة بهذا الفيلسوف. على أن الموقع الأخير لهذا المفهوم في المنظور الماركسي الناضج، لن يتحدد إلا بعد تمكن ماركس من بناء نسقه النظري بكيفية تامة مع كتاب رأس المال. ففي هذا الكتاب، وفي ذلك التمييز الكلاسيكي بين البنية التحتية والبنية الفوقية، سيعتبر المجتمع المدني مكونا أساسيا من مكونات البنية الأولى، وذلك لأنه يمثل القاعدة المادية للدولة خاصة على المستوى الاقتصادي والإنتاجي. ومن ثمة فدوره حاسم في تحديد طبيعة البنية الثانية بما فيها من نظم وحضارة ومعتقدات وأنظمة حكم. هذا فضلا على أنه يمثل إحدى أهم مستويات وتمظهرات الصراع الطبقي الذي تحدث عنه ماركس طويلا، وذلك بسبب التناقضات التي تميز المصالح المادية لمكونات هذا المجتمع عادة.
إن الشائع بالنسبة للدراسات والأبحاث التي حاولت تقييم الإسهام الماركسي بخصوص فرضية المجتمع المدني، هو التركيز على ضعف هذا الإسهام وتواضعه. ولعل هذا الحكم صحيح إلى حد ما، إذا ما استحضرنا الآفاق الفكرية والإشكالات الفلسفية والسياسية التي كانت توجه التفكير الماركسي. ففكرة المجتمع المدني، في نهاية الأمر، فكرة تطورت في حضن الفلسفة السياسية الليبرالية. وماركس نفسه فضل استعمال مفاهيم أخرى، ارتأى أنها أقدر على تحليل المجتمع وفهم آليات ومنطق اشتغاله. غير أن هذا التوجه لم يمنع مع ذلك مفكرين آخرين تبنوا التحليل الماركسي جملة وتفصيلا من إعادة الاعتبار لهذا المفهوم، بل ومن إعطائه أبعادا جديدة ودلالات مغايرة. وهذا بالضبط ما سيقوم به الفيلسوف والمفكر الإيطالي أنطونيو غرامشي، ابتداءا من سنة 1920.
مفهوم المجتمع المدني: الأصول الأولى والامتدادات اللاحقة
I – نظرية التعاقد: الأهداف
لوك روسو هوبز
ـ حفظ الحياة ـ الوصول إلى التزام ـ ضرورة الخروج
ـ حفظ الحرية حر وطوعي وإرادي من حالة الطبيعة
ـ حفظ الملكية بين الأفراد. وتجاوز آثارها
ـ طاعة السلطة المدمرة.
السياسية ما دامت السلطة ملتزمة بحماية حقوق الأفراد على أساس قوانين مشروعة متفقا عليها
ـ تجاوز المنظور الديني،الكنسي للدولة.
ـ وضع اللبنات الأولى للمنظور السياسي الليبرالي.
ـ وضع اللبنات الأولى للحداثة السياسية.
II – الامتدادات
الإيجابية السلبية
ـ آدم فرجسون: كتاب مقال ـ هيجل: المجتمع المدني كمجال للإنتاج في تاريخ المجتمع المدني الاقتصادي مليء بالتناقضات في حاجة
ـ توماس بين: كتاب حقوق دائمة إلى الدولة.
الإنسان. ـ ماركس : المجتمع المدني هو فقط مكون من مكونات البنية التحتية، ومظهر من مظاهر الصراع الطبقي.
مفهوم المجتمع المدني في فكر غرامشي السياسي:
لم يكن اهتمام أنطونيو غرامشي بمفهوم المجتمع المدني غاية في ذاته. بل كان مندرجا في إطار إشكالية أعم وأشمل، تتعلق بالبحث في كيفية تحقيق الثورة الاشتراكية في دولة غربية رأسمالية هي إيطاليا، في النصف الأول من ق20. لذلك سيعمل هذا الماركسي المجدد، على استنطاق التجربة الروسية، القريبة منه من الناحية التاريخية، وذلك بطرح التساؤل الرئيسي التالي عليها: ما هي الشروط والعوالم والأسباب التي ساعدت الطبقة العمالية في هذا البلد على الاستيلاء على السلطة؟ وهل اختلاف بنياته الاجتماعية والاقتصادية وكذا منظومة قيمه الثقافية عن مثيلاتها في إيطاليا، سيؤدي حتما إلى تغيير وتعديل الاستراتيجية العامة للثورة؟
في سياق التفكير الغرامشي في هذه الأسئلة وغيرها، سيرد لأول مرة تعبير المجتمع المدني. يقول غرامشي: يعود سبب انتصار الثورة في روسيا سنة 1917 إلى أن الدولة كانت تمثل كل شيء هناك تقريبا، مقابل هلامية وضعف المجتمع المدني. ومن ثمة كانت السيطرة على الدولة تقتضي السيطرة على المجتمع السياسي فقط (ما يسميه غرامشي بحرب الحركة Guerre de mouvement). بينما نجد الدولة في الغرب متلاحمة مع المجتمع المدني، الذي يقوم بمراقبتها وحمايتها في نفس الوقت. وهذا يعني أن استراتيجية تحقيق الثورة والوصول إلى السلطة، ينبغي تطويرها وتغييرها بما ينسجم والأوضاع الجديدة للدولة الأوربية الرأسمالية. بحيث ستقوم هذه الاستراتيجية أساسا على الهيمنة الإيديولوجية على مكونات المجتمع المدني بواسطة استخدام المثقف العضوي أو الجمعي لإنتاج رأسمال رمزي مضاد، مستعينا في ذلك بمؤسسة النقابة والحزب والمدرسة والكنيسة والإعلام.. (ما يسميه غرامشي بحرب المواقع-Guerre de positions). هذه الهيمنة، إذا ما كتب لها النجاح، فإنها ستسهل السيطرة على المجتمع السياسي، وبالتالي على الدولة.
إن المثير للانتباه في هذا الجواب الغرامشي هو صدوره عن مفكر ماركسي ومؤسس حزب شيوعي. وكلنا يعلم الدور الهامشي الذي خص به ماركس مفهوم المجتمع المدني. غير أن قدرة أنطونيو غرامشي على التعامل مع الوقائع المحلية والخصوصيات الوطنية للمجتمع الإيطالي هو الذي مكنه من تطوير النموذج النظري الماركسي في صيغته الكلاسيكية. بحيث سيكون أبرز معالم هذا التجديد هو المعجم السياسي الذي استعمله غرامشي لأول مرة، وكذلك نظريته العامة حول السلطة والدولة.
فبالنسبة للمعجم السياسي، نقتصر على ذكر المفاهيم التالية على سبيل التمثيل لا الحصر: الهيمنة في مقابل السيطرة، حرب الحركة في مقابل حرب المواقع، المثقف العضوي في مقابل المثقف التقليدي.
وبالنسبة لنظريته العامة حول السلطة، نجد أن غرامشي قد أشار في بدايات القرن العشرين إلى تلك الازدواجية التي تميز سلوك الدولة تجاه المجتمع. وهي الازدواجية التي ستصبح كلاسيكية منذ صدور الدراسة الهامة للوي ألتوسير في كتابه مواقف بعنوان (الإيديولوجيا والأجهزة الإيديولوجية للدولة). ففي هذا الكتاب سيبين ألتوسير كيف أن الدول في المجتمعات المعاصرة تفرض مشروعيتها بالاعتماد على آليات للعنف المادي من جهة أولى، وآليات للعنف الرمزي من جهة ثانية. وفي هذا المستوى الثاني، يصبح للإيديولوجيا قيمة كبرى، ودور محفز ودافع بالنسبة لكل تحول سياسي. لذلك سيتخذ مفهوم الإيديولوجيا عند غرامشي معنى إيجابيا وليس سلبيا كما هو الشأن عند ماركس. فهي "مفهوم للكون، يتجلى عبر الفن، والقانون، والنشاط الاقتصادي، وكل تمظهرات الحياة الفردية والجماعية". بل أكثر من ذلك، سيشكل اهتمام غرامشي بمسألة الإيديولوجيا، خاصة الإيديولوجيا المضادة (الثورية) التي يقوم المثقف العضوي والجمعي بإنتاجها، سببا في اهتمامه بمسألة الهيمنة كاستراتيجية حتمية لكل مشروع يستهدف تغيير طبيعة الدولة وطبيعة العلاقات الاجتماعية والاقتصادية. فهو يعرف الهيمنة بأنها موقع في الصراع الاجتماعي، لأن في كل المجتمعات تقريبا توجد طبقة سائدة تمارس الهيمنة عبر المجتمع المدني، والسيطرة عبر المجتمع السياسي. كما توجد طبقات خاضعة تحاول طليعتها الثورية أن تشكل هيمنة جديدة مضادة (Contre-Hégémonie)، لها فكرها وأخلاقياتها وفعلها الجديد، سواء على المستوى السياسي في المجال البرلماني والحزبي، أو على المستوى الاقتصادي في مجال النقابة والمصنع، أو على المستوى الثقافي والاجتماعي (دعوى غرامشي إلى التعامل البناء والإيجابي مع الثقافة الشعبية والفولكلور).
إن الخلاصة الأساسية لهذا التصور الغرامشي لمفهوم المجتمع المدني هي ارتباطه بمجموع التنظيمات الخاصة بوظيفة الهيمنة، وانتماؤه، أو على الأقل تداخله مع البنية الفوقية، باعتباره مجالا للتنافس والصراع الإيديولوجي، لا التنافس الاقتصادي، كما هو وارد في النماذج التحليلية التي تبناها كل من هيجل وماركس. والخطاطة التالية، ستمكن من فهم وضبط الموقع الخاص الذي يحتله مفهوم المجتمع المدني في علاقته بمختلف المتغيرات والبنيات المتحكمة فيه، أو المتأثرة به.
غرامشي: موقع مفهوم المجتمع المدني
الدولة = المجتمع السياسي + المجتمع المدني = الدولة
السيطرة عن ... الهيمنة عن ...
طريق استعمال وسائل طريق إنتاج الإيديولوجيا
القهر المادي والخطاب الرمزي
ـ من خلال الشرطة/الجيش ـ من خلال المثقف العضوي
ـ من خلال أجهزة الدولة ـ من خلال المثقف الجمعي:
الإدارية والمالية الكنيسة+المدرسة+الإعلام
والاقتصادية والقضائية +الحزب+النقابة
...الخ. ...الخ.
السيطرة على المجتمع السياسي الهيمنة على المجتمع المدني
(حرب الحركة) (حرب المواقع)
مفهوم المجتمع المدني في السوسيولوجيا المعاصرة:
لم تتداول السوسيولوجيا بكيفية واضحة مفهوم المجتمع المدني إلا في العقود الثلاثة الأخيرة، خاصة مع ازدياد اهتمام علماء الاجتماع بمسائل السلطة والأحزاب والنخب السياسية… بحيث سيشكل هذا المفهوم عنصرا أساسيا، في كل الأبحاث التي سعت إلى اكتشاف منطق وآليات اشتغال الحقل السياسي، وبالتالي إلى بناء نظرية عامة للسلطة منسجمة ومرتبطة بأوضاع وتجارب اجتماعية معينة.
إن هذا الاهتمام المتزايد بالمجتمع المدني تجسده كثرة الدراسات التي استعملته. لذلك فإننا لا نستغرب إذا لم نجد ولو كتابا واحدا في السوسيولوجيا السياسية يهمل الإشارة إليه. سواء باعتباره مفهوما تفسيريا، أو باعتبار إحالته على مجال من الفعالية والنشاط البشري.
غير أن الملاحظة الأساسية على التداول السوسيولوجي لهذا المفهوم هي غلبة الصياغة الإجرائية عليه. وهي صياغة تستهدف تقليص حدة التعارضات والتناقضات في الحقل الدلالي للمفهوم، وذلك بالتركيز على القواسم المشتركة والعناصر الثابتة، التي ألح عليها أغلب من ساهموا في تأسيس وبلورة هذا المفهوم، خاصة في أصوله الفلسفية البعيدة. على أن ارتباط الصياغة الإجرائية للمفاهيم بالسوسيولوجيا أمر معروف ومتداول في هذا العلم، ولذلك عدة أسباب، نذكر منها:
ـ الفائدة المنهجية العظيمة لهذه الصياغة بالنسبة للباحثين الذين ينجزون تحليلات قطاعية خاصة بمجالات اجتماعية محددة. لأن المفاهيم كما تحيا في النظريات الكبرى غالبا ما تشكل عائقا أمام المقاربة الميدانية التطبيقية التي تفرض شروطا خاصة على الباحث وما يحمله من عدة منهجية.
ـ التأثير الذي مارسته النظرية الوظيفية الأمريكية على السوسيولوجيا، خاصة ونحن نعلم أن التداول الإجرائي للمفاهيم غالبا ما يستحضر الوظيفة التي يلعبها المفهوم بالنسبة للنسق الاجتماعي أو السياسي.
ـ الأهمية التي يوليها العلم الاجتماعي لمسألة ضبط مفاهيمه بأكثر ما يمكن من الدقة والوضوح. فالمشروعية العلمية هي أكبر رهان وتحد تواجهه أغلب العلوم الاجتماعية اليوم.
ليس الهدف بطبيعة الحال من وراء الإشارة إلى هذه الأسباب هو إبراز ضعف التأصيل النظري للمفاهيم السوسيولوجية، حين تتبنى الصياغة الإجرائية. بل على العكس من ذلك هو إثبات كيف أن هذه الصياغة تحقق غايتين هامتين. الأولى هي استلهام واستثمار التاريخ الطويل للمفهوم، خاصة إذا كان تاريخا غنيا من الناحية الدلالية. والثانية هو توفير جهاز مفاهيمي سهل الاستعمال منهجيا وقابل للتطبيق عمليا. بحيث يمكننا في الأخير من دراسة وفهم الظواهر الاجتماعية بأكثر ما يمكن من الوضوح والعمق. ومفهوم المجتمع المدني، كما تداولته السوسيولوجيا المعاصرة، يستجيب تماما لهدف الأوصاف النموذجية كما سنرى.
جاء في كتب السوسيولوجيا السياسية أن المجتمع المدني هو مجموع المؤسسات التي تتيح للأفراد التمكن من الخيرات والمنافع العامة، دون تدخل أو توسط الحكومة. وبذلك فإن الوظيفة الأساسية لهذا المجتمع إذا ما تمكن من الوصول إلى مرحلة التمأسس والتنظيم القوي والفعال، هي لعب دور الوساطة بين الفرد المواطن الأعزل والدولة القوية المطلقة السيادة. وهكذا فإن هذا التعريف يذكرنا بالطريقة التي فهمه بها هيجل.
انطلاقا من هذا التصور العام،سيعمل الباحثون في مجال العلوم الاجتماعية على الضبط الكمي والكيفي لمفهوم المجتمع المدني، سواء من ناحية القيم والأخلاقيات التي يدعو إليها، أو من ناحية المؤسسات والتنظيمات التي تجسد حضوره الفعلي داخل المجتمعات والدول. هكذا نجد الباحث حسنين توفيق إبراهيم يحدد هذا المفهوم باعتباره ممثلا "لمجموعة الأبنية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والقانونية التي تنتظم في إطارها شبكة معقدة من العلاقات والممارسات بين القوى والتكوينات الاجتماعية في المجتمع، ويحدث ذلك بصورة دينامية ومستمرة من خلال مجموعة من المؤسسات التطوعية التي تنشأ وتعمل باستقلالية عن الدولة".
نفس هذا المنحى ستتبعه أغلب الندوات والحلقات الدراسية واللقاءات الفكرية التي انشغلت ببحث الإشكالات المرتبطة بموضوع المجتمع المدني. وذلك من خلال إصرارها على الانطلاق من تعريف إجرائي، يشكل أرضية عامة مشتركة يناقش على ضوئها هذا الموضوع. مثال ذلك، الندوة الهامة التي نظمت في بيروت سنة 1992، والتي اقترحت التعريف التالي: "المجتمع المدني، المقصود في هذه الندوة، هو مجموع المؤسسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تعمل في ميادينها المختلفة في استقلال عن سلطة الدول لتحقيق أغراض متعددة، منها أغراض سياسية كالمشاركة في صنع القرار على المستوى القومي ومثال ذلك الأحزاب السياسية، ومنها أغراض نقابية كالدفاع عن المصالح الاقتصادية لأعضاء النقابة، ومنها أغراض مهنية كما هو الحال في النقابات للارتفاع بمستوى المهنة والدفاع عن مصالح أعضائها، ومنها أغراض ثقافية كما في اتحادات الكتاب والمثقفين والجمعيات الثقافية التي تهدف إلى نشر الوعي الثقافي وفقا لاتجاهات أعضاء كل جمعية، ومنها أغراض اجتماعية للإسهام في العمل الاجتماعي لتحقيق التنمية. وبالتالي يمكن القول أن الأمثلة البارزة لمؤسسات المجتمع المدني هي: الأحزاب السياسية-النقابات المهنية-النقابات العمالية-الجمعيات الاجتماعية والثقافية".
وعلى كل حال، ومهما كان التعريف الإجرائي المقترح، فإنه لا يخرج عن هذه الاعتبارات العامة. على أن الأساسي بالنسبة لمفهوم المجتمع المدني ليس هو فقط جانبه المؤسساتي، بل بالخصوص القيم والأخلاقيات والثقافة المدنية التي يساهم في نشرها داخل الجسم الاجتماعي بحيث تتحول إلى معايير وأسس تحكم السلوكيات وتوجهها. وفي هذا الإطار يمكن الإشارة على الأقل إلى الأركان التالية التي تقوم عليها ثقافة المجتمع المدني كما حددها الباحث أماني قنديل.
ـ الركن الأول: ويقتضي توفر إرادة الفعل الحر والطوعي، لذلك فالمجتمع المدني يختلف عن الجماعات القرابية مثل الأسرة والعشيرة والقبيلة، والتي لا دخل للفرد في اختيار عضويتها.
ـ الركن الثاني: وهو أن المجتمع المدني مجتمع منظم، يساهم في خلق نسق من المؤسسات والاتحادات التي تعمل بصورة منهجية خاضعة في ذلك لمعايير منطقية ولقواعد وشروط وقع التراضي بشأنها.
ـ الركن الثالث: وهو ركن أخلاقي سلوكي ينطوي على قبول الاختلاف والتنوع بين الذات والآخرين، وعلى الالتزام في إدارة الخلاف داخل، وبين مؤسسات المجتمع المدني، وبينها وبين الدولة، بالوسائل السلمية، وفي ضوء قيم الاحترام والتسامح والتعاون والتنافس والصراع السلمي.
إن هذه القيم والمبادئ العامة، إذا ما ترسخت داخل مجتمع معين، لا بد أن تسمح بانبعاث مجتمع مدني قوي وفعال ينقذ المواطن الفرد من عزلته، ويضع أسسا واضحة للتعامل والتفاعل مع الدولة على قاعدة قانونية ودستورية وقع الإجماع عليها من طرف أغلب القوى والتيارات والتشكيلات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
 
موضوع جميل اخي القناص
ومفهوم المجتمع المدني مفهوم نسبي وامثلته ي التاريخ قليلة جدا
 
عودة
أعلى